الإخوان المسلمون وأحداث الشغب ضد الإنجليز عام 1946م

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


الإخوان المسلمون وأحداث الشغب ضد الإنجليز عام 1946م


إخوان ويكي


مقدمة

فتحت مصر شهية كل مستعمر لما تمتعت به من موقع استراتيجي، زاد ذلك بعد افتتاح قناة السويس والتي سهلت وسائل ربط الشرق بالغرب، وهو ما جعلها في مرمى أهداف القوى العظمي في العصر الحديث فرنسا وبريطانيا، حيث سارعت فرنسا بمحاولة اقتناص الفرصة مع حملة نابليون عام 1798م غير أن الإنجليز لم يعجبهم ذلك فعمدوا إلى تعكير استقرار الوجود الفرنسي في مصر حتى أزاحوه عنها عام 1801م.


لكنها منذ ذلك وهي تخطط لايجاد آلية لبسط نفوذها على مصر، ونجحت بالفعل من خلال إغراقها في الديون والتي سمحت لها بالتدخل في شئونها السياسية والاقتصادية بل والعسكرية والتي ظهرت نتائجها أثناء المواجهة مع الغزو الإنجليزي لمصر في سبتمبر 1882م وانتهت ببسط المحتل الإنجليزي نفوذه على مصر في مقايضة مع فرنسا لبسط نفوذها على المغرب الأقصى.


سعى المحتل البريطاني على التحكم في مفاصل الدولة وتقريب العناصر الموالية له والتي تربت في مدارسه، وصُنعت على عينه، وتبوءت السلطة، حتى إن بعضهم فرض على الحكم بقوة الدبابة مثلما حدث في 4 فبراير 1942م حينما حاصرت القوات البريطانية القطر الملكي.


وهدف الإخوان المسلمون منذ نشأتهم أن يجددوا لهذه الأمة شبابها، ويبعثوا إليها مجدها، ويخلقوا روحا جديدا فى الجيل الجديد على أسس الإسلام. ولذا جعل الإمام البنا تحرير الوطن من هذا الاحتلال هدفاً رئيسياً من أهداف المشروع الإسلامي وجعله المرتبة الرابعة في مراتب العمل "وهى تحرير الوطن من كل سلطان أجنبي" وان هذا لابد أن يسبق إقامة الحكم الإسلامي المنشود.


وكان يسعى لنزع جذور الاستعمار الأجنبي من العقول والأفكار ومن النفوس والقلوب، ومن تبعية السلوك والتقليد وادعاءات المصالح والارتباطات، كان يريد تحريراً واستقلالاً كاملاً شاملاً لا يقتصر فقط على مجرد رحيل القوات الأجنبية، ولهذا كان يؤسس مشروعه وخطته لمواجهة الاحتلال وفق هذه الرؤية الشاملة والبعيدة المدى، ومن ثم جاءت ردود أفعال الإخوان قولا وأفعالا للمطالبة بالإستقلال.


ومن ضمن سلسلة الأعمال التي قام بها الإخوان رفضا لوجود المحتل البريطاني واعتراضا على استمرارية الحكومة المصرية في المفاوضات مع المحتل، يوم الحريق الذي وقع في نهاية وزارة إسماعيل صدقي في 25 نوفمبر 1946م.


يوم الحريق في كتابات الإمام البنا

كانت فعاليات مقاومة الإنجليز على شتى المحاور، تسير مع فعاليات قضية فلسطين ومع تطور الدور القتالي لكتائب الإخوان داخل أرض فلسطين ومواجهتهم للعصابات الصهيونية، مما أزعج اليهود بشدة وجن جنونهم وضغطوا لضرب الإخوان وإبعادهم من ساحة المعركة، وكذلك حنق الإنجليز وإحساسهم بالفشل في مواجهة دعوة الإخوان وخطورة مشروعهم على تواجدهم بالمنطقة كلها.


كتب الإمام البنا مطالبا بمقاطعة المحتل وجميع منتجاته وثقافته فقال:


أيها الشعب الأبى العظيم:


إن من واجبك بعد ذلك أن تتصل بالشيوخ والنواب كل فى دائرته، وتتفاهم معهم على تزكية هذه المطالب وعدم الموافقة على أية معاهدة أو مخالفة فى ظل الاحتلال، ومن تخلف عن ذلك منهم أعلنت دائرته أنها لا تثق به وأنه لا يمثلها فى شىء.


وأن تسجل إرادتك فى عرائض ترفع إلى مقام صاحب الجلالة الملك وإلى رئيس الحكومة المصرية، وإلى جامعة الدول العربية، وإلى هيئة الأمم المتحدة، وإلى السفارات والمفوضيات والهيئات السياسية العربية والإسلامية والأجنبية، وتتضمن إعلان فشل المفاوضات وبطلان معاهدة 1936 وطلب الجلاء والتمسك بوحدة الوادى وحريته كاملة واستقلاله غير منقوص.


وأن تعلن من هذه اللحظة عدم التعاون مع الإنجليز اقتصاديا والإضراب عن شراء كل ما هو إنجليزى أو البيع لأية جهة إنجليزية أو التعامل مع أى بيت أو شركة أو محل إنجليزى كائنا ما كان، وثقافيا بمقاطعة الصحف والمجلات والكتب والجرائد الإنجليزية الامتناع من التحدث أو الاستماع للغة الإنجليزية واجتماعيا بقطع علائق المودة والصداقات الشخصية والعائلية، والانسحاب من عضوية الأندية أو الهيئات التى تضم العناصر البريطانية، وهكذا يجب أن يشعر الإنجليز المحليون والإنجليز الاستغلاليون والإنجليز فى بلادهم، أن حرب السخط قد أعلنت وأن وادى النيل غاضب ثائر لا يرضى بغير حقه بديلا.


وهناك سلاح أقوى وأحد وأنكى وأشد هو سلاح التوجه إلى الله العلى الكبير، يذل الجبارين وقاصم المتكبرين، والإلحاح فى الدعاء أن يرد عن الوطن كيد الكائدين وطغيان المعتدين، وأن يحقق له الآمال فى الحرية والاستقلال، إنه نعم المولى ونعم النصير. (1)


وكتب تحت عنوان "نستطيع أن نفعل كثيرًا لو أردنا" يقول:


يقول العاجزون الذى يريدون أن يصلوا إلى الغايات العظيمة والآمال الجسام بالأمانى والأحلام، والمنى بضائع الموتى: ماذا عسى أن نصنع أمام الإنجليز؟ وهل لنا من سبيل غير هذه المفاوضات؟ وهبوها قد قطعت من جانبنا أو من جانبهم فما الذى ربحناه؟ ونقول: إن هذا المنطق لا يمليه إلا العجز وحب الراحة والدعة والهروب من تبعات النضال والكفاح فى سبيل الحرية والاستقلال وتحقق المطالب والآمال.


ولكن الحقيقة أننا نستطيع أن نفعل كثيرا لو أردنا ذلك، وكنا جادين فى هذه الإرادة، ونزع الله من قلوبنا هذا التهيب الكاذب من قوة الخصم، أو الوهم الخادع من حسن الظن. نستطيع أن نتقدم فورا إلى محكمة العدل الدولية بطلب إلغاء معاهدة سنة 1936 لمناقضتها لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة الذى وقعناه نحن والإنجليز، ولزوال الدوافع والأسباب التى دعت إليها وتغير الظروف والملابسات التى صاحبتها


ولأن الإنجليز أنفسهم نقضوها بتدخلهم وتصرفاتهم عدة مرات، وبأسباب كثيرة تؤيد هذا الإلغاء ونكسب من ذلك تعطيل مفعولها على الأقل حتى يفصل فى هذا النزاع، وليس ذلك رأينا وحدنا ولكنه رأى كثير من الخبراء القانونيين البريطانيين أنفسهم كما جاء فى برقيات الأمس .


ونستطيع أن نرفع قضيتنا إلى هيئة الأمم المتحدة فورا وأقل ما ننتظره فيها من نجاح أن نحصل على الجلاء عن أرض مصر بدون قيد ولا شرط، ولا محالفة عسكرية هى شر من الاحتلال مع الضمانة الدولية العامة التى ستكون فى أيدينا نتيجة لقرار مجلس الأمن، فلا يكون الأمر مجرد وعد أو معاهدة بيننا وبين الإنجليز ونحن قد بلونا المر من هذا الثمر ستين عاما أو تزيد.


ونستطيع أن نطالب برصيدنا وديننا البالغ قدره خمسمائة مليون من الجنيهات، وأن نتحرر من امتيازات الشركات الإنجليزية ومن المهاجرين البريطانيين ومن سلطان رءوس الأموال الأجنبية فى هذه البلاد، وأن نتحرر من يد الكتلة الإسترلينية. فلنستفد بذلك فائدة لا حد لها، ونتخلص من هذا الاستعباد الاقتصادى وهو أقسى وأشد من الاحتلال العسكرى.


ونستطيع أن نحول دون كل تدخل يريد القوم أن ينالوا به من حريتنا واستقلالنا وشئوننا الداخلية أو الخارجية، ونستعدى عليهم هيئة الأمم المتحدة والرأى العام العالمى كلما امتدت أصابعهم بهذا العدوان المستحقة عليهم.

ونستطيع بعد ذلك أن نفكر تفكيرا جديا فى صلاتنا بدول العالم، وأن نتحرر بالمقاطعة من هذا النطاق الظالم الذى ضربته علينا إنجلترا فلا نتعاون معها فى شأن من شئون الحياة.


نستطيع الكثير لو أردنا، وبعض هذا مما يضايق الإنجليز ويدعوهم إلى التفكير الجدى فى الاحتفاظ بصداقة المصريين، وعدم التجنى عليهم، والعبث بحقوقهم ومطالبهم، وإضاعة الوقت فى المحاولات الفاشلة والمناورات الباطلة. والأمة كلها – هيئاتها وأفرادها- مجمعة على أن المفاوضة وانتظار تعطف الإنجليز لم تعد بحال الوسيلة إلى تحقيق مطالب شعب وادى النيل والاعتراف بحقه الواضح الصريخ.


وعجيب ألا تتجاوب خطة الحكومة المصرية مع مشاعر شعبه وعواطفه، وأن تظل فى واد وهو فى واد آخر، ولا تجد معه سبيلا إلا كبت الشعور ومصادرة الحريات والاعتماد على سلطة الحكم وأدوات الجبروت والقهر، وتدعى مع هذا أنها تحكم باسمه وتتكلم بلسانه وتعبر عن إرادته وتعمل لخيره ومصلحته متجاهلة صيحته الداوية بالاحتجاج والاستنكار. (2)


ماذا حدث في هذا اليوم؟

كتب بعض الإخوان الذين عاصروا هذا الحدث عن هذا اليوم (والذي يحاول أتباع الإنقلابيين والأنظمة الديكتاتورية إظهاره كأنه يوم قام به الإخوان ضد عناصر مصرية، بل بلغ بهم أن أدعو أن اللإخوان سيقومون بعمليات حرق بعد انقلاب 3 يوليو 2013 لكونهم خبراء في مثل هذه الأمور)


حيث كتب الأستاذ عباس السيسي:


دعا الإخوان المسلمون الى حركة جديدة لمتابعة الضغط على الإنجليز عن أرض الوطن .. فقد أصدر المركز العام بيانا يدعو فيه شعب وادى النيل الى مقاطعة الثقافة الانجليزية من صحافة ومجلات وكتب وأفلام ومعانا فى التخلص من الروابط الاستعمارية ومقاطعة لكل ما يتصل بمشاعر المودة مع الإنجليز .


وقام الإخوان المسلمون فى مساء الاثنين 25 نوفمبر 1946 فى كل الأقاليم بجمع الكتب والمجلات والصحف الإنجليزية ووضعوها فى وسط الميادين الكبيرة وأشعلوا فيها النيران فكان مظهرا للغضب والسخط والاستنكار لسياسة بريطانيا الاستبدادية والاستعمارية .


وعلى أثر ذلك كتبت جريدة الايجبشن جازيت مقالة فى عددها 1995 الصادر يوم 12 نوفمبر بعنوان (الثقافة والسياسة) أخذت فيه على الإخوان ما قرره مركزهم العام من الامتناع عن التعاون الثقافى مع الإنجليز بمناسبة موقفهم من المطالب القومية لوادى النيل وطلبه ممن عنده مجلات أو جرائد أو روايات انجليزية أن يودعها فى أقرب شعبة من شعب الإخوان المسلمون


لأنه سيحدد فيما بعد يوما تحرق فيه هذه المطبوعات فى الميادين الهامة فى القاهرة والأقاليم وقد تساءلت الجريدة – هل الثقافة الانجليزية مضرة لمصر حقا ؟ ثم قالت ان التفريق بين الثقافة والسياسة أمرأساسى ؟ وعلقت جريدة الإخوان المسلمون على ذلك بمقال طويل للكاتب الاسلامى الكبير محب الدين الخطيب. (3)


وذكر أحمد عادل كمال في كتابه قوله:


أعلن الإخوان عن يوم الحريق، وهو يوم غير معلن موعده تحرق فيه الجرائد والمجلات والكتب الإنجليزية كرمز لمقاطعة الإنجليز وإعلامهم وثقافتهم. وتم ذلك فجأة فى ليل 25 نوفمبر 1946 فى أماكن عديدة من القاهرة والأقاليم وقد شاركت فى إحراق بعض أجولة فى تقاطع شارع الملك "مصر والسودان الآن" وشارع الملكة نازلى "رمسيس الآن" وقد تم ذلك عن طريق شعب الإخوان وكانت هذه لشعبة حدائق القبة. (4)


كما كتب محمود الصباغ فقال:


لما ظهر لشعب مصر ومنهم الإخوان المسلمون تقاعس حكومة صدقي في مفاوضتها مع الإنجليز وعجزها عن تحقيق طلب الأمة الثابت وهو الجلاء التام، ووحدة وادي النيل، وكانت هذه الحكومة تقوم على أساس أغلبية برلمانية من السعديين والأحرار الدستوريين، وكانت هذه الأغلبية قد أعلنت تأييدها لصدقي باشا في مشروعه الذي لا يزيد على أن يكون تنظيميًا مهذبًا لاستمرار الحماية والاحتلال


بينما عارض المشروع سبعة من أعضاء هيئة المفاوضات وأصدروا بيانًا للشعب بأن المشروع لا يحقق أهداف مصر في الجلاء ووحدة وادي النيل، كما أن خمسة وخمسين عضوًا من أعضاء البرلمان يمثلون الحزب الوطني وحزب الكتلة والمستقلين انسحبوا من مناقشة هذا المشروع في مجلس النواب، ولكن صدقي باشا أبى رغم كل ذلك إلا أن يستمر في مناقشة المشروع في جلسة سرية وحصل على الثقة بأغلبية 159 صوتًا من النواب السعديين والدستوريين وامتناع ثلاثة نواب عن التصويت هم الدكتور الرجال، وشوكت التوني، ومحمد بربري، وكان ذلك في 27/11/ 1946م.


ثارت مصر على هذا المشروع وقام الأهالي بالتجمهر في ميدان سليمان باشا، وميدان الملكة فريدة وفي شبرا، وقامت مظاهرات أشعل فيها المتظاهرون النيران في كومة من الكتب الإنجليزية وفي بعض عربات الترام، كما حطموا واجهات بعض المحلات في شارع فؤاد وشارع القصر العيني


وقلبوا بعض عربات الترام، وفي باب الشعرية هاجم الأهالي مكتبة تبيع الكتب الإنجليزية واستولوا عليها وحرقوها، وسمى اليوم بيوم الحريق، وقد اشترك الإخوان المسلمون في هذا اليوم على نطاق واسع، ولكنه محدود بالالتزام بفكرتهم بحرق الكتب الإنجليزية في الشوارع إشعارًا لكره الشعب لاستمرار الاحتلال الإنجليزي لمصر وتصميمه على الجلاء ووحدة وادي النيل.


وعلى الرغم من ذلك كله صمم صدقي باشا على عدم الاكتراث بموجة الغضب العارمة ضد مشروعه، بل إنه أصر على إيفاد وزير خارجيته إبراهيم عبد الهادي باشا إلى لندن لتوقيع المعاهدة استنادًا على حصوله على موافقة أغلبية برلمانية لتزييف إرادة الشعب. (5)


يوم وطني

ذكر ريتشارد ميتشل أن هذا اليوم تتضافر فيه الجميع ضد المحتل البريطاني فقال:


في مطلع العام الدراسي الجامعي وفي 16 نوفمبر انضم الطلاب إلى "الجبهة الوطنية لطلاب وأدي النيل" وفي غضون أسبوع كان النشاط السلمي القائم على الخطابة وإرسال خطابات الاحتجاج إلى أعضاء البرلمان وإلى الحكومة قد تحول إلى انتفاضات يومية انفجرت بحلول الخامس والعشرين من نوفمبر في سلسلة من الحرائق شملت الكتب الإنجليزية والمحلات التجارية وعربات الترام والأشجار


وعمليات الهجوم على قوات الأمن والقوات البريطانية في كافة المراكز الرئيسية وكان هذا اليوم- من جانب- متوقعًا ما يزيد عن شهر في حملة الإخوان من أجل "مقاطعة ثقافية" للإنجليز والتي أعلنت رسميا في 21 أكتوبر والتي شملت إلقاء مجموعة ضخمة من الكتب المكتوبة بالإنجليزية في "يوم الحريق" الذي تم بالفعل في الخامس والعشرين من نوفمبر. وكان الحدث، وقد تفجر في الشهر الأول من العام الدراسي، كافيا ليحفز المجتمع الطلابي ككل للمشاركة في اليوم وتوسيع آفاقه.


وتحركت الحكومة بسرعة وحدة فأغلقت الجامعة والصحف، ووضعت القاهرة تحت حالة الطوارئ، واعتقل العديد من الوفديين والشيوعيين والاشتراكيين والإخوان المسلمين. وفي 27 نوفمبر، ألقي القبض من جديد على أحمد السكري نائب البنا. الذي سبق اعتقاله والإفراج عنه في 25 نوفمبر. (6)


كيف تم هذا اليوم في الأقاليم؟

كان الأستاذ علي أبو شعيشع أحد رجالات الإخوان بدمنهور والبحيرة حيث كتب كيف تم هذا اليوم في دمنهور وكيف كان أثره على الشعب فقال:


وصلتنا تعليمات من المركز العام بأن نقوم في يوم محدد بعرض عام لجوالة الإقليم وبعده نشعل الحريق في ميدان عام في كومة من الكتب والجرائد الانجليزية على أن يتوسطها العلم الانجليزي أثناء الإحراق بينما نردد الهتافات العدائية ضد الانجليز وحكومة صدقي وأرسلت التعليمات من إدارة الجوالة للحضور إلى الشعبة الرئيسية قبل صلاة العصر على أن يرتدي الأخ الزي الكشفي ويعلوه الجلباب وتوضع الأعلام والأدوات في (جوالات) وفي الموعد المحدد حضر المئات من الأقاليم وصلنا العصر .


وكنا قد رتبنا أنفسنا لإنجاح العرض فكلف الأخ حمزة الجميع صديقه الصيدلي الدكتور فاضل بأن يشغل مأمور البندر – الذي يتخذ الصيدلية مكانه المختار – بعد صلاة العصر وكلف اثنين من الجوالة بالتواجد داخل البندر بدراجاتهم لملاحظة تحركات البوليس وإخطار مسئول العرض عنها أولا بأول .


وكلف الطلبة من غير الجوالة بإعداد قفصين كبيرين تكدس فيهما الكتب الانجليزية وبصنع علمين انجليزيين والتوصية بوضع الملح بين طبقات الكتب لإحداث فرقعة أثناء الحريق وحدد ميدان قهوة يونس وشبرا لإشعال الحريق على أن ينتشر الإخوان في الأوفة المطلة على الميدان الأول والثاني انتظارا لإشارة البدء .


ونعود إلى الجوالة ففي دقائق كان الطابور قد انتظم ونادي قائده على الجوالة بالسير على دقات الطبول وكان قسم الشرطة أول ما نلقاه في طريقنا ومررنا به وهو خاو من الجنود لتواجدهم في دوريات في شوارع المدينة ولم يكن بت سوي الضابط النوباتجي وجندي للخدمات .



وواصل الطابور المسير حتى وصلنا إلى صيدلية فاضل وبداخلها المأمور وقد بالغ الدكتور فاضل في إلهائه فأفاق المأمور على صوت دقات الطبول وعرض ضخم للجوالة وقد كانت لديه تعليمات مسبقة بمنع ذلك كله فهرول إلى البندر ليجمع شتات جنوده وإخوان المراقبة يأتون إلينا بالأنباء أولا بأول.


وواصل الطابور سيره حتى وصلنا شعبة (القلعة) لنسحب البوليس خلفنا ونمكن إخواننا في ميدان يونس من إحراق العلم الإنجليزي. وقد كانت شعبة القلعة اسما على مسمي حيث إن لها سور يحجب رؤية الموجودين بداخلها عن المارة أمامها في الشوارع المحيطة بها .


وما أن دخلنا شعبتنا وأغلقنا بابها حتى كانت اللوريات قد وصلت بالجنود وحاصرت الشعبة لمنعنا من مواصلة العرض في بقية شوارع المدينة وتحدث مسئول الجوالة إلى الإخوان بكلمة حماسية وطلب من إخوان الأقاليم أن يستعدوا للرحيل على أن يرتدوا الجلابيب أثناء الخروج وواجهتنا عقبة خروجهم وكيف نصرف أنظار البوليس ؟!!.


فأخذ المسئول يجمع كل خمسة أفراد على حدة ويعطي أمرا بدق الطبول فيظن البوليس أننا نستعد للخروج وينزل الجنود من السيارات لمنع العرض فيخرج الخمسة دون أن يلفتوا نظرهم وأخذنا نكرر هذه الحالة وبعد كل فترة سكون تدق الطبول ويخرج الفوج إلى أن خرج الجميع وبقت جوالة مدينة دمنهور .


وكلف الأخ وهبي الفيشاوي بالصعود فوق السور ومعه كاميرا يتصنع بتا التقاط صور لقوات الشرطة فكانوا يعمدون إلى الاختفاء منه وأخذنا نشاغلهم إلى أن حان موعد صلاة المغرب ونحن محاصرون بقوات البوليس بينما كان الإخوان قد تجمعوا في ميدان يونس حول الحريق يهتفون الله اكبر ولله الحمد وبسقوط الحكومة والإنجليز وتركوا النار تتلظي على صوت فرقعات الملح. وفيما نحن جاء الأخ أحمد الوليلي يطمئننا على نجاح الخطة وف نفس الوقت جاءت المعلومات بالحريق إلى القوات المحاصرة التي تحركت بسياراتها إلى ميدان ونس .


ونعود إلى حريق شبرا حيث اجتمع الإخوان في الميدان وجئ بقفص المجلات من مسكن أحد وأشعلت النيران وترددت الهتافات وانصرف الإخوان تليفونيا وكانت النار على وشك أن تنطفئ فنصح صاحب محل بقالة الجندي بوضع " الجاز" على لنار لتظل مشتعلة حتى يحضر البوليس وكان منظرا لطيفا أن يتعاون واحد من البوليس في استمرار اشتعال النار حتى جاءت القوة ونفذت الخطة بدقة دون أن يقبض على أحد. وانتظرنا الصباح لنستقبل الصحف وفيها نبأ استقالة حكومة إسماعيل باشا صدقي يوم 9 ديسمبر 1946م (7)


ما النتائج التي ترتبت؟

لقد ترتب على الأحداث التي تحرك بها الإخوان والشعب المصري أن:

  1. استقالة وزارة إسماعيل صدقي وسقوط البرلمان في 9 ديسمبر 1946م
  2. سقوط معاهدة صدقي – بيفن والتي لم تستكمل بسبب انتفاضة الشعب المصري.
  3. إدراك الانجليز مدى خطورة الإخوان وتأثيرهم على الشعب المصري.
  4. استعداد مصر لأول مرة بعرض القضية المصرية على مجلس الأمن.

المراجع

  1. جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (135)، السنة الأولى، 15 ذو القعدة 1365 - 10 أكتوبر 1946، صـ(1-4).
  2. جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (184)، السنة الأولى، 16 محرم 1366 - 10 ديسمبر 1946، صـ(1).
  3. عباس السيسي: في قافلة الإخوان المسلمين، جـ1، دار التوزيع والنشر الإسلامية.
  4. أحمد عادل كمال: النقط فوق الحروف، الزهراء للإعلام العربي، 1987م
  5. محمود الصباغ: حقيقة التنظيم الخاص، دار الاعتصام للطباعة والنشر والتوزيع، 1989.
  6. ريتشارد ميتشل: الإخوان المسلمون دراسة تاريخية، ت- عبد السلام رضوان، مكتبة مدبولي القاهرة، 1977م.
  7. محمود الصباغ: حقيقة التنظيم الخاص، دار الاعتصام للطباعة والنشر والتوزيع، 1989.