الحركة الإسلامية والاجتهاد المصلحي.. مفهوم وقواعد
أويس عثمان
مقدمة
الاجتهاد المصلحي الذي تعتمد عليه الحركة الإسلامية يحتاج إلى فهم الكثير من الجوانب، حتى يكون القرار صائباً. يستغرب الكثير من الناس اختلاف القرارات والمواقف الصادرة عن الحركة الإسلامية، ويعتبرونها نوعاً من التناقض والاضطراب. وهي وإن كانت صورتها متناقضة، إلا أن الظروف المحيطة بها قد تختلف بين مسألة وأخرى.
ومن المؤكد أن الاجتهاد واتخاذ القرار هو أمر بالغ الصعوبة، خصوصاً إذا كان متعلقاً ببعض الأحداث المفصلية والهامة، ولهذا يحتاج إلى دراسة واعية ومتأنية للوصول إلى قرار صحيح، أو أقرب إلى دائرة الصواب، وأكثر تحقيقاً للمصلحة.
الاجتهاد.. وتغير الظروف
إن جل القرارات التي تتخذها الحركات الإسلامية وما ينبثق عنها من أعمال وفعاليات، تندرج تحت مفهوم السياسة الشرعية، وهي ما يكون فيها الناس أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد. والتي تتحقق عن طريق تفعيل النظر العقلي، واستخلاص الدروس والعبر، وفهم المصالح، ومراعاة الأحوال والظروف.
" إن غالبية نشاطات الحركة الإسلامية الميدانية، تتسم بقبولها للاجتهاد وتعدد الرأي، وعدم وجود نص قاطع على كل أمر، مما يفتح الباب بشكل أوسع للمناقشة وتبادل الرأي والحوار البناء" وبمعنى آخر، فإن غالبية نشاطات الحركة الإسلامية الميدانية، تتسم بقبولها للاجتهاد وتعدد الرأي، وعدم وجود نص قاطع على كل أمر، مما يفتح الباب بشكل أوسع للمناقشة وتبادل الرأي والحوار البناء.
لكن وفي هذا الصدد، لابد من الانتباه إلى أن الاجتهاد يحتاج إلى استفراغ للوسع في فهم حدود المسألة وأبعادها، وفي الاجتهاد المصلحي التي تتخذه الحركة الإسلامية يحتاج إلى فهم الكثير من الجوانب، حتى يكون القرار صائباً. وبمعنى آخر، فإن اتخاذ قرار ما في قضية معينة، قد يحتاج إلى فهم للطبيعة السياسية، والقانونية، أو حتى الاقتصادية والإعلامية وغيرها، وإلا كان أقرب إلى العبثية منه إلى الصواب. بالإضافة إلى وضع الحركة الإسلامية ومدى قدرتها على إنجاح القرار وتحمل نتائجه.
فعلى سبيل المثال، تحتاج الحركة الإسلامية إلى معرفة استعداد كوادرها لخوض الانتخابات النيابية، أو العصيان المدني، أو مواجهة السلطة، وغير ذلك، وهذا يعني بداهة اختلاف القرار لاختلاف الظروف الخاصة، وإن كانت الظروف العامة مشابهة.
ومن الخطأ الشائع في هذا الصدد، أن نأخذ قرارات الحركات الإسلامية في بعض البلدان حول ذات المسألة، كقوالب جاهزة، نقيس عليها، ونطبقها بحذافيرها، دون مراعاة لخصوصية المكان والزمان والأشخاص والأنظمة.
وهذا التغير أشار إليه الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله، حيث يقول في الأصل الخامس من ركن الفهم: "ورأي الإمام ونائبه فيما لا نص فيه، وفيما يحتمل وجوها عدة، وفي المصالح المرسلة، معمول به ما لم يصطدم بقاعدة شرعية، وقد يتغير بحسب الظروف والعرف والعادات".
ويدخل في ذات الشأن إعادة الحركة الإسلامية لدراسة بعض القرارات التي اتخذتها في أمر معين، ولا بأس من اختلاف القرار لاختلاف المعطيات. كمسألة المشاركة في المجالس النيابية، أو الوزارات، أو حتى التحالفات السياسية، وغير ذلك.
حتى نحقق المصلحة
بناء على ما تقدم، فإن الاجتهاد المصلحي للحركة الإسلامية يحتاج إلى فقه رشيد، وقراءة متأنية، ولا يصح أن يتصدره الدعاة وعلماء الشريعة فحسب – رغم فضلهم، بل قد تكون قراءتهم للواقع المعقد غير حقيقية
ولهذا حتى يكون اجتهادنا صحيحاً فإننا نحتاج إلى الكثير من الأمور:
- القراءة الصحيحة للواقع، وإيجاد المختصين في كافة المجالات، لتقديم صورة حقيقية للمسائل المعروضة، وإيجاد أرضية مناسبة لاتخاذ قرار صحيح.
- وضوح الصورة التنظيمية والحركية لقيادة الحركة، إذ لا يمكن أن تغامر باتخاذ قرار مفصلي وهام، في ظل وجود مشاكل عميقة، وحالات جذب وانقسام، والتي تظهر عند أول محك حقيقي للحركة.
- تفعيل بعض القواعد الشرعية أثناء اتخاذ القرار، كالنظر إلى المآل، و درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ودفع المفسدة الأعظم بارتكاب المفسدة الأدنى، واختيار أهون الشرين، والأمر إذا ضاق اتسع ..الخ.
"ليس اجتهاد الحركة الإسلامية كفيلاً بتخطئة الآخرين ممن استفرغ وسعه في النظر والتأمل والاجتهاد، طالما أنه لم يناقض نصوص الشرع باجتهاده، أو تنكب لثوابت دينه ومقاصده"
وفي الوقت نفسه، قد تكون المصلحة ظاهرة في أكثر من أمر، وأرجح من المفاسد المترتبة عليه، وهنا ينبغي على أصحاب القرار الترجيح بناء على مدى نفعها للمجتمع، فالمصلحة العامة مقدمة على الخاصة، وما يتعلق بحفظ الدين مقدم على حفظ النفس أو المال، والمصالح المتعلقة بالضرورات مقدمة على الحاجيات والتحسينيات، والمصالح المؤكدة الوقوع مقدمة على المشكوكة أو الوهمية.
ومن الأمور التي ينبغي التأكيد عليها، أنه ليس اجتهاد الحركة الإسلامية كفيلاً بتخطئة الآخرين ممن استفرغ وسعه في النظر والتأمل والاجتهاد، طالما أنه لم يناقض نصوص الشرع باجتهاده، أو تنكب لثوابت دينه ومقاصده.
فالاجتهاد هو جهد بشري يصيب ويخطئ، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر" (متفق عليه). ولهذا لا مانع من دراسة خيارات الآخرين، ومناقشتها، في ضوء ما يحقق المصلحة بنظرتنا الموضوعية، فالعبرة بتحقيق المصلحة العامة للمجتمع بكافة أطيافه.
موقع بصائر