سليمان حمد
مقدمة
خلق الله الخلق وسهل لهم سبل معرفته بأن أرسل لهم الرسل ومن بعدهم العلماء والمصلحون يضيئون لهم طريق الحق، فالدعاة والمصلحون هم كالشموع التي تحترق من أجل أن تضيئ طريق الحق للناس، وكلما انطفأ شمعه قامت أخرى حتى يرث الله الأرض ومن عليها، حيث جعلهم حجة على الناس في كل وقت وحين، ينشرون دين الله بين الخلق ويدعونهم إلى الحق والتزام طريقه وعدم الانسياق وراء غويات الشيطان.
وعلى أرض الجهاد فلسطين نبتت زهور ظلت تفوح بعطرها أركان الكون ويعلموا الناس معاني العزة والجهاد والتضحية في سبيل دينهم ووطنهم، ومنهم الشيخ سليمان حمد صانع المجاهدين وصاحب فكرة إنشاء حركة حماس لمواجهة المحتل الصهيوني.
مسيرة حياته
ولد أبو محمد سليمان حسن إسماعيل الحمد في قرية المغار قضاء الرملة وجنوب مدينة يافا في 18 أيار - مايو 1929، رزقه الله 12 من الأبناء (8 أولاد و4 بنات) كلهم جامعيون.
كان والده من أشد الناس تديّناً، وكان يشجع أبناءه على حب الدين، ويحرص على تربيتهم تربية صالحة، فقد كان لديه أربعة أبناء وثلاث بنات.. كانت عائلة سليمان تعيش في ظروف مادية جيدة، فقد كانوا مُلّاكاً وكانوا يمتلكون بيارة في 60 دونماً من البرتقال والتفاح والعنب، إضافة إلى 40 دونماً مزروعة قمحاً وشعيراً.
النكبة والنزوح لغزة
يقول أحمد يوسف:
- كان الخطر يتهدد كل الفلسطينيين بتزايد أعداد اليهود، وتزايد قوة وبطش العصابات الصهيونية، فكان لا بدّ للشاب سليمان أن يتعلم الرماية ليدافع عن نفسه وعرضه، فبدأ التعلم على إصابة الهدف بالبارودة التي اشتراها والده.
- في ذلك الوقت - قبيل النكبة - وقعت معركة قرب القرية، فقد كانت بلدة الشاب سليمان على تلة تشرف على الطريق الذي يصل شمال فلسطين بجنوبها، فكان اليهود يريدون أن يمروا من هناك فتصدى لهم أهل البلدة، كان على رأسهم عم سليمان ويدعى سليم، ومنعوهم من المرور إلا برفع الراية البيضاء.
- وفعلاً؛ هذا ما حصل، لكنَّ أحد الشباب الثائرين أحضر لغماً ووضعه على طريق العصابات الصهيونية، وكمن معه الشباب يحملون البواريد على الطريق، وعند وصول القافلة قاموا بتفجير اللغم في المدرعة، واشتبكوا معهم، حيث تمكنوا من قتل 18 شخصاً من قوات الهاجاناه.
- بعد تلك الحادثة، أرسلت العصابات الصهيونية رسائل تهديد إلى أهالي القرية بأنه سيتم إبادتها وتهجير كل من فيها، ثم جاءت المصفحات وعصابات الصهاينة وحاصروا القرية، فقرر أهل القرية إخراج النساء والشيوخ والأطفال، وبقي هناك 60 شخصاً مسلحين ببنادق وذخيرة قليلة، بينما كانت العصابات الصهيونية تمتلك أحدث الأسلحة والذخيرة والمصفحات، وبعدها سقطت القرية بأيديهم.
- من هنا بدأت رحلة النزوح واللجوء والمعاناة، فقد نزح الشاب سليمان وأهله إلى مخيم وادي العروب في الخليل، وكانوا أول ساكنيه، حيث مكثوا فيه ما يقارب الثلاثة شهور، وبعدها قرروا الانتقال لمكان آخر بسبب عدم وجود عمل، فتوجهوا إلى الجنوب برفقة الجيش المصري، وقد تعرضوا لقصف القوات الصهيونية أثناء الطريق، ووصلوا إلى معسكر البريج، حيث حطوا الرحال ونصبوا خيامهم هناك.
- بعد الاستقرار في معسكر البريج، رفع الأستاذ سليمان الحمد مع (محمد حمودة أبو حسني) أول لواء لتدريس اللاجئين، وفي تلك الفترة تمَّ افتتاح مدارس للاجئين في المخيمات، وكانت المدارس عبارة عن حلقات من الأخشاب والحجارة.. بقي الأستاذ سليمان في مدرسة المخيم ما يقارب سنة ونصف، ثم انتقل إلى موقع ناظر مدرسة في النصيرات، وقام مع المعلمين والطلاب والبنائين بجهد كبير جداً حيث استطاعوا بناء مدرسة من حجارة الطين بأيديهم، وكانت عبارة عن 14 حجرة، فأصبح في المدرسة 2200 طالب و50 فصلاً و36 مدرساً.
- كانت ظروف التعليم – آنذاك – قاسية، لكنَّ ذلك لم يمنع الأستاذ سليمان عن العمل والاجتهاد حتى يستطيعوا تعليم الطلاب وتدريسهم، فقام بوضع العديد من الأنظمة والقوانين في المدرسة حتى يستطيع الارتقاء بمستواها، وفعلاً كانت المدرسة تأخذ المرتبة الأولى في الابتدائي في المديرية العامة في المنطقة، واستمر في المدرسة ثلاث سنوات، حتى حصلت بعض المشاكل مع المديرية التي جعلته يترك المدرسة.
حبه للتعليم
كان في تلك القرية مدرسة حتى مستوى الصف الرابع الابتدائي، وقد درس سليمان فيها حتى أكمل كل مراحلها.. لم يكن التدين موجوداً في بيئة المدرسة بين المعلمين والطلاب، إلا أن مدير المدرسة كان مُتديناً، حيث كان إماماً للقرية.
أراد الطالب الطموح سليمان الحمد أن يكمل دراسته، فانتقل إلى مدرسة يبنا التي تقع غرب القرية بـخمسة كيلومترات، واستمر في الدراسة فيها حتى الصف السابع الابتدائي.. كان أحد أساتذته بالمدرسة من قرية عصيرة، وقد نصحه بأن يذهب ليدرس في كلية النجاح بمدينة نابلس، فوضع تلك الفكرة في رأسه، ولكنه أيضاً كان يراسل كلية "روضة المعارف الوطنية" في القدس، فكانت ترسل له المناهج وكل ما هو مطلوب للدراسة فيها.
قرر الشاب المكافح سليمان الحمد الذهاب إلى كلية النجاح، على الرغم من أن كلية "روضة المعارف الوطنية" في القدس كانت أقرب للقرية، فانتقل من القرية إلى يافا ثم القدس وبعد ذلك إلى نابلس، والتي كانت طريقها جبلية صعبة ودروبها وعرة، فقضى فيها أسبوعاً واحداً فقط، حيث كان مسجلاً في المدرسة قبل أن يأتي، وكان والده قد دفع الأقساط على أساس أن يدخل إلى الصف الأول الثانوي دون امتحان.
تفاجأ الشاب سليمان بالأستاذ ومدير المدرسة يخبرانه بأنه عليه أن يقدم ثلاثة امتحانات في اللغتين العربية والإنجليزية وفي الرياضيات قبل الالتحاق بالمدرسة، فاعترض على ذلك، ولكنه لم يكن لديه خيار آخر.. قدَّم الامتحانات، ثم تفاجأ بأنه راسب في مادة الرياضيات!!
لم يتقبل الأمر، إذ كانت هوايته الرياضيات، وكان واثقاً كثيراً بأنه لا يمكن أن يرسب، خاصةً في هذه المادة التي اعتاد التفوق فيها، ولكنهم أصروا على ذلك، فانزعج كثيراً، وما زاد الطين بلة أن ابن مختار البيرة في رام الله وقتها قد التحق بالصف دون أن يقدم الاختبارات. بعد هذا الموقف، حمل الشاب سليمان فراشه وكتبه وطلب سيارة أجرة تنقله من نابلس إلى كلية "روضة المعارف الوطنية" بالقدس.
وصل الطالب سليمان إلى كلية "روضة المعارف الوطنية" والتحق بها في الأول الثانوي، وقد كان والده قد جاء إليه على إثر المكالمة ليفهم القصة، فذهب إلى نابلس، وقدَّم لكلية النجاح الايصالات وأخذ باقي المستحقات المالية، ثم انتقل إلى القدس ليلتقي بابنه سليمان، حيث سأله عما جرى معه في نابلس، فأخبره ابنه بالقصة، فاطمأن على أموره وعاد إلى القرية.
كانت كلية "روضة المعارف الوطنية" من أولى الكليات التي أُنشئت في فلسطين، وكانت معروفة بتابعيتها لآل الحسيني، وتخرج منها الكثير من شبابهم، ومنهم الشهيد القائد عبد القادر الحسيني؛ بطل معركة القسطل.
درس الشاب سليمان في الكلية حتى الصف الرابع الثانوي (البكالوريا)، وكان طالباً مجتهداً ومن الطلاب المتفوقين، حيث كان ترتيبه الأول بامتياز على الدوام، وكانت هناك لوحة شرف معلقة في الكلية تشهد له بذلك، إذ لم يكن اسمه يفارقها، لكن البيئة الدراسية لم تكن سهلة، فقد كان الرصاص يتطاير عليهم أحياناً وهم في غرفة المطالعة، وذلك في عام 1947 قبل وقوع النكبة.
قدّم سليمان الامتحان النهائي، وبذلك أنهى دراسته في الكلية قبل شهرين من وقوع النكبة 48، وقد كان فوجه هو آخر فوج يتخرج من تلك الكلية، حيث حزم أمتعته وذهب من القدس إلى الرملة، ووصل إلى الفالوجة ليلاً، لم يكن يعرف أحداً هناك فذهب إلى بيت مختار القرية الذي استقبله في بيته، وهناك تعرَّف على عم سليمان، فجلس معه وجهَّز العشاء وأثناء تناولهم للطعام جاء من يخبرهم باستشهاد عبد القادر الحسيني، فلم يستطيعوا أن يكملوا طعامهم وحزنوا عليه كثيراً.
في الصباح، انتقل سليمان إلى يبنا، وهناك وضع أغراضه ثم أكمل الطريق سيراً على الأقدام، وما إن رأته والدته في القرية حتى ملأت الفرحة قلبها، وأخذت تزغرد فرحاً بعودة ابنها.
ويقول محسن صالح:
- أكمل الثانوية في روضة المعارف بالقدس سنة 1948، ثم تابع دراسته (في أثناء عمله) انتسابا في جامعة لندن في ليحصل على دبلوم (Intermediate) في الرياضيات، وحصل لاحقا على البكالوريوس في اللغة العربية والماجستير في العلوم العربية والإسلامية. عمل في التدريس في غزة والكويت، وفي الثمانينيات كان مؤسسي الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، وكان أول أمين عام لها، ثم تفرغ للعمل بها بعد أن استقال من وزارة التربية، ثم عُيِّن مسؤولا عن قسم الدعوة والتعليم، ثم مراقبا للشؤون الإدارية.
يقول أحمد يوسف:
وسط صفوف الإخوان
انتقلت عائلته في نكبة 1948 إلى مخيم البريج بقطاع غزة؛ وعمل في البداية مدرسا في مدرسة البريج الابتدائية للبنين، ثم ناظرا لمدرسة النصيرات الابتدائية. كانت بدايته مع جماعة الإخوان المسلمين سنة 1950 عن طريق رجل بدوي بسيط اسمه سليم المصدّر، توسم في سليمان حمد خيرا، فأهداه جريدة الدعوة. وترك الحزب الشيوعي "عصبة العمل الوطني" الذي انتمى إليه لفترة وجيزة، ليس حبا في الشيوعية ولكن نقمة على الأنظمة والأوضاع السائدة. ومنذ ذلك الوقت أعطى قلبه وروحه للإسلام.
وكشعلة من النشاط، قام حمد باستكمال بناء وتجهيز مدرسة النصيرات، وكذلك المسجد المجاور، وكان له الدور الرئيسي في تأسيس شعبة الإخوان في النصيرات. وتتلمذ على يديه العديد من الطلاب الذين برزوا فيما بعد أمثال الأساتذة عبد الفتاح دخان، وحماد الحسنات، وشوقي الخراز، وطَلَب الشيخ قاسم، وعبد القادر أبو سمرة، وكلهم نظَّمهم في الإخوان.
ونسَّق مع الضابط المصري "الإخواني" عبد المنعم عبد الرؤوف التدريب العسكري لنخبة مختارة من الإخوان، حيث كان يتم إرسال عشرة من الإخوان من كل شعبة للتدريب سرا بعد منتصف الليل، ومن بين من أرسلهم لهذه المهمة محمد جودت صبح.
يقول أحمد يوسف:
- كانت بداية تَعرف الأستاذ سليمان الحمد على فكر جماعة الإخوان المسلمين في فترة دراسته في كلية "روضة المعارف الوطنية" في القدس عامي 46-1947، فقد زارهم أحد قيادات الجماعة (الأستاذ سعيد رمضان) وألقى فيهم خطاباً، فأعجب الأستاذ سليمان كثيراً به وبأسلوبه وفصاحته في الخطابة، وأخذ فكرة جيدة منه عن الإخوان المسلمين.
- ما زاد إعجاب الأستاذ سليمان بالإخوان المسلمين، وكان له الأثر الكبير في اعتناق فكرهم، هو اللقاء الذي جمعه بمؤسس الجماعة الإمام حسن البنا (رحمه الله)، حيث وجهت وزارة المعارف المصرية دعوة لطلاب الكلية لزيارة القاهرة فحلّوا ضيوفاً عليها، وهناك زاروا الشهيد حسن البنا في مكتبه، حيث حدّثهم عن فلسطين وعن رغبة الإخوان بالتطوع للدفاع عنها، وكان لديه كلمة وقتها فحضروها، وقد أعجب الأستاذ سليمان حينها بفصاحته وطلاقة لسانه واستشهاده بالقرآن الكريم.
أما عن الموقف الثاني الذي زاد في حبه للإخوان المسلمين وتعلقه بهم، كان وجود معتقلٍ للإخوان المسلمين تابع للجيش المصري في معسكر النصيرات للاجئين، حيث تعرَّف الأستاذ سليمان عليهم، من خلال ما كانوا عليه من خُلق ودين، إذ كان في المخيم حنفية مياه واحدة، وكانت الفوضى تعج بالنساء والأطفال من حولها، فكانوا هم من يخرجون لترتيب الطوابير، ويقومون بملء الأواني (الجرار) للضعفاء منهم، وكان هناك بجانب المخيم قسم خاص بالأيتام والأرامل، فكان هؤلاء المعتقلون يأخذون من طعامهم ويقدمونه لهم.
كانت بداية الالتحاق الفعلي بجماعة الإخوان المسلمين في بداية عمله كناظر في مدرسة النصيرات الابتدائية، حيث جاءه مجموعة من دعاة الإخوان وعرضوا عليه الانضمام إليهم، فانضم إلى الجماعة بعد أن تمَّ دعوته إلى أحد اللقاءات الإخوانية، ثم بدأت رحلته الدعوية مع الإخوان المسلمين، حيث بدأ ينشر فكرهم بين الشباب وطلاب المدارس، ولاحقاً قاموا ببناء شعبة للإخوان بجانب المدرسة، ثم قاموا ببناء مسجد كان هو الثاني في معسكر النصيرات، وأصبح الأستاذ سليمان الحمد مسؤولاً عن الإخوان في تلك المنطقة.
في بداية الخمسينيات، بدأت جماعة الإخوان بتدريب أبنائها في قطاع غزة على السلاح، فطُلب من كل شعبة إرسال 12 شخصاً، وفي ذلك الوقت كان الأستاذ سليمان من ضمن أولئك الأشخاص، حيث كانوا يذهبون ليلاً إلى أحد مواقع تدريب الجيش المصري على الحدود ليتدربوا على استخدام الأسلحة، وكان من بينهم أيضاً الشهيد خليل الوزير (أبو جهاد).
قبل أن يلتحق الأستاذ سليمان الحمد بالإخوان كان قد التحق بالحزب الشيوعي، لكنه لم يبقَ فيه سوى ستة أشهر ثم تركهم، فأصبحوا يؤذونه ويهددونه، وكان هو يصدهم ويتوعدهم باللجوء إلى رجالات العائلة وما لها من هيبة ومكانة يخشى جانبها، فابتعدوا عنه.
بالعودة إلى المدرسة التي كان الأستاذ سليمان الحمد مديرها، فقد حصلت العديد من المشاكل مع مديرية التربية والتعليم والعديد من الموجهين الذين جاؤوا للمدرسة، حتى أنه في ذات مرة جاء أحد الموجهين غير المرغوبين في المديرية للأستاذ سليمان وأخبره بأنهم لا يريدونه مديراً وقد يزيلونه قريباً، لم يلتفت الأستاذ سليمان كثيراً للأمر، ثم جاءت الإجازة الصيفية وذهب إلى مصر، والتقى هناك مدير المعارف - آنذاك - عبد العزيز حسين الذي أخبره أنه سيذهب إلى غزة، وطلب منه أن يلتقيه هناك.
بعد فترة وجيزة، نزل مدير المعارف المصرية إلى غزة، واتصل بالأستاذ سليمان والتقى به، بعدها تعاقد الأستاذ سليمان مع الكويت وخرج إليها للتعليم، دون أن يقدم استقالته من ادارة المدرسة، لكنهم لم يعطوه أي معاش أو مستحقات مالية
انتقل حمد للتدريس في الكويت سنة 1953، بعد صدامات مع الشيوعيين الذين كانوا متنفذين في إدارة التعليم (خليل عويضة ورفاقه). وبعد وصوله بشهرين جاء زميله موسى نصار، ثم لحقهم يوسف عميرة؛ حيث مثلوا بداية الإخوان الفلسطينيين في الكويت.
وهناك تواصلوا مع الإخوان الكويتيين عن طريق الأستاذ عبد الله المطوع (أبو بدر) الذي رحَّب بهم، وعرفهم على جمعية الإرشاد، التي كانت تمثل العمل الإخواني (لمختلف الجنسيات) في الكويت، حيث شاركوا فيها، وأنشأوا قسما لفلسطين في كانون الثاني - يناير 1954، وأصدروا مجلة حائطية. غير أن الجمعية حُلِّت بضغط من نظام عبد الناصر في 1956. وقد تسبب ذلك بحالة إرباك مؤقت للوضع الإخواني الذي فقد مظلته.
مع حركة فتح
كان يوسف عميرة من مجاهدي الإخوان في حرب 1948 في منطقة يافا، ثم من قادة العمل العسكري الإخواني في القطاع تحت إمرة كامل الشريف، وكان على معرفة وتنسيق مع أبي جهاد خليل الوزير في عمله العسكري في منطقة غزة.
وفي 1957، جاء ياسر عرفات وخليل الوزير للعمل في الكويت، وانضم إليهما يوسف عميرة في فكرة إنشاء حركة مقاومة فلسطينية تأخذ شكلا وطنيا؛ وتتجنب الشكل والشعارات الإسلامية حتى لا تستفز الأنظمة المعادية للإسلاميين، وخصوصا النظام المصري. غير أن البيئة التي أخذت هذه الحركة تجند عناصرها من وسطها في مرحلتها الأولى كانت بيئة الإخوان المسلمين.
وبترتيب من يوسف عميرة، زار ومعه ياسر عرفات وخليل الوزير سليمان حمد في بيته في الجهراء، حيث انضم إليهم في الحركة التي لم يكن قد تقرَّر اسمها بعد. وكان سليمان حمد يشارك في الاجتماعات القيادية، حيث كان دوره يتركز في الجانب الإعلامي.
وكان له دور أساس في إعداد مجلة فلسطيننا، التي أخذت تصدر في لبنان منذ تشرين الأول - أكتوبر 1959. وكان لسليمان حمد مقال شهري ثابت تحت سلسلة "فلسطين بين جهاد الأحرار ومؤامرات الخونة والاستعمار"؛ واختار لنفسه اسما مستعارا هو "جهاد مؤمن". وكان مسؤولا عن وضع عدد من الشعارات مثل "ثورة حتى النصر" و"كل البنادق باتجاه العدو".
ترك حمد حركة فتح سنة 1963 بعد أن أخذت قيادة الإخوان الفلسطينيين في غزة موقفا متحفظا تجاه فتح، وبعد أن لم تنجح محاولات سليمان حمد في الوصول إلى توافق بين الطرفين حتى أَمَرَ كل طرف أعضاءه بالتمايز عن الطرف الآخر سنة 1962، وبعد أن أصيب سليمان حمد بالإحباط نتيجة تساهل عرفات في إدخال عناصر "غير ملتزمة" محسوبة على تيارات قومية ويسارية وبعثية.
مع الإخوان الفلسطينيين
عاد سليمان حمد لينشط من جديد في الوسط الإخواني، خصوصا منذ 1966، وانتخب عضوا في قيادة التنظيم الفلسطيني في دورة 1969، ودورة 1973. وفي سنة 1975 تولى حمد قيادة الإخوان الفلسطينيين في الكويت، واستمر في ذلك حتى نهاية سنة 1989، مع الإشارة إلى أنه في 1975 انتخب خيري الآغا مراقبا عاما للإخوان الفلسطينيين، وانتُخب سليمان حمد نائبا له.
كان ثمة تناغم كبير بين سليمان حمد وبين خيري الآغا، الذي كان أيضا مسؤولا عن الإخوان الفلسطينيين في السعودية. وكان يجمع بين شخصيتيهما الرغبة القوية في استئناف العمل الجهادي، والإيمان القوي بضرورة تفعيل الشباب وتحميلهم المسؤولية. وقد توافق ذلك تماما مع شخصية الشيخ أحمد ياسين الذي تولى قيادة الإخوان الفلسطينيين في قطاع غزة بعد الاحتلال الإسرائيلي سنة 1967.
إذا ما رجعنا إلى تجربة سليمان حمد الإخوانية، فلعلنا نختار ثلاثة نقاط تستحق الوقوف عندها:
النقطة الأولى: الاهتمام بالشباب وتفعيل دورهم، من خلال عمل حثيث وإعداد قوي، دونما اعتساف أو حرق للمراحل. وكان لحمد دور أساس في اتخاذ قرار "ثوري" بتخصيص 75 في المئة من ميزانية التنظيم في الكويت للعمل الطلابي؛ ووراء فصل عمل "الكبار" عن الطلاب، ليتاح للطلاب قيادة عملهم بأنفسهم، بإشراف أحد الإخوة المسؤولين ممن يتفهمون عقلية الطلاب ويستوعبونهم.
كانت بداية العمل الطلابي في الكويت (1972/1973) بخمسة طلاب (كان أحدهم خالد مشعل "أبو الوليد")، وكان ذلك عندما كان عمر أبو جبارة مسؤولا عن العمل في الكويت، وكان سليمان حمد نائبه، (عمر أبو جبارة كان أيضا المراقب العام للإخوان الفلسطينيين حتى وفاته رحمه الله سنة 1975).
وقد شهد العمل الطلابي انطلاقة كبيرة في المساجد والمدارس، حيث التجمعات الفلسطينية، خصوصا في حولي وخيطان والفروانية والسالمية، وفي جامعة الكويت. ليصبح التيار الإسلامي هو التيار الأقوى (قائمة الحق الإسلامية برئاسة خالد مشعل) في انتخابات الاتحاد العام لطلبة فلسطين في جامعة الكويت في السنة الدراسية 1977/1978، ولتضطر قيادة الاتحاد الفتحاوية لتعطيل الانتخابات سنتين متتاليتين تجنبا لفوز الإسلاميين.
وقد أثمر هذا العمل الكثير من قيادات العمل الإسلامي لفلسطين في الخارج، والتي برزت لاحقا كقيادات في حركة حماس أمثال خالد مشعل، وماهر صلاح، ومحمد درويش (أبو عمر حسن)، وجمال عيسى أبو بكر، ومنير سعيد، وعزت الرشق، ومحمد نزال، وأسامة حمدان … وغيرهم.
إن إيمانه بإفساح المجال للشباب للصعود القيادي، بعد استكمال التأهيل، وإيمانه بالتداول القيادي، دفعه في اللقاء الذي جمع مجلس الشورى لانتخاب قيادة جديدة للتنظيم في الكويت في كانون الأول - ديسمبر 1989، لأن يُقسم بالله على الحاضرين (بعد أن افتتح الجلسة) ألا يعيدوا انتخابه؛ مما أجبرهم واضطرهم لاختيار خلف له، وهكذا كان كبيرا في انطلاقته، كبيرا في عطائه، كبيرا في تنحيه. وطوال السنوات التالية كان يؤكد لإخوانه أنه "جندي من جنود هذه الدعوة".
النقطة الثانية: العمل الجهادي والمقاوم؛ إذ إن الأداء الجهادي المميز للإخوان في حرب 1948 كان من أكثر ما جذبه إليهم؛ وشارك في تأسيس فتح عندما نشأت في بيئة إسلامية وطنية وعمل معها بضع سنين. وعندما قرر تنظيم الإخوان الفلسطينيين أن يحسم الأفراد علاقتهم إما بفتح أو الإخوان.
احترم قرارهم؛ لكنه شخصيا لم يوافق عليه، وسمى ذلك "الفصام النكد". وكان يرى إمكانية بقاء صيغة ما من العمل مع فتح، ما دامت توفر مظلة للمقاومة الوطنية الشريفة في ذلك الوقت. وعندما قرر تنظيم الإخوان الفلسطينيين عدم الانضمام رسميا إلى معسكرات الشيوخ في الأردن 1968-1970 (بخلاف تنظيم الأردن وعدد من التنظيمات الإخوانية) وترَك الأمر للاجتهاد الفردي. كان صوته ضمن القلة التي كانت تدعم الانضمام للمعسكرات وتبنيها.
ومع تهيؤ ظروف أفضل في منتصف السبعينيات، ومع قيادته للعمل الإخواني الفلسطيني في الكويت، كان له دور أساس في الدفع باتجاه استئناف العمل الجهادي وتهيئة البيئة المناسبة لذلك، وخصوصا في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات. وتكللت هذه الجهود التي تعاضد لإنجاحها الجميع في الداخل والخارج، بانطلاقة حركة حماس؛ والتي شارك في قيادتها في الخارج حتى 1990، وكان رئيسا للجنة التي تشرف على التخطيط فيها في الفترة 1988-1990.
النقطة الثالثة: تنظيم بلاد الشام: كان لسليمان حمد دور رئيسي (إلى جانب خيري الآغا) في دمج تنظيم الإخوان الفلسطينيين بتنظيم الإخوان الأردنيين سنة 1978 في ما يعرف باسم "تنظيم بلاد الشام". وكانت الفكرة قد نوقشت ونضجت في البداية لدى قيادة التنظيم الفلسطيني. وكان الطموح لتوسيع مشروع الدمج ليشمل لاحقا تنظيمي الإخوان السوريين واللبنانيين.
وقد شكل ذلك قفزة نوعية للعمل لفلسطين في تلك المرحلة، إذ إن الإخوان في الضفة الغربية كانوا يتبعون إخوان الأردن، كما أن ما لا يقل عن نصف الأردنيين هم من أصول فلسطينية. وهذا التداخل كان يتسبب بنوع من التضارب في التخطيط والتوجيه وضبط أولويات العمل لفلسطين. وقد سهل هذا الدمج توحيد العمل في الضفة والقطاع، من خلال مكتب قيادي واحد في الداخل، يتبع العمل المركزي في عمَّان؛ حيث تشكلت لجنة فلسطين لمتابعة هذا الشأن.
ثم تطور هذا العمل بإنشاء جهاز فلسطين سنة 1985، الذي تولى متابعة العمل الفلسطيني في الداخل والخارج، والذي كان يتبع رسميا قيادة تنظيم بلاد الشام؛ وهو الجهاز الذي رعى انطلاقة حماس 1987، ووفر لها الاحتياجات اللوجستية ماليا وعسكريا وسياسيا وإعلاميا؛ وكان يرأسه خيري الأغا، بينما كان لسليمان حمد دور أساسي طوال مرحلة الثمانينيات في المشاركة في قيادته وإنجاحه.
وفاته
ظل سليمان حمد مخلصا لدينه ودعوته ووطنه فلسطين وقضيتها حيث لم ير إلا الكفاح المسلح ضد الصهاينة خير سبيل حتى توفاه الله يوم الأحد 26 يناير 2020م الموافق 30 جمادى أول 1441هـ
هؤلاء قالوا عنه
الأستاذ خالد مشعل
قال رئيس المكتب السياسي السابق لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، خالد مشعل:
إن الشيخ الراحل سليمان حمد كان من ثمرات عمله تأسيس نواة الحركة في الخارج بالتعاون والتنسيق مع الشيخ أحمد ياسين في غزة والضفة. وأضاف مشعل خلال كلمة له في بيت عزاء حمد، أن حمد كان منذ نعومة أظفاره في قيادة التنظيم الفلسطيني للحركة الإسلامية الفلسطينية مطلع الستينيات، ولم يبدل تبديلاً رغم ما أصابه من الضعف، وكان مرجعًا وإمامًا، وظل على العهد.
وأشاد بمناقب الشيخ الراحل، مبينًا أن له ثمرات في التربية، وكان شخصية عظيمة عملت بصمت في الخفاء بعيدًا عن الشهرة والأضواء، كما أن فكرة الجهاد والمقاومة كانت متجذرة وعميقة في نفسه وعقله وروحه طوال حياته. وأوضح مشعل أنَّ لرحيل حمد فقدًا كبيرًا مؤثرًا في النفوس، خاصة لمن عاش معه وتتلمذ على يديه، واستظل بمظلته المشجعة لأبناء الحركة.
وتابع: لو لم يكن أبو محمد في هذه المسيرة لما تشكلت حماس بهذه السرعة، ولم يكن ذاك الإعداد المبكر منذ أواخر السبعينيات. وتطرق مشعل إلى صفات الشيخ، مبينًا أنه كان عميق الانتماء لفكرة المقاومة والجهاد، وكان مخلصًا، ولم يتخلَ عن انتمائه الإسلامي.
ولفت إلى أن الشيخ حمد هو صاحب فكرة العمل العسكري في الخارج بموازاة غزة والضفة، وهو مَن عمل على تدريب معظم أبناء الحركة في الخارج، وكان له بصمة في مسيرة الجهاد والمقاومة. وأشار مشعل إلى أن حمد هو مَن وقف وراء إنشاء قسم الطلاب في الحركة الإسلامية، والذي كان أول لبنة في إنشاء الحركة في الخارج، وكان ينفق أغلب ميزانية الحركة عليه. وذكر أن الشيخ كان صاحب فكرة إنشاء مؤتمر لفلسطين يؤسس لمسيرة حماس، حيث كان صاحب البصمة، وقدّم هذا المقترح لقيادة الدعوة في ذلك الوقت.
الدكتور أحمد يوسف
قال الدكتور أحمد يوسف:
- التقيته في مدينة فورت كولينز بولاية ميزوري الأمريكية في الثمانينيات؛ باعتباره أحد قيادات العمل الإسلامي لفلسطين، بل كنائب للدكتور خيري الأغا (رحمه الله) والذي كان – آنذاك - رئيساً لـ"جهاز فلسطين" العام، حيث كان الجهاز بمثابة المرجعية التنظيمية والحركيِّة لعملنا الفلسطيني في الخارج.
كان د. موسى أبو مرزوق هو ممثل الجهاز في أمريكا، وهو حلقة الوصل مع د. خيري الأغا الذي كان بمثابة رأس الهرم لتلك المرجعية.
جاء الأستاذ سليمان الحمد لزيارة أمريكا عام 1983، بهدف اللقاء بقيادة كوادر الحركة الإسلامية الفلسطينية هناك، حيث دارت بيننا أحاديث مطولة حول "تنظيم بلاد الشام" ومهمات العمل التي يقوم بها في الداخل والخارج، وقد طرحنا عليه احتياجاتنا ومطالبنا في الساحة الغربية، من حيث الميزانيات وتحصيل منح للطلاب الفلسطينيين الدارسين في أمريكا كون إمكانياتنا محدودة، وقد وعدنا أن يعمل من أجل ذلك عند عودته إلى الكويت وفعلاً؛ حصلنا على بعض ما طالبنا به وخاصة منحاً لعدد من الطلاب في قطاع غزة.
كان ذلك اللقاء هو الأول الذي أجلس فيه إلى جانبه واستمع إليه، ولكن من باب الأمانة أن ذِكر الرجل كان دائم الحضور على ألسنة الطلاب الفلسطينيين القادمين من الكويت للدراسة في أمريكا.
في الحقيقة، إن قدوم الأستاذ سليمان الحمد للكويت في أوائل الخمسينيات كان له الفضل الكبير في التزام الكثيرين من أبناء فلسطين في الكويت بالحركة الإسلامية، حيث ساعدت أجواء الانفتاح والحرية التي تنعم بها البلاد في تنامي الأنشطة الدعوية وانتشارها، كما شجَّعت المئات من هؤلاء الشباب للسفر للغرب لاستكمال دراساتهم العليا بمنحٍ حكومية أو من خلال الجمعيات الأهلية.
الأستاذ محمد نزال
وذكر محمد نزال نائب رئيس حركة حماس في الخارج:
- إن فلسطين فقدت، بوفاة الأستاذ الداعية المربّي سليمان حسن حمد ، أحد خيرة الرجال الرجال، والصفوة الصفوة، من أبناء فلسطين، والأمة، الذين عملوا لهذه القضية، منذ نعومة أظفارهم، ولم تحل هجرته إلى الكويت ، في مطلع الخمسينيات، من القرن الماضي، دون قيامه بمهمة البناء للعودة والتحرير ، ولم ينغمس في جمع المال، ولا في اللهاث وراء لُعاع الدنيا، وإنّما كان من مؤسّسي العمل الفلسطيني الإسلامي وروّاده في الكويت والخارج.
وأشار نزال إلى أن المربي حمد أنشأ جيلا من الشباب، الذين حملوا الراية، وقادوا المسيرة، متكاملين مع إخوانهم داخل فلسطين، فكانت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، هي العنوان الممثّل للتيار الإسلامي الفلسطيني الجهادي.
وأضاف نزّال، إن هناك مآثر كثيرة لابد من الإشارة إليها ، أذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر ، الأولى، هي أنه أفسح المجال أمام الشباب ، حتى يأخذوا دورهم في التقدّم ، نحو حمل الراية، والثانية، أنه تمكُن من استقطاب واستيعاب شخصيات كان لها دورها في عملية البناء والتربية ، ومن أبرزها الشيخ عمر سليمان الأشقر - رحمه الله -،الذي كانت له بصمات مؤثّرة وعميقة ،على جيل الشباب الفلسطيني خصوصا، وجيل الصحوة الإسلامية عموما.
وتابع :
- " واما الثالثة، أنه تنحّى عن سُدّة القيادة ، عندما بلغ الستين، إيمانا منه بضرورة إفساح المجال أمام دماء جديدة، لأخذ دورها في القيادة وكان حريصا على الابتعاد عن الأضواء، بعد خروجه من سُدة القيادة، واكتفى بدور الناصح ، والمرشد ، والموجّه.
وطالب نزال تلامذة الفقيد الكبير ، ورفاق دربه ، أن يتحدّثوا عن مناقبه ومآثره ، تعريفا به ،للأجيال الحالية والمقبلة .
المصادر
- محسن محمد صالح: سليمان حمد.. رائد العمل الإسلامي الفلسطيني في الكويت، 29 يناير 2020
- مشعل يشيد بمناقب الشيخ المؤسس سليمان حمد: 30 يناير 2020
- أحمد يوسف: دعاة مغتربون: الأستاذ المربي سليمان الحمد، 15 أكتوبر 2019
- سيف الدين باكير: وفاة رائد العمل الإسلامي الفلسطيني في الكويت سليمان حمد، 27 يناير 2020
- مراجعات مع سليمان الحمد - الحلقة 1: قناة الحوار، 2010
- تأبين حماس للشيخ حمد: 30 يناير 2020