الإخوان المسلمون ومسجد الكخيا
يعد مسجد الكخيا واحداً من أهم آثار العصر العثمانى ويعود بناءه الى أحد أهم المماليك في أربعينيات القرن الثامن عشر وهو الأمير عثمان كتخدا (أو كخيا) عام 1147 هـ.
وتقلد الأمير عثمان كتخدا (أو كخيا) العديد من المناصب وكان ذائع الشهرة في عصره وأهتم بانشاء العديد من العمائر الدينية كما أوقف الكثير من أملاكه للانفاق على مسجده. ويقع مسجد كخيا في قلب القاهرة بالقرب من ميدان الاوبرا وبالرغم من شهرة موقعة فلا يعرفه الكثير.
وكان المسجد من المنشآت القريبة من بركة الأزبكية وكان بجوار هذا المسجد حمام وسبيل أزيلا ولما تمم الأمير عثمان بناءه عين فيه للتدريس العلامة الشيخ عمر بن على بن مصطفى الطحاوى وجعل إمامه وخطيبه الشيخ حسن المقدسى وأول ما صلى فيه وقع به ازدحام عظيم حتى ان الأمير عثمان بك ذو الفقار حضر للصلاة متأخرا فلم يجد له محلا يصلى فيه فرجع وصلى بجامع أزبك.
وكتبت مي هشام أن الأمير عثمان انتهى من بناء مسجد "الكخيا" ، وهيأ له ما استطاع ليكون مسجدًا ذا شأن، حيث ضمن تصميمه الأول مدرسة وسبيل وكُتاب، فضلاً عن تكليف أربعة مؤذنين لرفع الآذان، ومنادي يتجول في الأسواق في أوقات الصلاة ليحث الناس على أداء الفرض.
وفي شهر رمضان، كان يصرف للمسجد أربعة قناطير من الزيت، لإضاءة مناراته وتسريج قناديله، فتظل مُضاءة على الدوام، كرامةً للمسجد الذي اعتنى به مشيده. وفي عهد الملك فؤاد، أمر الملك بإزالة كل الحوانيت العشوائية المقامة حوله، بينما صدّر خلفه الملك فاروق قرارًا بترميمه، بعد إلغاء مشروع بناء عمارة مجاورة اعترض عليها الأثريين حتى لا يهدم المسجد في عام 1939.
وفي عام 1992، باغت مصر زلزال قوي أدي لتصدُع جدران "الكخيا"، ليدخل في مرحلة من إعادة الإعمار والترميم، انتهت بافتتاحه عام 1999.
علاقة الإخوان بمسجد الكخيا
كان لموقع ومكانة مسجد الكخيا أن جعله مقصد انطلاق الكثير من الأعمال الوطنية سواء قام بها الإخوان أو الوطنيين المصريين، فحينما قررت فرنسا الانسحاب من سوريا عام 1945م تحت الضغط الشعبي والدولي، لكن سرعان ما تراجعت وأمر شارل ديجول بضرب سوريا بالطائرات فقتل المئات من الشعب السوري وخلف خلفه خراب كبير في البلاد، مما دفع بالإخوان بتحريك المظاهرات المنددة بالإجرام الفرنسي ضد شعب عربي أعزل.
حيث تذكر صحف الإخوان أسباب هذه المظاهرات بقولها:
- خرج الإخوان في مظاهرة لدعم الشعب السوري في مطالبته بالاستقلال عن الاحتلال الفرنسي حيث كانت فرنسا وبريطانيا قد عقدتا اتفاقية في 23 يونيو 1941م أعلنتا فيها استقلال سوريا ولبنان بمواثيق وتصريحات رسمية، واعترفت بريطانيا، وفرنسا، والهند، والولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي باستقلال البلدين
- كما اعترفت سائر البلاد العربية والشرقية بهذا الاستقلال كذلك، وفي مايو 1945 عدلت فرنسا عن إعلان 1941 وطلبت من البلدين أربعة مطالب تمس استقلال البلدين، تطلب فيها قواعد بحرية وجوية، وامتيازات خاصة، وتعديل أنظمة التعليم في البلدين، وبقاء القوات الوطنية تحت القيادة الفرنسية.
وكانت هذه المطالبة انتقاصًا لسيادة لبنان وسوريا واستقلالهما، ومن ثم أعلن الإضراب وقامت مظاهرات وحدثت عدة اشتباكات كانت نتيجتها ضرب المدن السورية بالمدافع وقنابل الطائرات، وقد بلغ عدد القتلى في دمشق وحدها 400 قتيل، والمصابين 1500 جريح، عندها لم يطق الإخوان صبرًا فقامت مظاهرات حاشدة خرجت من الجامع الأزهر تهتف ضد الاستعمار، وتحيي استبسال سوريا ولبنان.
وعندما حضرت الوفود العربية إلى مصر لدعم سوريا ولبنان في محنتيهما ضد فرنسا استقبلها الإخوان، وحياهم الأستاذ السكري باسم الإخوان، وفي اليوم التالي احتشد الإخوان المسلمون في جامع الكخيا بميدان الأوبرا في صلاة العصر، وصلى بهم الأستاذ المرشد إمامًا، وبعدها دعا الإخوان إلى صلاة الغائب على أرواح الشهداء، فأدوا الصلاة، وخرجوا بعدها في جموعهم
- وقد رفعوا أعلامهم وانتظموا في مظاهرة سارت من مسجد الكخيا حتى وصلت طلائع المتظاهرين إلى فندق شبرد حيث كانت الوفود العربية مجتمعة، بينما كانت المؤخرة ما زالت أمام مسجد الكخيا، وتحولت الشوارع إلى كتل بشرية تخفق من فوقها أعلام الإخوان المسلمين من أنحاء القطر المختلفة. حتى أن عبد الرحمن عزام الأمين العام للجامعة العربية أرسل خطابا باسم الجامعة للأستاذ حسن البنا يشكره فيها ويشكر الإخوان على تفاعلهم مع قضية سوريا ولبنان.
كما أن الإخوان أخرجوا موكبهم بمناسبة تنصيب الملك فاروق ، وبعد الاحتفال صدرت الأوامر للإخوان بالانصراف إلى مسجد "الكخيا" للصلاة، وبعد صلاة المغرب تجمع الإخوان أممام مقرهم في ميدان العتبة الخضراء وظلوا يهتفون "الله أكبر ولله الحمد لا نريد غير الإسلام قانونًا".
المصادر
- جمعة أمين عبدالعزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، الكتاب السادس، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2008م.
- جريدة الإخوان المسلمين: السنة الخامسة – العددين 11، 12 بتاريخ 22، 29 جمادى الأولى 1356هـ - 30 يوليو، 6 أغسطس 1937م