من مواقف الإخـوان في دعـم الثورة
الإنذار البريطاني .. والرد الإخواني
في 9 يوليو سنة 1953م اختفى أحد رجال الطيران الإنجليزي ويُدعى "رجون"، ووجه الجنرال "فيستنج"- قائد القوات البريطانية في مصر- إنذارًا إلى وكيل محافظة الإسماعيلية بواسطة أحد ضباطه: "لقد أمرنا الجنرال "فيستنج" أن يهتم اهتمامًا بالغًا بحادث اختفاء أحد رجال الطيران المدعو "رجون" في 9 يوليو، وإني أبلغكم أن الجنرال يحتفظ لنفسه بحق اتخاذ أي إجراء يراه ضروريًّا.
إذا لم يعُد هذا الجندي مباشرةً إلى السلطات البريطانية، وإذا لم يعُد هذا الرجل في موعد أقصاه التاسعة من صباح الإثنين 13يوليو فسنتخذ الإجراءات الشديدة، التي من شأنها إحداث حالة ذعر خطيرة تمس المدنيين المصريين في الإسماعيلية".
الرد الحكومي على الإنذار
كان في صورة تصريحات حكومية؛ حيث رفضت الحكومة الإنذار، وقال الصاغ صلاح سالم : "إننا لازلنا في انتظار الإجراءات الخطيرة التي يلوحون بها دائمًا.. إنهم قادرون على التفتيش، وكثيرًا ما قاموا به في الماضي، ولن تكون النتيجة في مثل هذه الحوادث إلا دفع الشعب المصري سريعًا إلى أعنف الإجراءات، ولن تقف الحكومة مكتوفةَ اليدين أمام هذه الإجراءات التي تخل بسيادتها".
كيف كان رد الإخوان؟
صحافة الإخوان
تحت عنوان "وقاحة بريطانية" كتب صالح عشماوي في مجلة الدعوة بتاريخ 14 يوليو سنة 1953م: "لم تدهشني هذه الطريقة البريطانية، فهذه شيمة الإنجليز، وطبيعة البريطانيين، ولكنها لا تسفر بوجهها الكالح إلا حين تأنس إنجلترا من نفسها القوة، وتتوهم في خصمها الضعف.. أما إذا قدرت في نفسها العكس فتعود سريعًا إلى قواعد الأدب".. ثم ختم المقال ختامًا عنيفًا يتناسب مع الوقاحة البريطانية، فقال:
فليستعد الإنجليز لا ليختفي جاويش منهم، وإنما ليجلد ضباطهم بالسياط ويشنقون على الأشجار، ويمنعنا ديننا وتقاليدنا من تجريد الرجال والنساء من ملابسهم، ولكن ليس هناك ما يمنعنا من أن نقذف بجنودهم في مياه القناة؛ حتى نكوِّن من أجسامهم جسرًا تَعبر عليه مصر إلى حريتها الشاملة وسيادتها الكاملة.. فمرحبا بالجهاد، وألا هبِّي ريحَ الجنة.. فقتلانا في الجنة وقتلاهم في النار، وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون".
تصريحات الإخوان
في نفس اليوم 14 يوليو سنة 1953م نشرت الأهرام: "أدلى الشيخ محمد فرغلي- رئيس الإخوان بمنطقة القتال- بالتصريح التالي: أن العمل الذي أقدمت عليه القوات البريطانية بالمدينة هو اعتداء على كرامة مصر، ودليل واضح على أن البريطانيين قد فقدوا أعصابهم، فهم يتعجَّلون الكارثة، ويسرعون بالدخول في نزاع حاد سينتهي لا محالةَ بجلائهم عن المنطقة، وأرى أنه من دلائل إفلاس السادة البريطانيين أن يتركوا الأمر في هذه الظروف لبعض العسكريين، وإذا لم يسارع المسئولون منهم بالانسحاب من المدينة والتعجيل بوقف هذه التصرفات الطائشة فإن ذلك سيحملهم خسائر فادحة.
ونحن قادرون- بفضل الله- على تصفية الاستعمار البريطاني في هذه المنطقة، وسنختار الوقت الذي نضرب فيه الضربات الحاسمة، وبالرغم من التحدي الواضح من جانب البريطانيين فإننا نملك زمام أنفسنا، وأعصابنا أقوى من أعصابهم، وعزائمنا أمضى من عزائمهم، وسننتصر عليهم بإذن الله.. والله من ورائهم محيط".
الرد العملي من الإخوان
ذكرت جريدة الأهرام حينئذ أن الموظفِين البريطانيين فُوجئوا بنشرات مطبوعة باللغة الإنجليزية قد وصلتْهم في مكاتبهم تحمل تصريحات الشيخ فرغلي، ووسط حشود الإنجليز خرج ركبٌ بسيطٌ من الشيخ فرغلي ويوسف طلعت، وطافا بشوارع الإسماعيلية في عربة (جيب) ليعلنوا للمسئولين المصريين في المدينة أمام القائد الإنجليزي وقفةَ الإخوان المسلمين ضد الاحتلال وقواه وتصرفاته، ويُنذران الإنجليز بالانسحاب من الإسماعيلية وإلا حَشَدا الآلاف من المجاهدين لخَوض معركة فاصلة.. وانسحب الإنجليز من شوارع المدينة".
وبعد تراجع الإنجليز، وانتهاء الأزمة، كان لكاتب الإخوان الثائر "محمد عبد الله السمان" وقفةٌ مع الذين فرحوا وانتشوا للوقاحة البريطانية، وظنوا أن مصر- حكومةً وشعبًا- سترضخ للتهديد والوعيد، ونسوا أن فيها مجاهدين على أهبَّة الاستعداد للفداء والجهاد.. يقول السمان عن أسرة إقطاعية مشهورة:
"ظلت الأسرة ترقص حتى قبيل الفجر، وأصبح الصباح ولاحَ بنوره الوضَّاح، فإذا بالإنذار يتبخَّر في جوٍّ من السخرية والهوان، وإذا بتهديد الاحتلال يصير زوبعةً في فنجان، فارتدَّ على الأسرة وأسقط في أيديها".
وهذا موقف من مواقف كثيرة، سجلها التاريخ بحروف من نور، في سجل الإخوان المسلمين، وستبقى صفحات بيضاء في تاريخهم الناصع، مهما حاول الكثيرون أن يُسدلوا عيها ستار التعتيم والنسيان.