فوز حزب العدالة الإندونيسي.. تكرار النموذج
- 5 ملايين ناخب صوَّتوا لصالح الحزب بـ39% من الأصوات
- توجيه الانتقادات إلى قيادة الحزب لم يمنع الفوز الغالي
جاكرتا: أحمد دمياطي بصاري
لم يتوقع أحد من الباحثين أو المراقبين السياسيين في إندونيسيا فوز مرشحي حزب العدالة والرفاهية المتحالف مع حزب الأمانة الوطنية في أكبر معقل انتخابي للبلديات في جاوة الغربية (إذ يقطن فيها نحو 35.724.000 نسمة) يوم الأحد 13 أبريل المنصرم، بأصوات نحو 39.29% من الناخبين؛ أي ما يعادل نحو 5.238.449 ناخبًا.
كما لم يتوقعوا كذلك فوز مرشحي حزب العدالة: شمس العارفين وجاتوت بوجويانتو كذلك في انتخابات بلديات محافظة سومطرة الشمالية في يوليو المنصرم بنسبة 28.31%؛ لأن هذه المناطق هي معاقل لحزبي جولكار الحاكم والحزب الديمقراطي للكفاح.
هذا الفوز جاء أيضًا مخالفًا لتوقُّعات مراكز وجماعات رصد اتجاهات تصويت الناخبين؛ أمثال مؤسسة المسح الإندونيسي Lembaga Survey Indonesia؛ التي تحدثت عن مرتبة متدنية متوقعة لمرشحي التيار الإسلامي: أحمد حيرياوان (حزب العدالة) والمرشح نائب ديدي يوسف (حزب الأمانة الوطنية) الذي لم يكن معروفًا رغم منصبه كنائب لرئيس البرلمان المحلي في العاصمة جاكارتا، ورغم شهرة ديدي يوسف كنجم أفلام سابق ونائب للبرلمان الحالي من حزب الأمانة مقارنةً إلى منافسيهما من المرشحين الآخرين.
بل كانت المفاجأة كبيرة بسقوط خصومهم من الأحزاب العلمانية في الحزب الديمقراطي وحزب نائب الرئيس يوس كالا حزب جولكار والحزب الديمقراطي للكفاح (حزب ميجاواتي الرئيسة السابقة) وحزب الوحدة التنموية (حزب حمزة حاز نائب الرئيسة) وحزب النهضة الوطنية (حزب الرئيس السابق عبد الرحمن واحد؛ المشهور بجوس دور).
هذا الفوز المحقق لمرشحي حزبي العدالة والأمانة؛ الذي أكدته أكثر من 5 مراكز لاستطلاع الرأي بنحو لحظات يسيرة من وقت التصويت، حمَل دلالاتٍ كثيرةً أفرزتها هذه الانتخابات الإندونيسية الأخيرة.
فهي أولاً ضربة قوية للأحزاب السياسية الكبيرة في البلاد ستدفعها لمراجعة حساباتها، وحسب ما أكده المحلل السياسي المشهور سوكاردي ريناكيت كانت الأحزاب السياسية الكبيرة تتوقع أن تكسبها مكانتها المرموقة في الحكومة فقط قلوب الناخبين، وتفوز في الانتخابات بكل سهولة، ولكن حدث العكس!.
فقد أصبح الشعب أكثر شوقًا لانتخاب شخصية جديدة وشابة، حسبما يقول سوكاردي وعلى الأحزاب الكبيرة أن تأخذ في الاعتبار ما جرى كدرس لها قبل انتخابات عام 2009م القادم.
وقد اعترف الأمين العام للحزب الديمقراطي للكفاح برامونو آنونج بأن ما جرى في جاوة الغربية درس وعبرة لتوحيد صف كوادر الحزب وأنصاره في الأقاليم المنتشرة، وإن قال إن ما حدث في الانتخابات البلدية ليس معيارًا لما سيحدث في انتخابات 2009م القادمة.
وفي السياق ذاته يؤكد رئيس مكتب حزب جولكار فرمان سوباكجيو أن حزبه سيأخذ هزيمته في البلديات الأخيرة بعين الاعتبار، وسيراجع حساباته من أجل وضع إستراتيجية جديدة لعام 2009م، ويقول: نتفهَّم رغبات الجماهير بأنهم يفضلون شخصية جديدة وشابة؛ إذ إن أحمد حيرياوان ما زال في عمر 42 سنة بالمقارنة إلى المرشحين الآخرين الذين هم في عمر 62 سنة.
لا للعسكر في الانتخابات
والدرس الثاني لهذا الفوز للأحزاب الإسلامية هو أن الشخصية العسكرية لم تعد بضاعة مقبولة هذه الأيام، كما كان يحدث في انتخابات سابقة، وأن الشخصية المشهورة لدى الناس أكثر قبولاً؛ بدليل فوز رانو كارنو نجم الأفلام بمنصب نائب رئيس بلدية تاجيرانج المجاورة لجاكرتا وفوز ديدي يوسف ببلديات جاوة الغربية.
ويمكننا أن نطرح هنا سؤالاً؛ هل فوز حزب العدالة بجاوة الغربية وبقية المناطق والأنباء عن فوزه في أكثر من 30 بلدية، يمكن أن تعتبر عاملاً قويًّا لفوزه في الانتخابات العامة عام 2009م؟!
يرى المحلل السياسي إيندراج بيليانج أن توقُّع فوز حزب العدالة المتحالف مع حزب الأمانة في انتخابات عام 2009م مجرد مبالغة في التخمين، وقال: هذا التحالف أظهر مخلبه القوي بسبب قاعدة أيديولوجية للإسلام المعتدل بمنطقة جاوة الغربية القائمة منذ عهد حزب ماشومي الإسلامي في 1955م السابق، ولا أرى قوة هذا التحالف على المستوى الوطني، خاصةً أن الانتخابات العام 2009م سيشمل كل أقاليم إندونيسيا ويحتاج إلى مجهودات جبارة من قبل حزب العدالة حتى يحقق كل رسالاته.
وردًّا على سؤال حول دور نزاهة هذه الأحزاب الإسلامية المحتمل في ترجيح فوزها مستقبلاً في انتخابات 2009م في ظل رغبات الشعب الملحَّة في حزب نزيه ومبدع ومكافح من أجل الشعب، والذي يمثله كوادر حزب العدالة في بعض المناطق والأقاليم ورئيس حزب العدالة السابق الدكتور هداية نور وحيد؛ الذي يرأس مجلس الشورى الإندونيسي بنزاهة منذ العام 2005م، حتى إنه رفض استلام سيارة رسمية أوروبية غالية أو السكن في الفنادق الفاخرة، وفضَّل السكن في المكان الذي يقع فيه مكتبه، يرى مراقبون أنه حتى هذا لا يكفي لفوز الحزب مستقبلاً؛ إذ إن حزب العدالة لا يمتلك أية وسيلة من وسائل الإعلام على المستوى الوطني، ومجلة ساكسي التي تعتبر صوته الرسمي ماتت قبل أوانها؛ رغم أن حزب العدالة والرفاهية حصل على نحو 45 كرسيًّا في البرلمان الإندونيسي، وله بضع مئات من النواب في البرلمانات المحلية، ولم يفكِّر مكتب حزب العدالة والرفاهية في إحياء هذه المجلة وإيجاد حل للإشكاليات التي يمكن أن تكمن وراء إغلاقها؛ الأمر الذي أضعف الحزب إعلاميًّا فلم يعد مشهورًا.
وهذا الواقع يصعب مقارنته بالأحزاب السياسية الأخرى، مثل حزب جولكار؛ الذي يملك أفضل قناة تليفزيونية في البلاد هي قناة "ميترو"، وهذه الثغرة الإعلامية- وفق الخبراء- يدركها قادة حزب العدالة، ولكنهم يسعون مؤقتًا للتركيز على فكرة الدعاية المباشرة عبر الاتصال بالجماهير في الدوائر الانتخابية، وفوز أحمد حيرياوان وديدي يوسف لم يكن بسبب شهرة ديدي فحسب؛ بل كذلك بفضل جهود النشطاء والكوادر الدائبة في إبراز دورهما والتغير الملموس في مستقبل أندونيسيا بعد الفوز، وهذه تحديات حقيقية أمام حزب العدالة في انتخابات عام 2009 م وما بعدها.
الخلافات الداخلية.. أكبر التحديات
والحقيقة أن حزب العدالة نجح في تحسين موقعه الانتخابي بشكل متدرج؛ ففي انتخابات عام 2004 م حصد 54 مقعدًا في البرلمان المركزي، و157 نائبًا للبرلمان الإقليمي ثم 900 نائب في البرلمان البلدي، وذلك بعد أن كان مقاعد في البرلمان المركزي، و26 نائبًا للبرلمان الإقليمي ثم 153 نائبًا في البرلمان البلدي في انتخابات 1999 م، لكن المشكلة هي الخلافات الداخلية.
وبدأت تظهر نزعة فكرية جديدة لدى بعض قادة الحزب، فهناك خلافات وانتقادات للأمين العام ل حزب العدالة والرفاهية أنيس متى؛ الذي يتولى الأمانة العامة للحزب منذ نشأته، ويحظى مقاله الخاص عن الإسلام والمال في كتابه من القيادة إلى الكوادر ( أغسطس 2007 ) بانتقادات واسعة لما قاله حول إستراتيجية جمع المال مثل قوله: إن أوامر الله ورسوله في القرآن والسنة لا يمكن أن نحقِّقها إلا بالمال، وقوله: إن المال يعطينا حياةً رغدةً وهو ما يقربنا إلى الالتزام بالدين!!.
وقد انتقده الدكتور إدريس عبد الصمد أحد قادة الحزب- في مقال وجِّه بشكل خاص للأمين العام لحزب العدالة- مطالبًا إياه بمراجعة أفكاره الجديدة والمثيرة؛ باعتبار أن أمر التوفيق بين حياة الرغد وعناية الشعب في وقت واحد وبشكل جدي يصعب تحقيقه غالبًا، بل إنها قد تلفت أنظار كوادر الحزب إلى الأنانية واللا مبالاة.
ويدفع هذا الأمر المراقبين إلى التساؤل: هل ستبقى كوادر الحزب على الولاء والإخلاص لأمينهم العام وقادة الحزب إذا كان كبار شخصيات الحزب في حياة بعيدة عن التواضع والاقتصاد؟!
الحاصل أن الحزب الإسلامي فاز إذن في انتخابات البلديات رغم الخلافات الناشبة بين كوادره، وهو ما يستدعي توحيد صفوفه قبل خوض انتخابات 2009 م.
المصدر
- خبر:فوز حزب العدالة الإندونيسي.. تكرار النموذجإخوان أون لاين