ما قبل "الإخوان المسلمين"الظروف الاجتماعية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
ما قبل "الإخوان المسلمين"الظروف الاجتماعية


الحلقة الثالثة: الظروف الاجتماعية

الإمام حسن البنا وسط إخوانة من مجتمع ماقبل الإخوان

يمكن- بأي حال- الحديث عن الأوضاع الاجتماعية، أو خريطة القوى السياسية، والاجتماعية في مصر في تلك الفترة بعيدًا عن تأثيرات الاحتلال البريطاني، وسياساته المختلفة، التي تهدف- ضمن ما تهدف إليه- إلى ضرب التماسك الاجتماعي، وبث عوامل الفرقة بين أبناء الأمة، فقد تمزق المجتمع المصري اجتماعيًا، وسياسيًا في ظل الاحتلال على نحو لم يشهده من قبل، فالأثرياء ازدادوا ثراء، أما الفقراء فقد ازدادوا فقرًا، وكانت غالبية الشعب من الفقراء والمعدمين (أحمد ربيع عبد الحميد خلف الله، مرجع سابق، ص40).


تميُّز المجتمع المصري في تلك الفترة بتركيبته الطبقية

فكانت الطبقة العليا: تضم كبار ملاك الأراضي الزراعية، والرأسمالية التجارية، والصناعية، والأجانب، وأصحاب هذه الطبقة يعيشون حياة اجتماعية واحدة كفلتها شبكة قوية من الأصهار، والنسب، والثقافة التي كانت سائدة بين أبناء هذه الطبقة هي الثقافة الليبرالية التي حصلوا عليها نتيجة اتصالهم بالمجتمع الأوربي، أو من خلال انتشار مناهج التعليم في المدارس التي كانت تمثل أنماط الحياة الثقافية، والفكرية في أوربا (أحمد ربيع عبد الحميد خلف الله، مرجع سابق، ص 40).


أما الطبقة المتوسطة: فتضم أصحاب الملكيات المتوسطة، ومتوسطي التجار، وقطاع كبير من المثقفين، وقد لعبت تلك الطبقة الدور القيادي في الحركة الوطنية، وحركة النهوض السياسي والاجتماعي.


وقد اهتم أبناء تلك الطبقة من الطلاب بالمسائل السياسية؛ نظرًا لوضعهم الاجتماعي حيث إنهم كانوا يمثلون- بالنسبة للسواد الأعظم من السكان الذين يسودهم الجهل- الطبقة المثقفة القليلة العدد. ولقد كان عماد جمهور الإخوان من هذه الطبقة التي أتاحت له ظروفها الاقتصادية والثقافية المشاركة في الشأن العام.


الطبقة الدنيا: وتضم الفلاحين، وصغار العمال، وكانت حياة تلك الطبقة على قدر كبير من السوء؛ بسبب لجوء كبار الملاك إلى انتزاع أراضيهم؛ لكي يعملوا كأجراء عندهم، وكانت المشكلة الرئيسية لهذه الطبقة تنحصر في أنهم لا يشتغلون إلا في مواسم الزراعة فقط، ثم يتعطلون خلال فترة طويلة من العام. ( محمد محمد حسين، مرجع سابق، ج 2، ص 349)


انعكاس الصراع الفكري على مظاهر المجتمع وشيوع تقليد الأجنبي

كان للصراع الفكري الذي نشب بين من فتنوا بالحضارة الغربية، ورواد الفكر الإسلامي ممن حافظوا أو حاولوا المحافظة على ذاتية الأمة، وهويتها الحضارية أثر واضح على الحياة الاجتماعية، والذي يقارن الحياة العامة في المدن المصرية فترة ما قبل الحرب الأولى، وما بعدها يستطيع أن يدرك أبعاد هذا التغيير، فقد دخلت إلى المجتمع المصري بعض العادات، والتقاليد الغربية التي لم يتقبلها جمهور المصريين مثل: انتشار حانات الخمر، ودور الملاهي الليلية، ودور البغاء، وأوراق اليانصيب، وزادت دور السينما والمسارح الليلية، وامتلأت صفحات المجلات في نقل أخبار الممثلين، والممثلات، والمغنيين، والمغنيات والرقص، ودخلت الفتاة العارية مدرسة الفنون الجميلة، فلقيت ترحيبًا زاد عن زميلتها المحجبة، وكثرت الترجمة للقصص الخليعة، والمذاهب الأدبية الهدامة والمعادية للدين، وكثرت حفلات الرقص في بيوت الأغنياء.


وكانت مجلة الهلال، وجريدة السياسة على رأس الصحف التي تروج "للتيار الجديد" ففي الوقت الذي تدعو فيه "الهلال" إلى فوائد مذهب العري، ونشأته، وإلى اختلاط الجنسين في التعليم تكتب السياسية الأسبوعية عن الخمر، والرقص، ... وتواصل "السياسة" حملتها في الدفاع عن دور البغاء تشاركها جريدة البلاغ (د. زكريا سليمان بيومي، مرجع سابق، ص 52).


على أن ما سمي وقتها المعركة بين القديم، والجديد لم تكن جديدة تمامًا، فهي في الواقع ليست إلا استئنافًا للمسألة التي فتح "قاسم أمين" بابها في مستهل القرن العشرين، لكن الواقع، وكثير من الناس قد سارا إلى أبعد مما نادى به "قاسم أمين".


لقد خلعت المرأة النقاب، ثم استبدلت المعطف الأسود بالحبرة، ثم لم تلبث أن نبذت المعطف وخرجت بالثياب الملونة، ثم أخذ المقص يتحيف هذه الثياب في الذيول، وفي الأكمام، وفي الجيوب (فتحة الصدر)، ولم يزل يجور عليها فيضيقها على صاحبتها، حتى أصبحت كبعض جلدها، ثم إنها تجاوزت ذلك كله إلى الظهور على شواطئ البحر في المصايف بما لا يكاد يستر شيئًا، ولم تعد عصمة النساء في أيدي أزواجهن، ولكنها أصبحت في أيدي صانعي الأزياء في باريس من اليهود، ومشيعي الفجور، وقطعت المرأة مرحلة التعليم الابتدائي والثانوي، واقتحمت الجامعة مزاحمة فيما يلائمها، وفيما لا يلائمها من ثقافات، وصناعات، وشاركت في الوظائف العامة، ثم لم تقف مطالبها عند حد في الجري وراء ما سماه أنصارها "حقوق المرأة" أو مساواتها بالرجل، وكأنما كان عبثًا أن خلق الله- سبحانه- الذكر والأنثى، وأقام كل منهما فيما أراد، وامتلأت المصانع والمتاجر بالعاملات، والبائعات، وحطّم النساء الحواجز التي كانت تقوم بينهن، وبين الرجال في المسارح، وفي الترام، وفي كل مكان، فاختفت المقاعد التي جرت العادة على تخصيصها للسيدات بعد أن أصبحن يفضلن مشاركة الرجال (محمد محمد حسين، مرجع سابق، جـ2/ 249).


ونتيجة لعوامل عدة برزت ثلاثة أوضاع اجتماعية، وخلقية كانت أسبابًا مباشرة في نشأة جماعة الإخوان هي:


- نشاط حركة التنصير مستندة إلى الوجود الاستعماري، ومستغلة المستوى المتردي لمعيشة غالبية المصريين.

- سفور المرأة، واختلاطها بالرجال.

- بروز موجة من الانحلال الخلقي، والاجتماعي بانتشار دور البغاء العلني، والمراقص، ومحاربة التقاليد المستمدة من الدين، والثورة عليه، وانتشار الدعوة إلى أن تصبح كل ظواهر المجتمع المصري، كأوربا والدعوة إلى الإباحية، ومذهب العري- (د. عثمان عبد المعز رسلان، التربية السياسية عند الإخوان المسلمين، القاهرة: دار التوزيع والنشر الإسلامية 1990، ص 13)- فعقب الحرب العالمية - أقصد الغربية الأولى- سادت مصر، ومعظم بلدان العالم الإسلامي موجة عاتية من الفساد الأخلاقي، والديني، بل موجة من الإباحية التي لم تكن معهودة في مجتمعات المسلمين على هذا النحو الضاري الذي تميزت به.


ولم يكن ذلك نتيجة للحرب وحدها، وإنما كان نتيجة لأسباب عديدة على رأسها ما يضمره أعداء الإسلام للمسلمين من حقد وكراهية.


ولقد عبر الأستاذ الإمام "حسن البنا" عن هذه الموجة في زمن مبكر من تاريخ الجماعة في مذكراته بقوله: "وعقب الحرب الماضية (1914م - 1918م) وفي هذه الفترة التي قضيتها بالقاهرة، اشتد تيار موجة التحلل في النفوس، وفي الآراء والأفكار باسم التحرر العقلي، ثم في السلوك والأخلاق والأعمال باسم التحرر الشخصي، فكانت موجة إلحاد، وإباحية قوية جارفة طاغية، لا يثبت أمامها شيء تساعد عليها الظروف والحوادث. ( الإمام الشهيد حسن البنا، مذكرات الدعوة والداعية، القاهرة: دار التوزيع والنشر الإسلامية، ص 57).


وفي ضوء هذا وجه الإمام "البنا" انتقاداته إلى مظاهر التقليد، ودعاته في مجالات القضاء، والقانون، والتعليم، والسلوكيات الاجتماعية المختلفة التي يسير الناس فيها سيرة الأوربيين كشرب الخمر، وانتشار البغاء، والإباحية، وتغيير الزيّ والأمور المتعلقة بالمرأة كالتبرج، والاختلاط، وما شاكل ذلك.


وقد كان هجوم "البنا" على تقليد النموذج الأوربي في تلك المجالات؛ انطلاقًا من أن الإسلام ينهى عن ذلك هذا من ناحية، ولاعتقاده بأن تقليد نمط الحياة الغربية سيفضي إلى ضياع هوية الأمة، وذوبانها في الغرب. ( إبراهيم البيومي غانم، الفكر السياسي للإمام حسن البنا، مرجع سابق، ص 228).