سامبو شيطان السجن الحربي
مقدمة
يسعى الباحثين والكتاب إلى تخليد سير العلماء والمصلحين وأرباب الفضل الذين نفعوا البشرية، وساهموا في تخليد أسمائهم في صحائف من نور. غير أنه لابد من كشف تاريخ المجرمين الذين أساءوا للإنسانية، وعملوا على إهدار الكرامة وحرية الناس لا لشيء إلا تنفيذا لأوامر أسيادهم الذين ظلوا يرددون كلمات "احنا عبد المأمور".
كان عام 1954 هو – كما يقول مصطفى عبيد - أعنف أعوام المواجهة بين ثورة يوليو وأعدائها كما يذكر المؤرخون . هذا العام دخل عبد الناصر معركة شرسة مع رئيس مجلس قيادة الثورة محمد نجيب ونجح في اقصائه وتحديد اقامته ، وتخلص عبد الناصر من جميع الساسة القدامي في محاكمات شرسة أجرتها محكمة الثورة ، ثم تخلص من جماعة الإخوان المسلمين بإصدار قرار بحلها ثم بتدبير حادث المنشية أو بتشجيع بعض عناصر الإخوان بالقيام به ، ثم التخلص من معارضيه داخل مجلس قيادة الثورة نفسه مثل خالد محيي الدين ويوسف صديق .
في تلك الاثناء كانت كفة السياسة تميل بشكل واضح تجاه عبد الناصر ذلك الرجل الذي استطاع أن يبني لنفسه زعامة اقليمية وشعبية غريبة ، وكان علي جميع الطامحين في الصعود السياسي أن يعلنوا ولاءهم الكامل والتام الي عبد الناصر شخصيا ، وعرفت مصر وقتها ظاهرة كتابة التقارير واعلانات الولاء والنفاق الي أقصي درجة، حتى قال عباس محمود العقاد لتلاميذه ستعيشون لترون هذا الرجل يحول الشعب الي عبيد . وبالفعل رحل العقاد عام 1964 ولم يشهد كافة جرائم العهد الناصري التي افتضحت بعد نكسة يونيو 1967 ثم انكشفت تماما بعد وفاة عبد الناصر في سبتمبر عام 1970م
وتفيض مذكرات المساجين السياسيين بدءا من زينب الغزالي وعلي جريشة وحتي مصطفي أمين وضحايا كمشيش سردا لأساليب التعذيب وفنونه المبتكرة التي سادت في السجن الحربي والتي نقلها بعض الضباط فيما بعد الي غيرها من السجون . إن الطريقة التقليدية للتعذيب كانت التعليق في الشباك أو السقف أو في سارية والضرب بالسياط بعد دهن الجسد كله بالزيت حتي يكون اللسع أكثر ايلاما. لقد استخدم لتنفيذ هذه السياسات أكثر الناس قسوة، وأغدق عليهم حتى أنه بلغ بهم الحال الاستهزاء بالذات الإلهية، وكان من هؤلاء الجندي سامبو (شيطان السجن الحربي).
من هو؟
في بلدة طلخا التابعة للمنصورة بمحافظة الدقهلية نشأ تقي الدين سليمان شرف الدين حيث ولد عام 1945م ولم ينل شيئا من التعليم، وعمل في مجال الزراعة كفلاح، حتى تم تجنيده بالسجن الحربي ابتداء من منصف نوفمبر عام 1965م ويبدو أن صفاته وطباعه كانت تؤهله لهذا المكان الذي لم يعمل فيه إلا غلاظ القلوب أمثال حمزة البسيوني وصفوت الروبي وغيرهم.
ظل بالسجن الحربي حتى نقل إلى مستشفى القوات المسلحة بعد ثلاث سنوات وبالتحديد في 15 سبتمبر عام 1968م. قدم للمحاكمة في عهد السادات على إثر بلاغات التعذيب التي وقعت في السجن الحربي ضمن مجموعة السجن أمثال حسن كفافي وصفوت الروبي وغيرهم لتعذيب إسماعيل الفيومي وقضية تعذيب المقدم مصطفى راغب، وقضية تعذيب محمد جمال الدين الشرقاوي.
ومما يدل على عدم اتزان شخصيته أنه كان كثير الابتسام وهو داخل قفص الاتهام، أمام محكمة الجنايات، الدائرة السادسة وكأنه في نزهة جميلة أو في فرح. (1)
شيطان الحربي
اختار حمزة البسيوني عدد من الجنود غلاظ القلوب ليعملوا معه داخل السجن الحربي لتعذيب النزلاء – خاصة الإخوان المسلمين – فكان سامبو احد هؤلاء الشياطين. فيروى زكريا النوابتي .. قصة استشهاد محمد منيب عبد العزيز .. أمين مكتبة كلية العلوم بجامعة أسيوط .. والمحبوس من أجله حسن كفافي وصفوت الروبي : وكان الشهيد محمد منيب أشد تعرضا للإيذاء من بيننا جميعا فكنا عندما نؤخذ إلى دورة المياه صباحا في مجموعات يناله من الأذى الكثير على يد العسكري سامبو ففي الذهاب والإياب يتعرض للصفع والركل والضرب دون سبب أو مبرر من سامبو.
وفي يوم 20 سبتمبر سنة 1965 أخرجونا من الزنزانات لعمل "فيش وتشبيه" وكان الشيخ الأودن معنا وكانوا يعزلونه عن الإخوان .. أجلسونا في ساحة السجن وأخذ الحراس يتكلمون علينا ويسخرون منا ويوقعون علينا أصنافا من العذاب وجاء دور الشيخ الأودن وإذا بالعسكري "سامبو" يجذب الشيخ من لحيته في عنف ويوجه له أقذع الألفاظ فاحتقن وجه الشيخ ولم يملك أن يعمل شيئا إلا أنه تمتم بكلمات لعلها "حسبنا الله ونعم الوكيل". (2)
وتقول الحاجة زينب الغزالي:
- بعد ساعات من التعذيب الشديد جاء صفوت ومعه شيطان أسود يدعى سامبو، ضربوني على وجهي عدة ضربات وأخذوني إلى الزنزانة وأغلقوها.
وتضيف:
- وجاء الزبانية يسوقونني بسياطهم لأقفز إلى الماء فأتمنع ، فترتفع جاهليتهم . وتزداد حمية سياطهم فأسقط على الأرض ، فقد كان العذاب فوق طاقتي بكثير.. تفنن فيه صفوت، والجندي سعد، وجندي ثالث يدعى سامبو، هكذا سمعتهم ينادونه ، وحملني الثلاثة وقذفوا بي إلى البئر!! . وأفتح عيني فإذا بأنني أقف على أرض صلبة! ! .. وعرفت أن الماء لم يكن بئرا وإنما هو زنزانة من الماء، وكانت زيارة سامبو وسوطه لا تقل عن خمس مرات في الليلة الواحدة. (3)
ويقول الصروي:
- هناك عساكر أمثال (سامبو) و (زغلول) حينما تفتح الزنزانة فإنه يتطوع بالصفع على الوجه أو الركل (الشلوت) بالرجل .. أما عن الشتائم فهذه حدّث ولا حرج .. وبعضهم يحمل معه كرباج (سوط) يضرب به ما استطاع.
حتى أن زكريا شقيق إسماعيل الفيومي:
ويصفه أحمد رائف بقوله:
- وعلى باب الزنزانة كان يقف سامبو كأنه شيطان ومن دخل السجن الحربي لابد أن يعرف سامبو، وقد استطعنا ترويض البعض إلا سامبو لم نستطيع رغم ذكاء البعض وبراعتهم في الترويض وزاد الأمر سوء بعد عندما منح شريطا على كتفه فقد صار يتصرف كأنه مونتجمري. (5)
لا أحد يعرف مصير سامبو بعد المحاكمات التي جرت، وهل سجن أم خرج؟ وكيف عاش بعدها؟ وهل تعرف أسرته وأولاده ما قام به من قتل وتعذيب لكثير من السجناء في فترة عبد الناصر حتى أطلق عليه شيطان السجن الحربي؟ لعل المستقبل يحمل كشف لكثير من الحقائق عن هؤلاء المجرمين.
المراجع
- عادل سليمان وعصام سليمان: شهداء وقتلة في ظل الطغيان، الجزء الأول، مطابع دار الشعب، القاهرة، 1977م، نسخة إلكترونية إخوان ويكي
- جابر رزق: مذابح الإخوان في سجون ناصر، دار الاعتصام، جـ1، 2- نسخة إلكترونية إخوان ويكي
- زينب الغزالي: أيام من حياتي، دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة، 1978م.
- محمد الصروي: تنظيم 65 .. الصحوة والزلزال، دار التوزيع والنشر الإسلامية.
- أحمد رائق: البوابة السوداء، دار اللواء، عمان الأردن، طـ1، 1974م.