القاديانية نشأتها وتطورها
للأستاذ حسن عيسى عبد الظاهر
تقديم لفضيلة الدكتور محمد عبد الرحمن بيصار
الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية .
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سينا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه إلى يوم الدين
وبعد
فإن الإسلام هو دين الله دعا إليه كل رسول , وبعث به خاتم النبيين والمرسلين سيدنا محمد – صلوات الله وسلامه عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين – فهو دين الله الخالد نطقت بعقائده وتشريعاته كلمة الوحي سمحاء نقية لا عوج فيها ولا التواء , واستقام عليها العقل البشري بلا تناقض ولا خصام واستجابت له وتستجيب ملايين البشر حتي يرث الله الأرض ون عليها وهو خير الوارثين.
ومنابع هذه الرسالة الخاتمة هي القرآن والسنة وقد ظلت وستظل تمد الحياة والأحياء بالحق الذي لا يلابسه ريب (وبالحق أنزلناه وبالحق نزل ) من أصالة هذه الرسالة وسيماها المميزة أن الله – سبحانه – تولي حفظها بحفظ كتابها الخالد( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
وببعثه رسوله محمد صلى الله عليه وسلم – ختمت رسالات السماء : ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين).
وكان هذان الأساسان : حفظ الله تعالي لكتابه , وختمه الرسالات بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم – مما تميزت به رسالة الإسلام الخالدة العامة واستبانت معالمها ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
وصار لها بذلك أصالة وحصانة ترد عنها كل زيف أو بهتان .
وعبر الأجيال والسنين وموكب الفكر الإسلامي على ضوئها ينشر راياته لكن بين الحين والحين تتسلل إليه عناصر غريبة عنه فى نشأتها ومنزعها أو تنبت فى حقله نابتة لا ينزعها إليه عرق تبدو نتوءا فى جسم هذا البناء الشامخ الأشم .
وتكون هذه وتلك فتنة ما تلبث أن يتبين دخنها وغربتها عن هذا الدين القويم وقد شهد عصرنا الحاضر – كما شهد غيره من قبله نماذج من تلك النتوءات التي تظهر فى جسم الأمة الإسلامية وتنبت فيه كما ينبت الحسك والسعدان ,تعيش على حساب هذه الأمة وباسمها , ولا تجني الأمة منها إلا البوار مما يقتضيها دائما أن تكون لمثل هذا على يقظة تامة تنبع عليه , وتشذبه, وتنقي خبثه , وتكشف ما فيه من زيغ.
وهذا البحث الذي بين يدي القارئ الكريم يقدم لنا بالدراسة والتحليل والنقد نمطا من هذه الأنماط الخارجة على الإسلام وهو " جماعة القاديانية" التي تمثل انحرافا عن سبيل الإسلام المستقيم , شغلت به المجتمع الإسلامي وما زالت تشغله بأفكار واتجاهات غريبة لا تمت إلى الإسلام بصلة مما يقتضي أبناء الإسلام تقويم هذا الانحراف وبيان معوجه .
ولقد كانت هذه التيارات الغريبة عن الإسلام مثار اهتمام " المجمع " فى مؤتمراته العالمية السابقة حيث وجه الباحثين إلى دراستها تمهيدا لعرضها على المجتمعات الإسلامية فى أسلوب البحث العلمي البعيد عن الانفعالات والإثارة ليقف المسلمون فى العالم على أسرارها وخباياها .
والمجمع يقدم اليوم هذا البحث عن :" القاديانية" للأستاذ حسن عيسى عبد الظاهر وهو ابن من أبناء الأزهر الذي حملوا أمانة رسالته فى القطر إسلامي تسني له فيه أن يلمس عن قرب معالم هذه الفرقة من واقع نشاطها ومدارسة دعائها وقدم فى بحثه نصوصا من مؤلفات دعاتها ,يدعم بدراستها لهذه الفرقة ملتزما فى ذلك المنهج العلمي فى بيان الحق والنصرة له , ودفع الشبه عنه .
والله نسأل أن ينفع به فالحق أحق أن يتبع والله ولي المؤمنين ( فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض )
دكتور محمد عبد الرحمن بيصار
الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية
تقديم
الحمد لله يقول الحق هو يهدي السبيل...
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه إلى يوم الدين .
وبعد
فقد ظهرت الدعوي القاديانية فى النصف الثاني من القرن التاسع عشر , فى بلاد الهند , وشغلت الأمة الإسلامية ومازالت حتي اليوم بأفكارها ونشاطها الذي تجاوز حدود وطنها إلى أنحاء كثيرة من العالم الإسلامي وبخاصة فى المواطن النائية والنامية منه .
وأبرز ما يكون نشاطها حيث تنفرد بالدعوة باسم الإسلام فى هذه المواطن فى أمريكا وفى أفريقيا على سبيل المثال .
وصاحب هذه الدعوة هو " مرزا غلام أحمد القادياني" الذي قدم نفسه بدعواه مصلحا ومجددا , ثم مهديا , ثم المسيح الموعود أخيرا نبيا ورسولا وهي دعوي تنافي الإسلام فى كثير من عقائده وشرائعه.
وخطورتها: أنها تقدم باسم الإسلام وعلى أنها هي الإسلام الصحيح وتجد آذانا تستمع لها ممن ليس لهم علم سابق بالإسلام أو من البسطاء الذين يخدعون بها وبدعاتها.
وقد ساندها فى نشأتها وفى امتداد نشاطها المستعمرون الصليبيون نظر لما قدمته لهم من خدمات بالعمل على تسكين الثورة ضدهم فى الهند وفى غيرها من المستعمرات بالترويج لدعوي إبطال الجهاد وفتح ثغرات التشكيك فى الإسلام وبلبلة الأفكار حوله .
فضلا عما يمتاز به مدعيها ودعاته من بعده من نشاط كبير فى الكتابة وإنشاء المراكز دعوتهم وقد حققوا نجاحا فى مواطنهم وفى بعض البلاد التي نشطوا فيها .
وقد تعقبهم علماء المسلمين ومصلحوهم بتفنيد دعوتهم وإظهار أباطيلهم وتبصير الأمة بانحرافاتهم . ودافعوا هم عن أنفسهم باستماتة وما يزالون...
وقد لمست نشاطهم عن قرب فى إحدي البلاد الإفريقية فى ( نيجيريا) وفى مدينة " كانوا" بالذات واقتضت طبيعة عملي هناك – كمبعوث للأزهر للدعوة إلى الإسلام ونشر ثقافته – ان أطلع على كثير من أفكارهم وأواجه نشاطهم وأساليب دعاتهم والثار القريبة والبعيدة لها وكانت لى مع بعض دعاتهم تجارب ولقاءات فكرية أتاحت لى التعرف على أفكارهم من واقع ما كتبه داعيتهم وصاحب مذهبهم ومما كتبه دعاته من بعده ومن واقع ما قرأته وما استخلصته من مناقشتي معهم ومع بعض من خدع بهم تبين لى : أن القوم يعملون لحساب داعيتهم ومن يساندونه لا لحساب الإسلام بأى حال , وأنهم أصحاب دعوي باطلة , يروجها دعاة لها مخلصون ودائبون فى نشاطهم بل ومتجردون لها.
وقد مكن لهم فى المستعمرات الإنكليزية بما لم يمكن لغيرهم وخطرهم على الإسلام والمسلمين قائم فعلا الأمر الذي يقتضي التصدي لهم بكشف حقيقتهم وتنحية أباطيلهم عن وجه الإسلام الوضيء وبيان موقعهم من دعوة الإسلام الحق وأنهم ليسوا على شئ منها وتنبيه المسلمين إلى خطرهم .
ولتكن دعوتهم بعد ذلك ما شاءوا إلا أن تكون باسم الإسلام أو على حسابه فذلك أخطر تزييف له, تروجه أصابع خفية تكيد للإسلام وتحقد عليه .
وفى سبيل رد العوادي عن الإسلام وكشف أباطيل المزيفين والدجالين باسمه كتبت هذا البحث لبيان دعوي القاديانية , وكشف حقيقتها .
وقد تناولت فيه دراسة البيئة والعصر والمؤثرات التي نشأت فى ظلالها هذه الدعوي وعرضت لإلقاء الضوء على حياة " مرزا غلام أحمد القادياني" كما عرضت لنشأة دعواه والمراحل التي تطورت إليها .
ثم بينت دعوي القاديانية وأفكارها فى جوانب العقيدة والفروع وناقشت مواطن الانحراف وذكرت وجوه الصواب لها ورد الشبه الواردة فى مسائل الوحي وختم النبوة والجهاد , نزول المسيح – عليه السلام – ودعوي القادياني لنفسه حق التشريع .
وقد ختمت هذه الدراسة ببحث عن تطورات " القاديانية" بعد صاحبها وتتبعت انقساماتها ووجوه نشاطها ثم بيان مواقف الإسلام منها .
وقد التزمت – فى بيان المواقف والآراء – دعمها بالنصوص من كتابات القادياني , ثم كتب دعاته من بعده, ليكون القارئ وجها لوجه أمام أفكارهم وتكون إدانتهم بكلامهم .
فإن كنت قد وفقت لما قصدت إليه فلله الحمد والمنة وهو من وراء القصد خير معين .
وإن أكن قد قصر بي الجهد عن توفيه الموضوع تمامه فأرجو أن يكون خطوة فى سبيل الدفاع عن الإسلام وتنحيه زيف المزيفين عنه يشحذ همة الدعاة غلى الإسلام لمواصلة البحث لرد دعاوي المنحرفين والمزيفين: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين).
والله الموفق للصواب وهو نعم المولي ونعم النصير
الباب الأول :وطن القاديانية وعصرها
الفصل الأول البيئة وأثرها
الهند : جغرافيا وبشريا
نشأت القاديانية فى النصف الثاني من القرن التاسع عشر فى الهند. وبلاد الهند تبلغ من الاتساع والتنوع ما تتجاوز به مفهوم ( الوطن الواحد ) و( الأمة الواحدة) و( العقيدة الواحدة) .
فهي ( جغرافيا) فسيحة الأرجاء تعد بحساب المساحات أكبر من بريطانيا العظمي عشرين مرة ولم تكن قط فى زمن من الأزمان ( وحدة جغرافية ) إذ كانت المواصلات فيها منقطعة أو متعذرة .
وتترامي أطرافها شمالا , حتي تحدها سلسلة جبال الهملايا متجهة شرقا حتي جبال آسام , وغربا حتي جبال هند كوش وسليمان حيث تقع أفغانستان وإيران ثم هي تمتد إلى الجنوب فى شبه جزيرة يقع " بحر العرب" فى غربها وخليج البنغال فى شرقها وسيلان فى طرفها الجنوبي .
وهي ( بشريا): تنتظم أمما وشعوبا شئ ليسوا من جنس واحد ولا يتكلمون لغة واحدة وينقسمون إلى طبقات والطبقات إلى فروع كل منها ينطوي على نفيه فى العبادة والزواج والمعيشة على نمط من التعصب العقائدي للتقاليد .
وهي ( وطنيا): لم تكن على وحدة بأي معني من معاني الوطنية بل لم يكن لها قط اسم واحد قبل دخولها فى حوزة الدولة البريطانية .
وقد اختير لها هذا الاسم , إيثارا لليسر من اختراع اسم جديد .
وما كان هذا الاسم " الهند" يطلق على غير نهر السند وواديه وهو بالنسبة لها جزء من قارة كان يجهله كثير من سكانها المتفرقين فى أرجائها .
من أجل هذا كله لم يكن ينظر إليها كأمة واحدة كمصر أو بابل , وإنما كان النظر إليها كقارة بأسرها فيها من تنوع المناخ والسكان واللغات , والآداب والفلسفات ما في قارة بأكملها .
هذه القارة أو شبه القارة بكيانها هذا تنقسم إلى قسمين عظيمين:
الأول : هضبة مرتفعة نوعا من الجنوب يحف بها غربا بحر العرب, وشرقا خليج البنغال , ويطلق عليها اسم هضبة " الدكن" ويجري معظم أنهارها إلى الشرق .
الثاني : عبارة عن السهول الشمالية التي يجري فيها نهر الكنج ونهر السند غربا , وهي منحصرة بين جبال هملايا وهضبة الدكن .
وفى هذا القسم وفى الطرف الشمالي منه يقع إقليم " البنجاب " بعاصمته الجميلة " لاهور " وفى مديرية" غوردا سفور "( بعد تقسيم الهند سنة 1947 م إلى باكستان والهند قسم – تبعا لذلك – البنجاب إلى بنجاب شرقية وبنجاب غربية أخلي المسلمون الشرقية وأخلي غير المسلمين الغربية ومديرية غوردا سفور – التي تتبعها قاديان – واقعة – بعد التقسيم – فى الهند حاليا ( باكستان فى ماضيها وحاضرها ) دار المعارف ). فى هذا الإقليم وفى قرية صغيرة فيها تسمي " قاديان " ولد " مرزا غلام أحمد قادياني" وإليها كانت نسبته وفيها نبتت معه نحلته .
الهند وطن الأديان والنحل والمذاهب
هي وطن لذلك, وأيضا وطن متنبئين ومتألهين تصف ألسنتهم الكذب ذلك أن طبيعتها فى الدين لا تفترق عن طبيعتها المناخية تلك المتنوعة والمتلونة بألوان أشبه ما تكون بألوان قوس قزح تتألف من أطياف وظلال شتي من المذاهب والنحل .
وعامل العقيدة فيها هو قوام حياتها وأساس نظمها واكبر مؤثر فى تاريخها فى القديم والحديث ويبلغ التعصب له وبه مدي لا يقوم عليه تباعد الآراء فحسب بل تباعد الحياة نفسها بعاداتها وتقاليدها , تباعدا تظهر آثاره مع ساعات الليل والنهار .
وهذا العامل تتمثل فيه مراحل دياناتها من الوثنية البربرية وتقديس الحيوان والوهم إلى أدق عقيدة فى وحدة الوجود وأوغلها فى الروحانية .
وكما فيها من أدعياء , فيها كذلك من الفلاسفة من عزفوا مئات الأنغام لى وتر التوحيد .
وتسع فى جنباتها الفساح – وجنبا إلى جنب – الهندوسية.( الهندوسية أو الهند وكية أو البراهماتا : مسميات لمسمي واحد وهي تعتبر أكثر الديانات انتشارا فى الهند وتنتظم مجموعة من الطقوس والعادات والتقاليد وهي متعددة الآلهة وأهمها : براهما وفيشنو وشيفا.
وهي تقسم الناس إلى أربه طبقات ثلاث منها عليا . ورابعة دنيا ونصوصها المقدسة مكتوبة باللغة السنسكريتية.
وهذه النصوص هي " الفيدا" أى المقدس وتتضمن أربع مجموعات من الأناشيد والحكم و" الأوبانيشاد" هي تتضمن المفاهيم الدينية للبرهمانية مع تفسير روحاني للشعائر الدينية وشرح فلسفي لها .
والإسلام , والبوذية,( كلمة بوذا تعني ) : المستنير وهو اللقب الذي أطلق علي أمير ولد فى إقليم " نيبال " فى شمال الهند لا كتسابه الحكمة ظهر فى منتصف القرن السادس قبل الميلاد وتتلمذ على نساك البراهماتا , وانتشرت تعاليمه بعد ذلك فى معظم آسيا.
وهي تتلخص فى : أن المعاناة جزء من حياتنا العادية وأن منشأها الرغبات التي تمتلئ بها نفوسنا , وأن علاج ذلك هو القضاء على هذه الرغبات وأن معرفة كيفية البدء فى إطفاء هذه الرغبات هو حقيقة الطريق للإستعلاء بالنفس وتزكيتها كما تقول بالمساواة بين جميع البشر . ويقوم بعض أتباع البوذية بعبادة تماثيل " بوذا باعتباره إلها, والواقع أنه لا توجد آلهة فى الديانة البوذية ).
والسيكية: نسبة إلى " سيك" أو سيخ " بمعني : المريدون وقد أسس هذا المذهب " كرونانك" فى الهند فى القرن الخامس عشر على أساس التوحيد والمساواة والقول بالتناسخ وقد قرأ القرآن وذهب إلى مكة للحج وسلك طريق الصوفية وأخذ يدعو إلى مذهب وسط حتي ينفر منه الهندوس وهناك من يقول بإسلامه, ولكنه مات قبل أن يكشف لأتباعه عن حقيقة معتقده فبقي مذهبه مستقلا وأتباعه فى مبدئهم كانوا كجماعة صوفية , وفى مظهر حياتهم العامة كالهندوس وشعارهم المحبة والتسامح والتطهر من الآثام ولهم معبد كبير فى " دلهي".
وقد وقع بينهم وبين المسلمين فى الهند معارك كثيرة , أدت إلى تمكن العداء بينهما وكان من أبشعها ما حدث سنة 1947م حيث كان السيك أسرع الناس إلى قتل المسلمين والتمثيل بهم ..
والمسيحية , وبجوار أولئك مذاهب أخري لها من الإتباع القليل .
اثر البيئة والإسلام فى عقائد الهند
لا يمكن إغفال تأثير بيئتها على عقيدتها ويبرز ( ولديورانت) هذا الأثر بقوله :
"الحرارة هي العنصر الرئيسي السائد من " دلهي" غلى " سيلان" تلك الحرارة التي أضعفت الأبدان وقصرت الشباب , وأنتجت للناس هناك ديانتهم وفلسفتهم المسالمتين , فليس يخفف عنك هذه الحرارة إلا أن تجلس ساكنا ولا تعمل شيئا ولا ترغب فى شئ وقد تأتي أشهر الصيف فتأتي رياحها الموسمية عن هبوبها تضورت الهند بالجوع وطافت بها أحلام النيرفانا . ومناخها لا يساعد على عقيدة طبيعية تقوم بين الناس وتثبت..
وهي بازاء ذلك كله ( ما تزال تكافح الخرافة والإسراف فى بضاعتها اللاهوتية ولكننا لا نستطيع التنبؤ بالسرعة التي تستطيع بها أحماض العلم الحديث أن تذيب آلهتهم التي تزيد ن حاجتهم ).
ونسي "ول ديورانت" أو تناسي أثر الإسلام فى إذابة كثير من ذلك الركام من الآلهة المصطنعة!.
لكن الأستاذ " مسعود عالم الندوي" يبرز هذا الأثر فيقول : " كان أهل الهند يعبدون ثلاثين مليونا من الآلهة منذ قديم الزمان فلما خالطوا المسلمين وقرع سمعهم صوت الحق , ترقت فكرتهم الدينية , وجعل مصلحوهم يغيرون شيئا فشيئا"
ثم يسوق نماذج من حركات الإصلاح وغيرها مما له دلالة على خصوبة أرض الهند فى إنبات المذاهب والنحل صحيحها وباطلها وما كان للإسلام من أثر فى التهذيب والتصحيح فيقول :
وأول من قام بالإصلاح " شنكرا جورج" المولود سنة 786 م والذي دعا إلى وحدة الوجود , وعبادة معبود واحد هو " شيفا" وهو إله الموت عندهم وكان ذلك زمن قدوم المسلمين فى "مليبار"
ثم يليه " رامانج" الذي دعا إلى عبادة " فشنو" وهو إله الحياة عندهم وقد ولد هذا المصلح فى القرن الحادي عشر . ثم نهض رجال مثل " كبير كان شاعرا ومن والدين مسلمين وكان صاحب فكرة ترمي إلى المزج بين الإسلام والهندوسية ولا يري فرقا بين بورام( مكان المعبد المخصص للإله ( شيفا) أحد آلهة الهندوكية بناه " ناراسيمها فارمان الثاني) فى ( مما لا بورام ) فى الفترة من 680 إلى 720 ورمزا لهذا الإله عندهم بعضوي التناسل فى الرجل والمرأة. وبين الكعبة ولا بين شروح " منومهارشي" وبين ( القرآن) .
و"كرونانك" و" جينتيه" اللذان اقتبسا من تعاليم الإسلام السامية ما يلائم هواهما وأسسا دينا جديدا ولا يزال دين " كرونانك" وأتباعه يدعون بالسيك – الدين القائم على التوحيد منتشرا فى ( البنجاب) على الخصوص وأتباعه من أشجع الهنود, وهم أقرب إلى الإسلام منهم إلى الوثنية لكن السياسة جعلتهم منحازين إلى الهنادك و" كرونانك" هذا قرأ القرآن وزار بيت الله الحرام .
ومن الدولة المغولية وفى فجر القرن الحادي عشر الهجري تولي عرش المملكة الإسلامية الهندية السلطان " جلال الدين أكبر" وهو ملك أمي , لم يقرأ ولم يكتب رزق عقلا كبيرا وهمة وثابة , جلس على عرش أبيه وهو شاب فى مقتبل العمر وعنده رغبة جامحة فى الدراسة والبحث فجمع حوله عددا كبيرا من العلماء وكان أول من التف حوله علماء الدنيا – بطبيعة الحال – وتناقروا كالديكة.
فنشأت عنده الشكوك, وتزعزعت العقيدة واضطرب فى الحقائق الدينية اضطرابا عظيما ثم كان ماسوله له بعضهم من دعوي الاجتهاد المطلق وأنه صاحب دورة جديدة وأن عصر نبوءة " محمد" صلى الله عليه وسلم – قد انتهي إلى هذا الألف وبدأ عهد إمامة السلطان " أكبر" فأعلن نسخ نبوءة محمد – صلى الله عليه وسلم – وانتهاءها, وفاتحة عصر جديد للسلطان فيه الكلمة النافذة والأمر المطاع .
وظهرت له فكرة التقريب بين الأديان ليتفادي الخلاف بين الديانات وحتي تجتمع الهند كلها تحت لواء واحد وعلى دين واحد فلفق الديانات وابتكر مزيجا غريبا من الطقوس والعبادات والشعائر الدينية المختلفة :
فكان يعبد على طريق براهمة الهند , ويتقلد الخيط علامة لهم ويواجه الشمس حين طلوعها تعظيما لها ويرطن بكلمات تقديس لها ولم يزل – بتأثير محيطه – يتباعد من الدين الإسلامي ويتقارب ويمتزج بالبراهمة خاصة حتي نشأ عنده شبه عناد للدين الإسلامي وبغض له ولشارعه فكان يسوءه أن يسمي أحد فى بلاطه ابنه محمدا وحرم ذبح البقرة فى طول الهند وعرضها , وأباح الخمر والخنزير وأصبح الإسلام غريبا مطاردا فى بلاد استمرت فيها الحكومة الإسلامية خمسة قرون فى عهد رجل يتسمي بالإسلام وينحدر من سلالة مسلمة لها غيرة على الإسلام .
وهكذا اتجهت الهند كلها إلى الإباحية والكفر وكادت جهود القرون المتطاولة تضيع سدي إذ كانت المسألة أكبر من انحراف فردي , ,غنما كان انحراف دولة من أعظم دول الأرض آنذاك على رأسها رجل من أكبر ملوك العصر وظل الأمر كذلك حتي كذلك حركة الإصلاح التي قادها الشيخ " أحمد بن عبد الأحد السرهندي" واتصل برجال البلاد الملكي وأركان الدولة آنذاك وحاز ثقتهم واستنهضهم لخدمة الإسلام حتي توفي 1024هـ.
وكان قد تغير اتجاه الدولة بعد وفاة " أكبر وجاء عهد حفيده السلطان الصالح " أورنك زيب" عالم كير.
وقام فى القرن السالف مصلح كبير فى بنكال " اسمه " رام موهن رائي " قرأ القرآن وتعلم العربية والفارسية والتكريتية وبرع فيها ولما شاهد أن دين البراهمة لا يتمكن من مقاومة تيار التعليم الحديث الذى يجرف البقية الباقية من حضارتهم أسس دينا جديدا سماه " برهمو سماج".
وأكثر تعاليم هذه الطائفة من التوحيد والمساواة , ونكاح الأيامي وغيرها مقتبسة من الإسلام وقد قامت سنة 1833م, ويدينه يدين " طاغور" فيلسوف الهند وأكثر كبار رجال الهنادك فى بنكال .
وكذلك قام مصلح آخر " ديانند " فى النصف الثاني من القرن التاسع عشر فى شمال " البنجاب " ودعا بني قومه إلى التوحيد والمساواة وأسس طائفة " آريا سماج" التي هي أشد أمم الهند عداوة للذين آمنوا لكنهم مدينون للإسلام بدعوتهم للتوحيد والمساواة وإن كانوا يتنكرون له .
وكان أهم عنصر من عناصر التوفيق والتقريب بين الإسلام وديانة الهندوك كما يبدو هو العمل على محو الوثنية والقضاء عليها وذلك بانتحال نظرية وحدة الكون التي تدين بها بعض متصوفة الإسلام .
وقد كان تأثر الهندوس بالمسلمين فى شمال الهند أكثر منه فى جنوبها لأن الحكم الإسلامي لم يصل للجنوب إلا متأخرا وكان الحكم الإسلامي يتبعه حتما الاختلاط الكثير بالمسلمين وتأثر الهندوس تبعا لذلك.
لذلك نجد جنوب الهند أعرق فى عبادة الأوثان من شمالها ويبرز الميجر " ج.د. باسو" سبب ذلك بقوله : ( هذه الوثنية الشنيعة والاعتقاد بالخرافات الضاربان أطنابهما فى جنوبي الهند إنما يرجع سببهما إلى انعدام نفوذ الحكومات الإسلامية لا غير )
ماجت الهند بهذه التيارات كلها ( وكانت معجزة الإسلام الكبري فيها أنه ل يذب فى دياناتها بل ظل على بساطته الموحدة وصلابته وسط ألوان متشابكة من الديانات التي تذهب إلى تعدد الآلهة وفى هذا دليل يشهد على ما يتصف به العقل الإسلامي من رجولة).
الإسلام فى الهند
كان أول عهد الهند بالإسلام بالجهود الفردية وفى أوائل عصر الخلفاء الراشدين فقد وفد إليها من الجنوب على يد التجار المسلمين من عرب وإيرانيين أولئك الذين كانوا يرتادون شواطئها الغربية منذ أقدم العصور تحملهم إليها أمواج المحيط الهندي من جنوب شبه الجزيرة العربية والخليج .
وكان ذك طريقة الأولي إليها.
أما طريقة الثاني : فكان مع امتداد كتلته الزاحفة المتصلة فى غرب آسيا حيث دخلها من الشمال وكان أول خطواته فيها على رأس بلاد الهند الواقعة على شاطئ الهند الغربي الشمالي إذ بدأت الحملات فى عهد عمر بن الخطاب إلا أنه لم يتم له التوغل فى داخل البلاد آنذاك وإنما استتب أمره فيها واستقر حينما دخل " محمد القاسم الثقفي" فاتحا سنة 92 ذلك القائد الذي كان يناهز السابعة عشرة من عمره , والذي وصل بزحفه إلى مدينة " الملتان: المقدسة التي كان يحج إليها الهنود فحطم ما في معابدها من أصنام وأوثان وظل يواصل غزوه حتي جنوب " البنجاب ".
ثم وقفت الفتوح الإسلامية إلى أمد .
لكن وجودهم فى أرض السند والملتان وكشمير كان نقطة ارتكاز للدعاة المسلمين لنشر دعوة الإسلام فى البلاد الهندية .
ثم كان الطريق الثالث للإسلام إلى الهند حين طرق بابها من الحدود الشمالية الغربية المعروفة بممرها الجبلي الشهير بوعورة مسلكه وكثرة عقباته .
وكان طارق هذا الباب البطل الإسلامي" محمود الغزنوي" ( 388هـ - 997م 421هـ- 1030م) وكان نزول الإسلام من هنا كاسحا ومغطيا سهول الهند الشمالية – السند , والجانح حتي خليج بتغال شرقا ومشارقا هضبة الدكن جنوبا – معفيا على البرهمية فى كل مكان يحل به واستمر حتي القرن الثالث عشر الميلادي بتركيز مكثف لم يكد يترك ثغرة على الطريق.
وتتابعت حملات الملوك والقواد ورجال البأس والنجدة من الترك والأفغان والمغول , وكان من أبرزهم شهاب الدين محمد ( الدولة الغورية) الذي تمكن من مد افتح الإسلامي جنوبا وجعل من مدينة " دلهي " عاصمة للهند الإسلامية سنة 1193م.
ثم كانت دولة المغول أو الدولة التيمورية ( 932 هـ - 1526م, إلى 1273هـ - 1857م) ومؤسسها " بابرشاه" المسمي ؟ ظهير الدين محمد بابر " وأمه وأبوه من أسرة " جنكيز خان " ونذكر منها السلطان الصالح " أورنكزيب عالم كير " أبا المظفر " محي الدين محمد " الإمبراطور المغولي المسلم الذي يعتبره المسلمون المثل الطيب للحاكم المسلم بينما ينتقصه الهندوس والأوربيون.
وقد كان حكم المغول عملاقا , لكن بعد وفاة أبي المظفر هذا ظل يتنقل من ضعف إلى ضعف حتي انطوت صفحته وانطوت بانطوائها صفحة الحكم الإسلامي فى الهند , وكان ذلك على يد طارئ جديد وخطير هو الاستعمار الانجليزي سنة 1857 م.
زال هذا الملك العظيم على يد الانجليز فأخذ وجه الحياة يتبدل وأخذ الإنجليز ينشرون لغتهم وثقافتهم ويوجهون معاولهم ضد الإسلام وعكف المسلمون على الحفاظ على دينهم وثقافتهم بما استطاعوا أمام هذا الطارئ اللدود.
حدث هذا بعد أن استظلت الهند براية الحكم الإسلامي ثمانية فقرون ونصف قرن .
فماذا عن هذا الطارئ الجديد؟.
الفصل الثاني :الاستعمار الإنجليزي وآثاره فى الهند
الانجليز فى الهند
مع بداية الاستعمار الحديث وبوجه خاص بعد الانقلاب الصناعي تعرض العالم الإسلامي للخطر الخارجي فى صورة أعتي مما عرف فى عصر الحروب الصليبية إذ لم يكن التلاقي الحديث تلاقي الأكفاء أو الأنداد وإنما كان العالم الإسلامي متخلفا وفى حضيض حضاري وسياسي وبدأت دولة تتهاوي ركنا بعد ركن وتتداعي بصورة كاشفة وقد بدأ الغزو الاستعماري له من الباب الخلفي لأنه كان الأشد عجزا وضعفا..
فسقطت جزر الهند الشرقية " أندونيسيا" فى القرن السابع عشر ووقعت الهند بين براثن الإنجليز فيما بين القرنين السابع عشر والثامن عشر فقد زحفوا إليها منذ سنة 1705 م بأخطبوط " الشرطة الهندية الشرقية " الانجليزية الاستعمارية ثم أقدموا على احتلالها عسكريا سنة 1757م وتتابع زحفهم واستعمارهم حتي شمل الهند جميعها وتركزت إدارتهم المباشرة فى منطقتي البنغال والبنجاب حتي كانت أحداث النصف الأول من القرن التاسع عشر.
مع القرن التاسع عشر
مع نكبة الاستعمار هذه كانت الدولة الإسلامية فى الهند قد أصيبت بداء الدول وبما أصاب شقيقاتها فى الشرق كله , من الترف والبذخ والفتن , وكان ذلك على حساب الأمة أفرادا ومجتمعا فتيبست بداء الجمود والتقليد والخوف : عقول الناس وتنكرت الظروف للمسلمين واشتدت الضغوط عليهم متداعية من كل جانب من الداخل ومن القادمين من الخارج مع مطلع ذاك القرن فمن الداخل كانت محنتهم على يد " السيك".
السيك ومآسيهم
كانت البنجاب – فى تلك الآونة – تحت حكم السيك امتلكوا ناصيتها وما جاورها قبل رسوخ أقدام الانجليز واستفحل أمرهم وزاد اضطهادهم للمسلمين قتلا وإرهابا حتي تجرءوا على تعطيل الشعائر وإغلاق المساجد وقويت شوكتهم وعصبتهم بعد ضعف الحكومة المغولية وضاقت البنجاب بالمسلمين على سعتها وارتفعت أنات المضطهدين فيها حتى اخترقت حدود البنجاب.
حركات إسلامية
وكان هذا الخطب وغيره – من خطوب حاقت بالمسلمين والإسلام – أكبر من أن يتصدي له إلا رجال باعوا أنفسهم لله وقد كان .. ومن علمائهم ممن وصلوا جهادهم بجهاد سلف صالح لهم ووجهوا عنايتهم بالشعب مباشرة إصلاحا وتربية نذكر من روادهم :
الشيخ أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي المولود ( 1186هـ) والمشهور بالشيخ " ولي الدين" وهو أحد حكماء الإسلام ونوابغه , وكبار مفكريه .
وقد لاحظ : أن عقيدة كثير من المسلمين قد لابستها غيوم الجهالات فكان لابد من إبراز التوحيد فى نقائه .
وأن الشعب مبتوت الصلة بكتاب ربه وسنة نبيه فهما وعملا فكان لابد من تجديد العهد بهما .
وأ، العالم الإسلامي يستقبل عصرا عقليا وثورة فكرية فكان لابد من إيضاح الإسلام ومناهجه وجلاء فكرته .
وعلى أثره سار السيد الإمام " أحمد بن عرفان الشهيد " فى الربع الأول من القرن الثالث عشر الهجري فدعا الناس وصحبه إلى الدين وحارب الشرك والبدع وقام بجولات واسعة فى الهند كان لها أثرها فى رد الناس إلى ربهم وذودهم عن غواياتهم وبعد عودته من الحج تتابعت الأخبار بمحنة المسلمين فى البنجاب على أيدي السيك – كما أشرنا من قبل – فنادي بالهجرة والجهاد فى سبيل الله ونشبت المعارك الحامية واضطرمت نيران الحرب بينه وبينهم زهاء أربع سنوات كان النصر فيها حليفه والمجاهدين معه.
ولكن قضت عليهم رياح الأهواء التي هبت من بعض رؤساء القبائل الأفغانية ثم كان قتله فى معركة بينه وبين السيك ومع أن هذه الحركة الشاملة لم تنجح فى إقامة نظام الإسلام ودولته إلا أنها نجحت فى إيقاظ الوعي الإسلامي وأذكت فى قلوب المسلمين قبس الجهاد حتي انتسبت إليها كل الحركات الدينية الخالصة والنهضات المستقيمة الراشدة التي سارت على خطاها بعد.
مع الثورة الكبري 1273هـ 1857م
بينما كانت حركة التجديد والجهاد سائرة بتؤدة داخل " البلاد , تحت ظلال ثقيلة من كابوس الاستعمار ومحنة انفجر بركان الثورة فى الجيش الهندي ضد الانجليز بعد فظائع لا تطاق وكاد الثوار وفى طليعتهم المسلمون – أن ينجحوا لكن استطاع الانجليز أن يقضوا عليها وعلى الثائرين بكل عنف وتتابعت النكبات وتمكن المستعمر , وأقام نظاما لحكم البلاد يعتمد على مئات من الخبراء يؤازرهم جيش صغير وعلى اصطفاء عناصر تدين لهم بالولاء السياسي والفكري .
وجعل المستعمر عينه القضاء على البقية الباقية وعلى كل أثاره من الحمية فى قلوب المسلمين بكل وسيلة فأبعدوهم عن مناصب الحكم والوظيفة وأقاموا نظاما التعليم لا يوافق طبيعة المسلمين ولا ثقافتهم وبجانب هذا كله استقدموا طوائف المبشرين ملأوا بهم الأرجاء يسرقون عقائد الناس ويزلزلون نفوسهم بالشكوك والريب وكانت معارك حامية تلظي المسلمون بنارها فى المجال العسكري والمجال الفكري .
الغزو الفكري
وقد واكب هذا كله – الغزو العسكري والاقتصادي والسياسي من الخارج والضغوط المتخلفة والناقمة من الداخل – لون آخر ممن الغزو الفكري .
ذلك أنه بفشل الثورة وتبعية الهند للإنجليز استولي اليأس على نفوس المسلمين وهاجر كثير من العلماء إلى الحجار وضعفت روح المقاومة وأخذت ثقافة المستعمر ولغته يعملان عملهما فى تطوير وضع الحياة الفكرية والاجتماعية فى الهند.
ووقف أكثر المسلمين وعلى رأسهم علماؤهم ينظرون إلى هذا التطوير نظرة مريبة حريصين على ماهم عليه , رافضين كل ما يأتيهم من جانب المستعمر تدفعهم نية طيبة وخوف من إفساد يفد مع الاستعمار فى كل مكان .
كان المبشرون يفتتحون المدارس فيقاطعها المسلمون ثم هم لا يفتحون بديلا منها بينما الهندوس يسارعون إليها ويتخرجون منها ويشغلون المناصب وكانت النتيجة ان عزل المسلمون ونحوا على الحياة .
وانبث القسس والمبشرون فى القري والمدن ونشطوا فى دعوتهم علنا إلى المسيحية مشنعين على العقيدة الإسلامية معلنين شامتين زوال دولة الإسلام وانقضاء عهده .
وأمام هذه الفتن أحصر المسلمون ولم يجدوا متنفسا إلا فتح مدارس عربية ومعاهد دينية ليحفظوا للأجيال دينهم وثقافتهم ويخرجوا دعاة وعلماء يتصدون لهذه التيارات ويعيدون الثقة إلى لنفوس والإيمان إلى القلوب , ويصدون هذا الانحسار والتراجع ولم يعدموا المشاعل فى وسط هذا الظلام فمع ما أقامه الاستعمار من سدود وحواجز أمام المد الإسلامي أثقل به خطواته فإنه لم يستطع أن يشل حركته تماما ومع ما قام به من مؤامرات القمع والإرهاب ومع ما أثراه من معارك أدخل فيها الإسلام والمسلمين فى صراعات متعددة وفتح جبهات شتي ومعادية فإن الإسلام كالعهد به دائما لم يعرف أى ارتداد عقائدي , بمعني التحول عنه إلى غيره و وإن عرف الزوابع تثار من حوله ,. والأشواك تنثر فى طريقه فى أكثر من مرحلة وفى أكثر من جهة .
ولقد عمقوا عن عمد الصراع الديني بين المسلمين وغيرهم من الطوائف كالهندوس مما أدي إلى إبطاء الزحف الإسلامي الذي كان منطلقا فى شبه القارة ولقد أثاروا الشبهات وفتحوا جيوبا مريبة وزرعوا خلايا فى جسم الأمة الإسلامية أشبه ما تكون بالخلايا السرطانية قصدوا من ورائها إلى عملية زحزحة وتشكيك وتضليل لم يكن لها من علاج إلا أن تبتر من جسم الإسلام على رغم أنها نمت فيه وانتسبت إليه.
وكان ذلك كله من وسائلهم لإضعاف المسلمين وشغلهم بتوجيه وتشتيت الفكر الإسلامي فى عدة تيارات ينم كل منها عن هدف لهم مقصود .
فتيار يسير فى اتجاهه بعض مفكري المسلمين بدعوي حركة تقدمية تبغي بطريق مباشر مساعده المستعمر وإقرار سلطانه وعدم تحديه ومعارضته سواء فى مباشرته سلطته على المسلمين أو إدخاله ما يسمي بنظم الإصلاح الحديثة بينهم وبخاصة فى مجال التعليم .
وتيار يقوم به بعض الغربيين المسيحيين بإبراز الخلافات المذهبية بين طوائف المسلمين أنفسهم بعضهم مع بعض وبينهم ومن مواطنيهم من أرباب الملل والنحل الأخري , لتعميق الهوة وفصم عري الوحدة الوطنية .
وتيار يأخذ طابع الدين والعقيدة ويأتي للإسلام من داخله بالتأويل الفاسد والدعاوي الكاذبة والحشو المضلل وتحويل المسلمين عن وجهتهم إلى مسارب مظلمة ومتاهات مشغلة تصرفهم عن عدوهم المتربص إلى معاداة أنفسهم ودينهم ومسخ شخصيتهم .
ومن البدهي أن مجال الدين – كل الدين – موطن حساسيات دقيقة وحماسات مرهفة لها جميعا ظلالها وتأثيراتها وانعكاساتها التي يمكن أن ينميها ويستغلها أصحاب المصالح والسلطان وصناع السياسة من المستعمرين والمنتفعين من ورائهم لأغراضهم المباشرة والبعيدة
ومن هنا نري :
صدام المستعمرين الانجليز مع الإسلام سياسيا وعسكريا وفكريا يهدفون من ورائه القضاء عليه من خارجه بحصاره , ومن داخله بتشويه معالمه وتحويله إلى ألوان شتي وهزيلة يبحثون خلالها وفى ظلها الحالك عن دين جديد للهند , وشخصيات للقيام بدور الأنبياء لهذا الدين الجديد .
ويصور لنا السير سيد أحمد خان - وهو معروف بميوله وتعاطفه مع الانجليز – هذه الاتجاهات الاستعمارية الصريحة والمشبوهة فيما يقول:
لقد تيقن أهل الهند أن سيحولونهم إلى النصرانية متخذين من التجويع والإذلال وسيلتهم إلى ذلك كما فعلوا مع اليتامي الذين فقدوا آباءهم فى مجاعة سنة 1837م.
وان القسيسون المبشرون يتقاضون مرتباتهم من الشركة وكبار الموظفين من الانجليز يستغلون مراكزهم فى تحسين المسيحية لصغار موظفيهم الواقعين تحت سيطرتهم كما كانوا يجمعونهم فى بيوتهم بالقسس , يحاولون التأثير عليهم وجذبهم للدين المسيحي .
ويأتون بالشبهات والشكوك ليزلزلوا عقائدهم وبلغت هذه الدعاية أقصي حد لم يعد الموظفون الهنود يأمنون على دينهم وكان المبشرون يوزعون الكتب مجانا وهي محشوة بالطعن على أديان أهل الهند وزعمائهم الدينيين كما كانوا يذهبون إلى اجتماعات المسلمين والهندوس فى حماية البوليس ويأخذون فى تحقير عقائدهم دون مبالاة والناس يسمعون كل هذا وتثور نفوسهم ويخشون سطوة البوليس .
ونشط المبشرون كذلك فى فتح المدارس التبشيرية بعون الشركة يعلمون فيها الدين المسيحي حتي اعتقد الناس أن الغرض من فتح هذه المدارس أن تكون شبكة لاصطياد أولادهم وتنصيرهم وكانوا يمتحنون الطلاب فى الكتب الدينية المسيحية ويسألون الصغار : من ربكم ؟ من ينجيكم ويفديكم ؟ ولا ينجح إلا الطالب الذي يجب حسب عقائدهم ثم يعطون الجوائز .
وفتحوا بجوار ذلك مدارس لبنات وزادوا على طريقة تعليمهم توجيهاتهم للطالبات برفع الحجاب وهو شئ حساس بالنسبة للمسلمين فى الهند , فاعتقد الناس أن انجليز يجتهدون بكل سبيل للقضاء على دينهم وتقاليدهم, حتي إنهم سموا الهنود الذين اشتركوا مع الإنجليز فى هذا الأمر بالقسس السود , وقد كانت الوظائف الصغيرة التى تركت للهنود لا يمكن الحصول عليها إلا بشهادة من هؤلاء القسس.
وفوق ذلك تلقي موظفو الحكومة خطابات ولعلها منشورات من أحد القسس الكبار يلح فيها عليهم باعتناق الدين المسيحي ولهذا كله فهم لشعب أنها خطة موضوعة لتنصيره ".
وقد كان رد المسلمين على ذلك كله كما سبق أن أصبحت نغمة الجهاد ضد الإنجليز على كل لسان وشغل كل عالم وأصبحت المنشورات تكتب وتوزع والناس من العلماء وغيرهم يطوفون بالمدن والقري لهذا الغرض.
وكان قمع الانجليز لهذه الثورة من العنف والفظاعة إلى حد قول لوردما كللو ( ما سمعت وما شاهدت مثل هذه المظالم والأعمال السيئة والفساد ) وقد بلغت بهم الوحشية إلى حد أن يتبادل بعض قادتهم وحكامهم " نكلسون" إلى الكتابة" أدوارد" فيقول : علينا أ، نسن قانونا يبيح لنا إحراق الثوار , وسلخ جلودهم وهم أحياء , لأن نار الانتقام التى تأججت فى صدورنا لا تخمد بالشنق وحده ).
" ونكلسون" الذي كتب بقلمه هذا الاقتراح , وهو نفسه الذي كتب أيضا يمتدح أسرة " مرزا غلام أحمد قادياني " ويقول ( إن فى قاديان تسكن هذه الأسرة التى وجدنا فيها دون جميع الأسر الوفاء للإنكليز).
وفى البنجاب القلب الدامي, وفى قرية " قاديان " من هذا الإقليم الجريح كان مولد " مرزا غلام أحمد " ومولد القاديانية على يديه وفيما نستقبل من صفحات نتعرف عليه وعلى دعواه .
الباب الثاني :شخصية القادياني ودعواه
الفصل الأول :شخصية مرزا غلام احمد القادياني
موطن ولادته : فى إقليم " البنجاب " وعاصمته لاهور ويدين أكثره بالإسلام وكان يقع آخر أيامه فى أيدي الملوك الإقطاعيين من طائفة السيخ الذين كانوا قد استولوا عليه فى فجر القرن التاسع عشر .
و فى إحدي مديريات هذا الإقليم وتسمي " غودا سفور " على بعد 60 ميلا من " لاهور وفى إحدي قري هذه المديرية وتسمي " قاديان ولد مرزا غلام أحمد.
أسرته
ولد مرزا غلام أحمد عام ( 1252 هـ - 1839م) فى آخر عهد حكومة " السيخ " من أسرة نزحت قديما من " سمرقند" واستوطنت قرية " قاديان " وهذه الأسرة تنتمي إلى الترك إلى السلالة المغولية منهم سلالة " تيمورلنك" إلا أن " غلام أحمد " بعد أن يقر هذا النسب نقلا عن آبائه يعدل عنه بوحيه المزعوم – إلى الإنتساب للفرس , ويضيف إليه انتساب بعض أمهاته إلى الفاطمييين فيقول: ( قرأت فى كتب سوانح آبائي , وسمعت من أبي : أن آبائي كانوا من الجرثومة المغولية ولكن الله أوحي إلي أنهم كانوا من بني " فارس" لا من الأقوام التركية .
ومع ذلك أخبرني ربي بأ، بعض أمهاتي كن من بني الفاطمة ومن أهل بيت النبوة والله جمع فيهم نسل إسحاق وإسماعيل من كمال الحكمة والمصلحة )
ثم يعدد آباءه على النحو التالي :
فاعلموا – رحمكم الله – أني أنا المسمي : بغلام أحمد, بن مرزا غلام مرتضي , بن مرزا عطا محمد , بن مرزا كل محمد , ابن مرزا فيض محمد , بن مرزا محمد قائم , بن مرزا محمد أسلم , ابن مرزا دلاور بيك, بن مرزا الله دين , بن مرزا جعفر بيك , ابن مرزا محمد بيك , بن مرزا محمد عبد الباقي, بن مرزا محمد سلطان بن مرزا هادي بيك.
وكانت هذه الأسرة من الغني بمكان كبير , وآلت بها الحال إلى الخمول والفاقة إذ كان جده " المرزا كل محمد " صاحب قري وأملاك وصاحب إمارة فى بنجاب تبلغ خمسا وثمانين قرية فى عهد الحكومة المغولية وقد خسرها جده " المرزا عطا محمد " فى حرب دارت بينه وبين السكة فدمروا له أملاكه وطردوه وأسرته من ستقرهم " قاديان" ثم أذن لهم " رنجيت سنج" بالرجوع ليها عام 1818 م لقاء خدمات عسكرية قدمها لهم " مرزا غلام مرتضي " والد " غلام أحمد " وبقيت لهم خمس قري من هذا التراث الكبير حتي كان عهد الدولة البريطانية فأعادت لأبيه بعض القري مما ستجلب ولاء الأسرة لهم يقول ( ثم رد الله إلى أبي بعض القري فى عهد الدولة البريطانية ).
وبهذا ربما توسمته الدولة البريطانية من استجابة لها وتعاون معها ارتبطت هذه الأسرة بالولاء والإخلاص المبكر للإنجليز وعرفت بذلك لا ينكر هو هذا الولاء بل يفخر به ويقول :(لقد أقرت الحكومة بأن أسرتي فى مقدمة الأسر التي عرفت فى الهند بالنصح والإخلاص للحكومة الإنجليزية ودلت الوثائق التاريخية على أن والدي وأسرتي كانوا من كبار المخلصين لهذه الحكومة من أول عهدها وصدق ذلك الموظفون الإنكليز الكبار ).
ويقرر هذا الولاء ولو على حساب وطنه وأبناء دينه فيقول ( وقد قدم والدي فرقة مؤلفة من خمسين فارسا لمساعدة الحكومة الإنجليزية فى ثورة عام 1857م وتلقي على ذلك رسائل شكر وتقدير من رجال الحكومة ).
ويمتد هذا الولاء بعد أبيه ويقرره بقوله :
( وكان أخي الأكبر " غلام قادر " بجوار الإنجليز على جبهة من جبهات حرب الثورة).
وسنعرف دوره هو فيما بعد :
نشأته وتربيته
فى هذه الأسرة ولد " مرزا غلام أحمد " لوالد كان يحترف الطب القديم فى عهده ويجيده ولما بلغ مرزا سن التعليم شرع فى تلقي مبادئ العلوم وقراءة القرن الكريم وتعلم اللغة العربية فى مكتب القرية وفى داره.
وكان من أساتذته فضل إلهي وفضل أحمد , وكل على شاه كما درس له أبوه الطب القديم .
وقرأ بعض الكتب الفارسية والكتب المتوسطة فى المنطق الحكمة والعلوم الدينية والأدبية . وقد عرف أيام تعلمه بالعكوف على المطالعة والانقطاع إليها وإجهاد النفس حتي أشفق أبوه على صحته .
وفى شبابه كان له ولع بمطالعة العلوم الدينية ولم يدرسها على يد معلم فطالع فى كتب التفسير والحديث وأولع بمطالعة الأسفار القديمة من كتب الشيعة وأهل السنة وكتب الأديان الأخري .
هذا فضلا عما أفاده فى معاركه الكلامية وجد له ومناظراته مع خصومة ومساجلاته بالخطابة والكتابة والتأليف .
زواجه وذريته
لما بلغ من العمر أربعة عشر عاما تزوج زواجه الأول سنة 1853م من أسرته ورزق من هذا الزواج بولدين : المرزا سلطان أحمد , والمرزا فضل أحمد و ثم طلق هذه الزوجة عام 1891م. وتزوج زواجه الثاني عام 1884 فى " دلهي " وكان عمره إذ ذاك خمسا وأربعين سنة وأتباعه يلقبون هذه الزوجة الثانية ( أم المؤمنين) وقد ولدت له بقية أولاده ومنهم : خليفته الحالي " المرزا بشير الدين محمود" ومنهم :" المرزا بشير أحمد " صاحب كتاب " سيرة المهدي" و " المرزا شريف أحمد".
وفى عام 1888 وكانت سنة إذ ذاك تسعا وأربعين سنة تنبأ بأنه سيتزوج الفتاة " محمدي بيكم " وهي من أسرته, وأخبر أنه أمر قد قضي فى السماء ونبأه الله به مرارا وتكرارا – على حد زعمه – وتحدي بذلك العالم.
لكن الفتاة تزوجت بشاب آخر وعاشت وزوجها بعد وفاة ( مرزا غلام أحمد) مدة طويلة وكان ذلك الأمر من الأحداث الهامة فى حياته ودعواه .
حياته العملية ومعيشته
بدأ حياته فى تقشف وزهادة ويؤس وفقر وخمول وعلى ندرة ما كان يتاح للمسلم من وظيفة حكومية فإنه قد حصل وهو فى سن الخامسة والعشرين على وظيفة فى محكمة حاكم المديرية فى مدينة " سيالكوت " بمرتب يساوي خمس عشرة روبية – وهو مبلغ ضيئل- وبقي فى هذه الوظيفة أربع سنوات من عام 1864م إلى عام 1868م.
وفى أثناء الوظيفة قرأ بعض الكتب بالإنجليزية ودخل فى اختيار للحقوق وأخفق فيه ثم استقال من هذه الوظيفة ليشارك والده فى المحاكمات والقضايا التي كان مشغولا بها .
وبعد وفاة أبيه لم يكن يهمه من الحياة إلا لقمة العيش يحكي عن هذه الفترة من حياته الأولي فيذكر حاله فيها ( ألا ترون أني كنت عبدا مستورا فى زاوية الخمول , بعيدا عن الإعزاز والقبول لا يوما إلى ولا يشار , ولا يرجي مني النفع ولا الضرار ما كنت من المعروفين ).
تطور معيشته بعد ظهره بدعواه
بعد ظهوره بدعواه التي ادعاها تطورت حياته ومعيشته عن طريق تبوئه الزعامة الدينية على أتباعه وفتحت عليه أبواب المال والغني وأقبلت عليه الدنيا بصورة مترفة من جيوب الفقراء وأوساط الناس الذين خدعوا به ومن مصادر أخري ...
ويشير إلى هذا التطور فى حياته فيقول : ( ولكن الله الذي يرفع الفقراء من الحضيض قد أخذ بيدي , ,أنا أؤكد أن ما جاءني من الوارد ومن الإعانات والتبرعات إلى هذا الوقت – حتي عام 1907م- لا يقل عن ثلاثمائة ألف روبية وربما يزيد على ذلك وانشالت على الهدايا كأنها بحر تهيج فى كل آن أمواجا ... يأتونني من كل فج عميق بالهدايا وبكل ما يليق .. وكذلك تأتي لهذا العبد منكل طرف تحائف وهدايا , وأموال وأنواع الأشياء )
وكان أن توسع فى المطاعم والمشارب والأبنية وعني بتناول الأطعمة المغذية والأدوية والمعجونات الثمينة يتقوي بها واستعمال المسك والعنبر بل كان يتعاطي فى بعض الأحيان بعض أنواع المشروبات المقوية المسكرة .
ولقد بلغ من الترف والبذخ والتصرف فى الأموال والواردات تصرفا مطلقا جدا أثار النقاش بين صفوة أصحابه , وتلامذة دعواه المقربين فهذا هو الخواجة " كمال الدين " الداعية الكبير المشهور الذي عرفته أوربا يبلغ به الحنق على هذه التصرفات أن يشكو بثه وحزنه غلى صديقه " الأستاذ محمد على اللاهوري " أمير الجماعة الأحمدية اللاهورية فيما بعد – والشيخ " سرور شاه " القادياني وكانوا جميعا فى رحلة فيقول:
( كنا نحدث نساءنا بناتنا على اقتداء أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – ونسائه فى الزهد والقناعة فإنهم كانوا يلبسون الخشن ويأكلون الخشب ويوفرون من أموالهم ما كانوا ينفقونه فى مصالح المسلمين وكنا بهذه الواعظ والتحريضات نقتطع من أموالنا ما نرسله إلى " قاديان".
ولكن لما سافرت أزواجنا وبناتنا إلى " قاديان " وبقين هناك مدة يرين كيف تعيش السيدات هناك ثرن علينا وكذبننا وقلن لقد رأينا كيف يعيش النبي وأصحابه وزوجاته فى قاديان ..( كذا) إن النعيم الذي يعيشون فيه وإن البذخ الذي يسود هناك , ولا نتمتع به ولا يبلغ عيشنا معشاره مع أن أموالنا من كسب أيدينا , وما يأتيهم من المال هو للأمة وللأغراض الاجتماعية وأنتم خدعتمونا, وكذبتم علينا ولكنا لا ننخدع بعد اليوم .
وقد منعن المال الذي كن إياه لنرسله إلى قاديان ) وذكر الخواجة " كمال اليدن " بعض القماش والحلي الذي اشتراه المرزا لزوجه وبناته .
واعترض الدكتور عبد الحكيم – وهو قادياني يومئذ – على تصرفات المرزا الحرة فى أموال المسلمين وذكر أنه يكتتب ويجمع الإعلانات لطبع الكتب ويحصل الأموال من أتباعه بأنواع من الحيل وينفقها كيف يشاء .
وقد قال الخواجة " كمال الدين " مرة لمحمد علي : ( إن من الظلم المبين أن هذا المال الذي يكتسبه فقراء المسلمين بكد اليمين وعرق الجبين ويشحون به على نفوسهم وبطونهم لينفق فى المصلحة الاجتماعية يضيع فى الشهوات والأغراض ولقد جاءت المرزا فى اليوم الأخير من حياته رسالة من الأستاذ " محمد على " مترجم القرآن بالإنجليزية – يسأل فيها عن المال الكبير الذي يجني ولا ينفق منه على الضيوف والمطبخ العام إلا القليل؟...
فغضب المرزا وقال : إنهم يرمونني بأكل السحت وأكل أموال المسلمين مالهم ولهذه الأموال ؟ فإني إذا اعتزلت انقطعت هذه الأموال وتوقفت الإعانات ) يعني أنها لا تأتي إلا لشخصه .
ويقول الخواجة كمال الدني لمحمد على مرة : ( إن حضرة المرزا يحثنا على التوفير والإنفاق فى سبيل الدعوة وهو يعيش فى بذخ وترف ....
فقال محمد على (إنني لا أستطيع أن أنكر هذا , ولكن لا يلزمنا أن نتبع النبي فى بشريته ) .
هذا فضلا عن الدعم المادي والأدبي الذي أمدته به الحكومة الانجليزية هو وأتباعه من بعده إذ كانوا يظفرون بنصيب الأسد من المناصب فى الجنود والشرطة والمحاكم وسائر دوائر الحكومة ممن عامة المناصب التى كانت مخصصة للمسلمين كافة وكذلك فى كل النواحي الاقتصادية كالتجارة والصناعة والزراعة ويقول ( لقد بالغت هذه الحكومة – أى البريطانية – فى الإحسان إلينا ولها عندنا أياد وأى أياد).
وإذ نعرض هذه الصورة نستحضر مواقف لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم – خاتم الأنبياء والمرسلين , نستحضرها لا من باب المقارنة بين نبوة صادقة وأدعياء كاذبين, ولكن نستحضرها استشفاف لأفق النبوة السامق الذي تراءي من الذرا للنفس الإنسانية غير محجوب بأستاذ المادية , والحس الثخين أفق لا يتسني لعبيد أنفسهم الذين تيلفهم حجب الحس , وتغشاهم أنانية النفس, فيدورون حولها كما يدور الحمار فى الرحي.
لقد عرض عليه خصومه – صلى الله عليه وسلم – أن يعطوه المال الوفير وهو المال قل , وأن يقيموه ملكا عليهم فى وقت بدأـ قريش تكشر له ولصحابه – القلة المؤمنة – عن أنياب الأذى والتعذيب وأن يزوجوه من أجمل فتياتهم من أراد على أن يدع أو يكف عن مباديه .
وهو عرض فى تفاصيله ينبثق من أذهان قوم آمنوا بالحس وحده وصيغت بواعثهم بالمادية الصارخة ولو أن الرسول – صلى الله عليه وسلم كان منبعثا بالمادية بمؤثرات حسية أو أهداف مادية , لا لتقي معهم على كلمة سواء ولو جد فيما يعرضون عليه ما يختصر له الزمن يوفر عليه الجهد , ويرضي رغبته فيما يريد ولكنه أجابهم تلك الإجابة الرائعة ( والله لو وضعوا الشمس فى يميني والقمر فى يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتي يظهره الله أو أهلك دونه ) تلك الإجابة التي تنبثق من ذهن غير أذهانهم وتقدير غير تقديرهم .
قد يقول من له لجاجة الحس والمادة فى تفسير العظام من الأمور : لعله – صلى الله عليه وسلم – كان يبغي مالا أوفر يأتيه من اتساع دعوته فرفض ما عرضوا عليه انتظارا لما سيأتي به نجاح الدعوة من الحظوظ المرموقة فهل يمكن أن يقوم هذا الاحتمال – ولو جدلا ونحن نراه – صلى الله عليه وسلم – فى المدينة وقد أتته الأموال وانصبت بين يديه على حصير المسجد فكان يفرقها لساعته , حثوا بيديه فى حجور الناس , ثم يقوم والحجر مربوط على بطنه ويمر الهلال والهلال ما توقد فى بيته نار , ثم يلحق بالرفيق الأعلى ودرعه مرهونة عند يهودي على حفنات من شعير ..
هذا أفق النبوة الصادقة أفق الاعتزاز بملكوت القيم الروحية إلى الحد الذي يزري بملك الشمس والقمر ) لا أفق الاستغراق فى الحس وحمأة الأنانية ومنطق هذا لى وإنما أوتيته لى علم عندي .
وفاته – مايو سنة 1908م
من مجالات التحدي التى أكثر منها لكل من عارضه كان تحدبه عام 1907 للعالم المشهور مولانا " ثناء الله الأمر تسرى" بنوع من المباهلة إذا نبني التحدي على أن الكاذب المفتري من الرجلين يموت قبل الآخر ودعا الله تعالي أن يقبض المبطل فى حياة صاحبه ويسلط عليه داء مثل الهيضة والطاعون يكون فيه حتفه .
وفى شهر مايو سنة 1908 م أصيب المرزا بالهيضة الوبائية وهو فى " لاهور " واعترف بذلك لصهره " النواب ناصر" وأعيا الداء الأطباء ومات فى الساعة العاشرة والنصف صباح اليوم السادس والعشرين من الشهر المذكور ونقلت جثته إلى " قاديان " حيث دفن فى المقبرة المسماه بـ" مقبرة الجنة" وخلفه الحكيم نور الدين بعد حياة امتدت قرابة تسع وستين ينة ملأ بها بيئته كلاما وحجاجا وخصاما , ودعاوي لا طائل وراءها إلا بلبلة فى أفكار من انخدعوا به وتابعوه على ترهاته .
من معالم شخصيته
الناظر لصورته التى تستفتح بها كتبه , يري صورة رجل مضي ذي جسم معلول تظلله من الكآبة والبلاهة والانقباض تشع من عينيه نظرات غامضة زائغة .
فقد نشأ جانحا إلى العزلة منقبضا عن الناس اتسمت حياته فى أولها بالبساطة وخشونة العيش والزهد مع بلادة فى الذهن وشرود وغباء لا يحسن معه تمييز يمني حذائه من يسراها حتي اضطر لوضع علامة عليهما بالحبر لتمييزهما .
وكان يضع أحجار الاستجمار – التي تشتد حاجته إليها لداعية كثرة التبول – يضعها مع أقراص القند التي كان مغرما بها فى مخبأ واحد .
وقد أصيب فى شبابه بمرض هستيريا كان يسميها أحيانا بهستيريا , وأحيانا بالمراقي كما كان مصابا بنوبات عصبية عنيفة يغمي عليه فى بعضها ويخر صريعا كما أصيب بداء البول السكري فضلا عن صداع مصحوب بآلام شديدة ظلت تلازمه حياته وكان دائم الشكوي منها .
بهذا الجسم المعلول والعقل السقيم شب وهو يسمع الأقاويل عن كرامات أبيه المزعومة والتي كان منها :
أنه كان يعرف المولود من أبنائه قبل أن يولد ويسميه باسمه وقد سمي أبناءه جميعا بأسماء النبي – صلى الله عليه وسلم – وألقاب الأمراء فمنهم : سلطان أحمد , ومحمود, وبشير أحمد ,وولي الله , ومبارك أحمد , ومنهم بنت أسماها بعدة أسماء من أسماء نساء آل البيت .
فى هذا الجو من السطحية والإيغال المضطرب فى التدين وفهم الدين نشأ " غلام أحمد " على هذه الأسس التي تكونت عليها شخصيه مارس الاشتغال بالعابدات والمجاهدات والقراءات الطويلة لأهل الملل والنحل والسفسطة ومواصلة الصيام شهورا , وحين بلغ من العمر سبعة وأربعين عاما احتبس فى خلوة ( أربعين ) ف هوشيا – بور سنة 1886م ومكث فيها عشرين يوما .
وقد منعه انحراف صحته وضعفه من مواصلة هذه المجاهدات , واستولي عليه بعد ذلك طموح إلى تبوء الزعامة الدينية و أخذ يتطور إلي وهم وخيال مريض يزين له الاستيلاء على العالم الإسلامي لا بزعامة دينية فحسب بل باسم ( النبوة) متذرعا غلى ذلك بسلاطة فى اللسان وإقذاع فى الهجاء للمخالفين له من علماء عصره , وعباد الله الصالحين وعامة الناس يساعده على ذلك طبع عدواني حاد , يشيع الإرهاب الفكري من حوله .
وإذ كان يعيش فى أحلام وأوهام هذه الزعامة والنبوة كان يفتقد أهم عنصر أساسي لأية قيادة أو زعامة و فضلا عن النبوة ذلك العنصر هو عنصر الصدق ( ومن أظلم ممن افتري على الله كذبا أو قال أوحي ولم يوح إليه شئ ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ).
الفصل الثاني :مجالات نشاط القادياني فى سبيل دعواه
بدأ نشاطه لدعوته وتشعب فى اتجاهات ثلاثة يزكي كل منها الآخر وهي : المناظرة وتجميع الأتباع , والكتابة
نشاطه بالمناظرة
لقد تميزت تلك الفترة بعد ثورة 1857م توقف حركة الجهاد بالنشاط الجدلي والمناظرات تغذيها عوامل خارجية من المستعمر وأتباعه من القسس والمبشرين وعوامل داخلية من أرباب النحل القديمة والجديدة .
وقد بدأ يبرز نشاط القادياني و ينزل ميدان هذه المعارك الجدلية كسبا للصيت وبخاصة مع كبار المناظرين ضد المبشرين وأثبت تفوقه فى هذا الميدان نظرا لتمكنه بقراءاته الكثيرة فى الديانات والنحل مع طبيعته الجدلية وسلاطة لسانه وعدم تورعه على الإقذاع حتي اعترف له خصومه بالتفوق.
وكان فى كثير من هذه المناظرات ينتصر للإسلام ويدافع عنه مما لفت إليه الأنظار وجذب إليه المعجبين والأتباع يلتفون حوله .
ومن أبرز معاركه فى هذا المجال معركته مع جماعة " الآريه سماج " الهندوكية فى مناظرته لزعيمها المدعو " مردلي دهر " فى مارس 1886 ولم يفته أن يسجل هذه المناظرة فى كتابه الثاني الذي سماه " كحل الآية " وقد أدار الحديث فيه حول الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم – وركز على المعجزات مؤيدا لها ورادا للشبه عنها مقيما للأدلة العقلية على صدقها مرجعا أسباب إنكارها إلى علم المنكر المحدود وعدم إحاطته لكل الأمور التي فيها مالا يدخل فى إطار الفكر الإنساني .
ومما يؤخذ عليه فى تحريره لهذا الموضوع زيادة تأكيده ( أن المعجزات متوقعة فى كل وقت ).
ذلك أن المعروف أن المعجزة مرتبطة أساسا بالنبوة والرسالة وقد ختمت كلتاهما بخاتم المرسلين سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم .
إلا أنه فى زحمة الإعجاب بحماسته فى الدفاع عن الإسلام وتقديرا لجهوده وقف العلماء أولا من مثل هذه البوادر والمزالق على محمل التأويل آملين منه تصحيحها إلا أن مزالقه بعد ذلك كانت مردية .
ومن طريف مساجلاته ما دار بينه وبين الزعيم الوطني المصري " مصطفى كامل " بشأن معارضه المرزا للتطعيم ضد وباء الكوليرا فى الهند بزعم أنه يتنافي مع إرجاع الأسباب والمسببات إلى الله وحده .
ويسجل تلك المناقشات بينهما فى كتابه " مواهب الرحمن ونشير إلى جزء منها كنموذج لأسلوبه وأفكاره يقول :
( قد اعترض علينا صاحب اللواء عفا الله عنه – وغفر له خطاه الذي صدر منه ن غير عزم الإيذاء قال – أى مصطفى كامل - :
وردت إلينا نشرة باللغة الإنكليزية متضمنة آراء المسيح الذي ظهر فى بعض البلاد الهندية وادعي النبوة وادعي أنه هو عيسي ليجمع الناس على دين واحد وليهديهم إلى سبيل التقي .. وأنه زعم أن التطعيم ليس بمفيد للناس , واستدل بآية: ( قل لن يصيبنا ) فانظروا إلى سقم هذا القياس .
ثم بعد ذلك قال صاحب اللواء ( أن هذا المدعي يزعم أن ترك الدواء هو مناط التوكل على واهب الشفاء , وليس الأمر كذلك فإن الاتكال على الله تعالي هو العمل بمقتضى سنته التي جرت فى خليفته وقد أمرنا فى " القرآن " أن ندرا الأمراض والطواعن بالمداوة والمعالجات ولا نجد فيه شيئا مما قال هذا الرجل من الكلم الواهيات بل الاتكال بالمعني الذي يظن هذا المدعي هو عدم الاتكال فى الحقيقة, فإنه خروج من السنة الجارية المحسوسة المشهودة فى عالم الخلق وخلاف الآية ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ).
هذا ما قال صاحب اللواء وما تظني فالأسف كل الأسف عليه أنه اعترض قبل أن يفتش وتجني....
فأقول على رسلك يا فتي وتعال أقص عليك قصتي إني أمرؤ يكلمني ربي ويعلمني من لدنه ويحسن أدبي ... وكلما قلت قلت من أمره .. أتعجب من هذا ؟... فلا تمارني فى ترك التطعيم ولا تكن كمثل من أغفل قلبه فاتخذ أسبابه إلها وكان أمره فرطا ولكل سبب إلى ربنا المنتهي ويفني السبب بعد مراتب شتي .. أعلم أن الأسباب أصل عظيم للشرك الذي لا يغفر ولا نمنع من الأسباب على طريق الاعتدال ولكن نمنع من الانهماك فيها والذهول عن الله الفعال ... ثم مع ذلك إن كان ترك الأسباب بتعليمك من الله الحكيم فهي آية من آيات الله الجليل العظيم وليس بقبيح عند العقل السليم وقد سمعت أمثالها فيما مضي .. أنسيت قصة رفيق موسي؟).
نشاطه فى جذب الأتباع وتجميعهم والتأثير فيهم
كان تفوقه فى مجال المناظرة جاذبا لاهتمام بض المثقفين وإعجاب الجماهير الذين أقبلوا ليه بدافع الغيرة على الدين تقدير لجهوده وفى ولاية البنجاب – موطنه – حيث التخلف الضارب أطنابه فى نواحي الحياة الثقافية والاجتماعية كثر أتباعه ومريدوه واتخذ إعجابهم به مظهر التقديس والتسليم إلى درجة التلقف لكل ما يقول ويدعي من قول معقول أو مردود والتقديم بين يديه ببذل المال والهدايا يعدون ذلك تعبدا وقربي.
وتطورت مع ذلك حياته الأدبية والمادية وتطاولت آماله إلى آماد وآفاق لا يدعيها إلا نبي مؤيد بوحي أو دعي كذاب .
أما والوحي قد ختم بخاتم المرسلين فلم يبق إلا أن يكون ثاني الاحتمالين وبمتابعة التطورات والتقلبات فى دعاواه وسلوكه ستتوالي الأدلة على ذلك.
فقد خرج من عزلته الفكرية والحسية إلى انطلاقات شاردة ومن تقشفه وزهده إلى ترف وغني من عرق الكادحين ومن بساطة فى الحياة إلى مسارب ومضايق من الفكر المضطرب والمعارك التي لا تخدم دينا ولا دنيا.
وغرته الجماهير الغافلة عن نفسها وغرها عن نفسها حتي طمح إلى قدسية يزكيها التفافهم حوله والسير فى ركابه حتي ورد بهم موارد شتي عزلتهم عن جماعة المسلمين فى سلوكهم ومعتقداتهم كما سنتابعه فيما بعد .
وصار له عليهم نوع من السيطرة لها قداسة العقيدة يرون طاعته فى ظلها عبادة ومخالفته كفرا حتي كان ادعاؤه المسيحية والوحي والنبوة وتابعوه عليها مؤمنين فأصبحوا بسهامهم تلك أمة من دون المسلمين بل ويكفرون من لا يدين بدعوتهم .
نشاطه فى مجال الكتابة والكتب وخصائص هذا النشاط
فى عام 1879 بدأ يؤلف الكتب ويحرر الرسائل ويدون المناظرات ويكتب المساجلات بينه وبين معارضيه ويبرز دعاواه .
ومن واقع ما ظهر له من كتابات خلال ثمانية وعشرين عاما نجده يتميز بظاهرة طول النفس فى الكتابة والمناقشة مع رداءة فى الأسلوب وركاكة فى العبارة والتكرار الممل والجدل والإكثار والإفزاع وضحالة المضمون وغلبة طابع الشحناء وإثارة المعارك الكلامية التي برع فيها ورفعته إلى مصاف المنتشرين فى الهند آنذاك .
ومعظم ما كتب فى البداية كان عن الملل والنحل والمسيحية والبرهمية والأرية بصفة خاصة .
أول إنتاجه فى الكتابة
كان باكورة إنتاجه فى هذا الميدان كتابة الضخم ط براهين أحمدية " بدأه عام 1879 وظهر منه أربعة أجزاء فى الفترة من عام 1880 حتى عام 1884 ثم توقف إلى أن ظهر جزؤه الخامس بعد خمس وعشرين سنة عام 1905 م حيث كان قد مات معظم المشتركين فيه , وتوجه إليه الإنكار والاستياء ممن قدموا ثمن هذا الكتاب بأكمله مما دعا إلى الاعتذار والتبرير لذلك فى مقدمة جزئه الخامس ذاكرا أنه كان على عزم إصداره فى خمسين جزءا ولكنه سيقتصر على الخمسة الأجزاء ولما كان الفرق بين الخمسين والخمسة هو صفر واحد فقد أنجز وعده بإنمام خمسة أجزاء ..( كذا !!) .
ويبدو من استعراض موضوعات هذا الكتاب أن كثيرا منها كان استجابة وانفعالا لتأثيرات التيارات الفكرية فى الهند وقتذاك وأن المؤلف اختارها وعالجها بذكاء هادف .
وقد تكفل المؤلف أن يجمع فيه ثلاثمائة دليل على صدق الإسلام وقد ذكر نجله المرزا بشير أن الكتاب لم يشمل إلا على دليل واحد وحتي هذا الدليل الواحد لم يأت كاملا .
وكان حين بدأ فى تأليفه قد كاتب بعض العلماء الباحثين والكتاب بشأن موضوعه وطلب إليهم أن يوافوه بأفكارهم وكتابات منهم ليستعين بها .
وحين ظهرت بعض أجزائه واكبها بتوجيه منشور إعلاني عنه بالإنجليزية والأودية إى بعض الملوك والوزراء والقسس وعلماء الهنادك.
وبعد هذا الكتاب من أمهات ما كتب إذ ضمنه أصول نزعاته الفكرية ولا يجد القارئ فيه على طول وضخامته ابتكارا علميا أصيلا بل إ، ما فيه من أفكار علمية قد سبق بها وبخاصة فى مجال مجادلة أهل الكتاب فضلا عما اتسم به من أساليب ودعاوي تخرجه عن مجال البحث العلمي والنقاض الديني الهادف ويكاد يكون هذا طابع كتاباته جميعا.
بعض كتبه :
ولقد نيفت كتبه ورسائله على أربعة وثمانين كتابا ورسالة منها :
والبرية – الأربعين – حقيقة الوحي – تبليغ الرسالة – صميمة كتاب نزول المسيح – مكتوبات احمديه – فتح إسلام – توضيح - مرام – إزالة أوهام – حمامة البشري – مواهب الرحمن – من هو الأحمدي .
ومن خلال نشاطه فى تلك المجالات ومن واقع ما كتب نتابع سير دعواه وعناصرها ومراحل تطورها.
الفصل الثالث :مراحل القاديانية وتطوراتها
المرحلة الأولي : دعوي الإصلاح والتجديد ( 1879م – 1891م)
كان بدؤه فى تأليف كتاب ( براهين أحمدية عام 1879م) مبدءا لهذه المرحلة ودار نشاطه فيها حول محور أبرزه وركز عليه فى كتابه هذا , وهو( أمه مأمور من الله فصلاح العالم والدعوة إلى الإسلام , ومجدد لهذا الدين ).
ومن أجل تحقيق هذا الهدف ادعي : أن له مماثلة للمسيح – عليه السلام - ,أنكر الحاجة إلى نبوة جديدة ,, ووحي جديد , ,انه ألهم : ( أنت على بينة من ربك فبشر و وما أنت بنعمة ربك بمجنون ).
وتناول فى هذه المرحلة التعريف بالإسلام وإثبات فضله وبيان إعجاز القرآن , وإثبات نبوءة سيدنا محمد – صل الله عليه وسلم – وأسهب فى الرد على الديانات والنحل السائد فى الهند آنذاك .
النتائج الفكرية لهذه المرحلة :
وقد اتجه تفكيره فى تلك المرحلة إلى أمور كان أبرزها ما يلي:
1- أن الإلهام لم ينقطع ولا ينبغي , ,أنه من أقوي الدلائل على صحة الدعوي وصدق الديانة .
2- أن الذي يتم إتباعه للرسول – صلى الله عليه وسلم – يكرم بالعلم الظاهر الباطن الذي أكرم به الرسل أصلة , ويحصل له العلم اليقيني والقطعي , ويكون علمه الديني مشابها لعلم الرسل , وهم الذين ذكروا فى الحديث ( بالأمثل ) وفى القرآن ( بالصديق ) ويكون عصر ظهورهم مشابها لعصر بعثة الأنبياء , وبهم تقوم حجة الإسلام ويكون إلهامهم يقينيا قطعيا .
3- أثبت أن وقوع المعجزات والخوارق ممكن عقلا , وأنه ليس للعقل البشري القاصر والعلم الإنساني المحدود والتجارب الفردية المحدودة أن تنكر وقوع المعجزات والخوارق فى هذا العالم الفسيح وعرض معجزة شق القمر وثبوتها عقليا ونقليا ودافع عنها وعن بقية المعجزات دفاعا قويا .
وأنه لابد فى الدين من الإيمان بالغيب وأنه لا يتنافي مع العقل لأن العقل قاصر غير محيط.
4- أقر برفعه المسيح – عليه السلام – إلى السماء ونزوله مرة ثانية وأنه لا خطر على القرآن وتعاليمه من التحريف ولا خطر على المسلمين من العود إلى الوثنية الجاهلة وعبادة المخلوق بل بالعكس أصبح المشركون فى خطر من التوحيد الإسلامي , ,أصبحت الوثنية مهددة بالتعليم الإسلامي .
5- لا حاجة إذن إلى شريعة جديدة وإلهام جديد وتحقق أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – خاتم الرسل .
تقويم هذه المرحلة :
هذه القضايا التي انتهي فيها إلى ما تقرر كانت مشغلة المسلمين آنذاك وكان ذكيا فى إثارتها ومعالجتها وحسن الدفاع عنها مما أكسبه لونا من البطولة لتصدية لها بالدفاع . وأثار إعجاب كثير من أعلام العلماء وثناءهم منهم عالم الحديث الشيخ " محمد حسين البتالوي " الذي قرظه فى شئ من الإطراء والمبالغة والدهشة فى مجلته " إضاعة السنة .
وكانت تلك المرحلة بمثابة إعلان عنه أخرجه من الخمول والعزلة التي كان يعيش فيها إلى استلفات الأنظار وتجمع بعض القلوب عليه وذيوع خبره فى البلاد الهندية ويستشعر هو هذا ويحس بعه ولا يفوته ان يدونه :
( لقد كنت فى ذلك العصر رجلا خاملا ليس له معارض ولا موافق أعيش فى زاوية الخمول , وكنت كميت مدفون فى قبره من قرون ولا يعرف أحد لمن هذا القبر ومن هو الدفين فيه ).
وقد ازدحمت كتابته فى تلك المرحلة بمازعمه من الإلهامات والمنامات والخوارق والكشوف والتكليمات الإلهية والنبوءات والادعاءات والتحديدات الطويلة العريضة وخرج أسلبه فى تقرير تلك المزاعم عن نطاق المحاجة العلمية إل إسفاف وتحد يعززه طغيان الأنانية والغرور.
من ذلك قوله : ( لقد ألهمت آنفا وأنا أعلق هذه الحاشية وذلك فى شهر مارس عام 1882 ما نصه حرفيا : يا أحمد بارك الله فيك ! ما رميت إذ رميت ولكن الله رمي , الرحمن علم القرآن لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم , ولتستبين أل سبيل المجرمين قل إني أمرت وأنا أول المؤمنين... إني رافعك إلى وألقيت عليك محبة مني ).
ومن خلال هذه السطور وغيرها ووسط زحام المعارك الكلامية التى خاضها , وحماسة الدفاع عن الإسلام تطل علينا نفسية أخذت تستقطب الاهتمام بذاتها وتشد الأنظار إليها وتدرج على مراق صعبة من الإعجاب والاعتداد ينزلق بها إلى انحناءات فكرية خطرة وتقفه على مفترق طرق من الخمول إلى الظهور ومن التواضع إلى الكبرياء ومن الدعوة إلى الادعاء ومن وضوح الغاية والهدف إلى ضرب من التجديف الشارد انتقل معه من مناظرة الصليبيين وأهل النحل الأخري إلى منازلة المسلمين وفتح ثغرات مشبوهة لا طائل من ورائها إلا بلبلة الفكر وفرقة الكلمة , ومعارك ضارية تمزق شمل الأمة وتزجي غيامات من الشكوك والفتن تحجب وجه الإسلام عن أهله وعن غير أهله ولم تكن تلك النتوء التي برزت فى أفكاره مبكرة لتخفي عن ذوي البصائر حتي توسم فيه بعض العلماء ادعاء للنبوة ومن هؤلاء الشيخان محمد وعبد العزيز ابنا الشيخ عبد القار اللدهيانوي .
كما أنكر عليه هذه الإلهامات التى ادعاها جماعة من علماء الحديث فى " أمر تسر" واستبعدوها تماما .
المرحلة الثانية – ( 1891 – 1900م)
ومع المعجبين به والمنكرين له فالمتوقفين فى أمره بدأ نجمه يتألق من غير كبير عناء أو جهاد أو بلاء وإنما قصاري جهده حملات كلامية لا تجمع صفا ولا ترمي إلى هدف ولا تنصر صديقا ولا تخيف عدوا , فى وقت كان المسلمون أحوج ما يكونون فيه إل زعامة رائدة وقيادة مؤمنة .
وأعداؤهم من المستعمرين ينشدون لهم فرقة وتشكيكا وزعامة تصرفهم عن هدفهم وتشغلهم بخلافاتهم وكان الالتواء بمنهج الإصلاح إلى مسارب لا تغني الناس فى دينهم ودنياهم هو هدفهم وكان فتح الأبواب على مصاريعها فى الحديث عن حياة المسيح عليه السلام – ونزوله فى آخر الزمان وأحاديث الفتن – التي لم يأت تأويلها بعد – يصادف هوي فى نفوس المستعمرين إذ هو المنفذ اللائق للتسرب إلى عقول البسطاء من المسلمين وأن الذي يتزعم هذا المنصب وينتحله ويظهر به يستطيع أن يؤسس سيادة روحية وإمارة دينية وسياسة بسهولة وقد كان دون ذلك – من الزعامة الدينية – مؤهلا لقيادة مجاهدة أقلقت المستعمر على يد الحركة المهدية التي قادها فى السودان السيد " محمد أحمد " السوداني والتي لم يرتق فيها بنفسه إلى ادعاء النبوة فكيف والمرزا يدعي مقاما أعلي من ذلك وهو مقام النبوة ؟!
كما كانت فكرة المهدي والمسيح الموعود قد تغلغت فى المجتمع الإسلامي وتنتظر من يقوم بها ليجد أرضا خصبة ونفوسا مستجيبة .
ولقد تكاتفت عدة عوامل لترشيح المرزا ودفعه للقيام بهذا الدور:
منها استعداده الذاتي للمغامرة هذه الدعوة وما كانت تهيأت له نفسه من طموح وغرور زكاهما بروزه فى مجال التحدث باسم الإسلام والتفاف الأتباع حوله .
ومنها تطلع المستعمرين الإنجليز وترقبهم لشخصيات يتبنونها ويصنعون لها زعامة يكون زمامها بأيديهم تيارات الإثارة باسم الجهاد ضدهم وتلوي زمام المسلمين غلى مسارب من الخلاف الشاغل بقيادة روحية مصطنعة .
ومنها طبيعة البلاد ومناخها الذي يتقبل كل رياح تأتيه بالصبا والدبور من التوحيد إلى التخريب .
والتقت هذه العوامل عند اقتراح تقدم به صديق له حميم – هو " الحكيم نور الدين – تقدم به للمرزا بأن يظهر المسيح ويدعي أنه هو المسيح الذي أخبر بنزوله وكثر الحديث عنه فى المجتمع الإسلامي وقدر الحكيم بذكائه أن المسلمين لا شك بعد ما تأثروا بدفاع مرزا عن الإسلام , واعتقدوا فيه الولاية لكثرة إلهاماته ومناماته ومبشراته يرحبون به ويخضعون له.
ويصادف الاقتراح هوي ورغبة وأملا فى نفس المرزا فيقبل عليه ويتولي الإعلان عنه لنفسه فى قوة وصراحة ويزفه إلى الناس كأنه البشري زاعما أنه المسيح المنتظر مفسرا ظهور المسحاء فى الإسلام بأنهم الأولياء ورثة الأنبياء , ,انه له خصائص المسيح وما سيؤديه من دور فى الحياة , تملأ بالكتابة فى هذا الشأن ثلاثة كتب ومن قوله فى هذا .
(أيها الناس إذا كنتم أصحاب إيمان ودين فاحمدوا الله واسجدوا لله شكرا , إن العصر الضي قضي آباؤكم حياتهم فى انتظاره ولم يدركوه وتشوقت ليه أرواح ولم تسعد به قد حل وأدركتموه ....
سأكرر ذلك ولا أفتأ أذكره إنني ذلك الرجل الذى أرسل لإصلاح الخلق لقم هذا الدين فى القلوب من جديد...
لقد أرسلت كما أرسل الرجل ( المسيح) بعد كليم الله " موسي " الذي رفعت روحه بعد تعذيب . فلما جاء الكليم الثاني ( محمد صلى الله عليه وسلم ) ... فكان لابد أن يكون بعد هذا النبي من يرث قوة مثل المسيح وطبعه وخاصيته ويكون نزوله فى مدة تقارب المدة التي كانت بين الكليم الأول والمسيح بن مريم يعني فى القرن الرابع شر الهجري وقد نزل هذا المسيح وكان نزوله روحانيا ... إن لى شبها بفطرة المسيح وعلى أساس هذا الشبه الفطري أرسل هذا العاجز باسم المسيح ليدك العقيدة الصليبية فقد أرسلت لكسر الصليب وقتل الخنازير لقد نزلت من السماء مع الملائكة الذين كانوا عن يميني وعن شمالي ).
وهكذا يظل قلمه متدفقا بهذه الأفكار والأوهام , ومن ورائه عقل صديقه " نور الدين " يوجهه ويزين له وعقول أتباع سذج تتابع هذا التخليط وتؤمن به وهو سادر فى إغوائه مندفع بحدة فى مقارعة المعارضين له ساخر منهم مستهزئ بهم بل وتمتد سخريته إلى موضوعه حياة المسيح ونزوله من السماء فيتهكم بمن يوم نبها من العلماء بأسلوب مبتذل بعيد عن أسلوب البحث العلمي بله أخلاق الدعاة وقد كان من قبل من المؤمنين بذلك ويترسل فى تأوسل الآيات والنصوص الواردة فى بعض الأحاديث ويصرفها عن ظاهرها ويعتبرها من قبيل المجاز والاستعارة بل ويصرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم – لم تتضح له حقيقة " ابن مريم " والدجال الكاملة وأن الله تعالي كان قد ألقي عليه علما إجماليا فقط فى هذا الشأن .
نتائج تلك المرحلة :
وينتهي فى تلك المرحلة إلى النتائج التالية :
(أ) أن المسيح – عليه السلام – توفي فى كشمير ودفن هناك بعد أن هاجر إليها من فلسطين قبل ألفي سنة , وأن القبر المشهور بقبر ( بوذاسف) فى حارة " خان يار" هو قبر المسيح – عليه السلام – وكان يعرف بالنبي ابن الملك , وقد قال عن ذلك فى رسالة له بالعربية إنه :
( مات ودفن فى أرض قريبة من هذه الأقطار وقبره موجود فى سري نكر فى الكشمير إلى هذا الزمان ومشهور بين العوام والخواص ويزار يتبرك به فاسأل أهلها العارفين إن كنت من المرتابين ) .
(ب) بما أن المسيح توفي, فإنه – أى المرزا – ذلك الرجل المرسل لإصلاح الخلق فيقول:
( لقد أرسلت كما أرسل الرجل " المسيح " يعد كليم الله " موسي " الذي رفعت روحه بعد تعذيب إيذاء شديدين فى عهد هيروديس فلما جاء الكليم الثاني " محمد " – صلى الله عليه وسلم – الذي هو أول كليم , وسيد الأنبياء لقمع الفراعنة الآخرين الذي قال الله تعالي عنه :( إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا) فكان لابد أن يكون بعد هذا النبي الذي هو فى تصرفاته مثل الكليم ولكنه أفضل منه , من يرث قوة مثل المسيح وطبعه وخاصيته ويكون نزوله فى مدة تقارب المدة التى كانت بين الكليم الأول , " المسيح بن مريم " يعني فى القرن الرابع عشر الهجري وقد نزل هذا المسيح وكان نزوله روحانيا ).
وأنه ليس المراد من النزول هو نزول المسيح بل هو إعلام على طريق الاستعارة بقدوم مثيل المسيح وأن هذا العاجز هو مصداق هذا الخبر حسب الإعلام والإلهام .
(ج) أنه ذلك الرجل الذي أرسل لإصلاح الخلق لقيم هذا الدين ف القلوب من جديد وليدك عقيدة الصليب ويكسر الصليب ويقتل الخنازير وأن قرية " قاديان" مشابهة بدمشق وأن الله أنزلني لأمر عظيم فى دمشق هذه بطرف شرقي عند المنارة البيضاء من المسجد الذي من دخله كان آمنا.
تقويم تلك المرحلة :
أولا : ناقض نفسه فى قضية ( رفع المسيح ونزوله – صلى الله عليه وسلم – فهو قد قرر فى المرحلة الأولي رفعه ونزوله مرة ثانية وعدل فى هذه المرحلة عن ذلك وقطع بوفاته وعدم نزوله ليخلي المقام لنفسه وغذ يواجه بهذا التناقض يعتذر عن رأيه الأول بأنه ذكره كعقيدة إسلامية مشهورة يؤمن بها أكثر المسلمين ولم يكن قد تلقي بعد إلهاما فى ذلك وإرشادا من الله فكان ذلك منه اتباعا للآثار المروية قبل انكشاف الحقيقة إذ كانت عينة مطبقة حتي فتحها الله ) .
ثانيا : غلبت عليه النزعة العقلية التي تلجأ إلى التأويل والتعليل وصرف اللفظ عن ظاهرة إلى معني يهدف إليه لأدني مناسبة من ذلك تأويله للرداءين الأصفرين ذلك أن خصومه كانوا قد اعترضوا عليه بأن أحاديث النزول التي يحتجها ويؤسس عليها دعوته ودعواه أنه هو المسيح الموعود قد جاء فيها أن المسيح ينزل وعليه رداءان أصفران فيقول مؤولا( المراد بالرداء الأصفر : العلة وقد جاء فى الحديث أن المسيح ينزل وعليه رداءان أصفران وهذا شأني فإنني أعاني علتين: إحداهما : فى مقدم جسمي وهو الدوار الشديد لذي قد أخر به الأرض,وأخاف به على نفسي والعلة الثانية : فى أسفل الجسم وهي كثرة البول )
ثالثا: لجأ إلى الخداع والتزييف فادعي ( أن قرية قاديان مشابهة بدمشق وأنزلني الله الأمر عظيم فى دمشق هذه بطريق شرقي عند المنارة البيضاء من المسجد الذي من دله كان آمنا فتبارك الذي أنزلني فى هذا المقام ). وإذ قد تغلب على تأويل لفظ دمشق والشام ... إلخ فقد بقي له أن يتغلب على مشكلة ( المنارة الشرقية ) وذلك ببنائه منارة فى شرقي قاديان وقرر ذلك سنة 1900م وفتح الاكتتاب لذلك وحث على الإعانات ووضع أساسها عام 1903 وتم هذا المشروع بعد وفاته فى حياة نجله المرزا " بشير الدين محمود ".
رابعا: اعتمد فى تأييده دعاواه على الإلهامات والمنامات ولجأ إلى أساليب الباطنية فى حساب أجمل والعداد والتطرف فى تأويل المصطلحات الدينية والكلمات الشرعية المتواترة لفظها ومعناها ومفهومها .
خامسا: دخلت فى حياته مؤثرات جديدة مثل شخصية الحكيم " نور الدين " الذي كان له أثر كبير فى هذا التحول والإيحاء به ومتابعته التأييد والاستدلال.
سادسا: تحولت معاركه , من تعريف بالإسلام ودفاع عنه , إلى فتح ثغرات يزيف فيها المفاهيم الإسلامية ويلوي الأدلة لخدمة أغراض تصرف المسلمين عن هدفهم وتخدم المستعمر فى تمزيق وحدة الأمة.
سابعا : إفصاحه عن الأعراض التي يعانيها وشدة تأثيرها عليه إذ يقول (إنني أعاني علتين من مدة طويلة أحداهما الصداع الشديد الذي أعالج منه الشدة والكرب والأهوال الشديدة وقد زال ويقي الدوار الذي ينتابني بعض الأحيان – وذلك لئلا يقع الخلل فى نبوءة الرداءين الأصفرين – والعلة الثانية مرض السكر الذى أعانيه منذ عشرين سنة ).
ويكفي هذا دليلا على أنه لم يكن بحالة عاية يتأتي له فيها من التفكير ما يتأتي لرجل عادي بله نبي ومن المقر شرعا أن الأنبياء – صلوات الله وسلامه عليهم – معصومون ومنزهون من مثل هذه الأمراض المخلة بالتوازن وأنه يجب لهم كل كمال بشري فى الخلق والخلق .
المرحلة الثالثة ونتيجتها ( 1900م – 1908م)
ونتابع فيها ثمرة غرسه فى المرحلتين السابقتين .
وقد صحبناه وهو يتكلم عن الإلهام , والعلم الباطني والعلم اليقيني كمنزلة يصل إليها الإنسان يلزوم متابعة النبي صلى الله عليه وسلم الذي يجمع هذه الخصائص والصفات وأن ذلك حاصل لأفراد الأمة على طريق التبعية والوساطة , وكانت نتيجة تلك المقدمات وتهيئة النفوس بها أن تقدم بدعوي النبوة فى الوقت المناسب فى حسبانه بعد أن استوثق من تصديق أتباعه له حالة يدعيها وقد كان الأوان الذى تقدم به عام 1900م.
وإذا كان " نور الدين " قد رشحه ودفعه لادعاء أنه المسيح الموعود فقد كان الرجل الثاني من أتباعه بعد نور الدين هو الشيخ " عبد الكريم " هو الذى قدمه للمنزلة الجديدة وألبسه الرداء الجديد فى ذلك العام , وفى يوم جمعة ومن فوق منبر الجمعة ذكر هذا الشيخ : أن المرزا ؟ غلام أحمد" مرسل من الله والإيمان به واجب والذي يؤمن بالأنبياء ولا يؤمن به يفرق بين الرسل ويخالف قوله تعالي فى وصف المؤمنين : (لا نفرق بين أحد من رسله )
لكننا لا ندين المرزا بكلام غيره ولو كان أقرب الناس إليه فماذا كان موقفه هو من هذه الدعوي ؟
لقد كانت هذه الخطبة مثار نقاش بين الأتباع الذين كان قد وصل إيمانهم بالمرزا إلى مقامات ومنازل الولي والمجدد والمهدي , المعهود والمسيح الموعود ولم يتجاوزوها.
وكان ادعاء المنزلة الجديدة مفاجأة لهم وكان منهم من أنكرها مثل الشيخ " محمد أحسن الأمروهي " فعاد المولوي " عبد الكريم" فى الجمعة التالية مباشرة ومن فوق منبر الجمعة أيضا والتفت إلى المرزا وقال له :
( أنا أعتقد أنك نبي ورسول فإن كنت مخطئا نبهني على ذلك ).
ولما انتهوا من الصلاة وهم المرزا بالانصراف أمسك " عبد الكريم" بذيله وطلب منه الحكم, فأقبل إليه المرزا وقال :( هذا الذي أدين به وأدعيه ) وأقلق ذلك الشيخ " محمد أحسن" وجعل يناقش المولوي " عبد الكريم " وارتفع صوتهما فخرج المرزا من بيته وقرأ:
(يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي). ومن عام 1901م أخذ يصرح بذلك فى مؤلفاته ورسائله فيقول : ( لقد حرم الذين سبقوني من الأولياء والأبدال والأقطاب من هذه الأمة المحمدية من النصيب الكبير من هذه النعمة – يعني الإلهامات والمكالمة الإلهية – ولذلك خصني الله باسم النبي أما الآخرون فى يستحقون هذا الاسم ) .
وغير ذلك من العبارات التي دل بها على اقتناعه تماما بأنه ني مستقل صاحب شريعة , وأمر ونهي , ذلك أنه يري أن النبي التشريعي هو الذي يشتمل وحيه على أمر ونهي ولو كان ها الأمر والنهي قد تقدما فى كتاب نبي سابق وإن كان يري أيضا أنه لا يشترط فى النبي صاحب الشريعة أن يأتي بأحكام جديدة : ( فإن قال قائل : إن المراد بالشريعة : الشريعة التي تشتمل على أحكام جيدة انتقض هذا القول , لأن الله يقول : ( إن هذا لفي الصحف الأولي صحف إبراهيم وموسي ).
ثم يسوق طرفا من وحيه المزعوم تطبيقا على ما قدم فيقول ( إن وحيي يشتمل على الأمر والنهي مثلا : ألهمت من الله ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكي لهم ) وهذا من آية كريمة من سورة " النور": لكنه يدعيها إلهاما جديدا له على حد نظره أنه لا يشترط لنبي صاحب شريعة أن يأتي بأحكام جديدة .
ثم يقرن تصريحه – بالدعوي على هذا الوجه – بالتحدي وظهر ذلك على وجه الخصوص فى رسالة ألفها عام 1902 باسم " تحفة الندوة " وجهها إلى أعضاء ندوة العلماء ويقول فى صفحتها الأول ( أيها الناس عندي شهادة من الله فهل أنتم تؤمنون ؟ أيها الناس عندي شهادات من الله فهل أنتم تسلمون ؟ وإن تعدوا شهادات الله لا تحصوها فاتقوا الله أيها المستعجلون . أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوي أنفسكم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون . إنا نصرنا من ربنا ولا تنصرون من الله أيها الخائنون ).....
وإذ قد وصل بأمره إلى هذا الحد فقد أصبح على مفترق طريق إذ كان فيما قبل – فى منازل الإلهام والتجديد , والمهدية , والمسيحية يري أو يري له – قد تكون له مندوحة بالتأويل .
أما وقد انتهي إلى ادعاء النبوة صراحة , وأصبح مجال الحكم عليه فى هذا المقام إيمانا أو تكفيرا فلابد من وقفة أمام هذه الدعوي السافرة لمناقشتها : خاصة وأنه كان يري ( أن الروضة الإنسانية كانت لا تزال ناقصة وقد تمت بأوراقها وأثمارها بقدومه).
الفصل الرابع :دعوي النبوة
بعد عرض النصوص السابقة فى هذا الشأن يتضح على ضوئها أن نسبة ادعاء النبوة إلى القادياني هي القضية التى أبرزته فى تيار الفكر الإسلامي المعاصر , وشغل بها العالم الإسلامي فى وطنه وخارج وطنه وزال.
وقد اضطربت النصوص المنقولة عنه أولا فى هذا وكانت بين الغموض والوضوح ,مما بلبل الأفكار والأحكام حوله , وحتي انقسم إتباعه أنفسهم فى تفسيرها وتأويلها ما بين مؤبد , أو مؤول , أو منكر .
والمتتبع لما كتب وبخاصة فى الطور الأخير من حياته وما حوته كتاباته من نصوص فى هذا يجد مراوغة من القادياني نفسه فى تحرير هذه المسألة له أو عليه وعلى الرغم من مراوغته فإن نصوصه التي تدينه واضحة وكثيرة كما عرضنا فضلا عن رأى أتباعه من بعده وغلو بعضهم فيه وادعائهم له أكثر مما ادعاه لنفسه .
وإزاء هذه الدعوي اختلفت آراء الكاتبين تبعا لما استندوا إليه من نصوص منسوبة إليه أو إلى أتباعه المقربين.
وفيما يلي نورد بعض آراء الكاتبين عنه فى هذه المسألة بالذات مسألة ادعائه للنبوة :
رأى الأستاذ عباس العقاد :
يري الأستاذ العقاد – ويوافق رأيه رأى الكثيرين من أتباع القادياني أنه لم يثبت أنه ادعي النبوة , وإنما دعواه : أنه مجدد القرن الرابع عشر للهجرة , وقد جاء فى باب إزالة الأوهام ) لا أدعي النبوة وما أنا إلا محدث ) وقال فى منشور أبريل سنة 1897م:( لعنة الله على كل من ادعي النبوة بعد محمد) وأن مدار الرسالة القاديانية كلها على التوفيق بين الأديان وتدعيم السلام بين الأمم.
رأى الدكتور محمد إسماعيل الندوي :
يري أنه : ( من الواضح البين عندنا – على ضوء قراءتنا لكتب القادياني أنه لم يدع يوما من الأيام النبوة الحقيقية ولم ينصب نفسه يوما نبيا حقيقيا بعد الرسول محمد – عليه السلام - ينسخ رسالته ويبطل كونه خاتم الأنبياء بل كل ما قاله : أنه هو المهدي الموعود ثم المسيح الموعود أو النبي وفق عقيدة التجسد )
رأى الأستاذ أبي الأعلى المودودي:
فتح ميرزا" غلام أحمد القادياني " باب النبوة ثم قام مدعيا نبوته وصدقت الطائفة القاديانية دعواه هذه وأقرت له بالنبوة بالمعنى الحقيقي التام.
وقد صرح مرزا غلام فى كتبه بدعواه الرسالة والنبوة فكتب ( دعوانا أنا رسول ونبي ) كما كتب ( أنا نبي , وفقا لأمر الله وأكون آثما إن أنكرت ذلك , ,إذا كان الله هو الذي يسميني بالنبي فكيف لى أن أنكر ذلك ؟ إنني سأقوم بهذا الأمر حتي أمضي عن هذه الدنيا )
رأى الأستاذ أبي الحسن الندوي :
يري أن المرزا قد بذر بذور ادعائه النبوة فى كتبه , ورسم الخطة لها من أول يوم وكانت النتيجة الطبيعية لمنطقه ومقدماته فيما كتب هى ادعاؤه النبوة والتصريح بها فى يوم من الأيام وقد كانت دعواه العريضة بذلك إذ يقول ( إنني صادق كموسي وعيسي وداود ومحمد صلى الله عليهم وسلم –وقد أنزل الله لتصديقي آيات سماوية تربو على عشرة آلاف وقد شهد لى القرآن وشهد لى الرسول , وقد عين الأنبياء زمان بعثي وذلك هو عصرنا هذا )
رأي إقبال :
يعتبر " إقبال " القاديانية ثورة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم – ومؤامرة ضد الإسلام وديانة مستقلة , وأنها محاولة منظمة لتأسيسي طائفة جديدة على أساس نبوة منافسة لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم – أمة جديدة للنبي الهندي .
مناقشة هذه الآراء :
استند الأستاذ " العقاد" فى رأيه على نفي إدعاء المرزا النبوة على نص لمرزا فى منشور أبريل سنة 1897م فى مرحلة كان المرزا مضطربا فى دعواه : مرة يفصح عنها وأخري يغمض ويلغز ويتلاعب بالألفاظ ويلجأ إلى أساليب الاستعارات والمجازات والتأويلات تحت ضغوط الرأى العام الإسلامي الذي كان ينكر عليه ذلك بلسان علمائه وجماهيره .
إلا أنه فى أخريات حياته كشف القناع واضحا فنري أنه يصرح بدعواه الرسالة والنبوة بقوله ( دعوانا أنا رسول ونبي ) وذلك فى عدد الرسالة والنبوة بقوله :( دعوانا أنا رسول ونبي ) وذلك فى عدد ( البدر ) الصادر فى الخامس من مارس سنة 1908 وبقوله : ( أنا نبي وفقا لأمر الله وأكون آثما إن أنكرت ذلك ) وذلك فى رسالة المسيح الموعود إلى محرر جريدة " أخبار عام بلاهور وقد كتب هذه الرسالة قبل وفاته بثلاثة أيام فقط إذ كتبها فى 23 من مايو سنة 1908م ونشرت فى ( أخبار عام ) فى 26 من مايو سنة 1908م يوم وفاته)
وهذان النصان المتأخران الذي استدل به الأستاذ " العقاد" يثبتان بوضوح صحة نسبة الإدعاء إليه . وأما ما ارتآه الدكتور" إسماعيل الندوي" فقد انتهي فيه إلى قوله : بل كل ما قاله أنه هو المهدي الموعود ثم المسيح الموعود أو النبي وفق عقيدة التجسد .
وهذا واضح فى صحة نسبة الإدعاء بعد مراحل : المهدية ثم المسيحية وانتهائه إلى النبوة ومما أوردناه سابقا ونورده لاحقا من نصوص منقولة من كتب القادياني يتبين بوضوح ادعاؤه النبوة لنفسه وبخاصة فى أواخر ما كتب , وأن ما انتهي إليه كل من " إقبال " والمودودي" و" الندوي" من الحكم على المرزا بإدعائه النبوة يؤبده ما أورده من نصوص من كلامه نفسه .
وفيما يلي نورد بعض عباراته :
( ويوحي إلى رحمة منه فاتبع ما يوحي ...
( وقد رأوا مني أكثر من مائة ألف آيات وخوارق ومعجزات .. وأن لعن الصادقين المرسلين ليس بهين ....
(وقد أرسلني ربي الذى لا يترك المخلوق سدي ...
(ونعتقد بأنه لا نبي بعده إلا الذي هو من أمته ومن أكمل أتباعه.
( فكلما ذكرت مرارا أن هذا الكلام الذي أتلوه هو كلام الله بطريق القطع واليقين كالقرآن والتوراة وأنا نبي ظلي( أنا مرآة انعكست فيها الصورة المحمدية والنبوة المحمدية بتمامها ) وبروزي من أنبياء الله وتجب على كل مسلم إطاعتي فى الأمور الدينية ...
ولذلك خصني الله باسم النبي ... إلخ ).
إصراره على هذه الدعوي حتي وفاته :
وقد غادر الحياة وهو وكثير من أتباعه على هذه العقيدة كما كان فى حياته وظلوا عليها بعد موته .
ففي حياته عرفنا ما فعله أحد أتباعه " المولوى عبد الكريم" فى مواجهته بقوله ( أنا أعتقد أنك نبي ورسول فإن كنت مخطئا نبهني على ذلك ) ورد عليه بقوله (هذا الذي أدين به وأدعيه ) وكتابه ( حقيقة الوحي) ملئ بذلك .
ومن بعده نري إصرار كثير من أتباعه على نسبة هذه الدعوي إليه ومغالاتهم فيها وكتاب ( حقيقة النبوة ) لنجله والخليفة الثاني الميرزا" بشير الدين محمود " وغيره من الكتب والنشرات والمجلات طافحة بالتصريح بنبوته وإيمانهم بها يقول نجله وخليفته بشير أحمد القادياني : (فالمعني التي تفهمنا إياه الشريعة الإسلامية عن النبي لا يسمح أن يكون المسيح الموعود نبيا مجازا فقط بل لابد أن يكون نبيا حقا إنا نؤمن بنبوة مرزا عليه السلام )
وماذا بعد ادعائه النبوة؟
ويتمادي فى زعمه إلى حد التطاول , وتجاوز مقام سيد المرسلين – صلى الله عليه وسلم فيقول : ( لقد تجلت روحانية النبي – صلى الله عليه وسلم – فى الألف الخامس ( كذا بصفات إجمالية ولم تكن الروحانيات قد بلغت غايتها وأوجها فى ذلك العهد القاصر.
بل كانت الخطوة الأولي فى سبيل ارتقائها وكمالها ثم تجلت هذه الروحانية فى الألف السادس ( زمن المسيح الموعود : غلام أحمد ) فى أبهي حللها وأرقي مظاهرها).
وفى هذا الكلام الخطير المجنون فوق ما فيه من تطاول تقرير منه لدعوي التناسخ والحلول ويزيد هذا الأمر وضوحا عنده قوله : ( إن مراتب الوجود دائرة وقد ولد إبراهيم – عليه السلام – بعادته وفطرته ومشابهته القلبية بعد وفاته بنحو ألفي سنة وخمسين فى بيت " عبد الله بن عبد المطلب " وسمي بمحمد صلى الله عليه وسلم )
ثم يقول فى مكان آخر :
( وتحل الحقيقة المحمدية وتتجلي فى متبع كامل ...
وقد مضي مئات من الأفراد تحققت فيهم الحقيقة المحمدية وكانوا يسمون عند الله عن طريق الظل محمد وأحمد ... إن الله أرسل رجلا كان أنموذجا لروحانية " عيسي " وقد ظهر فى مظهره وسمي " المسيح الموعود " لأن الحقيقة العيسوية قد حلت فيه ومعني ذلك أن الحقيقة العيسوية قد اتحدت به )
ولا يقتصر أمره فى هذا الشأن على جانب الأنبياء – صلوات الله وسلامه عليهم – بل إنه :( يتلبس بروح السدي المسيح وروح كرسنا رب الخير عن البراهمة كما يتلبس بأرواح غيرهم من الصالحين ) وأكثر من ذلك أن الله ألهمه ( أنت نبي بمنزلة ولدي ) ( أنت نبي وأنا منك ظهورك ظهوري ) ( يحمدك الله من عرشه ويمشي إليك ) ويترقي فى مزاعمه وأوهامه فيزعم لنفسه تفوقا على مقام الأنبياء – صلوات الله عليهم فيقول :
( لقد أعطيت نصيبا من جميع الحوادث والصفات التى كانت لجميع الأنبياء سواء كانوا من بني إسرائيل أو من بني إسماعيل وما من نبي إلا أوتيت قسطا من أحواله أو حوادثه ..
لقد أراد الله أن يتمثل جميع الأنبياء والمرسلين فى شخص رجل واحد وإنني ذلك الرجل )
ويلتقط أتباعه هذه المنازع الفاجرة ويؤمنون بها عقيدة ويعلنون متبجحين : تفضيل الغلام القادياني على أكثر الأنبياء أولي العزم من الرسل فضلا عن الصحابة وأولياء هذه الأمة ومجدديها وأئمتها ولا يعترفون بفرق بين أصحابه وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم – ويقولون بمساواته لسيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم – وزيادة ومساواة خلفائه للخلفاء الراشدين ومساواة بلده " قاديان " بمكة والمدينة " شرفهما الله ومساواة الحج إلى قاديان بالحج إلى " مكة"" ( إن غلام أفضل من بعض أولي العزم من الرسل )
( إنه كان أفضل من كثير من الأنبياء ويمكن أن يكون أفضل من جميع الأنبياء ).
(لم يكن فرق بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم –وتلاميذه " مرزا غلام أحمد " إلا أن أولئك رجال البعثة الأولي , وهؤلاء رجال البعثة الثانية )
وهكذا تري تخليطا فى تعاليمه وكلامه وبخاصة فى سنيه الأخيرة فمرة هو متناقص ومرة يأتي بالأعاجيب متسما فى كثير منها بطابع المناظرة والفجاجة وتسودها فى بعض الأحيان روحانية بارزة ويتبين المرء فى هذه التعاليم – إلى جانب الأنظار الهندوسية الآبدة والردة على المؤثرات الصليبية بعامة ونمط حياته والانفعال الإيجابي الذي أثاره ذلك فيها بخاصة - صورة صوفية هندية متأخرة للإسلام ابتعثتها مؤثرات غربية حديثة.
الفصل الخامس :مضمون دعوة النبوة
تمهيد
المتابع لكلامه وآرائه من خلال ما كتب يخلص منها إلى تحديد معالم دعواه ومضمونها .
وأساس ذلك – بعد دعاوي التجديد والمهدية والمسيحية -: أنه نبي ورسول يجب الإيمان به وإنكار ذلك عليه كفر وأن عناصر هذه النبوة المدعاة قد اكتملت له من وحي وأمر ونهي ومعجزات .
وهو إذ يعرض لمسائل الإيمان عقائد وشرائع يخلط بين الحق والباطل ويتخبط فى تقريرها بالصواب والخطأ والتحريف والتبديل والزيادة والنقص لذلك كان من الأنسب عرض آرائه بأسلوبه ومن واقع ما كتبه متعاضين عما فى أسلوبه من ركاكه فى التعبير .
عقيدته فى الألوهية
يقول : ( ومما يجب على جماعتي أتباعه أن يعرفوا عن يقين : أن لهم إلها قادرا أو قيوما , وخالقا للكون كله , أزلي الصفات وأبديها ولا يخضع للتطور , ولا يلد ولم يولد , وهو يسمو بذاته عن أن يتألم أو يصلب او يموت إنه قريب على بعده وبعيد على قربه , هو متعدد المظاهر على توحده كلما طرأ على الإنسان تطور روحاني تجلي الله له بمظهر جديد وعامله طبقا لذلك التطور الجديد ومن ثم يري الإنسان أن الله تعالي يتغير له حسب تغيره هو لكنه لا يصح أن تكون ذاته – عزوجل – قد تعرضت لهذا التطور بل إنها غير متغيرة وكاملة تمام الكمال منذ الأزل , غير أن الإنسان إذا تقدم نحو التطور الروحاني قابله الله بالمثل , وإذا رأي منه التقدم فى هذا الطريق ظهر له بمظهر من القدرة أرقي . ولا تتجلي قدرته الخارقة للعادة إلا ذا حصل التطور بذات الصفة , وهذا هو الأصل فى المعجزات والخوارق..
( إن إلهنا هو فردوسنا لأن وجوده يحوي جميع الملذات وجماله يبز جميع الحسان هذا الكنز حقيق بأن نصيبه ولو ببذل النفس وهذه الدرة جديرة بأن نحرزها ولو بفقد وجودنا – يا أيها المحرمون اسعوا إلى هذا النبع الدفاق لأنه سيطفئ غليلكم إنه لنبع الحياة الذي ينقذكم من الموت ) .
عقيدته فى الرسول وشريعته
حين ادعي النبوة الرسالة على النحو الذي أسلفنا بدا له خطورة هذا الأمر وخشي خيبته وفشله فى دعواه لدي الخاصة والعامة فادعي أن رسالته مؤيدة للإسلام لا ناسخة لشريعته ويقول :(أما ما يطلب الله منكم من ناحية العقائد : هو أن تعتقدوا أن الله واحد لا شريك له , وأن محمد عبد ورسوله, وهو خاتم الأنبياء وأفضلهم أجمعين فلا نبي بعده إلا من خلع عليه رداء المحمدية على وجه التبعية لأن الخادم لا يغاير مخدومه ولا الفرع بمنفصل عن أصله ).
عقيدته فى القرآن الكريم
( ألا تضعوا القرآن كالمهجور لأن لكم فيه حياة إن يعظمون القرآن سيلقون العزة والكرامة فى السماء وإن الذين يفضلون القرآن على كل حديث ورأي سيفضلون فى السماء لا كتاب لبني الإنسان اليوم على وجه هذه البسيطة إلا القرآن فانتبهوا ولا تخطوا ضد أوامر الله وتعاليمه فى القرآن خطوة . إلا الحق والحق أقول : من نقض أيسر وصية من وصايا القرآن السبعمائة فقد حرم نفسه من النجاة . إن القرآن هو الهادي إلى سبل السلام والنجاة أما سائر الطرق فإنما هى أظلال فتدبروا القرآن وأحبوه حبا ما أحببتموه أحدا , لأن الله - عزوجل – خاطبني قائلا :" الخير كله ف القرآن " أى وربي إنه لحق فيا حسرة على الذين يؤثرون عليه غيره . يا أيها الناس إن منبع فلا حكم ونجاحكم فى القرآن وحده , ما من حاجة من الحاجات الدينية إلا وتوجد على أكمل وجه ..
ولا ترفضوا دعوة القرآن الذي يريد أن يشرفكم بالنعم التي أوتيها الأولون بل قد أراد الله أن يعطيكم أكثر منهم وأعظم ,ولقد أورثكم متاعهم الروحاني والجسماني ولكن ليس لأحد أم ينتزعه منكم بالوارثة إلى يوم القيامة , ولن يحرمكم الله من الوحي والمخاطبة )
رأيه فى تفسير القرآن الكريم
يقول فى الخطبة الإلهامية :( أم يقولون إنا لا نري ضرورة مسيح ولا مهدي وكفانا القرآن إنا مهتدون , ويعلمون أن القرآن لا يمسه إلا المطهرون فاشتدت الحاجة إلى مفسر زكي من أيدي الله , ,ادخل فى الذين يبصرون )
وهذا نمط من التفسير الذكي فى نظره للقرآن الكريم :
( تفسير منطق الطير فى قوله تعالي ( وعلمنا منطق الطير ": حمل الطيور للرسائل من مكان إلى مكان كالحمام الزاجل .
وتفسير وادي النمل بأنها موضع فى نواحي اليمن .
والنملة : بطن من بطون العرب أو أمة كانت تسكن فى وادي النملة .
( والمراد بالجن فى قوله تعالي ( وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن ) : طائفة من البشر اجتمعوا بالنبي – صلى الله عليه وسلم – فى الخفاء وليس المراد به نفوسا لا يقع عليها البصر وقد جاءوا من الخارج وكانوا أجانب وغرباء ولذلك سموا جنا والمراد فى قوله تعالي : ( قل أوحي إلى أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا ): يظهر أنهم كانوا نصارى وقد جاء ذكرهم على طريق النبوءة ويكون المراد : شعوبا مسيحية تبلغ الذروة فى العظمة والرقي فتصبح بذلك جنا وعفاريت وعباقرة ( فى القوة والصنعة ) ويؤمن بعض طوائفها بالقرآن .
عقيدته فى السنة والحديث
( والذريعة الثانية من الذرائع الثلاث بعد القرآن التي وهبها الله للمسلمين هى السنة أى أسوة ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم – فى أعماله التي مثل بها أحكام القرآن تمثيلا فعليا .
مثلا لا يعرف من القرآن فى بادئ النظر عدد ركعات الصلوات الخمس ومواقينها ولكن السنة كشفت الغطاء عن هذا الإجمال ولا يخدعني أحد بالظن : أن الحديث والسنة كلاهما واحد مع أن الحديث لم يدون إلا بعد قرن ونصف ن عهد النبي صلى الله عليه وسلم لكن السنة كانت قد وجدت بوجود القرآن إن أعظم نعمة بعد القرآن المجيد هي السنة .
إن واجب الله وواجب الرسول نحو القرآن أمران اثنان : أولهما قد تم بإرسال التنزيل الحكيم الذي يعبر عن إرادته عزوجل فى الأرض أما ثانيهما فقد أنجزه – صلى الله عليه وسلم – بأن مثل للناس أحكام القرآن تمثيلا محكما وأوضحهما إيضاحا تاما فكان حول القوة إلى صورة العمل وحل بأسوته معضلات المسائل ومشاكلها , ولقد أخطأ من قال : إن حلها كان مقصورا على الحديث وحده وذلك لأن الإسلام كان قد تأسس قبل وجود الحديث أما كان الناس يصلون ويزكون أموالهم ويحجون ويعرفون الحلال من الحرام قبل تدوين الحديث ؟
نعم إن الذريعة الثالثة للاهتداء هى الحديث لأن الأحاديث تبين عن الإسلام كثيرا من الأمور التاريخية والفقهية وعلاوة على ذلك فإن أكبر فائدة للأحاديث : أنها تخدم القرآن والسنة كليهما والذين لا ينظرون إلى القرآن نظره الإجلال والاحترام يعتبرون الحديث حكما عليه كما اتخذ اليهود أحاديثهم حكما على التوراة أما نحن فنري الأحاديث تابعة للسنة والقرآن .
رأيه فى العبادات
(.... فأقيموا صلواتكم الخمس فى تضرع وانتباه كأنكم فى حضرته – عزوجل – وأتموا صيامكم لله فى صدق ومن استحقت عليه الزكاة فليؤد زكاته ومن وجب عليه الحج فليحج إذا استطاع إلى ذلك سبيلا قوموا بالعمل الصالح حذرين وانبذوا المنكر متبرئين واعلموا يقينا أنه لن ينال الله عمل لا تدعمه التقوي إن التقوي قوام كل عمل صالح , إذا تم فى ظلها كتب له البقاء لتبلون بضروب من الآلام والآفات كما ابتلي من سبقكم من الأمم فإياكم أن تزل قدمكم, إذا كنتم على صلة وثيقة مع الله فلن تضركم الأرض شيئا).
رأيه فى السلوك والطرق الصوفية
(.... إنكم حزب الله الأخير فأقبلوا على أعمال هى على غاية من الجودة والكمال :ل من يتخاذل منكم ويتكاسل سيلفظ من الجماعة كشضئ بخس ويموت حسرة واسي ولن يضر الله شيئا...
إن الذى قلبه عالق بالأطماع الدنيوية حني لا يكاد يرفع بصره نحو الآخرة هو ليس من جماعتي وليس من جماعتي من لا يؤثر الدين عى الدنيا حقا , وكذلك من لا يتوب توبة صادقة عن جميع السيئات والمنكرات من احتساء الخمر والمقامرة والغمرات الآثمة والخيانة والرشوة ومن كل تصرف شائن يتجاوز حدود الشريعة ومن لا يلتزم بأداء الصلوات فليس من جماعتي ....
وليس مني من نقض شيئا مما عاهدني عليه عند البيعة ومن لا يعتقدني مسيحا موعودا أو مهديا معهودا , فليس من جماعتي ... كذلك أن مشايخ الطرق وأخلاقهم لفي غمرة من الغفلة والبدعات ولا يعرفون ما داهم الإسلام من المصائب والآفات فإذا حضرت مجتمعاتهم وجدت هناك بدلا من القرآن المجيد والأحاديث ضروبا من الرباب والعود والدفوف والمطربين والمطربات وغير ذلك من وسائل اللهو المبتدعة لكنهم مع ذلك كله يدعون زعامة المسلمين ويصلفون بإتباع النبي صلى الله عليه وسلم - لكل أن يزعم بحب الله لكن حب الله الخاص لا يتحقق لأحد إلا إذا صدقه الله من السماء )
رأيه فى المرأة وبعض قضاياها
(... إن النساء فى عصرنا الحاضر قد أصبحن نهبا لبدعات هن يرين قضية تعدد الزوجات بنظرات ملؤها الاستياء والنفور كأنهن لا يعتقدن بذاك لعلهن لا يعرفن أن شريعة الله الكاملة تتضمن كل وصف من العلاج فلو كانت الشريعة لم تهتم بتعدد الزوجات لكانت مقصرة فى الظروف التي يضطر فيها الرجل إلى زواج ثان , خذوا مثلا المرأة التي تجن و أو تصاب بالجذام , أو تتعرض لعاهة تعطل جهاز الولادة أو تكون فى حالة عقر يرثي لها أو يكون الرجل كذلك فى حالة تدعو إلى الترحم إذ لا يقدر على التجرد فعندئذ – والحالة هذه – من الظلم أن نحظر الرجل من زواج ثان , والحق أن الله - عزوجل – أذن للرجل – نظرا لهذه الأوضاع – أن يسلك هذا الطريق وقد فتح الله نفس الطريق للمرأة أيضا إذا اضطرت لذلك أن تخلع عن الرجل بواسطة الحاكم إذا وجدت الرجل عاطلا العمل الذي يقوم من قبلها مقام التطليق ... انظرن الإنجيل الذي اقتصر الطلاق على الزنا فقط وأغفل مئات من العوامل التي تؤدي إلى أخطر العداء بين الرجل والمرأة ولذلك لم تحتمل الأمم المسيحية هذه الربقة طويلا ).
رأيه فى الحضارة
( فلا تقلدوا غيركم من الأمم التي ترامت على الوسائل المادية وتغذت بالوسائل الأرضية كما تتغذي الحية بالثري وانتهشت من جيفة الدنيا الكلاب والنسور إنهم ابتعدوا عن الله بيون شاسع وعبدوا الإنسان انكبوا على شرب الخمر وأكل الخنزير فى نهم وماتوا موتة روحانية باندفاعهم الشديد إلى مجرد الوسائل واستغنائهم عن الإستعانة بالله وفارقتهم الروح السماوية كما تفارق الحمام أعشاشها إن جذام المادية قد قضي على كيانهم الباطني فإياكم وهذا الجذام إني لست أنهاكم عن اتخاذ الوسائل إلى مدي الاعتدال بل الذي أنهاكم عنه هو أن تستهويكم هذه الوسائل حتي تستعبدكم وتنسوا خالقكم الذي هو خالق هذه الوسائل ولو كانت لكم أعين تبصرون بها لرأيتم أن الله هو كل شئ وأن جميع الكون تافه تجاهه..
ألا لا تقلدوا الأمم الأخري حين تحدثكم أنفسكم : أنها قد بلغت من التقدم فى الوسائل المادية شأوا بعيدا فهلم نندفع وراءهم اسمعوا وعوا : إنهم فى غفلتهم وزهوهم ساهون عن الإله الذي يهيب بكم للنجاة . ما هو إلههم ؟ ليس إلا إنسانا ضعيفا فهم فى غمرة جهلهم تائهون ... كذلك من الواجب عليكم ألا تنقادوا لفلاسفة الدنيا ولا تنظروا إليهم نظرة الإجلال , لأن نظرياتهم جهالات كلها والفلسفة الحقيقة هى التي عملكم الله إياها فى القرآن إنه قد هلك من هو مغرم بهذه الفلسفة , ,افلح من بحث عن الفسلفة الحقيقية فى القرآن ).
رأيه فى الجهاد
وإذا كان هو – فى زعمه – مسيح هذه الأمة فإنه يعمل فى هذه المسألة – فى زعمه – اتباعا للرسول – صلى الله عليه وسلم – فيما أخبر به عن مسيح أمته بقوله : إنه ( يضع الحرب ) فبناء عليه يقول فى خطبته الإلهامية :
(غير أن هذا الفتح – المقدر للإسلام فى آخر الزمان – لا يتاح بالأسلحة المصنوعة بيد البشر – بل بالحرية السماوية التى تستعملها الملائكة .
لذلك فقد وضع الجهاد بالسيف منذ اليوم بأمر الله فمن رفع السيف بعد هذا على الكفار مسميا نفسه غازيا فقد عصي رسول الله صلى الله عليه وسلم – الذي أنبأنا منذ ثلاثة عشر قرنا من الزمان أن يوضع الجهاد بالسيف عند ظهور المسيح الموعود فلا جهاد بالسيف عند ظهوري وها قد رفعنا اللواء الأبيض للصلح والأمان وليس طريق الدعوة إلى الله واحدا فقط فالطريق الذي اعترض عليه السفهاء من الناس لا تقتضي مشيئة الله وحكمته أن يختار نفس الطريق الآن أرضا).
هذا الموقف الشاذ لا شك يخرج فيه عن دواعي الدين ثم دواعي الوطنية فيمد الحكومة الإنجليزية بهذه الفتوي وأمثالها , فى ظروف حالكة يحتاج فيها المسلمون إلى بعثة الثقة فى أنفسهم ذلك أن لموضوع الجهاد والفتوي بشأنه حديثا طويلا يتعلق بعضه بالمستعمر والثورة عليه والجهاد ضده بالمستعمر والثورة عليه والجهاد ضده , وكان شاه " عبد العزيز دهلوي " أول من اصدر الفتوي سنة 1803م ونادي فيها بوجوب الجهاد ضد الانجليز وسار العلماء على نمطها فى فتاواهم ثم كانت ثورة 1857م وما انتهت إليه وظل المستعمر فى الهند آنذاك يخشي فكرة الجهاد والمجاهدين لذا لجأ إلى بعض العلماء يصطنعهم لاستصدرا فتاوي بشأن الجهاد فى الهند وهل يجوز أولا ؟.
واصدر لبعض الفتوي : بأن الجهاد فى حالة عدم التكافؤ بين قوة المسلم وقوة المستعمر عبث ومضيعة للنفس والمال , وأن المستعمر ما دام لا يتدخل فى إقامة الصلاة وأداء الفرائض فلا تكون البلاد بلاد حرب .
وشتان بين فتوي بهذه الصورة وبين كلام المرزا بوضع الجهاد بالسيف تماما عند ظهوره والذي يتوقع نتيجة له بقوله : ( وإني لعلي يقين بأنه بقدر ما يكثر من أتباعي يقل المعتقدون بمسألة الجهاد فإن مجرد الإيمان بى هو إنكار للجهاد ) .
وهو إذ يري أن الجهاد قد انتهي واستنفذ أغراضه فإن رأيه هذا من المسائل التي ثار حولها نقاش كبير وتفسيرات طويلة ومتشبعة بينه وبين المنكرين عليه وامتد حبل النقاش إلى أتباعه ن بعده مفسرين لرأيه ومبررين لمذهبه فيه .
ويرتبط رأيه ف الجهاد أساسا بعاملين:
العامل الأول : طبيعة الظروف التي كانت تحياها الهند والمسلمون بخاصة فى ظل حكومة استعمارية غاشمة تملك مقدرات البلاد بعد معارك عنيفة صلى المسلمون بوجه خاص لظاها وتحملوا الجانب الأكبر من أعبائها وتضحياتها.
العامل الثاني : ويبدو واضحا فى تكوين فكرته هذه عن الجهاد وهو أثر ادعائه المسيحية الجديدة والنبوة المزعومة إذ رأي فى ظلها : استنفاذ الجهاد لأغراضه فلا داعي له الآن فيقول ( أنا لا أعتقد أني مهدي هاشمي قرشي سفاح ينتظره الناس من بني فاطمة يملأ الأرض دما ولا أري مثل هذه الأحاديث صحيحة بل هى كومة من الموضوعات نعم أدعي لنفسي : أنني أنا المسيح الموعود الذي يعيش متواضعا مثل المسيح متبرئا من القتال والحرب كاشفا عن وجه ذى الجلال بالطريق السلمي والملاطفة ذلك الوجه الذى احتجب عن أغلب الأمم إن مبادئي وعقائدي وتعليماتي لا تحمل طابع المحاربة أو العدوان وأنا متأكد من أن أتباعي كلما زاد عددهم قل عدد القائلين بالجهاد المزعوم لأن الإيمان بى كمسيح ومهدي معناه رفض الجهاد )
رأيه فى غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم
ثم يذهب فى تفسير الحروب والغزوات التي قام بها الرسول – صلى الله عليه وسلم – إلى تقرير الأمور الآتية :
قد تكرر فى القرآن مرارا أنه لا مكان للإكراه فى الدين وهو يبين صراحة أن الحروب التي حصلت فى عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن تهدف إلى نشر الدين بالقوة بل إنما كانت : إما عقابا للجناة المعتدين الذين قتلوا طائفة من المسلمين ونفوا عن الأوطان طائفة أخري وبلغوا من الظلم والوحشية مبلغا خطيرا كما يقول الله عزوجل ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير).
أو كانت دفاعية وذلك عندما كان الأعداء يزحفون للقضاء على الإسلام بالقوة وكانوا يتدخلون فى الحرية الدينية بالقوة كذلك .
أو كانت تلك الحروب لتعميم الحرية فى البلاد وتأمين حقوق أهلها ولم يحارب رسول الله صلى الله عليه وسلم – ولا خلفاؤه الراشدون إلا على أساس أحد هذه العوامل الثلاثة بل إن الإسلام فاسي من الظلم والعدوان مالم يسبق له مثيل فى الأمم الأخري لكن رغم ذلك ما هذان المسيح والمهدي اللذان لن يلبثا أن يشرعا فى قتل الناس ؟).
رأيه فى إتباعه
بهذا الإطار من الأفكار وضع الفيصل بين إتباعه ومخالفيه ( اعلموا أن مجرد التفوه بالبيعة ليس بشئ مالم يكن مصحوبا بالعمل عن عزيمة القلب فالشخص الذي يتبع تعليماتي حق الإتباع هو الذي سيدخل الدار التي بشر عنها الوحي قائلا : إني أحافظ كل من فى الدار ولا يذهبن ذلك لأحد إلى أن القاطنين فى داري هم أولئك الذين يسكنون داري المادية من مدر وآجر بل الذين يتبعونني فى صدق وإخلاص أولئك أيضا داخلون فى كنفي الروحاني ).
ونتيجة هذا الحصار – الذي أقامه وعزل به عن فسه وأتباعه عن المجتمع الإسلامي – مزيد من الانحراف والغلو أفضي به وبهم إلى نتائجه المنطقية ..
فقطعوا صلاتهم بالمسلمين ونظموا أنفسهم تنظيما مستقلا عنهم كأنهم أمة ليست منهم فى قليل ولا كثير وذلك مما تشهد به كتابات القاديانيين أنفسهم:
( وقد أكد المسيح الموعود النهي عن صلاة الأحمديين خلف رجل من غير الأحمديين وكثيرا ما ترد علىّ من الخارج رسائل يسألني أصحابها عن هذا الأمر المرة بعد المرة ولذلك فإني أقول لهم : مهما أعدتم على السؤال عن هذا الأمر فإني لن أجيبكم إلا بأنه لا تجوز , لا تجوز الصلاة خلف رجل من غير الأحمديين)
(1) من الواجب علينا ألا نعتقد بإسلام غير الأحمديين وألا نصلي خلفهم إذا أنهم عندنا كافرون بني من أنبياء الله ).
(2) إذا مات ولد الرجل من غير الأحمديين فلماذا ينبغي علينا ألا نصلي عليه فى حين أنه ليس بكافر بالمسيح الموعود؟ وأنا بدوري أسأل من يلقي على هذا السؤال : إن كان ذلك جائزا فلماذا لا نصلي على أولاد الهنادك والنصاري عند موتهم ؟ إن ابن هذا الرجل من غير الأحمديين ليس إلا واحدا منهم ولذلك لا تجوز الصلاة عليه أيضا ).
(3) وقد أبدي المسيح الموعود سخطه العظيم على أحمدي يريد أن يزوج ابنته رجلا من غير الأحمديين وقد سأله رجل عن ذلك مرة بعد مرة , وعرض عليه ضروبا من الأعذار ولكن لم يجب فى كل مرة إلا بقوله : أمسك عليك ولا تزوجها رجلا من غير الأحمديين ثم إن هذا الرجل زوج بنتك ولا تزوجها رجلا من غير الأحمديين ثم إن هذا الرجل زوج ابنته بعد وفاة المسيح الموعود رجلا من غير الأحمديين فعزله الخليفة الأول عن إمامة الأحمديين ولم يقبل له توبة فى ست سنين من سني خلافته مع أنه لم يزل يتوب من فعلته مرة بعد مرة ).
(4) لم يبح المسيح الموعود معاملة غير الأحمدين إلا بما عامل به النبي الكريم النصاري وقد فرق بيننا وبين غير الأحمديين فى الصلاة وحرم علينا أن نزوجهم بناتنا ونهينا عن الصلاة على موتاهم فأى شئ قد بقي الآن نشاركهم فيه ؟ إن العلاقة بين الناس علاقتان : علاقة دينية, وعلاقة دنيوية فأكبر وسيلة من وسائل العلاقة الدنيوية هى التزاوج وقد حرمت علينا هاتين الوسيلتين .
فإن قلتم : إنه يجوز الزواج من بناتهم . قلت : نعم ويجوز أيضا أن نتزوج من بنات النصاري . فإن قلتم : لماذا يجوز السلام على غير الأحمديين ؟ قلت : قد ثبت من الحديث أنه قد يرد النبي – صلى الله عليه وسلم – حتي على اليهود سلامهم أحيانا ).
ولم يقف أمر قطع الصلات والروابط بالمسلمين عند حد الكتابة والخطابة فحسب بل إنه مما يشهد به مئات الألوف من أهل البلاد أن القادنيين قد انفصلوا عن المسلمين انفصالا واقعيا فعليا أرضا وأنهم قد أصبحوا أمة مستقلة تماما عنهم فهم لا يشتركون معهم بالفعل فى الصلوات المكتوبة ولا فى الصلاة على الموتي ولا فى التزاوج ...
(وبما أننا نؤمن بنبوة ميرزا عليه السلام وغير الأحمديين لا يؤمنون بها فكل رجل من غير الأحمديين كافر بحسب ما جاء فى القرآن إذ أن الكفر ولو بنبي واحد هو الكفر .
ويقول غلام أحمد :( إننا نخالف المسلمين فى كل شئ : فى الله فى الرسول فى القرآن فى الصلاة فى الصوم فى الحج والزكاة وبيننا وبينهم خلاف جوهري فى كل ذلك .)
فى قتصر القاديانيون على قولهم بأنهم مخالفون للمسلمين فى أمر نبوة ميرزا غلام أحمد فحسب , بل هم يقولون أيضا إنه ليس هناك من شئ يجمع بينهم وبين المسلمين , فربهم غير رب المسلمين , وإسلامهم غير إسلامهم , وقرآنهم غير قرآنهم وصلاتهم غير صلاتهم وصومهم غير صومهم ... إلخ.
وإذ بلغ بنفسه وبأتباعه هذا الحد فقد وجدوا أنفسهم فى غربة من العقيدة والوطن وولاؤهم كله لعدو دينهم ووطنهم من المستعمرين الإنجليز ويعبر عن ذلك بقوله ( لا يمكنني أن أقوم بعملي هذا خير قيام فى مكة ولا فى المدينة ولا فى الروم ولا فى الشام ولا فى باريس ولا فى كابل ولكن تحت هذه الحكومة التي أدعوا لها دائما بالمجد والانتصار.
موقفه من المسيح عيسي بن مريم عليه السلام
( لو لم تكن فيكم بعض الأخطاء , ولم تكونوا قد أولتم بعض الأحاديث تأويلا خاطئا لكانت بعثة المسيح الموعود الذى هو الحكم لغوا .
إن الخطب الذي تزعمون أن المسيح ينزل لأجله من السماء – أى أن المسيح والمهدي سيقاتلان الناس حتي يسلموا – والله إنها لعقيدة تسئ سمعة الإسلام أيما إساءة . هل فى القرآن ما يبرر الإكراه فى الدين ؟
كلا! بل القرآن ينفي ذلك نفيا باتا إذ يقول الله فيه : ( لا إكراه فى الدين) فإذن كيف يخول " المسيح بن مريم " بسلطات الإكراه ؟
( واعرفوا حق المعرفة أن عيسي – عليه السلام – قد توفي وأن قبره لموجود فى " سرينكر" كشمير حارة خافيار ولقد أخبر الله بوفاته فى كتابه العزيز ولست أنكر مكانة المسيح الناصري وإن كان الله قد أنبأني بأن المسيح المحمدي أفضل من المسيح الناصري .
لكنني مع ذلك أكرم المسيح إكراما لأنه خاتم الخلفاء فى الأمة الموسوية كما أنني خاتم لخلفاء كما أنا المسيح كذلك كان المسيح النصري موعودا لملة الموسوية كما أنا المسيح للملة الإسلامية فأنا أهتم بكرامة من هو سمي ومثيلي وكذاب ذلك الشخص الذي يتهمني بإهانته)
موقفه من الانجليز وآثاره
عرضنا لبعض مواقف أسرته من الحكومة الانجليزية , وكيف كانوا يرون أنها أسرتهم بمعروفها برد بعض ممتلكاتهم إليهم ما يسجله هو بقوله ( ولا يخفي على هذه الدولة المباركة أنا من خدامها ونصائحها ودواعي خيرها من قديم, وجئناها فى كل وقت بقلب صميم وكان لأبي زلفي وخطاب التحسين ولنا لدي هذه الدولة أيدي الخدمة ).
(ولا نظن أن ننسها – كذا – فى حين وكان والدي الميرزا " غلام مرتضي " ابن الميرزا " عطا محمد " القادياني من نصحاء الدولة وذوي الخلة عندها ومن أرباب القربة وكان يصدر على تكرمة العزة وكانت الدولة تعرفه غاية المعرفة وما كنا قط من ذوي الظنة بل ثبت إخلاصنا فى أعين الناس كلهم وانكشف على الحاكمين وتستطلع الدولة حكامها الذين جاؤنا ولبثوا بيننا كيف عشنا أمام أعينهم وكيف سبقنا فى كل خدمة مع السابقين ).
ثم يقول : ( والمأمول من الحكومة أن تعامل هذه الأسرة التي هي من غرس الإنجليز أنفسهم ومن صنائعهم بكل حزم واحتياط وتحقيق ورعاية وتوصي رجال حكومتها أن تعاملني وجماعتي بعطف خاص ورعاية فائقة ).
ويواصل هو – بعد أسرته – تدعيم هذه العلاقة ويزيدها تأكيدا بالتقرب إليهم, والتفاني فى خدمتهم بكل سبيل ويعرض علينا نمطا من هذه الخدمات بقوله : ( لقد ألفت عشرات من الكتب العربية والفارسية والأردية أثبت فيها أنه لا يحل الجهاد أصلا ضد الحكومة الإنجليزية التي أحسنت إلينا بل بالعكس من ذلك يجب على كل مسلم أن يطيع هذه الحكومة بكل إخلاص وقد أنفقت على طبع هذه الكتب أموالا كبيرة وأرسلتها إلى البلاد الإسلامية وأنا عرف أن هذه الكتب قد أثرت تأثيرا عظيما فى أهل هذه البلاد ( الهند ) وقد كون أتباعي جماعة تفيض قلوبهم إخلاصا لهذه الحكومة والنصح لها – إنهم على جانب عظيم من الإخلاص وأنا أعتقد أنهم بركة لهذه البلاد ومخلصون لهذه الحكومة ومتفانون فى خدمتها .
وهكذا يظهرون فى كل الظروف ولاءهم الخالص للحكومة البريطانية ثم يكر على ماض له فى الانتصار للإسلام ضد المبشرين من طلائع المستعمرين فيبرر حدته فى هذه المعارك مع المبشرين بقوله :
( لقد غلا بعض القسس والمبشرين فى كتاباتهم وجاوزوا حد الاعتدال ووقعوا فى عرض رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وخفت على المسلمين الذين يعرفون بحماستهم الدينية أن يكون لها رد فعل عنيف أن تثور ثائرتهم على الحكومة الإنجليزية ورأيت من المصلحة أن أقابل هذا الاعتداء بالاعتداء حتي تهدأ ثورة المسلمين وكان كذلك ).
ولقد كان ( ميرزا يلجأ للإنجليز ليحموه عندما يتحداه المسلمون وعلماؤهم لتناظر نبوته فكان يضعف عندما يتحداه المسلمون وعلماؤهم للتناظر فكان يضعف أمام تحدياتهم وكان يقبض على العلماء الذين يعلنون هذا التحدي مراوغا لهم فلقد أرغم الاستعمار مولاي " محمد الحسين " ومن معه على مغادرة بلدة" كودهيانة" التي نزلها " ميرزا" مبشرا فيها ليخلو له الجو وفى " نيودلهي " تحداه مولاي " نظير حسين " للمناظرة لكنه راوغه ولم يواجهه حتي لا ينفضح أمره , وناشد علماء الهند أن يكفوا عن مهاجمته عشر سنوات كهدنة لكن استطاع ميرزا أن يوقف تحديهم له بأن جعل الحاكم العام للهند يصدر قانونا يحمي طائفته من الهجوم عليها ولقد كانت الشرطة تحوط ( ميرزا ) فى كل تنقلاته وكان يفطر علانية فى شهر رمضان فلقد قدم له أحد أتباعه قدحا من الشاي إبان اجتماع له فى نهار رمضان فهاج عليه الحاضرون واعتذر لهم بأنه سهي عليه .
ولقد هاجمه " نهرو" الزعيم الهندي بعد عودته من بريطانيا بقوله ( إنني فى سفري هذا أخذت درسا جديدا هو أننا إذا أردنا أن نضعف قوة بريطانيا علينا أن نضعف الجماعة القاديانية ) فلقد كان الخليفة القادياني "محمود أحمد يقول مرددا أقوال ميرزا ( إن الجنة تحت ظل ذلك السيف المسلول الذي يسل للدفاع عن الإمبراطورية البريطانية فلقد علمنا إمامنا أن ألم الحكومة البريطانية ه ألمنا , ويتباهي بأن الأحمديين أراقوا دماءهم فى فتح العراق مع بريطانيا ... وهذا المنطق لا يقبله شرع ولا يقره دين ).
موقفه من العالم الإسلامي
حين كانت الهند مع بعدها فى المشرق – تتجاوب بكل صدي قريب أو بعيد مع الدعوات والحركات الإسلامية فى بلاد العرب وتردد فى جنباته صدي الدعوة الوهابية ,وترامت إليها أنباء الدعوة المهدية فى السودان وتطلعت إلى دعوة " جمال الدين " فى مصر وبدأت مع مطلع القرن العشرين تتطلع إلى دولة الخلافة نراه يرتبط بولائه الكامل على هذه الصورة للحكومة الإنجليزية المستعمرة .
وحين كان يري العالم الإسلامي ميدانه الذي ستمتد إليه دعوته التي يقدمها له باسم الإسلام إلا أنه كان يري من مصلحته أن يظل نظام الكفر جاثما فوق صدور المسلمين غالبا على أمرهم لأن بإمكانهم أن يجعلوا هذا النظام يطمئن إلى ولائهم وإخلاصهم له ثم يتمكنون فى نفس الوقت من الأنسياب فى صفوف المسلمين والعمل على إضلال أفرادهم بكل حرية ووقاحة أما الأمة المسلمة الحرة المستقلة فهي فى نظرهم أرض قاحلة جدباء لا يحبونها ولا يمكن أن يحبوها من قرارة أنفسهم ....( فليس بخاف على الذين يدرسون تاريخ الأمم ما عاملت به الحكومة الفارسية ميرزا " على محمد باب " مؤسس الفرقة البابية – وأتباعه المساكين فقد أنزلت بهم من الشدائد ألوانا لا لشئ إلا لمجرد الخلاف الديني كما لا يخفي على المطلعين على الحوادث الهامة فى التاريخ ما عاملت به الحكومة التركية التي تسمي نفسها دولة أوربية " بهاء الله " – مؤسس الفرقة البابية البهائية – وأتباعه بين عامي 1863 – 1893 فقد زجت بهم فى غياهب سجون القسطنطينية أولا ثم فى سجون أي رانوفل وعكا إننا لا نعرف فى الدنيا إلا ثلاث دول كبيرة وقد أظهرت جميعا من العصبية الدينية وضيق النظر " الذى لا يساير هذا الزمان المدنية والثقافة " ما يجعلنا نستيقن بأن حرية الأحمديين إنما هي مرتبطة ارتباطا وثيقا بالتاج البريطاني ).
إزاء هذه الدعاوي والمواقف الشاذة دينيا ودنيويا فى مجال العقيدة وما زعمه لنفسه من دعوي النبوة فى مجال الشريعة وما ادعاه لنفسه من حق التحريم والتحليل فى الأخلاق وما استباحه لنفسه من زعامة كاذبة رتب عليها حقوقا ليس أهلا لها. وفى الوطنية وما رتضاه لنفسه ن ارتماء فى أحضان المستعمر , كانت النتيجة الطبيعية لهذا كله أن صار وأتباعه متفوقين داخل إطار من الأفكار يخلط عقيدة الإسلام بغيرها حتي انبهمت معالمها عنده ويجعل أتباعه مزيجا من الناس لا يحققون لأنفسهم انتماء صحيحا إلى الأمة الإسلامية ولا إلى غيرها .
وإزاء هذا كله فلسنا أمام نبوة صحيحة ولا أية دعوة من دعوات الإصلاح ولكننا أمام خلط من الأفكار لا يقبله دين ولا عقل فلماذا الإصرار على تقديمه باسم ( نبوة)؟
لماذا النبوة ؟
وبعد هذا السبح الطويل فى تلك النصوص نري أننا إزاء حق وباطل .
فهل كان ما أتي به من حق محتاجا لادعاء نبوة جديدة ليدعمه ؟
وهل كان ما زيفه من باطل فى حاجة إلى نبوة جديدة ليبرره ويدخله على الناس ؟
كلا إن مقام النبوة عبث العابثين وإن هذه النبوة المزعومة ما كانت غلا لحساب الانكليز بل وعاونها الانكليز آملين من مظاهر هذا الغض الديني الشغب على تعاليم الإسلام وبلبلة الأفكار وتفتيت صفوف الأمة الإسلامية باختلاف دوامات عريضة حول هذه النبوة السفيهة وأمثالها .
فلنتابع النظر فى بيت العنكبوت هذا لنري أى خيوط رثة يتماسك
الباب الثالث :أصول الدعوي ودفع شبهاتها
الفصل الأول :أصول دعوي القادياني وركائزها
خطوة إلى دعوة النبوة
أخطر ما ورد فى دعوي القادياني هو زعمه وادعاؤه النبوة لنفسه وتجميع الأتباع على هذه الدعوي حتي امتدت من بعده معتقدا لدي كثير من أتباعه وقد كانت هناك خطوتان لهذه الدعوي :
الخطوة الأولي :
بدأت من إقراره أن هناك أدلة على نزول المسيح عليه السلام وحيث إنه يري ويعتقد وفاة عيسي وعدم نزوله وحيث إن الجمع بين هذا المعتقد وبين أدلة النزول لا مجال له إلا التأويل فلم يكن إلا بصرف الألفاظ والمسميات عن ظاهرها إلى غيره فكان أن ادعي !
(1) أن عيسي – عليه السلام 0 مسيح الأمة الموسوية , وأنه قد مات ولن ينزل.
(2) وأنه هو المسيح للأمة المحمدية وأنه يكلم , ثم ارتقي إلى ادعاء منزلة أعلي من منزلة عيسي – عليه السلام – وإذ قد وصل إلى هذا الحد فقد انتهي إلى الخطوة الثانية .
الخطوة الثانية وكانت هى ادعاءه للنبوة كيف أقام نظرته للنبوة وادعاءه لها؟:
ثبت من عرض النصوص السابقة صحة نسبة ادعائه النبوة لنفسه وصدق صدور هذه الدعوي عنه , وتصرفاته التي كان يأتيها تحت وهم هذا الادعاء ثم انسياق المغترين به حال حياته وبعد وفاته . وإذ قد ثبت ادعاؤه فعل أى أساس أقام فى نفسه هذا الوهم ؟
لقد ارتكز فى هذا المدعي – أساسا – على إمكان لنبوة بعد سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – ويقتضي المقام بيان مفهوم النبوة عنده ثم بيان ما سماه أدلة وتفنيدها .
مفهوم النبوة عنده وما ارتكز عليه فى ادعائها
لقد كان فى تصديه – فى مبدأ نشاطه – للدفاع عن الإسلام والمناظرة مع أرباب الديانات والملل الأخري خطوط فكرية سليمة وواضحة عرضنا لبعضها إلا أنه كان يتخللها بذور سامة تغاضي عنها بعض لعلماء وحملوها على التأويل إعجابا بدفاعه عن الإسلام وتزكية لنشاطه فى هذا المجال وتنبه لها بعض العلماء وبدءوا يدقون نواقيس الخطر حوله بل وتعرضوا له بالتفنيد والنقد والهجوم وكان هو أقسي منهم فى الرد عليهم والتطرف والانزلاق فى تثبيت ما يدعيه لنفسه .
فناقش مفهوم الإلهام , والتحديث والكلام والرؤي وأبتها بكلام طويل ممزوج بالتهكم واقذاع مع معارضيه وسود الصفحات الطوال فى هذا الرأي وكانت نهاية مطافة ادعاؤه لمقام النبوة .
وقد أقام الادعاء على إمكانية النبوة بل والرسالة بعد سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – وكانت هذه القضية محور ارتكازه فى هذا المجال الخطير وفى تصديه للاستدلال على ماتوهم من إمكانية النبوة والرسالة لجأ إلى أساليب لا تمت إلى البحث العلمي بصلة .
فتارة : يهيم فى مجالات الرؤي والغيبوبة وأخري : يؤول الألفاظ ويخرجها عن معانيها وثالثة : يدعي المؤيدات ويسميها معجزات ومن كلامه فى هذا :( إن إتباع النبي صلى الله عليه وسلم يمنح كمالات النبوة وأن عنايته واهتمامه ينحت الأنبياء الجدد ويخلقهم ) .
ويجعل المخاطبات والمكالمات الإلهية شرطا لصحة الديانة ونتيجة طبيعية للعمل بالأحكام الشرعية والعبادة . ( أقسم بالله إنني أشد الناس مقتا وتبرءا من دين لا يفتح على أتباعه – رغبة عباداتهم وتصحيحاتهم بابا للمعرفة الإلهية ولا يشرفهم بالمكالمات والمخاطبات إنني أقسم بالله إنني أشد الناس كراهة وازدارء لهذا الدين الذي لا يصلح لهذا إنني لا أسميه الديانة الرحمانية بل أسميه " الديانة الشيطانية" وأؤمن أنه دين يهدي إلى جهنم ويعيش فيه الإنسان أعمي ويموت أعمي , ويدفن أعمي ) .
إنه اشترط وأوجب للإنسان مالم يشترط الله ورسوله ولم توجبه الشريعة وما أنزل الله به من سلطان وهكذا عسر هذا الدين الذي كان يسيرا وعاما للبشر ومهد الطريق للدجالين والمشعوذين والمتزعمين الذين يدعون الإلهام و" المخاطبات الإلهية " ويسيطرون على عقول الناس وأموالهم ويجاهد الناس فى غير جهاد ويبذلون قوتهم ومواهبهم فيما لا ينفعهم فى الدين ولا فى الدنيا وينصرفون عن محكمات الشريعة وواضحات الدين إلى ملهمات ومبهمات ومتهافتات ومتناقضات تفسد عليهم الدين والدنيا ..
( إن ظروف المسلمين التي بعث فيها المسيح الموعود – يعني نفسه – كانت تشبه تماما أحوال بني اسرائيل حينما بعث إليهم المسيح الناصري فانا ذلك الموعود فالذي يبايعني صدقا ويتبعني حقا ويخلع عن نفسه ربقة الأهواء فى سبيل طاعتي هو الذي ستشفعه روحي فى هذه الأيام العصيبة الحالكة ....
( ولا تحسبن أن الوحي كان فيما مضي ولم يعد له وجود فى هذه الأيام وأن روح القدس كان ينزل فيما مضي وليس له أن ينزل الآن الحق والحق أقول : إن كل باب يمكن أن ينسد لكن باب روح القدس سيظل مفتوحا إلى الأبد , عليكم أن تفتحوا منافذ قلوبكم لك يدخلها ذلك الروح إنكم تحرمون أنفسكم من تلك الشمس التي تسدون دونها المنافذ يأيها الجاهل ! قم وافتح ذلك المنفذ تدخله الشمس بنفسها إذا كان الله اليوم لم يحرم الناس ن خيرات الأرض بل وفرها لهم فهل يستسيغ ظنكم أنه – عزوجل- حرمكم من خيرات السماء التي أنتم بأمس الحاجة إليها كلا ! إن ذلك الباب المفتوح فتحا مبينا حسما وعدكم الله فى الفاتحة من ايتاء جميع النعم فلماذا ترفضون هذه النعم ؟ كونوا ظمأى لتلك العين , تتفجر لكم المياه بنفسها ).
ويلتقط هذا الخيط من يعده نجله وخليفته المرزا " بشير الدين محمود" فيقول:
( لقد اعتقدوا أن كنوز الله قد نفدت . ما قدروا الله حق قدره إنكم تتنازعون فى نبي واحد وأنا أعتقد أنه سيكون هنالك ألف نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم )
وقد أحدث ذلك فوضي فى النبوة وفقدت كلمة " النبوة جلالتها وحرمتها وقداستها وأصبحت ألعوبة وعبثا وكثر المتنبئون فى القاديانية ومدعو الإلهام وقد عد منهم الأستاذ " محمد الياس البرني" إلى عام 1355 سبعة ولاشك أنه ليس إحصاء دقيقا وإنهم أكثر من هذا وإلى ازدياد مستمر .
هذا هو الحصاد:
لقد تدرج أولا بالحديث عن الإلهام والعلم الباطني والعلم اليقيني كمنزلة طبيعية يصل إليها الإنسان بلزوم متابعة النبي والاضمحلال فيه وغفل عن أن ألصحابة – رضوان الله عليهم وقد لا زموا الرسول صلى الله عليهم وسلم – لم يستشرفوا لمثل هذا أبدا ولو كان لكانوا أحق به منه . وذلك حين يزعم ( أني امرؤ يكلمني ربي ويعلمني من لدنه ويحسن أدبي ) وأن الإلهام لم ينقطع فيقول :
( لقد ألهمت آنفا وأنا أعلق هذه الحاشية وذلك فى شهر مارس عام 1882 ما نصه حرفيا : يا أحمد بارك الله فيك ما رميت إذ رميت ولكن الله رمي )
وليس ذلك له وحده فحسب ( بل إن أمته – أى سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم لن يغلق فى وجهها باب المكالمة والمخاطبة الربانية إلى يوم القيامة.
ويتدرج خطوات إلى مدعاه فيقول:
( لقد أرسلت كما أرسل الرجل المسيح بعد كليم الله موسي فلما جاء الكليم الثاني محمد صلى الله عليه وسلم – كان لابد أن يكون بعد هذا النبي الذي هو فى تصرفاته مثل الكليم أفضل منه من يرث قوة مثل المسيح وطبعه وخاصيته ويكون نزوله فى مدة نزوله تقارب المدة التي كانت بين الكليم الأول والمسيح بن مريم يعني فى القرن الرابع عشر الهجري وقد نزل هذا المسيح وكان نزوله روحانيا ) ثم ينتهي إلى الخطوة الأخيرة والقاصمة لكن كانت هناك وقفة يوضحها نجله الأكبر " بشير الدين محمود بقوله : ( كان سيدنا المسيح الموعود ( يعني أباه ) يعتقد فى بداية الأمر أن كلمه النبي تطلق على رجل يأتي بشريعة جديدة .
أو ينسخ بعض الأحكام .
أو يكون نبيا بلا واسطة .
لذلك كان رغم أن جميع الشروط التي تشترط للنبي كانت موفورة فيه يأبي أن يتسمي بالنبي ومع أنه كان يدعي جميع الخصال التي يتصف بها الإنسان بالنبوة ولكنه لاعتقاده أنها شروط المحدث لا شروط النبي كان يسمي نفسه " المحدث " ولم يكن يشعر أنه يصف نفسه بصفات لا توجد فى غير الأنبياء ثم ينكر النبوة ولكن فطن أو وصفه لنفسه وكفية دعواه لا تنطبق على الحديثة إنما تنطبق على النبوة أعلن نبوته فى صراحة )
استعلائه بها وأسلوبه:
ادعي أن الله بشره وأن كل من يقرأ رسالته ثم لا يقر بالحق يكتب له الهزيمة والخذلان , دعا من يطلب الحق أن يحضر إلى :( قاديان) ويمكث معه سنة كاملة وسيري الآيات السماوية والخوارق والذي لا يراها يستحق جائزة منه مائتا روبية ثم يقول :
( فكلما ذكرت مرارا أن هذا لكلام الذي أتلوه هو كلام الله بطريق القطع واليقين كالقرآن والتوراة, وأنا نبي ظل وبروزي من أنبياء الله وتجب على كل مسلم إطاعتي فى الأمور الدينية ويجب على كل مسلم أن يؤمن بأني المسيح الموعود وكل من بلغته دعوتي قام بحكمتي..الخ).
ويقول : إن وحي يشتمل على الأمر والنهي مثلا ألهمت من الله ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكي لهم...) وقد اشتملت هذه الآية على أمر ونهي الخ
ويضفي على نفسه آخر المراحل المزعومة فيقول فى إلهام مزعوم ( الذى لا يتبعك ولا يدخل فى بيعتك ويبقي مخالفا لك عاص لله ولرسوله وجهنمي).
ادعاؤه المعجزات
ويدعي المعجزات فيقول :( له خسف القمر المنير وأن لى غسا القمران المشرقان أتنكره ؟) ( وإن تعدوا دلائل صدقي لا تحصوها)
ويضع نفسه فى مصادف الرسول فادعي أنه عين محمد – صلى الله عليه وسلم – ومن أقواله : ( من فرق بيني وبين المصطفي – صلى الله عليه وسلم – فما عرفني وما أري).
من تأويلاته الفاسدة :
وإذ قد ارتكز على هذا المحور إمكانية النبوة – فإنه وجد نفسه فى مواجهة نصوص صريحة تهدم دعوي إمكانية النبوة وتقطع بختم النبوة والرسالة بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم-.
وإذ قد وجد نفسه أمام هذه المواجهة فإنه لجأ إلى النصوص القرآنية يؤولها وإلى نصوص السنة يدور حولها مرة بالتشكيك ومرة بحمل اللفظ على غير ما يؤديه وتارة بالتأويل المرفوض .
فتحايل على تأويل النصوص الدالة على ختم النبوة وعلى بيان معني الخاتم وعلى استمرار النبوة بدلالة صيغ المضارعة ( يصطفي – يجتبي) ثم ادعاؤه المعجزات – وأخيرا انتهي إلى اعتبار نفسه وأتباعه أمة مستقلة من دون الناس وأنهم هم المسلمون حقا وغيرهم كافرون فإنه ( من صميم ما تقتضيه الدعوي بالنبوة تكفير علنا فى خطبهم وكتاباتهم جميع المسلمين الذين لا يؤمنون بمرزا.
فهو فى ادعائه أنه رسول من عند الله تعالي يدي كذلك أن رسالته لا تنافي كون محمد – صلى الله عليه وسلم – خاتم النبيين وهو لذلك يفسر معني خاتم النبيين لا بمعني : " آخر " بل بأن كل رسول يجي من بعده يكون بخاتمه وإقراره ويحيي شرعه ويجدده فيقول :
( هو – أى النبي – صلى الله عليه وسلم – خاتم الأنبياء بمعني أنه وحده صاحب الختم لا غير وليس لأحد أن يحظي بنعمة الوحي إلا بفيض خاتمه – صلى الله عليه وسلم .... فلا صاحب للختم الآن إلا هو وخاتمه وحده يكتب النبوة التى تسلتزم أن يكون صاحبها أمة محمد صلى الله عليه وسلم ) ويقول :( وإنه لا نبي بعده إلا من ارتدي برداء المحمدية على سبيل الظلية ( التبعية) ذلك لأن الخادم لا يغاير مخدومه ولا الفرع ينفصل عن أصله )
ويقول : ( إن جميع النبوات قد انقطعت إلا النبوة المحمدية فلا مشرع بعده – صلى الله عليه وسلم – أما النبي غير المشرع ففمكن وجوده وإنما ينبغي أولا أن يكون من أمته – أى سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم.
ويلاحظ تناقضه فى معني التشريع فى النبوة وكيف نفاه هنا وأثبته فى مكان آخر .
ومن وجوه تأويله للحديث حمله حيث :( لا نبي بعدي ) على معني : أنه لا يأتي بعده نبي من غير أمته.
الفصل الثاني :بيان الحق فى الوحي والنبوة وختمها ودفع شبه واردة
1- المسألة الأولي : معني الوحي وحقيقته لغة وشرعا – وهل يمكن أن يسمي ما جاء به القادياني وحيا ؟ وما حكمه؟
2- المسألة الثانية : ختم النبوة والرسالة بسيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – ودليله وشبهات القاديانية فى ختم النبوة والرسالة وردها:
(أ) شبهتهم فى التعبير بصيغة المضارع للاستمرار ودفعها .
(ب) شبهتهم فى معني خاتم النبيين – تحقيق معني خاتم النبيين ورد شبهة القاديانية – دلالة ختم النبوة وآثاره فى الأمة الإسلامية – خطورة تأويلهم الفاسد وحكمه .
3- المسألة الثالثة : تحرير القول فى مسألة سيدنا عيسي ونزوله عند علماء المسلمين – شأن هذه المسألة عند القادياني.
4- المسألة الرابعة : تحريم الجهاد- موالاة الأعداء – تحرير القول فيها شرعا.
5- المسألة الخامسة : ادعاؤه سلطة التحليل والتحريم – ليس لأحد حق فى تشريع بعد الله ورسوله .
أقامت القاديانية شبها كثيرة توهمتها عقائد تدين بها وتكفر من سواها بها وقد عرضنا الكثير منها وفيما يلي عرض لأمهات المسائل التى ارتكزوا عليها:
المسألة الأولي :معني الوحي وحقيقته لغة وشرعا
الوحي : اسم مصدر بمعني الإيحاء أو الشئ الموحي به .
والإيحاء : لغة هو الإعلام بالشئ سرا ولذلك كانت الكتابة والإشارة والرمز والكلام الخفي كل ذلك يسمي وحيا وإذا أطلق فى لسان أهل الشرع انصرف إلى ذلك " التعليم سرا الصادر من الله تعالي الوارد إلى الأنبياء عليهم السلام فهو أخص من المعني اللغوي بخصوص مصدره ومورده . وهو نوعان :
1- تعليم بواسطة ملك.
2- وتعليم مباشرة لا بواسطة ملك.
وكلاهما يصح أن يكون فى اليقظة أو المنام وهي الرؤيا الصادقة والتعليم بلا واسطة الملك له طريقتان : إما بالإلهام وهو إلقاء المعني فى النفس وإما بالكلام من وراء حجاب أى بدون رؤية كتكليم موسي – عليه السلام.
والتعليم بواسطة الملك يقع على وجهين أيضا : لأن النبي " تارة " يشاهد الملك عند الوحي إما على صورته الحقيقية وهذا نادر وإما متمثلا فى صورة بشر فيكلمه فيعي ما يقول " وتارة لا يري الملك عند الوحي بل يسمع عند قدومه دويا وصلصلة شديدة يعلم الله كنهها ومصدرها فيعتريه حالة روحية غير عادية ولا يدرك الحاضرون منها إلا أماراتها الظاهرية كثقل بدنه وتفصد جبينه عرقا وربما سمعوا عند وجهه الكريم دويا كدوي النحل مدة نزول الوحي حتي إذا قضي الملك رسالة ربه , ,أوحي إلى النبي إما بالكلام أو بالنفث فى روعه انفصم عنه وسريت عنه تلك الشدة التي كان يجدها فيرجع إلى حال العادية وقد وعي ما قال الملك .
والوحي الشرعي بكل أنواعه يصاحبه على من الوحي إليه بأن ما ألقي إليه حق معصوم من عند الله ليس من خطرات الأوهام ولا من نزغات الشيطان وهذا العلم يقيني ضروري لا يخالجه شك ولا يتولد من مقدمات بل هو من قبيل إدراك الأمور الوجدانية كالجوع والشبع والحب والبغض .
فإذا عرف أن هذه هى خاصة الوحي بالمعني الشرعي عرف وجه اختصاصا بالأنبياء – عليهم السلام.
ولم يشكل الفرق بينه وبين ما يشبه بعض أنواعه من الإلهام والرؤيا الصادقة اللذين يقعان لغير الأنبياء كما ورد أن المؤمن ينظر بنور الله وأن الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة .
ذلك أن ما يقع للصالحين من الإلهامات ليس من العلوم اليقينية فى شئ وإنما هي سوانح مظنونة قد تلتبس فيها لمة الملك بلمة الشيطان فيحتاج الملهم غلى قرائن خارجية يعرف بها من أى النوعين هي وكذلك الرؤيا الصادقة التي تتفق لكثير من البشر حتي الفساق والكفار ليست لها هذه الخاصية وإنما يقع ظن بصدقها لمن جرت عادته بذلك .
فإن سمينا ما يقع من الإلهام الصادق لغير الأنبياء وحيا فإنما هي تسميه لغوية بالمعني الأعم لأن اللغة تسمي كل إعلام خفي وحيا سواء أكان صادرا من الله أم لا , وساء أكان لنبي أم لا وقد ورد لقرآن بهذه الاطلاقات اللغوية فقال تعالي فى شأن زكريا ( فأوحي إليهم أن سبحوا ) أى أشار وأومأ إلى قومه , وقال ( وأوحينا إلى أم موسي أن أرضعيه ) أى ألهمناها وقال ( وأوحي ربك إلى النحل) أى هداها إلى طريق غذائها ومسكنها كهداية الطفل إلى الثدي , وهذا نوع من الإلهام إلا أنه بالغريزة الأولي لا بواسطة الخطاب الذي يتجدد آنا بعد آن .
أما الفراسة فعلم كسبي استنتاجي من أمارات سابقة وأما الإلهام فهو علم يلقي فى النفس دفعة بدون مقدمات.
هل يمكن أن يسمي ما جاء به القادياني وحيا ؟ وما حكمه ؟
هذه هى حقيقة لوحي , وهذه هي أنواعه لغة وشرعا , و( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) فتحت أى معني من هذه المعاني يمكن أن نسلك كلام القادياني ؟
لقد استعرضنا كثيرا جدا من النصوص التي قالها ولا تخرج فى مجموعها عن أنواع ثلاثة :
1- فهي إما كلام معقول قاله وقال مثله وخيرا منه أناس قبله ولم يخطر على بالهم أن يدعوا به مقام النبوة أو أنه وحي كلمهم الله تعالي به أو نزل عليهم به الروح الأمين .
2- وإما أقوال منقطعة عن الحكمة عارية عن الصدق أدخل فى باب اللغو والهذيان ولا يمكن أن ترقي لمستوي الكلام العاقل بله الوحي .
3- وإما تخليط وتلبيس بإتيان آيات أو بعض آيات من القرآن الكريم ونقلها كما هي أو ضم بعضها إلى بعض أو إضافة كلمات إليها وزعمه إياها وحيا يتنزل عليه .
4- إن كلام القادياني هذا وراءه عقلية مضطربة ونفس قلقة وتفكير سقيم وهو نتاج فلفسات مضنية بأسلوب رديء ولا يمك شرعا ولا عقلا أن يقبل ما كتبه وما ادعاه عل أنه وحي يتنزل عليه وأنه مرسل به لتبليغه للناس وإشراق الوحي وكلام النبوات تبدو فيه سمات الصدق والقوة بما لا يدع مجالا لمتقول أن ينكره .
إن ما قاله وما كتبه لا يسلكه أبدا فى مقام وحي ولا نبوة وإنما يسلكه فى عداد من قال الله تعالي فيهم : (ومن أظلم ممن افتري على الله كذبا أو قال أوحي إلى ولم يوح إليه شئ ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ) .
فلا أحد أظلم ممن اختلق على الله كذبا واختلق الأقاويل وادعاها وحيا يزعم به النبوة لنفسه .
يقول أبو عبد الله القرطبي :" ومن هذا النمط من أعرض عن الفقه والسنن وما كان عليه السلف من السنن فيقول : وقع فى خاطري كذا أو أخبرني قلبي بكذا فيحكمون بما يقع فى قلوبهم ويغلب عليهم من خواطرهم "... إلى أن يقول :" وهذا القول زندقة وكفر يقتل قائله ولا يستتاب ولا يحتاج معه إلى سؤاله ولا جواب فإنه يلزم منه هدم الأحكام وإثبات أنبياء بعد نبينا صلى الله عليه وسلم ).
هذا ولم يأت أحد – لا القادياني ولا من على شاكلته – ادعي النبوة بعد سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم بشئ من الإصلاح الديني الذي يحتاج إليه البشر بل إن كتبهم وأقوالهم طافحة بمدح أنفسهم والغلو فى إطرائها ودعاواها الباطلة التي يراد بها إخضاع العوام لهم واستعبادهم إباهم).
وإذ قد انهار هذا الأساس بالنسبة لهم فقد انهار كل ما انبني عليه من أباطليهم .
المسألة الثانية :ختم النبوة والرسالة بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم – ودليله فى القرآن الكريم والسنة المطهرة وإجماع الأمة حجج وأدلة قاطعة على أن المصطفي – صلوات الله عليه – هو آخر النبيين والمرسلين :
1- أما القرآن ففي قوله تعالي : ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) فعلي قراءة " خاتم" بكسر التاء يكون وصفا له – عليه الصلاة والسلام – بأنه ختم الأنبياء أى لن ينال أحد بعده مقام النبوة فمن ادعاها فقد ادعي ماليس له به سلطان .
وقراءة" خاتم " بفتح التاء ترجع إلى هذا المعني فإن الخاتم بالفتح – كالخاتم – بالكسر – يستعمل كل منهما بمعني الآخر ذكر هذا علماء اللغة, وجري عليه المفسرون المحققون.
وجاءت السنة الصحيحة مبينة لهذا المعني:
2- ففي صحيح الإمام البخاري عن أبي هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : ( كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلقه نبي, وأنه لا نبي بعدي).
وفى صحيح البخاري عن أبى هريرة أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال :( إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بني بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية فجعل الناس يطوفون به , ويعجبون له ويقولون : هلا وضعت هذه اللبنة . قال : فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين) وفى رواية مسلم عن جابر – رضي الله عنه :( فأنا موضع اللبنة جئت فختمت الأنبياء ).
وروي الإمام أحمد بسنده إلى أبي الطفيل : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم – قال : ( لا نبوة بعدي إلا المبشرات . قالوا : وما المبشرات يا رسول الله ؟ قال : الرؤيا الحسنة ) أو قال :( الرؤيا الصالحة ) إلى غير هذا من الأحاديث وآثار الصحابة الصريحة فى أن النبوة ختمت وانتهت بنبوته - عليه الصلاة والسلام -.
4- وعلى هذا انعقد إجماع المسلمين ,أصبح بمنزلة المعلوم من الدين بالضرورة .
5- قال الإمام ابن كثير عند تفسير ( خاتم النبيين) : وقد أخبر الله تعالي فى كتابه ورسوله فى السنة المتواترة عنه : أنه لا نبي بعده ليعلموا أن كل من ادعي هذا المقام بعده فهو كذاب أفاك دجال مضل وذكر بعض من ادعوا النبوة كالأسود العنسي ومسيلمة .
6- وقال الألوسي فى تفسيره :" وكونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين مما نطق به الكتاب , وصدعت به السنة وأجمعت عليه الأمة فيكفر مدعي خلافه وما كان لمسلم أن يؤول القرآن والسنة الصحيحة تأويل من لا ينصح لله ورسوله ليجيب داعية هوي فى نفسه .
شبهات القاديانية فى ختم النبوة والرسالة وردها
(أ) شبهتهم فى التعبير بصيغة المضارع للاستمرار ودفعها :
ينكرون أن النبي- صلى الله عليه وسلم – خاتم النبيين , ويوردون على هذا شبها لا تزن عند أولي العلم جناح بعوضة استدلوا بقوله تعالي الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس) متشبثين بأن قوله ( يصطفي ) فعل مضارع والمضارع للاستقبال .
ودفع هذه الشبهة : أن الفعل الواقع فى الماضي قد يعبر عنه بصيغة المضارع لمقتضيات بلاغية : منها أن يكون للمعني البليغ غرابة فإن المضارع من جهة دلالته على الحال يتوسل به المتكلم إلى موضوع إخراج الحادث الغريب فى صورة الواقع فى الحال ليبلغ تعجيب المخاطب من وقوعه مبلغ تعجبه ن الصورة البديعة فى حال مشاهدتها وعلى هذا الوجه ورد قوله تعالي :( إن مثل عيسي عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ) قال : ( فيكون ) والموضع فى الظاهر للماضي – فكان – لأن وجود إنسان من غير أب حادث غريب , فحاله يقتضي أن يعبر عنه بالمضارع لإحضاره فى ذهن المخاطب كأنه مشاهد له .
ومن دواعي التعبير عن الماضي بصيغة المضارع الإشارة إلى الاستمرار الفعل وتجدده فيما مضي حينا بعد حين فإن الاستمرار التجددي
يستفاد من المضارع على ما جري عليه استعمال البلغاء وصيغة الماضي لا تخرج عن هذا المعني فالتعبير بصيغة المضارع فى قوله تعالي :
" الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس) يدل على معني زائد على أصل الاصطفاء الذي يدل عليه الماضي ويقف عنده وذلك المعني هو أن اصطفاء الرسل كان يتجدد ويقع مرة بعد أخري والقرينة الشاهدة بأن ( يصطفي ) مراد منه الاصطفاء الواقع قبل نزول هذه الآية هى آية ( وخاتم النبيين) والأحاديث المستفيضة فى إغلاق باب الرسالات والنبوة .
فاستعمال المضارع موضع الماضي فى كلام البلغاء خارج عن حد الإحصاء وآيات الكتاب يفسر بعضها بعضا كما أن السنة تبين الكتاب .
(ب) شبهة القاديانية فى معني خاتم النبيين:
من تأويلهم لمعني " خاتم " أنه أفضل أو زينة فقد رأي – رأي غلام أحمد وكثير من أتباعه أن قوله تعالي فى وصف الرسول الأعظم – صلى الله عليه وسلم -: ( وخاتم النبيين) بسد الطريق عليهم فى ادعاء النبوة فحاولوا تأويل الآية على معني أنه أفضل النبيين أو سيد النبيين وابتغوا هذا التأويل ليتهيأ لهم أن يقولوا على الله ما شاءت أهواؤهم .
فأنكروا أن النبي – صلى الله عليه وسلم آخر النبيين وذهبوا إلى أن ( خاتم النبيين) فى الآية بمعني أفضل النبيين أو زينتهم واستدلوا على أن لفظ " خاتم " يستعمل بمعني أفضل أو زينة بحديث أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال لعباس – رضي الله عنه - : ( أنت خاتم المهاجرين فى الهجرة وأنا خاتم النبيين فى النبوة ).
وهذا الاستدلال مدفوع بأن الذى ورد فى كتاب " أسد الغابة ان العباس استأذن النبي – صلى الله عليه وسلم – فى الهجرة فقال له : ( يا عم أقم مكانك الذي أنت به فإن الله تعالي يختم بك الهجرة كما ختم بي النبوة ).
" ومن تأويلهم ما ورد فى " ملفوظات احمديه " : ( قال المسيح الموعود – عليه السلام – فى خاتم النبيين : إن المراد به أنه لا يمكن أن تصدق الآن النبوة أى نبي من الأنبياء إلا بخاتمه – صلى الله عليه وسلم- وكما أن كل قرطاس لا يكون مصدقا مستندا إلا حين يطبع عليه بالخاتم فكذلك كل نبوة لا تكون مطبوعا عليها بخاتمه وتصديقه – صلى الله عليه وسلم تكون غير صحيحة).
تحقيق معني خاتم النبيين ورد شبهة القاديانية
من الأدلة على ختم لنبوات والرسالات بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم – قول الله تعالي : ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين).
معني ( خاتم ) فى اللغة
(خاتم) – بفتح التاء وكسرها -: بمعني الآخر وهو المعني الذي يذكره علماء اللغة والتفسير لهذه الكلمة:
ففى لسان العرب وختام القوم وخاتمهم ك آخرهم والخاتم من أسماء النبي – صلى الله عليه وسلم – وفى التنزيل ( وخاتم النبيين).
ويقول ابن سيده فى كتاب المحكم : وختام القوم وخاتمهم وخاتمهم – بالفتح والكسر – آخرهم ويقول الأزهري فى كتاب " التهذيب" وخاتم كل شئ آخره .
ولم يذكر أحد من هؤلاء الأئمة أو غيرهم كصاحب الصحاح وصاحب المصباح وصاحب القاموس وصاحب أساس البلاغة أن الخاتم يكون بمعني الزينة.
والتفاسير لا تذكر فى بيان ( خاتم النبيين) معني غير معني الآخر ووردت الأحاديث مؤبدة لهذا المعني وهي لا تقصر عن درجة المتواتر .
ومن الأحاديث الصريحة فى هذا المعني ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم : إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا نبي ) فشق ذلك على الناس , فقال : ( ولكن المبشرات) قالوا يا رسول الله : وما المبشرات؟ قال )رؤيا المسلم وهي جزء من أجزاء النبوة ).
ومنها حديث عبد الله بن عمر وهو : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم – يوما كالمودع فقال :( أنا محمد النبي الأمي – ثلاثا – لا نبي بعدي ).
ومنها حديث أبي هريرة :( وأرسلت إلى الخلق كافة وختم بى النبوة )
إلى غير هذا من الأحاديث الصريحة الصحيحة المختلفة الأسانيد وبعد هذه الأحاديث إجماع الأمة على أن من ادعي النبوة بعد رسول الله فهو من الضالين المضلين .
وقال الإمام ابن عطية فى تفسير آية ( وخاتم النبيين) هذه الألفاظ عند جماعة علماء الأمة خلفا وسلفا متلقاة على العموم التام مقتضية نصا أن لا نبي بعده – صلى الله عليه وسلم –
وخلاصة ما تقدم فى معني ( خاتم ) :
أن علماء اللغة يقولون :" الخاتم) بمعني الآخر والمفسرون يقولون :( وخاتم النبيين) أى آخرهم وداعية القاديانية يزعم أن ( خاتم النبيين) بمعني زينتهم أو سيدهم أو أفضلهم .
ولم يأت بشاهد على هذا من كلام العرب أو من كتب اللغة او من أقوال أئمة التفسير ذهب يعارض أئمة اللغة والتفسير بلغو من القول كأنه لا يشعر أن القرآن الكريم قول فصل , وما هو بالهزل .
دلالة ختم النبوة وآثاره فى الأمة الإسلامية
لقد شهد التاريخ الإسلامي محنا عظيمة ومؤامرات خطيرة ولكنه لم يشهد مثل هذه المحنة ومثل هذه المؤامرة لقد كانت المحن القديمة ثورة على الحكم الإسلامي أو ثورة على الشريعة الإسلامية ولكن القاديانية كانت ثورة على النبوة المحمدية وعلى خلود الرسالة الإسلامية وعلى وحدة هذه الأمة إنها تخطت الخط الأخير الذي يفصل هذه الأمة عن أمم أخري والذي يعتبر كخط التحديد بين مملكتين .
ذلك أن عقيدة أن الدين قد أكمل وأن محمدا – صلى الله عليه وسلم – هو آخر الأنبياء النبيين وان رسالته هى الرسالة لأخيرة موهبة خص الله بها هذه الأمة .
ولو كان للبشر حاجة بعد القرن ومحمد صلى الله عليه وسلم – إلى آيات أو نبوات كما يدعي المفتونون , ومخترعوا الأديان والنحل الجديدة لما كان لخاتم النبوة معي ولسامها المرتزقة والرعاع وكل مخبول .
ولقد بقيت عقيدة ختم النبوة تحرس هذا الدين من غائلة هؤلاء المبتدعين وفتنة المتنبئين والمتزعمين وتحرس هذه الأمة من الفوضي الفكرية والدينية التى كانت الأمم السابقة والديانات السالفة فريستها واستطاع هذا الدين واستطاعت هذه الأمة بفضل هذه العقيدة – أن تقاوم المؤامرات الدقيقة وتحتمل الصدمات العنيفة , وبقيت وحدتها فى الدين والعقيدة لم تواجه ثورة داخلية أو اضطرابات فكرية إلى ما كان من الباطنية فى العهد القديم ولا تنقسم هذه الأمة إلى أمم لكل وجهتها ولكل مركزها الروحي ومصدرها العلمي والثقافي ولكل تاريخ منفرد وماض مختلف .
ولقد كانت عقيدة ختم النبوة تمجيدا للنوع الإنساني كذلك وإعلانا بأن النوع البشري قد بلغ سن الرشد والنبوغ وجاءت الرسالة الأخيرة , وأصبح المجتمع البشري فى غني عن وحي جديد ورسالة سماوية جديدة فبعث ذلك فى الإنسان الثقة ببلوغه وكان ذلك حافزا للإنسان على التقدم فى المدينة والاعتماد على العلم والتجربة فى الحياة اليومية.
خطورة تأويلهم الفاسد وحكمه:
يستنكر الإمام ابن حزم مثل هذا التأويل فيقول :
" كيف يستجيز مسلم أن يثبت بعده عليه السلام – نبيا فى الأرض حاشا ما استثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم – فى الآثار المسندة الثابتة نزول عيسي بن مريم عليه السلام فى آخر الزمان ".
وقال أبو حيان فى تفسيره البحر : ومن ذهب إلى أن النبوة مكتسبه لا تنقطع أو إلى أن الولي أفضل من النبي فهو زنديق.
ويقول الدكتور محمد إقبال فى رسالته الموجهة إلى رجل الدولة:
" إن عقيدة أن محمدا – صلى الله عليه وسلم – خاتم النبيين هى الخط الفاصل بكل دقة بين الدين الإسلامي والديانات الأخري , التي تشارك المسلمين فى عقيدة التوحيد والموافقة على نبوة محمد – صلى الله عليه وسلم – ولكنها تقول باستمرار الوحي وبقاء النبوة – كبر همو سماج- فى الهند وبهذا الخط الفاصل يستطيع الإنسان أن يحكم على طائفة بالاتصال بالإسلام أو الانفصال عنه ولا أعرف فى التاريخ طائفة مسلمة اجترأت على تخطي هذا الخيط إن البهائية فى غيران أنكرت عقيدة ختم النبوة ولكنها أعلنت بصراحة : أنها طائفة مستقلة ليست مسلمة بمعني الكلمة المصطلح عليها .
" إننا نعتقد أن الإسلام دين أوحي الله به , ولكن وجود الإسلام كمجتمع أو أمة يتوقف على شخصية محمد – صلى الله عليه وسلم – وليس للقاديانية إلا أن يختاروا أحد الأمرين :
إما أن يتبعوا البهائية فى انفصالها عن المسلمين وإما أن يتخلوا عن تفسيراتهم المتطرفة لفكرة ختم النبوة فى الإسلام .
إن تأويلاتهم السياسية لا تنم إلا عن حرصهم على البقاء فى محيط المسلمين ليستغلوا هذا الاسم وينتفعوا بفوائد سياسية لا تحصل إلا باسم المسلمين ".
وقال فى محل آخر ( إن كل مجتمع ينفصل عن الإسلام وله طابع ديني يقوم على أساس نبوة جديدة ويعلن بكفر جميع المسلمين الذين لا يصدقون بهذه النبوة المزعومة يجب أن ينظر إليه المسلمون كخطر جدي لى سلامة الإسلام , إن نهوض المجتمع الإسلامي لا يقوم إلا على عقيدة ختم النبوة ".
المسألة الثالثة: تحرير القول فى مسألة سيدنا عيسي ونزوله عند علماء المسلمين
يلخص المرحوم الأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت أقوال العلماء فى هذه المسألة فيقول :
" إن نزول عيسي - عليه السلام – قد استقر فيه الخلاف قديما وحديثا :
أما قديما فقد نص على ذلك ابن حزم فى كتابه " مراتب الاجماع " حيث يقول : واتفقوا على أنه لا نبي مع محمد – صلى الله عليه وسلم – ولا بعده أبدا إلا أنهم اختلفوا فى عيسي – عليه السلام – أيأتي قبل يوم القيامة أم لا ؟ وهو عيسي بن مريم المبعوث إلى بني إسرائيل قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم -. كما نص عليه أيضا " القاضي عياض " فى شرح مسلم " والسعد " فى شرح المقاصد وعباراته واضحة جلية فى أن المسألة ظنية فى وردها ودلالتها .
وأما حديثا فقد قرر ذلك كل من الأساتذة – المغفور لهم " الشيخ محمد عبده " والسيد " رشيد رضا " والأستاذ الأكبر الشيخ " المراغي".
فالشيخ محمد عبده – رضي الله عنه – يذكر وهو بصدد تفسير آية آل عمران :( إذ قال الله يا عيسي إني متوفيك ورافعك إلى ): إن العلماء هنا طريقتين :
إحداهما : وهي المشهورة أنه رفع بجسمه حيا , وأنه سينزل فى آخر الزمان فيحكم بين الناس بشريعتنا ثم يتوفاه الله تعالي .
والطريقة الثانية أن الآية على ظاهرها وأن المتوفي على معناه المتبادر منه وهو الإماتة العادية وأن الرفع يكون بعده وهو رفح الروح .ز إلخ..
ثم يذكر " أن لأهل هذه الطريقة فى أحاديث الرفع والنزول تخريجين : أحدهما : أنها آحاد تتعلق بأمر اعتقادي , والأمور الاعتقادية لا يؤخذ فيها إلا بالقطعي وليس فى الباب حديث متواتر وثانيهما : تأويل النزول " بنحو ما سبق نقله عن شرح المقاصد "
وقد ورد على المغفور له السيد رضا سؤال من " تونس " وفيه ( ما حالة سيدنا عيسي الآن ؟ وأين جسمه من روحه ؟ وما قولكم فى الآية :" إني متوفيك ورافعك "؟ وإن كان حيا يرزق كما كان فى الدنيا فمم يأتيه الغذاء الذي يحتاج إليه كل جسم حيواني كما هي سنة الله فى خلقه ؟)
فأجابه السيد رشيد إجابة مفصلة عما سئل عنه نقتطف منها ما يأتي : قال – بعد أن عرض للآيات وآراء المفسرين فيها :
" وجملة القول : أنه ليس فى القرآن نص صريح فى أ، عيسي رفع بروحه وجسده إلى السماء حيا حياة دنيوية بهما بحيث يحتاج بحسب سنن الله تعالي إلى غذاء فيتوجه سؤال السائل عن غذائه وليس فيه نص صريح بأنه ينزل من السماء وإنما هي عقيدة أكثر النصاري وقد حاولوا فى كل زمان منذ ظهور الإسلام بثها فى المسلمين .
ثم تكلم عن الأحاديث وقال :" إن هذه المسألة من المسائل الخلافية حتي بين المنقول عنهم رفع المسيح بروحه وجسده إلى السماء ".
أما المغفور له الأستاذ الأكبر الشيخ " المراغي :" فقد كتب بمناسبة السؤال – الذي رفع إليه وكان سببا فى فتوانا – إجابة جاء فيها :" ليس فى القرآن الكريم نص صريح قاطع على أن عيسي – عليه السلام – رفع بجسمه وروحه وعلى أنه حي الآن بجسمه وروحه وقول الله سبحانه :(" إذ قال الله يا عيسي إني متوفيك ورافعك إلى ومطهرك من الذين كفروا " الظاهر منه أنه توفاه وأماته ثم رفعه والظاهر من الرفع بعد الوفاة أنه رفع درجات عند الله كما قال فى " إدريس عليه السلام - :( ورفعناه مكانا عليا " وهذا الظاهر ذهب إليه بعض علماء المسلمين فهو عند هؤلاء توفاه الله وفاة عادية ثم رفع درجاته عنده فهو حي حياة روحية كحياة الشهداء وحياة غيره من الأنبياء .
لكن جمهور العلماء على أنه رفعه بجسمه وروحه فهو ي الآن بجسمه وروحه وفسروا الآية بهذا بناء على أحاديث وردت كان لها عندهم المقام الذي يسوغ تفسير القرآن ثم قال :
" ولكن هذه الأحاديث لم تبلغ درجة الأحاديث المتواترة التي توجب على المسلم عقيدة والعقيدة تجب إلا بنص من القرآن أو بحديث متواتر ثم قال :" وعلى ذلك فلا يجب على المسلم أن يعتقد أن عيسي – عليه السلام – حي بجسمه وبروحه والذي يخالف فى ذلك لا يعد كافرا فى نظر الشريعة الإسلامية ".
هذه نصوص صحيحة يقرر بها العلماء قديما وحديثا : أن مسألة عيسي مسألة خلافية وأن الآيات المتصلة بها ظاهرة فى موته – عليه السلام – موتا عاديا وأن الأحاديث الواردة فيها أحاديث آحاد تثبت عقيدة وهي مع هذا تحتمل التأويل وأن لا يكفر المسلم بإنكار رفح المسيح أو نزوله .
تلبيس القادياني فى هذه المسالة :
هذا هو تحرير القول فى هذه المسألة عند علماء المسلمين فما هو شأنها عند الغلام القادياني؟
إنه بعد أن تناقض فيها مرة بالإثبات ومرة بالنفي انتهي إلى رفضها لا احتراما لدليل ولكن ليخلي الطريق لنفسه بإسدال ستار على موضوع يتعلق برسول من أولي العزم وتنحيه الحديث ليقدم نفسه مسيحا جديدا للأمة الإسلامية شأن مسيح الأمة اليهودية على حد تعبيره , وأخذ يتقمص الأردية التي يزعم بها لنفسه هذا المقام بل ويتفوق عليه : ( فيقول : إن المسلمين والنصاري يعتقدون باختلاف يسير : أن المسيح ابن مريم قد رفع إلى السماء بجسده العنصري , وأنه سينزل من السماء فى عصر من العصور وقد أثبت فى كتابي – يعني فتح إسلام – أنها عقيدة خاطئة وقد شرحت أنه ليس المراد من النزول هو نزول المسيح بل هو اعلام على طريق الاستعارة بقدوم مثيل المسيح وأن هذا العاجز – يعني نفسه بكل تواضع هو مصداق هذا الخبر حسب الاعلام والإلهام ).
لكن كيف تكون هذه المماثلة التي ادعاها ؟
يزعم أنه رسول ويزعم أنه هو المراد من الحديث الوارد فى نزول ابن مريم – عليه السلام – حكما عدلا ثم يقفز قفزة أخري بتأويل النصوص وتحريفها وأنها نزلت لتخبر بظهوره هو وتنوه الآية الكريمة ( ومريم ابنة عمران التي أحسنت فرجها فنفخنا فيهمن روحنا ): " هذه بشارة بأن سيكون فى هذه الأمة الإسلامية رجل فى درجة ميم الصديقة ثم ينفخ فيه روح عيسي . فإذا مريم يخرج منه عيسي أى أن الرجل ينتقل من صفاته المريمية إلى صفاته العيسوية فكأنما كينونته المريمية أنتجت العيسوية وبهذا المعني يسمي ذلك الرجل ابن مريم .
هكذا وبعد ثلاثة عشر قرنا من الزمان أضني العلماء فيها أنفسهم بالبحث والدرس بأني القادياني ليسخر من عقول الأمة وعلمائها بهذا الفهم والتخريج .
ثم ما هو محصل ذلك ؟... أكسر الصليب أم قتل الخنزير ؟ كلا إنه لم يكسر ولم يقتل إلا معني الجهاد فى نفسه ونفوس أتباعه ليقيم سلاما ذليلا لحساب المستعمر .
المسألة الرابعة : مسألة الجهاد وموالاة الأعداء
تحريم الجهاد :
فى وقت تكالبت فيه قوي الصليبية والاستعمار على العالم الإسلامي ينبعث ذلك الصوت المميت القاتل لقوي الأمة بإبطال الجهاد بدلا من بعث الأمة وقص جانب المعتدين به بدلا من هذا نجد المرزا يفتي بكل صراحة وقوة بحرمة الجهاد فى عصر المسيح الموعود إلغاءا باتا) ( لقد آن أن تفتح أبواب السماء وقد عطل الجهاد فى الأرض وتوقفت الحروب كما جاء فى الأحاديث : إن الجهاد للدين يحرم فى عهد المسيح فيحرم الجهاد من هذا اليوم وكل من يرفع السيف للدين ويقتل الكفار باسم الغزو والجهاد يكون عاصيا للسنة ولرسوله ).
( إن الفرقة الإسلامية التى قلدني الله , إمامتها وسيادتها تمتاز بأنها لا تري الجهاد بالسيف ولا تنتظره بل إن الفرقة المباركة لا تستحقه سرا كان او علانية وتحرمه تحريما باتا ).
موالاة الأعداء :
ومن هذا الفهم المخرب أمدت هذه الحركة وهذه الفئة الحكومة الانجليزية بخير جواسيس لمصالحها , وأصدقاء أوفياء متطوعين متحمسين كانوا موضع ثقة الحكومة الانجليزية ومن خيار رجالها خدموا الحكومة الانجليزية فى الهند وفى خارج الهند وبذلوا نفوسهم ودماءهم فى سبيلها بسخاء كعبد اللطيف القادياني الذي كان فى أفغانستان يدعو إلى القاديانية وينكر الجهاد.
وخافت حكومة " أفغانستان " أن تقضي دعوته على عاطفة الجهاد وروح الحرية التي يمتاز بها الشعب الأفغاني فقتلته .
كذلك الملا عبد الحليم والملا نور على القاديانيان عثرت الحكومة الأفغانية عندهما على رسائل ووثائق تدل على أنهما وكيلان للحكومة الإنجليزية وأنهما يدبران مؤامرة ضد الحكومة الأفغانية وكان جزاؤهما القتل كما صرح بذلك وزير داخلية أفغانستان سنة 1925م ويبرر ما كان منه من حدة فى مناقشة المبشرين ويظهر حقيقة ولائه لأعداء دينه وأمته فيقول :
" كل ما قد وقع مني بإزاء المبشرين المسيحيين لم يدفعني إليه إلا رغبتي فى أخذ المسلمين بالحكمة والسياسة وأن أدخل السرور على نفوسهم وأميت ثورة نفوسهم ونصحا للحكومة البريطانية لأن هناك ثلاثة أمور قد جلعتني أرتفع فى إخلاصي لتك الحكومة إلى الدرجة الأولي وأول تلك الأمور : نفوذ المغفور له والديوثانيهما : أيادي هذه الحكومة العالية وثالثها : الإلهام من الله تعالي "
تحرير القول فى الجهاد وفى موالاة الأعداء :
هذا الجهاد الذي تبطله القاديانية هو من أفضل الأعمال الإسلام وصنو الإيمان يروي " أبوذر" رضي الله عنه – قال :( قلت يا رسول الله أى العمل أفضل ؟ قال الإيمان بالله والجهاد فى سبيله ) هذا الجهاد ماض إلى يوم القيامة لا يبطله شئ وليسن من حق مخلوق مهما كان بعد ختم النبوة أن يفتري على الله ورسوله بتحليل أو تحريم .
وكان مسلم يؤمن عقيدة أنه إذا هجم العدو على الأرض الإسلامية فغن الجهاد المستمر فرض على المسلمين حتي يخرج العدو المغير من بلد الإسلام لا تبرأ ذمتهم من عهد الله عليهم بأقل من ذلك وفرض الجهاد يشملهم جميعا بالنفس والمال على حسب اختلاف الأحوال والأشخاص فالقادر على الجهاد ببدنه يلزمه الجهاد يبدنه ولا يترخص فيه ببذل ماله و والعاجز بدنيا وله مال أو رأي أو خبرة فعليه أن يجعل ذلك فى المعركة ومن أوتي سعة فى المال والجسم ففرضه الجهاد بالنفس والمال جميعا يدل على ذلك قول الله تعالي :( انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم فى سبيل الله ذلكم ير لكم إن كنتم تعلمون ) فالجهاد تعبئة عامة لكل فرد ولكل الطاقات لطرد العدو والمغير من أرض الوطن ولا يقدر بذل المال أو الطاقة بمقدار محدد بل هو منوط بقهر العدو ولو استنفد ذلك كل أموال المسلمين وأتي على رقابهم لآخر رجل منهم وآخر امرأة وصبي .
أما موالاة الأعداء :
فقد تضارفت نصوص الشريعة وإجماع الأمة على تحريمها بقول الله تعالي :
( يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا فى سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون ).
المسألة الخامسة :سلطات التحليل والتحريم
قالت القاديانية بنبوة جديدة وهذه النبوة فى زعمهم نبوة تشريعية ومقتضي ذلك أنها تحل وتحرم ثم هي تعد جميع الذين آمنوا بها أمة خاصة وتكفر جميع من لم يؤمن بها ولذلك فإنها تكفر المسلمين .
وقد صرح غلام أحم وخلفاؤه بأن المسلمين الذين لا يؤمنون بهذا الدين الجديد كفار لا تجوز الصلاة خلفهم وتحرم مناكحتهم ويعاملون معاملة الكفار .
يقول خليفتهم لحالي مرزا بشير بن غلام أحمد ك ( إن كل مسلم لم يدخل فى بيعة المسيح الموعود سواء سمع بإسمه أو لم يسمع كافر وخارج عن دائرة الإسلام ).
وأول ظهر لذلك أن كل أسرة تنجح فيها دعوتهم لا تلبث أن تقع فيها على الفور مشكلة اجتماعية شديدة أو سرعان ما يفترق المرء عن زوجته وينفصل الأب عن ابنه ويفترق الأخوان عقيدة لا تجمعهم سراء ولا ضراء .
وقد أكد المسيح الموعود النهي عن صلاة الأحمديين خلف رجل من غير الأحمديين .
ويتساءل إذا مات ولد الرجل من غير الأحمديين فلماذا ينبغي علينا ألا نصلي عليه فى حين أنه ليس بكافر بالمسيح الموعود ؟ وأنا بدوري أسأل من يلقي على هذا السؤال : إن كان ذلك جائزا فلماذا لا نصلي على أولاد الهنادك والنصاري عند موتهم ؟ إن ابن هذا الرجل من غير الأحمديين ليس إلا واحد منهم ولذلك لا تجوز الصلاة عليه أيضا ).
وقد مات الزعيم " محمد على جناح " ولم يصل عليه " ظفر الله خان " وكان ضمن رجال وزراء جناح حينها – بحكم هذه العقيدة وقد أبدي المسيح الموعود سخطه العظيم على أحمدي يريد أن يزوج ابنته رجلا من غير الأحمديين وقد سأله رجل عن ذلك مرة بعد مرة وعرض عليه ضروبا من الأعذار وهو يقول له :" امسك عليك ابنتك ولا تزوجها رجلا من غير الأحمديين " ثم إن هذا الرجل زوج ابنته بعد وفاة المسيح الموعود رجلا من غير الأحمديين فعزله الخليفة الأول عن إمامة الأحمديين ولم يقبل له توبة فى ست سنين فى سني خلافته مع انه لم يزل يتوب من فعلته مرة بعد مرة .
ولم يبح المسيح الموعود معاملة غير الأحمديين إلا بما عامل به النبي الكريم – صلوات الله وسلامه عليه – النصاري وقد فرق بيننا وبين غير الأحمديين فى الصلاة وحرم علينا أن نزوجهم بناتنا ونهينا عن الصلاة على موتاهم فأى شئ قد بقي الآن نشاركهم فيها؟
إن العلاقة بين الناس علاقتان: علاقة دينيةوعلاقة دنيوية فأكبر وسيلة من وسائل العلاقة الدينية هى الاشتراك فى العبادة وأهم وسيلة ن وسائل العلاقة الدنيوية هى التزاوج وقد حرمت علينا كلتا هاتين لوسيلتين .
فإن قلت : إنه يجوز الزواج من بناتهم ؟ قلت : نعم ويجوز أيضا أن نتزوج من بنات النصاري فإن قلتم لماذا يجوز السلام على غير الأحديين ؟ قلت : قد ثبت من الحديث أنه قد رد النبي – صلى الله عليه وسلم – حتي على اليهود سلامهم أحياا .
ومما ابتدعوه أنهم – بعد المرزا – بدأوا يؤرخون بالشهور الجديدة التي تتصل بحوادث حياته مقابلين بها الشهور الإفرنجية على النحور التالي : الصلح – التبليغ – الأمان - الشهادة – الهجرة – الإحسان – الوفاء – الظهور – تبوك الإخاء – النبوءة – الفتح .
ليس لأحد حق التشريع بعد الله ورسوله :
هذه الأمور التى عرضناها وتصف ألسنتهم الكذب هذا حلال وهذا حرام تجعلنا نتساءل: بأى سلطان خولوا أنفسهم هذا الحق ؟ والله تبارك وتعالي ينعي على أمم سابقة هذا الأمر فيقول : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم )
قال أهل المعاني : جعلوا أحبارهم ورهبانهم كالأرباب حيث أطاعوهم فى كل شئ.
يقول عبد لله بن المبارك :
- وهل أفسد الدين إلا الملوك
- وأحبار سوء ورهبانها
- وهل أفسد الدين إلا الملوك
روي الأعمش وسفيان عن حبيب بن أبي البحتري قال : سئل حذيفة عن قول الله عزوج :( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) هل عبدوهم ؟ فقال : لا ولكن أحلوا لهم الحرام فاستحلوه وحرموا عليهم الحلال فحرموه .
وروي الترمذي عن عدي بن حاتم قال :(" أتيت النبي صلى الله عليه وسلم – وفي عنقي صليب من ذهب فقال : ( ما هذا يا عدي ؟ اطرح عنك هذا الوثن ) وسمعته يقرأ فى سورة " براءة": ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم )
ثم قال : " أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم, ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه وإذا عليهم شيئا حرموه ".
وبعد فهذه مسائل خمس من أمهات المسائل التي خالفوا فيها صريح الكتاب والسنة وخرجوا بها على إجماع الأمة ومع كل مسألة دليلها وحكمها .
الباب الرابع :القاديانية ونشاطها بعد صاحبها
الفصل الأول :القاديانية بعد غلام أحمد
الخليفة الأول
فى السادس والعشرين من شهر مايو سنة 1908م توفي داعي القاديانية ومنشئتها " مرزا غلام أحمد " وخلفه" الحكيم نور الدين "
الحكيم نور الدين :
عرفنا ما كان لهذه الشخصية من موقف سول به للمرزا ودفعه إلى القفز من مقام المصلح والمجدد إلى مقام المماثلة للمسيح – عليه السلام – ثم ما كان من أمر تدرجه فى الدعاوي ما عرضنا له وهذه الشخصية بقيامها بهذا الدور أدت دورا خطيرا فى تطور دعوي القادياني حتي اعتقد بعض الباحثين أنه صاحب الفكرة والتصميم فى هذه الحركة وإذا كان المرزا تقدم فى هذه الدعوي فكرا وزمنا حتي إن القاديانية ظلت محتفظة بوحدتها مذهبيا أيام الحكيم نور الدين كما كانت أيام المرزا وإن كان قد دب إلى صفوفها شئ من الاختلاف فإنها لم تنقسم إلى شعبتيها إلا بعد وفاة الحكيم هذا فمن هو الحكيم نور الدين ؟
فى الآونة والظروف والبيئة والموطن الذى ولد فيه " المرزا غلام أحمد " ولد الحكيم نور الدين بعده بستين 1841 , 1258هـ فى نفس إقليم البنجاب فى بلدة ( بهيرة) من مديرية ( شاه بور)
نشأته:
ولد فى أسرة يشغل ربها إماما لمسجد فى بلدته واسمه " الحافظ غلام رسواء" وينتهي نسبه – كما روي – إلى أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب , وأخذ قسطا من تعلم العربية وتعلم الفارسية ومبادئ العلوم الأخري : الحساب والجغرافيا وقرأ بعض كتب النحو والمنطق والتوحيد .
وقد عمل فى حقل التدريس أستاذ للفارسية ومديرا لإحدي المدارس الابتدائية ثم انقطع للدراسة ولزم بعض الشيوخ ومنهم أعلام يتلقي عنهم ويرحل إليهم ومعهم.
كان منهم : الشيخ أحمد دين والشيخ حسن شاة والحكيم على حسين الذي درس له الطب العربي القديم والمفتي عبد القيوم البرهانوي الذي درس له الحديث والفقه .
وتنقل بين مراكز العلم آنذاك من " لاهور إلى " رامبور " إلى " لكهنو".
ورحل للحج عامك 1285هـ وأقام فى الحجاز وقرأ على بعض الشيوخ هناك منهم : الشيخ محمد الخزرجي والشيخ رحمة الله الهندي صاحب " إظهار الحق ".
ثم رجع إلى وطنه وعين طبيبا خاصا فى ولاية ( جمون) منطقة كشمير الجنوبية وتمتع بنفوذ كبير لبراعته فى الطب وفصاحته وعلمه وذكائه حتي وقعت بينه وبين أمير جمون وحشة عزل على أثرها عن الوظيفة عام 1892م.معرفته بالمرزا وخلافته له :
وقد برزن كثير من مواهبه فى فترة إقامته فى جمون) وخدم أمراءها وفى تلك الفترة تعرف بالمرزا القادياني الذى كان مقيما وقتها فى ( سيالكوت) وتوثقت بينهما الصداقة والتقت أفكارهما حتي إنه لما ألف المرزا كتابه ( براهين أحمدية ) ألف الحكيم كتابه ( تصديق براهين أحمدية) وبايعه وخضع له حتي قال لما أخبر بان المرزا ادعي النبوة : أو ادعي هذا الرجل أنه نبي صاحب شريعة ونسخ شريعة القرآن لما أنكرت عليه وألف – باقتراح المرزا – كتابه ( فصل الخطاب) فى الرد على المسيحية.
وانتقل إلى ( قاديان ) بعد اعتزاله عن الوظيفة عام 1892وأقام وبويع له بالخلافة عام وفاة المرزا 1908 ولقب بالخليفة الأول
وخليفة المسيح الموعود " نور الدين الأعظم" وثار حول خلافته نقاش ولكنه لم يعتزل .
وبقي فى خلافته ست سنوات حتي مات فى 13 من مارس عام 1914 إثر سقوطه من على فرس وجرح , واعتقل لسانه قبل الوفاة بأيام وكان قد استخلف المرزا " بشير الدين محمود" نجل المرزا " غلام أحمد" الأكبر وكان يبلغ من العمر خمسة وعشرين عاما .
شخصيته:
يلتقي مع المرزا فى كثير من معالم شخصيته فهو صاحب تلك النفس القلقة الثائرة الطموحة والعقلية النزاعة للتحرر وإخضاع الدين والعقيدة للعلوم الطبيعية ونظرياتها بالتأويل وتحميل اللغة مالا تحتمله وجنح بهذه النزعة إلى تأويل المعجزات والحقائق الغيبية.
وكمرزا تماما كان مفتونا بالجدل والمناظرات كثير الرغبة فيها وهو منزع كان له أثره فى فتنة المرزا وكذلك فى الحكيم وكانت الأربعون سنة لخلافته هي قصة التزييف لتلك الحركة الجديدة فى بنائها التى تقوم عليه اليوم وقد كتب لتلك الجماعة قرابة ستة كتب .
مفترق طرق :
فى أثناء خلافته كان يتردد فى تكفير من لا يؤمن بالمرزا كنبي ثم جزم بالتكفير وثار حول خلافته نقاش ولكنه لم يعتزل وظل فيها حتي مات .
وكانت مسألة ( نبوة مرزا ) قد طرحت نفسها بمنطق العقل والواقع والفكر الذى لقيته من الآمة الإسلامية .
ومات نور الدين وانقسمت القاديانية إلى شعبتين: الأول : شعبة يتزعمها المرزا بشير الدين محمود بن غلام أحمد وهى ( شعبة قاديان ) .
وأساس عقيدتها : نبوة المرزا غلام أحمد فى صراحة وصرامة وحافظت على معتقدها هذا ودافعت عنه فى قوة وحماس بلا مواربة ولا تأويل وهي بهذا امتداد لدعوي النبوة وانفتاح بابها على مصراعيه وفى ذلك يقول بشير الدين محمود :" لقد اعتقدوا أن كنوز الله قد نفدت ,ما قدروا الله حق قدره , إنكم تتنازعون فى نبي واحد , وأنا أعتقد أنه سيكون هنالك ألف نبي ( بعد محمد صلى الله عليه وسلم ) وقد أحدث ذلك فوضي فى " النبوة" وفقدت كلمته " النبوة " جلالتها وحرمتها وقداستها, وأصبحت ألعوبة وعبثا وكثر المتنبئون فى القاديانية ومدعو الإلهام حتي لقد عد منهم الأستاذ محمد إلياس البري إلى عام 1355 سبعة .
وقد شعر الأستاذ محمد على اللاهوري من زعماء الأحمدية ) بخطر فتح باب النبوة من جديد وتكفير من لا يؤمن بها وكان قد ظل مدة يؤمن بغلام أحمد كنبي , ثم رجع عن ذلك , وانتقد الفئة القاديانية التى يتزعمها " بشير الدين " انتقادا شديدا فقال " أنشدكم بالله إن صح الاعتقاد بأن النبوة لم تنقطع وأن الأنبياء لا يزالون فى غدو ورواح إلى هذا العالم كما صرح بذلك " محمود أحمد " فى " أنوار الخلافة " أفلا تزال هذه الطوائف التى تعد بالآلاف يكفر بعضها بعضا ؟ وتغيب الوحدة الإسلامية ؟.
ونفرض أن هؤلاء الأنبياء يبعثون فى الجماعة الأحمدية القاديانية وحدها أفلا تمزق بذلك الجماعة الأحمدية نفسها ؟ إنكم لا تجهلون السنن القديمة وتعرفون كيف كان الناس ينقسمون بين موافق ومعارض على مبعث نبي إن الله الذيى قد قضي بتوحيد شعوب العالم وأممه أيمزق المسلمين ويقطعهم إربا إربا ؟ ليكفر بعضهم بعضا وتتوتر بينهم العلائق والصلات أو تصبح الأخوة الإسلامية أثرا بعد عين ؟
" اعلموا إذا كان الله قد وعد بأن يظهره على الدين كله وهو لا يخلف الميعاد فإن الإسلام لا يبتلي بهذه المحنة ولا يأتي يوم ينفرد كل نبي بحزبه وتتوزع المسلمين دعوات مختلفة وآيات مختلفة ومراكز روحية مختلفة ويصبح كهنتها محتكرين بالإيمان والنجاة ويكفرون سائر المسلمين ".
وانتهي برأيه هذا ومن شايعه عليه إلى شعبة أخري من القاديانية هي :
الشعبة الثانية :وهي ( شعبة لاهور ) بزعامة محمد علي اللاهوري
تعريف بمحمد على :
فى إبان ظهور مرزا بدعوته عمل " محمد على " معه أيمنا للجماعة الأحمدية بقاديان وكان ينوب عنه أحيانا فى إلقاء بعض البحوث فى المؤتمرات الدينية بالهند والتقديم لها كبحث " تعاليم الإسلام " كما ترجم سورا من القرآن الكريم وكتب كثيرا من التفسير وألف عدة كتب بالإنجليزية والأدوية منها :
( محمد الرسول ) و( الإسلام عقيدة إنسانية ) وكتب كذلك عن ( الحركة الأحمدية )و( العقيدة البهائية ) وهو كاتب مكثر كما أنه العقل المفكر لجماعته.
ويوضح صلته وإيمانه بالقاديانية فى مقدمة كتابه ( موجزا الحديث) وأصبحت هذه الجماعة الجديدة أقرب ما تكون إلى نتاج تدريجي لمجموعة من الأفكار جديدة فى جوهرها واتسم نشاطها بالتنظيم والفعالية وبخاصة فى ميادين الطبع والعمل الدعائي الأجنبي المنظم والتجديد العقلي ونشرت ترجمات للقرآن الكريم ودراسات كثيرة .
معتقد شعبة لاهور:
أساس معتقدها وما يلح به زعماؤها أنهم لا ينكرون الإلهامات الإلهية للقادياني وأنه لم يدع النبوة وما قاله وأثر عنه صراحة فى دعواها إن هي إلا تعبيرات مجازات ومن أجل هذا يلقبهم القادنيون بالمنافقين لأنهم يحاولون الجمع بين العقيدة القاديانية – ومن أسسها دعوي النبوة – والانتساب إلى مؤسسها وزعيمها وبين إرضاء الجماهير .
ولشعبة لاهور قاصمة يبثونها فى كتبهم بلسان زعيمهم وهي إنكار إن يكون المسيح عليه السلام ولد من غير أب , وزعيمهم محمد على يصرح: بأن عيسي عليه السلام ابن يوسف النجار وأن مريم كانت متزوجة به وأن المسيح ولد بطريق عادي ويحاول تحريف بعض الآيات لتوافق هذه العقيدة ويذكر أن عقيدة ولادة المسيح من غير أب ليست من عقائد الإسلام التي يجب الإيمان بها وأنها من مبادئ المسيحية .
ويلاحظ أثر اليهودية واضحا فى هذا الرأى إذ هو أساسا من مفتريات اليهود على رسول الله عيسي بن مريم البتول عليهما السلام : ( وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما ).
على أنه " محمد على " ‘ذ ينفي نسبة النبوة للمرزا ويلقبه بمجدد القرن الرابع عشر والمصلح الأكبر فإنه يعتقد أنه – أى المرزا – المسيح الموعود وجاء فى تفسيره ما يصرح بذلك إذ يقول فى تفسير قول الله تعالي : ( ورسولا إلى بني إسرائيل ) : إن ابن مريم الذي أخبر الرسول بقدومه ليس معناه إلا أن يأتي أحد أفراد هذه الأمة لون ابن مريم كما تحققت نبوءة " الياس " بقدوم " يحيي" فى لونه.
ويلقب " غلام أحمد" بمسيح هذه الأمة ويلقبه بالمسيح الموعود وقد تحاشوا تسميه المسلمين كفارا ولكنهم أطلقوا عليهم الفاسقين وعليهم أن يعتبروا ( مرزا) مجدد الإسلام والمهدي المنتظر والمسيح الموعود ويقولون ( فالمسلمون ف نظر جماعة لاهور فاسقون مهما كانت فضيلتهم ومهما حسنت أعمالهم طالما أنهم يلفظون( مرزا ) وآراءه.
الحركة الأحمدية
وهاتان الشعبتان ( قاديان ولاهور) يطلق عليهما اسم ( الحركة الأحمدية) نسبة إلى ( مرزا غلام أحمد ) نفسه . ونري مما سبق عرضه أنهما وإن لم يكن قد التقيا التقاءا كاملا إلا أنهما على الأقل مقتربان .
ويري " برني" أنهما على النقيض إذ تتصف الأولي بسوء السلوك وخليفتهما يري لنفسه أحقية زعامتها. وتتصف الثانية بالمراوغة والإغماض ويقف أعضاؤها موقف الدفاع عن المذهب كما نهجوا الإقلال من التعاليم القاديانية وتحروا السهولة فى عرضها لتحوز القبول لدي جماهير المسلمين .
ولا زالت لكل من الجماعتين فعاليتهما وقد تقدمتا فى نشاطهما سارت كل منهما فى طريق وابتعدتا كثيرا عن منطلقهما المشترك كما ابتعدت كل منهم عن الأخري وهما فى طرقهما المتشعبة تلك بدءا واستمرارا بعيدتان عن الإسلام .
الفصل الثاني :نشاط القاديانية ومظاهره
أوجه نشاطهم وركائزه
نشط القاديانيون فى الدعوة إلى نحلتهم وما زالوا ورغم الجهود الجبارة التي يبذلونها المسلمون وعلماؤهم فى سبيل توضيح حقيقة هذه النحلة ووقف تيارها وكبح ضلالها فقد لقي نشاطهم الدائب رواجا بين بعض الناس لأسباب منها :
1- أنها قد ارتكزت أساسا على كثير من تعاليم الإسلام وتقدموا باسم الدعوة إليه وتجديده وإصلاح حال أهله – ورد العوادي عنه حتي أصبح الذين لا يعرفون حقيقتهم يعتقدون أنهم دعاة للإسلام بحق وربما أعجبوا بنشاطهم فى هذا الصدد وأنكروا على مخالفيهم الذين يحذرون المسلمون من أباطيلهم .
2- مناصرة المستعمر لهم حتي لقد منعت بريطانيا كل الحركات التبشيرية فى القارة الهندية من التعرض لهم وقدمت لهم كل الخدمات فى الهند وفى المستعمرات التابعة لها فى أفريقيا وغيرها ولهم جولات ومنازعات فى ساحات القضاء بينهم وبين خصومهم انتصر لهم فيها المستعمر وأعوانه فضلا عن حماية البوليس لزعميهم فى نشاطه بالمناظرات والمحاضرات .
3- ما امتازوا به – وخاصة دعاتهم – من السعي الدائب وخوض المعارك الكلامية وانتشارهم فى كثير من البلدان مع اتصاف بالصبر والمثابرة وتركيزهم على البسطاء من يسهل قيادهم.
مظاهر نشاطهم
وقد تعددت مظاهر نشاطهم على وجوه منها :
مجال الكتابة بأنواعه وبخاصة تأليف الكتب وتحرير الرسائل وقد بلغ ما كتبه " القادياني " نفسه أربعة وثمانين كتابا ورسالة وتابعه أعوانه وأتباعه مثل الحكيم " نور الدين " و" محمد على " وأبناؤه وقد عرضنا لكثير من نصوص هذه الكتب فيما سلف .
وفى مجال الصحافة أنشأوا كثيرا من الصحف بعدة لغات فى عهد " القادياني" وبعده ومنها ثلاث صحف دورية:
الأولي :( البدر ) وتصدر أسبوعيا باللغة الهندية لمتابعة أخبار المرزا اليومية ورحلاته .
والثانية: الحكم أسبوعية للبحوث الإسلامية والفتاوي ومتابعة ما يرد إليه من أسئلة وغيرها .
الثالثة : ( الأديان ) شهرية للبحوث الدينية التى لها طابع متجدد وتدور حول تأييد دعواه والانتصار لها.
كما صدرت جريدة باللغتين الفارسية والعربية باسم ( البشري ) لنشر دعواه بين الفرس والعرب فضلا عن صحيفة ( الفضل ) لسان حالهم وحال دعوتهم الرسمي .
وفى مجال التعليم أنشأوا عدة مدارس منها ( المدرسة الكلية ) سنة 1893 لتعليم الحكمة والفلسفة وسارئ العلوم.
فى بناء المساجد :
كما اهتموا بإنشاء لمساجد التى لها طابع خاص بهم مسجد الضرار( قاديان) سنة 1900 وقد بلغ ضيق المسلمين به أن أقام أقرب الناس إليه جدار أمانة ليعوقوا الوصول إليه فاستنصر عليهم القادياني بالقضاء الذى حكم بإزالة الجدار .
فى المجال الاجتماعي :
أنشئوا دار للضيافة فى ( قاديان) ينزل فيها المارة على اختلاف نحلهم ومذاهبهم كما عنوا بعد ذلك بإنشاء المستشفيات يلحقونها بمراكزهم التبشيرية على نمط ما يفعله مبشرو الصليبيين .
وهذا النشاط كله يدعمه ماديا ما يرد عليهم من تبرعات وهدايا وما يقدمه لهم الحكام المستعمرون . الدعاة :
ومن أبرز نشاطهم ومرتكزهم لنشر دعواهم : تربية الدعاة على طابع دعوتهم وبثهم فى أنحاء البلاد, داخل الهند وخارجها ولهم قدرة عجيبة فى هذا المجال .
ودعاتهم متنوعوا الثقافة فمنهم إمام المسجد ومنهم المدرس ومنهم الطبيب ويتسمون بخلق الصبر والمثارة والتفاني فى نشاطهم لدعوتهم وفكرهم محصورا داخل إطارها لا يتعدونها قد لقنوها حفظا وترديدا ويصاب أحدهم بالحصر والعي واصطناع التقية إذا ما تهاوت حججه أمام مناقشة جديدة وقد لمست فيهم ذلك عن كثب بالتجربة كما أن كثيرا منهم يتمتع بطابع الهدوء والدماثة مما تحس إزاءه بالإشفاق عليه من هذه الأفكار والدواعي الخاطئة .
مراكز نشاطهم
فى الهند :
1- فى " قاديان" نبتت هذه النابتة, وفيها تركزت أحلام القادياني أن تكون يوما مركزا وقاعدة لدعواه دينيا وسياسيا ينظر إليها كمنارة هادية , وبمنطق هذه الأحلام نسجت الأباطيل ( المقدسة) حولها فالقادياني يبدأ بتطبيق ما نزل من آيات الكتاب العزيز فى مكة والمسجد الأقصي على ( قاديان) فيقول :
إن قوله تعالي : ( ومن دخله كان آمنا) يصدق على مسجد قاديان ويقول من شعره ما ترجمته : أن أرض قاديان تستحق الاحترام وأنها من هجوم الخلق أرض الحرم " ويقول :" تحقق عندي أن الذي قلته فى براهيم أحمدية عن قاديان :" تحقق عندي أن الذي قلته فى براهين أحمدية عن قاديان عن طريق الكشف وأنها ذكرت فى القرآن صحيح لا غبار عليه فإنه من المؤكد أنها المراد بقوله تعالي ( سبحان الذى أسري بعبده ليللا من المسجد الحرام إلى السمجد الأقصي الذي باركنا حوله ) فالمراد بالمسجد الأقصي مسجد المسيح الموعود الواقع فى قاديان " ويتخذ القاديانيون هذا معتقدا وأنها – أى قاديان – ثالثة المقامات الثلاثة المقدسة فيقول المرزا بشير الدين محمود :" لقد قدس الله هذه المقامات الثلاث مكة والمدينة وقاديان واختار هذه الثلاث بظهور تجلياته وتشيد صحيفهم الفضل بمدفن غلام أحمد فيها وتسوي بينه وبين مدفن سيد المرسلين وخاتمهم صلوات الله وسلامه عليه.
وتنشر إعلانا عن قسم التربية فى ( قاديان) فتقول :
" إن الذى يزور قبة المسيح الموعود البيضاء يساهم فى البركات التي تخص قبة النبي الخضراء فى المدينة فما أشقي الرجل الذى يحرم نفسه هذا التمتع فى الحج الأكبر إلى قاديان "
وإذ كانت قاديان فى – زعمهم – بهذه المنزلة فالحج إليها أيضا حج ظلي إلى البيت الحرام وتزيد صحيفة ( بيغام صلح ) على ذلك وقولها :" إن الحج إلى مكة بغير الحج إلى قاديان حج جاف خشيت لأن الحج إلى مكة اليوم لا يؤدي رسالته ولا يفي غرضه .
والقاديانية إذ تضفي على مركزها الأول هذه القداسة المتوهمة إنما تستقطب قداسة لنفسها كدين عالمي له بجانب كتبه وأصحابه وخلفائه مقدساته كذلك وحرمه وتحسب بذلك – واهمة – أنها تعوض مسلميها عن مقدسات الإسلام ومناسكه .
لكن أين قاديان الآن وأين منزلتها تلك ؟ لقد آلت بعد تقسيم الهند سنة 1947 م ضمن نصيب جمهورية الهند وجلا عنها – وعن بركاتها المزعومة – القاديانيون وأصبحت مهجورة لا كيان لها .
الربوة:
وفى باكستان كون القاديانيون إمارة حرة لهم فى " بنجاب " وتمركزوا بها واعتبروها مستعمرة خاصة بهم حتي وظائفها الحكومية قاصرة عليهم وسموها ( الربوة) لتكون – بمنطقهم التقديسي – مجالا ليطبقوا عليها قوله تعالي ( وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين )
هدفهم إقامة دولة مستقلة لهم :
ذلك أنهم بعد استقلال باكستان بدأ ينشأ لديهم اتجاه جديد وهو أن يؤسسوا فى داخل هذه الدولة دولة لأنفسهم فما كادت تمضي على قيام باكستان سنة كاملة حتي ألقي الخليفة لقادياني " بشير الدين محمود أحمد " خطبته فى كوئية فى 23 يوليو سنة 1948م.
ومما جاء فيها :
" إليكم مقاطعة باوخستان البريطانية – التي هي جزء من بلوخستان الباكستانية الآن – عدد سكانها نحو خمسمائة أو ستمائة ألف نسمة وهذا العدد وإن كان أقل من العدد سكان المقاطعات الأخري ولكن لهذه المقاطعة أهمية عظمي باعتبارها وحدة من وحدات البلاد .
وإنكم لمدركون معي صعوبة جعل سكان مقاطعة كبيرة أحمديين ولكن ألا ترون أنه من الممكن أن نجعل سكان مقاطعة صغيرة كهذه أحمديين؟ إننا إن أولينا تلك المقاطعة عنايتنا فمن الممكن أن ننشر لواء الأحمدية عليها إلا أن دعوتنا لن تنجح ستنتشر فاحكموا أساسكم أولا , أقيموه فى موضع من المواضع فى قطر من الأقطار فن جعلنا سكان المقاطعة جميعا أحمديين يكون فى أيدينا مقاطعة يمكننا أن نقول عنها إنها مقاطعتنا وذلك عمل يمكن أن يتم بسهولة .
وقد خلفت الربوة ( قاديان) وإمارة روحية مادية مستقلة يجتمع فيها الاستبداد والاستهتار والفساد والدعارة ويعيش فيها الخليفة عيش الباطرة والباباوات فى القرون الوسطي هذه الإمارة الروحية التى تأسست باسم دعوة دينية وزعامة روحية مباءة تتحكم فيها الدكتاتورية الدينية والشهوانية العاتية وتشبه قلعة ( الموت) فى عهد الحسن الصباح الإسماعيلي .
يقول الأستاذ " عبد الرحمن المصري فى كلمته التي سجلها قاضي محكمة الاستئناف فى (لاهور) فى حكمه الذى أصدره فى يوم 23/9/ 1938م: إن الخليفة الحالي المرزا بشير الدين محمود من كبار الفساق إنه يتصيد الفتيات فى ستر من الزعامة الدينية وله وكلاء وسماسرة من الرجال والنساء يحضرون له الفتيات الغافلات والشباب الغر وقد أسس لهذا الغرض ناديا سريا من أعضائه الرجال والنساء يفسق فيه ".
هذا ما يجري فى الإمارة الروحية للقاديانية كما هو مسجل بسجلات القضاء وعلى يد من ؟ على يد من تقول فيهم صحيفتهم ( الفضل) " لم يكن فرق بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتلاميذ المرزا غلام أحمد إلا أن أولئك رجال البعثة الأولي وهؤلاء رجال البعثة الثانية وإذا لم تستح فاصنع ما شئت .
وفى سبيل العمل لتحقيق هدفهم فى إقامة دولة لهم ونشر دعواهم فى كل مكان فإنهم يسعون بكل طاقاتهم مستغلين كل ظرف يواتيهم وها هو أحد زعمائهم السياسيين "ظفر الله خان " ينتهز فرصة تولية وزارة الخارجية وسلطاه فيها بكل حزم وعزم فملأها هى والمفوضات فى عواصم العالم بالقاديانيين ودسهم فى مصالح الحكومة الأخري , وسلطهم على رقاب الموظفين المسلمين يتحكمون فيهم كما يشاءون ويستغلون وظائفهم لنشر ديانتهم والذى لا يقبل يستهدف للإهمال والظلم.
وكان أشد من ذلك وأعظم خطرا أن القاديانيين تسربوا فى الجيوش الباكستانية واحتلوا مناصب خطيرة فى الجبش وفى البوليس وفى مصلحة الطيران وكونوا فيها أكثرية ساحقة بحيث يستطعيون أن يحدثوا لهم دور خطير فى مأساة " باكستان" الأخيرة وانقسامها فى أحداث أواخر عام 1971 م. نشاطهم فى العالم العربي :
للقادنايين نشاط خارج الهند وباكستان فقد عثروا مبكرين بدعاة لهم إلى العالم العربي فى العراق وفلسطين وغيرهما وتبنوا بعضا من أبناء هذه البلاد ممن غرروا بهم واستخدموهم فى نشر باطلهم .
ويقول المرزا غلام أحمد : ( وكذلك صرف إلى نفر من العرب العرباء فبايعوني بالصدق والصفاء وكانوا متصفين بحسن المعرفة بل بعضهم كانوا فائضين فى العلم والأدب , وفى القوم من المشهورين وألف بعضهم رسالة فى تصديقي وتاييدي ورد على الذين كانوا من المنكرين تلك الرسالة المسماة ( إيقاظ الناس) ألفها حبي فى الله أول المبايعين إخلاصا وصدقا من بلاد الشام السيد العالم التقي " محمد سعيد الطرابلسي" الشامي النشار الحميداني وقد ألحقتها بمكتوبي هذا لينتفع بها كل فهيم من الناظرين )
وفى مكة :ويروي غلام أحمد فى كتابه ( حمامة البشري ) قصة محاولاته للتسلل إلى بعض الناس فى هذا البلد الحرام نقتطف منها ما يلي :
" أما بعد فإنه قد وصل إلى مكتوب من مكة – شرفها الله وعصمها فلما قرأته علمت أنه مكتوب كتبه بعض أحبائي من المباعيين وعرفت أنه يريد لأعرف أهل مكة من بعض حالاتي فما رضي قلبي بأن أكتب إليهم الأمر المجمل المطوي بل أردت أن أبين بيانا تطمئن به قلوبهم وتحصل لهم به رأيهم ووجدانهم وفراستهم فغلب هذا القصد على قلبي ونفث فى روعي أسرارا لأهل مكة حتي امتلأت نفسي ونسمتي بها وكتبتها فى مكتوب وأرسلت إليهم ثم بدا لى أن أرتبه بصورة رسالة وأشيعه فى الناس بعد طبعه لينتفع به خلق وليكون كسراج منير للطالبين) المكتوب الذي جاء من مكة شرفها الله وأعز أهلها:
بسم الله الرحمن الرحيم
نحمده ونصلي على رسوله الكريم سلام الله تعالي ورحمته وبركاته وأزكي تحيته على حضرة جناب مولانا وهادينا ومسيح زماننا غلام أحمد كان الله تعالي فى عونه . آمين يا رب العالمين .
أما بعد أعرفكم أني وصلت مكة بخير وعافية وكلما جلست فى مجلس أذكركم وأذكر قولكم وجميع الذي ادعيتموه من الآيات والأحاديث فصار الناس يتعجبون والبعض منهم يصدقون ويقولون اللهم أرنا وجهه فى خير , ولما فرغنا من شهر الحج وهل علينا شهر عاشورا مررت يوما من الأيام على واحد من أصحابنا اسمه على طابع فجلست عنده فسألني عن الهند وعن السفر وأحواله فأخبرته بالذي حصل وأخبرته عن دعواكم وفهمته على أحسن ما يكون بالذي حصل ففرح بذلك وقلت له وهو رجل حليم عظيم إذا رآه المؤمن بصدق به فالكلمات التي فهمتها إياه طفق يذكرها عند كل واحد من الناس وقال لى : متي يجئ إلى مكة ؟ قلت له : إذا أراد الله سبحانه وتعالي يجئ إلى مكة – شرفها الله تعالي – عن قريب والآن ألف كتبا عربية فى إثبات دعواه يريد أن يرسلها – إن شاء الله تعالي – هذا ما قلت لعلي طائع ثم لما أردت إرسال هذا الكتاب قلت له : أنا أريد أن أرسل لمولانا كتابا قال لى : قل له فى الكتاب يعجل بإرسال الكتب التي ألفها ويعجل بالمجئ بنفسه إلى مكة فقلت له : حتي يأذن الله وقلت له : لولا مخافة الفتن ما تركت الكتب التي ألفها مولانا وجئت بها فقال لى : لم خفت ؟ لو جئت بها لكان خيرا ثم قال لى : اكتب لمولانا يرسل الكتب على اسمي وأنا أقسمها وأطلع عليها شريف مكة والعلماء وجميع الناس ولا أبالى من أحد وقال : أنا أعرف أن المؤمن إذا سمع ذكر هذا الرجل يفرح والمنافق يبغض , وهذا الرجل المذكور اسمه على طائع ساكن فى شعب عامر وهو رجل طيب من الأغنياء وصاحب بيوت وأملاك تاجر عظيم فأنتم أرسلوا الكتب باسمه وبهذا العنوان يصل إن شاء الله تعالي إلى مكة المشرفة ويسلم بيد على طائع تاجر الحشيش فى حارة الشعب يعني شعب عامر ).
( الراقم بذلك أحقر عباد الله الصمد محمد بن أحمد).
(ساكن شعب عامر 20 شهر عاشورا سنة 1311هـ).
الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم
نحمده ونصلي على رسوله الكريم .
أما بعد فإنه قد وصلني مكتوبك وقرأته من أوله إلى آخره .
وأما ما ذكرت طرفا من حسن أخلاق السيد الجليل الكريم على طائع وسيرته الحميدة وآثاره الجميلة ومودته وحسن توجه عند سماع حالاتي ومن أنه سر بذلك فأنا أشكرك على هذا وأشكر ذلك الشريف السعيد الرشيد واسأل الله لك وله خيرا وبركة وفضلا ورحمة إل يوم الدين .
وقد ألقي قلبي أنه رجل طيب صالح وعسي أن ينفعنا فى أمرنا ويكمل الله لنا بعض شأننا بتوجه وحسن إرادته وعلى يده .
وفطنت بفراستي أن ذلك السعيد الذي ذكرت محامده فى مكتوبك رجل شجاع فى سبيل الله لا يخاف لومة لائم عند إظهار الحق وإشاعته وتأييده وتشييده وقد جمع الله فيه سيرا محمودة وأخلاقا فاضلة مع الفتوة والشجاعة وانشراح الصدر وجود النفس الورع والتقوي .
وإني أري أن أذكر لهذا الفتي النجيب قليلا من حالاتي ومما أنا عليه من هداية ربي وأكشف له عما من الله به علي وأعرفه من بعض سوانحي لعله يزيد معرفة فى أمري , ولعله يتفكر ويعلم ما أراد الله رب العالمين فاعلموا يا إخواننا – رحمكم الله وحماكم وحفظكم – أن الله اطلع على الأرض فى هذا الزمان فوجدها مملوءة من الفسق والكفر والشرك والبدعات وأنواع المعاصي ومكائد المتنصرين ورأى أن النصاري جعلوا عبدا عاجزا إلها , وخرقوا لإثبات الألوهية دلائل من التوراة والإنجيلي بتأويلات منحوتة من عند أنفسهم وصاروا فى الأرض أئمة المفسدين وقد أضلوا خلقا كثيرا.
وما بقي قوم فى الهند ولا قبيلة فى هذه الديار إلا دخل بعض منهم فى دين التنصير إلا ما شاء الله وكانت هذه بلية عظمي على دين الإسلام ما سمع نظيرها من قبل وما وجد مثلها فى الأولين ويسبون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويشتمون وينحتون فى شأنه بهتانات ولا يتكلمون إلا بسبيل التعنيف والتهجين والتوهين , والفوا فى الرد على الإسلام وتوهين رسول الله – صلى عليه وسلم ألوفا من الكتب وطبعوها وأشاعوها فى البلاد وتبعوا آثارا لإبليس اللعين فلما بلغت فتنتهم إلى هذا المبلغ وأضلوا جيلا كثيرا اقتضت رحمة الله الرحيم الكريم أن يتدارك عباده وينجيهم من كيد الكافرين فبعث عبدا من عباده ليؤيد دينه ويجدد تلقينه وينير براهينه وينضر بساتينه وينجز وعده ويعز حبيبه وأمينه ويجعل الأعداء من الخاسرين وخصني بعناياته وأمرني بالإلهاماته ورباني بتفضيلات وأبدني بتأييدات متعالية عن طور العقل وآتاني من لدنه العلوم الإلهية والمعارف والنكات وشفعها الآيات ليتعاطي الناس مني كاس البصيرة واليقين .
فيا حسرة على قومي إنهم ما عرفوني وكذبوني وسبوني وكفروني ولعنوني كما يلعن الكافرون ...
فى مصر
وفى عامي 1939, 1940" حاولت جماعة (لاهور ) أن تنال تأييد " الجامع الأزهر لدعوتها فبعثت بطالبين وألحقتهما بكلية أصول الدين وحاول هذان الطالبان نشر كتيبات باسمهما تحت ستار الإسلام أحدهما سمياه " تعاليم الأحمدية " والثاني " الأحمدية كما عرفناهما " وهذان الكتابان كانا بداية تطعيم الإسلام فى مصر بتعاليم القاديانية .
فلما علم شيخ الجامع الأزهر بأمر هذين الطالبين شكل لهما لجنة للتحقيق معهما والتحقيق من مذهبهما وكانت هذه اللجنة برئاسة الشيخ " عبد المجيد اللبان" عميد كلية أصول الدين آنذاك .
وكتبت اللجنة فى قراراتها إن القاديان كافرون وفصل الطالبان من الكلية واعتبرا ملحدين ونشرت عنهما الصحف المصرية ومن هنا استن مبدأ استبعاد القاديانيين والأحمديين من الدراسة بالأزهر الشريف "
وكذلك كان قد فتن بهم بعض الناس فى مصر وتبعوهم وأقاموا لهم كيانا على هذا الباطل لكن سرعان ما تبينوا وجه الحق وثابوا إلى رشدهم وتبرءوا من هذا الضلال على رءوس الأشهاد:
فى أمريكا :
شهدت الفترة ما بني الحربين العالميتين قيام حركات إسلامية عدة كان لها أهميتها وخطرها , وقد كان لجماعة القديانيين نصيب ملحوظ فى هذا الميدان لقد بدأ هؤلاء نشاطهم بمدينة " شياغو " على يد" الدكتور مفتي صادق " الذي قدم من الهند وأصدر مجلة بالإنجليزية عنوانها " شمس الإسلام الطالعة" بدأ صدورها عام 1921م ويقال : أنها كانت ذات أثر في التعريف بالإسلام فى أمريكا .
ثم خلفه السيد " صوفي بنغالي " عام 1929م الذي قضي عشرين عاما بذل فيها جهودا كبيرة ثم جاء بعده " الدكتور خليل ناصر " الذيى نقل المقر الرئيسي للحركة إلى مهاجرون من الهند والباكستان ,, ويقدرون ببضع مئات ولكن الحركة اكتسبت بضع مئات أخري من الأمريكيين أكثرهم من الملونين .
وهم يبدأون دعوتهم على أنها دعوة إسلامية ثم ما يلبث من لبي هذه الدعوة أن يراهم وقد ألقوا فى روعه أن المذهب القادياني هو الإسلام الصحيح .
ويوجد لهذه الفرقة ثلاثة مراكز رئيسية أحدهما فى نيويورك والثاني فى واشنطن والثالث فى سان فرنسيسكو ولعل أكثرها نشاطا ذلك المركز الأخير الذى بدأ يبث نشاطه فى غرب الولايات المتحدة . ومن يسلم أو يدرس بعض المسائل الإسلامية على أيدي هؤلاء ٍالناس سرعان ما يشعر بان تلك التفاصيل الإضافية المزيفة التي ينمقها هؤلاء الناس غير مستساغة فيسلم ويسلم فى نفس الوقت من الوقوع فى تلك الأخطاء التى يروجها دعاة هذا المذهب فيما يختص ببعض العقائد .
فى أوربا :
لهم فيها عدة مراكز فى دول مختلفة ويسمونها ( مراكز إسلامية ) فى لندن وفى ألمانيا بمدينة هامبورج وفى أسبانيا بمدريد وفى سويسرا بزيورخ.
والشرق الأقصي :
كذلك أقاموا لهم مراكز ونشاطا ف سيلان وبورما وماليزيا وأنودنيسيا فى جزر سومطرة وجاكرتا وباندونج وغيرها .
فى أفريقا
أما فى أفريقيا فبلاؤهم شديد يستغلون البسطاء باسم الإسلام وباسم التعليم والعلاج ويدخلون عليهم عقيدتهم تلك ومن أهم مراكزهم تلك التي فى نيروبي عاصمة كينيا وتابور وكوسومو.
وليندي , وجينا وفى سيراليون وشاطئ الذهب وفى نيجيريا لهم عدة مراكز أكبرها فى العاصمة " لاجوس " وفى الشمال وطن الأكثرية المسلمة فى " مانو " لهم مركز ضخم يضم مسجدا ومستشفي ومدرسة ولهم نشاط دائب وحقل الوثنية أمامهم مفتوح وفيه مجال للمنافسة مع المبشرين إلا أنهم يركزون جهودهم فى صفوف المسلمين , ولا يجدون صدي إلا فى ضعاف الإسلام , وأكثر ما يسلكونه فى صفوفهم فى الشمال من قبائل يوربا .
أما مسلمو الفولاني والهوسا فهم مستعصمون منهم ولا يطيقونهم .
خاتمة البحث
لم تكن أول دعوي من نوعها
لقد عاني الإسلام والمسلمون على مدي التاريخ ومازال ألوانا من الفرق المختلفة يكفر بعضها بعضا وانفصل بعضها عن الإسلام مختارا أو مطرودا وكان أكثر ما عانه الإسلام والمسلمون من استغلال الدين تحت آية راية ولقد كانت أغلب الفرق الدينية والشيع والطوائف التى تكاثرت فى تاريخه تبدأ أصلا كنجزبات وتحيزات لأغراض سياسية أولا ثم تنتهي إلى صراع يلبس ثوب الفكر وما زالت تلك العوامل تبني على ترسبات قديمة هياكل جديدة نسج العنكبوت غير منطقية إطلاقا مع الإسلام فى وضوحه وكماله وختمه لرسالات السماء .
والقارئ لتاريخ الباطنية وإخوان الصفا والبهائية والقاديانية لا يستطيع أن يستبين ملامح وجه الإسلام المشرقة وسط ركام من التهاويل والأكاذيب المعميات وراءها عقول ذكية ونفوس طامعة ودهاء ومكر وقوة تنظيم واتباع وأشياع .
وممن كان على شاكلة القادياني من مدعي النبوة " الحارث بن سعيد الذى ظهر فى أيام " عبد الملك بن مروان " واغتر به خلق حتي وقع فى يد عبد الملك فقتله ولم يبق له فى الأرض أثر.
و"كإسحاق الأخرس" الذى ظهر فى خلافة السفاح واتبعه طوائف وقتل فانقطعت فتنته .
والحسين بن حمدان الخصبي الذي نشر فى جبال حماة واللاذقية النحلة التي يتمسك بها طائفة النصيرية اليوم وقد تثمر جهود أمثال هؤلاء ولكن إلى حين ثم تذهب جفاء ويبقي ما ينفع الناس ينقطع دابر كل ظالم قال أوحي إلى ولم يوح إليه شئ ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله .
الحصاد
لو اقتصرت هذه الطائفة على نشر دعواها بين قوم غير مسلمين لخف خطرها لكنهم بثوا سمومهم فى شعوب مسلمة يتلي فيها كتاب الله وسنة رسوله , بغية صرفها إلى الاعتقاد بنبوة شخص ممسوخ مطية هوي وهو س ولئام من المستعمرين لتزييف عقيدة الإسلام ومسخ شرائعه وتشكيك أتباعه وإضلال الناس عن حقائقه وفصم عري الوحدة فى الأمة والإصرار على ذلك والتمادي فيه ولا تفتأ هذه الأكذوبة كلما أغلق فى وجهها الصفيق باب أن تلج أبوابا أخري . وهناك بعيدا عن أعين الرقباء فى الأمة الإسلامية حيث الأطراف النائية فى العالم الإسلامي .
ولم يقتصر أمر داعيتها على ذلك بل إنه بآرائه المتطرفة والمبتدعة أشاع جوا متوترا بين المسلمين والمسيحيين والهندوس, فدعوته فى أول أمرها كانت تدعو إلى " عالمية الأديان " وبأن يترك كل شخص دينه وينطوي فى الدين العالمي الذى بشر به ( ميرزا) وهذه فكرة ماسونية تهدف إلى العالمية الدينية و والانطواء فى دين واحد بعد وضع ميثاق ديني موحد لكل الأديان وإبطال كل ديانات العالم مع تحقيق المخططات اليهودية التي تتبني الماسونية العالمية .
لقد كانت ( القاديانية ) أمل كل حانق على الإسلام ونبيه وكل مبيت له ولأهله الكيد والنكال , وفتحت أبوابا من البشر لما تغلق وهاهي ذي نفثة مصدور وكلمة محنق تنبعث من قلم حاقد لكاتب هندوكي يقول فيها :
" إن المسلمين الهنود يعتبرون أنفسهم أمة منفصلة متميزة ولا يزالون يتغنون ببلاد العرب ويحنون إليها ولو استطاعوا لأطلقوا على الهند اسم العرب وفى هذا الظلام الحالك وفى هذا اليأس الشامل يظهر شعاع من نور يبعث الأمل فى صدور الوطنيين وهي حركة الأحمديين القاديانيين.
وكلما أقبل المسلمون إلى الأحمدية نظروا إلى قاديان كمكة هذه البلاد الروحي العالمي وأصبحوا مخلصين للهند رمؤمنين بمعني الكلمة إن تقدم الحركة الأحمدية ضربة قاضية على الحضارة العربية والوحدة الإسلامية وكل من اعتنق الأحمدية تغيرت وجهه نظره وضعفت صلته الروحية بمحمد صلى الله عليه وسلم لذلك وتنتقل الخلافة من الجزيرة العربية وتركيا إلى قاديان فى الهند ولا تبقي لمكة والمدينة إلا حرمة تقليدية .
إن كل أحمدي سواء أكان فى البلاد العربية أو تركيا أو إيران أو فى أى ناحية من نواحي العالم يستمد من القاديان القوة الروحية وتصبح قاديان أرض نجاة له وفى ذلك سر يفصل الهند وهذا هو سر عدم ارتياح المسلمين إلى الحركة الأحمدية إنها هي المنافسة للحضارة العربية والإسلام ولذلك اعتزل الأحمديون عن حركة الخلافة لأنهم يحرصون على تأسيس الخلافة فى قاديان مكان تركيا والجزيرة العربية وإن كان هذا الواقع مقلقا للمسلمين الذين لا يزالون يحلمون بالاتحاد الإسلامي وبالإتحاد العربي ولكنه مصدر سرور وارتياح للوطنيين الهنديين".
ويقوم حركة القاديانية وصاحبها عالم من أبناء وطنها لمس بنفسه آثارها .
فيقول الأستاذ أبو الحسن الندوي :
"إنه لم يضف إلى الثروة الإسلامية شيئا يغتبط به ويشكره عليه العالم الإسلامي وتاريخ الإصلاح والتجديد , فلم يكن مصلحا دينيا ولا مصلحا اجتماعيا إنه كان داعية شخصيا قد أسس لنفسه وأسرته وخلفائه إمارة روحية ارستقراطية مثل آباء " أغاخان" ونشر الفوضي الفكرية التى لا تزال مصدر اضطراب وإلحاد وثورة على الدين إن عدد أولئك الذين أسلموا واهتدوا من غير المسلمين ضيئل لا يجاوز عدد أصابع يد واحدة وإنما كانت جهوده وعنايته مصروفة إلى المسلمين وإثارة الشكوك فيهم ..
" الواقع أنه لو لم تكن الفوضي الفكرية التي كانت الهند وانقراض بصفة عامة وبنجاب بصفة خاصة بسبب السلطة الإنجليزية وانقراض الدولة المسلمة وتبلبل المجتمع الإسلامي , وبسبب المتصوفين الجهال الذين كانوا ينشرون إلهاماتهم ومناماتهم ولولا جهل الجيل الجديد بالإسلام ولولا تبني الحكومة الانجليزية لهذه الدعوة واحتضانها وحمايتها وتشجيعها لولا هذه العوامل كلها لما كان لهذه الدعوة الخرافية – المؤسسة على الإلهامات والمنامات والتأويلات – وهي الحركة الدخيلة الهزيلة مجال ومتسع فى المجتمع الإسلامي .
" لقد عاش داعيتها وخلفاؤه من بعده يتاجرون بالأباطيل ولم تكن فيها ولا فيهم سمات الدعاة تلك التي يحيا بها أصحابها فى الحقائق أغنياء بها غني يستعلون به عن الدجل والاستغلال ويقيمون مبادئهم ودعواتهم على ركائز ثابتة من الفضيلة والكمال "
" وعادة الكاذب المدعي لما ليس لديه , المصطنع لغير ما يجد فى نفسه أن يدركه السهو أحيانا وقد قيل: ( إذا كنت كذوبا فكن ذكورا) فيقع ما يحذر ويتخلف الطابع الذي اصطنعه فى كثير من قوله وعمله ليدركه التناقض ويظهر كذبه " وقد كان هذا سيما اتضحت معالمها فى شخص القادياني وتصرفاته وأقواله وفى خلفائه وأدعيائه من بعده .
رفض المجتمع الإسلامي والفكر الإسلامي لهذه الدعوة وأصحابها
فزع المفكرون المسلمون من هذه الدعوي وأهدافها القريبة والبعيدة والتي هي على حساب الدين والوطن .
فرأوا أن الحلل الحاسم لهذه المشكلة أن تفصل القاديانية المحتلة عن المجتمع الإسلامي وأن تعاملها الحكومة كأقلية غير مسلمة وهي الفكرة التي دعا إليها الدكتور محمد إقبال – رحمه الله – بقوة وصراحة وكررها فى محاضراته ومقالاته ورسائله وقد صرح بأن القاديانية أبعد عن الإسلام من " السك " متعصبي الهنادك وقد جعلتهم الحكومة الانجليزية أقلية غير هندوكية رغم ما بين هذه الأقلية والهنادك من صلات اجتماعية دينية وثقافية وأنهم يتناكحون فيما بينهم بينما القاديانية تحرم مناكحة المسلمين ومصاهرتهم وقد حظر عليهم مؤسسهم كل ارتباط بالمسلمين بقوله :" إن المسلمين لبن فاسد ونحن اللبن الطازج "
وقد اعتبروا – برغبتهم – منذ عام 1900 فى جدول الإحصاء الرسمي للحكومة البريطانية فرقة إسلامية قائمة بذاتها وحديثة .
رأى المسلمون فى باكستان كل هذا وآمنوا بأنه لا يمكن أن تكون دولتهم حرة فى سياستها وطبيعتها الإسلامية إلا إذا تحررت فى سياستها وداخليتها – من النفوذ الأجنبي وكلائه وقد كان لياقت على خان – رحمه الله قد بدأ يشعر فى آخر حياته بهذا الخطر وكان غير مرتاح لهذا الوضع ثم كان شعوره هذا من أسباب اغتياله كما يقول المطلعون.
كل ذلك حمل الجماعات الإسلامية والأحزاب المختلفة والشخصيات الدينية على الاهتمام بهذه المسألة فاجتمع منهم ثلاثة وثلاثون ممثلا من رؤساء الجمعيات والجماعات الدينية وكبار علماء باكستان ف يناير عام 1953 فى كراتشي وطلبوا من الحكومة أن تجعل القاديانيين أقلية غير مسلمة لها حقوقها وأن تخصص لهم ما يستحقون حسب عددهم من المقاعد فى البرلمان الباكستاني وما يستحقون من الوظائف فى مختلف المصالح والإدارات حتي لا يستولوا أداة الحكومة والجهاز الإداري فى باكستان ولا يضايقوا المسلمين فى دولتهم التي أسسوها بدمائهم وأشلائهم .
وتصادمت الحكومة عن هذه المطالبة العادلة الصارخة ولم تعرها شيئا من العناية فاضطر قادة الفكرة إلى حركة عامة تبدي السخط للعام وتقنع الحكومة بتغلغل هذه الفكرة والرغبة فى طبقات الجمهور وكانت حركة شعبية هائلة لم تشهد البلاد مثلها منذ زمن بعيد وأفرغت الحكومة جعبتها لقمع الحركة التي سمتها الثورة على باكستان وما هي بثورة إنما هي مطالبة شعب هادئ وفى لحكومته مخلص متفاني فى خدمتها والدفاع عنها.
وطلبت الحكومة الجيوش لقمع ما تسميه الثورة وزجت بآلاف من العلماء ورجال الدين فى السجون وبقيت بلاد بنجاب وهي مركز الحركة - تحت رحمة الجنود تعامل من تشاء بما تشاء وكان للاهور النصيب الأكبر من هذه المحنة ود دام الحكم العسكري فيها أكثر من شهرين وقع خلالهما من حوادث الفتك والبطش والقسوة ما يتخطي القياس وحاكمت حكومة باكستان زعماء الفكرة محاكمة عسكرية وحكمت على بعضهم بالإعدام وكان منهم السيد " ابو الأعلي المودودي – أمير الجماعة الإسلامية فى باكستان فصدر عليه الحكم بالإعدام من المحكمة العسكرية فى لاهور ثم أبدل ذلك الحكم بالسجن أربعة عشر عاما مع الأشغال الشاقة وكانت جريمته أنه ألف رسالة باسم ( القاديانية) ذكر فيها موقف القاديانية من الإسلام والمسلمين وذكر موجبات جعل القاديانية أقلية غير مسلمة فى باكستان .
ولقد فزع علماء المسلمين ورجال الدين لفتنة القاديانية فى كل وطن إسلامي وتصدوا لها بأقلامهم وألسنتهم وعلمهم وأطبقوا على الحكم بضلالهم وتكفيرهم وأفتوا وألفوا فى ذلك مؤلفات كثيرة وأصدرت مراكز الفتوي صريحة بكفرهم وارتدادهم عن دين الإسلام .
وأصدرت محكمة بهاولبور سنة 1935م – بعد مناقشة طويلة دامت عامين كاملين واشترك فيها كبار العلماء من أهل السنة وكبار علماء القاديانية – حكمها بكفر القاديانية وعدم حل النكاح المسلحة بقادياني ونسأل هل يظل إنسان مسلم على إسلامه وقد قام يدعي النبوة بعد خاتم المرسلين – صلى الله عليه وسلم ويصر على التمسك به ؟
يقول فضيلة الشيخ الجليل المحدث السيد " محمد الحافظ التيجاني ":
( فإنه جاء أحد وادعي أنه نبي بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم فإن كان غافلا فهو كاذب ولم يختلف علماء المسلمين فى كفره ومعاملته معاملة الكافرين أمثاله ولا يطالب بإجراء خارق العادة لأن خارق العادة قبله صلى الله عليه وسلم آية النبوة لجواز وجود الأنبياء .
أما بعد فلو ادعي أحد النبوة فهو مبطل لأن حكم بأن لا نبي بعده ولا حاجة لدليل لأن الإيمان بالقرآن وبخاتم النبيين هو الدليل والخوارق الآن على يد الكفرة والفسقة استدراج فى يعبأ بها وراجع كتب التوحيد والردة فى المذاهب كلها إن شئت وحيث قد صرح الله عزوجل بكون الرسول خاتم النبيين وفسرها من أنزل عليه فلا يقع تلبيس إلا عند أهل التلبيس أما المؤمنون بالكتاب ومن جاء بالكتاب فالأمر لديهم بين لا اختلاط فيه مهما ادعي المدعون .
وفضيلة الأستاذ الكبير الشيخ محمد أبو زهرة بعد أن استعرض نحلتهم يبدي رأيه فيهم ويصدر حكمه عليهم بقوله :
والآن أهي تعد فرقة إسلامية ؟ ولا شك أنها تخالف ما أجمع عليه المسلمون من عهد النبي صلى الله عليه وسلم – من أنه لا نبي بعده وفوق هذا قد جاء فى أراء إمامهم ما هو غريب جدا من ادعاء أنه المسيح أو أن روح المسيح تقمصته إلى آخر ما جاء فى كتبهم وكل هذه الدعاوي من نبوة أو تقميص للمسيح لا دليل عليها قط .
وأقصي ما ادعوه له من معجزة هو تنبؤه بالخسوف والكسوف قبل وقوعهما وإن ذلك يقع من علماء الفك والأرصاد ويتكرر وقوعه وما ادعوا نبوة ولا رسالة لأنه العلم والإدراك البشري وخصوصا أنه جاء بعد أن تكامل نمو هذا العلم فقد كانت دعوته الجريئة فى آخر القرن الماضي وأول هذا القرن الميلادي وإن هذا كله ليس إلا أقوالا لا دليل عليها من وجهة ولا تتفق مع المقررات التي قام عليها الدليل من جهة ثانية وهي تخرج صاحبها عن الإسلام فإن النبي صلى الله عليه وسلم – تركنا على " المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها " وإذا كان هو يتمسك بحديث : " إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة لهذه الأمة رجلا يجدد لها أمر دينها " فإن المجددين قبله لم يدعوا نبوة ولا أن معهم آيات تثبت نبوتهم فلماذا يكون هو شاذا بينهم ؟) وفى الحق أنه إذا كان التكفير على الخلافات التافهة فى المسائل الفرعية شيئا غير مستحسن وعملا مستقبحا فكذلك أيضا من الخطأ الفاحش عدم التكفير على الانحراف البواح عن الحقائق والمبادئ الأساسية للدين وتزييفها وصدق الله العظيم : ( كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض كذلك يضرب الله الأمثال للذين استجابوا لربهم الحسني والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما فى الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس المهاد أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمي إنما يتذكر أولو الألباب)
" ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب " آمين .