الانتخابات الإندونيسية.. الصعود بالديمقراطية
كتب- أحمد التلاوي:
في التاسع من أبريل المقبل تشهد إندونيسيا ، أكبر الديمقراطيات الإسلامية وإحدى أكبر الديمقراطيات في العالم، انتخاباتٍ برلمانيةٍ جديدةٍ ذات أهمية خاصة مع كونها تفتح عقدًا جديدًا من الديمقراطية التي بدأت في إندونيسيا منذ إسقاط حكم الرئيس الراحل محمد سوهارتو في ثورةٍ شعبيةٍ عام 1998 م، إثر الأزمة المالية والنقدية التي ضربت بلدان النمور الآسيوية في عامي 1997 م و1998 م.
وينتخب الإندونيسيون 550 عضوًا جديدًا للبرلمان يُمثلون أكثر من 230 مليون نسمة هم تعداد سكان هذا البلد، الذي يعتبر أكبر دول العالم الإسلامي سكانًا؛ حيث يضم 20% من مسلمي العالم، ويسيطر حزب الرئيس الإندونيسي سوسيلو بامبانج يودويونو ونائبه يوسف كالا على 127 مقعدًا منها، ويشار إلى أنَّ نائب الرئيس سوف يتنافس معه في الانتخابات الرئاسية المقررة في أواخر هذا العام.
وسوف تجري الانتخابات في مقاطعات إندونيسيا الثلاثة والثلاثين، ومن بينها مقاطعتان مُحتسبتان كدوائر خاصَّة، وواحدة مُستقلة لمنطقة العاصمة، جاكرتا، وتجرى الانتخابات وفق التَّقسيم الإداريِّ المحلي لهذه المقاطعات، أي في النِّقاط والبلديَّات التي تتألف منها كل مقاطعة.
خريطة حزبية
وفي إندونيسيا ما يزيد على 40 حزبًا تأسس غالبيتها بعد عهد سوهارتو أواخر التسعينيات، وتتراوح اتجاهاتها بين أقصى اليمين وأقصى اليسار، ويطبع الانتماء الحزبي بطابعه على برامج هذه الأحزاب خلال الانتخابات.
حزب العدالة الوحيد الذي يدعو إلى تطبيق الشريعة
وإن كانت هذه الأحزاب تدور جميعها حول اتجاهَيْن أو انتمائَيْن رئيسيَّين، الأول عقائدي ديني، ويضم جميع الأحزاب التي تأخذ من الدين أساسًا لها؛ حيث هناك نحو 12 حزبًا إسلاميًّا، أهمها حزب التنمية المتحدة الذي تأسس في يناير من العام 1973 م، وحزب العدالة والرفاهية ( الإخوان المسلمون ) الذي يتزعمه رئيس مجلس الشورى الإندونيسي هدايت نور وحيد، وتأسس في العام 1999 م، وقد حقق إنجازاتٍ كبيرة على كل المستويات، وهو الحزب الوحيد الذي لم يسبق اتهامه في قضايا فساد رغم تفشيه في أركان البلاد بجانب حزبين مسيحيين رئيسيين، هما: الحزب المسيحي الإندونيسي، والحزب الكاثوليكي الديمقراطي، وكلاهما تمَّ تأسيسه في العام 1998 م.
أما الاتجاه الثاني فهو اتجاه علماني يأخذ من مذهب "البانكسيلا" عقيدة أساسية له، وهي أيديولوجية علمانية تنادي بوحدانية الإله والمساواة والعدل والإخاء، ويأتي على رأس هذه المجموعة حزب النضال الديمقراطي الذي تتزعمه الرئيسة السابقة للبلاد ميجاواتي سوكارنو بوتري ابنة أحمد سوكارنو أحد زعماء التحرير التاريخيين في البلاد.
ومن بين هذه الأحزاب ما يتولى قيادته منها مسلمون، لكنها لا تأخذ بالإسلام منهجًا في برامجها الانتخابية، ثم يأتي في قائمة الأحزاب التي يرأسها إسلاميون ولا تتبنى الفكر الإسلامي حزب التفويض القومي الذي يمثل ثاني أكبر الجماعات الإسلامية في البلاد، وهي "جماعة المحمدية"، والتي تضم حوالي 30 مليون عضو، ويتزعمها أمين رئيس الذي يرفض مثل عبد الرحمن وحيد أن يقوم نظام الحكم في بلده على أساسٍ دينيٍّ إسلاميٍّ.
ورغم العدد الكبير من الأحزاب المشاركة في الانتخابات إلا أن هناك خمسة أحزاب كبيرة تمثل الثقل السياسي في إندونيسيا، وهي حزب جولكار الحاكم الذي تأسس في 20 أكتوبر عام 1964 م، وظل الحزب الحاكم طيلة سنوات حكم سوهارتو الـ32، حين لم يكن مسموحًا إلا بوجود ثلاثة أحزاب فقط، هي حزبا التنمية المتحد الإسلامي، والديمقراطي اليساري، بالإضافة إلى جولكار.
ثم هناك حزب نهضة الشعب الذي يتزعمه روحيًّا عبد الرحمن وحيد ، وهو الأكثر تأثيرًا ونفوذًا في الحياة السياسية بكل إندونيسيا ، مع كونه منبثقًا من جماعة "نهضة العلماء" الإسلامية الكبيرة، إلا أنه يعلن دعوته صراحةً لإقامة علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني.
يأتي خلفه حزب النضال القومي الذي تتزعمه ميجاواتي، والذي تأسس في 10 يناير عام 1976 م كحزبٍ يُمثل الاتجاهات اليسارية العلمانية في البلاد، ويضم الحزب نسبة كبيرة من الكاثوليك والبروتستانت والأقليات من أصل صيني.
بعد ذلك يأتي حزب التفويض القومي الذي تأسس في 23 أغسطس عام 1998 م ويترأسه الدكتور أمين كما سبق القول، وهو من أهم قيادات حركة الإصلاح ، والذي تزعم مظاهرات الطلبة عام 1998 م حتى تم إسقاط حكم سوهارتو ، وتتركز شعبية الحزب في جاوة الوسطى، وفي أوساط المثقفين في الجزر الإندونيسية المختلفة، ويدعو الحزب إلى منح الأقاليم مزيدًا من الحرية واللامركزية في إطار دولة فدرالية، وهو ما ترفضه القوى السياسية القومية.
وأخيرًا يأتي حزب التنمية المتحدة الذي تأسس في 5 يناير عام 1973 م، ويترأسه الدكتور حمزة حاس ويقوم على أساسٍ إسلامي، كما أنه أحد الأحزاب الثلاثة التي كان معترفًا بها في عهد سوهارتو .
كلمة السر
تجري الانتخابات هذا العام في أجواءٍ سياسيةٍ جديدةٍ؛ حيث قضية الفساد هم "نجم الحفل"، والتي من المرجح لها أنْ تثير الكثير من الجدل في أوساط النخبة والعامة في إندونيسيا ، حيث ترى بعض الأطراف السياسية في هذا البلد، أنَّ حكومة الرئيس يودونيو سوف تستخدم هذا الملف في إبعاد بعض رموز المعارضة القوية في الدوائر الانتخابية المختلفة، تحت شعار تنقية قوائم المرشحين من الشخصيات الفاسدة.
فيما تقول الدوائر الحكومية وتلك المؤيدة لها أنَّ قضية الفساد أولوية، وأنَّ تفعيل العمل البرلماني يتطلب هذا الإجراء المتعلق بتنقية القوائم الانتخابية، لزيادة فعالية العمل التشريعي وتعزيز امكانية المحاسبة بين النواب.
وبحسب مراقبين، فإنَّ الحجة الحكومية تبدو أقوى؛ حيث تشتد الحاجة لمثل هذا التغيير بالنظر لما عُرف عن البرلمان من فساد وضعف سجله في اقرار تشريعاتٍ رئيسيةٍ، اتهمت بأنها كانت وراء هروب المستثمرين ورءوس الأموال، والحد من النمو والتنمية في أكبر اقتصادٍ في جنوب شرقي أسيا.
وقبل الانتخابات بأقل من شهر بدأت "الحملة الوطنية ضد التصويت لساسة فاسدين" بإعداد قوائم سوداء لمن تورَّط من الساسة والبرلمانيين في تلقي رشاوى أو في جرائم بيئية أو انتهاك حقوق الانسان، لمساعدة الناخبين على اختيار مرشحين يتسمون بالنزاهة، ويتم توزيع هذه القوائم في محطات الحافلات وغيرها من الأماكن العامة.
ويقول عدنان توبان هوسودو أحد مؤسسي الجماعة لوكالة (رويترز) للأنباء: "لا نريد أن يدخل الساحة السياسية مرةً أخرى ساسة لا يتمتعون بالنزاهة، ونريد أن يتفحص الناس ماضي مرشحيهم، لتلافي اختيار الفاسدين منهم".
وبالرغم من حركة الإصلاح الكبرى التي تشهدها إندونيسيا، على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية، فإنَّ هناك ساسة ومحللين يقولون إنه ثمة حاجة لتغييرات أخرى في البلاد، وبحسب لاكسامانا سوكاردي الوزير السابق لمشروعات الدولة، والذي شكَّل حزبًا جديدًا أطلق عليه اسم حزب الإصلاح الديمقراطي "الأحزاب السياسية هو ما ينبغي إصلاحه الآن".
قصور تشريعي
بجانب قضايا الفساد ومطالب الإصلاح الحزبي، تحتل قضية القصور التشريعي في أداء البرلمان الإندونيسي جانبًا شديد الأهمية في تفكير النخبة والناخب في إندونيسيا ، وبحسب ما نشرته صحيفة (جاكرتا بوست) فإنَّه خلال دورة استمرت 45 يومًا، وانتهت في مطلع مارس الحالي، لم يقر البرلمان الإندونيسي سوى ثلاثة مشروعات قوانين، هي مشروع قانونٍ للضرائب، وقانون لمكافحة الاتجار في البشر، والتصديق على اتفاقية الأمم المتحدة ضد الجريمة المنظمة العابرة للحدود.
البرلمان يستعد لاستقبال أعضاء جدد
في حين لا تزال مشروعات قوانين ذات أهمية قصوى مثل الخدمات الصحية ومحكمة الفساد في انتظار التصويت عليها، أو على الأقل مناقشتها.
وعلى سبيل المثال يمد مشروع قانون محكمة الفساد النظام القضائي في إندونيسيا بأداةٍ فعالةٍ في معاقبة المسئولين الفاسدين، ومع تورط عددٍ كبيرٍ من الساسة وقيادات الأحزاب التي تسيطر على البرلمان في ممارساتٍ فاسدةٍ فليست مفاجاة أنْ يتلكأ البرلمان في إقرار مشروع القانون هذا.
والأمر الواضح بالنسبة لكثيرٍ من الإندونيسيين بحسب تعليقاتهم في مجالسهم الداخلية، فإنَّ المطامع الشخصية وليس الاحتياجات أو مصالح البلاد العليا هي التي تؤثر على عملية صنع القرار في البرلمان، الذي ألقي القبض على عددٍ من أعضائه بتهمٍ تتعلق بالحصول على رشاوى مقابل مساندة مشروعات قوانين ولوائح أو عقود تفيد مصالحٍ تجاريةٍ معينةٍ.
وعلى الرغم من تغيير النظام الانتخابي إلى النظام الانتخابي المباشر، وجهود المجتمع المدني في مكافحة الفساد، استبعدت قوى إندونيسية كثيرة أن تفضي هذه الإجراءات إلى اختيار "برلمانٍ نظيفٍ" يقضي على الفساد؛ لأنَّ المترشحين سيقدمون بكل بساطة الرشاوى للناخبين وليس للحزب الذي ينتمون إليه لضمان مقاعدهم في البرلمان.
ويقول لاكسامانا سوكاردي في هذا: "تختار قيادات الأحزاب المرشحين، ولا نعلم إذا كانت عملية الاختيار هذه تتسم بالشفافية أو تعتمد على مزايدة يفوز بها صاحب العرض الأعلى" في اتهاماتٍ مباشرةٍ بالفساد من جانب شخصيةٍ عامةٍ كهذه للحياة الحزبية الإندونيسية برمتها، وهي مشكلة تزداد تعمقًا مع ما أظهره استطلاع رأي حديث أن الاندونيسيين يميلون للتصويت لحزبٍ أكثر مما يميلون للتصويت لفردٍ، بما يزيد من تأثير الفساد الحزبي على العملية الانتخابية.
غير أنَّ هناك مبعثًا على التفاؤل، وهو خبرة إندونيسيا في مجال الحكم الذاتي الإقليمي عبر السنوات القليلة الماضية، والتي أظهرت أنَّ الناخبين قادرون على استبعاد الساسة الفاسدين وإعادة انتخاب مَن يعملون على تحسين الخدمات والبنية التحتية محليًّا، أي في الانتخابات البلدية، ولدى كثيرٌ من الأقاليم والمناطق الإندونيسية سجلٌّ قويٌّ في حكمٍ فعالٍ ونزيهٍ "نسبيًّا".
وفي هذا يقول كيفن إيفانز الذي يدير موقع (بميلو آسيا) أي (انتخابات أسيا) أنه "بدأ يتشكل من خلال الانتخابات المحلية في إندونيسيا نظامٌ يكافئ مَن ينجز العمل، ويستبعد مَن لا ينجزون مهما كانت المبالغ التي ينفقونها خلال حملاتهم الانتخابية".
وفي النهاية يبقى أنَّ ميزة الديمقراطية في إندونيسيا أنها قادرة على تصويب ذاتها، وأنَّه بالرغم من كلِّ مشكلاتها تبقى إشارةٌ بالغة الأهمية على أنَّ المسلمين قادرون على أنْ يكونوا ديمقراطيون، وأنَّهم قادرون على استيعاب قواعد العصر الحديث، وليسوا كما يقوله أعداؤهم.
ولولا هذه الحقيقة ما جعلها الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما مفتاحه للعالم الإسلامي، لتحسين صورة بلاده المنهارة بفعل سياسات سلفه السابق جورج بوش الابن.
المصدر
- مقال:الانتخابات الإندونيسية.. الصعود بالديمقراطيةإخوان أون لاين