العيد وسط أسرة المعتقلين واللاجئين
الأعياد فرصة عظيمة للترابط الأسري وإظهار الفرح والسرور والتوسعة على الأهل والأطفال ليشعروا بسعادة العيد وشعائره بعد صيام شهر كامل. ولنا في بيت النبي صلى الله عليه وآلة وسلم في ذلك مثال، فقد كانت مظاهر الفرح والسرور تملأ جنباته وتتعدد من ملبس ومشرب واحتفال، وكذلك بيوت الصحابة الكرام رضوان الله عليهم.
فقد روى الإمام البخاري بسنده عن أم المؤمنين السيدة عائشة - رضي الله عنها – قالت: "دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وعندي جاريتان تغنّيان بغناء يوم بعاث، فاضطجع على الفراش، وحوّل وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمارة الشّيطان عند النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فأقبل عليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلّم - فقال: دعهما، فلمّا غفل غمزتهما فخرجتا".
وفي رواية أخرى: "يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا"، وفي رواية أحمد: "لِتعْلَمَ اليهود أنَّ في ديننا فسحة، إني أُرسلت بحنيفية سمحة".
ليس ذلك فحسب بل كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم حريصًا على الترويح عن أهل بيته وزوجاته في كافة المناسبات وفي غير المناسبات، ومن ذلك أنه جعل السيدة عائشة تتسلى برؤية احتفال في ساحة المسجد النبوي الشريف.
وعن ذلك تحكي أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها فتقول: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً فسمعنا لَغَطاً وصوت صبيان! فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإذا حبشية تزفن (تتمايل وتلعب) والصبيان حولها"، فقال: "ياعائشة تعالي فانظري" فجئتُ فوضعتُ لحيي على منكب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فجعلت أنظر إليها ما بين المنكب إلى رأسه، فقال لي: "أما شبعت؟ أما شبعت؟" قالت: فجعلت أقول: لا ؛ لأنظر مَنْزلتي عنده، إذ طلع عمر ، قالت: فارفضَّ الناسُ عنها، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إني لأنظر إلى شياطين الإنس والجن قد فرُّوا من عمر" قالت: فرجعت. رواه الترمذي.
وعن زيد بن خالد، أنَّ رسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: مَنْ جهَّزَ غَازِيًا في سبيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا، ومنْ خَلَفَ غَازيًا في أَهْلِهِ بخَيْر فَقَدْ غزَا. متفقٌ عليهِ.
في بيتنا معتقل أو لاجئ
يمر العيد على المعتقلين والمشردين واللاجئين على غير حال من يتنفسون الحرية خارج المعتقلات ، فبينما يستقبل المواطنون العيد بالبهجة والفرح والزيارات العائلية ، يستقبله الاسرى بالدموع والآلام وحسرة الفراق وجميع أشكال الحرمان حيث تجدد تلك المناسبات لهيب شوق الاسرى لمحبيهم وعائلتهم .
ويتمنى الاسرى في تلك اللحظات أن يكونوا بين أطفالهم وعائلاتهم يعيشون معهم بهجة العيد بعيدا عن قيد السجان وتدور بأذهانهم مجموعة من الاسئلة كيف تقضي أسرتي العيد ؟ هل تمكنوا من شراء كسوته ؟ ومتى سأكون بينهم ؟.
ففي حين يتجهز الأطفال بملابسهم الجديدة ويستعدون للخروج صباحا الى صلاة العيد، لينطلقوا مع أباءهم وأمهاتهم بعدها إلى الحدائق أو زيارات الأهل صلة للرحم توثيقا لأواصر العلاقات الإنسانية ، بل ويعدون العدة لشراء الألعاب بالعيدية المقدمة لهم من أباءهم الذين ينتظرون تفرغهم في تلك الأيام لقضاء الوقت معهم فهي أيام خاصة تمتلئ بالبهجة والسعادة..
إلا أن هناك عددا غير بسيط من الأسر التي تأتيهم أيام العيد بفرحة مشوبة بالحزن والافتقاد للمغيبين خلف الأسوار. فبين فرحة اللقاء وقسوة الاعتقال ومنع الزيارة والصعوبات التي تقابلهم في أيام العيد، غير أنهم يحرصون أن يصلوا ويقضوا يوم العيد أمام السجون انتظارا لزيارة ذويهم ومنهم من معه أطفاله ليقضوا جميعا العيد أمام السجون.
ولن يعدم كل واحد منا طريقا لإدخال السرور على أخيه المسلم في تبشيره بالبشرى تارة أو إخباره بأخبار الخير التي ينتظرها تارة أو بقضاء دينه أو بالهدية أو بإخباره أنه يحبه في الله أو بإكرام أهله وولده وصحبه أو بتعليمه العلم النافع له أو بتوقيره بين الناس أو بالمسارعة في محباته دوما وبأي حالأ وبنصحه فيما هو بصدده و غيرها كثير جدًا وهي معلومة معروفة ولكننا فقط نذكر وقد يكون إدخال السرور على المسلم بكلمة خير واحدة أو ببسمة رائقة أو بمصافحة مقبلة فتأمل ذلك.
وإنها سعادة غامرة تلك التي يستشعرها المرء عندما يسعد الآخرين أو يشارك في إسعادهم أو تخفيف آلامهم ..سعادة لا تحس بها إلا النفوس الطاهرة النقية التي رجاؤها دوما وجه ربها وسعيها دوما هو في طرقات الخير المضيئة.
ولذا وجب على كل مسلم في كل بلد، ويعلم أهل بيت فيه معتقل أو مسرد أو لاجئ أن يضع نصب عينه كيف يدخل السرور عليهم سواء بشراء ملابس جديدة – بقدر استطاعته - لأطفاله مثلما اشترى لنفسه وعياله، أو يرتب لهم يوما في متنزهات وأماكن لهو يمرحوا ويفرحوا وينسوا همهم، أو فسحة بحرية أو نيلية يخرجهم بها من حياة الكرب والغم التي يعيشون فيها طيلة هذه السنوات، أو يقطع جزء من ماله ويرسله لأهل معتقل أو لاجي أو مشرد يتكففون بهم أحوالهم ويسدون به جوعهم وقلة حيلتهم، أو غيرها من الوسائل البسيطة التي يستطيع كل واحد أن يقوم بها ليسعد اهل المعتقل أو اللاجئ.
وهي المعاني التي أكدها
رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشى مع أخ لى فى حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف فى هذا المسجد- يعنى مسجد المدينة- شهرًا، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه فى حاجةٍ حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام؛ وإن سوء الخلق ليفسد العمل، كما يفسد الخل العسل"ٍ (أخرجه الطبراني).
وسُئِلَ الإمام مالك: أي الأعمال تحب؟
- فقال: إدخال السرور على المسلمين، وأنا نَذَرتُ نفسي أُفرِج كُرُبات المسلمين.
فما أروع من أن يتقرب العبد إلى الله بإدخال السرور على الناس وتقديم المساعدة لهم والعمل على تخفيف آلامهم ومحو أحزانهم.