الإخوان – أمريكا – الربيع العربي بين سطور الكتب الغربية
مقدمة
لم يترك خصوم الإخوان في مصر وغيرها من الدول العربية خاصة أي شاردة أو واردة في مسيرة حياتهم وعلاقاتهم إلا وألقوا بظلال الشبهات عليها، مع العلم أنها أحداث يقوم بها جميع الكيانات إلا أن النتيجة واضحة هي خوف الأنظمة العربية من أن يبسط التيار الإسلامي نفوذه على الشعوب والمنطقة فلا يكون للمستبدين والديكتاتوريين مكانا في هذه البلاد وهة السبب الحقيقي وراء إنفاق الإمارات والسعودية ومصر مليارات الدولارات من أجل القضاء على ثورات الربيع العربي وتصنفيها أنها ثورات أشعلت الفتنة في المنطقة وأنها سبب بلاء الشعوب.
لقد صال وجال كثير من الكتاب والباحثين والصحفيين والإعلاميين السائرين في ركاب الأنظمة والداعمين لهم في مواجهة الديمقراطية وحركات الإسلام السياسي حول علاقة الإخوان المسلمين بأمريكا، وإن كانوا من قبل اتهموا الإخوان بعلاقتهم ببريطانيا وألمانيا، بل يتهمونهم بإقامة علاقات مشبوهة مع كل الدول المعارضة للأنظمة العربية المستبدة، المهم هو إحاطة كيان الأنظمة المستبدة بهالة من القدسية التي لا تأتيها الباطل من بين يدها.
فحينما قامت ثورات الربيع العربي سارعوا بألقاء الاتهامات أن أمريكا الديمقراطية وقفت ودعمت هذه الحركات من أجل إثارة البلبلة والانتفاضة ضد الحكام المستبدين، حتى أن محمد بن زايد – ولى عهد أبو ظبي – صرح لأوباما إذا سقطت مصر وتولى الإخوان زمام الأمور، فقد يسقط 8 قادة عرب آخرون.
لكن يتجاهل هؤلاء عن عمد الدور الأمريكي والإسرائيلي الداعم للانقلابات العسكرية، والمذابح الجماعية للشعوب على أيدي حكماها المستبدين، والدعم المالي واللوجيستي الذي لاحدود له لهذه الأنظمة المستبدة. مع العلم أن الكل يدرك أن أمريكا والدول الغربية لا تدعم شخص ولا نظام ولا دولة إلا من أجل تأمين مصالحها القومية فأذا تعارضت مصالح شعبها القومية مع أى شيء أخر فلا مجال للتعاون.
وأمريكا يهمها تأمين نفسها وتأمين الكيان الصهيوني بكل السبل، وقد وجدت في الأنظمة الحاكمة العربية المستبدة الملاذ الآمن للكيان الصهيوني حتى أن تصريحات السيسي عن حماية أمن إسرائيل خير شاهد، وتطبيع الدول الخليجية المستبدة مع إسرائيل على حساب القضية الفلسطينية دليل دامغ على مدى التصاق هذه الدول بالحماية الإسرائيلية ضد شعوبها.
الإخوان وأمريكا
ظهرت أمريكا كقوى عظمى أثناء الحرب العالمية الثانية خاصة بعد أن رجحت كفة الحلفاء وعدلت الهزيمة لنصر وأزاحت بريطانيا وفرنسا عن عرش المقدمة واعتلته أمريكا والإتحاد السوفيتي. كانت علاقة الإخوان المسلمين بأمريكا تتسم بشقين، نظرة الجماعة للساسة في أمريكا وسياستهم نحو الدول والشعوب الإسلامية، ونظرة أخرى للشعب الأمريكي كشعب ودوره في الرأي العام.
حيث رأى الإخوان أن الساسة الأمريكيين يسعون لاحلال أنفسهم محل الاستعمار الانجليزي والفرنسي لكن بصور مختلفة غير الصورة التقليدية القديمة عن طريق الجيوش وغيرها، لكنها رسمت لنفسها سياسة الاستعمار بالوكالة عن طريق غرس أعوان لها على رأس السلطة في الدول الإسلامية.
يقول الشيخ حسن البنا:
- ومن هذه الحقائق أن إنجلترا اليوم غير إنجلترا بالأمس، بريطانيا فى هذه الأيام، ليست بريطانيا دزرائيلى وغلادستون وسل رودس، فقد تطورت الأفكار والأوضاع وشب عمرو عن الطوق، وظهر فى عالم المنافسة خصوم أقوياء أشداء،وخرجت أمريكا من صومعتها لتأخذ بنصيبها من خيرات العالم، وبرزت روسيا على المسرح العالمى الدولى ترتل أنغام الشيوعية. (1)
وعلى الرغم أن أمريكا أطلقت مبادئ الحريات إلا أنها لم تطبقها إلا على شعبها لكنها مارست سياسة استعمارية انتهازية على شعوب العالم الإسلامي، بل أصبحت أكبر داعم للمحتل الصهيوني والحامية له. لكن الإخوان نظروا للشعب الأمريكي على أنه شعب من الممكن أن يتقبل الفكرة الإسلامية كغيره من الشعوب ولذا حرصوا على نشر دعوتهم في هذا البلد، وبالفعل دخلت أفكار حسن البنا إلى أمريكا وتكونت شعب للإخوان في أمريكا
وقد ورد في نداء للسيدة سعاد الجيار - الحاصلة على دبلوم معهد التربية بالزمالك - والتي نشرته مجلة الإخوان المسلمون بمصر اليومية تحت عنوان (الاحتفال بالعيد السنوي الأول للأخوات في أمريكا) طالبت فيه بدعم أخوات أمريكا في إنشاء مقبرة للمسلمين ومدرسة لتعليم الأطفال المسلمين اللغة العربية والدين، وذلك بعدما تلقت خطاب من سكرتيرة الأخوات المسلمات بنيويورك وذلك عام 1948م. (2)
غير أن الأمور لم تسر على وافق بسبب ما أظهره مجاهدي الإخوان ضد العصابات الصهيونية في حرب 1948م فكان لأمريكا اليد الطولى مع بريطانيا وفرنسا بالضغط على النقراشي باشا بحل جماعة الإخوان المسلمين وهو ما حدث فعلا في 8 ديسمبر 1948م.
إلا أن أمريكا أصبحت المهيمين على السياسة العالمية فكان تعاونها مع الضباط في أزاحة الملك فاروق وتغيير التركيبة السياسية وهي السياسة التي سارت عليها أمريكا بفرض نفوذها على الدول من خلالها وهي تمكين عملاء لها في الحكم يخدمون سياستها ويحافظون على أمن إسرائيل.
رأت أمريكا في عبد الناصر خير حليف فساعدته على بلوغ السلطة – ومذكرات رفقاءه من الضباط الأحرار شاهدة على أحداث فترة حكمه – وكان أول ما فكر فيه لحماية حكمه هو القضاء على جماعة الإخوان المسلمين صاحبة أكبر رصيد شعبي في الوطن كحماية له وتأمين للسياسة الأمريكية في المنطقة.
أثناء بطش عبد الناصر بالإخوان سواء بالإعدام أو الاعتقال أو القتل هرب العديد من قادة الإخوان الذين عملوا من أجل فكرتهم الإسلامية فأنشأوا المراكز الإسلامية في الدول الغربية والتي أثارت حفيظة الساسة والمحافل الدينية الغربية التي رأت فيها خطر يهدد مسيحية الغرب، وظلت هذه الرؤية مصاحبة لكل مركز إسلامي في أوروبا. انتقل الكثيرين من الإخوان للعيش في أمريكا وكان له أثر وتأثير في نشر الفكرة الإسلامية وإقامة المراكز الإسلامية بأمريكا.
غير أن كثير من الكتاب والباحثين ألقوا برويات وتحليلات حول علاقة الإخوان (متمثلة في الدكتور سعيد رمضان صهر البنا) وبين الإدارات الأمريكية، وحاولوا توصيف ذلك أنها علاقات تبادل منفعة، حتى أنهم تحدثوا عن لقاء سعيد رمضان بالرئيس الأمريكي أيزنهاور على أنه لقاء خاص بينهما، متجاهلين بأنه لقاء جمع كثير من الدعاه المسلمين بالرئيس الأمريكي إيزنهاور الذينن حضروا (ندوة للثقافة الإسلامية) في جامعة برينسنتن عام 1953م
وذلك لمناقشة علاقة المسلمين بأمريكا وكيفية مواجهة الشيوعية في العالم والتي كان للإخوان دور بارز منذ نشأتها في التصدي لها، وهو ما أكده إيان جونسون في كتابه مسجد في موينخ حيث ذكر أن رمضان كغيره في جماعة الإخوان المسلمين قد عارضوا الشيوعية بشدة لرفضها للدين، وهذا بدوره جعل منه حليفا طبيعيا للولايات المتحدة. ويبدو أنه كان هناك هدف آخر للمؤتمر، وهو جس نبض الإسلاميين كجماعة الإخوان لمعرفة إمكانية جعلهم حلفاء نافعين لأمريكا في الحرب الباردة.
ومع ذلك نرى هذا الكاتب – تنشر له الإمارات كثير من المقالات والمحاضرات - الذي كتب عن الإخوان في أوروبا وعلاقة سعيد رمضان بأمريكا وذكر أن أمريكا انتبهت لدور رمضان بعدما تعاون مع هتلر
حيث يقول جونسون:
- "اعتمد هتلر على سعيد رمضان زوج ابنة حسن البنا في إعادة تأهيل الأسرى السوفييت من أصول قوقازية للحرب بجانب ألمانيا، بعد أن أقنعهم سعيد رمضان بأن هتلر وألمانيا ينتميان لدين سماوي هو الدين المسيحي، بينما الاتحاد السوفيتي لا دين له ويجوز قتاله حسب المحاضرات التي كان رمضان يلقيها على الأسرى، وبالفعل عاد عشرات الآلاف من المقاتلين لجبهات القتال، لكن هذه المرة مع هتلر وألمانيا ضد الاتحاد السوفيتي، وهو ما لفت نظر المخابرات الأمريكية والغربية للدور الذي يمكن توظيف هذا التنظيم المتطرف فيه" (3)
وهو ما أكده "تالكوت سيلي" - دبلوماسي أمريكي كان قد أرسل للشرق الأوسط - لـ "دريفوس" حين قال:
- "لقد فكرنا في الإسلام السياسي، ليكون بمثابة ثقل موازن للشيوعية. لقد رأينا فيه قوة معتدلة وإيجابية، وانطلاقا من هذا لم يكن من الغريب أنه عقب المؤتمر قام أستاذ من أساتذة جامعة برنستن مع مسؤول كبير في مكتبة الكونجرس بتنظيم زيارات للموفدين الخمسة عشر بمن فيهم رمضان للبيت الأبيض في 23 سبتمبر، حيث التقوا بالرئيس "إيزنهاور"، ووقفوا لأخذ صورة في المكتب البيضاوي". (4)
لكن لا ندري عمن ماذا استند هذا الصحفي على هذه المعلومات، خاصة أن التاريخ يثبت أن هتلر مات 30 أبريل 1945م وأن سعيد رمضان لم يحظ بلقاء هتلر لأنه ولد عام 1926 وتخرج في كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1946م وكان عمره لم يتجاوز الـ20 عاما وقت تخرجه، بمعنى أنه تخرج من الجامعة بعد وفاة هتلر بعام فكيف سافر ومتي لإعادة تأهيل الجنود السوفيت، وهو ما يلقى بظلال من الشك عما ذكره إيان جونسون وأن كلماته لم تستند لحقائق واعتمد على الكذب من أجل تحقيق هدف معين.
يقول أليكس إدوارد:
- "خلال البرقيات الدبلوماسية في الثمانينيات والتسعينيات التي أتيح الاطلاع عليها من خلال موقع ويكليكس، والتي تكشف عن أن سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في القاهرة، قد سعت للإبقاء على تواصل محدود مع الإخوان، بينما في المقابل طلب الإخوان من الدبلوماسيين الأمريكيين الحصول على موافقة رسمية على أية مقابلات قد تتم بينهم في المستقبل، خوفا من الدعاية السيئة أو رد فعل عنيف من الحكومة
- فيما بعد أصبح من سياسة الولايات المتحدة أن تقلص الاتصالات الدبلوماسية مع أعضاء الجماعة الموجودين في مجلس الشعب، أو الذين يشغلون مناصب في النقابات المهنية من منطلق الالتزام بحرفية القانون (وإن لم يكن بروحه)، كما تشرح برقية من عام 1999: "نحن ندعوهم بصفتهم رؤساء نقابات وليس أعضاء في جماعة محظورة".
ويضيف:
- وبعد 11 سبتمبر، تبنت إدارة بوش خطة عمل طموحة لتعزيز الديمقراطية في الشرق الأوسط، على أن نجاح الإخوان في انتخابات مجلس الشعب بمصر في 2005، عندما فازوا بعشرين في المائة من المقاعد تقريبا، مقارنة بنسبة ثلاثة في المائة عام 2000، وانتصار حماس في الأراضي الفلسطينية قبل ذلك بشهور عدة
- كان بمثابة إحراج شديد للولايات المتحدة، وأبطأ ذلك من جهودها لفرض الديمقراطية في المنطقة، وكما هو الحال بالنسبة للإدارات السابقة، فإنها عندما تواجه بالاختيار بين المصالح القومية التي قد تفرض الحفاظ على الوضع الراهن، وبين تعزيز الديمقراطية، فإن الخيار الأول يربح دائما. (5)
أمريكا والربيع العربي
يذكر الكاتب أليكس إدوارد في كتابه: الولايات المتحدة والإخوان المسلمون خاسرون في لعبة التشهير والذي ترجمته ياسمين عزيز:
- تتناول الدراسة أحداث الربيع العربي، والشكوك التي أثيرت حول الدور الأمريكي، وما أعقب ذلك من اتهامات للولايات المتحدة بدعم الإخوان المسلمين، وأن المسؤولين الأمريكيين الكبار "متعاطفون" مع تطلعات الإخوان، أو على صلات بالمنظمات الإسلامية، وأن إدارة أوباما مولت حملة مرسي الرئاسية سرا
- حيث يفند الكاتب تلك الأقاويل، مؤكدا أن الولايات المتحدة أخذت على حين غرة تماما بالثورتين التونسية والمصرية ؛ بالرغم من أنه كان هناك علامات على أن اضطرابات قد تحدث في تونس بسبب فساد أسرة بن علي وكبار المسؤولين، لكن لم يكن من المستطاع، أن يتنبأ أي إنسان أن موت "محمد بوعزيزي" الذي أحرق نفسه في 17 ديسمبر 2010 احتجاجا على مصادرة عربة الفاكهة التي يملكها من قبل بعض الموظفين المحليين
- سيكون الشرارة التي ستفجر سلسلة الأحداث التي هزت العالم، ولكن واشنطن لم تستوعب التوتر الحادث إلا بداية من 7 يناير، عندما استدعت سفيرها، وعلى الرغم من غرابة التوقيت - الذي يراه الكاتب محض صدفة - فإن وزيرة الخارجية الأمريكية "هيلاري كلينتون" سافرت إلى قطر في خضم الأحداث، وألقت كلمة حثت فيها القادة العرب على إتاحة المزيد من الحرية، حيث بات من الواضح أن التقدم في عملية الإصلاح لم يعد حثيثا.
- في هذا الوقت، كان الوضع في تونس يتدهور بسرعة، مما دفع "بن علي" إلى التصريح بأنه سوف يترك الحكم في نهاية دورته الرئاسية، لكن ذلك لم يكن كافيا، حيث أعلن الجيش التونسي بوضوح أنه لن يقوم بقمع الثورة بالقوة، فهرب بن على مع أسرته إلى المنفى، مما أصاب حكومة الولايات المتحدة بالصدمة، ولم يمر وقت طويل
- حتى قام الرئيس أوباما بتوجيه النقد للمخابرات الأمريكية على إخفاقها في التنبؤ بالثورة في تونس، ووفقا للصحفي الأمريكي "مارك مازيتي"، فإن المسؤولين الأمريكيين قد صبوا نقدهم على التقديرات التي جاءت بها أجهزة المخابرات في يناير 2011 ، والتي استخلصت، بالرغم من المظاهرات المندلعة في تونس، أن قوات أمن الرئيس "بن علي" سوف تدافع عن حكومته
- لكن من الواضح أن هذا لم يحدث؛ ففي الواقع كان المسؤولون الأمريكيون صرحاء في تعبيرهم عن دهشتهم من رحيل "بن علي"، ومن ذلك تصريح الأدميرال "مايك مولين" رئيس هيئة الأركان المشتركة في ديلي شو يوم 3 فبراير أن عزل "بن علي" لم يفاجئنا نحن فقط، بل الكثيرين.
ويرى الكاتب أن اهتزاز الحكومة الأمريكية أثناء الثورة المصرية كان أكثر حدة، حيث كانت الأوضاع تتغير بسرعة مع تداعي الأحداث، مما أجبر الولايات المتحدة على محاولة اللحاق بها مرة أخرى، فبعد فترة من التأرجح، كان فيها البيت الأبيض، مثل غيره مجرد متفرج على الأحداث في مصر، استنتج أوباما أخيرا أن مبارك قد قضي عليه، في هذا الوقت غيرت الإدارة موقفها من تحذير النظام من استخدام العنف إلى التحدث عن انتقال منظم بدون التحدث صراحة عن تنحي مبارك
ثم الانتقال مرة أخرى إلى التلميح أنه لابد أن يستقيل، وفي أواخر يناير 2011 بعد إقرار الرئيس المصري بأنه سيظل في منصبه، حتى نهاية سبتمبر أرسل أوباما "فرانك ويسنر" السفير السابق في مصر للقاهرة لتوصيل رؤية الإدارة بوجوب بدء مبارك عملية نقل منظم للسلطة، وفي 5 فبراير قال ويسنر في مؤتمر أمني عقد في ميونخ
كانت كلينتون من الحاضرين فيه :
- "نحن نحتاج للحصول على إجماع وطني بشأن الشروط المسبقة لما يلي من خطوات، الرئيس مبارك يجب أن يظل في منصبه ليشهد هذه التغييرات "، لكن سرعان ما تنصلت واشنطون في الحال من تصريحاته، خاصة وأن أوباما كان قد أعلن في حديث له عن الأزمة المصرية أن الانتقال المنظم للسلطة يجب أن يكون جادا وسلميا ويجب أن يبدأ الآن.
مع حلول 3 فبراير، كانت إدارة أوباما قد اقتنعت بأن مبارك قد انتهى، وحاولت الضغط عليه لتسليم السلطة لنائبه المعين حديثا، حيث كانت الخطة أن يتولى سليمان الرئاسة، ويقوم بتشكيل حكومة انتقالية، ويمضي قدما في الإصلاحات من أجل إنشاء ديمقراطية نموذجية، لكن الأحداث لم تسر في هذا المجرى.
هنا أدركت الولايات المتحدة حتمية مشاركة الإخوان في المشهد السياسي، وبالتالي لابد من وجود علاقات مع الإخوان المسلمين، وكما أشارت النيويورك تايمز في عددها الصادر بتاريخ 4 فبراير، لو أتيح للمصريين انتخابات نزيهة وحرة، وهو هدف إدارة أوباما، فسيضطرون للتعاطي مع إمكانية اشتمال الحكومة المصرية على أعضاء من جماعة الإخوان، هذا الإدراك للوضع عمق أبعاد المشكلة الموجودة بالفعل لدى الولايات المتحدة، وهي: الصراع بين القيم الراسخة لدى أمريكا من الإيمان بالديمقراطية، وبين الصالح القومي الذي يتطلب ضمان الاستقرار في مصر، الذي يمثل جانبا محوريا من استراتيجية الشرق الأوسط.
عندما وصلت أنباء سقوط مبارك إلى واشنطن، قام أوباما بإلقاء حديث تلفزيوني قال فيه:
- " لقد بين المصريون أنهم لن يقبلوا بأقل من ديمقراطية حقيقية في تدبير أمورهم... لقد كانت القوة الأخلاقية للالتزام بالخط السلمي لا للإرهاب أو القتل الطائش هي التي غيرت وجه التاريخ مرة أخرى."
ويصل الكاتب إلى نتيجة مفادها، أن الرئيس أوباما وباقي حكومة الولايات المتحدة أخذوا على حين غرة بسقوط مبارك، على الرغم من أن أمريكا لها بعض النفوذ على مصر وجيشها بفضل برنامج المساعدات الضخم، لكنها قد أثبتت، أنها بعيدة تماما عن دور صاحب القوة المطلقة الذي يمسك بخيوط الدمى، ويسحبها من وراء الستار. (6)
وفي ختام الدراسة يؤكد الكاتب أن حملة التشهير جاءت نتيجة الخشية من النفوذ غير الواضح لأمريكا من خلف الكواليس، ولعدم شعبيتها بشكل كبير في الشرق الأوسط، لدرجة أن الاتهام بالعمالة لواشنطن، قد أصبح وسيلة شائعة للهجوم على المعارضين، ومصر مثال واضح لذلك، فاتهام مبارك بالعمالة كان موضوعا منتشرا في الحديث بين معارضيه، مبارك بدوره استخدم الأسلوب نفسه عندما احتاج لتشويه معارضيه
على سبيل المثال، فإن برقيات ويكليكس التي نشرت في نوفمبر 2010 تضمنت سلسلة من الرسائل من عام 2005، فيها تقارير لدبلوماسيين أمريكيين في سفارة الولايات المتحدة في القاهرة عن الإشاعات التي تم تداولها عن الإخوان وتلقيهم أموالا من أمريكا. البرقيات أيضا تحدثت عن تقارير صحفية بأن الإخوان كانوا يدرسون إقامة حوار مباشر مع واشنطن بإلحاح من وزارة الخارجية. ما تم استخلاصه هو أن الإشاعات والتسريبات كانت محاولة لتقويض الإخوان كجزء من لعبة إظهار القوة بين الحركة وحكومة مبارك.
أثناء الحرب الباردة، كانت المخابرات المركزية الأمريكية تتطلع لاستخدام الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية الأخرى ضد الشيوعيين في الشرق الأوسط، كما يشرح واين وايت خبير تحليل المعلومات السابق في مكتب وزارة الخارجية للمخابرات والاستطلاع، والأستاذ بمعهد واشنطن لشؤون الشرق الأوسط (مؤسسة أبحاث مستقلة)
يشرح رأيه في هذا الصدد:
- "أي جهود لقيادة أو توجيه الإخوان المسلمين ستكون نوعا من خداع النفس، فإن الإخوان كان لديهم على الأقل طوال الثلاثة أو الأربعة عقود الماضية شكوك تجاه واشنطن"، كما صرح أيان جونسون أن الاتهامات بوجود علاقات مع CIA طريقة معتادة لتشويه الإخوان عبر عقود طويلة، بداية من ناصر عندما كان من المعتاد الهجوم عليهم بترديد عبارة: إنهم يتعاونون مع الأمريكان (وربما شملت العبارة الصهاينة أيضا) في المؤامرة العالمية
- وهناك مسؤولون سابقون في حكومة الولايات المتحدة ينكرون أن الولايات المتحدة قد سعت في أي وقت للتأثير على الإخوان، في الواقع، فإن السكرتير المساعد سابقا لوزارة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ريتشارد ميرفي يقول إنه لا يستطيع تذكر أية اتصالات رسمية خلال مدة خدمته بين CIA والإخوان، بالمثل توم تويتين الذي كان رئيس فرع المخابرات في مصر وليبيا في منتصف السبعينيات
- ثم ترقى ليصبح مديرا للعمليات في التسعينيات، أنكر أيضا أن البيت الأبيض قد فوضه لممارسة أي تأثير على الإخوان، يقول تويتين: لو أن مقرري السياسات يريدون اشتراك CIA في أية عملية، فهذا يتطلب وثيقة مكتوبة يطلق عليها (النتيجة) وهي تحدد الأهداف والحدود والأسباب المنطقية للإجراءات التي قد يتم اتخاذها من قبل CIA ... أستطيع أن أؤكد لكم من موقع مسؤول أنه لم يتم توقيع هذه الوثيقة
- ولم يكن هناك حديث عن تعاون مع الإخوان من 1974، وحتى اعتزالي العمل في 1995، ولا أذكر حتى أي ذكر لوجود برنامج كهذا قبل 1974، ومع ذلك يجب أن نفصل بين محاولة السيطرة على جماعة، وبين التجسس عليهم، والذي هو عمل المخابرات. في الواقع وكما يقر محلل استخباراتي آخر: فإن CIA لها مصادر معلومات في بعض المنظمات الإسلامية قد أمدتنا بكم هائل من التقارير السرية عنهم التي حوت معلومات داخلية.
- النقد الموجه للعلاقات بين الإخوان وأمريكا داخل مصر مستمر كل يوم، خاصة بعد أن سيطرت الجماعة على بعض مستويات الحكم في مصر، فإن معارضيها قد أضافوا باعثا جديدا لتقليص حجمها وتقويض سمعتها. خلال زيارة الوزيرة كلينتون للقاهرة في يوليو، انتقد الكاتب أحمد موسى الرئيس مرسي، وحزب الحرية والعدالة لعدم اتخاذهم موقفا تجاه ما يراه تدخلا أمريكيا في الشؤون الداخلية لمصر، وناقش كيف تحولت أمريكا من الشيطان الأعظم بالنسبة للإخوان إلى حليف لهم الآن، مؤكدا أن التواطؤ بين الطرفين مؤامرة تهدف لتقويض دور الجيش المصري. (7)
ثم يتطرق الكاتب إلى تأثير تلك الحملة على الداخل الأمريكي، حيث أصبح هناك نهج مواز، وأثارت بعض الشخصيات العامة مزاعم بخصوص التواطؤ مع الإخوان للهجوم على شخصيات معارضة، والطعن في وطنيتهم، ففي 13 يونيو قدم خمسة أعضاء من الكونجرس، من بينهم ميشيل باتشمان إلى مكتب المفتش العام بوزارة الخارجية تساؤلا عن "هوما عابدين" التي شغلت منصب نائبة رئيس العاملين لوزيرة الخارجية الأمريكية "هيلاري كلينتون" لوقت طويل
وعن السبب في منحها ترخيصا أمنيا، انطلاقا من أن والديها لهم علاقات مع أفراد وجماعات متصلة بالإخوان المسلمين، المزاعم قوبلت بغضب شديد من مشرعين آخرين من بينهم السيناتور "جون ماكين"، الذي تحدث في مجلس الشيوخ ملقيا خطابا
جاء فيه:
- هذه الاتهامات الشريرة لا تستند على منطق ولا أساس ولا وقائع موضوعية، وصف ماكين عابدين بأنها صديقة، وألمح إلى أن هذه الادعاءات تماثل إلى حد بعيد اتهامات جوزيف مكارثي في الخمسينيات أثناء ما سمي بالرعب الأحمر، عندما تم جر مسؤولين من وزارة الخارجية بالذات، ليمثلوا أمام الكونجرس للدفاع عن أنفسهم في مواجهة الاتهام بالتعاون مع الاتحاد السوفييتي.
- وفي النهاية، يرى الكاتب أنه بالنظر إلى الصراع الكامن على السلطة في مصر والمتوقع وجوده مستقبلا، لا يمكن استبعاد أي نوع من الاحتيال السياسي في هذه المرحلة، خاصة مع التأجج الذي تثيره عناصر الإعلام وما يشيعه بعضها من إشاعات ونظريات مؤامرة، هذا يعني أن اتهامات التواطؤ مع أمريكا سوف تظهر مجددا عندما تكون هناك فائدة لاختلاقها، مؤكدا أن الأدلة التي لديه تشير إلى أنه باستثناء مغازلة قصيرة الأمد للإخوان أثناء المراحل المبكرة للحرب الباردة، فإن الولايات المتحدة لم يكن لها أبدا نفوذ على الإخوان. (8)
المراجع
- حسن البنا: حول قضايا العالم الإسلامى، جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (17)، السنة الأولى، 22 جمادى الآخرة 1365ه - 23 مايو 1946م، صـ1.
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية العدد 744 السنة الثالثة، غرة ذى الحجة 1367هـ, 4 أكتوبر 1948 صـ5.
- الإخوان المسلمون في أوروبا: النشأة والتطور: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، 11 ديسمبر 2019، وانظر أيضا الإخوان وانتخابات أمريكا (4-1)، موقع الرؤية الإماراتي، 28 أكتوبر 2020
- سامح محمد إسماعيل: الولايات المتحدة والإخوان المسلمون، 19 ديسمبر 2020
- المرجع السابق.
- المرجع السابق.
- المرجع السابق.
- المرجع السابق.