الإخوان بين العمل السياسي والصراع على السلطة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان بين العمل السياسي والصراع على السلطة

مقدمة

  • وثيقة سياسية لجماعة الإخوان تقر تجاوز الصراع على السلطة.
  • قضية الإخوان ليست لدين أو مبادئ ولكن صراع على السلطة.
  • "الإخوان" .. ترك الصراع على السلطة أم الانزواء؟.

تصريحات هنا وهناك تنطلق من خصوم الإخوان في محاولة منهم لتشويهها وحصر مشروعها الإصلاحي في الصراع على السلطة، والعمل على التضييق عليها من أجل حصر نشاطها في كونها جماعة دعوية لابد أن تتبع الأنظمة الحاكمة دون الخوض في نقد هذه الأنظمة أو المطالبة بتغييرها. وأن الدين لابد أن ينفصل عن السياسة.

لكن السؤال الملح في هذا الصدد: هل كان الإخوان المسلمون في حالة صراع على السلطة ؟ أم كانوا في حالة رفض لاستبداد يعصف بكل مقومات الحياة السياسية الصحيحة؟

الديمقراطية العربية

بدأ تاريخ الشعوب العربية الحديث على واقع مرير وأرض محتلة من قبل المستعمر الغربي، وشعوب مستذلة، وحكم عسكري استبدادي استعماري يسعى لتغييب وعي الأمة وطمس هويتها وسلخها من عروبتها وتغريب فكرها، وإضعاف مجتمعاتها والعمل في إطار مصالحها فحسب بغرس نخبة تابعة له جاهلة بحقوق شعوبها وبلادها

منغمسة في تنفيذ ما يرضى المحتل، وهو ما أوجد حالة من الصراع الحزبي بين فئة بسيطة كانت كلها تدور في فلك المستعمر من أجل الوصول للسلطة والتربع على العرش، حتى أن بعضهم رضى بأن يأتي على فوهات الدبابات في الحادثة المشهور في مصر بحصار قصر عابدين في 4 فبراير 1942م.

ومع تغيير الواقع العالمي والمحلي وخروج الاستعمار بسبب تغير ميزان القوى لصالح دول أكبر وأقوى حرص المستعمر الجديد على عدم إرهاق نفسه باحتلال المجتمعات العربية والإسلامية لكنه غرس فئات وطبقات مجتمعية نفذت كل مطالبة أثناء وجودها في السلطة.

ولذا لم يتأسس النظام العربى الرسمي على أسس ديموقراطية من البداية ، فقد ورث عن الاستعمار معنى الوصاية على الشعب لا الوكالة عنه والمسئولية أمامه، وأصبحت البلاد يحكمها الاستعمار الغربي أو الشرقي لكن بأثواب وطنية أعتبرت نفسها وكيلة عن المستعمر، وهو ما لم يجعل أى شعب عربي أو إسلامي يمارس حقوقه في اختيار من يحكمه ومحاسبته أو عزله إن لزم الامر.

تحاول الدول المهيمنة الاستعمارية بتغليف المخططات العدوانية ضد الشعوب العربية والإسلامية بمصطلحات أخلاقية كي يتسنى لها اختراق الأدمغة واحتلال الأفئدة وشل الجوارح وإذلال الضمير وتدجين الروح وإماتة الوجدان.

يقول بشير الأنصاري:

إذا كانت الديمقراطية نتاج الحضارة الإنسانية التي توصلت إليها الشعوب لتحكم نفسها بنفسها وتزيل الأنماط الاستبداية في الحكم، فإنها اليوم تعتبر من أكثر المصطلحات السياسية تعرضاً للتشويه والتحريف حتى أصبحت ثنائية الاحتلال والديمقراطية وجهين لعملة واحدة. (1)

وهو المعنى الذي أوضحه عالم الاجتماع الأميركي المحاضر في جامعة سنتا باربارا بكاليفورنيا: إن هذه المنظمات تستخدم الأموال للتلاعب بنتائج الانتخابات وللتنسيق للانقلابات العسكرية في جميع أنحاء العالم وكل ذلك يتم تحت ستار "نشر الديمقراطية" (2)

الدولة في مفاهيم الإخوان

يعد الإخوان إمتداد للفكر الإصلاحي الذي زخرت به الدولة الإسلامية منذ نشأتها والذي تأثرت الجماعة به دون تقليد، وحاولت البناء عليه، وتفعيله في شكل تنظيم حركي في الميدان. حيث يتبني الإخوان مرجعية الشريعة الإسلامية (نصوصها ومقاصدها) من منطلق مفاهيم الإسلام الشامل، وهو ما جعلها تنادي بدولة مدنية ليست بالدولة الثيوقراطية ولا بالدولة العلمانية ولا بالعسكرية

إنما هي دولة مدنية مرجعيتها الإسلام تقوم على التعاقدية والمواطنة التمثيلية والتداولية، وهو ما جعل الإخوان يؤمنون بالدولة حيث جعل الإمام البنا الحكم من العقائد والأصول لا من الفقهيات والفروع.. غير أنه وفي تحولات الفكر الإخواني الراهن أصبحت الدولة من الفروع لأنها تتعلق بالعمل لا بالاعتقاد، دون أن يعني ذلك تهويناً من شأنها

وهو ما يجعل الإخوان يؤمنون بالدستور كعقد اجتماعي يحدد شكل الدولة وينظّم العلاقة بين الحاكم والمحكومين ويضمن حقوق المواطنة، على أن تكون الشريعة الإسلامية هي مرجعية دستور الدولة وقوانينها دون أي تعارض مع مقاصدها أو أياً من نصوصها القطعية، كما يؤمنون بالفصل بين السلطات.

كما أن هناك ثمة أمر هام أوضحه الإخوان وشددوا عليه حينما تناولوا هذه المفاهيم وهي إيمانهم بالفرق بين الديمقراطية كآلية سياسية تتوافق مع الشورى المأمور بها في الإسلام، وبينها كفلسفة فصلت بين الروح والجسد، وأعطت الحق للأغلبية في تبني أي شيء وإن تعارض مع الدين والأخلاق وهذا ما يرفضه الفكر الإخواني. (3)

الدولة المدنية ،هى دولة سيادة القانون لا دينية ولا عسكرية ينعم فيها المواطنون بالحرية والمساواة فى الحقوق والواجبات والعدالة الاجتماعية دون تمييز على أساس اللون أو الدين أو الجنس،والشعب مصدر السلطات ، ويفصل فيها بين السلطات ، والتدوال الديمقراطى السلمى للسلطة عن طريق الانتخابات الحرة بنزاهة وشفافية . وتمارس تلك الحقوق وفقا لتعاليم الإسلام وقواعده الكلية ، وذلك المقصود بمرجعية الإسلام للدولة المدينة .

أما الدولة الدينية الكهنوتية التى عرفت فى أوربا التى يحكم فيها الحاكم بالحق الإلهى نيابة عن الله ، فلا مراجع لحكمه ؛ لأنه مستمد من الله ، والاعتراض عليه اعتراض على حكم الله ، وتمارس الاستبداد والظلم باسم الدين. والدولة الدينية لا وجود لها فى الإسلام ، والإخوان المسلمون يرفضون وجود الدولة الدينية والحكم الدينى لأنه يتنافى مع الإسلام ، وبالتالى فهى مرفوضة عند الإخوان (4)

كما يعتقد الإخوان أن العدل هو الأساس الذي تبنى عليه الحضارات، ولا تقوم المدنيات ولا ينهض العمران إلا في ظله، ولا تستقر الدول وينبسط سلطانها إلا به، وإنما أنزل الله الكتب وأرسل الرسل بالبينات والهدى ليقوم الناس بالقسط وليحكموا بالعدل.

ويعتبر الإخوان أن العدل هو جوهر الشريعة الإسلامية، وأنها (أي الشريعة) ما جاءت إلا لتقيم مجتمع العدل والمساواة بين بني البشر جميعًا، حكامًا ومحكومين، مسلمين وغير مسلمين، مع ضمان الحرية وكفالة المساواة وتحقيق الشورى.

وهو ما عبره عنه الدكتور عصام العريان حول فهم الإخوان للدولة بقوله:

الدولة ضرورة بشرية وفريضة شرعية لازمة، غايتها حراسة الدين وبسط العدل ورعاية مصالح المواطنين، السلطة فيها وظيفة اجتماعية وخلافة مسئولة يتحملها الكافة؛ فكل فرد مسئول عنها ومحاسب عليها باعتبارها أداة المجتمع الهامة لتنمية الإنجاز الاجتماعي في خدمة أهدافه المشتركة وتعزيز رصيده الحضاري والإنساني داخل المحيط الدولي.

ويضيف:

الدولة الإسلامية هي ما نطلق عليه الدولة (الحديثة) بالصيغة التي نقدمها في مشروعنا هذا، وليست بالدولة (الثيوقراطية) ولا هي بالدولة (العلمانية) (5)

ولقد أوضح الإمام حسن البنا شكل الدولة والحكم في مفاهيم الإخوان والتي تستمد نظمها ومرجعيتها من القرآن الكريم والسنة المطهرة فقال: نظام الحكم الإسلامى يعتمد على قواعد ثلاث:

  1. مسئولية الحاكم.
  2. احترام إرادة الأمة.
  3. والمحافظة على وحدتها.

وإن من حسن الحظ أن هذه هى أيضا دعائم النظام النيابى الحديث الذى اخترناه لأنفسنا، كما بينت أننا لم نطبق هذا النظام ولا ذاك تطبيقا صحيحا، وبذلك اضطربت الأمور تبعا لذلك (6)

ولذا يرى الإخوان أن إدارة الدولة تكون وفقا للنظم الإدارية الحديثة ، فالإسلام لا يفرض طريقة معينة لإدارة الدولة، فهذا شأن كل دولة وفقا لمؤسساتها التشريعية وتوافقها الوطنى، والمهم تحقيق مبادىء الإسلام فى الحكم من الحرية والعدالة والمساواة، ومراعاة مصالح الدولة داخليا وخارجيا.

ومن ثم كان لهذا الفكر الإخواني من الدولة والأخذ بنظم الإسلام الشامل أن نظر لها البعض بتوجس وقلق في ظل التواجد الغربي المتحكم في المنطقة والذي كان يرى في حركات الإسلام السياسي الخطر على مصالحه، والذي عبر عنها Daniel Papes بقوله: إن الإسلام السياسي أكثر خطورة على الشعوب والعالم من الإسلام التقليدي، لأنه يسعى لإقامة نظام جديد، كما يدعو إلى مواجهة القيم الغربية والقضاء عليها واستبدالها بالخلافة الإسلامية. (7)

هل انحرف الإخوان عن منهجهم؟

تكاد تكون تهمة مكررة حتى في زمن وجود الإمام البنا على قيد الحياة، في محاولة من أعداء وخصوم الإخوان لتشويه مسيرتهم، وهو ما رد عليه الإمام البنا وقتها بقوله: أن طبيعة الدين الإسلامى نفسه لم تفرق بين الدين والسياسة، وتعرض الإخوان للسياسة سواء أكانت من حيث المطالبة بحرية البلاد وحقوقها أم وجوب الأخذ بنظم الإسلام الحنيف فى أوضاعها الاجتماعية على اختلافها ففرض مستمد من الإسلام نفسه ومعتمد عليه وهو جزء من أجزاء هذا الدين لا انحراف فيه (8)

بل فند تهمة محاولة الإخوان الانقلاب على الحكم بقوله:

بطلان اتهام العمل على قلب نظام الحكم، وهذه فى الواقع أعجب الاتهامات، ولا ندرى أى نظام حكم يعنى هؤلاء المتهمين، إن نظام الحكم فى مصر إما دينى وهو الإسلام الذى ينص الدستور على أنه دين الدولة الرسمى وإما مدنى وهو النظام الديمقراطى الذى يقوم على إرادة الشعب واحترام حريته، والذى فصله الدستور تفصيلا فهل الإخوان المسلمون يعملون على قلب أحد هذين النظامين؟ اللهم لا! وألف مرة: لا! فإن أساس دعوة الإخوان هو الإسلام، ولا وسيلة لهذه الدعوة ولا حماية لها إلا بالدستور الذى يكفل الحريات (9)

ويجلى فهم الإخوان للسياسة وارتباطها بالإسلام كونها جزء لا يتجزأ منه بقوله:

ويقول قوم آخرون: إن الإخوان المسلمين قوم سياسيون، ودعوتهم سياسية، ولهم من وراء ذلك مآرب أخرى. ولا ندرى إلى متى تتقارض أمتنا التهم، وتتبادل الظنون، وتتنابز بالألقاب، وتترك يقينًا يؤيده الواقع فى سبيل ظن توحيه الشكوك؟
يا قومنا، إننا نناديكم والقرآن فى يميننا، والسنة فى شمالنا، وعمل السلف الصالحين من أبناء هذه الأمة الصالحة قدوتنا، وندعوكم إلى الإسلام وتعاليم الإسلام وأحكام الإسلام وهدى الإسلام، فإن كان هذا من السياسة عندكم فهذه سياستنا، وإن كان من يدعوكم إلى هذه المبادئ سياسيًّا فنحن أعرق الناس - والحمد لله - فى السياسة، وإن شئتم أن تسموا ذلك سياسة وهو ليس بها فقولوا ما شئتم، فلن تضرنا الأسماء متى وضحت المسميات وانكشفت الغايات (10)

وفي موضع أخر يوضح الأمر أكثر بقوله:

قلما تجد إنسانًا يتحدث إليك عن السياسة والإسلام إلا وجدته يفصل بينهما فصلاً، ويضع كل واحد من المعنيين فى جانب، فهما عند الناس لا يلتقيان ولا يجتمعان، ومن هنا سميت هذه جمعية إسلامية لا سياسية، وذلك اجتماع دينى لا سياسة فيه، ورأيت فى صدر قوانين الجمعيات الإسلامية ومناهجها (لا تتعرض الجمعية للشئون السياسية).

ويضيف:

الفارق بعيد بين الحزبية والسياسة، وقد يجتمعان وقد يفترقان، فقد يكون الرجال سياسيًّا بكل ما فى الكلمة من معان، وهو لا يتصل بحزب ولا يمت إليه، وقد يكون حزبيا ولا يدرى من أمر السياسة شيئًا، وقد يجمع بينهما فيكون سياسيًّا حزبيًّا أو حزبيًّا سياسيًّا على حد سواء، وأنا حين أتكلم عن السياسة فى هذه الكلمة فإنما أريد السياسة المطلقة، وهى النظر فى شئون الأمة الداخلية والخارجية غير مقيدة بالحزبية بحال (11)

لقد تكلم الإمام البنا والإخوان من بعده عن السياسة العامة المطلقة وليست السياسة الحزبية ولم يفرض ما قاله على أحد – كما يزعم البعض ويحاولون تشويه مسيرة الرجل- بل كان حديثه عن الحزبية البغيضة بسبب تفرقتها بين فئات وأفراد الشعب، ولم تجلب لمصر الخير.

لكنه مع ذلك ذكر أنه لا يفرض بغضه للحزبية على أحد وأنه رأيه الشخصي حيث يقول:

وإن لى فى الحزبية السياسية آراء هى لى خاصة، ولا أحب أن أفرضها على الناس؛ فإن ذلك ليس لى ولا لأحد، ولكنى كذلك لا أحب أن أكتمها عنهم، وأرى أن واجب النصيحة للأمة -وخصوصًا فى مثل هذه الظروف- يدعونى إلى المجاهرة بها وعرضها على الناس فى وضوح وجلاء، وأحب كذلك أن يفهم جيدًا أنى حينما أتحدث عن الحزبية السياسية فليس معنى هذا أنى أعرض لحزب دون حزب، أو أرجح أحد الأحزاب على غيره، أو أن أنتقص أحدها وأزكى الآخر، ليس ذلك من مهمتى. (12)

الإخوان والحكم

كان لفهم الإخوان الشامل للإسلام أثره في عدم تفرقتهم بين أي جانب من جوانب حياة الناس، فكلها عالجها الإسلام من منظوره. ومن ثم فكما أن الإخوان دعاة في المساجد، مصلحين بين الناس هم أيضا سياسيون وفق المنظور الإسلامي، ولهم الحق في مناصرة ودعم من يجعل الإسلام منهجه، وإن لم يجدوا لهم الحق في الدفع بأحد منهم لينافس على الحكم طالما يمتلك مقومات القيادة.

يقول الإمام البنا:

"السياسة الإسلامية نفسها لا تنافى أبدًا الحكم الدستورى الشورى، وهى واضعة أصله ومرشدة الناس إليه".

ولقد أعلن الإمام البنا والإخوان أنهم جنود في خدمة كل حكومة تعمل لدين الله ولصالح الوطن، وإذا لم توجد فلهم الحق في تقديم نفسهم للحكم

فيقول:

فإن قعود المصلحين الإسلاميين عن المطالبة بالحكم جريمة إسلامية لا يكفرها إلا النهوض واستخلاص قوة التنفيذ من أيدى الذين لا يدينون بأحكام الإسلام الحنيف. هذا كلام واضح لم نأت به من عند أنفسنا، ولكنا نقرر به أحكام الإسلام الحنيف. وعلى هذا فالإخوان المسلمون لا يطلبون الحكم لأنفسهم، فإن وجدوا من الأمة من يستعد لحمل العبء، وأداء هذه الأمانة، والحكم بمنهاج إسلامى قرآنى فهم جنوده وأنصاره وأعوانه، وإن لم يجدوا فالحكم من منهاجهم، وسيعملون لاستخلاصه من أيدى كل حكومة لا تنفذ أوامر الله.
ومع هذا فالإخوان أعقل وأحزم من أن يتقدموا لمهمة الحكم ونفوس الأمة على هذا الحال، فلابد من فترة تنشر فيها مبادئ الإخوان وتسود، ويتعلم فيها الشعب كيف يؤثر المصلحة العامة على المصلحة الخاصة. (13)

ويؤكد أنهم ليسوا مطية لأى حكومة لكنهم جنود في سبيل غايتهم وأهدافهم فيقول:

إنه ليس أعمق فى الخطأ من ظن بعض الناس أن الإخوان المسلمين كانوا فى أى عهد من عهود دعوتهم مطية لحكومة من الحكومات، أو منفذين لغاية غير غايتهم، أو عاملين على منهاج غير منهاجهم، فليعلم ذلك من لم يكن يعلمه من الإخوان ومن غير الإخوان (14)

بل أوضح أن الإخوان لن يدخلوا في خصومات مع الأخرين لأنهم يقدرون كل جهد قد يبذل، ولا يريدون تشتيت هذه الجهود حفاظا على سيادة أوطانهم فيقول الإمام البنا: ونحن لا نهاجمهم؛ لأننا فى حاجة إلى المجهود الذى يبذل فى الخصومة والكفاح السلبى لننفقه فى عمل نافع وكفاح إيجابى، وندع حسابهم للزمن، معتقدين أن البقاء دائمًا للأصلح. (15)

ومن ثم اعتبر الاخوان المسلمون طبقا لفهمهم للإسلام الشامل أن القعود عن السعي لتحكيم الإسلام – بصرف النظر عمن يحكم به – جريمة لا يكفرها سوى القيام بذلك السعي.

وقد سبب هذا الفهم وذلك السعي الكثير من المتاعب لجماعة الاخوان المسلمين ، خاصة وأن أنظمة حكم ما بعد الاستعمار ، أنظمة قمعية استبدادية ، لاتعترف بحقوق الشعوب في اختيار من يحكمها ، فرأت تلك الأنظمة في جماعة الإخوان المسلمين دوما فصيلا متمردا على املاءات السلطة.

لقد استطاع الإخوان المسلمون بكثير من الحنكة السياسية وقليل من الأخطاء السياسية وبعض التعثرات الفكرية ، أن يبحروا في بحر السياسة متجنبين عثراتها قدر الإمكان . وكان كلما حقق الإخوان تقدما ملحوظا ، كانت السلطات القمعية الفاسدة تشتد عليهم في المواجهة والتضييق.

هل كان تصارعا من الإخوان على السلطة؟

حاول الكثيرون نعت مواقف الإخوان من العمل السياسي بأنه تصارع منهم على السلطة كونها هدفهم الأول، كما جاءت بعض التصريحات بانسحاب الإخوان من الصراع على السلطة لتزيد الأمر التباسا، خاصة أن الإخوان منذ نشأتها لم تتصارع على السلطة لكنها مارست حقها الطبيعي في ممارسة العمل السياسي سواء في النقابات أو البرلمان أو امتلاك منهجي إصلاحي من خلال العمل في الوزارات أو حتى أعلى منصب في مصر وهو المنصب الرئاسي.

فهذا حق للإخوان مشروع مثلما هو حق لكل مصر ولد على أرض مصر ويعمل في سبيل نهضتها ويمتلك مقومات القيادة. لقد أمن الإخوان بمعاني الإسلام الشامل، ولذا دعوا إلى العمل لإيجاد دولة إسلامية تقام على الشريعة والعدل والمساواة والحرية.

والإخوان لا يقرون الفوضى لأن الإسلام جعل قواعد الحكم من أسسه وهو المعني الذي ذكره الإمام البنا بقوله: "يفترض الإسلام الحنيف "الحكومة" قاعدة من قواعد النظام الاجتماعى الذى جاء به للناس، فهو لا يقر الفوضى، ولا يدع الجماعة المسلمة بغير إمام" (16)

لكن مع ذلك لا يرجى الإخوان السلطة لأنفسهم المهم من يحكم يطبق تعاليم الشرع الحنيف وأسس العدالة والحرية والمساواة. ولذا رأينا أن الإخوان لا يرجون السلطة لأنفسهم وأنهم على استعداد للتعاون وتقديم الجهد لكل حكومة تعمل من أجل وطنها بإخلاص ووفق شرع ربها، وهو المعنى الذي ذكره الإمام البنا بقوله: "وأن يجد من المصريين الأكفاء المخلصين الذين يقومون بعبء الحكم والإدارة وتنظيم شئون الحياة الرسمية المختلفة" (17)

لو كان الإخوان هدفهم التصارع على السلطة ما تنازل الإمام البنا عن ترشحه في انتخابات برلمان عام 1942م وما قدم المصلحة العامة للوطن على مصلحة الجماعة، ولتمسك برأيه في الاستمرار في الترشح – رغم أن ذلك ترشح للبرلمان وليس للحكومة او الرئاسة- لكن حينما أخبره النحاس باشا بسوء الوضع وجاهزية الانجليز لتوسيع رقعة نشر جيشهم في البلاد مرة أخرى تنازل الإمام البنا مقابل – لم يطلب مقابل شخصي- تحريم الخمور والدعارة والسماح للعمل الدعوي بالانتشار (18)

لو كان الإخوان يتصارعون على السلطة لما سلموا أنفسهم بكل يسر للحكومة أثناء عودتهم من حرب فلسطين رغم إدراكهم أنه اعتقال ورغم امتلاكهم القوة والمهارة العسكرية. لو كان الإخوان يتصارعون على السلطة ولا يسعون لاصلاح الحكم بالطرق السلمية المشروعية ما تشاركوا مع الجيش في ثورة يوليو وما تركوا فرصة مظاهرة عابدين تمر دون الاستفادة منها والقبض على جميع القادة العسكرين في فبراير 1954م، وكان ذلك في مقدرتهم

ولكن كان هدفهم هو إرثاء قواعد الديمقراطية والتأكيد على العسكريين بالعودة لمهامهم العسكرية وثكناتهم، وترك السياسة لرجالها ممن يختارهم الشعب، وإعادة الرئيس نجيب لمكانه واستقامة الحكومة من أجل النهوض بالوطن والعمل على معالجة ما اعتراه من مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية.

الإخوان لم يكن همهم الصراع على السلطة لكنهم قدموا أنفسهم مثل غيرهم من أبناء الشعب ومثل التيارات السياسية التي مُلئت بها الساحة المصرية سواء ليبرالية أو شيوعية، فكان تحالفهم مع الوفد في انتخابات برلمان 1984م، ثم كان تحالفهم مع حزب العمل والأحرار الدستوريين حيث فاز التحالف بأكثر من 60 مقعدا كان من اختارهم هم الشعب وليس بفرض القوة من قبل الإخوان على الرغم من التزوير والعنف من قبل السلطة الحاكمة.

الإخوان لم يكن همهم السلطة لكنهم حاولوا حل مشاكل الناس وتقديم الرؤى الاصلاحية من خلال النقابات والمجالس المحلية ومشاركة الشعب ألمه في زلزال 1992م أو أى من نكباته والذين سبقوا الحكمة في معالجة هذه الأمور، فكانت النتيجة رضاء الشعب عنهم واختيارهم في النقابات مما أدى بالسلطة لاستخدام قوتها البوليسية والعسكرية في القضاء على هذه التجارب الديمقراطية.

الإخوان لم يكن همهم السلطة لكنهم شاركوا وفق الأطر الدستورية والديمقراطية في انتخابات 2005م فكانت النتيجة 88 عضو في البرلمان رغم التزوير الفج والواضح من قبل السلطة. الإخوان لم يكن همهم السلطة وإلا لكانوا تعاونوا مع أى نظام حاكم في سبيل اعفاء أنفسهم من المحن ولرضوا بما يقدمه النظام لهم من منح وعروضات، لكن كان همهم الوطن والشعب فضحوا من أجل ذلك بحرياتهم وأموالهم التي صودرت وأرواحهم التي ازهقت وراحتهم.

الإخوان لاحت لهم فرص كثيرة لكنهم من أجل مصلحة الوطن سلكوا الطرق الدستورية فكان ترشحهم في انتخابات حرة نزية لم تشهدها مصر من قبل ولا من بعد بعد ثورة يناير فحمل الشعب الإخوان إلى البرلمان كما حمل مرشحهم إلى سدة الحكم الرئاسي ولم يستخم الإخوان قوة ولا عنف للوصول لهذا المكان والذي سرعان من انقلب عليهم العسكر وكالة عن الدول الاقليمية الكارهة للديمقراطية والدول الغربية الكارهة أن ترى مصر الحرية.

أخيرا

الإخوان لم يتصارعوا يوما على السلطة – فهذا مصطلح وتعبير خاطئ- لكن الإخوان ساروا على النهج الدستوري للبلاد والمفاهيم العامة الشاملة للإسلام فقدموا أنفسهم للشعب فنالوا القبول والاستحسان ومن ثم اختارهم الشعب في انتخابات دستورية، فالسلطة ليست حكرا على عسكري ولا علماني ولا شيوعي ولا إسلامي..

فالسلطة مسئولية يلقيها الشعب فيمن يثق فيه ولا تأخذ بالقوة كما فعل العسكر في كل مراحل تاريخهم حيث لم يتركوا مجالا للشعب ليختار، فهم من يتصارعون على السلطة حتى وصل الأمر أن قضوا على بعضهم البعض من أجل السلطة ولنا في جمال ومن بعد المثل حيث قضى على رفاق مسيرته عبد الحكيم عامر وعبد اللطيف البغدادي وخالد محي الدين ويوسف صديق وكمال الدين حسين.

ومن بعده جاء السادات ليقضى على من شاركهم الحكم فترات طويلة فيما عرف بثورة التصحيح، بل انقلب على إرث سيده جمال واتجه كليتا ناحية الغرب، وهكذا فعل مبارك والسيسي.

المراجع

  1. بشير الأنصاري: من ديمقراطية الاحتلال إلى احتلال الديمقراطية، 20 أبريل 2010
  2. المرجع السابق.
  3. محســـــــن احمـــــــــد محســـــــن بــادي: الدولة والمواطنة في فكر الإخوان المسلمين، رسالة ماجستير، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة صنعاء، اليمن، 2013م، صـ3- 4.
  4. أشرف عيد: موقف الإخوان من الدولة الدينية
  5. عصام العريان: الإخوان المسلمون ومفهوم الدولة، 8 نوفمبر 2007
  6. حسن البنا: مشكلاتنا فى ضوء النظام الإسلامى، مجموعة رسائل الإمام البنا، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2006، صـ768.
  7. Daniel Pipes: Islamism(the national interest: Sprig 2000) P 4-5
  8. حسن البنا: رسالة قضيتنا، صـ845.
  9. المرجع السابق: صـ847.
  10. رسالة إلى أي شيء ندعو الناس صـ44
  11. رسالة مؤتمر طلبة الإخوان: صـ253.
  12. رسالة مؤتمر طلبة الإخوان: مرجع سابق، صـ264.
  13. رسالة المؤتمر الخامس: صـ392.
  14. المرجع السابق.
  15. رسالة المؤتمر السادس: صـ495.
  16. رسالة مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي: صـ718.
  17. رسالة دعوتنا في طور جديد: صـ552.
  18. جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، جـ4، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2006، صـ272- 281.