الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي (الحلقة التاسعة والعشرون)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٠٦:٠٤، ١٥ يوليو ٢٠١٨ بواسطة Taha55 (نقاش | مساهمات) (حمى "الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي (الحلقة التاسعة والعشرون)" ([تعديل=السماح للإداريين فقط] (غير محدد) [النقل=السم...)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي (29)


بقلم : زياد أبو غنيمة

مقدمة

  • أراده فاروق مقبرة للإخوان فانقلب السجن إلى مصنع للثبات والالتزام

ما أجمل ما يختزل به الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي السنوات العجاف من معاناة الإخوان المسلمين في سجون الملك المخلوع فاروق ببيت من الشعر نظمه وهو في سجن الطور :

هذا هو السجن شاءوا أن نذوب به

وشاء ربك أن نزداد إيمانا

في سياق حديثه عن معاناته مع آلاف الإخوان في سجون الملك المخلوع فاروق يقول الأستاذ يوسف القرضاوي في كتابه ( إبنُ القرية والكـُـتـَّـاب ) : من أهم ما نستفيده من المحن التصفية والتمييز بين المؤمنين والمنافقين : ( مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) ( آل عمران ـ آية 179 ) ، فالمحن تصقل المؤمنين ، دخلنا معاناة المحنة ونحن شبابٌ طلابٌ في الثانوي في أيام الملكية ، وصبر الإخوان على السجون ، وصبرواعلى البلاء ، وصبروا على التجويع ، وصبروا على الشدائد ، وصبروا على التعذيب ، فمع كل ما أصاب الإخوان في سجون الملك المخلوع فاروق من ظلم ، وما لحق بهم من ضيم وأذى ، إلا أنهم كانوا يتمتعون بروح معنوية عالية لأنهم كانوا يؤمنون أن الإبتلاء هو سنة الله في الدعوات وحملة الرسالات ، وأن الطريق الى النصر في الدنيا وإلى الجنة في الآخرة مفروشة بالاشواك ، مضرَّجة بالدماء ، مليئة بجثث الشهداء ، ومن مظاهر هذه الروح المعنوية انهم كانوا يقابلون الأهوال بصدور منشرحة وقلوب منفتحة وثغور مبتسمة ، فتراهم داخل الزنازين يضحكون وينكتون ويرددون المُلَح والطرائف ويتفننون في ذلك مما لا يخطر لهم على بال , ولم يزد كل ذلك العذاب الإخوان إلا مزيدا من الثبات والإلتزام ، ومن هذا الشعور نظمت قصيدة وأنا في سجن الطور أتحدَّى فيها الطغاة وسجونهم قلت فيها :

قالوا إلى السجن قلنا شعبة فتحت

ليجمعونا بها في الله إخوانـــــــــا

قالوا إلى الطور قلنـــــــــا الطور

مؤتمرٌ فيه ما يخشاه أعدانـــــــــا

هو المُصلـَّـى نـُـربِّــي فيه أنفسنا

وهو المصيف نقوي فيه أبداــــــا

معسكرٌ صاغنـــــا جُـنداً لمعركة

ومعهدٌ زادنا بالحق عرفانـــــــــــا

من حرموا الجمع منا فوق أربعة

ضموا الألوف بغاب الطور أسدانـا

راموه منفىً وتضييقاً فكان لنـــــا

بنعمة الحب والإيمان بستانــــــــا

هذا هو الطور شاءوا أن نذوب به

وشاء ربك أن نزداد إيمانـــــــــــا

ويروي الدكتور القرضاوي قصة اعتقاله وهو طالب أزهري في عهد الملك النخلوع فاروق ققائلا : بعد إلقاء القبض علي كان أول من استقبلني في مركز البوليس ضابط شرس كأنه وحش مفترس استقبلني بالحفاوةالتي استقبل بها قبلي مءات الإخوان ، :التعليق بالفلكة والضرب بالسياط قبل ان يسألني سؤالا واحدا ، وبلغ هذا الرجل من سوء الأدب والجبروت أنه طلب مني أن اضع حذائي فوق عمامتي الأزهرية التي كان يلبسها طلاب الأزهر ، فلما قلت له إن العمامة رمز العلم الاسلامي وإهانتها اهانة للاسلام ، سخر مني وقال كلاما استحي ان اذكره ، وأمر أحد زبانيته أن يضع حذائي فوق عمامتي فقلت له : أكنت تصنع ذلك لو كانت عمامة سوداء ؟ فلم يرد علي ( المقصود لو كان الجالس مكاني قسيسا نصرانيا ( ، ويتحدَّث الدكتور القرضاوي عن طعام السجن فيذكر أن طعام الإفطار كان من العدس المليء بالحصى والرمل ، وأحيانا يأتون لنا بالفول بدل العدس ولا أسوأ من هذا الا هذا فالسوس يطفو على سطحه بكثرة تلفت النظر حتى قال بعض الظرفاء من اخواننا ، هذا لا يقال له فول مسوس بل هو سوس مفول فصارت مثلا . أما طعام الغذاء فكان من الفاصولياء الجافة مع الأرز ، أما الماء فقد كانوا يُقتـِّـرون فيه ةقد سمعت من أخي الشيخ عبد المعز عبد الستار أنه عطش عطشا شديا ذات يوم ولم يجد أمامه سوى ماء ( سيفون المرحاض )، ومع ذلك لم يستطع الشرب منه لأنه لا يمكن لبشرٍ شربه .

علي صديق من ميدان الجهاد في فلسطين إلى سجون فاروق

الأستاذ علي صديق

كان الأخ المسلم علي صديق من القلائل من الإخوان الذين وثـَّـقوا سنوات المعاناة العجاف في سجون فاروق ، ففي كتابه ( الإخوان المسلمون بين إرهاب فاروق وعبد الناصر ) يروي علي صديق كيف انتزعه زبانية فاروق من بيت والده بعد وقت قصير من عودته من ميدان الجهاد ضمن كتائب الإخوان المسلمين في فلسطين قائلا : لم يمهلني قائد الحملة حتى أرتدي ملابسي وحذائي ، ووضع الحديد في يدي ، وخرجت من المنزل حافي القدمين عاري الثياب إلا من بيجامة خفيفة , وتوجَّهوا بي إلى غرفة محافظ القاهرة اللواء أحمد طلعت الذي ما أن رآني حتى أمر بتعذيبي فانهال زبانيته علي ضرباً بالعصي الغليظة حتى أدميت قدماى , وطلب مني الاعتراف باشتراكي في محاولة قتل حامد جودة فلما رفضت الاعتراف لعدم اشتراكي فعلا , استمرَّ في التعذيب وبعدها أمر بإرجاعي للقسم حتى الصباح ، وفي صباح يوم التالي استدعيت للتحقيق أمام المحامي العام إسماعيل عوض فاطأننت إلى أنني أمام رجل عدالة فسردت له ما وقع علىّ من تعذيب بأمر السيد المحافظ , ووعدني خيراً , ثمَّ سألني عن علاقتي بحادث حامد جودة فأنكرت صلتي بهذا الحادث , فهمس في أذن أحد الضباط فأخذوني إلى غرفة أخرى فاستلمني الزبانية وأدخلوني بداخل كرسي خيرزان لا قاعدة له , أدخلوني بوجهي داخل الكرسي ورجلاي إلى أعلا وظلوا يضربونني حتى ضاق نفسي لعدم استطاعتي التنفس وعم جسدي عرق غزير وانهارت قواي , فلم أحس بالضرب , وعندما رأوا عدم تحركي أخرجوني من الكرسي , وعادوا بي محمولا أمام أمام المحامي العام إسماعيل عوض , فظنَّ أنني وأنا على هذه الحالة من الإرهاق والتعذيب يمكنه التأثير علي فعاد وسألني عن علاقتي بحادث جوده ، ولكنه وجد نفسه أمام إنسان عنيد في الحق لا يثنيه عن إصراره تهديد أو وعيد فأعادوني للقسم محمولا ، وفي الصباح نقلوني إلى سجن الإستئناف , ووضعت في زنزانة انفرادية بالسجن بالطابق الأرضي , ومنعت عنا الزيارات واستقبال الملابس والطعام ، وخصص لكل فرد منا خمس دقائق فقط للوضوء وقضاء الحاجة ، ولا يُسمح لأحد من المعتقلين أن يتعرَّف على من يجاوره , أما طعام السجن فكان طعاماً تعافه النفس كريه الرائحة وكان خليطاً من عدس وفول وزلط وطين .

مذكرات واعظ أسير

كان الشيخ الداعية أحمد الشرباصي واحدا من آلاف المصريين الذين اعتقلتهم حكومة إبراهيم عبد الهادي باشا في حملتها القمعية ضدَّ جماعة الإخوان المسلمين ، ولم يكن الشيخ عضوا في الإخوان ، وقد ألف الشيخ الشرباصي كتابا أسماه ( مذكرات واعظ أسير ) يروي فيه ذكرياته المريرة عن الفترة التي قضاها في السجن ، وأهدى الشيخ الشرباصي كتابه إلى روح الإمام الشهيد بإذن الله حسن البنا ، ويزخر الكتاب بالمواقف التي تحكي قصصا أليمة لعذابات معتقلي الإخوان ، ويروي كيف اقتحم زبانية البوليس السياسي بيته في منتصف ليل 15 / نيسان / 1949 م ، وحملتنا سيارة رهيبة وسارت بنا فى ظلمات الليل تنهب الأرض نهبا الى قسم السيدة زينب ، وقادنى جندي طويل ضخم الى باب عريض كثيف أسود فى جانبه قفل كبير هائل ففتحه الجندى وأدخلني في غرفة ( الحجز ) ، وأغلق خلفى الباب فى صفقة مرعبة وصرير مخيف ووجدت نفسي فى عالم آخر كأنه بئر عميق محشوة بالآدميين منهم الصبى والشاب والكهل والعجوز , ومنهم التلميذ والمحامى والمدرس والواعظ والموظف , ومنهم الصحيح والمريض والقوى والضعيف , والغنى والفقير , والقادر والعاجز ؟ ، والحجز هو حجرة لا ترى الشمس أو الضوء , فيها مرحاض هو مثل فى القذارة بلا باب , وفيه صنبور " حنفية " يشرب منها الجميع , ويغسلون أدواتهم , ويغتسلون , ويتطهرون من البول والبراز , ، وأرض الحجرة مغطاة بطبقة من الأسفلت الرطب البارد , وفوقه ما يُسمى البُرش وهى قطعة مصنوعة من الليف الخشن لينام عليها المحجوزون .

نموذج من صبر الإخوان

  • أيها الطغاة ، لكم الجسد البالي فمزِّقوه

لا تجد أحدا من الإخوان المسلمين في سجون الملك فاروق إلا ووراءه قصة مضمَّخة بالدم وآهات المعاناة تروي ملحمة صبر الإخوان على صنوف التعذيب التي تعرَّضوا لها في عهد حكومة حزب السعديين الأحرار برئاسة إبراهيم عبد الهادي باشا ، وهذه ، على سبيل المثال لا الحصر ، واحدة من قصص لا تحصيها كتب عن صبر الإخوان .

خلال إحدى جلسات محاكمة الإخوان في إحدى القضايا التي ألصقتها بهم حكومة إبراهيم عبد الهادي باشا قال الأخ المسلم المعتقل عبد الرحمن عثمان : إنني أذكر يوم 11 يوليو ذهبت برفقة الملازم أول فاروق كامل وظللت ست ساعات في المحافظة ، واعتدي علي الصاغ العشري بالضرب ومعه عسكري أظن أنه رقي لدرجة الصول ويدعي حسب الله ، وما كان الضرب والتعذيب يخيفاني وإنما التهديد بجريمة خلقية ، وفي يوم 14 يوليو حضر الملازم كمال الرازي وأخرجني من السجن لتوصيلي إلي نيابة الاستئناف ، ولكنني فوجئت بالصاغ محمد علي صالح والملازم فاروق كامل يصحباني إلي محطة القاهرة وأصعداني إلي القطار الذاهب إلي الإسكندرية ، وبمجرد تحرك القطار أدخلاني صالونا وجدت به رئيس الحكومة إبراهيم عبد الهادي باشا ، وأخذ الباشا يسألني عدة أسئلة حتى يئس مني لأني لم أجبه علي شيء ، فقال لي : ما رأيك في شعور الإخوان بعد قتل مرشدهم ؟ ، فقلت له : إن شعورهم ينحصر في أن دولتك قاتل حسن البنا ، فذهل الباشا ، وقال الأخ المعتقل أمام المحكمة أنه يذكر أنه حينما دخل الحجرة رقم (12) في سجن الأجانب وجد علي الحائط آثار دماء مشاراً إليها بقوس ومكتوب تحتها عبارات ( لقد مزقوني إربا إربا ، وسعادتي في إيماني ، وإيماني في قلبي ، ولا سلطان لأحد علي قلبي ) وذُيلت العبارة باسم بإمضاء إسماعيل علي وهو أحد الإخوان المعتقلين ، وهنا طلب الدفاع أن تأمر المحكمة بتحقيق هذه الواقعة ، فكلفت المحكمة الأستاذ صادق المهدي ممثل النيابة بالانتقال مع الشاهد وبصحبته الأستاذ أحد المحامين من هيئة الدفاع إلي السجن ومعاينة المكان وإثبات الواقعة التي تحدَّث عنها ، واستدعت المحكمة الأخ المسلم المعتقل إسماعيل علي فأقرَّ أنه كان بتلك الحجرة حوالي شهر ثمَّ رُحِّـل بعد ذلك إلى سجن مصر ، وقال إنه فعلا كتب كلاما كثيرا وآيات قرآنية ومنها نفس الكلام الذي ذكره عبد الفتاح عثمان وقرر أنه كتب هذا الكلام علي الحائط بالدم الذي كان يمسحه من آثار الضرب والتعذيب والجروح الموجودة بجسمه ، وقال إني أتذكر أنني حفرت علي الحائط عبارة ( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ) ، وعادت اللجنة التي شكـَّـلها رئيس المحكمة وأكَّـدت أنها وجدت على حائط الغرفة عبارة ( أيتها العصابة الطاغية ، لكم الجسد البالي فمزِّقوه إن شئتم إربا إربا ، فإن ذلك لن يهمني أبد أبدا ، لأن سعادتي في إيماني ، وإيماني في قلبي ، وقلبي لا سلطان لأحد عليه إلا الله ) ، وقد وقع علي ذلك بإمضاء إسماعيل علي ، وأنها وجدت بجوار هذه العبارة عبارة ( إيذاء زائد صبر زائد ، بلاء زائد صبر زائد ، تعذيب زائد صبر يساوي نصر ) ، وقالت اللجنة أنها وجدت آثار دماء علي الحائط في خطوط سوداء قاتمة اللون.