في ذكراهن... فدائيات الحصار امتداد لدور المرأة في الإسلام
في ذكراهن... فدائيات الحصار امتداد لدور المرأة في الإسلام
القسام ـ خاص:
فدائيات الحصار"" خنساوات فلسطين" " نساء أهل الجنة" مصطلحات أطلقها الفلسطينيون على المئات من النساء الفلسطينيات اللاتي استطعن بعزيمة إيمانية، وإرادة فولاذية لا تلين، كسر الحصار الذي يفرضه جيش الاحتلال الصهيوني، بأعتى آلياته العسكرية من دبابات وطائرات وجرافات، على المجاهدين المقاومين في مسجد أم النصر، في بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة.
كان ذلك فجر يوم الجمعة من العام الماضي 3-11-2006 ، حينما هبت نساء بيت حانون و المناطق المجاورة لها في عدة مسيرات سجلن من خلالها حدثاً استثنائياً في التاريخ الفلسطيني المعاصر، وأعدن إلي الذاكرة نساء الصحابة رضوان الله عليهم في معارك الرسول "صلى الله عليه وسلم" ضد الكفار والمشركين وهن يتجولن بين المجاهدين يضمدن الجراح ويوزعن الماء ويسعفن الجرحى.
التاريخ الفلسطيني ملئ بالبطولات والتضحيات التي جسدتها المرأة الفلسطينية عبر مسيرتها الطويلة، وحملها للهم الفلسطيني، جنباً إلى جنب مع أخوها الرجل، إلا أن هذه الحكاية، حكاية (خنساوات فلسطين ، فدائيات الحصار)، كانت فريدة من نوعها، وغير مسبوقة في التاريخ الفلسطيني، بشاكلتها التي تمت.
حاضنة فدائيات الحصار
ما قامت به النسوة الفلسطينيات " فدائيات الحصار" كان امتدادا طبيعياً للدور المشرق الذي قامت به المرأة في التاريخ الإسلامي، وهو الدور الذي كان حاضراً عند عقل ووعي الحركة الإسلامية في فلسطين ، إذ علمت كم هي حاجة الدعوات الإصلاحية إلى النساء، فهن أرق عاطفة، وأكثر إندفاعاً، وأسمح نفساً، وأطيب قلباً، والمرأة إذا آمنت بشيء لم تبال في نشره والدعوة إليه بكل صعوبة، وتعمل على إقناع زوجها وإخوتها وأبنائها به كما يقول الدكتور مصطفي السباعي رحمه الله.
حركة المقاومة الإسلامية "حماس" عملت جاهدةً علي الارتقاء بدور المرأة الفلسطينية على هدي الإسلام ومبادئه، وأعطت هذا الجانب أهمية كبري، إذ أفردت في ميثاقها مادتين خاصتين بالمرأة من مواد الميثاق البالغ عددها ست وثلاثون، وهما المادة السابعة عشر،والتي نصت على أن " للمرأة المسلمة في معركة التحرير دور لا يقل عن دور الرجل فهي مصنع الرجال، ودورها في توجيه الأجيال وتربيتها دور كبير، وقد أدرك الأعداء دورها، وينظرون إليها على أنه إن أمكنهم توجيهها وتنشئتها النشأة التي يريدون بعيداً عن الإسلام فقد ربحوا المعركة ، ولذلك تجدهم يعطون محاولاتهم جهداً متواصلاً من خلال الإعلام والأفلام ، ومناهج التربية والتعليم بواسطة صنائعهم المندمجين في منظمات صهيونية تتخذ أسماءً وأشكالاً متعددة كالماسونية ، ونوادي الروتاري ، وفرق التجسس، وغير ذلك ، وكلها أوكار للهدم والهدامين ، وتتوفر لتلك المنظمات الصهيونية إمكانات مادية هائلة ، تمكنها من لعب دورها وسط المجتمعات ، بغية تحقيق الأهداف الصهيونية ، وتعميق المفاهيم التي تخدم العدو، وتعمل تلك المنظمات عملها في غيبة الإسلام عن الساحة ، وغربته بين أهله، وعلى الإسلاميين أن يؤدوا دورهم في مواجهة مخططات أولئك الهداميين، ويوم يملك الإسلام توجيه الحياة يقضي على تلك المنظمات المعادية للإنسانية والإسلام".
والمادة الثامنة عشرة، والتي نصت على أن "المرأة في البيت المجاهد والأسرة المجاهدة أماً كانت أو أختاً لها الدور الأهم في رعاية البيت وتنشئة الأطفال على المفاهيم والقيم الأخلاقية المستمدة من الإسلام وتربية أبنائها على تأدية الفرائض الدينية استعداداً للدور الجهادي الذي ينتظرهم، ومن هنا لا بد من العناية بالمدارس والمناهج التي تربى عليها البنت المسلمة، لتكون أماً صالحة واعية لدورها في معركة التحرير.
ولا بد لها من أن تكون على قدر كاف من الوعي والإدراك في تدبير الأمور المنزلية ، فالاقتصاد والبعد عن الإسراف في نفقات الأسرة من متطلبات القدرة على مواصلة السير في الظروف الصعبة المحيطة ، وليكن نصب عينيها أن النقود المتوافرة عبارة عن دم يجب ألا يجري إلا في العروق لاستمرار الحياة في الصغار والكبار على حد سواء.
"إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً" (الأحزاب35)[1].
نابع من موقف الحركة الأم
موقف حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، من المرأة، كان ترسيخاً لموقف الحركة الأم "جماعة الإخوان المسلمين"،والمستند إلى تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، الذي صان المرأة وأكرمها واعزها أكثر من أي دين من الأديان، وأكثر من أية عقيدة أخرى من العقائد. اهتمام الإخوان المسلمون بالمرأة، بدأ بفضيلة الإمام المرشد والمؤسس الإمام الشهيد ( حسن البنا) الذي أفرد للمرأة رسالة خاصة، مروراً بمفكري الجماعة وفقهاؤها، من أمثال الشيخ (محمد الغزالي) والأستاذ احمد الراشد، والدكتور مصطفي السباعي، وليس انتهاءً برافع لواء الاجتهاد، وفقه الواقع والعصر، الشيخ العلامة الدكتور (يوسف القرضاوي)، الذي أعلن في غير مرة آرائه بالنسبة للمرأة ومشاركتها في جميع مظاهر الحياة. وإسهاماته وكتاباته في هذا الجانب متعددة وكثيرة.
فدائيات الحصار امتداد لدور المرأة في الإسلام
منذ بزوغ فجر التاريخ الإسلامي، و للمرأة الصالحة المؤمنة، صفحات مشرقة من الفداء والبلاء والتضحية والشجاعة، حيث أعطيت الحق فى القتال ومساعدة الرجال فى كل امورهم الحياتيه، وقد قامت بدورها خير قيام، وكانت دوماً اختاً للرجال، كما كان لها دور كبير ومؤثر في معركة الإصلاح، والدعوة والمقا ومة، بدءاً بخديجة زوج الرسول الأكرم محمد صلي الله عليه وسلم، صاحبة المثل الأعلى، في المواقف التي تستطيع الزوجة المؤمنة بدعوة الخير أن تلعبها وتقوم بها، مروراً بدور عائشة وأسماء رضي الله عنهما أثناء هجرة الرسول صلي الله عليه وسلم، ونسيبة أم عمارة الأنصارية، وقصتها مشهورة وشجاعتها بينة، فلقد شهدت ليلة العقبة، وشهدت أحدا والحديبة، ويوم حنين، ويوم اليمامة، وفعلت الأفاعيل،تركت سقاء الجرحي في معركة أحد، وأخذت تقاتل بالسيف وترمي بالنبل، دفاعاً عن رسول الله ، حينما تكاثر عليه المشركون يريدون قتله، حتى أصيبت في عنقها، وجرحت جرحاً عميقاً، وكان معها زوجها وابناها، وحين رآهم الرسول صلي الله عليه وسلم، قالت له "أدع الله أن نرافقك في الجنة، فقال اللهم اجعلهم رفقائي بالجنة" فقالت رضي الله عنها بعد ذلك ما أبالي ما أصابني من أمر الدنيا، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم" ما التفت يميناً وشمالاً يوم أحد، إلا ورأيتها تقاتل دوني" .
كما لنا في موقف أم سليم بنت ملحان مفخرةً من مفاخر المرأة المسلمة في صدر الإسلام، فقد كانت في معركة حنين مع زوجها أبي طلحة، فرآها رسول الله صلي الله عليه وسلم، فقال لها أم سليم؟ قالت نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله! اقتل هؤلاء الذين ينهزمون عنك كما تقاتل الذين يقاتلونك، فإنهم لذلك أهل، وكان معها خنجر، فسألها زوجها أبلو طلحة عن سر وجوده معها! فقالت خنجراً أخذته، إن دنا مني أحد من المشركين بعجته به! فأعجب بها زوجها ورسول الله صلي الله عليه وسلم . ومثلها أ سماء بنت يزيد بن السكن، والتي قتلت بعمود خبائها يوم اليرموك تسعة من الروم، وكانت ليلة المعركة ليلة عرسها.
وهناك في التاريخ الإسلامي خولة بنت الأزور والخنساء، و مئات الأمثلة الناطقة بشجاعة و إقدام ومبادأة المرأة المسلمة،. وصولاً إلي ما تقوم به المرأة الفلسطينية، اليوم من إسناد لكل عمل يقوم به الرجال، وما لها من دور كبير، في تذليل الصعاب التي يحياها المجاهدين، اللذين يحملون هم الوطن وهم القضية ،إذ تشاركهم همومهم وآلامهم، وتخفف عنهم عبء هذه الهموم، وتبث في أنفسهم الاستمرار والثبات، ما يكون له عظيم الأثر في نصرة القضية.
فلن نغفل الدور الذي قامت به نساء فلسطين منذ إغتصابها علي يد المحتل الغاشم، وحتي يومنا هذا، حيث لم تكتفي المرأة الفلسطينية بأن تكون أم الشهيد وأخت الجريح، وابنة الأسير فحسب، بل كانت هي الشهيدة والجريحة والأسيرة، عبر مسيرة الثورة الفلسطينية الممتدة، حيث شاركت في العمل العسكري والتدريب الميداني في قواعد حركات التحرير والمقاومة الفلسطينية،و شاركت في العمل الأدبي والسياسي، و في العمل التنظيمي، و في المؤسسات الخيرية والمجتمعية لتربية الأيتام ورعاية المسنين، وبجذوة فكرها استطاعت أن تتوهج وترسل ضوءها وشررها في مختلف الاتجاهات العقلية والوجدانية والإنسانية، قاتلت ولا تزال تقاتل ها من أجل نصرة قضيتها المقدسة ... وبصوتها وقرارها الآن في المجلس التشريعي الفلسطيني. قامت بدور جبار وشاق في تربية الأجيال وحثهم على الدفاع عن حقهم المغتصب واسترجاع وطنهم السليب، و عدم التهاون في تقديم الغالي والنفيس. نالت نصيبها من الإعاقة، والقتل، والإبعاد، والسجن، والشهادة.
هربت الأموال لداخل فلسطين، هربت السلاح والذخيرة للمجاهدين والمقاومين. شاركت في الإغاثة والتمريض والتطبيب، حملت السلاح في وجه العدو، أمنت الملجأ والمأكل والخدمات للكوادر، قاومت الحصار من خلال أعمالها الإنتاجية، نالت نصيبها من القصف، تدمير البيوت، إطلاق الرصاص المباشر عليها، الاغتيال، شظايا القصف أثناء عمليات الاحتلال والتدمير، نالت قسطها الوفير من سياسة الحواجز حيث اضطرت للولادة في العراء وأمام الملأ بسبب منعها أو العرقلة، أو التأخير في تقديم الخدمات مما أدى إلى موت العديد من الأجنة، تفاقمت حالات الإجهاض المقصودة بسبب الغازات المسيلة للدموع، الخوف، الضرب من قبل قوات الاحتلال، أو الولادة في البيوت.
نساء فلسطين رائدات في العمل الكفاحي والجهادي الفلسطيني، بصوره المختلفة. نجد الذاكرة الفلسطينية وقد حفظت وخلدت أسماء مثل اسم الشهيدة دلال المغربي، وأسماء أخريات شاركن في عمليات خطف الطائرات، ومنهن ليلى خالد، وريما بلعوشة، وزهيرة أندراوس، وفي انتفاضة الإقصي التي تفجرت في سبتمبر من العام 2000 انتقلت المرأة الفلسطينية، نقلة نوعية في تضحياتها واقدامها ، حيث كانت الظاهرة الأكثر بروزاً فيها وهي ظاهرة العمليات الإستشهادية، التي كان للمرأة فيها حضورها المتميز الوافر، فكان هناك بجانب الإستشهاديين، الإستشهاديات، وفاء إدريس، ودارين أبو عيشة، ونورا شلهوب، وأيات الأخرس، وسناء قديح، وهبة ضراغمة، وريم الرياشي، وهنادي جرادات، وميرفت مسعود. كما كان للمرأة الفلسطينية، في انتفاضة الأقصى نصيب كبير في تحمل معاناة الأسر عند السجان الصهيوني الظالم، وحتي الساعة ترزخ في الأغلال، المئات من الأسيرات الفلسطينيات، وفي مقدمتهن الأسيرة القسامية أحلام التميمي صاحبة الخمسة عشر مؤبداً.
المرأة الفلسطينية، سنت سنة حسنة، في تقبيل وتوديع أولادها وهم ذاهبون إلي الشهادة ( أم نضال فرحات) خنساء فلسطين ، أم الشهداء القساميين الأبطال (نضال، ورواد، ومحمد قبلت وودعت ابنها (محمد) قبل ذهابه على درب الشهادة للنيل من المحتل، ووقفت مؤازرة ومشجعة له، على ألا يعود إليها إلا وهو شهيد، وقد نال من الأعداء في مقتل ؛ واقتفت أثرها نساء مجاهدات أخريات، في تشجيع أولادهن على الشهادة والنيل من الأعداء، أمثال السيدة أم أحمد عابد التي كررت المشهد نفسه مع ابنها الشهيد محمود عابد، كذلك السيدة أم مصطفى صالح مع ابنها الشهيد محمود صالح. هذه هي المرأة الفلسطينية والتي إستمرت في عطائها وبذلها، وتوجته بمعركة فدائيات الحصار في بيت حانون فجر يوم الجمعة 3/11/2006 وهو اليوم الذي سجل فيه التاريخ ذلك الحضور الاستثنائي للمرأة الفلسطينية ولعظم تضحياتها.
هذا الحضور المتميز للنساء الفلسطينيات في ميدان الجهاد والمقاومة والتضحية والفداء، وفي بناء المجتمع، وأداء الأدوار المنوطة بهن في تربية الأجيال، وتربية الرجال ، لهو امتداد للدور البارز الذي قامت به المرأة منذ فجر التاريخ الإسلامي في نصرة دعوة الحق.
هكذا كانت المرأة في التاريخ الإسلامي وهكذا ينبغي أن تكون في حاضرنا ومستقبلنا الفلسطيني، جريئة مقدامة تسهم في معارك الدفاع بحضورها بنفسها، مما يصفع أولئك المتعصبين من الحاقدين والمأجورين الذين يدعون كذباً وفجوراً بأن الإسلام يهين المراة ويحتقرها، ولا يجعل لها مكانها اللائق في المجتمع في حدود رسالته الطبيعية، بل تمادي بهم الإفك إلى الإدعاء بأن الإسلام لا يفسح مجالاً للمرأة في الجنة فلا تدخلها مهما عملت من خير، وقدمت من عبادة وتقوي!! وبقطع النظر عن النصوص الصريحة من القرآن والسنة في رد مثل هذه الشبهات وهذه الافتراءات، فإن تاريخ الإسلام نفسه، كما بينا قد سجل للمرأة المسلمة، من المآثر في نشره، والدعوة إليه، والتضحية في سبيله ما لم يسجله دين من الأديان قط.وهو ما حفز المرأة الفلسطينية اليوم بالنهوض من جديد للقيام بدورها الطبيعي في خدمة الإسلام والأوطان.
المصدر:كتائب الشهيد عز الدين القسام-المكتب الإعلامي