العسكر وفساد الترقيات الاستثنائية
مقدمة
الجيوش هي عماد الدفاع عن أمن دولها برًّا وبحرًا وجوًّا، ويتم تشكيلها وتسليحها وتدريبها لتحقيق الأهداف الاستراتيجية التي تضعها الدولة.
وفي المقام الأول تعتبر مهام الجيش حماية الدولة من الاعتداء الخارجي والمحافظة على الحدود البرية والمياه الإقليمية والمجال الجوي للدولة. كما يتدخل الجيش أحيانًا في حالة فشل أجهزة الأمن المدنية في السيطرة على الأوضاع الأمنية بداخل الدولة، للحفاظ على أمن وسلامة المواطنين دون التدخل في الشئون السياسية أو التحول بالبلاد عن المسار الديمقراطي.
والجيوش تعد فخرًا للوطن لأنها القائمة على حماية كل شبر فيه، والموروث الثقافي أو التكوين الثقافي للعقلية الإسلامية قد رسخ بعض مفاهيم تمجيد العسكر علي من سواهم في الشرائح الاجتماعية، فالفارس هو الممدوح في قومه لكونه يتولى حمايتهم ويؤمن معيشتهم.
غير أن ذلك قد تغير خاصة في القرون المتأخرة بسبب سيطرة المستعمر الغربي على الأوطان الإسلامية، وكان أول ما سعى هي تدمير عقيدة الجيش الجهادية وجعلها تأتمر بأمره فقط وفق سياسته وأيديولوجيته. والجيش المصري تم تأسيسه في عهد محمد علي والذي استعان بالقائد الفرنسي سليمان باشا الفرنساوي الذي أقام في مصر لتأسيس هذا الجيش وفق العقيدة الفرنسية.
ومنذ نجاح تحرك الجيش في يوليو 1952م، والذي كان الهدف منه بالأساس تأسيس دولة ديمقراطية حديثة بخلاف ما قام به عبد الناصر وأسس دولة الجيش وقام بالتنكيل بكل من كان يسعى لغير ذلك.
فقد رسخ عبد الناصر ومجموعته أصول الحكم العسكري غير القابل للتغيير، ورسخوا فكرة أن مصر لا يصلح لها غير الحكم العسكري، وأصبح للجيش منذ ذلك التاريخ وضع خاص داخل الدولة المصرية وأصبح للمؤسسة العسكرية والمنتمين لها امتيازات غير مسبوقة وازدادت تلك الامتيازات بمرور الوقت حتى وصلت إلى ذروتها في عهد السيسي، وأصبح الجيش مهيمنًا على كل النواحي السياسية الاقتصادية والأمنية داخل الدولة المصرية.
الترقيات الاستثنائية في دولة العسكر
تكون الجيش المصري في عهد محمد علي من أفراد مصريين بعد أن كان يعتمد في المقام الأول على الأجانب، وقد نال الحظوة والرفعة قادة كثيرون صنعوا مجدًا في الدفاع عن الوطن وفي الحروب، وظلت عقيدة الجيش محكومة بالدفاع عن الوطن والموت في سبيله وفقًا للعقيدة الإسلامية، حتى بسط الاستعمار نفوذه وعمد إلى تغيير هذه العقيدة والولاء لصالحه أو لصالح أيديولوجيته الغربية.
ولذا ما أن خرج المستعمر بجنوده عائدًا إلى أوطانهم حتى ثبت دعائم قادة عسكرين أعطوه ولائهم الكامل في سبيل حمايتهم. فكان الجيش في عهد الملكية تحت سيطرة البعثة البريطانية التي كانت تتحكم في أعداد الجيش وتسليحه والمعارك التي يجب أن يدخل فيها، حتى كانت ثورة 23 يوليو 1952م والتي جاءت بالعسكر إلى سدة الحكم ليتغير كل شيء في الحياة السياسية في مصر.
لم يترك العسكر أي مجال إلا وقد حاولوا السيطرة عليه مما أظهر طبقات رأسمالية كبيرة بعد زوال الملكية، يقول محمد نجيب – أول رئيس لمصر - في كتابه:
- كان تعيين رشاد مهنا في منصب كبير خارج الجيش فاتحة لتعيين 18 من اللواءات وكبار الضباط في وظائف مدنية ودبلوماسية. ومن العسكريين كونا لجان تطهير الجيش، ومن العسكريين أصبحوا قضاة مثل محكمة الثورة ومحكمة الشعب. (1)
ويصف أنور عبد الملك مصر في الحقبة الممتدة بين عامي 1952 إلى 1967 بـ(المجتمع العسكري) نتيجة "سيطرة النخبة من الضباط والتأثير الكبير لهذه السيطرة في المجتمع المصري"، فقد اتصف العمل السياسي لمجموعة الضباط في تلك الفترة التاريخية بالاستيلاء الكامل على جهاز الدولة وتشكيل برنامج التغيير الوطني الجذري، وإجراء تغيير واضح في شكل الدولة.
لقد تحول العسكر في عهد عبد الناصر إلى البدل والسيارات الفارهة وتخلوا عن البدل العسكرية والسيارات الجيب من اجل الإمبراطورية التي بدأوا يبنوها لأنفسهم وذويهم. (2) وهكذا أصبح الجنرالات هم أصحاب الشركات ورؤوس الأموال، فلقد اعتبرت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية القوات المُسلحة المصرية الشريك المُفضَّل لإبرام العقود الصناعية!.
لم يختلف نظام عبد الناصر الذي رسخ لهيمنة العسكر عمن جاء بعده من الرؤساء، غير أن الأمور زاد بإحكام السيطرة من جنرالات السيسي خوفا على المصالح الاقتصادية.
فساد الترقيات الاستثنائية
تعتمد التنظيم الهرمي للمؤسسة العسكرية، حيث يبدأ من ملازم ثان حتى يصل لرتبة مشير، ووفق المادة (27) من قانون الأحكام العسكرية، تكون الترقية من رتبة ملازم ثان حتى رتبة قائمقام والأقدمية العامة مع توافر شروط الأهلية الآتية:
- أن تكون تقارير الكفاءة السنوية والبيانات الواردة بالملف السري للضابط مرضية.
- أن يكون الضابط تام التأهيل على الوجه الآتي: (أ) أن يقضي المدد المقررة للخدمة بوحدات السلاح الميدانية في كل رتبة. (ب) أن يحصل على الفرق الحتمية أو المؤهلات العلمية التي تقررها لجان الضباط المختصة. (ج) أن يجتاز امتحانات الترقية المقررة.
- أن يمضي الضابط الحد الأدنى الزمني المقرر لكل رتبة.
ويشترط دائما موافقة لجنة الضباط المختصة على شغل الرتب الخالية بالميزانية. ويصدر القائد العام للقوات المسلحة بناء على اقتراح لجنة الضباط قرارًا بالشروط التفصيلية الخاصة بالتأهيل المنصوص عليه في البند. وجاء في المادة (29) تكون الترقية إلى رتبة فريق بالاختيار المطلق من بين اللواءات الذين أمضوا سنتين في الخدمة على الأقل بهذه الرتبة. (3)
ويجوز أن يحصل الضباط على ترقيات استثنائية وفق ما قدموا من خدمات في الحرب، حيث نصت المادة (30):
- يجوز استثناء ترقية الضابط إلى الرتب التالية دون التقيد بالأقدمية العامة أو الحد الأدنى الزمني المقرر للترقية إذا قام الضابط بأعمال استثنائية مجيدة في ميدان القتال.
وجاء في المادة (33) تكون ترقية القائم مقام "عقيد" إلى رتبة أميرالاي "عميد" باختيار الضابط الأكثر تأهيلا من بين من سبقت التوصية بترقيتهم وأدرجت أسماؤهم بكشف المرشحين لرتبة أميرالاي. ويصدر قرار من القائد العام للقوات المسلحة يبين كيفية تحرير كشف المرشحين لرتبة أميرالاي. (4)
كانت هذه شروط الترقيات في الجيش المصري في العهد الملكي، لكن تغير الحال إلى بعض الفساد والمحسوبية، يقول محمد نجيب:
- انتشرت الشللية وسط ضباط القيادة وكل واحد حرص أن يقرب المخلصين له، وظهرت مراكز القوى بعد شهور قليلة من قيام الثورة داخل المجلس وخارجه.. وحتى يتخلص ضباط القيادة من أصوات المعارضين التي تواجههم لفقوا لهم التهم المناسبة للقضاء عليهم، وتطور أسلوب التلفيق من تحضير شهود الزور – كما حدث في قضية المدفعية-، والذين قدموا مقترحات للإصلاح لعبد الناصر، غير أنه تم القبض عليهم وكان عددهم 35 ضابطا؛
- حيث اعترض يوسف صديق وحسني الدمنهوري على اعتقالهم فأجبر يوسف صديق على مغادرة البلاد لسويسرا، واعتقل حسني الدمنهوري والذي تعرض للتعذيب الوحشي والقسوة في المعاملة والتعدي عليه داخل السجن، حتى أنهم اتهموه بأنه كان يعد مؤامرة للانقضاض على مجلس القيادة والإفراج عن الضباط المعتقلين، وعقد له محاكمة برئاسة عبد الناصر وحكموا عليه بالإعدام ورفضت التصديق على حكم الإعدام خاصة بعدما أخبرني اليوزباشي محمد أحمد رياض بتعرض الدمنهوري للتعذيب الوحشي والاهانة من قبل صلاح سالم. (5)
عبد الحكيم عامر من رائد لمشير
بعد نجاح الثورة وسيطرة العسكر ظهرت المحسوبيات والشللية كما قال نجيب، وبدأ توزيع الكعكة وفق الصداقة، وقد كان عبد الحكيم عامر النموذج الفج في سابقة لم تحدث في الجيش المصري ولا جيوش العالم أن يرقى ضابط كل هذه الترقيات دفعة واحدة، مع العلم أن الدافع لم يكن كفاءة عبد الحكيم عامر العسكرية لكنها فقط ضغط عبد الناصر من أجل كون عبد الحكيم عامر صديقه، الغريب أن بقية أعضاء مجلس قيادة الثورة – بما فيهم محمد نجيب - وافقوا في إطار المصالح المشتركة بيهم.
فقد جاء في كتاب محمد نجيب قرار الترقية الاستثنائية حيث جاء فيه:
- "بعد الاطلاع على الإعلان الدستوري الصادر في سبعة من شوال سنة 1372 الموافق 18 من يونيو 1953 أمر بالآتي: يعين حضرة الصاغ أركان حرب محمد عبد الحكيم عامر قائدا عاما للقوات المسلحة ويمنح رتبة اللواء" . (6)
وبهذا القرار تجاوزًا عامر ثلاث رتب كان يجب أن يمر بها قبل ترقيته وإسناد قيادة القوات المسلحة ووزارة الدفاع إليه حيث كان عمره 34 عامًا فقط، وعقب إعلان الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا تمت ترقية عامر إلى رتبة فريق ثم مشير خلال 5 سنوات فقط، في حين يستغرق آخرون 20 عامًا للوصول إلى هذه الرتبة، بالرغم من أنه لم يكن له أي تاريخ من الإنجازات العسكرية، ولم يكن أهلا لهذه الترقيات
يقول محمد حسنين هيكل:
- إنه "نصف فنان ونصف بوهيمى ولطيف جدا، لكنه عسكري توقف عند رتبة صاغ، أى أنه يستطيع أن يقود كتيبة، لكنه لا يستطيع أن يقود جيشا".
كثير ممن تحدثوا عن "سلم ترقيات عامر" رأوا أنه كان "كارثيا" بكل المقاييس، فالرئيس الراحل محمد نجيب رأى فيها محاولات من عبد الناصر لـ"تقليم أظافره" بتصعيد أكثر المقربين له "عبد الحكيم" وصديق عمره ليتولى المهام العسكرية.
"ناصر" كان يدرك أن إعلان تعيين "صديق العمر" بهذه الطريقة، سيقابل بالرفض والمعارضة من جانب "محمد نجيب"، فربط جمال عبد الناصر هذا القرار بقرارات أخرى تكون أكثر جاذبية لاهتمام الناس، تضعف من صلابة المقاومة، عند محمد نجيب وزملائه في مجلس القيادة، مثل إعلان الجمهورية وتولية محمد نجيب أول رئيس لها.
المثير للدهشة أن من المئات من أصحاب الرتب الأقدم الذين قفز فوقهم عبد الحكيم عامر لم يعترض أحد منهم بشكل إيجابي، إلا اللواء حسين محمد قائد السلاح الجوي. ولنترك لقادة المجلس العسكري تسرد لنا مظاهر هذا الفساد
فمثلا خالد محي الدين يقول في الآن أتكلم:
- وكان اختيار عبد الحكيم قائدا للجيش مثارا لمعركة صامتة بين الزملاء في مجلس الثورة فبغدادي اعتبرها مناورة من عبد الناصر لتعزيز نفوذه الشخصي في مواجهتنا جميعا. كذلك أحدث تعيين عامر حالة من عدم الرضا بين قادة القوات المسلحة فيكف لضباط أن يقفز من رتبة الصاغ إلى رتبة اللواء دفعة واحدة ليقودهم جميعا.
- وبدأ الإعراب عن عدم الرضاء هذا باستقالة حسن محمود قائد سلاح الطيران الذي أكد لنا أنه يحترم عبد الحكيم عامر لكنه يستقيل لأنه يعتبر أن رتبة اللواء رتبة محترمة وأنه لا يجوز التلاعب بالرتب العسكرية والقفز عبرها بهذه السهولة وحدثت استقالات مماثلة. (7)
ويقول عبد اللطيف البغدادي في مذكراته:
- وكنت معتقدًا أن جمال عبد الناصر لم يرشح عبد الحكيم لتولي قيادة الجيش إلا لغرض سياسي، وأنه يهدف إلى أن تصبح له السيطرة السياسية دون باقي المجلس. وذلك عن طريق مساندة الجيش له. وأن الذي يضمن له ذلك هو تعيين عبد الحكيم قائدًا عامًا له معتمدًا على قوة الصداقة المتينة والتفاهم القائم بينهما.
- كما كنت أخشى أيضًا من تولي عبد الحكيم أمر الجيش أن يصبح الجيش في المستقبل أداة تدخل في السياسة العامة ومدى خطورة هذا على مستقبل البلاد. لذا رأيت أن أعترض على اقتراح جمال مبينًا أنه من الأفضل أن يتولى أمر الجيش ضباط محترفون للتفرغ له والابتعاد به عن السياسة.
- ذاكرًا أن الجيش إذا تدخل في السياسة فسد الجيش وفسدت السياسة أيضًا، وأن هذه محصلة تجارب على مدى التاريخ. ولكن جمال عبد الناصر تمسك باقتراحه مبينًا أنه من المستحيل أن يوكل أمر الجيش لشخص غريب وليس منا فيتحكم في رقابنا على حد تعبيره. (8)
ويضيف:
- وعندما أعلن قرار تعيين عبد الحكيم قائدًا عامًا للجيش تقدم قائد سلاح الطيران اللواء حسن محمود باستقالته من القوات الجوية ورفض أن يستمر في منصبه احترامًا لرتبة اللواء التي كان يحملها على حد قوله. ولأن عبد الحكيم الذي كان صاغًا ثم رقي إلى رتبة اللواء دفعة واحدة سيرأسه هو ولا يرضى لنفسه بهذا الوضع. وظل متمسكًا بموقفه رغم محاولتي مع حسن إبراهيم إقناعه بالاستمرار وكان ذلك بتكليف من المجلس لنا. ولكنه أصر على موقفه احترامًا للأقدمية العسكرية. (9)
ويضيف:
- وكان من نتائج تعيين عبد الحكيم قائدًا عامًا للجيش أن أبعد باقي أعضاء المجلس عن وحداتهم العسكرية تدريجًا بحجة أن نترك حرية العمل لعبد الحكيم حتى لا نتسبب في سوء تفاهم بيننا لو استمرت علاقتنا بزملائنا الضباط، وعمل على إبعاد زملائنا عنا بواسطة ضباط مكتب عبد الحكيم. وكان ذلك يجري بتهديدهم أو بحجة ابتعادهم عنا حتى لا يضاروا.
- وكان يعمل في نفس الوقت على تقربهم من عبد الحكيم بخدمات تقدم إليهم حتى أصبح لا هم للكثير من الضباط إلا التقرب من عبد الحكيم وجمال عبد الناصر أو إلى من هم قريبون منها طمعًا في منصب أفضل أو خدمة تؤدى لهم. وأصبح الجيش بذلك مع مرور الوقت أداة قوة في يد جمال وعبد الحكيم، وانعزلنا نحن نهائيًّا عنه، ونتج عن هذه السياسة فساد الجيش مما ترتب عليه نتائج وخيمة عسكرية وسياسية. (10)
ويقول جمال حماد:
- وكان الأمر الذى يدعو إلى الدهشة والعجب أن عبد الناصر هو الذى رشح عبد الحكيم عامر عندما كان برتبة الرائد ليتولى القيادة العامة للقوات المسلحة على أن يمنح رتبة اللواء ليقفز بذلك أربع رتب دفعة واحدة. ورغم الاعتراضات العنيفة التى واجهها عبد الناصر من ناحية اللواء محمد نجيب ومن بعض زملائه أعضاء مجلس قيادة الثورة فإنه استمر يعرض اقتراحه في صبر وإلحاح عجيبين حتى نجح في النهاية في تحقيق طلبه، فكان أول أمر بعد إلغاء الملكية فى 18 يونيو 1953 هو الأمر الجمهوري رقم 1 بتعيين الرائد عبد الحكيم عامر قائدا عاما للقوات المسلحة على أن يمنح رتبة اللواء.
- وعلى الرغم من إدراك عبد الناصر أنه كان بالخدمة في القوات المسلحة وقتئذ قادة أكفاء كانت مدة خدمة بعضهم فى الجيش تتجاوز عمر عبد الحكيم الذي كان في ذلك الوقت في بداية الثلاثينات من عمره إلا أنه كان مصرًّا على تعيين عبد الحكيم عامر لا بحكم كفاءته العسكرية أو حرصا منه على الصالح العام ولكن باعتبار واحد فقط، وهو أن عبد الحكيم كان أخلص الأصدقاء وأقرب الزملاء إلى قلبه في مجلس قيادة الثورة
- وكان هذا يعني ولاء القوات المسلحة لعبد الناصر وتدعيمها لمركزه مما يتيح له الفرصة للسيطرة التامة على الشئون السياسية في مصر دون زملائه من أعضاء مجلس قيادة الثورة تمهيدا لتنفيذ المخطط الذي رسمه في دقة ومهارة منذ بداية الثورة، وهو التخلص من زملائه جميعا والانفراد وحده بالنفوذ والقوة والسلطان. (11)
السيسي رئيس الترقيات الاستثنائية
الترقية الاستثنائية تمنح في الجيوش لكل من قام بعمل بطولي في الحروب أو كان عاملا فعالا في النصر. وفي مصر منحت ميدالية الترقية الاستثنائية لمستحقي الترقيات أثناء المعارك أو تم ترقيتهم نتيجة عمليات قتالية.
وكثير من ضباط الجيش في مصر حصلوا على ترقيات استثنائية لأعمالهم البطولية أو للرغبة السياسية في ذلك، غير أن الفساد كان في الترقيات التي تمنح سريعة للبعض كعبد الحكيم عامر الذي رقي من رتبة صاغ (رائد) إلى رتبة مشير دفعة واحدة.
وهكذا كان السيسي حيث كان السيسي وقت ثورة 25 يناير على رتبة لواء وظل عليها حتى تولى الدكتور محمد مرسي منصب رئيس الجمهورية، وفرض المجلس العسكري عليه السيسي ليكون وزيرا للدفاع حينما أقال المشير محمد طنطاوي والفريق أول سامي عنان.
حيث رقى السيسي من رتبة لواء إلى رتبة فريق أول ليكون وزيرا للدفاع في 12 أغسطس 2012م، غير أنه ما إن قام بالانقلاب العسكري على الرئيس مرسي حتى تم ترقيته من قبل الرئيس المؤقت عدلي منصور إلى رتبة المشير في 27 يناير 2014م دون أن يشارك في أي معركة سواء داخلية أو خارجية.
ووفق التواريخ يكون عبدالفتاح السيسي تم ترقيته ثلاث ترقيات استثنائية في 18 شهر بما يخالف الأعراف والقوانين العسكرية، غير أن ذلك لا يحدث إلا في دولة العسكر التي وضع لبنتها جمال عبدالناصر.
محمود عبدالفتاح السيسي على خطى عامر في الترقيات
كان على إثر تقدم عمر نجل الرئيس محمد مرسي إلى وظيفة في لشركة القابضة للمطارات والملاحة الجوية واجتيازه الاختبارات سرت الشائعات حول تعينه لمنصب والده، حتى إن بعض النشطاء دعو للتظاهر اعتراضا على تعيين عمر، مما حدا بوالده إلى رفض تعيينه حتى لا تثار حوله الشبهات، وهو ما فعله مؤخرا الرئيس التونسي قيس سعيد حينما أعطى زوجته إجازة من القضاء – حيث تعمل قاضية – حتى تنتهي فترة رئاسته.
غير أنه في دولة العسكر كل شيء مباح لهم وحلال لأولادهم، وهو ما سار السيسي على نسق ومنهج عبد الناصر غير أنه لم يرقِّ صهر أو صديقه وشريكه في الانقلاب لكنه سعى لترقية ابنه الثلاثيني أربعة ترقيات في سنوات قليلة حتى يحكم قبضته على الدولة.
فمحمود عبدالفتاح السيسي هو الابن الأكبر لعبد الفتاح السيسي، تخرج في الكلية الحربية، وتزوج من نهى التهامي ابنة رئيس شركة بيبسي مصر سابقا، وقد سمع المصريون اسمه أول مرة من والده وهو يتحدث عن أسرته في لقاء تلفزيوني أثناء ترشحه للرئاسة عام 2014. فور تخرجه في الكلية الحربية التحق بسلاح المشاة فترة وجيزة، ثم التحق بجهاز الاستطلاع قبل انتقاله إلى جهاز المخابرات العامة، حيث انضم إليها برتبة رائد.
لكن خلال 4 سنوات فقط، قفز محمود السيسي سريعًا عبر ترقيات استثنائية ليصل إلى رتبة عميد، متخطيًا كافة الأعراف العسكرية، ودون المرور بأي دورة تدريبية واحدة في جهاز الأمن القومي، وأُسند إليه منصب مدير المكتب الفني بالجهاز في أثناء تولي اللواء خالد فوزي إدارة جهاز المخابرات العامة، قبل أن يصبح نائب رئيس الجهاز بعد عباس كامل.
ومن المعروف أن السيسي حاول تعيين ابنه محمود في المخابرات العامة في عهد مبارك إلا أن عمر سليمان رفض بشدة، حيث يقال أن عمر سليمان أدرك الدور الدولي الذي يمكن أن يلعبه السيسي مستقبلاً وتفريطه في قضايا تعتبر أمن قومي لمصر، وهو ما كان يظهر خلال المناقشات بين الرجلين.
وعندما أصبح السيسي رئيسًا، أدرك بوضوح أنه لن يحكم قبضته على البلاد إلا بالسيطرة التامة على جهاز المخابرات العامة، خصوصًا وأن من يديره هم أتباع عمر سليمان والذين يحملون نفس العقلية. بدأ السيسي في تصفية جهاز المخابرات العامة، فعين أولاً رجل المخابرات الحربية محمد فريد التهامي رئيسا للجهاز، وعين نجله محمود مديراً في المكتب الفني لمدير المخابرات العامة بعدما نقله من المخابرات الحربية.
ورغم أن هذه الوظيفة كانت أقرب إلى كونها وظيفة إدارية، لكن تعيين محمود جاء ليكون عيناً لوالده ليتمكن من تجميع معلومات عن جميع قيادات الجهاز وولائهم واتجاهاتهم وكيف يفكرون، حتى تتم بعد ذلك عملية التصفية النهائية.
بدأ محمود السيسي يزود والده بقوائم أعضاء الجهاز الذين يتوجب التخلص منهم، وبالفعل أحال السيسي عددًا كبيرًا منهم إلى التقاعد، وهم حمود عادل أبو الفتوح، وسامي سعيد الجرف، وأشرف سعيد الخطيب، ومحمد مصطفى سعودي، وخالد سعد الدين الصدر، ونيفين أمين إسماعيل، ومصطفى زكي عكاشة، ومحمد علاء عبد الباقي، وماجد إبراهيم محمد، وعلي محمد خير الدين الدناصوري وعادل أحمد محمد إسماعيل.
و في ديسمبر - كانون الأول 2014، قرر السيسي إحالة رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء محمد فريد التهامي للتقاعد بعد أكثر من عام على توليه منصبه. محمود السيسي بعد عملية تفكيك جهاز المخابرات أصبحت له الكلمة العليا هناك، وأصبح يدير كافة الملفات من فندق "الفيرمونت" على الطريق الدائري بالقرب من منطقة التجمع الخامس بالإضافة إلى محل سكن والده.
ومن أبرز الملفات التي يديرها ملف سد النهضة وملف القضية الفلسطينية وحماس، وجميعها فشل في إدارتها أو تحديدًا "فشل عن عمد"، بحسب ما ذكرته المصادر. وهو ما يؤكد ما قاله عمر سليمان من قبل لمقربين منه أن السيسي جاء لمصر لتنفيذ أجندة إقليمية ودولية تتعارض مع مصلحة الأمن القومي المصري.
ووصل نفوذ محمود السيسي إلى الدرجة التي جعلت البعض يتحدث داخل أروقة المخابرات العامة عن تخطيه صلاحيات اللواء عباس كامل نفسه الذي عيَّنه الرئيس عبدالفتاح السيسي مديرًا للجهاز، حتى يُحكم سيطرته الكاملة على الجهاز. (12)
ويتهم "محمود" من قبل الناشط السيناوي "مسعد أبوفجر" - الذي كان أحد أعضاء لجنة الخمسين لإعداد دستور 2014 - بالتربح من إدارة عمليات تهريب للسلاح والمخدرات إلى قطاع غزة الفلسطيني، وكذلك التورط في تدبير الهجوم على معسكر الأمن المركزي في منطقة الأحراش شمال رفح.
وتشير تقارير إعلامية إلى استغلاله نفوذه في امتلاكه مشروعات اقتصادية عملاقة، كان آخرها سلسلة صيدليات 19011 التي تم الإعلان عنها، والتي تحمل تاريخ ميلاد والده في 19 نوفمبر - تشرين الثاني 1954. (13)
وأشار "مركز يروشليم لدراسة المجتمع والدولة"، إلى أن السيسي عيّن نجله الأكبر محمود بمنصب كبير في جهاز سيادي، كمسؤول عن "الأمن الداخلي" في المخابرات العامة، حيث بات يوصف بأنه "الرجل القوي" في الجهاز الذي يشارك في الاجتماعات الرسمية التي يعقدها والده، بين أوثق مقربي السيسي، الذين يسيطرون على المخابرات العامة، بعد تنفيذ عمليات "تطهير واسعة" بالجهاز.
كما أنه يسعى لأحكام قبضته على الأجهزة الاستخباراتية في مصر من خلال تعيين أقاربه ومؤيديه في مواقع عليا. (14) بدأ عسكرة الدولة بالانقلاب المصري في 23 يوليو 1952 الذي حاول جمال عبد الناصر مخلصًا أن يُحولهُ إلى ثورة. وما زال حكم العسكر قائمًا.
مشاكل عبد الناصر الأساسية كانت عسكرة الجيش وتعيين ضباط الجيش في المراكز القيادية والإدارية والسياسية العليا .وكان معظم كبار أركان النظام هؤلاء غارقين في ملذاتهم مع العاهرات والممثلات والجاسوسات، وهكذا كثير من العسكر حتى يومنا هذا.
لقد لخص أنشتاين مشكلة العسكر بقوله:
- لا يمكن حل المشاكل من نفس العقول التي سببتها، وهكذا لا يمكن حل مشاكل وطن بنفس العقول التي سعت لتدميره.
المراجع
- محمد نجيب: كنت رئيسا مصر، المكتب المصري الحديث، طـ5، 1988م، صـ156.
- أنور عبد الملك: في كتابه المجتمع المصري والجيش، مركز المحروسة للبحوث والتدريب والمعلومات والنشر 1998م.
- شروط الخدمة والترقية للضباط في القوات المسلحة،قانون رقــم 97 لسنة 1957 - بتاريخ 4/4/1957م
- شروط الخدمة والترقية للضباط في القوات المسلحة، مرجع سابق.
- محمد نجيب: كنت رئيسا لمصر، مرجع سابق، صـ 185، 204 وما بعدها
- محمد نجيب: المرجع السابق.
- خالد محيي الدين: والآن أتكلم، مركز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة، 1992م.
- مذكرات عبد اللطيف البغدادي: المكتب المصري الحديث، القاهرة، 1977م.
- المرجع السابق.
- المرجع السابق.
- جمال حماد: الحكومة الخفية في عهد عبد الناصر، الزهراء للإعلام العربي، القاهرة، 1986م.
- الرجل الثاني في مصر.. كيف يفكر محمود السيسي؟ عربي بوست
- تفاصيل جديدة عن تصاعد نفوذ نجل الرئيس المصري محمود السيسي
- إمبراطورية السيسي