الإمام حسن البنا في مدرسة العلوم الشرعية بالمدينة المنورة
مقدمة
هي سيّدة البلدان ودار الهجرة والسنة وقلب الإيمان، إنها المدينة المنورة، التي تهفو إليها قلوب المسلمين في أنحاء المعمورة ويتطلعون إلى زيارتها للصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطلب العلم فيه، والاطلاع على معالمها الدينية العظيمة، حيث كان الإمام حسن البنا يحرص على زيارتها في مواسم الحج، ويقيم المؤتمرات التي تعرف الناس بحقيقة الإسلام الحنيف، والتي كانت تضمها مدرسة العلوم الشرعية بالمدينة المنورة.
تاريخ بناء مدرسة العلوم الشرعية
كان أحمد الفيض أبادي منذ قدومه مع والده من الهند عام 1316هـ - 1898م يحلم بإنشاء مدرسة تُعلم أبناء هذه البقعة المباركة؛ فتقدم بطلبٍ إلى الحكومة التركية يطلب الأذن بتأسيس المدرسة لكن قوبل طلبه بالرفض وتحويل المبلغ الذي بحوزته من تبرع الرجل الهندي الثري إلى مشروع الجامعة الاسلامية التي تبنيها الدولة
وفي خضم الأحداث هاجر الناس من المدينة لظروف الحرب العالمية الأولى وهاجر أحمد الفيض أبادي إلى أدرنة بتركيا ثم عاد إليها عام 1337هـ - 1918م، وعندما أتى موسم الحج قدم أحد تجار الهند والذي كانت له معرفة سابقة بأحمد، وقد حدثهُ عن آماله ورغبته في تأسيس المدرسة؛ فأمده بأربعين جنيهاً ذهباً.
لم يكن المبلغ كافياً لبناء المدرسة مما جعل أحمد الفيض أبادي يقترض مبلغاً من عبد الجبار الدهلوي لشراء أرض مناسبة بجوار المسجد النبوي الشريف، وأقترض أيضاً من أخيه محمود أحمد، وفي عام 1341هـ - 1922م كمل البناء الأبتدائي للمدرسة، وزود أحمد الفيض أبادي المدرسة بالمعلمين، واختار محمد الطيب الأنصاري معاوناً له.
كانت البداية في مبنى متواضع ومستأجر ، ظللت بعض أجزائه بما يشبه العريش أو الصندقة وبدأت المدرسة باثني عشر معلماً على رأسهم محمد الطيب الأنصاري. وقُسمت المدرسة إلى مجموعة شعب: الشعبة الأولى تحضيرية وهي مكونة من ثلاثة فصول أول وثاني وثالث وفيها يتعلم الطالب القرآن الكريم والقراءة والحساب والكسور التجارية بأنواعها، ثم شعبة المرحلة الابتدائية، ثم شعبة العلوم الشرعية يتعلم فيها الطالب كتب الصحاح الستة في الحديث والبلاغة والفقه وأصوله والتفسير.
اهتم أيضا المدرسة بالتعليم الصناعي والمهني وبلغ عدد الخريجين منذ بدء الافتتاح عام 1340هـ إلى نهاية عام 1358هـ-1359هـ 187 من شعبة القرآن الكريم. وأبرز من تخرج من هذه المدرسة محمد علي الحركان أول وزير للعدل في المملكة وغيره. وبعد وفاة أحمد أبادي خلفه ابن أخيه حبيب الذي نهض بالمدرسة وأمدها بالآلات الصناعية واشترى مكانا أخر وضمه للمدرسة.
تعرضت المدرسة في العام الثالث من إنشائها إلى العديد من الإشاعات التي يدبرها الحاقدون ، إلى أن أغلقت المدرسة وسرح طلابها وموظفوها .. فأكملوا المهمة العلمية في المسجد النبوي الشريف ، حتى سمح المسؤولون لهم بالعودة إلى مقر المدرسة ، لكن تحت رقابة مشددة ، حتى أرسل المؤسس طلباً بمنح ترخيص بإنشاء المدرسة ، ووصل الترخيص فاستعادت المدرسة نشاطها في ثقة واطمئنان.
الإمام البنا والمؤتمر الإسلامي في المدرسة
في رحلة الحج عام 1945م وبعدما أنهى الأستاذ البنا شعائر ومناسك الحج في مكة عقد مؤتمرا إسلاميا بمكة قبل أن يشد الرحال لزيارة المدينة المنورة. زارت البعثة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم والكثير من المعالم الإسلامية، فلم تدع مكانًا إلا زارته.
كان من ضمن الأماكن التي زارها الإمام البنا مدرسة العلوم الشرعية بالمدينة المنورة حيث ألقى فيها كلمة جاء فيها:
- بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.. سعدنا بزيارة المدينة المنورة، وسعدنا بأن نسير فى هذه الطرقات المباركة التى تذكرنا بأقدس الذكريات وأعلاها فى نفوسنا، وسعدنا بأن نصلى فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسعدنا بلقاء هذه النخبة من أهل المدينة، جيران النبى الأمين، منقذ الإنسانية ومخرج الناس من الظلمات إلى النور، المرسل بالحق، الناطق بالصدق، رحمة للعالمين.
- سعدنا بذلك كله، وتراءت فى أنفسنا تلك الصور الحية الناطقة، ومرت سراعًا تباعًا، ولكل صورة منها أثرها البالغ فى نفس المؤمن.
- إن طريقكم شاق، وعليكم أن تحملوا عناءً شديدًا؛ فتذرّعوا بالصبر، وتسلحوا بالاحتمال، وأخلصوا النية لله، واحتملوا ما تلقون من مشقة وعناء، واحتسبوا ذلك؛ فأنتم تخدمون فى أشرف بقعة، وتجاهدون فى مدينة النبى، وتنشرون ميراثه الكريم، وما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارًا ولا درهمًا، وإنما ترك هذا العلم تغترفون منه، وإن لكم فى موقفكم هذا مثوبة المجاهدين، يوزن مداد العلماء بدم الشهداء يوم القيامة.
- وبعد زيارتهم لمدرسة العلوم الشرعية أقام الإخوان عدد من الحفلات بدار الضيافة التي تواجدوا فيها تكريما للوفود الإسلامية. وفى مساء الأربعاء 30 من ذى الحجة 1364هـ - 1945م أقام الإخوان حفل تعارف بمدرسة العلوم الشرعية بالمدينة، دُعى إليه أعيان المدينة ورجال الحكومة بها، وضيوف المدينة من زعماء البلاد الإسلامية.
- بعد هذه الحفلة بدأ الإخوان يودعون بلد رسول الله استعدادًا للعودة إلى مصر بين دعوات بالقبول ورجاء بالعودة. وفى يوم الجمعة 2 من المحرم 1365هـ بعد أن أدت البعثة صلاة الجمعة بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم غادرتها إلى جدة؛ لتعود منها إلى مصر.
المصادر
- مدرسة العلوم الشرعية في المدينة المنورة
- جمعة أمين عبدالعزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، الكتاب الخامس، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2008م، صـ90- 110.