البلاح أول مدينة لعمال الإخوان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
البلاح أول مدينة لعمال الإخوان


إعداد/ إخوان ويكي

توطئة

البلاح

البلاح مكان احتضنته محافظة الإسماعيلية حيث تواجد بها أماكن للعمال التابعين لشركة قناة السويس والجبس، وبها تفريعة البلاح المعروفة بقناة فاروق، هي إحدى تفريعات قناة السويس. يبلغ طولها 10 كم. بدأ العمل فيها في 1949، وتم افتتاحها في 23 يوليو 1951. تقع في منطقة البلاح 25 كم شمال الإسماعيلية، تستخدم كجراج تسمح للسفن بالانتظار فيه، لحين عبور القافلة المعاكسة، وبذلك تزيد سرعة مرور السفن بالقناة وتقل ساعات الانتظار.

كما أنه كان بها بحيرة البلاح هي بحيرة مندثرة كان تشغل مساحة من القنطرة الحالية حتى شمال الإسماعيلية ، اطلق عليها المصريون القدماء اسم (مستنقع البرى) وكان هناك ميناء على تلك البحيرة في منطقة أبو صيفى بالقنطرة شرق أيضا من العصر البطلمى.

جنوبها كانت بحيرة التمساح وتدل المصادر التاريخية والدراسات الجيولوجية إن بحيرة التمساح كانت تشغل مساحة من منطقة الشيخ حنيدق جنوب الإسماعيلية حتى منطقة نمرة 6 وتمتد للغرب حتى أبو صوير حيث كانت مدينة تكو او سكوت (تل المسخوطة حاليا ) لها ميناء على تلك البحيرة، غير أنها اختفت بسبب التغيرات المناخية وانحسار مياه البحر عنها (1).

وكتب أحمد عمران منصور: البلاح تقع في شمال الإسماعيلية وهو من ترسيبات البحيرات الملحية بالمنطقة، وقدرت الاحتياطات بأكثر من 11.5 مليون طنا، وقد كان هذا الخام في وقت من الأوقات أهم مصدر للجبس للاستهلاك المحلي، إلا أن تسرب مياه الرشح في أماكن تواجد الخام زاد من صعوبة استخراجه (2).

الإخوان في جباسات البلاح

كانت انطلاقة دعوة الإخوان بمدينة الإسماعيلية حيث انتشر خبر نشأة هذه الجماعة كالنار في الهشيم، فأقبل الناس يتعرفون عليها خاصة بعدما أحيا الإخوان سنة العيد في الخلاء والتي اندهش الناس منها في البداية إلا أنها لاقت استحسان البعض، مما دفع بعض عمال جباسات البلاح – الذين كانوا يرتدون قهاوي الإسماعيلية وسمعوا عن الشيخ البنا ودعوته، ولمسوا أخلاقيات من انتسب إلى الدعوة – أن يدعو الإمام البنا لإلقاء كلمة وسط العمال وهو ما استجاب له، وهناك بايع الإخوان على الدعوة، فكانت هذه البيعة نواة الفكرة في ذلك المكان النائي، وبعد فترة ليست بالطويلة طلب هؤلاء العمال من الشركة أن تبني لهم مسجدًا، فاستجابت الشركة، فما الذي يضيرها إن فعلت ذلك والعمال فيها أكثر من ثلاثمائة عامل؟ فلما تم إنشاء المسجد، اقترح عليهم الإمام البنا أن يطلبوا من الشركة تعيين إمام للمسجد ليصلي بهم ولما كانت الشركة لا عهد لها بشروط الإمامة ولذا طلبوا من جماعة الإخوان الدينية أن تمدهم بخطيب وبالفعل أرسل الإخوان الشيخ محمد فرغلي وفا، وقد كان يقوم بالتدريس في معهد حراء حينذاك (3).

وصل الأستاذ فرغلي إلى البلاح وتسلم المسجد وأعد له سكنًا خاصًا بجواره، ووصل روحه القوي المؤثر بأرواح هؤلاء العمال الطيبين، فلم تمض عدة أسابيع وجيزة حتى ارتفع مستواهم الفكري والنفسي والاجتماعي ارتفاعًا عجيبًا، لقد أدركوا قيمة أنفسهم وعرفوا سمو وظيفتهم في الحياة وقدروا فضل إنسانيتهم، فنزع من قلوبهم الخوف والذل والضعف والوهن، واعتزوا بالإيمان بالله وبإدراك وظيفتهم الإنسانية في هذه الحياة – خلافة الله في أرضه – فجدوا في عملهم اقتداء بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه" ثم عفُّوا عما ليس لهم، فلم تأسرهم المطامع التافهة ولم تقيدهم الشهوات الحقيرة، وصار أحدهم يقف أمام رئيسه عالي الرأس في أدب، شامخ الأنف في وقار، يحدثه في حجة ومنطق.

أحس الأجانب المسئولون في هذه الشركة بعد فترة أن عمال الشركة قد تغيروا تغيرًا ملحوظًا، فهم وإن زادوا في عملهم حتى ظهر ذلك في إنتاجهم إلا إنهم صاروا يعتزون بكرامتهم، ولا يقبلون إهانة من أي مسئول مهما علت مرتبته، ومهما كان وراء ذلك من ربح مادي لهم، وعلم الرؤساء في الشركة أن سبب ذلك هو هذا الإمام الذي ينشر بين العمال أفكارًا صحيحة، ونبيلة ومثالية، لكنها ستحد من سلطتهم على العمال، فخشوا على أنفسهم من هذا التغير الذي طرأ عليهم، وقرروا إقصاء الشيخ.

أرسل إليه رئيسه المباشر – المسيو فرانسوا – وأخبره أن الشركة قد استغنت عن خدماته، ومنحته مكافأة فوق راتبه المستحق، فكان جواب الشيخ: لو كنت أعلم أنني موظف بشركة جباسات البلاح ما قبلت العمل بها، ولكني موفد من قبل الإخوان المسلمين بالإسماعيلية، وأتقاضى مرتبي منهم محولاً عليكم وأنا متعاقد معهم على ذلك، ولن أترك عملي بالمسجد ولا بالقوة، إلا إذا أمرني بذلك رئيس الجمعية التي انتدبتني هنا، وهو في الإسماعيلية فاتفقوا معه.

واتصل الشيخ فرغلي بالإمام الشهيد، وأخبره الخبر، فأثنى على تصرفه وأقره على ألا يترك مكانه بأية حال من الأحوال، فحجته معقولة، ولا شيء لهم عنده.

وقد لجأت الشركة إلى الإدارة فاتصل مديرها بمحافظ القنال الذي اتصل بدوره بمأمور الإسماعيلية، وأوصاه أن يقوم على رأس قوة لعلاج الموقف وحضر المأمور بقوته، وجلس في مكتب المدير، وأرسل في طلب الشيخ الذي اعتصم بالمسجد، وأجاب الرسول: لا حاجة لي عند المأمور، ولا عند المدير، وعملي بالمسجد، فإذا كان لأحدهما حاجة فليحضر لي، وحضر المأمور إلى الشيخ، وألح عليه أن يستجيب لطلب المدير ويترك العمل، فأجاب بمثل ما تقدم وقال له: تستطيع أن تأتيني من الإسماعيلية بكلمة واحدة في خطاب، فأنصرف، ولكنك إذا أردت استخدام القوة فلك أن تفعل ما تشاء، ولكني لن أخرج من هنا إلا جثة هامدة لا حراك فيها، ووصل خبر الفصل إلى العمال فتركوا العمل وأقبلوا متجمهرين صاخبين، وخشي المأمور العاقبة، فترك الموقف وعاد إلى الإسماعيلية.

اتصل المأمور بالإمام البنا للتفاهم على الحل، فاعتذر له البنا بأنه مضطر إلى عقد مجلس إدارة الجمعية للنظر والتفكير ثم يجيبه بعد ذلك، وحاول الإمام البنا في هذه الأثناء أن يقابل العضو المصري الوحيد في مجلس إدارة الشركة، فوجد منه إعراضًا عن مصالح العمال وكل انحياز إلى آراء الشركة ومديرها وكل تجرد من أية عاطفة فيها معنى الغيرة الوطنية.

وقد قابل الإمام البنا بعد ذلك مدير الشركة، وسأله عما ينقمه من فضيلة الشيخ، فقال له: يا أستاذ حسن أنت لم ترسل لنا إمامًا للمسجد، وإنما أرسلت جنرالاً ينفذ علينا هنا أحكامًا عسكرية، فناقشه الإمام البنا في هذا الكلام وأفهمه أنه مخطئ، وأن الشركات هي التي تقسو على العمال وتنقص من حقوقهم وتستصغر إنسانيتهم، وتبخل عليهم وتقتر في أجورهم، في الوقت الذي يتضاعف ربحها ويتكدس، وإن من الواجب علاج هذه الحال بعلاج نظم هذه الشركات ووجوب قناعتها باليسير من الربح، واتفق معه أخيرًا على أن يبقى الشيخ فرغلي شهرين حيث هو، وأن تقوم الشركة بتكريمه عند انتهاء هذه المدة، وأن تطلب رسميًا من الإخوان من يحل محله من المشايخ، وأن تضاعف للشيخ الجديد راتبه وتعنى بمسكنه ومطالبه، وفي نهاية المدة عاد فضيلة الشيخ فرغلي وتسلم مكانه فضيلة الأستاذ شافعي أحمد، واستمرت الدعوة تشق طريقها في هذه الصحراء (4).

شعبة جباسات البلاح وأول مجلس شورى

حرص الإمام الشهيد على إحكام بناء الدعوة منذ بدايتها وإحسان تكوين هيكلها، فرأى ضرورة إيجاد مجلس شورى عام يوجه حركة الجماعة ويناقش أنشتطها، ويرجع إليه في تقرير الأمور المصيرية للجماعة، فدعا فضيلته نواب فروع الجمعية بالقطر المصري إلى الاجتماع بمدينة الإسماعيلية يوم الخميس الموافق 22من صفر 1352هـ الموافق 15من يونيو 1933م، وقد اشترك فيه كثير من الفروع واعتذر البعض، وكان كل فرع يمثل في مجلس الشورى بنائب الفرع وسكرتيره، وقد حضر عن جباسات البلاح نائبها الأستاذ الشيخ محمد فرغلي وفا إمام مسجد الجباسات (5).

وحينما انعقد الاجتماع الثاني لمجلس شورى الإخوان العام في بورسعيد في 2، 3 من شوال 1352هـ الموافقين 19، 20 من يناير 1934م حضره عن شعبة البلاح كلا من الشيخ أمين عبد المقصود والشيخ شافعي أحمد عبدالله.

وحينما انعقد مجلس الشورى الثالث في عطلة عيد الأضحى بالقاهرة في الفترة من يوم السبت 11 من ذي الحجة 1353هـ الموافق 16 من مارس 1935م حتى يوم الاثنين 13 من ذي الحجة 1353هـ الموافق 18 من مارس 1935م، حضر عن شعبة البلاح الأستاذ جمال أفندي حسين.

وحينما اقتراح الأستاذ حامد أفندي طيرة اكتتاب الإخوان لمساعدة الجريدة في الإصدار سارع إخوان البلاح بدفع 30 قرش مساهمة في المجلة (6).

ولقد جاء اختيار مسئولي شعبة جباسات البلاح سواء في تقرير عام 1936 او 1940م جاءت كالتالي الشيخ شافعي أحمد – إمام مسجد الجباس مسئول الشعبة عام 1936، والشيخ شافعى أحمد عبد الله عام 1940م

وعلى الرغم من مشاغل الإمام البنا إلا انه زار شعبة جباسات البلاح أكثر من مرة ، ففي ذي القعدة 1352هـ / فبراير 1934م، قام بزيارتها بعد انتهاء مجلس الشورى العام للإخوان والذي انعقد في الإسماعيلية.

وفي الفترة من 8 جمادى أول إلى 14منه عام 1938م زار الإمام البنا منطقة القنال حيث زار شعبة البلاح يوم 12 من جمادى الأول والتقى بإخوانه وخطب في مسجدها بعد الصلاة.

أنشطة الشعبة

كانت شعبة البلاح ذات طابع خاص لأنها منطقة عمال يعيشون في الإسماعيلية إلا قليلا منهم، ولذا كان نشاطهم يتمحور في المناسبات العامة، فبمناسبة إحياء ليلة الإسراء والمعراج بالرسول صلى الله عليه وسلم أقامت جمعية الإخوان المسلمين في البلاح في تلك الليلة المباركة حفلة حضرها جميع الإخوان وكثير من غيرهم، وتليت فيها آيات الذكر الحكيم وتحدث الخطباء عن قصة الإسراء والمعراج وما في ذلك من المواعظ ومديح الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم (7).

وكان للإخوان مواقف طيبة في تبصير العمال في الشركات الأجنبية بحقوقهم وتوعيتهم، ومن ذلك ما حدث في مصنع جباسات البلاح بالإسماعيلية بفضل جهود الشيخ محمد فرغلي.

وقد وصل عدد الشركات الأجنبية في مصر في ذلك الوقت 320شركة تستغل جميع مرافق الحياة مقابل 11شركة مصرية، وقد بلغت أرباحها سنة 1938م (7.637.482 جنيهًا) كلها من دم المصريين الذين لا يجد نصفهم القوت (8).

الغريب أن شعبة البلاح لم تعد مجلة الإخوان تذكرها لكن على ما يبدو أنه اضوت تحت شعبة الإسماعيلية ومكتبها الإداري، إلا أنها ظلت ذكرى في ذاكرة تاريخ الإخوان.

المراجع

  1. موقع المعرفة والموسوعة الحرة
  2. أحمد عمران منصور، محمد سميح عافية: تنمية الموارد المعدنية في الوطن العربي، مراجعة محمد صفي الدين ابوا لعز، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم. معهد المخطوطات العربية (القاهرة)، 1397هـ ، 1977م،
  3. حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة، 2001م، صـ120.
  4. حسن البنا: المرجع السابق، صـ121- 122.
  5. جريدة الإخوان المسلمين: السنة الأولى، العدد الأول، 22صفر 1352هـ / 15يوليو 1933م.
  6. المرجع السابق: العدد 27 - الخميس 23شوال 1352هـ / 8 فبراير 1934م.
  7. المرجع السابق: العدد 16 ، الخميس 5 شعبان 1352هـ / 23نوفمبر 1933م.
  8. مجموعة رسائل الإمام حسن البنا: رسالة المؤتمر السادس، صـ318.