هيئة كبار علماء الأزهر وأول انتخابات لمنصب المفتي في مصر
مقدمة
الفُتيا مَقامُها عظيمٌ، وخطرُها جسيمٌ، لذا اعتنى أئمَّة السلف وعلماؤهم من أصوليين وفقهاء بشأن الفتيا، حيث وضعوا لها القواعدَ، وبيَّنوا الشروط التي يلزم تحقُّقُها في المفتي والمستفتي، حيث حصرها الله سبحانه في قوله: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل:43]، فلا يتكلم في شئون الدين العظام إلا أهل العلم، وأكده في قوله: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}(النساء 83).
ولقد حذر الله - سبحانه – من أن يتولى أو يتصدر هذا الأمر أحد بلا علم ولا هدى ولا كتاب منير، قال الله سبحانه: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الكَذِبَ}[ النحل: 116].
ولقد وضع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – القواعد التي عليها يقضي المفتي حينما سأل معاذ بن جبل أثناء توليه شئون اليمن بما تحكم فقال بكتاب الله ثم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن لم أجد أجتهد الرأي ولا ألو، وعلى هذه القواعد سار الأئمة من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكر بعض العلماء أن حوالى مائة وثلاثين صحابياً، ما بين رجل وامرأة، كانوا يقومون بالفتوى بين الناس في فجر الإسلام، كان من أشهر من تصدر الفتوي عمر بن الخطّاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، والسيدة عائشة أم المؤمنين، و زيد بن ثابت، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر.
إلا أن بعض الكتابات ذكرت أن أول من حمل لقب مفتي – كوظيفة حكومية صدر بها مرسوم يوقعه الخليفة- كان الفقيه العالم الليث بن سعد بالقاهرة، حيث وجد نقشا على قبره مكتوب عليها: [الإمام الفقيه الزاهد العالِم الليث بن سعد بن عبد الرحمن أبو الحارث المصر ي مفتي أهل مصر ] (1).
إلا أن رأى أخر يقول بأنه بدأ في العصر المملوكي، وارتبطت بالنظام القضائي، حيث كانت هناك أربع وظائف للإفتاء، في دار العدل، هي: مفتي دار العدل الشافعي، ومفتي دار العدل المالكي، ومفتي دار العدل الحنفي ، ومفتي دار العدل الحنبلي، وكان قاضي قضاة كل مذهب هو الذي يختار مفتي المذهب ويعرضه على السلطان ليقوم السلطان بتعيينه في المنصب.
وعندما دخل العثمانيون مصر غيروا النظام القضائي، وتغير بذلك نظام الفتوى، فأصبحت هناك وظيفة واحدة للإفتاء هي وظيفة "مفتي السلطنة الشريفة بمصر " وكان يعين بمعرفة مفتي إستنبول، وكان مفتي مصر شافعيًا في أغلب الأحوال بالرغم من أن الدولة العثمانية كانت حنفية المذهب.
وفي عصر محمد علي أصبح هناك أربعة مفتون للمذاهب الأربعة، ولكن الزعامة عليهم كانت للمفتي الحنفي الذي كان يسمى "مفتي أفندي مصر " وكان الباشا والي مصر هو الذي يعين المفتي بعد ترشيح العلماء له((2) ).
المفتي ودار الافتاء
أنشئت دار الإفتاء المصر ية في عام 1895م/ 1313هـ، و صدر أمر عال في 27 مايو سنة 1897م الموافق جمادى الآخرة 1313 هـ بانتخاب قاضى مصر وتعيينه يكون حسب القواعد المتبعة، وتعيين مفتى الديار المصر ية من قبل الخديوي، حيث كان المنصب يتبع دار الحقانية (العدل)، إلا أنها كانت بين الحين والآخر تستقل عن الوزارة في لوائحها ومالياتها.
وعلى الرغم من التداخل بين اختصاص المفتي ورئيس المحاكم الشرعية إلا أن الأمور انتظمت بعدما قام عبدالناصر بإلغاء المحاكم الشرعية عام 1955م واستعاض عنها بالمحاكم الأهلية.
كان منصب مفتي الديار موجود في العصر الحديث قبل نشأة دار الافتاء ووفق المصادر والمراجع تولى الشيخ محمد المهدي العباسي منصب "مفتي أفندي مصر " سنة 1848م في عصر إبراهيم باشا بن محمد علي، واستمر مفتيًا إلى عصر إسماعيل حيث تغير لقبه إلى "مفتي الديار المصر ية" . وزاد نفوذه بعد أن أضيفت إليه مشيخة الأزهر سنة 1870 في سنة 1881 قبل أن يتم عزل الشيخ محمد المهدي العباسي من مشيخة الأزهر - نتيجة لاختلاف علماء الأزهر - معه بقرار من الخديوي توفيق في 5 ديسمبر 1881م.
وأمر الخديوي بإسناد مشيخة الأزهر إلى الشيخ محمد الإنبابي في 11 ديسمبر 1881 وهو من كبار علماء الشافعية. وبعد فشل ثورة عرابي أعيد الشيخ محمد العباسي المهدي إلى مشيخة الأزهر ، وذلك في 12 أكتوبر 1882 وأعفي الشيخ الإنبابي منها وجمع الشيخ العباسي بين الإفتاء ومشيخة الأزهر مرة ثانية. واستمر يشغل المنصبين إلى سنة 1885 حيث عاد الشيخ الإنبابي إلى مشيخة الأزهر ، بينما استمر الشيخ المهدي في وظيفة الإفتاء حتى وفاته سنة 1895. وبعد وفاة الشيخ الإنبابي سنة 1895، تولى الشيخ حسونة النواوي منصب مشيخة الأزهر ، وبعد قليل توفي الشيخ المهدي مفتي الديار المصر ية، فأضيفت وظيفة الإفتاء إلى الشيخ حسونة النواوي وأصبح يشغل وظيفتي الإفتاء ومشيخة الأزهر . واستمر يشغل منصب الإفتاء حتى سنة 1899، حيث خلفه الشيخ محمد عبده، قبل أن يخلفه الشيخ بكر الصدفي (1323 هـ - 1333 هـ / 1905 - 1914) ( (3)).
كانت دار الافتاء والمفتي يتبعان وزارة العدل حتى تاريخ 1/ 11/ 2007م، حينما أصبح لها لائحة داخلية ومالية تم اعتمادهما ونشرهما في جريدة الوقائع المصر ية، لكنها ظلت تتبع وزارة العدل تبعية سياسية هيكلية فقط، دون أن يكون لوزارة العدل أي سلطة على الدار، وسبب هذه التبعية هو ما بين المؤسستين من جانب مشترك يتمثل فيما تقوم به دار الإفتاء من نظرٍ في قضايا الإعدام، وإن كان رأيه استشاريا وليس ملزما إلا أنه لا يتضح الأسباب التي جعلت الحكومات - على تعاقبها - تسند قضايا الإعدام لاطلاع المفتي، لكن لربما لتحري الدقة الشرعية في حياة انسان، أو لأسباب أخرى هدفت السلطة السياسية ربط المفتي بوضعه السياسي.
لكن كان من الواضح – كما تقول رندة عطية – أنه منذ تأسيس «دارُ الإفتاء المصر ية» في 4 جمادى الآخرة 1313هـ-21 نوفمبر 1895م كانت دومًا ضلعًا رئيسيًا لخدمة النظام الحاكم، حيث جاءت كجزء في سياق عام شهدت فيه مصر حركةً دؤوبًا لإعادة تشكل المجال العام ووضعه تحت سيطرة مؤسساتٍ مركزية للدولة.
والعلاقة بين الإفتاء كمؤسسة والدولة خضعت لثلاث تفسيرات بحسب علماء الاجتماع السياسي، الأول: أنها نشأت جنبًا إلى جنب الأزهر الشريف ، ووزارة الأوقاف بقصد ترسيخ وجود الإسلام، وتعزيزه بتعددية التعبير المؤسسي عنه في هياكل الدولة، أما الثاني فمن أجل أن تكون مركزًا دينيًا داخل الحكومة، يقف منافسًا لمركز ديني آخر هو الأزهر الشريف ؛ كي يقلل من قوة شيخه، وخصوصًا لكون شيخه يتمتع بدرجة من الاستقلالية عن سلطة الدولة.
فيما جاء التفسير الثالث أنها نشأت لإضفاء مسحة شرعية شكلية على مؤسسات الدولة المصر ية، التي انزاحت في العصر الحديث، وعلى نحو تدريجي منذ عهد محمد علي باشا، نحو العلمنة والقوانين الوضعية، ورغم تباين تلك التفسيرات إلا أن لكل منها نصيب من الواقع وإن طغى بعضها على غيره بين الحين والأخر
ويكفي الوقوف على العلاقة بين دار الإفتاء والدولة من خلال ما توصل إليه الباحث الدنماركي جاكوب سكوفجارد-بيترسون، الذي خلص في أطروحة الدكتوراه الخاصة به والتي جاءت تحت عنوان " إسلام الدولة المصر ية: مفتو وفتاوى دار الإفتاء" إلى أنه منذ نشأة الدار وحتى اليوم كان للمفتين الرسميين الذين تعاقبوا على منصب «مفتي الديار المصر ية» دورًا محوريًا في خدمة سياسات الدولة، وترسيخ أركان أنظمتها الحاكمة((4) ).
هيئة كبار العلماء بمصر
أنشئت هيئة كبار العلماء في عهد مشيخة الشيخ سليم البشري بموجب القانون رقم 10 لسنة 1911م، وتكونت من كبار علماء المذاهب الأربعة، ونصت اللائحة الداخلية للهيئة في مادتها الأولى على أن "الغرض من تدريس هيئة كبار العلماء تربية الملكات، ومعرفة كيفية استنباط الأحكام من أدلتها، فيجب على كل واحد من الهيئة المذكورة أن يكون قبل إلقاء الدرس محيطًا بكل ما يتعلق بالموضوع الذي يلقيه إحاطة تامة.
كانت أول هيئة لكبار العلماء تتم بالانتخاب من وسط العلماء وليس بالتعين وكان عددهم 30 عالما.
وفي 18 أكتوبر 1928 قامت لجنة مؤلفة بقرار من مجلس الوزراء ـ برئاسة الإمام الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر ـ بوضع قانون الجامع الأزهر والمعاهد الدينية، وذلك تعديلًا للقانون 10 لسنة 1911، وفي 26 أبريل 1931 قرر مجلس الأزهر الأعلى لائحة داخلية جديدة لهيئة كبار العلماء، وكان ذلك في عهد الإمام الشيخ محمد الأحمدي الظواهري.
كان خلو مقعد أحد أعضاء الهيئة (بالاستقالة أو الوفاة أو التقاعد) يستوجب تعيين عالم جديد يكتمل به النصاب القانوني للهيئة وهو ثلاثون عضوًا، وكان اختيار العضو الجديد يتم بناء على ترشيح واختيار أغلبية أعضاء هيئة كبار العلماء، ثم يرسل اسمه إلى القصر الملكي فيوافق عليه ويصدر بالموافقة أمر ملكي دون تدخل من القصر في اختيار العضو الجديد.
في عهد جمال عبد الناصر – حيث حارب الأزهر وعمل على تسيسه - صدر القانون رقم 103 لسنة 1961، المعروف بقانون تطوير الأزهر ، وتم بموجبه حل هيئة كبار العلماء ليحل محلها مجمع البحوث الإسلامية قائمًا بواجباتها((5) ).
لم يكن الأزهر مؤيدا لثورة 25 يناير بل ظل على نمطه المؤيد لنظام مبارك حيث نشر تهنئة بمناسبة عيد الشرطة مع وضع صورة وزير الداخلية آنذاك حبيب العادلي على صدر صفحات مجلةالأزهر في ذروة الثورة، بل أصدر الشيخ الطيب بيان يوم 3 فبراير 2011م يطالب الشباب العقلاء بترك الميدان واختار عدد منهم للتفاوض، مما دفع السفير محمد رفاعة الطهطاوي بترك منصبه كمتحدث رسمي باسم مشيخة الأزهر وانضمامه للثوار، بل هاجم الشيخ يوسف القرضاوي موقف شيخ الأزهر المتخاذل والمتعاون مع نظام مبارك، وزاد الأمر بفتوى شيخ الأزهر بتحريم الخروج على الشرعية وذلك يوم 11 فبراير( (6)).
وهو ما يفسر خوف المجلس العسكري مما قد يحدث مستقبلا في ظل تصاعد حظ الإسلاميين في الفوز بالبرلمان والرئاسة، ولذا أوعز للشيخ أحمد الطيب - شيخ الأزهر ورجلهم- باقتراح بإعادة تشكيل هيئة كبار العلماء ليتم السيطرة على المناصب الإسلامية الكبيرة –كاختيار شيخ الأزهر والمفتي - من خلالهم، وهو المقترح الذي وافق عليه بالفعل المجلس العسكري ومجلس الوزراء في يونيو 2012 م – أي قبل انتخاب الرئيس مرسي بشهر – والذي نص بإعادة تشكيل هيئة كبار العلماء واختيارها من قبل شيخ الأزهر على أن يكونوا 40 عضو.
الغريب في الأمر أن المجلس العسكري ويوم انعقاد أول جلسه لمجلس الشعب المنتخب يوم الأثنين 23 يناير 2012 م أصدر مرسوم قانون إعادة تنظيم الأزهر ، ولكنه أُعطي تاريخاً سابقاً هو 19/1، وظهر نص القانون على الموقع الإلكتروني للمطبعة الأميرية الرسمية التي تتولى نشر "الوقائع المصر ية" ظهر يوم الثلاثاء 24/1، أي في اليوم التالي للإصدار الحقيقي وليس المدون على الورق، مما يدل على شك وريبة من هذا التصرف، وزاد الأمر غرابة هو غياب علي جمعة – مفتي مصر – عن جميع الفعاليات الرسمية الداعية للتوحد بما فيها وثيقة "منظومة الحريات الأساسية في 10 يناير 2012 م والتي حضرها شيخ الأزهر والبابا شنودة والدكتور محمد بديع مرشد الإخوان وغيرهم( (7)).
تحقق للمجلس العسكري ما أراد فقد أقر الرئيس محمد مرسي في 17 يوليو 2012 م قانون أعادة إحياء هيئة كبار العلماء، كما تحقق له اختيار أفرادها عن طريق الشيخ أحمد الطيب ومجمع الشئون الإسلامية – المحسوب على نظام مبارك - الذي اختار 5 أعضاء كنواة لهيئة كبار العلماء وهم هم محمد عبد الرحمن الراوي و نصر فريد واصل و الأحمدي أبو النور وحسن عبد اللطيف الشافعي و محمد المختار المهدي، وبدورهم اختاروا 26 عضوًا فقط كانوا هم منهم على أن يستكمل هؤلاء الأعضاء باقي تشكيل الهيئة بالانتخاب، حيث جاء معظمهم من الموالين لنظام مبارك والمعادين لثورة يناير إلا القليل منهم.
فيقول عمرو عزت: شكل شيخ الأزهر لجنة من “النخبة الأزهر ية” المقربة له لتختار 24 عضوا من هيئة كبار العلماء، فاختارت اللجنة نفسها وشيخ الأزهر بالطبع، وأضافت لهم وجوها أخرى من النخبة الأزهر ية التي تميزت طوال العهود السابقة بـ”التواؤم” و”الاعتدال”، ومرت عبر “الموافقة الأمنية والسياسية”، لتتبوأ رئاسة جامعة الأزهر أو كلياتها ووزارات الأوقاف ومناصبها الكبرى، بالإضافة إلى أوجه من “الآخرين” أبرزهم: وجه قريب نسبيا من السلفيين وهو رئيس “الجمعية الشرعية”، أكبر الجمعيات الخيرية الدعوية الإسلامية، والشيخ يوسف القرضاوي ، المعروف بانتمائه التاريخي إلى الإخوان.
هذا التشكيل لهيئة كبار العلماء مثّل حصنا نسبيا لشخص شيخ الأزهر ومن حوله في مواجهة أي محاولة (إخوانية – سلفية) لغزو قيادة الأزهر أو استبدالهم على طريقة قادة الجيش. فهيئة كبار العلماء مسؤولة عن انتخاب شيخ الأزهر مستقبلا. كما أنها مسؤولة عن انتخاب مفتي الديار المصر ية. وكان ذلك انتصارا للنخبة الأزهر ية القديمة التي تحاول الحفاظ على وضعها في مواجهة أي تغيير، وفي نفس الوقت اقترابا من مطالب بعض جموع الأزهر يين الذين انتفضوا بعد الثورة، مطالبين بتوحيد كل المؤسسات الدينية الإسلامية تحت راية الأزهر ( (8)).
حيث انعقد أول اجتماع للهيئة منذ أكثر من 50 عامًا بعد إلغائها في الستينيات يوم 5 سبتمبر 2012 م بحضور جميع الأعضاء ما عدا الدكتور القرضاوي لتواجده في قطر كان قانون يونيو 2012 م نص في المادة (32) مكررا على اختصاصات الهيئة التي من ضمنها انتخاب شيخ الأزهر وترشيح مفتي الديار المصر ية والبت في الأمور الدينية.
وأضاف لها دستور 2012 صلاحية إضافية منصوص عليها في مادته الرابعة وهي أخذ رأي الهيئة في الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية، وبالفعل كان من أعمال هيئة كبار العلماء انتخاب أو مفتي لمصر انتخابا حرا في 2013 م في عهد الرئيس محمد مرسي ( (9)).
كان من الغريب أنه بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013 م ووقف العمل بدستور 2012 م ، وضع دستور جديد أن فقدت هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف أهم مميزاتها بأن تكون مرجعا لكل ما يتعلق بالشئون الإسلامية لتصبح الهيئة مثلها مثل مجمع البحوث الإسلامية باستثناء اختيار شيخ الأزهر والمفتي فلا فرق بين الهيئتين وهو ما جعل الأصوات العلمانية تطالب بإعادة النظر في مسألة آلية اختيار أعضاء هيئة كبار العلماء، واختيار شيخ الأزهر ووضع اختيار المفتي في يدي الرئيس.
حيث أكدوا أن الهيئة هي من اختارها شيخ الأزهر ومن ثم هي منوط بها اختيار شيخ الأزهر مما يفتح الباب للمحسوبية – وهو ما فعله الطيب بالفعل في أول اختيار لهيئة كبار العلماء في عهد المجلس العسكري يونيو 2012 م – بل طالبوا بعض نواب البرلمان بأن يرشح 3 علماء ليختار منهم الرئيس شيخا للأزهر كما كان في عهد عبدالناصر بدل من الاقتراع السري المباشر بين العلماء، بل طالب بعض النواب بتخويل الرئيس اختيار أعضاء هيئة كبار العلماء وعزلهم( (10)).
كانت هيئة كبار العلماء في دستور 2012 هي المسئولة عن كل ما يتعلق بالشريعة الإسلامية، وذلك من خلال المادة الرابعة في ذلك الدستور، والتي كانت تنص على أن "الأزهر الشريف هيئة إسلامية مستقلة جامعة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شئونه، ويتولى نشر الدعوة الإسلامية وعلوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم، ويؤخذ رأى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف في الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية، وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، يحدد القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء، وتكفل الدولة الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه، وكل ذلك على النحو الذى ينظمه القانون".
بينما في دستور 2013 خلت مادة الأزهر ، وهى المادة السابعة في الدستور الجديد من مرجعية الهيئة، حيث نصت المادة على أن "الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شئونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشئون الإسلامية، ويتولى مسئولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم، وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه.. وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء"( (11)).
وتوغل قائد الانقلاب العسكري – بمعاونة برلمانه – بسن قوانين تسمح له باختيار رؤساء المؤسسات الدينية على قرار الهيئات القضائية والنائب العام، حيث أصبح من صلاحياته اختيار أعضاء هيئة كبار علماء الأزهر حيث أصدر قرار بتعين 4 أعضاء جدد بهيئة كبار العلماء الأثنين 2 مارس 2020م بعد وفاة الدكتور محمد عمارة وهم الدكتور السعيد السيد السيد عبادة، والدكتور حسن أحمد محمد جبر، والدكتور محمود توفيق محمد سعد، والدكتور محمد حسنى إبراهيم سليم( (12)).
كما يعكف البرلمان الآن على سن قانون يمنح رئيس الجمهورية سلطة اختيار المفتي من بين 3 ترشحهم هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ، منهيا بذلك الطريقة السابقة التي تم اعتمادها بعهد الرئيس الراحل محمد مرسي بانتخاب المفتي عبر اقتراع سري لهيئة كبار العلماء برئاسة شيخ الأزهر ( (13)).
وهو الأمر الذي يضعف سلطة شيخ الأزهر كما يجعل هيئة كبار علماء الأزهر لا قيمة لها ولا صلاحية.
كانت موقف هيئة كبار العلماء بالأزهر من الانقلاب العسكري وصمتها على المذابح أمر مخزي بالنسبة لعلماء المسلمين المنوط بهم الدفاع عن حرمة الدماء، مما جعل بعض الأصوات تتهم الهيئة بمباركة ما يجرى خوفا على مصالح أفرادها، وهو ما دفع ببعض علماء السلطة بالهيئة بمطالبة شيخ الأزهر بإقالة الشيخ يوسف القرضاوي لتطاوله على شيخ الأزهر في أحاديثه، والتي اتهم فيها شيخ الأزهر بتواطئه ضد إرادة الشعب والانقلاب عليها والسكوت عن المذابح التي ترتكب، غير أن شيخ الأزهر رفض الطلبات المقدمة لإسقاط عضوية الدكتور يوسف القرضاوي من هيئة كبار العلماء( (14)).
لكن كان لعدم استقلالية هيئة كبار العلماء بالأزهر وانسياقها خلف سياسة النظام المصر ي بعد انقلاب 2013 م أن تقدم أحد أعضائها بالاستقالة متهما العلماء بمباركة المذابح التي يقوم بها النظام المصر ي بعد الانقلاب.
فقد تقدم الدكتور يوسف القرضاوي – رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين آنذاك وعضو هيئة كبار علماء الأزهر – باستقالته والتي جاء فيها: على أنني باستقالتي هذه أجُنِّب أتباع شيخ الأزهر ، وأتباع الحكومة الطاغية: عناء تقديم طلبات لإقالتي من الهيئة، فهيئة هذا مسلكها: لا خير ينتظر من ورائها، ولا فائدة تُرجى من البقاء فيها( ).
حيث أعلن الأزهر الشريف الاثنين 9 ديسمبر 2013 م في بيانه: إن هيئة كبار العلماء قبلت في جلستها الرئيسية اليوم استقالة الدكتور يوسف القرضاوي من عضوية الهيئة”، مشيرا إلى أن “شيخ الأزهر أحمد الطيب ترأس الجلسة غير أنه أثناء التصويت رفض الإدلاء بصوته وخرج من الجلسة، ولم يوضح البيان عدد الذين حضروا جلسة الاثنين ولا عدد الذين صوتوا بقبول الاستقالة وكذلك الذين رفضوها( (15)).
مما دفع الدكتور القرضاوي بإعلان استقالته أيضا من مجمع البحوث الإسلامي في 21 ديسمبر 2013 م حيث جاء في استقالته: استفزت استقالتي من هيئة كبار العلماء بالأزهر شيخ الأزهر لدعوة الهيئة للاجتماع للبت بشأنها، وهي الهيئة التي لم تجتمع لأجل البحث في الدماء التي تراق، والأرواح التي تزهق، والحرائر التي تسجن، والشباب الذي يسحل، والجامعات التي تنتهك حرماتها، بشكل يومي في مصر ، والخراب والدمار الذي آلت إليه مصر ، أخلاقيا وسياسيا، واقتصاديا واجتماعيا.
لقد اجتمعت الهيئة للبحث في قبول استقالتي، مع أني لم أقدمها لشيخ الأزهر ، ولا لهيئته التي عينها بطريقته، ليضمن ولاء معظم أعضائها له، وتبعيتهم لقراراته، وقد نالني من بعض أعضائها ما نالني، فضلا عن الحملات الإعلامية المسعورة التي لم تتوقف، والتي تتكلم الكذب وتتنفس الزور، وتحيا على البهتان، وهذا ما توقعته وسجلته في نص الاستقالة.
كما لم يكن لمجمع البحوث الإسلامية موقف يذكر، من المجازر الوحشية التي ارتكبها جنرالات الانقلاب العسكري، بحق الشعب المصر ي، فلم يصدر بيانًا، ولم يكتب فتوى، ولم يرفض ما يجري تحت أي اسم أو مسمى! من أجل هذا كله أتقدم للشعب المصر ي باستقالتي من مجمع البحوث الإسلامية((16) ).
المفتي من التعيين إلى الانتخاب
ظل منصب الفتي بالتعيين من قبل الخديوي أو الملك حتى جرت أول انتخابات حرة عن طريق الاقتراع السري المباشر عام 2013 م في عهد أول رئيس مدني منتخب انتخاب ديمقراطي الدكتور محمد مرسي ، حيث كان مفتي تم تعينه هو الشيخ علي جمعة – والذي ظل في منصبه 9 سنوات وستة أشهر – حتى تم انتحاب الدكتور شوقي علام.
فقد جرى نص المادة العاشرة من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والإجراءات المتعلقة بها الصادرة بأمر عال في 27 مايو سنة 1897م بما يلي: انتخاب قاضى مصر يكون منوطا بنا وتعيينه يكون حسب القواعد المتبعة وانتخاب وتعيين مفتى الديار المصر ية يكون منوطا بنا وبأمر منا بالطرق المتبعة.
وقد ألغيت هذه المادة بمقتضى القانون رقم 12 لسنة 1914 م بإلغاء وتعديل بعض مواد هذه اللائحة.
وجاء في المذكرة الإيضاحية في صدد إلغاء المادة العاشرة من لائحة سنة 1897م ما يلي: وألغيت المادة - 10 بفقرتيها وكانت الأولى منهما تنص على الإجراءات الخاصة بتعيين قاضى مصر ، أما الفقرة الثانية فإنها تنص على ما يتعلق بتعيين مفتى الديار المصر ية، وإنه وإن كان مفتى الديار المصر ية موظفا تابعا لوزارة الحقانية، إلا أنها ترى أنه لائحة المحاكم الشرعية ليست محلا للنص على إجراءات تعيينه، لأن هذه الوظيفة لا علاقة لها بأعمال المحاكم الشرعية.
وجرى العمل بعد هذا على ما كان مقررا في المادة الملغاة، فيتعين مفتى الديار المصر ية بقرار من رئيس الدولة باختياره وبالطرق المتبعة.
لكن من المعروف تاريخيا أنه عندما دخل العثمانيون مصر غيروا النظام القضائي، وتغير بذلك نظام الفتوى، فأصبحت هناك وظيفة واحدة للإفتاء هي وظيفة "مفتي السلطنة الشريفة بمصر " وكان يعين بمعرفة مفتي إستنبول، وكان مفتي مصر شافعيًا في أغلب الأحوال بالرغم من أن الدولة العثمانية كانت حنفية المذهب((17)).
كان واضحا من الأسماء التي تولت منصب المفتي ثقلهم العلمي وسط العلماء وعلى الرغم من كونهم معينين من قبل الخديوي أو الملك إلا أنهم بالإملاءات السياسية عليهم، غير أن ذلك تغير بعد ثورة 23 يوليو 1952م حيث صارت الأسماء التي تولت المنصب في خدمة السلطة التنفيذية – الرئيس والحكومة – في كل فتواها.
فقد رفض المفتي الشيخ بكر الصدفي حكم الاعدام الصادر في حق إبراهيم الورداني قاتل بطرس باشا غالي عام 1910م غير أن المحكمة لم تأخذ برأي المفتي ونفذت الحكم((18)). وهذا الشيخ حسنين محمد مخلوف – الذي كان مفتي يعين قبل الثورة، ما أن جاءت الثورة حتى كرهه رجالها لكونه لم يسير في فلكهم، وكانت فتواه أن الإسلام لا يعرف الاشتراكية بمفهومها الغربي، لكنه يعرف العدل والمساواة والتكافل حسبما جاء في آيات الذكر الحكيم القاصمة، حيث جرّت عليه هذه الفتاوى مطالبة خصوم الإصلاح، وكانوا من ذوي الجاه والسلطان، فحاربوا الشيخ الفقيه، وضيقوا عليه حتى ترك الافتاء في صفر من عام 1374هـ/ 19 أكتوبر سنة 1954م.
كما كان الشيخ محمد الخضر حسين أخر شيخ أزهر يقف في وجه محاولات العسكر تسيس الأزهر حيث قدم استقالته في 2 جمادى الأولى 1373 هـ /7 يناير 1954م، وحينما جاء وفد من الرئيس يساومه على دينه؛ فأجابه قائلاً: "قل للرئيس يكفيني من دنياكم كسرة خبز وكوب لبن، وقد ضمنها الله لي، وهذه استقالتي تحت تصرفكم"( (19)).
جاء علماء عملوا جاهدين على محاولة تسخير العلم والأزهر في ركاب النظام الحاكم، فما إن استقال الشيخ الخضر حسين حتى تم اختيار الشيخ عبدالرحمن تاج كشيخ للأزهر فكانت أول فتواه بأحقية الدولة في التجريد من شرف المواطنة (سحب الجنسية) وكان يقصد بها اللواء محمد نجيب أول رئيس جمهوري لمصر بعد النظام الملكي( (20)).
كما تولى الشيخ حسن مأمون منصب المفتي خلفا للشيخ مخلوف حيث أصبح أحد رجال الدين الذين اعتمد عليهم عبدالناصر حتى كافأه بمنصب شيخ الأزهر عام 1964م. ظل رئيس الجمهورية يعين مفتى مصر حتى قامت ثورة 25 يناير 2011م وطالبت بتحقيق العدالة في الانتخاب الحر لكل المناصب بما فيها منصب مفتي الجمهورية، وعلى الرغم من كونها تحققت إلا أن الالتفاف على إرادة العلماء والشعب كان واضحا في اختيار هيئة كبار العلماء – المنوط بها انتخاب المفتي – من بعض العلماء المحسوبين على السلطة، وهو ما سيتضح من خلال السطور القادمة.
أول انتخابات لمنصب المفتي
كما ذكرنا أن منصب المفتي كان يختاره ولى الأمر سواء الخديوي أو الملك أو رئيس الجمهورية بعد ذلك، وهو ما لم ترض عنه ا كما لم يرض عنها التيار الإسلامي الذي حظى بتأييد الشعب في كل الاستحقاقات الانتخابية، ومن ثم كان أخر مفتي يتم تعينه هو الشيخ علي جمعة [28 سبتمبر 2003- 11 فبراير 2013 م] الذي عين من قبل مبارك وجدد له المجلس العسكري لمدة عام حتى جاء الرئيس مرسي وأجريت في عهده أول انتخابات لاختيار المفتي، حيث جرت انتخابات حرة من وسط هيئة كبار العلماء.
وهو ما ذكره الدكتور محمود عزب - مستشار شيخ الأزهر – بقوله: إن هذه هي المرة الأولى في تاريخ الأزهر ، وتاريخ مصر يتم انتخاب مفتي الجمهورية على خلاف الأعوام السابقة، حيث كان يتم اختياره من قبل شيخ الأزهر أو رئيس الجمهورية.
وأكد إجراء الانتخابات الحرة الدكتور نصر فريد واصل بقوله: إن انتخابات اختيار مفتي الجمهورية تمت طبقا للقواعد والضوابط التي حددتها هيئة كبار العلماء، واللجنة المنبثقة من الهيئة، والتي نظرت في طلبات الترشح التي وصلت إلى 26 ترشيحًا، لافتا إلى أن اللجنة بحثت السيرة الذاتية للمرشحين بكل دقة، و إن انتخابات المفتي تمت بعيدا عن التحزب والأهواء الشخصية والوساطة((21) ).
فبعد انتهاء ولاية علي جمعة لبلوغه سن المعاش ووفق اللائحة الداخلية لهيئة كبار العلماء في مادتها الرابعة عشرة، على أن «شيخ الأزهر يدعو الهيئة إلى الانعقاد قبل موعد انتهاء مدة مفتى الجمهورية بشهر على الأقل، للنظر فى ترشيح المفتي الجديد، وتُرشّح الهيئة ثلاثة من العلماء من بين أعضائها أو من غيرهم ممن تنطبق عليهم شروط ومعايير صلاحية شغل منصب المفتي، التي تقررها الهيئة، ثم تختار الهيئة عبر الاقتراع السرى المباشر على المرشحين الثلاثة فى جلسة يحضرها ثلثا عدد الأعضاء، ويعتبر من يحصل على أعلى الأصوات هو مرشح هيئة كبار العلماء لمنصب الإفتاء بشرط حصوله على الأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين، ويعرض شيخ الأزهر الترشيح على رئيس الجمهورية لإعمال اختصاصه في إصدار قرار تعيين مفتى الجمهورية»، اجتمعت هيئة كبار علماء الأزهر لانتخاب مفتي جديد بالاقتراع الحر السري المباشر، حيث تختار الهيئة 3 علماء منها كمرحلة أولى، ثم تقوم في مرحلة ثانية بانتخاب واحد من الثلاثة الأعلى أصواتا.
لكن كان من الواضح أن جميع أعضاء هيئة كبار العلماء قد تجاوزوا السن القانونية – سن الستين عاما – ومن ثم استعانت الهيئة بترشيحات من خارج عضويتها لمنصب المفتي، وقال الدكتور عبد الله الحسيني هلال - وزير الاوقاف الأسبق وعضو هيئة العلماء لفرانس برس - "كان هناك اقتراح بمد خدمة الشيخ علي جمعة لعام اخر لكن لم يتم التوافق عليه". ولقد شهد المنصب صراع من قبل مشايخ دار الافتاء الذين كانوا يريدون أن يكون واحد منهم هو المفتي القادم، غير أن الانتخابات جاءت بشخص بعيدا عن دار الافتاء((22)).
على العموم تقدم عدد من أعضاء الهيئة بترشيح أنفسهم للمنصب مثل الدكتور عبدالفتاح إدريس ( أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر ) والدكتور سعدالدين الهلالي (أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر )، والدكتور رمضان محمد عيد (عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر )، و الدكتور عباس عبد الله شومان (أستاذ ورئيس قسم الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر )، والدكتور محمد أبو هاشم (عميد كلية أصول الدين بالزقازيق) ((23)).
أجريت الانتخابات في جو من النزاهة و الشفافية حيث بلغ عدد المرشحين من قبل اللجنة المشكلة من قبل أعضاء هيئة كبار العلماء – والتي تكونت من الشيخ علي جمعة رئيسا وبإشراف المستشار محمد عبد السلام المستشار القانوني لشيخ الأزهر - 9 أعضاء تم تصفيتهم من 26 مرشحا، وتم تصفية التسعة إلي ثلاثة حيث جاء في بيان هيئة كبار العلماء، «إنه استناداً إلى معايير الكفاءة العلمية الشرعية، والانتماء للمنهج الأزهر ي الوسطي، والاستقامة النفسية والخلقية، انتهت هيئة كبار العلماء إلى ترشيح ثلاثة أسماء، هم الدكتور شوقي إبراهيم عبدالكريم علام، وعطية السيد السيد فياض، أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة، والدكتور فرحات عبدالعاطي سعد أبووطفة، أستاذ الفقه بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة»، وتم التصويت من خلال صندوق زجاجي
وحصل الدكتور شوقي إبراهيم عبدالكريم علام على أعلى الأصوات، تلاه في الترتيب أستاذ الفقه المقارن بجامعة القاهرة الدكتور عطية سيد، ثم في المرتبة الثالثة أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الدكتور فرحات عبدالعاطي ، ليتم رفع الأمر إلى رئيس الجمهورية لإصدار قرار بالتصديق على شغل عبدالكريم منصب المفتي الجديد، ليعلن عن توليه المنصب بدءًا من مارس 2013 م وليصبح المفتي رقم 19 في تاريخ دار الافتاء منذ عام 1859م( (24)).
ولقد أشاعت وسائل الإعلام أن الدكتور عبدالرحمن البر – عضو مكتب الإرشاد للإخوان – من ضمن المرشحين لمنصب المفتي إلا أن بيان هيئة كبار العلماء أكد أن الدكتور عبدالرحمن البر لم يكن من ضمن المرشحين الـ26، كما لم يكن من ضمن التسعة الذين تم تصفيتهم لاختيار الـ3 منهم((25) ).
ولقد عبر عن هذه الإرادة الحرة التي وصلت فيها مصر بعد ثورة 25 يناير وقبل انقلاب 3 يوليو 2013 م الشيخ عبد الفتاح الشيخ - عضو هيئة كبار العلماء – بقوله: "انتخاب المفتي يعني أن الأزهر عادت إليه أصالته ومكانته واصبح اختيار المفتي من اختصاص شيوخه وليس رئيس الجمهورية".
علام وانقلاب 2013 م
لم يكن شوقي علام بالشخصية المعروفة وسط العلماء غير أنه كان أكثر الشخصيات الثلاثة اتساقا مع هوى علماء مبارك في هيئة كبار علام الأزهر ولذا جاءوا به، حيث كانا المرشحين الأخرين [ فياض وفرحات] عليهم علامات استفهام بقربهم من جماعات الإسلام السياسي، ولذا جاء اختيار علام الأستاذ بجامعة الأزهر فرع طنطا.
اختفى علام فترة بعد الانقلاب العسكري عام 2013 م حتى سرت الشائعات بأنه استقال أو أنه غير راضي على ما جرى أو أو أو ... لكن بعد فترة وجيزة خرج شوقي علام ليبارك ما جرى في 3 يوليو 2013 م.
كان أول تصريح لشوقي علام بعد انتخابه مفتي لمصر في مارس 2013 م بأنه [سيتصدى بكل قوة لفتاوى قتل وإهدار دم المتظاهرين، وذلك منعاً للبلبلة والتضارب وإثارة الرأي العام.
وأنه لا ينتمي إلى أي حزب من الأحزاب السياسية، فهو أزهري حتى النخاع، وليس له أي انتماءات أخرى سياسية أو دينية، ويرفض بأي حال من الأحوال دخول معترك السياسة]( (26)).
لكن مع تزايد وتيرة قمع كل من هو مخالف للانقلاب العسكري سارع شوقي علام ليعلن تأييده لما جرى في يوليو 2013 م بل وخلال سنوات أصبح علام في مقدمة الصفوف المنحازة للسلطة العسكرية والمشرعة لتصرفاتها ضد الشعب، حيث أضفى شرعية دينية على معظم الخطوات والإجراءات والممارسات التي تمت منذ انقلاب 2013 م، حتى أنه أفتى بالعديد من الفتاوي الشاذة [كالانتساب للإخوان حرام - على الرغم من سرقته لمقال للشهيد سيد قطب عن الصيام ونسبه لنفسه والذي نشر في اليوم السابع في يونيو 2016م تحت عنوان نجحت لعلكم تتقون - وأنه لا فرق بين داعش والإخوان، وأن قتلى المظاهرات ليسوا شهداء، وأن التظاهر حرام، ويجوز قطع الصلاة للرد على التليفون، ويجوز إخراج الزكاة لتسليح الجيش والشرطة، وأن الممتنع عن أداء صوته في الانتخابات الرئاسية التي جرت في مارس 2018، آثمٌ شرعاً، ] وهى الفتاوى التي استهجنها كثير من العلماء لكونها لا تتوافق مع تعاليم الدين، هذا غير التصديق على أحكام إعدام الكثيرين من معارضي إرضاء للنظام الحاكم وللمحافظة على منصبه كمفتي لمرة ثانية، ، ففي إحدى المرات صدق على حكم المئات مرة واحدة دون الاعتراض على حكم واحد، ودون الاستماع إلى أقول المتهمين، ودون الإفصاح عن الأدلة الشرعية التي استند إليها في حكمه، وفي "جلسات قصيرة لا تكفي لقراءة أسماء كل المتهمين"، بحسب منظمات حقوقية.
جاء قرار عبدالفتاح السيسي بالتجديد لشوقي علام مفتيًا للجمهورية لمدة 4 سنوات، متوقعًا، في ظل المواقف التي اتخذها علام، حيث أثبت المفتي للنظام جدارته بالمنصب، في ظل فتاواه التي توافقت مع توجهات السلطة، ولم يخالفها لمرة واحدة.
حيث جاء بيان هيئة كبار علماء الأزهر أيضا متسقا في متوجهات النظام الحاكم في التجديد بأن الهيئة عجزت عن اختيار بديل، فضلاً عن قلة الشخصيات ذات الثقة التي يمكن ترشيحها خاصة أن الذين تقدموا للمشيخة لتولى المناصب القيادية شخصيات معدودة ومعظمها مرفوض من قبَل الدولة، ولذا ترى التجديد لعلام لكونه لا توجد أي تقارير سلبية عنه( (27)).
وهو ما يفسر رغبة السيسي الشديدة في السيطرة على تعيينات المناصب المهمة في البلد حتى لا تأتي بأحد قد يكون مخالفا لسياسة النظام الحاكم، فعلى الرغم من أن مواقف المفتي الحالي الدكتور شوقي علام المتماهية مع إرادة السيسي وحكومته، فإن السيسي لا يريد ترك ثغرة واحدة تحتمل وصول رجل إلى منصب المفتي لا يكون على هوى سياساته، وهو ما يفسر تحرك البرلمان في مارس 2020م لسن تشريع يجعل سلطة تعيين المفتي في يدي رئيس الجمهورية وليس بالانتخاب كما فعله الرئيس السابق محمد مرسي .
الغريب أن هيئة كبار العلماء ومشايخ الأزهر لاذوا بالصمت أمام مناقشة هذا القانون الذي يحد من صلاحياتهم بل ويقضى على دورهم لكن يبدوا أنهم منسجمون – كما كان في عهد مبارك – طالما أن مناصبهم ومصالحهم مضمونة، غير أن أحد أعضاء هيئة التدريس بجامعة الأزهر أعطى العذر لكل من رفض التعليق على القانون، قائلا إنهم في موقف حرج، فمن يعلن موافقته على القانون سيغضب الأزهر وقياداته التي ترفض فيما بينها نزع الأمر من يد الأزهر ، ومن يرفض فإنه يغامر بوضع نفسه كمعارض للنظام السياسي.
لقد أصبح شوقي علام أحد الأركان المهمة في استقرار نظام السيسي وتحولت بوابة الإفتاء إلى المدخل الأوسع لتشريع ما يحبّه الحاكم، حتى ولو تعارضت كثير من الفتاوى مع صحيح الدين بشهادة علماء أخرين.
خاتمة
ظل العلماء ورجال الدين على مر التاريخ ملجأ للشعوب عندما يقسوا عليهم الحكام أو تدهمهم غزوات خارجية، لكن في بعض الأحيان نجحت السلطة في هدم هذا الملجأ باستئناس العلماء وعقد تحالف معهم، يضمن للأخير النفوذ السياسي والمالي وللأول البقاء وترسيخ أركانه، ليجد المواطن نفسه في مواجهة "تحالف دنيوي" يقمعه باسم الدين: حاكم يقرر وعالم يشرع.
وسيسجل التاريخ أن الرئيس محمد مرسي - الذي تصفه قلة مأجورة بأنه ديكتاتور - رفض أن يكون منصب المفتي بالتعيين، أو أن يختاره هو بنفسه، كما كان يفعل المخلوع كما أنه قطع على خلفائه خط الرجعة في أن يعودوا إلى ما كان عليه أسلافه، والذين أذاقوا مصر والمصر يين ويلات العنت والإفقار، ليؤصل مبدأ جديداً في البلاد، وهو أن يكون منصب المفتي بالانتخاب.
المراجع
- أول من حمل لقب مفتي في دولة الإسلام
- عبدالوهاب بكر، مخائيل شاروبيم: الكافي في تاريخ مصر القديم والحديث،, المجلد 5، الجزء 1، مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة،, 1998م.
- نشأة دار الإفتاء المصرية واستقلالها رؤية تاريخية: موقع دار الإفتاء المصرية
- رندة عطية: شوقي علام.. مفتي الإعدامات المثير للجدل الذي حول الإفتاء لمطية سياسية، 4 ديسمبر 2019م .
- مجاهد توفيق الجندي: صفحات مطوية من تاريخ الازهر، مجلة الأزهر، جـ11، السنة 55، ذو القعدة 1403هـ/ أغسطس 1983م، صـ1621- 1633.
- معهد العربية للدراسات: [الأزهر وثورة 25 يناير رصد توثيقي وقراءة موضوعية]، الاثنين 30 ذو القعدة 1433 هـ - 15 أكتوبر 2012م.
- معهد العربية للدراسات: مرجع سابق.
- مشهد "انتخاب المفتي" ومعركة الكراسي الدينية المجلة عمرو عزت: ،، 16 فبراير 2013م.
- القرضاوي وعمارة والشافعي رسميًا ضمن هيئة كبار العلماء لؤي علي: تأكيدًا لانفراد "اليوم السابع".. ، السبت، 23 يونيو 2012م.
- الرئيس والبرلمان.... وهيئة كبار علماء الأزهر : بوابة الحركات الإسلامية، الأربعاء 8 مارس 2017م.
- الدستور يسلب هيئة "كبار العلماء" مميزاتها بعد حذف مادتها لؤي علي: ، اليوم السابع، الاثنين، 9 ديسمبر 2013م.
- بالأسماء.. تعيين 4 أعضاء جدد بهيئة كبار العلماء بالأزهر محمود مصطفى: ، الاثنين، 2 مارس 2020م.
- البرلمان يناقش تعديلات قانون دار الإفتاء محمد يوسف: ، الأربعاء 19 فبراير 2020م.
- الأزهر يرفض إسقاط عضوية «القرضاوي» من هيئة كبار العلماء : الاثنين 5 أغسطس 2013م.
- موقع الدكتور القرضاوي : 29 محرم 1435هـ - 2 ديسمبر 2013م،
- الأزهر يقبل استقالة القرضاوي من هيئة كبار العلماء : الثلاثاء 10 كانون الأوّل / ديسمبر 2013م.
- استقالة الشيخ القرضاوي من مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر : 21 ديسمبر 2013م.
- نشأة الدار ومكانتها وتطورها : موقع دار الإفتاء المصرية.
- عواطف سراج الدين: أحمد لطفي السيد .. معاركه السياسية والاجتماعية، طـ1، دار نهضة مصر للنشر، القاهرة، 2011م.
- محمد مواعده: محمد الخضر حسين: حياته وآثاره، 1873م. - 1958م، الدار التونسية للنشر، تونس, 1974م.
- صحيفة الأهرام: 7 فبراير 1954م
- بالفيديو.. فريد واصل: انتخابات المفتي تمت بدون "واسطة" سيد أحمد: ، الدستور، 11 فبراير 2012م،
- الإمام الأكبر».. كلمة السر في اختيار المفتي والتجديد له : صحيفة الوطن، الخميس 5 يناير 2017م،
- الأزهر ينتخب مفتي مصر لأول مرة : الجزيرة نت، 11 فبراير 2013م،
- فاطمة محمد: شوقي علام.. «مفتي» عيّنه مرسي لينظر إعدامه، المصري اليوم ، السبت 16/ 5 /2015م،
- موقع دار الافتاء المصرية .
- أول تصريح لشوقي عبدالكريم بعد فوزه بمنصب المفتي 14 فبراير 2013م،
- سعيد حجازي وعبدالوهاب عيسى: كواليس التجديد لــ«المفتي»: «كبار العلماء» عجزت عن اختيار بديل، الوطن ، الأحد 8 يناير 2017م،