كيف ضاع الأزهر في حكم العسكر
مفخرة مصر بل الشرق كله
الأزهر الشريف ذا التاريخ المجيد هو مفخرة مصر بل الشرق كله، وهو المعقل المنيع للعلم والدين ولغة القرآن الكريم، والمثابة الرحبة لطلاب العلم من الأمم الإسلامية. كان للأزهر دور كبير منذ نشأته في تغيير الأحداث، ومجابهة الظالمين، ومقارعة المحتلين من خلاله، ونشر سبل العلم بين الناس.
غير أن الأزهر لم يظهر بالدور المنوط به في بداية نشأته، ولم يكن له أثر ملحوظ في توجيه الحياة السياسية؛ ذلك أن الدولة الفاطمية كانت تحرص على سلطانها السياسي أشدَّ الحرص، وتُغْرِق في التمسك بعصبيتها المذهبية، ولا تفسح كبير مجال لنفوذ العلماء ورجال الدين خصوصًا إذا لم يكونوا من أوليائها وحملة دعوتها، غير أنه كان مركز لنشر التشيع في بعض فتراته الأولى.
وكان من العجيب بعدما تولت الدولة الأيوبية أن تهمل الأزهر لمدة تقارب من القرن، وكان الهدف هو الرغبة في محو ذكرى الأزهر الذي كان أداة أيديولوجية استعانت بها الدولة الفاطمية في نشر مذهبها (1). إلا أنه ما كاد المماليك يتولون السلطة بعد سقوط الدولة الأموية حتى أعادوا للأزهر بعض مجده، وقد أولى السلاطينُ والأمراءُ عمارة الأزهر قدرًا من الاهتمام جعل يتزايد حتى بلغ أَوْجَه في العقود الأخيرة من الحكم المملوكي.
ولقد برز دور الأزهر وشيخه في عهد الشيخ محمد الحفنى (1757 - 1767)، الذى بلغ شأناً عالياً، وقد سجل الجبرتى ملامح دوره في الحياة قائلاً: "كان شيخ الأزهر محمد الحفنى، قطب الديار المصرية، لا يتم أمر من أمور الدولة وغيرها إلا بإطلاعه وإذنه". والشيخ أحمد العروسي (1778م) يذكر له احتجاجه على الوالي أحمد أغا عندما أساء لبعض المواطنين وانتهى الأمر بعزل الوالي وتعيين غيره الذي حضر للأزهر واسترضى العلماء.
ولا نغفل دور الشيخ عبد الله الشرقاوي (1793 - 1812) والذي قاد الثائرين ضد الوجود الفرنسي بمصر، وقد حاول نابليون استمالته لكنه رفض وحافظ على الأزهر، وقد شارك في الوفد الذي رأسه عمر مكرم والذي اشترط على محمد علي أن يحكم بالعدل ويقيم الأحكام والشرائع السماوية، إلا أنه بعد استقرار الأمر لمحمد علي قام بعزل الشيخ الشرقاوي. (2)
وهذا الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن حسين الأنبابي (1881 - 1896) والذي قدَّم استقالته إثر حوادث الثورة العرابية، وذلك لما لاحظ إقبال الخديوي توفيق على الإمام الشيخ المهدي العباسي، كما أنه أصدر فتوى بأن الخديوى توفيق لا يصلح حاكما للمسلمين بعد أن باع مصر للأجانب. وسار خلفه على نهجه في استقلال الأزهر حيث عارض الشيخ حسونة النواوي الحكومة في تعديل قانون المحاكم الشرعية مما تسبب في إبعاده عن منصبه.
وغيرهم من المشايخ الكرام الذين حافظوا على استقلال وهيبة الأزهر الشريف أمام السلطة التنفيذية، فقد رفض الشيخ أبو الفضل الجيزاوي تعيين الملك فؤاد نفسه خليفة للمسلمين بعد سقوط الخلافة الإسلامية لأن مصر كانت واقعة تحت الاحتلال، وهذا الشيخ محمد مصطفى المراغي الذي لم يستسلم لرغبات الملك وقد عارضه بكل قوته حفاظا على هيبة علماء الأزهر مما دفع الملك لعزله وتعيين الشيخ الأحمدي الظواهري لكن المظاهرات في الأزهر تحركت حتى عاد مرة أخرى لمنصبه. (3)
الأزهر والعسكر
قامت ثورة 23 يوليو على أهداف ستة خدعت بها الجميع فلم تسع إلى تطبيقها السعى الجاد البناء من أجل مصلحة الوطن ولكن تغلبت نزعتهم الديكتاتورية على مصلحة الجميع، فسعت قيادة الثورة إلى وضع جميع مؤسسات الدولة فى ركابها، ولعلم الضباط بطبيعة الشعب المصرى المتدينة ولمحاولة إضفاء شرعية دينية على تحركاته، سعت قيادة الثورة إلى إخضاع المؤسسات الدينية وكان الأزهر من هذه المؤسسات التى خضعت خضوع تام لمجلس قيادة الثورة.
فبعد ثورة يوليو مال معظم شيوخ الأزهر إلى تأييد توجهات السلطة، فنجد الشيخ عبدالرحمن تاج (1954 - 1958) يقف بجانب عبد الناصر في خلافه مع محمد نجيب فأفتى بسريان عقوبة التجريد من شرف المواطنة على من يتآمر ضد بلاده، قاصدا بذلك نجيب، ولم يقتصر على ذلك بل هاجم الإخوان المسلمين بعد حادث المنشية 1954، عبر بيان عنوانه "مؤامرة الإخوان".
ثم كان إلغاء المحاكم الشرعية خطوة بارزة قامت بها ثورة يوليو لتقليص دور الأزهر في الحياة العملية للمصريين خارج توجيه الحكومة، إذ ألغيت هذه المحاكم بقانون رقم 462 لعام 1955م، برضى من الشيخ تاج الدين، ثم تكرست الهيمنة بعد إصدار قانون تنظيم الأزهر (103 لسنة 1961م) (4)
لقد وصف فتحي رضوان كيف صوت مجلس الأمة على هذا القرار فيقول:
- لإجبار المجلس على الموافقة حضر رجال الثورة وجلسوا أمامنا على المنصة وتحديدا كان على المنصة أنور السادات وكمال حسين وكمال رفعت وهدد أنور السادات المجلس عندما علت أصوات تعارض مشروع القانون قائلا: كانت ثورة في 23 يوليو 1952م والذين حاولوا الوقوف أمامها ديسوا بالأقدام واليوم ثورة جديدة وسيصاب الذين يقفون أمامها بنفس المصير. (5)
كان من الواضح أن الأزهر لم تصدر من داخله أي مواقف أو تصريحات تعارض النظام الحاكم لا من قريب ولا بعيد بل بالعكس وقف إلى جانب جمال عبد الناصر في كل مواقفه. لم يتم إخضاع الأزهر وحسب، بل جرت أهانته، حيث سعى النظام العسكري إلى استخدم المفتي كثقل موازن لشيخ الأزهر. وغالباً ما كان النظام ينظر إلى المفتي كشخصية أكثر قبولاً، لا بل كان الحكام يعمدون إلى نقل المفتين الذين كانوا يرتاحون لهم إلى رئاسة مؤسسة الأزهر الأكثر مشاكسة.
لم يقف الأمر عند ذلك بل استخدمهم في الهجوم على الأنظمة العربية المعادية فوصفت مجلة الأزهر الملوك والرؤساء العرب بأنهم رجعيون دنسوا الإسلام بالذهب الأمريكي من أجل أن يحافظوا على أملاكهم وأنهم بهذا اتبعوا الشيطان وتركوا الله. (6)
ويصف الأستاذ عمر التلمساني واقع الأزهر خلال تلك الفترة فيقول:
- إن أكبر إساءة، وجهها جمال عبد الناصر إلى الدين الإسلامي، هي الجريمة الكبرى التي صرف بها الأزهر عن مهمته الكبرى في تدريس العلوم الدينية وإتقانها، والمحزن فعلا أن بعض علماء الأزهر ساروا في الركب، ولا داعي لذكر أسمائهم – لأننا لا نشهر بأحد، ولكننا نذكر الحقائق – لكن سجلها التاريخ في صحائفه، فلا يعفى عليها النسيان بمرور الأشهر والأعوام، إنها الجريمة التي سماها عبد الناصر تطوير الأزهر، وما هي في الحقيقة إلا الرغبة الجامحة في القضاء لا على الأزهر أصلا، بل القضاء على الدين الإسلامي، بدءا بالأزهر، باعتباره الحصن الذي حمى شرع الله مئات السنين من العبث والتغيير. (7)
لم يختلف الوضع في العهود العسكرية اللاحقة لعبد الناصر، بل زاد الأمر سوء بعد خضوع الأزهر ومشايخه للنظام الحاكم، حيث لا يرون إلا ما يرونه، فنجد الدكتور محمد عبدالرحمن بيصار، الذي تولى مشيخة الأزهر خلال الفترة من 1979 إلى 1982، ينادي بعدم معارضة الحاكم إلا في الأمور الجوهرية.
ولقد شاهدنا أحمد الطيب – شيخ الأزهر وعضو لجنة السياسات في الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم - يخرج خلف العسكري ليعلن الانقلاب على رئيس البلاد في 3 يوليو 2013م، بل وشارك علماء الأزهر على التحريض على الدماء في رابعة والنهضة وغيرها من المذابح التي جرت، ومن قبله كان الشيخ سيد طنطاوي.
لقد توغلت السلطة التنفيذية في كل قرارات مؤسسة الأزهر التي أصبحت تابعة للأنظمة الحاكمة، ولم تعد المنارة التي من اجلها نشأت وحارب من اجلها العلماء والمشايخ.
المراجع
- محمد عبد الله عنان، تاريخ الجامع الأزهر، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، مكتبة الأسرة، 2012م)، ص 211.
- محمد عوض: الأزهر .. أي مستقبل ينتظره؟، وكالة الصحافة العربية 2017م، صـ77، 78.
- علي عبد العظيم: مشيخة الأزهر منذ إنشائها حتى الآن، الجزء الأول، الأزهر الشريف - مجمع البحوث الإسلامية، 1978م، صـ 326 وما بعدها.
- أحمد عادل أبو سعده: الأزهر بين الاتجاهين القومي والإسلامي في العهد الناصري (1952- 1970): مقاربة الحضور الديني في المجال العام، إي كتب، لندن، 2016م، صـ68.
- عبدالمنعم منيب، خريطة الحركات الإسلامية في مصر، نسخة الكترونية
- الأزهر في حقبة ما بعد الثورة:ناثان ج. براون أوراق مركز كارنيجى، 3 أكتوبر 2011م،
- عمر التلمساني: قال الناس ولم أقل في حكم عبد الناصر، دار الأنصار للطباعة والنشر والتوزيع 1980م.
سلسلة علاقة الإخوان بالأزهر
- الإخوان المسلمون والأزهر الشريف (الحلقة الأولى)
- الإخوان المسلمون والأزهر الشريف (الحلقة الثانية)
- الإخوان المسلمون والأزهر الشريف (الحلقة الأخيرة)
مقالات أخرى متعلقة
- العلاقة بين الإخوان والأزهر
- المنهجية الإخوانية والأزهرية وحتمية التلاقي
- الإخوان وإصلاح التعليم الأزهري
- مشروع الدستور الإسلامي الذي وضعه الأزهر عام 1977م
- الإخوان والتعليم ومحو الأمية
- كلمة الإمام البنا لنصرة فلسطين في مؤتمر الأزهر
- عشرون عاماً سقطت عمداً من جهود الإخوان
- أيها الأحباب.. أمام الأزهر قضية عالمية
- قضية طلبة جامعة الأزهر
- شيخ الأزهر وإسلام أون لاين وفتنة مرسى مطروح
- تعيش جبهة علماء الأزهر ويسقط حزب الشياطين الخرس
- ليس دفاعاً عن الأزهر
- شيخ الأزهر غير الحصيف
- عليه العوض ومنه العوض.. في شيخ الأزهر !
- نقلة في خطاب الأزهر
أخبار متعلقة بالأزهر
- علماء الأزهر يتوافدون للتظاهر بميدان التحرير
- المتحدث باسم الأزهر يستقيل وينضم للمطالبين باقصاء مبارك
- شيخ الأزهر يطالب بتعجيل إنجاز الحكم المدني
- الأزهر يطالب الجيش المصري بالإسراع في الانتقال السلمي للسلطة
- شيخ الأزهر يستقبل الأنبا أرميا لتفعيل بيت العائلة
- شيخ الأزهر: المادة الثانية للدستور من ثوابت الدولة
أحداث في صور
ملفات أخرى متعلقة
- ملف: ملف الإخوان والإصلاح
- ملف: الإخوان وإصلاح التعليم
وصلات فيديو
- شيخ الأزهر يلتقى بوفد جماعة الإخوان فى مشيخة الأزهر للمرة الأولى ،إخوان تيوب
- الأزهر والإخوان أيد واحدة ،إخوان تيوب
- لقاء خالد مشعل بشيخ الأزهر ،إخوان تيوب
- احتفال جامعة الأزهر بالمصالحة ،إخوان تيوب
- نواب كتلة الإخوان فى الجامع الأزهر احتجاجا على حصار غزة ،إخوان تيوب
- كلمة أ.د/ حسن الشافعى نيابة عن شيخ الأزهر فى احتفالية الإخوان المسلمين بالثورة وتحرر الوطن وثوّارة ،إخوان تيوب
- شيوخ الأزهر فى ميدان التحرير للمطالبة برحيل مبارك ،إخوان تيوب
- العرض السنيمائي العشرون لطلاب إخوان الازهر جـ(1) ،يوتيوب
- العرض السنيمائي العشرون لطلاب إخوان الازهر جـ(2) ،يوتيوب
- العرض السنيمائي العشرون لطلاب إخوان الازهر جـ(3) ،يوتيوب
- العرض السنيمائي العشرون لطلاب إخوان الازهر جـ(4) ،يوتيوب
- العرض السنيمائي العشرون لطلاب إخوان الازهر جـ(5) ،يوتيوب
- العرض السنيمائي العشرون لطلاب إخوان الازهر جـ(6) ،يوتيوب