لواءات السيسي في قفص الاتهام

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لواءات السيسي في قفص الاتهام


تمثل الجندية القاعدة الأساس لبناء الدولة، فالجندية لها الفضل والشرف الكبير لأنهم وهبوا أنفسهم للدفاع عن الدين والنفس والمال والعرض والبلاد. والجندية ركيزة من ركائز الإسلام، ودعامة من دعاماته التي قام عليها، لأن النظريات العسكرية قامت على الإعداد والتخطيط، بعد حسن التربية والإيمان، ولذا وجب على الجندي الذي وهب نفسه للدفاع عن العرض والبلاد أن يتحلى بشيم الأخلاق الإنسانية، والصفات الأساسية التي تجعله يترفع عن الدنايا.

ففي كل وطن سواء أن كان مسلم أو غيره الجميع يعتز بصفته العسكرية والتي لا ينازعها معاني الخيانة أو الجبن. لكن الناظر لتاريخ العسكر في مصر – وفي البلاد العربية والإسلامية – يجد معاني مغايرة لمعنى الجندية الحقيقة – خاصة الذين استولوا على السلطة السياسية ومقدرات البلاد

بل بلغ بهم الأمر إلى التخلي عن شرف الدفاع عن الوطن، ومقارعة الأعداء المتربصين وتفرغوا لمحاربة بعضهم البعض، والعمل على إزاحة بعضهم البعض ليتمكن كل واحد منهم من السيطرة على أكبر قدر من مقدرات البلاد، والتمكين لنفسه من السلطة التي لا ينازعه فيها أحد.

ومنذ أن وطأة دولة السيسي أرض مصر على أنقاض الدمار والدماء الذي خلفه انقلابه العسكري بمعاونة لواءاته الذين وعدوا بالثروة والمنصب إذا ساعدوه في اجهاض التجربة الديمقراطية الوحيدة في مصر الحزينة. فقد رسخ في الأذهان عقيدة أن الهيئات العسكرية يحكمها الضبط والربط، غير التربية الأخلاقية التي من المفترض ترسخت في قلوبهم لكونهم دائما على خطوط النار الأولى.

غير انه منذ أن وصلت دولة السيسي للحكم إلا وقد تغيرت عقيدة ضباط الجيش والشرطة حيث غرس فيها الأنانية وحب الذات وعدم الولاء للوطن والحرص على المال في المقام الأول، وظلم الناس في سبيل راحتهم، حتى طفحت هذه الصفات عليهم في أعمالهم وممارستهم حتى أصبحوا مادة دسمة للرقابة الإدارية للقبض كل يوم على لواء جيش أو شرطة متلبسا بقضية رشوة أو نصب أو احتيال أو تعدي على أملاك الدولة.

تغير عقيدة الجيش المصري

يعد الجيش المصري من أقدم الجيوش في العالم، ويعتبر الأول إقليما ف عدد الجنود والتسليح، وكان له دور في التوسعات في العصر الحديث حينما كونه محمد علي من جديد وغزى به الشام والحجاز قبل أن يفرض عليه معاهدة لندن التي حجمته بل وجعلت إدارته تحت الإشراف البريطاني

والذي عمل منذ ذلك الحين على تغيير عقيدته ليكون ولاءه في المقام الأول للمحتل الغربي، وحينما حاول بعض شباب الضباط الخروج على النص والدفاع عن الملك فاروق في حادثة قصر عابدين يوم 4 فبراير 1942م تحرك الجيش البريطاني في محاولة لعزل الملك وتركيع الجيش المصري، وهو ما تحقق له في ذلك الوقت.

ورغم بسالة بعض الضباط وغيرتهم على أوطانهم إلا أن الأحداث اظهرت فعليا ضعف الجيش المصري وعدم قدرته حتى على الحفاظ على أرضه وظهر ذلك جليا في حرب فلسطين عام 1948م حينما وصلت العصابات الصهيونية لمدينة العريش، ثم لم يكن له دور في حرب القنال مع الفدائيين.

وحينما تحركت بعض قوات الجيش بمعاونة التيار الإسلامي في ثورة 1952م سطا الجيش على السلطة، وتفرغ للصراعات فيما بيهم للحصول على أكبر قطعة من كعكة الحكم، وهو ما أظهر الجيش على حقيقته أثناء العدوان الثلاثي عام 1956م حينما لم يستطع الدفاع عن البلاد، بل زاد خذلانه في حرب 5 يونيو 1967م حينما ضاعت الأرض وضاع العرض والشرف معها بسبب انغماس كثير من ضباط الجيش في المجون والعربدة

حتى أن الصور تظهر الكثير من الضباط وهم يستمتعون بوصلة رقص على إيقاع الراقصة زينات علوي بقيادة الموسيقار صلاح عرام في الحقلة التي أقيمت في قاعدة انشاص الجوية للترفيه عن الضباط، حيث تذكر المصادر أن الحفلة كان مقرر لها يوم 1 يونيو غير أنها فجأة تغيرت ليوم 4 يونيو، كما شارك في الحفل الفنان محمد رشدي وفايدة كامل وماهر العطار وشهرزاد بعد اعتذار عبدالحليم حافظ.

وبعد دقائق من انتهاء الحفل ورحيل الفنانين إلى القاهرة ، كانت الطائرات الإسرائيلية تحلق فوق قاعدة أنشاص الجوية تدك القاعدة بالقنابل الثقيلة والصواريخ حتى سوتها بالأرض ، و بينما كان الضباط مخمورين في مجونهم ، كانت اسرائيل تدمر سلاح الجو المصري بأكمله على الأرض ، حيث تم تدمير ما مجموعة 388 طائرة مصرية.

وحينما تولى السادات وعقد اتفاقية سلام مع إسرائيل التي تعتبر العدو الأول للجيش والشعب المصري، غير العقيدة العسكرية للعقيدة الاقتصادية بإنشاء الأجهزة التابعة للجيش والمؤسسات الاقتصادية من اجل خدمة قادة الجيش، فانشغل الجميع بجمع المال واصبحت التدريبات العسكرية روتينية

وأصبح الولاء للوطن لا قيمة له أمام إغراءات المال، وزاد مبارك والسيسي أن كافئ العسكريين بتوليتهم المناصب المدنية بعد خروجهم من الجيش فظهرت تربيتهم العقدية في هذه المناصب من حيث عدم الخبرة الادارية بالإضافة للعمل من أجل الحصول على الرشاوي والتربح من وظائفهم المدنية وهى ما كشفت غطاءه أجهزة الرقابة الإدارية بالقبض على هؤلاء اللواءات متلبسين بقضايا رشاوي.

ومن الأسباب التي أظهرت هذا الغبن في قلوب وصفوف العسكر هي محاربة التربية الأخلاقية والدينية في صفوف الجيش والشرطة، واتهام صاحب الأخلاق الحميدة بكونه إرهابيا أو ضد الدولة، وهي الأمور التي – فيما يبدو – حرص السيسي على غرسها في نفوس ضباطه بل ومعاونيه حيث جمع حوله كل من اتهم بقضايا فساد وعلى رأسهم رئيس الوزراء الذي تتصدر أخبار فساده وقت ان كان وزيرا للإسكان.

فمع وصول عبد الفتاح السيسي لسدة الحكم في مصر بانقلاب عسكري في 3 يوليو 2013، سعى إلى توجيه قوة الجيش نحو معارك داخلية، وتوغله في السياسة، وحمايته للنظام الحكام، وهو ما ظهر من حرق المساجد كرابعة العدوية وقتل الشعب في ميادين مصر وحرقهم بدلا من القضاء على الإرهاب أو التصدي للمؤامرات الصهيونية.

حتى كان تصريحه الشهير لقناة فرنسا 24 في 22 نوفمبر 2014، حيث قال السيسي:

إنه "لن يسمح بتحول سيناء إلى قاعدة لتهديد أمن إسرائيل وجيران مصر، مستعينا بذلك بالإجراءات الأمنية المشددة التي اتخذها مؤخرا هناك"، وهو ما ترتب عليه التنازل عن تيران وصنافير من أجل أمن إسرائيل.

لواءات مرتشون

الرشوة في القانون المصري معناها أن يتاجر الموظّف العام بأعمال الوظيفة، المختص بها، من أجل تحقيق مصلحة خاصة؛ تتمثّل في الكسب غير المشروع من الوظيفة، على حساب المصلحة العامة. فالمرتشي هو الموظف العام الذي يأخذ العطية من الراشي، أو يقبل الحصول عليها إذا عُرِضت عليه، أو يطلبها من الراشي، في مقابل قيامه بعمل من أعمال وظيفته أو امتناعه عن القيام بعمل من أعمال وظيفته.

وفي السبع سنوات الأخيرة تكشفت قضايا رشوة كثيرة من قبل بعض اللواءات الذين تولوا مناصب ومسئوليات في الجهاز الإداري في الدولة. فقد فجرت هيئة الرقابة الإدارية قضايا كثيرة تتعلق بفساد المحليات، من بينها تلقي رؤساء بعض الأحياء رشاوي لتقديم تسهيلات بحكم وظيفتهم.

ففي فبراير 2015م ألقت أجهزة الرقابة الإدارية، قبل قليل، القبض على اللواء عبدالرحمن طاحون، رئيس حى دار السلام، ومدير الشؤون القانونية بالحي، لتسهيلهما الاستيلاء على أراض ملك للدولة بنطاق الحى لصالح أحد المواطنين، وذلك مقابل مبلغ ربع مليون جنيه.

وفي 29 مايو 2018م ألقت هيئة الرقابة الإدارية القبض على اللواء علاء فهمي، رئيس الشركة القابضة للصناعات الغذائية من داخل مقر وزارة التموين، وكذلك على المستشار الإعلامي في الوزارة، ومستشار الوزارة للاتصال السياسي في مجلس النواب، وذلك بتُهمة تقاضيهم رشاوى مالية تجاوزت المليوني جنيه من كبرى شركات توريد السلع الغذائية، مقابل إسناد أوامر توريد السلع إليها، وكذلك تسهيل صرف مستحقاتها

وفي يونيو 2018، نجحت هيئة الرقابة الإدارية في القبض على رئيس حي الدقي اللواء نادر سعيد عبدالعزيز ، ومدير عام الإدارة الهندسية مارى يونان ميخائيل ، وصاحبي شركة مقاولات وأحد الوسطاء الذي يعمل فى مجال المحاماة، وذلك لطلب وتقاضى رئيس الحى رشوة بقدر 250 ألف جنيه، ووحدة سكنية بشارع البطل أحمد عبدالعزيز، قيمتها حوالي مليوني جنيه من مالكي العقار، مقابل عدم إزالة العقار نتيجة وجود مخالفات فيه، وتم حبسهم المتهمين على ذمة التحقيقات.

وفي أغسطس 2018، ألقت قوات الأمن القبض على اللواء السابق بالجيش إبراهيم عبدالعاطي، رئيس حي الهرم، بتهمة تقاضى رشوة من صاحب عقار أكثر من مليوني جنيه و4 أجهزة تكييف وساعة و3 شقق سكنية، على سبيل الرشوة لرئيس الحى، مقابل تغاضيه عن إزالات أدوار ومبان مخالفة في نطاق الحى الذى يشرف عليه.

وفي أكتوبر 2018، تم القبض على اللواء عبدالرحمن منصور، رئيس حي غرب الإسكندرية، داخل مقر الحي، بعد شهر واحد من تعيينه، إثر تلقيه رشوة مالية من أحد المقاولين بقيمة 30 ألف جنيها؛ لتمرير مخالفات جسيمة في البناء يعاقب عليها القانون.

وفي الثالث من يناير 2019، نجحت الهيئة في ضبط رئيس حى مصر القديمة اللواء جيش محمد زين العابدين وأحد الوسطاء أثناء تقاضيه مبلغ مليون جنيه من أصل مبلغ ٢ مليون جنيه على سبيل الرشوة من أحد مقاولي الهدم المتعاملين مع الحى، مقابل إنهاء إجراءات صرف المستخلصات المالية المستحقة للمقاول

بعدما وردت معلومات بتردد أحد الأشخاص إلى مكتب رئيس حي مصر القديمة، وعقب استصدار إذن من النيابة العامة تم ضبط المتهم أثناء تسلمه رشوة من أحد الأشخاص تجاوزت المليون جنيه مقابل تغاضي رئيس الحي عن إزالة مبنى مخالف بمنطقة مصر القديمة. وقد فجر القبض على اللواء محمد زين العابدين تورط خمسة قيادات عسكرية تولوا مناصب تنفيذية مؤخرا، من أصل سبعة مسؤولين، بقضايا رشوة وفساد خلال الشهور الستة الماضية.

وفي يوم الأحد 23 أغسطس 2020م ألقت الرقابة الإدارية القبض على كل من رئيس حي مصر القديمة اللواء علاء الدين خليل – والذي تولى المنصب خلفا للواء محمد زين العابدين الذي قبض عليه في قضية رشوة في يناير 2019م - وأحد متعهدي جمع القمامة العاملين في نطاق الحي عقب تقاضى المتهم الأول لمبلغ ٤٠٠ ألف جنيه على سبيل الرشوة من الثاني الذي جمعها له من متعهدي القمامة المتعاقدين مع الحي مقابل قيام رئيس الحي بالإخلال بواجبات وظيفته، وعدم إلغاء التعاقدات الخاصة بالمتعهدين وتمكينهم من صرف مستحقاتهم المالية المتأخرة لدى الحي.

وحسب الكاتب المتخصص بالمحليات حسن البحراوي:

فإن الفساد بالمحليات ليس جديدا، وقد سبق أن وصفه زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية بعهد حسني مبارك بأنه "وصل للركب"، ولكن الجديد فيه هو تفشي ظاهرة تقاضي الرشوة من قِبَل القيادات السابقة بالمؤسسة العسكرية، التي كان ينظر إليهم في الماضي باعتبارهم عنوانا للطهارة ونزاهة اليد، وأنهم جاؤوا لمقاومة هذا الفساد المتفاقم بالمحليات، الأمر الذي قد يؤدي بفقدان ثقة المواطن في رجال الجيش أو بوجود صالحين داخل القوات المسلحة.

ويرى الباحث بعلم الاجتماع السياسي سيف المرصفاوي:

أن الكشف عن مثل هذه القضايا، ليس اعتباطيا أو عشوائيا، خاصة أن العرف جرى على أنه قبل القبض على قيادة عسكرية سابقة، يتم إخطار التحريات والنيابة العسكرية حتى لو بشكل غير رسمي، ما يعني أن القيادة السياسية تعرف جيدا أنه سيتم التضحية بعدد من قيادات الجيش السابقة، لا لشيء إلا لتجميل وجهها وأنها ضد الفساد، حتى لو كان من أبناء المؤسسة الحاكمة نفسها.

ويقول اللواء عبد الحميد خيرت - الخبير الأمنى ونائب رئيس جهاز مباحث أمن الدولة السابق، ورئيس المركز المصري للبحوث والدراسات الأمنية - أن تكرار الإعلان عن ضبط رؤساء أحياء (أغلبهم من اللواءات السابقين) في قضايا فساد ورشوة، يعيدنا إلى جدية معايير الاختيار، والصراحة المؤلمة حول هذا الأمر

وتجعلنا نتساءل بشفافية: هل يتم اعتبار توظيف هؤلاء اللواءات بمثابة مكافأة (أخرى) لنهاية الخدمة غير التي استحقوها فعلياً، ووظيفة الأحياء هو عمل تنفيذي وليس أمنى ، وأن خبرة رجل الشرطة أمنية وليست في المجال التنفيذي، وأن الترويج لفكرة أن مؤسسات الدولة فاسدة وتحتاج الى رجل منضبط لضبطها يجب أن تتوقف.