عبد الناصر والسيسي والحرب على الأحزاب

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
عبد الناصر والسيسي والحرب على الأحزاب


مقدمة

الديمقراطية ليست سلعة تشترى أو توزّع على الناس أو تهدى للأحباء، لكنها قيم وأفكار ووعي وممارسة ونظام حياة يحتاج إلى مقومات وتدريب.

فالديمقراطية تحتاج إلى توفير البيئة السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية اللازمة، وتأمين الوعي الجماهيري السليم والممارسة الصحيحة، لكي تؤتي ثمارها، وهو ما عمل على عدم تأمينه كل من جمال عبد الناصر وعبدالفتاح السيسي، بل سعوا إلى تدمير أي تجربة ديمقراطية لصالح حكم الفرد.

لم يكن عبد الناصر أو السيسي ليقدم على هذه الخطوة دون أن يكون لها أعوان من داخل النظام أو من بين صفوف الجيش، وهو ما برز بقوة في صفوف مجلس قيادة الثورة الذي تولى إدارة الحكم في البلاد بعد نجاح ثورة 23 يوليو وطرد الملك فاروق، فقد كان منهم من كان ضد الديمقراطية بكل معنى، بل كان مع الديكتاتورية صراحة.

ومنهم من كان ليبراليًا على وجه أو على آخر، ومنهم من كان ذا مفهوم ماركسي للديمقراطية (مرحلة ليبرالية لتأهيل الحزب لتولي السلطة وإقامة ديكتاتورية البروليتاريا)، ولم يكن عبد الناصر القائد المؤثر ذا مفهوم محدد للديمقراطية، ومن هنا كان طبيعيا أن تتخبط الثورة بين المفاهيم والممارسات الديمقراطية، وكان طبيعيا أيضا أن يشرح عبد الناصر ويدافع عن تلك الممارسات باعتباره معبرًا عن الثورة، كما ذكر جمال بدر الدولة.

وما انطبق على عبد الناصر هو ما يسير على نهجه عبدالفتاح السيسي، فحينما عمد عبد الناصر إلى حل الأحزاب وتدميرها، عمد أيضا السيسي إلى ذات المنهج حينما حجَّم الإخوان وبعض الحركات القوية من المعارضة عمد بإيعاز منه ومن رجاله إلى ضرب الأحزاب فكان هجوم النائبة نشوى الديب على حزب العربي الناصري مطالبة بتطهير الحزب.

عبد الناصر وحل الأحزاب

عبد الناصر بين أعضاء مجلس قيادة الثورة

لم يكن النحاس متفائلا بوصول العسكريين إلى الحكم، ولم يرحب بالثورة، واعتبرها انقلابا ضد الديمقراطية، هكذا يؤكد المؤرخ محمد الجوادي، في كتابه "مصطفى النحاس باشا وبناء الدولة الليبرالية" الصادر عن دار الشروق، مشيرا إلى أن مذكرات النحاس أوردت قصة طرده طه حسين، عندما جاء يطلب منه تأييد ثورة يوليو، خاصة أن جمال عبد الناصر أوفد طه حسين للنحاس، بعد إخفاقه فى الوحدة مع سوريا.

ويشير الكتاب إلى أن النحاس ذكر في مذكراته أن عبد الناصر استشار نجيب الهلالي في تقديم النحاس للمحاكمة، أمام محكمة الثورة التي أنشأوها لمحاكمة المستغلين والأثرياء الذين أفسدوا الحياة النيابية والسياسية، فاقترح عليه الهلالي محاكمة زوجته، خوفا من أن يكسب النحاس عطف الرأي العام، ويشتد حب الناس له، سواء في حالة إدانته، أو براءته.

ولذا ترسخت لدى عبد الناصر قناعة حل الأحزاب خوفًا من أن تعرقل ما يرنو له من السيطرة على الحكم.

أمر حل الأحزاب في 1953م لم يكن خاطرة جالت برأس جمال عبد الناصر وإنما هي في الحقيقة أمر وارد في مخططه الذي رسمه في ضميره منذ أن استقر له الأمر بعد عزل الملك فاروق وخروجه من البلاد منذ ذلك الوقت والخطط والآمال والمطامع التي في رأس عبد الناصر تتبلور وتتضح، ودليلي على ذلك ما تم من إقصائه زملاءه في الحركة واحدًا تلو الآخر وإبعادهم تماما عن الميدان السياسي.

وبتفكير وأسلوب عبد الناصر الذي جربناه عمليًّا بدأ مخططه بأن طلب من الأحزاب القائمة أن تتلاءم مع الأحداث الجديدة، فتبدأ أولا في تطهير صفوفها من الأشخاص الذين تلوثوا في الماضي بصلتهم بالإنجليز والقصر, ثم يقومون باختيار عناصر جديدة ذات ماض مجيد وحاضر نزيه (1).

لقد سعى عبد الناصر إلى توجيه ضربة إلى الأحزاب دون أن يثير عليه عناصر الحزب، فعمد إلى مطالبة الأحزاب بتطهير نفسها قبل أن يوجه للجميع ضربة قوية بإصدار قرار بحل الأحزاب.

بدأ الأمر حينما تصارع أعضاء مجلس قيادة الثورة حول الديمقراطية وعودة الأحزاب والحياة النيابية؛ حيث رأى البعض- وكانوا الأغلبية– أن لا مجال للديمقراطية الآن ولا للأحزاب السياسية، ولا بد أن يقودوا لأنهم أحرص الناس على البلاد وعلى تنفيذ مبادئ الثورة.

يقول عبداللطيف البغدادي– أحد الضباط الأحرار وعضو مجلس قيادة الثورة-: وبعد أن استمرت المناقشة داخل المجلس بصورة حامية وعنيفة في بعض الحالات رئي أخذ الأصوات على استمرار الأحزاب القائمة كما هي أو إلغاؤها على أن يحل محلها قيادة جماعية ممثلة في مجلس قيادة الثورة ولفترة زمنية محددة، وتبين عند التصويت أن الأصوات متعادلة، ولكن صوت رئيس المجلس محمد نجيب رجح الرأي المخالف لرأي جمال عبد الناصر.

ونتيجة لهذا القرار فقد امتنع جمال عبد الناصر عن حضور جلسات المجلس من اليوم التالي ولزم منزله رافضًا الاستمرار في العمل احتجاجًا منه على هذا القرار. وذهب إليه جمال سالم وعبد الحكيم محاولين إقناعه بالالتزام والخضوع لرأي الأغلبية كما جرت العادة بيننا وطبقًا للائحة التي تنظم عملنا. ولكنه ظل متمسكًا بموقفه. وخوفًا على وحدتنا وتماسكنا وخوفنا من الانقسام على أنفسنا ونحن كنا لا نزال في بداية الثورة فقد رأى المجلس أن يأخذ موقفًا وسطًا بين الرأيين لحل هذا الخلاف والمحافظة على وحدة صفوفنا، وذلك بمطالبة الأحزاب السياسية القائمة بالعمل على تطهير نفسها بنفسها واستبعاد القيادات السياسية بها ممن يقع عليها بعض المآخذ والتي سبق وانحرفت وفقد الشعب ثقته فيها.

وبناء على هذا الاتجاه الجديد من المجلس فقد طلب من الأحزاب أن تعمل على تطهير تنظيماتها من العناصر السيئة بها، وذلك بعد أن تمت مقابلات ومناقشات متعددة مع بعض من قادة هذه الأحزاب حول هذا الاتجاه (2).

وفى 10 ديسمبر 1952 صدر القرار بإلغاء دستور عام 1923 وفي 16 يناير 1953 صدر القرار بحل جميع الأحزاب السياسية ومصادرة جميع أموالها لصالح الشعب وقيام فترة انتقال مدتها ثلاث سنوات وفي 18 يناير 1953 ولحماية حركة الجيش من رقابة القضاء صدر مرسوم بقانون باعتبار التدابير التي اتخذها رئيس حركة الجيش لحماية الحركة ونظامها من أعمال السيادة العليا؛ أي لا تخضع لرقابة القضاء، وفي 10 فبراير 1953 صدر الإعلان الدستوري بإعلان الدستور المؤقت الذي تقرر أن حكم مصر سيكون بموجبه خلال فترة الانتقال.

وفي مطلع عام 1954 لم يكن باقيا في الساحة السياسية في مصر سوى جماعة المسلمين التي أسهمت بدور بارز في مؤازرة حركة الجيش قبل قيامها وكذا بعد قيامها؛ مما دعا قيادة الحركة إلى عدم تطبيق قرار مجلس الثورة الذي صدر في 16 يناير 1953 بحل الأحزاب على جماعة الإخوان المسلمين. ولكن الخلافات العميقة التي نشبت بين مجلس الثورة وجماعة الإخوان المسلمين أدت إلى صدور قرار المجلس في 14 يناير 1954 باعتبار الجماعة حزبا سياسيا، وخضوعها بالتالي لقرار حل الأحزاب الذي صار منذ عام سابق وترتب على ذلك القرار حل جماعة الإخوان المسلمين ومصادرة أموالها وممتلكاتها والزج بقادتها في أعماق السجون (3).

وعلى الرغم من اعتراض بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة على هذا الإجراء فإن شهوة السلطة والحكم كانت قد سيطرة على أغلبية المجلس، فرفضت الرضوخ لعودة الحياة النيابية والأحزاب، بل قامت بنفي خالد محيي الدين لليونان، والذي كان يصارع من أجل عودة الديمقراطية، فيقول خالد محيي الدين في كتابه "الآن أتكلم": وقلت لهم: أنتم ترفضون عودة الحياة النيابية وقررتم حل الأحزاب، أي تريدون الاستحواذ على السلطة لأنفسكم، والجماهير ستفهم الأمر أنه صراع على السلطة بين أطراف كل منها يريد أن يحوزها لنفسه.

ومع ذلك خدع كثير من أعضاء الأحزاب بما كان يخطط له مجلس قيادة الثورة من تطهير الأحزاب وسعوا إلى تنفيذ المطلوب لكي يحافظوا على الحزب لأنفسهم، حتى ولو طهروه من مؤسسيه، وهذا الأمر فعله مبارك مع حزب الغد، وفعله السيسي مع حزب الأحرار المصريين وأخيرا العربي الناصري.

يقول عباس السيسي:

وبدأ رجال الأحزاب يلتقون في شكل جمعية عمومية يتناقشون ويتحاورون، يقبلون ويرفضون, يتشاجرون وينقسمون, وطالت هذه المعارك، وفشلوا في الوصول إلى تطهير أنفسهم، بل ازدادوا خصومة وبغضاء وانقساما، وكان هذا هو عين المقصود والمرصود، فجاءت الخطوة الثانية أو الضربة القاضية بعد هذا التمهيد المرسوم، فصدر قرار حل الأحزاب السياسية والاستيلاء على أموالها وممتلكاتها (4).

ثم تجلت فكرة الحزب الواحد التابع للنظام والدولة ليكون الداعم الرئيسي للرئيس فقط فلا يعارضه أحد – وهو ما يعمد إليه السيسي الآن من إيجاد حزب لنفسه يدعمه – ولذا كانت فكرة هيئة التحرير.

كان هدف عبد الناصر هو أن تكون "هيئة التحرير" أنموذجا للأحزاب التي تريدها الثورة وقيادتها خاصة بعد إصدار قرار حل الأحزاب في 16 كانون الثاني -يناير 1953. وهذا الرأي ذكره في خطابه في مدينة المنصورة يوم 19 أبريل 1953: "إن هيئة التحرير ليست حزبًا سياسيًّا يجرّ المغانم على أصحابه أو يستهدف شهوة الحكم والسلطان وإنما هي أداة لتنظيم قوى الشعب وإعادة بناء مجتمعه على أسس جديدة صالحة اساسها الفرد".

وأعلن مجلس قيادة الثورة في بيان حل الأحزاب السياسية أن هيئة التحرير هدفها هو تأسيس الأحزاب على أسس سليمة، ولكن في الواقع كانت تهدف إلى القضاء على كل أصوات المعارضة حتى يستتب لمجلس قيادة الثورة الأمر وتسيطر على كل مقاليد الحكم.

وكان إنشاء هيئة التحرير فكرة جمال عبد الناصر كما ذكر الرئيس الراحل محمد نجيب في مذكراته الشخصية "كنت رئيسا لمصر": وأنشئت هيئة التحرير لتصبح بمثابة حزب واحد كبير تابع لمجلس قيادة الثورة يضم كافة الأطياف (5).

وهو ما أكده عبد اللطيف البغدادي في مذكراته بقوله: كما أعلن كذلك عن قيام هيئة التحرير كتنظيم سياسي ليشغل الفراغ الذي سينتج عن حل الأحزاب خلال فترة الانتقال.

كان هناك من يرى أن الثورة قامت بدورها في إصلاح النظام السياسي عبر ما سمى آنذاك بـ"تطهير الأحزاب"، وإن تحفَّظ هؤلاء على قرار حل الأحزاب في يناير 1953 وبناء التنظيم السياسي الوحيد آنذاك المسمى بـ"هيئة التحرير"، كما أسهمت الثورة في إصلاح النظام الاقتصادي وإضفاء أبعاد تتصل بالعدالة الاجتماعية، خاصة عبر إصدار قانون الإصلاح الزراعي في عام 1952، كما حققت إنجازًا على صعيد النظام السياسي من خلال إلغاء النظام الملكي وإعلان الجمهورية في 18 يونيو 1953، وبالتالي فإن مجلس قيادة الثورة، من وجهة نظر أصحاب هذا الطرح، قام بما عليه من واجبات أساسية ونفذ الخطوط العريضة والأساسية لما وعد به الشعب المصري، ومن ثم فأصبح عليه تحقيق تعهده السابق وتسليم السلطة إلى القوى والتيارات المدنية وعودة قوات الجيش إلى ثكناتها لممارسة دورها الرئيسي في حماية حدود الوطن ووحدته وسلامة أراضيه، خاصة بعد الإنجازات التي حققها مجلس قيادة الثورة وهو في مقاعد السلطة.

السيسي ومحاولة تدمير الأحزاب

لم يترك السيسي منهجًا من مناهج الحكم أتى به عبد الناصر إلا وحاول تقليده لكن دون علم أو دراسة أو استراتيجية، معتمدًا فقط على قوته وقوة نفوذه، وقوة رجاله في السلطة، وعشق البعض لعبد الناصر دون غيره من الرؤساء لكي يستحضر أعماله أمامهم لينال تأييدهم في خطوة للحفاظ على الكرسي، حتى بلغ به الأمر للتصريح بقوله: أتتمسكون بعبد الناصر في عز الهزيمة وتطالبون برحيلي رغم الانتصار؟

وحينما سألته لميس الحديدي، وقتما كان السيسي مرشحًا للرئاسة عن عبد الناصر جاءت إجابته: يا رب أكون زيه، كان شخصية عظيمة، وكان يحب مصر، وتشبيهي بعبد الناصر كبير، مستوى ومقام وقدرة، وإمكانيات في عصره خارج كل الحسابات".

ويرى السيسي أن نموذج الإعلام الناصري "إعلام الستينيات"، هو النموذج الأمثل للإعلام الداعم لرئيس يقود دولة في وقت الحرب.

وكان إعلام الحقبة الناصرية يلقي الضوء على الإنجازات والتنمية ودعم التوجه العام للدولة الاشتراكي، وخلق حالة من الزخم والاصطفاف الشعبي خلف ناصر، فدعمه قلبًا وقالبًا، ووقف بجواره حتى في عثراته السياسية والعسكرية.

لدرجة أن أحمد موسى وصف السيسي بأنه تفوق على عبد الناصر فى الزيارات الإفريقية.. وأعاد لمصر مكانتها الدولية.

لقد عمد نظام عبدالفتاح السيسي إلى العمل على إعادة تشكيل الحياة السياسية على مقاس السلطة، مع بداية الفترة الرئاسية الثانية، بعد سنوات القمع التي قضت عليها، عقب استيلاء الجيش على السلطة والحياة العامة، بعد الانقلاب على الرئيس الشهيد محمد مرسي، في يوليو/تموز من عام 2013.

وبعد عدة محاولات فاشلة لتجميل وجه النظام بمؤتمرات شبابية يلتقي خلالها السيسي بمجموعة من الشباب الذين تختارهم الأجهزة الأمنية، لجأ النظام إلى الأحزاب القائمة، في محاولة لإعادة تشكيلها على هوى السيسي. فقام المقدم أحمد شعبان، الضابط في جهاز المخابرات الحربية والمنتدب في مكتب رئيس الجمهورية، بالاجتماع بعدد من ممثلي الأحزاب في مقر جهاز المخابرات العامة، في 26 أبريل/نيسان 2018م، في "محاولة من النظام لفتح صفحة جديدة مع شباب الأحزاب" بحسب ما نقله مشاركون في الاجتماع.

ويؤكد المشاركون أن شعبان تحدّث معهم عن العمل على دمج النشطاء في الأحزاب، وطالبهم بالعمل على تقديم ورقة عن كيفية تطوير العمل الحزبي، وتصور عن شكل الحياة السياسية في مصر وما يجب أن تكون عليه، وفق ما أكدته مصادر "العربي الجديد".

تسارعت الأحداث عقب تلك اللقاءات؛ إذ انضم العميد محمد سمير، المتحدث باسم المؤسسة العسكرية السابق والمقرب من رئاسة الجمهورية، إلى حزب الوفد، وتم تعيينه مساعدًا لرئيس الحزب لشئون الشباب، وهو ما تلته دعوة من الحزب لجميع الأحزاب المشهرَة والمعترف بها من لجنة شئون الأحزاب والبالغ عددها قرابة 104 أحزاب، لما أسماه المتحدث باسم الوفد "اجتماعات لمّ الشمل"، وهو ما تم وفقًا لما نشرته وسائل إعلام مقربة من النظام؛ إذ اجتمع بعض ممثلي الأحزاب للتشاور "بشأن إعداد وثيقة حزبية وطنية متكاملة تجتمع حولها جميع الأحزاب السياسية، بهدف الارتقاء بالمشهد السياسي، والتشاور بشأن العديد من القضايا المتعلقة بملف الأحزاب، وعلى رأسها الاندماج والتوافق حول تشكيل لجنة تنسيقية بين الأحزاب والحكومة لبحث مشاكل الأحزاب ومطالبها، وما تريده من الدولة خلال الفترة المقبلة" وفق ما رشَح عن الاجتماع (6).

حتى وصف محمد العجاتي- المدير التنفيذي لمنتدى البدائل العربي للدراسات– ذلك بقوله: إن تجربة السادات التي حاول عبرها إحداث نقلة في الحياة الحزبية تمثلت في المنابر، والتي تتحول إلى أحزاب، لكنها ورغم قصر مدتها أثبتت أنها غير قابلة للاستمرار، لأنها عرضة للانقسام من الداخل، في ظل عملها عبر عباءة السلطة، بينما يفترض بها أن تعارضها، وهو ما لن يحدث بشكل حقيقي، بسبب نشأة تلك الكيانات.

بينما كانت تجربة مبارك تمثل التعددية المقيدة. وفي المرحلة الحالية أرى أننا نعود من مبارك إلى السادات، وفق أسطورة يتم ترويجها من بعض المشتغلين بالعلوم السياسية تقول إن النظم الديمقراطية عبارة عن حزبين أو ثلاثة كبار فقط. وذلك غير حقيقي، إذ إن معظم دول العالم تخلّت عن تلك الرؤية. لكن من الواضح أن تلك الأسطورة وجدت صدى وقبولاً عند النظام، الذي يعمل على أن يخلق حياة حزبية مخططة من أعلى، لتعمل من خلالها قوى وتيارات وأحزاب وأفراد من أجل أن تنفذ رؤية القائد الملهم، وهذا ما حدث في عهد عبد الناصر. وتابع قائلاً: "أعتقد أن هذا هو التفكير الحالي. ورغم عدم تحبيذ التوقعات في هذا الشأن، إلا أنني أعتقد أن تجربتنا مع التعددية المخططة أثبتت أنها غير قابلة للنجاح" (7).

بدأ سياسة السيسي في تدمير الأحزاب تعمل فكانت بداية من الأحزاب الموالية له – وذلك بعد أن وجَّه ضربة قوية لخصمه اللدود المتمثل في جماعة الإخوان المسلمين والأحزاب الإسلامية، ما عدا حزب النور؛ الذي استماله لصالحه – فجاءت الضربة لحزب المصريين الأحرار وذلك بعد انتخابات مجلس النواب عام 2015م؛ حيث تفجرت المشاكل في الحزب وجرى صراع شديد بين نجيب ساويرس مؤسس الحزب وعصام خليل.

وكان "خليل" قد دخل فى نزاعٍ مع "ساويرس" وعقد مؤتمرًا عامًا للتصويت على تعديل اللائحة الداخلية لـ"المصريين الأحرار"، وبناءً عليه حُل مجلس الأمناء الذي يضم في عضويته نجيب ساويرس، مؤسس الحزب.

وصلت الصراعات بين "خليل" و"ساويرس" إلى ساحات القضاء، وقضت محكمة استئناف القاهرة، بتأييد حكم محكمة جنوب القاهرة الابتدائية ببطلان الانتخابات التكميلية على مقعد رئيس حزب "المصريين الأحرار"، التى أُجريت في 2015، وما يترتب عليها من آثار، وانتصرت المحكمة قانونيا لـ"جبهة ساويرس" على جبهة "عصام خليل"، في الصراع، الذي اندلع بداية 2017، عقب استصدار الثاني قرارا من المؤتمر العام بإلغاء "مجلس الأمناء".

ووصل الأمر إلى أن صرح رءوف كمال - من مؤسسي حزب "المصريين الأحرار" - بأنه منذ تقدم الدكتور أحمد سعيد، باستقالته من رئاسة الحزب، سعى عصام خليل، رئيس الحزب الحالي، إلى السيطرة على الحزب، وعدم تجديد عضويات الأعضاء المؤسسيين، مضيفا أن كثيرين من المؤسسين تقدموا بمحاضر ضده؛ نظرًا لمخالفته القانون.

وأضاف كمال أن عصام خليل، سهل دخول فلول الوطني المنحل إلى الحزب؛ للاستحواذ على أكبر عدد من المقاعد فى البرلمان، مؤكدًا أن كل الأعضاء رفضوا دخول أعضاء "المنحل"، إلا أنه تخلص من المعارضين له، وأن هناك جهات في الدولة تساند عصام خليل ضد رجل الأعمال نجيب ساويرس (8).

ثم جاء تصرف النائبة في برلمان السيسي نشوى الديب باقتحام مقر حزب العربي الديمقراطي الناصري وبعض رجالها ونصب الخيام فيه لتؤكد سياسة السيسي في تدمير الأحزاب.

فقد أصدرت حركة الإنقاذ والإصلاح التابعة للحزب العربي الديمقراطي الناصري، بيانًا بشأن ما أسموه "حراك شباب الحزب لاستعادة قياداته الذين هجروا العمل الحزبي"؛ بسبب بعض الممارسات، مؤكدين دخولهم في اجتماع مفتوح، لتصحيح الأوضاع القانونية في الحزب.

حيث جاء فيه: الإخوة أعضاء الحزب العربي الديمقراطي الناصري والجماهير العربية الناصرية؛ نظرًا لحالة التردي والتخبط السياسي والتفكك التنظيمي الذي يعيشه الحزب العربي الديمقراطي الناصري في الفترة الماضية، وسيادة روح الصراع والتشرذم، بما فيها سياسات الإقصاء والتفتت والشللية والعائلية، فقد أفقدت هذه الممارسات الحزب دوره الوطني والقومي”.

وأنه في ضوء ما سبق تحركت مجموعة من شباب وأعضاء الحزب من كافة محافظات الجمهورية، لإنفاذ الحزب ضمن حركة تهدف إلى وحدة الحزب واستقطاب كافة الكوادر الناصرية، والتي هجرت الحزب، بل والتي انخفض حماسهم للعمل السياسي والوطني العام.

وأوضحت أن حركة الإنقاذ والإصلاح تهدف إلى إعادة بناء الحزب وتفعيل دوره، وتأكيد دعم دور الدولة الوطنية وقيادتها في بناء أجهزة الدولة المصرية المعاصرة، وفي دعم خطط التنمية الاقتصادية وبرنامج الإصلاح الاقتصادي.

وأشارت الحركة إلى أنها قررت أنهم في حالة اجتماع مفتوح بالمقر الرئيسي "8 طلعت حرب"؛ تمهيدًا للإعداد لانعقاد مؤتمر عام جديد يصحح الأوضاع القانونية والسياسية والتنظيمية والإدارية، والتي أضرت بالحزب خلال الفترة السابقة ويضع الحزب في المكانة اللائقة به وطنيا وقوميا (9).

تشابه كبير بين سياسة عبد الناصر والسيسي تكاد تكون سياسة بالكربون، غير أن السيسي لم يستطع أن يصنع لنفسه زعامة مثلما فعلها عبد الناصر.

المراجع

  1. عباس السيسي: في قافلة الإخوان المسلمين، الجزء الثاني، دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة، 2000م.
  2. عبد اللطيف البغدادي: مذكرات البغدادي، الجزء الأول، المكتب المصري الحديث، القاهرة، 1976م، صـ75.
  3. جمال حماد: الحكومة الخفية في عهد عبد الناصر، الزهراء للإعلام العربي، 1986م.
  4. عباس السيسي: في قافلة الإخوان المسلمين، مرجع سابق.
  5. محمد نجيب: كنت رئيسا لمصر، المكتب المصري الحديث، القاهرة، 1984م.
  6. أحمد عابدين: الأحزاب السياسية في مصر... النظام يصطنع موالاته ومعارضته، العربي الجديد، الرابط
  7. أحمد عابدين: المرجع السابق.
  8. محمد يوسف: «كمال»: عصام خليل «بتاع خردة».. وجهات بالدولة تدعمه ضد «ساويرس»، الرابط
  9. شباب الحزب يقتحمون “العربي الناصري” ويعلنون الدخول في اجتماع مفتوح: الرابط