الإمام الشهيد .. مكرم عبيد باشا

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مكرم عبيد باشا

كتب تحت عنوان: "الإمام الشهيد"

تفضلت مجلة "الدعوة" الغراء فطلبت إلىّ أن أكتب كلمة فى ذكرى الراحل الكريم، الذى شاءت له رحمة الله أن يغادر هذه الدنيا الغادرة، إلى جوار ربه الرحمن الرحيم، كما شاءت لنا نحن رحمة الله أن يظل الراحل الذى فقدناه، ماثلا بيننا بذكراه، وبتقواه.

وهل هذا الراحل الماثل، إلا فضيلة المرشد المغفور له الشيخ حسن البنا؟

إى نعم، فإذا كنتم أيها الإخوان المسلمون، قد فقدتم الحاكم الأكبر، الخالد الذكر، فحسبكم أن تذكروا أن هذا الرجل الذى أسلم وجهه لله حنيفًا، قد أسلم روحه للوطن عفيفًا، حسبكم أن تذكروه حيًّا فى مجده، كلما ذكرتموه ميتًا فى لحده.

وإذا كان الموت والحياة يتنازعان السيطرة فى مملكة الإنسان، ويتبادلان النصر والهزيمة فيتساويان، فالغلبة للحياة مع الذكرى، وللموت مع النسيان، ولهذا فالميت حى لديك إذا ذكرته، والحى ميت لديك إذا نسيته.

وما من شك أن فضيلة الشيخ حسن البنا هو حى لدينا جميعًا فى ذكراه، بل كيف لا يحيا ويخلد فى حياته رجل استوحى فى الدين هدى ربه، ففى ذكره حياة له ولكم.

ومن ذا الذى يقول بهذا هو مكرم عبيد صديقه المسيحى الذى عرف فى أخيه المسلم الكريم الصدق والصداقة معًا، ولئن ذكرت فكيف لا أذكر كم تزاورنا وتآزرنا إبان حياته، ولئن شهدت فكيف لا أشهد بفضله بعد مماته، وما هى - وأيم الحق - إلا شهادة صدق أُشْهد عليها ربى؛ إذ ينطق بها لسانى من وحى قلبى.

بل هى شهادة رجل يجمع بينه وبين الفقيد العزيز الإيمان بوحدة ربه، وبوحدة شعبه، والتوحيد فى جميع الأديان المنـزَّلة لا يكفى فيه أن نوحد الله بل يجب أن نتوحد فى الله كما أن وحدة الوطن لا يكفى فيها وحدة أرجائه، بل يجب أن تتوافر لها قبل كل شىء وحدة أبنائه!.

ولقد كان الإخوان المسلمون والكتلة الوفدية هما الهيئتين الوحيدتين اللتين تبادلتا الزيارة فى دار الإخوان ونادى الكتلة، بل كان لى الحظ أن يزورنى - رحمه الله - فى منزلى، وأن نتبادل خلال حديث طويلٍ المشاعرَ الشخصية والوطنية، وكنت أراه فى حديثه أبعد ما يكون عن الشكليات والصغائر، مما جعلنى أعتقد أنه رجل قَلَّ مثيله بيننا فى التعمق تفكيرًا، وفى التنزه ضميرًا.

ولقد زرته - رحمه الله - إثر موته فى منزله، فكانت زيارة لن أنسى - ما حييت - أثرها الفاجع والدامع، ولقد هالنى أن أجد قوة من البوليس تحاصر الشارع الذى به منزل الفقيد، ولولا أن ضابط البوليس عرفنى فسمح لى بالمرور لما تيسر لى أن أؤدى واجب العزاء.

ولئن نسيت فلن أنسى كيف كان والده الشيخ البار متأثرًا بهذه الزيارة، حتى إنه قصَّ علينا - والدمع يفيض من عينيه - كيف منعوا الناس من تشييع جنازة الفقيد، ولم يسمح لغير والده بالسير وراء نعشه، كما لم يسمح للمُعَزّين بالعزاء فى منزله، وراح الوالد الكريم يشكرنى، ويدعو لى دعواته المباركات التى ما زلت أتبرك بها، ولو أنى قلت له إن واجب العزاء هو فرض واجب الأداء، فإذا ما قصرت فيه أنا أو أى مصرى كان فى ذلك تنكُّر لتقاليدنا وأوليات الوفاء.

إخوانى:

إى نعم، فأنتم إخوانى أيها الإخوان المسلمون.

أنتم إخوانى وطنًا وجنسًا، بل إخوانى نفسًا وحسًا، بل أنتم لى إخوان ما أقربكم إخوانًا؛ لأنكم فى الوطنية إخوانى إيمانًا، ولما كانت الوطنية من الإيمان فنحن إذن إخوان فى الله الواحد المنان. وإذا ما ذكرتم اليوم الفضيلة فى قبرها، فاذكروا أيضًا ما كان يذكره هو على الدوام؛ إذ يذكر الحرية فى سجنها.

فلنطالب إذن بتحرير بلادنا، وتحرير أولادنا المساجين المساكين، فإن الإفراج عنهم عزاء، وجزاء فى وقت معًا.


المصدر: مجلة الدعوة – السنة الثانية – العدد (52) - 16جمادى الأولى 1371هـ / 12فبراير 1952م.

  • مكرم عبيد هو: أحد الزعماء الوطنيين، انضم ل حزب الوفد فى بداية حياته السياسية وتولى منصب سكرتير عام الوفد لفترة طويلة وكان من أهم شخصيات حزب الوفد، واستقل عنه فى الأربعينيات وأسس "حزب الكتلة" وكان له جريدة تنطق باسم الحزب، دافع عن الإخوان عقب استشهاد الإمام البنا – رحمه الله – على صفحات الكتلة، وكان من النفر القلائل الذين تمكنوا من أداء واجب العزاء فى الإمام الشهيد.