ظاهرة الكاريزما المتحولة فى التطرف الإسلامي المسلح

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
ظاهرة الكاريزما المتحولة فى التطرف الإسلامي المسلح
"تتبع الجزور الثورية للإرهاب الإسلامي"

هارورو جى. انجرام

تقديم

يرى الكاتب أن نظرية ماكس فيبر في الشخصية الكاريزمية الملهمة هي المدخل العلمي الصحيح لتحليل ظاهرة التطرف الإسلامي والتي ترتبط في جذورها، كما يرى، بزعامات الحركة الإسلامية منذ نهايات القرن التاسع عشر حتى أواسط القرن العشرين الذين قاموا على توفير رافد معرفي مغلّف بكاريزما عالية الحضور وذهنية متقدة قامت على تجييش الأمة الإسلامية نحو مشروع متطرف أولى باحاته الصراع على الحرية (التحرير) وآخرها السيطرة (الأستاذية).


ملخص تنفيذي

بعد ظهور الخميني وما حدث في الحادي عشر من سبتمبر، أدي هذان الحدثان إلى تأجيج أفكار المفكرين للتركيز على بؤرة ظهور الفرق الإسلامية المسلحة التي باتت أكثر راديكالية في فهم الإسلام السياسي من ذي قبل.

لذا يركز هذا البحث أساساً على الصفات القيادية في الشخصية ومن ثم دور الزعماء القياديين في تطوير الأداء الثوري في الحركة الإسلامية الحديثة.

ومن أجل خوض غمار البحث عن الصفات التي ميزت تلك الشخصية القيادية المؤثرة، لابد من أخذ جولة تفقدية على الظروف والعوامل الاجتماعية والثقافية والتاريخية والنفسية والأيدلوجية التي تراكمت مع بعضها البعض لبناء مثل هذه الشخصية القيادية من جانب، ومن جانب آخر ستعرض هذه الورقة رؤى نقدية لظاهرة التطرف الإسلامي المسلح في حد ذاته.

والجدير بالذكر، فقد قامت هذه الورقة بالتعرف على بعض الشخصيات التي أثرت في تاريخ التطرف الإسلامي المسلح ومن ثم دفع هذه الأفكار للأمام لإعطاء المزيد، بداية من جمال الدين الأفغاني في الماضي وصولاً بأسامة بن لادن وأبو مصعب الزرقاوي اليوم.

وللسؤال عن كيفية نشأة هذه الظاهرة وتطورها، تقترح هذه الورقة أن السبب الأساسي في ذلك يتمثل في الشخصية التحولية التي تمثل التطرف الإسلامي المسلح وعدم ثباتها علي أسلوب وأداء واحدين.

إضافةً إلى ذلك، فقد أصبح ضمن الأسباب الأساسية في الظهور والتطور والرواج لهذا النوع من التطرف التحولي تلك القدرة الخارقة في بناء الشخصية القيادية علي أساس الخبرات السابقة بالإضافة إلي الدعم الذي يلقونه في مجتمعات متأزمة يتم التركيز عليها بهذا الغرض.

الكلمات الأساسية:الشخصية التحولية، التطرف الإسلامي المسلح، الإرهاب، القيادة الملهمة، تتبع الاستجابات للتغيير الإجماعي.


المقدمة

لقد أدي نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية وأحداث الحادي عشر من سبتمبر إلي ظهور فريقين من المفكرين الذين جندوا كل طاقاتهم لدراسة أسباب ظهور هذا النوع من التطرف الإسلامي المسلح وما يتمتع به من فهم تحولي للإسلام السياسي.

لذا يحاول هذا البحث إثبات نظرية القيادة الملهمة ودورها في تطوير النشأة ومدي تأثيرها علي الحركات الإسلامية المعاصرة.

كما تركز هذه الدراسة على هذا المناخ الذي أدي إلي ظهور هذا النوع من التطرف وتلك العوامل الاجتماعية والثقافية والتاريخية والنفسية والأيدلوجية التي صاحبت هذه النشأة وأدت إلي تطورها.

لذا نعتقد أن الزعيم الملهم صاحب الشخصية القيادية هو السبب الأساسي والعامل الحفاز الرئيس في نشأة الحركة الإسلامية المسلحة التي تم توصيفها على أنها الأكثر تطرفاً على الإطلاق.

فمع ظهور زعيم جديد للتطرف، تجد وكأنه دم جديد يتم بثه في عروق الحركة فيزيدها نشاطاً ويورثها أيدلوجيات وطرق تعامل جديدة، بدا ذلك ملحوظاً بداية من جمال الدين الأفغاني سنة 1800 حتى عصرنا هذا الذي يمثله أسامة بن لادن وأبو مصعب الزرقاوي، فمع قدوم كل زعيم تزداد حركة التطرف وأيدلوجياته ومن ثم دفع عجلته للمزيد من العنف تحت إمرة زعيم ملهم وقائد محنك جديد.

كما ترسي هذه الدراسة قناعة تؤكد علي أن صفة التحولية في الشخصية المتطرفة من أهم العوامل التي تدفع العجلة إلي الأمام بالإضافة إلي تواجد الزعماء والقادة الذين تم صقلهم وتدريبهم ليكونوا سلفاً لمن سبقهم في جو متأزم يدعم مثل هذه الرؤى ويتبني مثل هذه الأفكار.

وقبل الشروع في توصيف تلك الشخصية التحولية للتطرف الإسلامي المسلح، أصبح من الضروري دراسة الشخصية القيادية بدايةً.

ويحتم علي من يخوض في هذا المجال أن يتعرض إلي نظرية ماكس فيبر الشهيرة في الشخصية القيادية إذ إنه هو المرجع العمدة في هذا المجال قبل الخوض في تحليل التطورات التي نركز عليها هنا في بحثنا. ولسوف أقدم هنا توصيفاً لنظرية الشخصية القيادية لأتوج بها بحثي المذكور.

لقد نشأ هؤلاء الزعماء والقادة في مجتمعات متنوعة غير نمطية؛ الأمر الذي يوجب علينا خلق هذا الواقع البحثي حتى نصل إلي ما نرموا إليه بصفاته الأكثر تحديداً.

فبما أن الإسلام يتميز بهذا النوع من التعدد في الاتجاهات والعرقيات والقوميات والثقافات والعقائد، فقد بات من الضرورة بمكان أن نتعرض لفهم التعددية هذه داخل الصف الإسلامي بالإضافة إلي فهم الطبيعة العقلية الانتقالية لعملية التطرف بين طرفها التقدمي والراديكالي المسلح.

في هذا الإطار، ما زلت أعتقد أن الزعماء والقادة يلعبون دوراً فعالاً في عملية التطرف الشخصي والجماعي ومن ثم دفعها إلي مزيد من العنف غير المبرر.

وفي الختام، أحاول ما استطعت أن أناقش الشخصية التحولية في الراديكالية الإسلامية المسلحة بهدف الوصول لدور القادة والزعماء في نشأة ظاهرة التطرف والإرهاب الإسلامي.

وسوف يتم مناقشة صفات الشخصية التحولية وتحليل التطور في نشأة الاتجاهات الأكثر تطرفاً وعنفاً وتسليحاً في الإسلام السياسي.

ويتم التوصل في النهاية إلي نتيجتين هامتين: الأولي تطورات النشأة التدريجية للظاهرة الني تعكس تغير مفاهيم الأزمة وما تتصل به من تطورات اجتماعية تاريخية لمدة زمنية ما.

والثانية تخص تغير مفهوم الأزمة: فبما أن مفهوم الأزمة قد تغير فلابد أن تزيد أيدلوجيات التطرف ودفع تيرة العنف استجابة لذلك.

نظرية القيادة الملهمة: توطئة مختصرة

يرجع أصل ظاهرة القيادة الملهمة إلى المراحل الأولية للتطور الاجتماعي البشري (حيث تأخذ كلمة "كاريزما أو شخصية" موقعها في تاريخ النشأة والتطور البشري. فمنذ بدأ السلوك رمزي الطابع، وجدنا أن الـ"كاريزما" موجودة بالفعل متمثلة في مجهود خفي في كافة الأنظمة الاجتماعية) (برادلي 1987:3).

لكن التوسع في دراسة أصول هذا العلم والتبحر في دراسته النظرية لم يتطور بالشكل الذي نراه اليوم إلا علي يد ماكس فيبر ومؤلفه الاقتصاد والمجتمع (1968).

لقد كان ماكس فيبر من المولعين بالدراسة والتنظير للقيادة أو الكاريزما الملهمة، وأظن أننا لسنا بحاجة إلي التعمق في بحور هذه النظرية وهذا المؤلف الضخم في هذا العلم إذ يكفينا فقط ذكر الملامح الأساسية للقيادة أوالكاريزما الملهمة التي لم يتم اختزالها في نظرية واحدة علي الإطلاق (راجع آرثر شويتسر (1984)وجولين فرويند (1968) و إي إل شيلز (1965) و آلان بريمان (1992)).

وفي كتابه الاقتصاد والاجتماع، ناقش فيبر القيادة الملهمة في إطار "أنواع الثلاثة للسيطرة المشروعة" (1968: 215).

قام فيبر بتعريف السيطرة المشروعة علي أنها "احتمال يقضي بأن يطيع مجموعة من الناس لأمر أو أوامر صادرة" (1968: 212).

وطبقاً للاحتمالية القائمة بالطاعة أو العصيان، قال فيبر أن شرعية الطاعة مأخوذة هذا النوع من السيطرة المشروعة التي تتحصل من تغيير النظام من الطاعة المزعومة لشخص ما في موضع القيادة لتكون موجهة لطاعة الحقيقة التي تحملها قيادة المجموعة الاجتماعية.

وفي هذا المضمار، صرح فيبر بأن السيطرة المشروعة يتم اكتسابها علي أساسيات العقل والمنطق والشخصية والأعراف المتبعة.

وأضاف فيبر متحدثاً عن الأساسيات التي تبني عليها الشخصية قائلاً " الولاء للتميز غير المسبوق، شجاعة فائقة لرمز أو لشخص منفرد أو هي بتتبع الأنماط الطبيعية والعرفية التي فرضها الشخص صاحب الشخصية الفريدة" (1968: 212).

من هنا نستنبط أن هذه العوامل الثلاثة التي ذكرها فيبر في السيطرة المشروعة تؤكد علي نظريته ورؤيته للقيادة الملهمة في ظل تلك العوامل الثلاث. ويتثني لنا أخذ أربعة مبادئ أساسية يمكننا الدفع بها في النظرية:

  1. يمكن للشخص أن يكون جذاباً للأشخاص الذين يتبعونه تبعاً للصفات التي بتحلي بها.
  2. يدرك الأشخاص الذين يتبعون الشخص صاحب الشخصية القوية بصفات التي تقوي بها شخصية هذا الرجل فتنشأ عندهم حالة من المهابة والخوف والأمل والاعتقاد في قوة شخصيته. في هذا الإطار يؤكد فيبر أن هذه العلاقة التي نشأت حديثاً بين الأشخاص التابعين والشخص صاحب الشخصية القوية هي ما تسمي بالكاريزما.
  3. وكذلك أن تسمح الظروف المحيطة بهذا النوع من التبعية لشخص ما بأن يكون هناك ضغط مفرط علي أولئك الأشخاص يحتم عليهم هذه التبعية رغماً عنهم.
  4. تبعاً لطبيعة العوامل الأبدية التي تتحكم في بقاء هذه الشخصية، يتعاظم بعد ذلك مطلب نابع من الكاريزما ذاتها بأن تعطي العقل والعرف مجراهما بعد فترة من الزمن. فإذا ما توفيت الكاريزما هذه وقام الأتباع بدورهم في البحث عن زعيم آخر، رشح فيبر البديل الأمثل لذلك في "إرساء الروتينية" (راجع فيبر 1968).

في حين أن تحليل نظرية فيبر هذه يُحال التشكيك فيه، فإن نظرية القيادة الملهمة أو الكاريزما التي أسس فيها فيبر قد باتت من أهم التحليلات الأساسية للظاهرة.

لكن وللأسف فإن فيبر في توصيفه لهذه النظرية لم يتسم بالعمق المطلوب فهو لم يفصل طبيعة الشخصية أو الكاريزما كما لم يفصل طبيعة العلاقة الرابطة بالأتباع وأيضاَ الديناميكيات النفسية للأتباع بالإضافة إلي تجاهله لتوصيف الأزمة التي تدعو الأتباع للخضوع لقرارات هذا القائد.

وعلي مستوي كل المنظرين في هذا العلم بما فيهم فيبر، فهم ينفون أن تكون الكاريزما صفة سائدة في الشخصية القيادية لكنها تكمن أساساً في طبيعة العلاقة التي تنشأ بين القائد والتابع له (راجع برادلي وروبرتس 1988 و كونجر 1988 و بريمان 1992 و ولنر 1968 و آيزنشتادت 1995).

من هنا كانت طبيعة هذه العلاقة هي الأكثر جدلاً بين كل المنظرين وعلي أثرها تنشأ كل نقاط الخلاف والضعف في التوصيف والاختلاف في التصنيف بين المنهج الترميزي الاجتماعي وبين شخصية هذه الصفة أو بين المنهج التحليلي النفسي وبين غيره من التشكيلات الاجتماعية. لكن علي كل حال، فهذه التوصيفات المتشعبة غير معتبرة هنا.


خطة عمل نظرية للقيادة الملهمة

أحاول الآن أن أخلص إلي نتيجة من وراء البحث في قضية القيادة الملهمة آخذاً في الاعتبار جل النظريات والإساهمات في هذا المجال.

وأنا أهدف من وراء ذلك:1) أن يكون نبراساً نهتدي به في مناقشتنا هذه، 2) الخطة العالمية التي تقضي بأن ظهور القائد الملهم لا يكون من خلال الاعتماد علي البيئة الاجتماعية والثقافية أو انعدام العقلانية في الأشخاص التابعين للقائد لكنه أساساً ناتج عن الديناميكيات الاجتماعية العالمية. تأتي الخطة في خمس نقاط تالية:

1-يجتذب القائد الملهم أتباعه بما بتحلي به من صفات قيادية غير متوفرة فيهم، فيشكل هذا حاجزاً بينهم وبينه ربما يؤدي بالعلاقة إلي الخوف منه أو الأمل والاعتقاد فيه.

بالإضافة إلي ذلك، فإن العلاقة بين الطرفين هي علاقة متبادلة عاقلة بين مستقلين تتطور بين القائد وأتباعه.

2-ففي حين أن اعتبار صفات الشجاعة والجراءة تعتبر في مقدمة الصفات الجذابة للشخصية القوية، إلا أن الثقافة تلعب دوراً رئيساً في هذا المضمار.

فالجدير بالذكر أن الموروثات الثقافية والتاريخية والعرفية تلعب دوراً هاماً في أسلوب تعامل القادة.

لقد كان القائد هذا في أحضان مجتمعه فلابد أن يكون قد ورث شيئاً تراثه وقصصه وحكاياته التقليدية حتى يعتمد علي هذا الموروث الثقافي في إدارة ملفه الشخصي أمام اتباعه ليكون ويرسم أمامهم حدود شخصيته وكذلك شخصيتهم علي نفس الوتيرة.

3-سيحاول القادة الملهمون بدافع تقوية شخصيتهم إلي أعلي حد بالتدقيق في أسلوب خطابهم ودقة عرضهم وتعاملهم وتماشيهم مع أدوات الاتصال العصرية التي تمكنهم من تنمية ملفاتهم الشخصية وتضخيمها.

بالإضافة إلي ذلك، يلعب دعم الأيدلوجية دوراً هاماً ورئيساً في البناء والتشييد القوي لمثل هذه الشخصيات كما تساهم أدوات الاتصال في نشر أفكارهم ومن ثم عرض شخصيتهم أمام العيان للتأثر بها دونما رؤيتها.

4-وعلي قدر كبير من الأهمية تأتي البيئة المحيطة التي تربت فيها الشخصية القيادية لتؤثر فيه وفي منطلقاته علي حد كبير. والنقطة الأهم في محتوي المؤثرات البيئية علي الشخصية هي الأزمة التي زامنت الشخصية وأثرت عليها ولم تنفك عنها.

توصيف هذه الأزمة يسهم إلي حد كبير في توصيف رؤى الشخصية التي تسعي من خلال سلطتها التي تمارسها علي الاتباع في نقل تلك الأزمة الشخصية إلي هذا الواقع الاجتماعي الجديد.

ومنه فإذا فشلت السلطات المعنية في احتواء أزمة ما مثل العطالة أو الرعب الأخلاقي، تولد من أوساط تلك البيئة قادة مشوهين متشبعين بهذه الأزمة ومن ثم تكون عرضة هؤلاء القادة الملهمين أصحاب الشخصيات القوية للظهور لكن بأجندة مختلفة تماماً عن غيرهم الذين تربوا في بيئة طبيعية مواتية.

5-قد تبدوا عملية إرساء الروتين "Routinism, Routinisation" مكان الشخصية القيادية أمراً بعيد المنال تبعا للطبيعة الأبدية للظاهرة.

فإذا ما عزم الأتباع علي استبدال القائد الحالي بآخر، يكون موت الشخصية القيادية هنا محتملاً وينتج عن ذلك:

  • انقطاع الحركة التي أسس ديناميكياتها القائد القديم تبع لأولوياته.
  • تعين ايجاد قائد جديد من قبل المجموعة الموجودة قبل موت القيادة الحالية حتى لا يبقي المكان فارغاً من قيادة.
  • البحث عن بديل من خلال التعرف علي بعض الخصائص والميزات المناسبة لهذا الغرض. لكنه ليس بالضرورة أن تذهب عملية إساء الروتينية بحياة القائد القديم إذ ربما كانت هي السبب أصلاً في ايجاد هذه الكاريزما أو القيادة الملهمة.


الإسلام وصفات الثورة والقائد الملهم: تنوع الاتجاهات الإسلامية

لقد قررنا قبل ذلك أن الأعراف الاجتماعية والثقافية تؤثر إلي حد كبير علي القائد الملهم ومدي تماسك شعبيته باتباعهم له والسير علي نهجه.

لكن الاعتبارات الآخري لن تسمح لنا هنا بتحليل العرف الإسلامي ومدي تأثره علي الاتجاهات الطائفية والعرقية والثقافية والفكرية.

لذا نحاول في هذا المبحث أن نناقش التعددية الإسلامية ومدي تأثيرها علي إرساء التطرف ومن ثم الزج يالأتباع لممارسة هذا النوع من العنف الممنهج.

وقد حاولنا في ضوء هذا البحث أن نعتمد علي العمل الجليل الذي قام به ديفيد رايت نيفيللي (2004) و ويليام شيبارد(1987).

لقد بدت التعددية والتنوعية في الاتجاهات أمراً مميزا لكل الفرق الإسلامية بل ربما تجده داخل الفرقة الواحدة كالشيعة مثلاً.

ونعني بالاتجاه الإسلامي هذا الإطار التنوعي الفكري الذي ينسحب علي المعتقدات والممارسات التي تميز بين الجماعة والفرد.

ومن خلال هذه الورقة نحاول مدارسة تنوع الاتجاه الإسلامي وإطار فهم هذا التنوع في ضوء الفهم المختلف المتنوع الذي يركز علي حتميات العقيدة الإسلامية بشكل نصي بالإضافة إلي المجتمع الثقافي والاجتماعي الذي ينشأ فيه هذا الاتجاه.

ومن خلال هذا الطرح يبدوا لنا التطرف جليا في هذه النشأة والفهم الذي تتمتع به هذه الفئة التي تتسع وتتكاثر فردياً كانت أم جماعيةً.

وعليه فإن الفرد الذي يؤمن بهذه الأفكار الراديكالية لكنه يؤمن في المقابل بضرورة عدم تخطيها لغيره من أفراد المجتمع الذي يعيش فيه هو الشخص الأقل تطرفاً، لكن التطرف الأخطر والأقوي يتمثل في الإتجاه الجارف لأن يخترق الإسلام كل مناحي الحياة ويسيطر عليها في كل منطلقاتها.

وتكون الراديكالية بناءاً علي ذلك مغيبةً عن التقييم الأخلاقي والقيمي وتصب بالغ اهتمامها بالتقييم الشامل للاتجاهات العقدية.

من هنا أصبح من الضروري التفرقة بين المسلمين الملتزمين في أربعة نطاقات وتحت أربعة مسميات لتكون أساسا لأي دراسة تتمحور تحت هذا العنوان بغض النظر عن عملية التعرف علي الهوية أو تحليل ومقارنة هذا النوع من التنوع. جاءت هذه التفريعات بشيئ من العمومية ولم تتأثر أيما تأثير بأيدلوجيات محددة.

وهذه النطاقات الأربعة هي:

علماني: يؤمن بوجوب الفصل بين مملكتي الدين والدولة والسياسة أو بعبارات أخري أن يتم تنحية الدين عن الحياة السياسية بشكل عام. ويبقي الالتزام بالدين أمراً شخصياً.

متمدن: عرف شيبرد المدنية الإسلامية قائلاً "تصر المدنية الإسلامية علي أن الإسلام يمتلك قاعدة أيدلوجية كافية لكل مناحي الحياة العامة.

بالإضافة إلي هذا التعريف، فإني أؤكد علي أن المدنية الإسلامية تتماشي بشكل متوائم والرؤي الأيدلوجية العلمانية.

فعلي سبيل المثال، يري المتمدنون الإسلاميون أن المبادئ الإسلامية تتماشي مع القيم العلمانية الفلسفية مثل الديمقراطية والرأسمالية.

متطرف: يعتمد المتطرفون الإسلاميون في رؤيتهم للإسلام علي أنه المنهج الإسلامي الحرفي العقدي الذي لابد أن يخترق الحياة أفراداً وجماعات ليكون مثالاً يشمل كل مناحي الحياة.

لذا فهم يرون أن الإسلام لا يتماشي مع المنهج العلماني أبداً. لكنهم علي الرغم من هذا فهم لا يسعون لفرض ذلك عن طريق ممارسة الأفراد لأدوات العنف.

مسلح: لكن رأي آخرون ضرورة وفرضية حمل السلاح لفرض وترجمة هذه العقيدة الحرفية في الواقع قبل أن يدنسها النظام العلماني برؤاه العلمانية، لذا فهم يرون تغيير الواقع بحمل السلاح ودعم العنف والإرهاب.

وفي الشكل الموضح التالي تلاحظ أن المطلب الرئيس للمنحني علي مستوي الأصعدة يمثل من يقول وينادي بتطبيق النصوص الإسلامية العقدية علي الواقع الاجتماعي الثقافي المعيش واستحالة الفصل بينهما. ومن ثم يأتي منحني الراديكالية الفردية والجماعية ليكون في مستقبل المنحني.

ومن خلال موقع الراديكالية علي المنحني نلحظ تلك الطبيعة الانتقالية لها والتي تزيدها تأثيراً فهي عملية مخطط لها وتتقلب وتتحول حسب الطلب إذ ليس من السهل أن يكون الفرد أكثر راديكالية من ذي قبل أو أقل حدة مما هو مطلوب.

وكما لاحظنا هذا التزايد في المطالبة بتحكيم الإسلام والنزول للواقع، وجدنا منحني الأزمة في تزايد مع هذا المنحني المتزايد أيضاً.

وهذا ما يعني أن الوضع يزداد تأزماً في حالة الإصرار علي هذا الموقف لأن الواقع يمشي عكس ذلك تماماً. مع توتر حدة المخاصمة بين الواقع والمطلب، لابد إذا من تنفيذ ذلك بالقوة فتأتي هنا الراديكالية المتطرفة لتكون الوسيلة للخروج من هذا المأزق.

ربما قام العلمانيون والمدنيون والراديكاليون بإجراء حل سياسي لهذه الإشكالية، لكن يأبي المسلحون إلا أن يُعملوا العنف والممارسات الإرهابية لحل المعضلة تلك فيأتي دور القائد الملهم الفعال ليضع بصمته.

وعليه، ففي ظل هذه الخطة الواقعية نستطيع فهم تزايد حدة الراديكالية الدينية إلي جانب ظهور الإرهاب الديني: فمن خلال المنحني الموضح أسفل نري أنه مع تزايد مطلب الراديكالية تتزايد معه حدة الأزمة والخصام مع الواقع الأمر الذي يدفع إلي العنف وممارساته الإرهابية.

في هذا الصدد، يقول اسبرينزاك "إن ما يفعله الإرهابيون وما يرفضه الراديكاليون هو مجابهة السلطة والنظام بفرض الرؤى والأفكار عن طريق الممارسات الإرهابية والعنف غير المبرر.

وعلي الرغم من أن هذا النوع من الإرهاب لم يتأتي من يوم وليلة، تظهر أزمة الشرعية هذه عن عملية ممتدة من الحظر من جانب المجتمع والنظام علي حد سواء. (سبرينكيز 1991: 52:51)

إذا يتجلي لنا سوياً هذا التوصيف لعملية الإرهابية الإسلامية وظهورها: يقترح جورجينزماير قائلاً "إن طرح المشكلة السياسية وجعلها في خصومة مع الدين يتمثل في "تدين السياسة" علي حدين اثنين الأول أن الصعوبات السياسية مردها الأساسي الرجوع للدين والثاني أن الأهداف الدينية لديها حل سياسي" جورجينزماير 1991.

ومن هنا يبرز دور القائد الملهم لتوصيف الأزمة والعمل علي خلقها مع أفرد أو جماعات ليكون الناتج نهايةً لصالح جماعته وأصدقائه الراديكاليين.

من هنا يري جيمس بيسكاتوري أن الهوة تزداد وتتسع بين الواقع والمثالية الإسلامية وستزداد حدتها تباعاً خاصة في وقت التغيير السريع.(بيسكاتوري 1986).

وسيكون الميعاد المحدد لذلك إبان التهاوي والسقوط السريع لمنظومات الاجتماع والاقتصاد والسياسة والثقافة للمجتمعات الإسلامية ليأخذ القادة الملهمون للجماعات الإسلامية دورهم الريادي.


التراث الإسلامي: تبني القيادة الملهمة و فكرة الشخصية التحولية

يستخدم قادة الجماعات الإسلامية الإرهابية سلاح المرجعية التراثية للإسلام ليبرهنوا لحركته ولأتباعه أنه يتحرك وفق تعاليم الإسلام وقيمه ومبادئه ومن ثم يكون أكثر إقناعاً للعالم من حوله.

والمسلمون كغيرهم من المنتمين لأى مجموعة دينية أو حتى علمانية يثيرون العديد من القضايا الأيدلوجية إبان مبادرات التغيير بهدف الوصول للفهم الصحيح للعالم من حولهم.

والجدير بالذكر أنه في هذا الأثناء يسدل الستار عن القيادة الملهمة في المجتمع الإسلامي في مثل هذه الأوضاع.

وبما أن الإسلام لا يعترف بالسلطات الدينية ولا يحتكرها أصلا، يكون الباب مفتوحا لأي فرد ليكون قيادة ملهمة ذات مرجعية دينية.

هذا ويتميز الإسلام فوق كل ذلك بهذه الصفات مثل الاجتهاد والجهاد والتجديد التي تدعوا إلي التجديد في الأيدلوجيات الدينية في كل عصر بما يناسب الثوابت الدينية وإعلان مبادرات التجديد والإصلاح لتقف في وجه التغيير الواقعي.

والدين لا يتبني فقط إخراج مثل هذه الشخصيات القيادية لكنه أيضا يجهز الواقع والبيئة المحيطة لإخراج المزيد من الشخصيات القيادية الفردية.

فعلي مدار التاريخ، رأينا ذلك متحققاً وواقعاً حيث بدأت السلسلة بجمال الدين الأفغاني الذي يتعبر الأب الروحي للحركة الإسلامية الحديثة مروراً بأسامة بن لادن ومَن وراءه ليكون خير تدليل علي هذا النوع التحولي في الشخصية الراديكالية الإسلامية المسلحة.

ففي حين التعرف علي أسباب ظهور مثل هذه الشخصيات الملهمة والمؤثرة علي طول خط الحركة الإسلامية الحديثة من خلال توافر الصفات والإمكانات التي تساعد علي ظهورها، نجد هذا الطرح غير كافٍ هنا علي كل حال.

ففي ضوء اعتبار هذا المبدأ في تحليل ظهور مثل هذه الشخصيات ذا قيمة في بحثنا هذا، إلا أن الأصل الأصيل هنا يكمن في التعرف علي أسباب النشأة وكيفياتها لتكون البداية في سلك البحث ناجعة.

يبدوا لنا جلياً أن هذه الشخصية التحولية تعتمد في نموها واستمراريتها علي هذا النوع من إرساء الروتين وتقويته لتتواصل الأجيال وتتعاقب علي منهج متقدم يتم بناء الشخصية فيه علي آثار الشخصية اللاحقة لستفيد من خبراتها وماضيها في دعم حاضرها ومستقبلها.

من هنا، إذا تتبعنا هذا المنهج في التقصي والتتبع لظهور الشخصية الإسلامية المسلحة سيكون بلاشك باب للوصول إلي نتيجة البحث في هذا المجال.

ومن خلال هذا المنطلق سأحاول البحث في الفترات التاريخية الاجتماعية معتمداً علي الأصل الأصيل المذكور آنفاً متتبعاً آثار كل قائد وربطه بمن قبله حتى تعم الاستفادة من تلك النظرية.

الشخصية التحولية: تتبع آثار الإرهاب الإسلامي

لقد نعم التاريخ الإسلامي بتحقيق أعظم الأهداف والمخططات منذ بدايته حتى أواخر القرن السابع عشر الوقت الذي سقطت فيه الإمبراطورية الإسلامية ونفسه الذي ارتقت فيه القوي الغربية آنذاك.

لقد كان انحطاط القوي الإسلامية ولا يزال سبباً مؤثراً في نقطة انطلاق الحركة الإسلامية المعاصرة كما زعم ولفريد سميث قائلاً:

"إن الوصف الأساسي الذي يصف الإسلام اليوم بأنه الإسلام المعاصر يؤكد علي وجود أمر غير سوي علي مدار التاريخ الإسلامي الغابر. تكمن المشكلة في أولئك الذين يريدون عودة الإسلام لسايدة المجتمع الدولي والرجوع إلي التاريخ الذي قاده واقتاده الإسلام علي مدي الزمن الغابر كما يريدون بالمجتمع أن يكون علي هذا النوع من السوية والنجاعة الدينية كما يجب.

كما تتلخص الأزمة الروحية الأساسية في القرن العشرين في رؤية شيئا ما يبدوا خطأً في العلاقة بين الدين الذي أنزله الله وبين التغير والتطور العالمي الذي يتحكم فيه رب هذا الكون. (سميث 1961: 47-48)

لذلك يبدوا لنا جلياً أن جذور نشأة الراديكالية الإسلامية المسلحة وهي بالفعل نفس الجذور التي أدت إلي نشاة الحركة الإسلامية الحديثة قد بدأت بالظهور الفردي للقائد الملهم جمال الدين الأفغاني (1838-1897).

ولا يمكن فصل نشاة جمال الدين الأفغاني هذا بشخصيته القيادية عن العوامل التاريخية الاجتماعية التي أحاطته به وتبنت نشأته ومنهجه ومن ثم رؤيته وفوق كل ذلك هذه الأيدلوجية التي لعبت دوراً أساسياً في حركته التي كانت بمثابة مطلب واقعي للمجتمع الذي عاش فيه في ذلك الوقت السحيق.

وفي إطار بناء القادة علي أساس من لحقهم من غيرهم ومن ثم الارتقاء بهم علي المستوي الواقعي، سيكون ظهور العلاقة بين التابع والقائد أمراً مشروطاً بالتقدم في الأيدلوجيات والمبادئ الفكرية التي لابد أن تكون علي مستوي مطلب الواقع والزمان.

تأكيداً علي هذا المبدأ، لانري طريقة أكثر نجاعة من هذه الطريقة التي تعتمد علي رؤية الديناميكيات الخاصة بالشخصية التحولية للتطرف الإسلامي من خلال المراحل التاريخية المميزة لتلك الحركة.

مصر: حقبة الاحتلال (أواخر القرن التاسع عشر - 1945)

لقد بدت فترة سقوط الإمبراطورية الإسلامية وقواها إلي جانب صعود القوي الأوربية نقطة الإنطلاقة للحركة الإسلامية الحديثة.

والأمر الذي لاشك فيه أن جمال الدين الأفغاني هو المؤسس للحركة الإسلامية الحديثة حيث قام بدوره في دعم الفاعلية السياسية الإسلامية وفتح باب الإجتهاد الفقهي ليكون ذلك هو الدور البنائي للحركة الإسلامية الحديثة.

ففي حين أن جمال الدين الأفغاني كان قد عاش حياة متنقلة بين الأقطار في الشرق الأوسط وخصوصاً مصر، إلا أن دوره في تنشيط العقليات التي تبنت هذه الفكرة كان أكثر عمقاً وذا أثر واضح حيث تمخض عن هذه العقلية الأفغانية القومي المصري سعد زغلول ومحمد عبده ورشيد رضا الذين قاموا بدورهم في استكمال ما بناه قائدهم الملهم الذي لقي حتفه في 1897.

وقد ركزت هذه الحركة في العقدين الأولين لها علي مصر وحدها دون غيرها حيث كانت المستهدف الأكبر من ناحية القاعدة الشعبية في مرحلة نشأة الحركة الإسلامية الحديثة.

وقد أكد كل من جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا الذين تبنوا الحركة الإسلامية الحديثة علي ضرورة التعلم من أوربا في الإطار الذي لا يتنافي والقيم الإسلامية التي يجب التمسك بها علي كل حال.

وعلي الرغم من ذلك، فإن عجز هؤلاء المصلحين في العثور علي أرضية مشتركة بين القيم الإسلامية والتقدم الغربي بالإضافة إلي هذا الواقع الثقافي الاجتماعي آنذاك، كل هذه العوامل قد دفعت هؤلاء المصلحين الجدد إلي إحداث تغيير يؤكد الكف عن ملاحقة التقدم الغربي والأخذ من منافعه.

ومع العام 1920 خرج محمد رشيد رضا ليبني علي خبرات أساتذته القدامي ويؤكد أيدلوجية أخري تقول بضرورة الرجوع إلي الإسلام ونبذ الغرب بناءأ علي أن الإسلام كامل شامل يشمل كافة مناحي الحياة.

وبهذه الأيدلوجية الجديدة يرسم رشيد الطريق الجديد للطريق الاكثر تطرفاً لذا فهي الخطوة الأهم في هذه الفترة التاريخية علي الإطلاق.

الامام حسن البنا

وكان من أحد تلاميذة رضا الأوفياء هذا الرجل الذي أخذ فكرة وأيدلوجية رضا الأخيرة ليطورها ويرسم حدودها ليكون هو الآخر من رواد الراديكالية الحديثة وهو حسن البنا (1906-1949) مؤسس جماعة الإخوان المسلمين.

وفي إطار تتبع فكرة الشخصية التحولية الراديكالية الإسلامية، نري حسن البنا جزءاً مهماً في هذه السلسلة.

لقد قام هذا الزعيم الملهم بالعديد من التطوير والتدبير والتخطيط لتطوير هذه الأفكار التي ورثها من أسلافه ومشايخه.

أولاً قال البنا بضرورة جعل الإسلام مركز القوة المهيمنة علي كل مناهج الحياة وثانيها الجهاد الذي شكل قضية أساسية في أيدلوجيات البنا الأساسية.

وبهذه النوعية من التطورات الفكرية المتطرفة التي أحدثها حسن البنا، تتسع الأزمة وتتطور بينه وبين الحكومة أو السلطة التي فشلت في الحصول علي الاستقرار عن القوي البريطانية المحتلة آنذاك.

تعكس أيدلوجيات البنا وأفكاره هذا النوع من التخلف السياسي والاقتصادي الذى نتج أساسا عن الوجود البرطاني في مصر في حين أن الكثيرين يعتقدون أن الوجود البريطاني كان من أهم عوامل الاضمحلال الثقافي والأخلاقي علي حد سواء.

وعليه يكون تأسيس هذه الجماعة علي قوعد تنظيمية سبباً في اندلاع العديد من التنظيمات والانبثاقات الإرهابية الإصلاحية.

والذي يعنينا هنا أن مثل هذا التنظيم يمثل بيئة أكثر نجاحاً في خلق الشخصية القيادية موضوع بحثنا والتي ظهرت بالفعل علي مستوي أفراد جماعة الإخوان المسلمين لتتوج هذا البناء الشخصي، والجدير بالذكر، كانت الشخصية الأعمق تأثيراً في أيدلوجيات الجماعة هذه هو السيد قطب (1906-1966).

مصر: ما بعد الاحتلال "الحقبة القومية" (1945-1966)

تعتبر هذه المرحلة التاريخية من أهم المراحل وأصعبها علي صعيد الشخصية التحولية الإسلامية المتطرفة حيث الظهور الحقيقي لظاهرة الإرهاب الإسلامي.

فبعد قرون من الاحتلال الأوربي وفترات عصيبة من الدفاع والكفاح الشعبي ضد المحتل، ظهر أخيرا نظام عبد الناصر الذي قاده الزعيم جمال عبدالناصر (1918-1970) لتكون أول حكومة مستقلة ذات سيادة في مصر في 1952.

فبعد الحرب العالمية الثانية تعالت الصيحات القومية في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا منددة بالتدخل والاحتلال الأجنبي ومن ثم حركات التحرر التي تنادي بالاستقلال والحرية من ظلمة السيطرة الأوربية.

في ظل هذه الأجواء في قلب مصر بعد أحداث ثورة 52، مكّن الإخوان المسلمون لنظام عبدالناصر الذي جاء علي أكتافهم.

الذي قام بمبادلة الإحسان بالإساءة حينما تنبأ بخطرهم علي النظام، فقام علي الفور باعتقالهم ونفيهم وقتلهم وتعذيبهم أملاً في استئصال شأفتهم فبقي هذا النوع من الأيدلوجية التي تقضي علي ذلك بالخيانة العظمي ومن ثم وجوب التعامل معها وإصلاحها بالعنف وهو ما عبر عنه السيد قطب في أيدلوجياته المعروفة.

الشهيد سيد قطب

وكانت أفكار الأستاذ السيد قطب ومن تبعه "القطبيون" تتمحور حول فكرة أن المجتمع قد عاد إلي الجاهلية مرة أخري في عصره الحاضر ومن ثم فإنه مجتمع كافر "لا يؤمن بالإسلام" وهذه التهمة (التكفير) تتحقق من مسلم لأخيه المسلم بأنه قد خرج من الدين وخلع ربقة الإسلام من عنقه وهو اتهام مميت إلي أبعد حد (هيرو و كيبل).

وكان الحكم الذي أصدره القطبيون أو التكفيريون علي هذا المجتمع الجاهلي بالحكم بالإعدام علي كل من رفض فكرتهم الإسلامية واعتنقها ومن هنا كان التبرير واضحا لأعمال العنف التي عمت الآفاق في هذه الفترة.

إضافة لذلك، فهم يرون أن الجهاد لم يشرع فقط لمجابهة الأعداء من الخارج لكن أيضا الأدعياء من الداخل.

ومن هنا تظهر العلاقة الحميمية بين الراديكالية في الأيدولوجية الإسلامية وبين مفهوم الأزمة الذي قد تناولناه لاحقاً.

فإذا تتبعنا الأزمة التي أدت إلي ظهور أفكار مثل هذه كما أدت إلي خلق قيادة أو كاريزما قيادية مثل السيد قطب لوجدنا أن هذه الفترة هي التي تلت فترة الاحتلال فكانت الشخصيات قد صقلت بالفعل للمجابهة والتحدي لأنواع الظلم التي مارستها قوات الاحتلال مما زاد الشخصية ثباتاً وأدي إلي انفجارها في هذا العصر المتقدم لتكون بهذا الشكل المتطرف المسلح.

مصر: الحقبة الحديثة (أواخر الستينيات حتى الآن)

الشهيد سيد قطب

جدير بالذكر، لم يلقي إعدام الأستاذ السيد قطب الاستحسان والقبول الدولي العام، فلقد تم منع التمثيل السياسي للإسلام بهذه اللهجة التي قادها جمال عبدالناصر باسم القومية العربية.

لكن سرعان ما جاءت أحداث نكسة 67 أو حرب الأيام السته لتسدل الستار عن أزمة حقيقية علي مستوي اللهجة المزعومة "القومية العربية" ليلقي الإسلام السياسي رواجه في سوق باتت بضاعة القوميين فيه كاسدة وفاسدة في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا حينما فشلوا في تحقيق شيئ يذكر بالإضافة إلي كشف سوءات حكوماته الشيوعية أو الديمقراطية التي باتت أبعد البعد عن ذلك.

إذاً سيطر الامتعاض العام علي مستوي الحكومات المتضررة وقادة الحرب الباردة بشكل متوازي. بعد هذه الموجة من الأحداث المتلاطمة ظهر التطرف الإسلامي ليدلي بدلوه في مثل هذه الأزمة لتزداد حدة وقسوة علي ما هي فيه.

فحيث يطالب الإسلاميون بتطبيق الإسلام ويرفض الواقع ذلك تتفاقم الأزمة وتتسع الهوة خاصة في حالة إفلاس الأنظمة العلمانية في وضع حل لمثل هذه الأحداث.

ومن خلال هذه الفترة التي سيطرت عليها أيدلوجيات سيد قطب، يمكننا رؤية القيادة والشخصية القيادية للإرهاب الإسلامي في ثلاثة أنحاء:

قادة ملهمون، قادة ملهمون جدد ومرشدون روحانيون. ربما لا يمكننا هنا تحليل دور المرشدين الروحانيين المذكورين، لكن ما زلنا نؤكد علي أنه نوع من الشخصية التحولية للتطرف الإسلامي يقوم بدور التنشئة والتحفيز للعناصر الإرهابية التي تتبناها الجماعة بالإضافة إلي دورهم في إضفاء الطابع الشرعي لممارسات الإرهاب المرتكبة وقد بدا ذلك واضحا تمام الوضوح من خلال خطابهم الأيدولوجي.

وعلي الرغم من ذلك، سنتناول الحديث عن النوعين الأولين المذكورين سالفاً فيما تبقي لنا في هذه الورقه.

مما لاشك فيه أن النوع الأول الذي نحن بصدد مناقشته وهو الشخصية الملهمة يعد خطوة تقدمية جديدة في الشخصية التحولية الإسلامية المسلحة.

ففي حين كان القادة الملهمون إبان مرحلة الاحتلال وما بعد مرحلة الاحتلال أصحاب أيدولوجية في المقام الأول، إلا أن هذا النوع من الشخصيات لم يكن فقط يحث علي العنف والإرهاب بل كان أيضاً يسهل ذلك.

ويمكن تلخيص وتمثيل هذه الشخصية في أسامة بن لادن الذي يسهل علينا فهم الشخصية التحولية للتطرف الإسلامي المسلح فلقد كان أستاذه الذي غرس وأسس فيه الفكرة تلك في جامعة الملك عبد العزيز هو محمد قطب الأخ الشقيق للأستاذ سيد قطب.

ويتميز بن لادن عن غيره بالطبيعة المزدوجة لخطابه، فهو يدعو إلي الجهاد العالمي بغض النظر عن المدنيين أو المسلحين.

كما يبدوا لنا أن بن لادن لا يحث علي العنف والإرهاب فحسب لكنه يسهل آلياته فمن خلال خطابه الأكثر تطرفاً نري أنه يزيد من حدة الأزمة والوضع المتأزم في مجتمعاته التي تدعمه.

وعلي الرغم من ذلك، ربما تلحظ رجلاً في هذا المضمار أكثر تأثيراً وتطرفاً في تمثيل هذه النظرية ليخلف بن لادن في حملاته الإرهابية الإسلامية حتى موته في يونيو 2006 ألا وهو أبو مصعب الزرقاوي.

ففي حين تمثل ظاهرة القائد الملهم خطوة هامة في التطرف الإسلامي علي مستوي قادته أثناء فترات الاحتلال وما بعده، إلا أن النوع الآخر وهم القادة الملهمون الجدد يمثلون خطوة أهم في تطور الشخصية التحولية الراديكالية الإسلامية.

وتتمثل هذه الشخصية في أنواع أكثر شبابية من قادتهم الذين سبقوهم في هذا المجال. وقد مثل أبو مصعب الزرقاوي ميلاد هذه الطائفة عن جدارة واستحقاق فهو قائد شاب مسلح وأكثر عنفاً وصرامةً. فإذا تثني لنا أن نقول بأن شعار القادة الملهمين "افعل كما سمعت"، فإن شعار القادة الملهمين الجدد إذاً يكون "افعل كما أفعل".

لقد طبق الزرقاوي هذه الانطلاقة الفردية كقائد ملهم جديد ربما ببعض الاستقلال الذي مارسه عن قادته القدامي حيث بدأ في العراق فقام بالعديد من التفجيرات التى أودت بحياة الكثيرين في أرجاء البلاد.

لقد أصبح النوع الثاني من الشخصيات القيادية "القيادة الملهمة الجديدة" بمثابة التطور الطبيعي للحركة أو بمثابة الدم القيادي الجديد النابض في الحركة ليشكل هذه الرؤية الجديدة لقيادة التطرف الإسلامي المسلح. ومما لا شك فيه أن هذا الفريق سيكون يوما ما هو المرجعية لتخلفه بعد ذلك شخصية جديدة برؤي جديدة بشخصية تحولية أخري للتطرف الإسلامي المسلح.


خاتمة

لقد بذلت جهدي في هذه الورقة البحثية كي أخرج منها بفائدة مرجوة من خلال دراسة القيادة الملهمة والشخصية التحولية دراسة عميقة لنخرج بها إلي الواقع التطبيقي العملي لننفذ إلي كبد الحقيقة في ظهور الراديكالية الإسلامية المسلحة.

كما حاولت أن آخذ هذه النتائج في ضوء الحقب والعوامل التاريخية التي أدت إلي صقل القادة الأولين بهذه الخبرات التي أدت إلي تجذر هذه الأفكار وتطورها بشكل واضح جلي.

وقد قمنا بتقسيم الحقب التاريخية إلي مرحلة الاحتلال وما بعد الاحتلال والمرحلة المعاصرة حتى عصرنا هذا التي وصلنا من خلالها إلي أن عملية إرساء التطرف هذه تتحرك أساساً بالتزامن مع مفهوم الأزمة الواقع في عصر ما تزداد بازدياده ومدي حدته قوة وضعفاً لتنشأ الشخصية القيادية علي ضوء تلك الرؤى.

إضافة لذلك، فإن الحقيقة التي تؤكد علي وجود قادة قاموا بدورهم في التأثير عبر تاريخ الحركة الإسلامية ومن ثم توطين التطرف ودفع عجلة العنف إلي الأمام، هذه الظاهرة تؤكد أيضاً علي أن الأزمة التي أدت إلي ظهورهم تتطور يوما بعد يوم وتبدوا أكثر عمقا من ذي قبل.

ومن ثم ستستمر هذه الظاهرة في التطور والاستمرارية إذا لم يتم وأد حقيقي وإنهاء كامل لمفاهيم الأزمة داخل المجتمعات التي تدعم تلك الحركات المتطرفة التي تستغل هذا الدعم لتصعيد الأزمة للحصول علي نتائج تتمخض عنها.