موقف الإخوان من العروبة
مقدمة
- لا عروبة بدون إسلام والجامعة العربية الطريق الطبيعي لنهضة العرب.
- الإخوان يُناصرون الجامعة العربية ويدعون لتخليصها من عوامل الضَّعف.
قلنا إنه في مقدمة الأفكار التغريبية التي تحاول أن تغزو مجتمعاتنا الإسلامية- منذ أن ضعفت الدولة الإسلامية في القرنَين السابع والثامن عشر الميلادي، وما تلاهما من الهجمة الاستعمارية على العالم الإسلامي- تأتِي فكرة الوطنية القُطْرية والقَومية في مواجهة الوحدة الإسلامية، وفكرة العلمانية وفصل الدين عن الدولة... بديلاً لشمولية الإسلام والخلافة الإسلامية، وقد بلغت هذه الأفكار ذِرْوتها في بداية القرن العشرين، وتولى كبرها في حينها الدكتور "طه حسين"، و"أحمد لطفي السيد"، و"هدى شعراوي"، و"علي عبدالرازق"، بينما وقَف في مواجهتهم "جمال الدين الأفغاني"، و"محمد عبده"، و"محمد رشيد رضا"، و"محب الدين الخطيب"، و"أنور الجندي"، إضافةً إلى جماعة الإخوان المسلمين، وذلك في الدعوة إلى الفكرة الإسلامية.
وفي هذا الإطار نعرِض موقِفَ (الإخوان) من هذه الأفكار كلها منذ قيام الجماعة وحتى الآن، وتتلخَّص رؤيتهم للوطنية في أنها ذات مضمون إسلامي وحلقة في سلسلة النهضة وضمن دوائر ثلاث متكاملة، وأن الوطنية الصحيحة هي التي تُربِّي الشعور بالانتماء للوطن، والرغبة في التحرُّر من المحتل، إضافةً إلى أنَّ (الإخوان) يرفضون وطنيَّة الحزبية، وتلك المحدودة بحدود الوطن، والمصطبغة بالفرعونية، والآن نستعرض موقف الإخوان من (العروبة):
2- موقف (الإخوان المسلمين) من العروبة
اقترنت العروبة عند الإخوان بالإسلام، واعتبروا أنه لا عروبة بدون إسلام؛ لذا اهتموا بها، يقول الإمام "البنا"- يرحمه الله- في رسالة (دعوتنا في طور جديد): "والعروبة لها في دعوتنا مكانُها البارز وحظُّها الوافِر، فالعَرَب هم أمة الإسلام الأولى، وشعبه المختار، ولن ينهض الإسلام بغير اجتماع كلمة الشعوب العربية ونهضتها، وإن شبر أرض في وطن عربي نعتبره من صميم أرضنا ومن لباب وطننا"، وشاعر دعوة (الإخوان) هو الذي يقول:
ولست أدري سوى الإسلام لي وطنًا
- الشام فيه ووادي النيل سيان
وحيثما ذُكر اسم الله في بلد
- عددت أرجاءَه من لُبِّ أوطاني
إن هذه الحدود الجُغرافية والتقسيمات السياسية لا تمزق في أنفسنا أبدًا معنى الوحدة العربية الإسلامية التي جمعت القلوب على أمل واحد وهدف واحد، وجعلت من مكان هذه الأقطار جميعًا أمةً واحدةً، مهْما حاول المُحاوِلون وافتَرى الشُّعُوبيون.
ويُضيف الإمام "البنا": "ومِنْ أروَع المعاني في هذه السبيل ما حدَّد به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- معنى العروبة؛ إذ فسرها بأنها اللِّسان والإسلام، وبذلك تعلم أن هذه الشعوب الممتدة من خليج فارس إلى طنجة ومراكش على المحيط الأطلسي كلها عربية تجمعها العقيدة، ويوحد بينها اللسان، ونحن نعتقد أننا حين نعمل للعروبة نعمل للإسلام ولخير العالم كله.
وفي تعليق للإمام "البنا" على حديث لشيخ الأزهر عن "القبَّعة في الجيش" يرى أن العمامة شعار العروبة، والعروبة صفة لكل مسلم ينطق اللسان العربي، فالعروبة اللسان والإسلام، وليست تجنُّسًا جغرافيًّا، فالأمة العربية لا تُعرف بالحدود الجغرافية، وإنما إسلاميًّا تُعرف بالدين واللغة.
وقد عقَّب "سيد قطب" على كلام "ساطع الحصري"- عن انفصال العروبة عن الإسلام- بأن ذلك يكشف عن جهل عميق؛ سواء عن الإسلام أو العروبة.
عروبة مصر
دافع الإخوان دفاعًا كبيرًا عن عروبة مصر، فكتب الإمام الشهيد مقالاً يرد فيه على "طه حسين" و"سلامة موسى"، اللذين رأَيَا أنَّ العرب قد غَزَوا مصر، وأن مصر ليست عربية الأصل، بل فرعونية، ويجب أن ترجع لأصلها، وأن العقلية المصرية تجربة في تكوينها، وتتصل بحوض البحر المتوسط، واتصالها بالغرب أكثر من اتصالها بالعرب... إلخ!
فكتب الإمام "البنا": "مِصر عربية، فليتق الله المفرِّقون للكلمة"، ونفى تلك الفكرة، وأكد عروبة مصر، وحذَّر من سلخ مصر عن العروبة، مبينًا خطأ الفكرة الأخرى تاريخيًّا؛ لأن التاريخ يحدثنا بوحدة الدماء واللغات بين سكان جزيرة العرب وسكان وادي النيل في القديم والحديث، وبيَّن خطأَها اجتماعيًّا؛ لأن الأمة تتكون قوميتها من لغتها ودينها وعاداتها وثقافتها، وكل ذلك يُثبت أن مصرَ عربية، وكذا من الناحية القومية المصرية؛ إذ إن التمسك بالعروبة والقومية العربية يجعل مصر أمةً تمتد جذورها من الخليج الفارسي إلى المحيط الأطلسي، وأنه لا يَكره مصري أن تُشاطره الشعوب العربية شعورَه وآماله وأفراحه.
ويعطي (الإخوان) العروبة مضمونها الأول، فهم يقررون أن الأمة العربية لم تكن شيئًا مذكورًا حتى وحَّدها الإسلام، فأصبحت خيرَ أمَّة أُخرجت للنَّاس، ولما فقدت هذه الوحدة فقدت قواها، وتفتحت فيها الثغرات من كل جانب، فهم يرون أن الإسلام- تاريخًا- هو صانع الأمة العربية، وهو أيضًا الذي صاغ شخصيتها، ويذكر "صالح أبو رقيق"- أحد قادة الإخوان- أن شخصية الأمة تتكون من صفات قومية تتطلَّب الحماية من التقليد، وإذا ما حاول العرب تكوين أمتهم من جديد فعليهم أن يصنَعوا قواعد التكوين على الأسس الأُولى، التي قامت عليها الأمة العربية الأولى، وبرزت بها شخصية تلك الأمة، ويحذروا التقليد خوف تلاشي شخصية أمتهم ذات التراث الخالد.
هذا الموقف من العروبة قد ألْزَم (الإخوان) واجبًا هو وجوب العمل لإحياء الوحدة العربية ومناصرتها.