وطنية الإخوان بين حل الجماعة وفعل السلطة فترة الحكم الملكى
المقدمة
حُل تنظيم جماعة الإخوان المسلمين ثلاث مرات:
وإرتبط حل جماعة الإخوان المسلمين فى كل مرة ، بدور وطنى كبير قامت به الجماعة ضد قوى الاستعمار العالمي ! وكان هذا الحل يتم فى كل مرة بأيدى سلطة (وطنية) ، تصرفت كذراع وتابع امين لهذا المستعمر او ذاك !
وكان الإخوان المسلمون - ادراكا منهم لتلك الحقيقة - يتبعون سياسة (الغضب العاقل) تلك السياسة التي كانت تهدد في كل مرة قوى الهيمنة العالمية ، وتزيد فى نفس الوقت من فرص النجاح امام الإخوان المسلمين ، كحركة تغيير مجتمعى بالأساس ، اعتمدت تلك السياسة على :
- ضبط النفس
- مواجهة العدوان
- الحفاظ على الوطن
وكثير من الاقلام التى تحدثت عن قرارات الحل تلك ، حاولت ان تنزعها من سياقاتها الطبيعية ، متجاهلة عن جهل او عن عمد الدور الوطنى الذى قامت به جماعة الإخوان المسلمين طوال تاريخها . فبعض الأعمال الفدائية للإخوان ضد معسكرات الإنجليز، تم تصويرها على أنها لإثارة الإنجليز ضد حكومة النقراشي كى تتم إقالتها لأنها تضايق الإخوان، وليس لأنهم ضد الاحتلال !! (1)
نتحدث في هذا البحث عن السياق الذى تم فيه حل جماعة الإخوان المسلمين اول مرة في ديسمبر 1948 أيام الملك فاروق .
الإخوان المسلمون والكتلة الصلبة للمجتمع
مثّل المجتمع المصرى حجر الزاوية في مواجهة كل محاولات الهيمنة والسيطرة من قِبل قوى الاستعمار ، وذلك منذ ان كانت تابعة للدولة العثمانية او بعد استقلالها عنه ووقوعها تحت حكم اسرة محمد على . وكان الأزهر الشريف وعلمائه هم الكتلة الصلبة لذلك المجتمع امام تغول السلطة (الدولة) ، وكذلك أطماع المستعمرين .
لكن مع مجئ محمد على الى الحكم ، استطاع ان يحطم تلك الكتلة الصلبة ويجعلها تحت سيطرته ، ففقد الأزهر الشريف مكانته تلك التي حمت المجتمع من تغول الدولة عليه . واستطاع محمد على وأولاده من بعده ان يجعلوا الكثير من علماء الأزهر تحت سيطرتهم . فصار المجتمع بذلك تحت رحمة سلطة الدولة ، وهكذا تغولت الدولة على المجتمع ، فسيطرت على كافة منافذ التعبير عن الرأي ، كما سيطرت على جميع أدوات التغيير .
والدولة نفسها صارت دائرة مغلقة على فئة معينة يتم تبادل الكراسى بينها حسب موازين القوى بينها ! وتحديدا دائرة العسكر ، واستمر ذلك الوضع الى ما بعد الانقلاب العسكرى في 1952 .
وفضلا عن فشل تلك الفئة المسيطرة على الدولة في ادارتها او حمايتها ، فانها صارت – بشكل او بآخر – مرتهنة للاستعمار الاجنبى ، فهى تعمل تحت سقفه ، وكان من بين وظائف تلك السلطة القضاء على اية قوة يمكن ان تشكل تهديدا للدول الكبرى !
واستمر ذلك الوضع الى ان ظهرت جماعة الإخوان المسلمين ، فكانوا هم الكتلة الصلبة للمجتمع المصرى . (2) ولم يغادر الإخوان ذلك المربع . فلم يستطع الملك (الدولة) ولا الاستعمار تجاوز تلك الكتلة او تحطيمها او حرفها عن بوصلتها . لكن دفع الإخوان المسلمون ثمن ذلك غاليا ..
(حرب فلسطين) .. سبب حل جماعة الإخوان
قام المشروع الصهيوني - بدعم من إنجلترا – باغتصاب ارض فلسطين ، مما مثّل تهديدا حقيقيا لمصر من الجهة الشرقية ، كما مثّل كذلك تهديدا للامة العربية والإسلامية قاطبة . ولم يستطع النظام العربى الرسمي مواجهة ذلك المشروع على اى صعيد ! بل زاد على ذلك بأن استسلم لارادة المستعمر واملاءاته !
وقد كشفت شهادة الشيخ امين الحسينى مفتى فلسطين جانبا من ذلك التواطؤ العربى الرسمي اثناء نظر قضية السيارة الجيب حيث شهد بان الخطة التي كان مقررة هي ، ألا تتدخل الجيوش العربية بل يكون التعويل على أهل فلسطين للدفاع عن بلادهم على أن تجهزهم الدول العربية وتدربهم وتحصن قراهم، وتسمح للمتطوعين بالدخول، بينما تظل الجيوش لا تجاوز الحدود.
لكن هذا لم يحدث لأن
- "غرض أعداء قضية فلسطين كان إبعاد العناصر المؤمنة والمستميتة في القتال ، كما جاء في شهادة أمين الحسيني أن البنا عزم على تجهيز عشرة آلاف شاب مسلح بعدما رأى أن الأنظمة تريد تسليم فلسطين لليهود بلا حرب
- وأنه إن لم تسلحهم الحكومة (التي كانت تعلن دعمها لفلسطين) فسيجعل كل شعبة من شعب الإخوان تتكفل بتسليح شبابها. وجاء فيها أيضا: أن النقراشي منع جمع السلاح ووعده بإرسال السلاح من طرف الحكومة إلى الحدود، ولكنه حنث بوعده، بل واستولت الحكومة على ما لدى الهيئة العربية العليا من المتاع" (3)
وهكذا فالكيان الوحيد الذى استطاع ان يغرد خارج سرب الأنظمة ، كان الإخوان المسلمون ، حيث استطاعوا ان ينشروا الوعى بين قطاعات كبيرة من الشعب المصرى ومن الشعوب العربية لاحقا ، فخرجت كتائب من الإخوان ومن غيرهم للجهاد في فلسطين اثناء حرب 1948 ، واستطاع الإخوان المسلمون ان يقدموا مثالا لجهاد اسلامى مستقيم لم تنحرف فيه البندقية عن قتال عدو الدين والأمة ، فلم تنجرف الى قتال مسلم او عربى حتى ولو كان حاكما ظالما او فاسدا .
وسبق جهادهم بالسلاح في حرب 1948 ، نشاط واسع يشهد بوطنية الإخوان ووعيهم الكبير لما يحاك بهذه الامة:
- فقد اعترض الإخوان المسلمون على معاهدة سنة 1936
- كما اعترضوا على مشروع التقسيم الأول الذى وضعته اللجنة الملكية البريطانية سنة 1937
- كما اعترضوا على حركة الهجرة اليهودية إلى الأراضى الفلسطينية أثناء الحرب العالمية الثانية
- ثم دخلوا حرب فلسطين 1948
- وقاموا بتقديم الإغاثات للاجئين بالتنسيق مع جلال فهيم باشا وزير الشئون الاجتماعية فى حكومة النقراشي .. وغير ذلك كثير .. إلى متى يظل تاريخ مصر عرضة للانتهاك والتشويه، ولمصلحة من الاستمرار فى إهمال هاتين الصفحتين من تاريخ الشيخ والجماعة فى أغلب الكتب التى أرخت للحركة الوطنية المصرية فى تلك الفترة؟ (4)
وقد أشاد بدور الإخوان المسلمين في حرب فلسطين عام 1948 ، قادة الجيش المصرى ، ومنهم السيد طه والذى كان قائدا للجيش المصرى المحاصر في الفالوجا ، اذ انه لما عاد الى مصر ، ذكر صراحة الدور العظيم الذى قام به الإخوان المسلمون لإغاثة الجيش المصرى المحاصر في الفالوجا ، مما اثار حنق الملك وبريطانيا .
وقد شهد ببسالة الدور الذى قام به الإخوان المسلمون في حرب فلسطين – اثناء نظر قضية السيارة الجيب – كلا من اللواء أحمد علي المواوي قائد عام الجيش المصري في فلسطين واللواء فؤاد صادق الذي خلفه في قيادة الجيش في فلسطين .
فكان لابد من توجيه ضربة لجماعة الإخوان المسلمين تجهض مشروعهم او على الأقل تعطله ، فقد صار نشاطهم في مصر وفى فلسطين خطر على المشروع الصهيوني الذى تبنته آنذاك بريطانيا فرنسا ، لكن بقى البحث عن ذريعة لتلك الضربة . فكانت قضية (السيارة الجيب) .
الإدانة التى تحولت الى إشادة
وجدت حكومة الملك في قضية (السيارة الجيب) الدليل الذى كانت تبحث عنه كمبرر لحل جماعة الإخوان المسلمين والتنكيل بهم ، وكان الشعب المصرى آنذاك لا يعرف الكثير عن دور الإخوان المسلمين في حرب فلسطين .. لكن السحر انقلب على الساحر ، فكانت تلك القضية سببا لتبرئة الإخوان المسلمين ومعرفة حقيقة وحجم دورهم الوطنى !!
قضية السيارة الجيب
وقعت أحداث هذه القضية في شهر نوفمبر عام 1948م ، وتم الحكم فيها في 17 مارس 1951 . وكانت من أهم الأسباب الذي تذرعت به حكومة النقراشي لحل الجماعة في 8 ديسمبر 1948م، وإن كانت قد عقدت النية من قبل سقوط السيارة على ذلك ، حيث تم ضبط سيارة جيب بها الكثير من الأسلحة، وتم القبض على بعض أعضاء الجماعة ومعهم شنطة بها أوراق مهمة عن الجماعة؛ كان من المقرر إعدامها.
لكن الملفت للنظر ان هذه القضية كانت سببا في معرفة الجميع جهاد الإخوان المسلمين في فلسطين ! وكانت بعد ذلك فخرا للإخوان ! وقد اتهم في هذه القضية 32 أخا من الإخوان المسلمين ومن أعضاء النظام الخاص ، ووجهت النيابة عدة اتهامات إليهم منها الإرهاب والاستيلاء على نظام الحكم بالقوة، وقلب وتغيير دستور الدولة وإتلاف سيارات وأسلحة للجيش وتخريب المنشآت الحكومية وأقسام ومراكز البوليس وغيرها من المرافق الحيوية، وقتل عدد كبير من المصريين والأجانب، وتعريض حياة الناس –السفارات والقنصليات الأجنبية- للخطر
وتعطيل وسائل النقل العامة، ونيتهم في إتلاف الخطوط التلغرافية والتليفونية الحكومية، وسرقة البنك الأهلي وبعض المحال التجارية، وإتلاف مباني شركة قنال السويس وترام القاهرة، وقتل خيول البوليس عن طريق التسمم، وإقامة واستعمال محطات سرية للإذاعة اللاسلكية بدون إخطار مسبق من إدارة تلغرافات وتليفونات الحكومة.
وقد حققت قضية السيارة الجيب رقما قياسيا لم يحدث من قبل في أي قضية في تاريخ القضاء المصري ، سواء في طول الفترة (عامين وبضعة اشهر) او في عدد الافراد الذين تم التحقيق معهم او نوع واهمية الشهود الذين كانوا في تلك القضية . (5)
ولأن هذه التهم من المستحيل أن يقوم بها هؤلاء المتهمون بمفردهم ولأنها موجهة بشكل صريح إلى الجماعة؛ قامت هيئة المحكمة بعمل دراسة للجماعة ونشأتها وأغراضها ووسائلها وتطورها وما يستنتج من أقوال مؤسسها، كما اعترفت المحكمة بما وقع على المتهمين من تعذيب أثناء التحقيق معهم على يد رجال البوليس وعلى يد إبراهيم عبد الهادي باشا -رئيس الوزراء وقتها- لأخذ اعترافات تدينهم. (6)
ورغم حجم الاتهامات التي تم توجيهها للجماعة ولنظامها الخاص ، الا ان الحكم الذى صدر بحق الجماعة ابطل تلك الاتهامات جميعا ! وارجع المخالفات التي تمت الى تصرفات فردية ، مما لاتُحسب على الجماعة بحال .
ولما اشتد الضغط على اليهود في فلسطين، وكذلك داخل مصر أيضا، تمت المؤامرة الكبرى بين سفراء فرنسا وأمريكا وبريطانيا في اجتماعهم في فايد ، فتم حل جماعة الإخوان المسلمين بأمر مباشر من دولة الاحتلال الانجليزى الى القصر الملكى ، وهلل له السعديون من باب الخصومة السياسية والحزبية !!
ففي 8 ديسمبر 1948 أصدر رئيس الوزراء حينها محمود فهمي النقراشي، قرارًا بحل الجماعة أى بعد مرور 19 سنة على تأسيسها، مرور 15 سنة من تعديل قانون الجمعيات الأهلية فى عام 1932، وذلك على خلفية اتهام الجماعة وأعضائها بالتحريض والعمل ضد أمن الدولة المصرية مع قرب انتهاء حرب فلسطين وعودة أعضاء الجماعة المشاركين فيها ، وسيق الإخوان أفواجا أفواجا إلى المعتقلات، ودماؤهم لم تجف بعد في فلسطين. (7)
الحكومات العربية في إنهاء قضية فلسطين، وعلى غير ما تريد الشعوب، كان من العوامل التي أوحت للحكومة المصرية بهذا الموقف.. انظر الإخوان المسلمون والمجتمع المصري ص30
وقد ذكر الأستاذ البنا - قبل قتله - في مذكرةٍ أسبابا بالإضافة إلى تصفية القضية الفلسطينية ردا على المذكرة التي قدمها وكيل الداخلية الأستاذ عبد الرحمن عمارة وطلب فيها حل الإخوان ، ومن هذه الأسباب الضغط الأجنبي ، فقد أقر وكيل الداخلية نفسه للمرشد العام بأن مذكرة قدمت إلى النقراشي باشا من سفير بريطانيا وسفير فرنسا ، والقائم بأعمال سفارة أمريكا ، بعد أن اجتمعوا في فايد في 6 من ديسمبر 1948 م يطلبون فيها المبادرة بحل الإخوان المسلمين
هو طلب تقليدي كان يتكرر دائما على لسان السفير البريطاني في كل المناسبات ، لكل الحكومات ، وكانت كلها تُحْجِم عن إجابتها ، فلقد طلبت السفارة من النحاس باشا في سنة 1942م والحرب العالمية على أشدها ، والألمان على الأبواب: حل الإخوان المسلمين ، وتعطيل نشاطهم ، فابى أن يجيبهم إلى ذلك ، واكتفى بإغلاق الشعب كلها مع بقاء المركز العام إلى حين. (8)
قرار المحكمة .. عنوان الحقيقة
ونحن هنا نتحدث عن حكم محكمة بدأت في نوفمبر 1948 ، وأصدرت حكمها في مارس 1951 . فأما الاتهام الذى كان موجها للجماعة بانها تسعى لقلب نظام الحكم، وأن الأداة التى أعدوها لهذه الغاية هى جماعة إرهابية سميت "النظام الخاص" .
فقد قالت المحكمة بالحرف الواحد:
- (.. وحيث إنه مما يدل على أن النية لدى أفراد هذا النظام الخاص كانت متجهة إلى مقاومة جيش الاحتلال بعض ما ضبط فى السيارة من أوراق ومنها أوراق تحض على أعمال الفدائيين، أشير فيها إلى أن الصداقة البريطانية المصرية مهزلة، وأن الإنجليز يظنون شعوب الشرق مسالمة ساذجة، ثم تحدث كاتب هذه الأوراق عن التدريب على استعمال زجاجة مولوتوف، وعرقلة المواصلات، وتعطيل وسائل النقل الميكانيكية والقوات المدرعة، وانتهى إلى القول فى صراحة أنهم إنما يقاومون العدو الغاصب) (9)
وهكذا أبطلت المحكمة ادعاءات النيابة واتهاماتها لجماعة الإخوان المسلمين ، ليس هذا وحسب . فقد كان هناك موقف رائع من جانب القضاة، حيث صرح المستشار محمود عبد اللطيف عضو اليمين في المحكمة فور الانتهاء من القضية قائلا: (كنت أحاكمهم فأصبحت واحدا منهم)، إلى جانب استقالة المستشار أحمد كامل رئيس المحكمة من الخدمة وانضمامه إلى صفوف الإخوان، كما أنه كان من المترافعين في قضية مقتل الإمام الشهيد حسن البنا.
إن قضية السيارة الجيب علامة واضحة على جهاد الإخوان المسلمين في فلسطين، ودلالة أكيدة على أن الإخوان المسلمين لم ولن يرفعوا في يوم من الأيام السلاح ضد أبناء وطنهم، وإنما رفعوه ليحرروا وطنهم وليعيدوا له مجده وكرامته المسلوبة (10)
ادانة إبراهيم عبد الهادى
ومما تعرض له حكم المحكمة ، إبراهيم عبدالهادى، الذى اغتيل الشيخ البنا فى عهده ، فقد وجهت له المحكمة اتهامات وحكم عليه بسببها بالإعدام ثم خفف للمؤبد ، ومنها أنه أتى أفعالا من شأنها إفساد أداة الحكم، وذلك أنه فى خلال عام 1949 هيأ لأعوانه الأسباب، التى يسرت لهم قتل المرحوم حسن البنا، وعمل على تضليل التحقيق بقصد إفلات الجناة من العقاب؟
(ص64 من الجزء الأول من محكمة الثورة، أشرف على إعداده للنشر أمين حسان كامل). كما أصدرت المحكمة حكمها ببطلان قرار النقراشي باشا بحل جماعة الإخوان، وتأمر باستعادة وضعها القانونى واسترداد كل ممتلكاتها، التى صودرت بموجب قرار الحل؟، وهى إدانة واضحة للإجراءات التعسفية لحكومتى النقراشي وعبدالهادى (11)
رد فعل الإخوان
كان الأوضاع مهيئة لجماعة الإخوان في ان ترد على قرار الحل برد فعل عنيف تؤهله لها قوتهم العددية والتنظيمية . لكن جماعة الإخوان المسلمين آثرت ضبط النفس حرصا على مصلحة الوطن .
وضع الإخوان قبيل قرار الحل :
- وصل عدد شعب الإخوان المسلمين في القطر المصرى (2000) شعبة ، وفى القاهرة وحدها (120) شعبة
- قدرت المخابرات البريطانية بان الإخوان المسلمين يمثلون ثلث سكان مدينة القاهرة في أواخر الاربعينيات ! (12)
- ولهم حاضنة شعبية جارفة نتيجة الخدمات التي قدموها لوطنهم
- كما كان للإخوان المسلمين كتائب تقاتل الصهاينة في فلسطين .
رد فعل الإخوان
سُئل مرشد الإخوان عن رأيه في هذا الحل للجماعة، فقال: هذا بمثابة أن يفقد شخص ما (شهادة ميلاده)، وبتعبيرنا اليوم (بطاقته الشخصية) فهو موجود بالفعل، ولكن لا يملك ورقة رسمية تثبت وجوده. وكموقف عام من احداث العنف ، قال البنا في بيانات شهيرة آنذاك قائلا: "وقعت أحداث نُسبت إلى بعض مَن دخلوا هذه الجماعة دون أن يتشربوا روحها أو يلتزموا نهجها؛ مما ألقى عليها ظلاً مِن الشبهة".
وأضاف:
- "لما كانت طبيعة دعوة الإسلام تتنافى مع العنف، بل تنكره (..) فنحن نبرأ إلى الله مِن الجرائم ومرتكبيها (..) وأعلن أن مرتكب (...تلك) الجرائم، لا يمكن أن يكون مِن الإخوان ولا مِن المسلمين؛ لأن الإسلام يحرمها، والإخوان تأباها وترفضها". (13)
ومع ذلك لم يقابل الإخوان قرار الحل باى عنف ، حيث كانت تعليمات الشيخ حسن البنا للاخوان واضحة (سلموا اكتافكم للسعديين .. حرصا على مستقبل وطنكم وإبقاء على وحدته واستقلاله) بل وارسل الامام حسن البنا الى الإخوان المقاتلين في فلسطين أن مهمتكم هناك على أرض فلسطين ما زالت قائمة، وألا يلتفتوا إلى ما يحدث فى مصر ..
وعندما اعتقلوا هؤلاء المجاهدين لم يوجه الإخوان سلاحهم إلى من اعتقلهم من أفراد الجيش، بل وساعدوا الجيش وحموا مؤخرته بعد ذلك .. وبعد أن تم اغتيال الإمام الشهيد، وسقطت حكومة حزب السعديين كان الإخوان يعرفون جيداً جميع من قام بمؤامرة الاغتيال
ورغم تطور الأحداث السياسية وقيام الثورة ضد النظام الملكى، كان الإخوان يستطيعون الانتقام من قتلة الإمام دون الانتظار لأى محاكمة لكنهم كما رباهم الإمام الشهيد رفضوا ذلك ولم يفكروا فيه لحظة واحدة (14)
مع ذلك، استمر الإخوان في جهودهم الساعية لتوفير الدعم لمجاهدي فلسطين، والعناية بمشكلاتهم الأخرى التي تفاقمت جراء تزايد أعداد اللاجئين والمشردين من ديارهم وممتلكاتهم. وقد أدى هذا النشاط المكثف الذي بذله الإخوان؛ إلى إزعاج السلطات المصرية، والدوائر الاستعمارية، فقامت الحكومة المصرية برئاسة النقراشي باشا - آنذاك - أولا بمنع الإمدادات التموينية عن مجاهدي الإخوان، وثانيا إصدار أوامر باعتقال مجاهديهم في ساحات القتال.
انتهت حرب فلسطين بوقوع الجيش المصري في حصار الفالوجا، والذي سطر فيه أخونا معروف الحضري؛ بطولات نادرة، وتضحيات جمة لمساعدتهم، إلى أن عقدت معاهدة رودس في آذار - مارس 1949م، وعاد الجيش المحاصر وضباطه. (15)
تداعيات القرار
ولم يمض سوى 10 أيام فقط على القرار حتى تم اغتيال "النقراشي" في 28 ديسمبر من نفس العام، على يد عبد المجيد حسن الطالب الإخواني بكلية الطب البيطري الذي اعترف بإقدامه على قتله بسبب حل الجماعة ووقتها أدان الإخوان ما حدث وقال حسن البنا إن القتلة ليسوا إخوانا، وليسوا مسلمين. وبعد مقتل النقراشي بعام قُتِل حسن البنا . (16)
وهكذا كان أول قرار لحل جماعة الإخوان المسلمين ، بسبب مواقفها الوطنية ، وتمسكت حينها جماعة الإخوان المسلمين بالسلمية في مواجهة ذلك ، ولم تلجأ الى استخدام العنف .
المصادر
- كتاب (الفكر السياسى للإمام حسن البنا) – إبراهيم البيومى غانم
- هل يجب حقا حل تنظيم الاخوان المسلمين
- كيف يتدرب أعضاء النظام الخاص للإخوان المسلمين، محمد الهامى – مدونات الجزيرة – 30/11/2016
- كتاب (الفكر السياسى للإمام حسن البنا) – إبراهيم البيومى غانم
- من قضايا الإخوان المسلمين، بلال القصاص – رابطة أدباء الشام
- السابق
- ذكريات مهدى عاكف
- سيرة ومسيرة – حل الاخوان – يوسف القرضاوى
- المزيد من دراما تقبيح الحسن إبراهيم البيومى غانم – الشروق
- من قضايا الإخوان المسلمين: بلال القصاص – رابطة أدباء الشام
- المزيد من دراما تقبيح الحسن: إبراهيم البيومى غانم – الشروق
- عبد الله النفيسى – برنامج القبس
- إخوان مصر.. تاريخ طويل من نبذ العنف
- (الإمام البنا واستخدام القوة) – محمد عبد الرحمن المرسى
- ذكريات مهدى عاكف
- المذيع الذي أذاع للشعب أول قرار لحل الإخوان في تاريخ الجماعة، تراثيات – 4/12/2016