سليمة بنت مقوس
المرأة في الإسلام
المرأة في الإسلام لها دور مهم وواضح، حيث أن الإسلام كرمها ورفع من شأنها كثيراً، حيث حفظ الإسلام حقها الشخصي والمدني وغيرها من الحقوق، وأعلى شأنها، فالنساء في الإسلام شقائق الرجال، ولقد كرمها طفلة وزوجة وأمً، تُربي أجيال تعمل على إصلاح المجتمع.
إن الحديث عن مكانة المرأة في الإسلام من أهم ما ينبغي أن تنصرف الاهتمامات إليه، ومن أعظم ما ينبغي التركيز عليه
يقول الشيخ حسن البنا:
- نحب من كل قلوبنا أن تبلغ المرأة الشرقية أقصى حدود الكمال الممكن، وأن ترقى إلى أوسع مدى تطمح إليه، ونعتقد أن النهضة الصحيحة إنما تتدعم على أسس قوية من نفسية المرأة وروحها، وما تبثه في نفوس أبنائها - وهم الجيل الجديد - من مبادئ وأخلاق. (1)
ويقول يقول الدكتور حامد الرفاعي:
- لقد اختص الإسلام المرأة بامتيازات عن الرجل تقديرًا وإكرامًا لها، مقابل ما كلفها به من أمرين عظيمين جليلين تتحمل مسؤوليتها العظيمة الرفيعة
وهي:
- تحملها مهمة إعداد نفسها لتكون سكنًا معنويًا وروحيًا وحسيًا لزوجها يأوي إليها، يغسل في ظلال أنوثتها ورحاب نفسها وغزارة عواطفها المتميزة بالرحمة والمودة أدران ومتاعب وهموم كدحه وكفاحه في ميادين ما كلف به من واجبات لم تكلف بها المرأة.
- كذلك تحملها أعباء الحمل ومخاطره ومشقة الولادة، ومسؤوليات الأمومة في حضانة الأطفال وتنشئتهم، ومتابعة تربيتهم وإعدادهم لتحمل مسؤولياتهم تجاه تكاليف الحياة التي تنتظرهم.
لم يحرم الإسلام المرأة الجهاد والدفاع عن دينها وعرضها ووطنها، لكن إذا توفرت المقومات. ولدينا في تاريخ الإسلام ذكريات حافلة بنجوم مشرقة من أولئك الخيرات المستبسلات اللواتي وقفن حياتهن لإعلاء كلمة الإسلام، ورفْع رايته، وناضلن إلى جانب الرجل في الحدود التي تسمح بها أنظمة الدين وتقاليد الآداب.
فهذه نسيبة بنت كعب وصفية بنت عبد المطلب وغيرهن الكثير سجل التاريخ سيرتهن في الدفاع عن دينهن ووطنهن. وهكذا حوى العصر الحديث الكثير من قصص هؤلاء الذين تصدوا للمحتل الغربي، وسطروا بمداد من ذهب سيرتهن في الجهاد.
الجهاد الليبي ضد الطليان
في 3 أكتوبر 1911 بدأ الغزو الإيطالي لليبيا بطرابلس بدعوى أن الإيطاليين جاءوا لتحرير الليبيين من الحكم العثماني، لكنهم جبهوا بمقاومة عنيفة من الشعب الليبي – رجالا ونساء – كان على رأسهم المجاهد عمر المختار.
ولقد سطر التاريخ جهاد عمر المختار ورفاقه، إلا أن كثير من الكتب العربية لم تذكر جهاد الليبيات، وقليلا منهم من ذكر أسطر عن بعض الشخصيات التي كان لهن دورا في محاربة الطليان.
سليمة بنت مقوس
كان على رأس هؤلاء العظيمات السيدة سليمة بنت مقوس، والتي أفرد الكاتب الانجليزي آلان أوستلر لها بعض الصفحات ليصور جهادها، ولقبها بلقب جان دارك العرب. ولدت نهاية القرن التاسع عشر لأسرة تمتهن الزراعة في صبراتة من قبيلة النوايل، ولم تكن قبل الغزو الايطالي الا فتاة ليبية عادية لتتحول بعدها إلى رمز ملهم لليبيات.
فلقد خلعت ملابس النساء وحلقت شعرها ولبست ملابس المقاتلين الرجال والتحقت بالمجاهدين الليبيين كمقاتلة تحت قيادة "سوف المحمودي" ثم كقائدة لمجموعة من الفدائيين الذين يهاجمون معسكرات وتجمعات الطليان.
"كانت تمتطي جوادا اسودا وتنادي رفاقها بالهجوم على الطليان والصمود ، كانت بملابس الرجال، وكانت تقود المهاجمين، ورغم إصابة يدها اليسرى بجرح كبير إلا أنها واصلت النداء للرجال بالصمود والاستمرار في الهجوم" (2)
كانت سليمة أم لأربعة أطفال أيتام في مقتبل العمر وأجبرتها ظروف الحياة على العمل في معسكر للجيش الإيطالي كمساعدة طباخ مقابل حصولها على بقايا الطعام لإطعام أطفالها. خلال عملها لعدة شهور وفي بدايات الغزو الإيطالي لليبيا كانت تسمع وترى تفاخر الجنود الطليان بقتل العرب، فضلا عن تعرضها للإهانة وهو ما كان يترك في قلبها غصة .. فتعود كل مساء إلى بيتها المتهالك في أطراف طرابلس وهي تبكي.
وفي أحد الأيام اشتكت للضابط الإيطالي مرضها وأنها لن تقدر على أداء العمل في ذاك اليوم فقام بضربها وإجبارها على العمل ..لتكون تلك الصفعة القطرة التي أفاضت الكأس وأخرجت من ثناياها وحشا كاسرا. في اليوم التالي باعت بيتها بثمن زهيد وأرسلت أبنائها الأربعة إلى عمهم في فزان (والتي لم يحتلها الإيطاليون بعد) واشترت ببعض ثمنه سما قاطعا من السوق .
وأثناء تحضير طعام العشاء رمت بالسم في قدر وفرت هاربة بعدما تركت الجنود الطليان يعتصرون ألم الموت . بعد ذلك التحقت سليمة بساحات الجهاد وشاركت في عدد من المعارك منها معركة سيدي بلال ومعركة عين زارة والاصابعة ومحروقة وغيرها الكثير .
كانت امرأة شديدة البأس لا تهاب الموت أبدا، حتى ذاع صيتها في الصحف الأوروبية آنذاك، حتى أن المراسل الفرنسي بول تريستان عام 1912 من صحيفة الفرنسية "لو بوتي Marseillais" وأعطاها سيفا لما رآه منها شكلت سليمة بنت مقوس سرية من المجاهدات في فزان – بعدما ارتحلت لها بعد احتلالها - عددهم 12 امرأة من أجل القتال في طرابلس وأصيبت عدة مرات في المعارك. (3)
ويضيف:
- كانت تلك المرأة الفزانية تركض في اتجاه المعركة ومعها كثير من النساء اللائي التحقن بالرجال، فكانت تركض في عجلة لتتقدم الرجال، فأصيبت بشظية مدفع في يدها، فكانت تومئ بها والدماء تسيل منها في اتجاه المحاربين وتقول لهم: والله إن أرتد أي منكم سنقطع وجهه بأظافرنا هذه ونرمي به ليعيش مع الأطفال.
- ووصلت إلى مرحلة لم تعد تتمالك فيها نفسها، فكانت أول من وصل إلى حافة الخندق الأول الذي غادره من نجا من الإيطاليين هربا بحياته، فغطست ذراعها حتى المرفق في ترعة حديثة من الدماء، ثم وقفت على حافة الخندق منتصبة وكأنها آلهة حرب إفريقية تنادي الرجال لدخول المعركة.
- وعلق أحد الحضور "ما شاء الله... ما شاء الله" أنا متأكد من أنها كسرت جمجمة أو جمجمتين بعصاتها تلك. وهكذا شاهدتها هذا اليوم تولول وترقص رقصات الحرب وهي لا تزال متوهجة المشاعر تطلب بندقية للدفاع بها عن وطنها. فقربت من خيمة القائد التركي وطلبت منه أن يعطيها بندقية، وكان قد سمع بقصتها وبأنها كانت في المعركة تحارب بعصاتها، فابتسم ولبي مطلبها فخرجتْ من الخيمة ببندقيتها وهي ومن معها يرقصون من الفرح. (4)
أصبحت سليمة مشهورة في شهر فبراير 1912 بعد معركة "قرقارش" حيث أنها كانت تشارك في كل معركة ضد الاحتلال الايطالي في طرابلس إلى أن أصيبت بطلقة في صدرها وعولجت في بيتها وعادت إلى ارض المعركة بعد أسبوعين واستعادت مكانها بين المجاهدين. كان سلاح سليمة المقوس عصا طويلة، تتنقل بها بين مواقع المجاهدين، تبث فيهم الشجاعة بأهازيجها وزغاريدها.
يذكر بشير محمد رمضان:
- ظلت واقفة تثير حماس المجاهدين بزغاريدها حتى تمكنوا من الهجوم على مسيرة القوات الإيطالية واستولوا على مواقعها وأعادوا سائر مواقع القوات الايطالية هناك حتى اجبروا على الانسحاب. (5)
وقال الصحفي الرحال جورج ريمون:
- وصحب (فرحات يي) إلى خيمتي مرة امرأة من قبيلة (النوايل) تدعى سليمة بنت مقوس كي ألتقط لها صورة فوتوغرافية، وقد اشتهرت هذه المرأة باشتراكها في جميع المعارك التي نشبت مع الايطاليين عند طرابلس، وقد أصابتها عدة إصابات. (6)
ويقال أنها استشهدت بقذيفة مدفع، لكن الروايات متضاربة وأقربها أنه لم يعرف سبب ولا مكان وفاتها.
المراجع
- جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (2)، السنة الثالثة، 20 محرم 1354ه - 23 أبريل 1935م، ص(23-24).
- عن أشهر نساء القرن الليبي: موقع أخبار ليبيا، 1 مارس 2016م
- ألان أوستلر: العرب في طرابلس، طبعة Fb & c Limited، 2018، صـ260.
- المرجع السابق.
- بشير محمد رمضان: القيادة والإمداد في حركة الجهاد الليبي، دار الكتب الوطنية، 1999م، الفصل الثالث، صـ390.
- جورج ريمون: من داخل معسكرات الجهاد في ليبيا 1912م، ترجمة محمد عبدالكريم الوافي، المنشأة العامة للنشر والتوزيع والإعلان –طرابلس، 1983م، صـ 270م.