الخلاف العماني الإماراتي.. حرب صامتة
مقدمة
من الكتمان إلى العلن، ظهر الخلاف العماني الإماراتي بعد سنوات من الصراع الصامت بين البلدين، والذي كانت وطأته تشتدُّ في الظلام.
عمان من الدول التي لها تاريخ طويل؛ حيث نافست الدول الغربية في القرن الخامس عشر الميلادي في توسيع رقعتها الاستيطانية في العديد من الدول؛ حيث استطاعت دولة اليعاربة التي حكمت في الفترة من 1624م – 1741م أن تشمل دولتها ما يعرف الآن بسلطنة عُمان ودولة الإمارات العربية المتحدة وامتدت لتشمل شرق إفريقيا وجزءًا من فارس، وعاصمتها الرستاق، كما تفوقت في فترات كثيرة اقتصاديًّا حتى تكالبت عليها الدول الغربية، وعلى رأسها بريطانيا.
وضعت مسألة الحدود كلاًّ من الإمارات وعمان في مأزق منذ زمن بعيد، كانت فيه الإمارات نفسها جزءًا من المملكة القديمة لعُمان، قبل أن يتولى الاستعمار مهمة تقسيم أراضيها فيما بينه، ثم تركها في ما بعد تحت وطأة الصراعات القبلية على الأرض والنفوذ، وهي صراعات شكلت فيها الحدود بين الدولتين مساحة متجددة لمعارك بدأت في الخمسينيات حول "واحة البريمي".
إلا أنها بعدما تحررت من الاستعمار البريطاني عمد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وراشد بن سعيد آل مكتوم إلى تجميع الإمارات السبع في اتحادية واحدة ودعيت قطر والبحرين، إلا أنهما سرعان ما انسحبا من المشروع، وأعلن في 1 ديسمبر 1971م عن دولة الإمارات، ومنذ عهد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس الإمارات، والعلاقات الإماراتية - العمانية تترسخ وتزداد نموًا إلا أنها تغيرت بعد وفاة الشيخ زايد عام 2004م (1).
حرب اليمن وكشف المستور
العلاقات بين الإمارات وسلطنة عمان المتوترة لم تكن وليدة اللحظة، ورغم أن العلاقات الاجتماعية قوية جدًّا وتربط الشعبين علاقات زواج ونسب وتجارة قوية فإن العلاقة بدأت في التذبذب بين البلدين للأطماع الاستراتيجية التي يتطلع لها حكام الإمارات، ومحاولة التحجيم الاقتصادي لموانئ عمان في نظير بسط نفوذ الموانئ الإماراتية.
فبعد فترة من الخلافات المستترة، ظهر الخلاف العماني الإماراتي للعلن؛ حيث كشف الوزير المسئول عن الشئون الخارجية في سلطنة عُمان، يوسف بن علوي، في مقابلة تلفزيونية مع قناة روسيا عن أن خلافات مسقط وأبو ظبي نشأت على خلفية الحرب التي شنّها التحالف "السعودي الإماراتي" على اليمن، وتدهور الوضع الإنساني هناك.
وتعتبر عمان الدولة الخليجية الوحيدة التي رفضت الانضمام لـ"عاصفة الحزم" عام 2015، بعد أن فضّلت التواجد السياسي فقط في تلك الأزمة، والقيام بدور الوساطة بين الغرب والحوثيين معتمدة على نفوذها في الدخول كوسيط موثوق به في أي اتفاق لإنهاء الحرب في اليمن، وهو ما أغضب السعودية والإمارات، اللتين شنّتا حربًا على السلطنة من خلال وسائل الإعلام التابعة لهما، حتى إن السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة حرَّض الولايات المتحدة على الحكومة العُمانية بذريعة "دعمها للحوثيين".
وبرز وجود عُمان في الأزمة اليمنية من خلال الاستقبال المستمر لوفد الحوثيين الذي شارك في عدة مفاوضات خارجية مع الحكومة اليمنية، أبرزها مفاوضات "جنيف، والكويت، والسويد، والأردن"، واستضافتها لقاءات جمعت قيادات الحوثيين بمسئولين أمريكيين، ورعايتها صفقات إفراج عن معتقلين يمنيين وأجانب، أبرزهم أبناء الرئيس علي عبد الله صالح، الذين كانوا في سجون الحوثيين.
وشهدت المعابر التي تربط عُمان باليمن دخول آلاف الأطنان من المساعدات الغذائية، إضافة إلى معونات نفطية مجّانية وصلت إلى 180 ألف لتر من النفط يوميًّاً، ولم تمنع الأزمة الاقتصادية التي تشهدها مسقط من إرسال المواد غذائية وأجهزة طبية وعقاقير.
إلا أنه بعد سيطرة الإمارات على المناطق الجنوبية باليمن، عملت أبوظبي على الدخول في صراع جديد مع عُمان، ولكن هذه المرة داخل اليمن؛ من خلال محاولتها السيطرة على مدينة "المهرة" (شرق اليمن)، والتي تعد العمق الحيوي للسلطنة؛ إذ تمتاز هذه المدينة اليمنية بخلجانها وموانئها الطبيعية، ومناطق سياحية خلابة، ويربطها مع السلطنة منفذا (شحن، وصيرفيت) البريان، إضافة إلى علاقات واسعة مع سكانها.
ويعود السبب في اشتعال حدة الصراع الحالي بين الإمارات وعمان، نتيجة لأن "المهرة اليمنية" لم تشهد وجودًا حوثيًا، وقد ظلت بعيدة عن الحرب في البلاد، إلا أن الإمارات قد نقلت صراع النفوذ باستخدام الموانئ إلى تلك المحافظة، التي من المحتمل أن تنشأ فيها مشروعات لربط دول مجلس التعاون الخليجي بخطوط سكك حديدية، وهو الأمر الذي يزيد من القدرة التنافسية للموانئ العمانية، وهو ما ترفضه الإمارات التي تحارب كل من يحاول أن يقلل من الأهمية الاستراتيجية لجبال علي.
وفي هذا الصدد اتهم وكيل محافظة المهرة في اليمن، بدر كليشات، الإمارات بفتح معسكرات في المهرة لتأسيس ما يسمّى بـ"النخبة المهرية"، لتقود الأمن في المحافظة التي تتسم بالهدوء وابتعادها عن مناطق الصراع باليمن.
فالواضح أن الإمارات التى تقود أجهزة أمنية يمنية تقع تحت سيطرتها، ويُديرها ما يسمى بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، الموالي للإمارات؛ وهي (الحزام الأمني، والنخبة الحضرمية، والنخبة الشبوانية)، لم تكتف بذلك، وتسعى لإنشاء "النخبة المهرية" في المهرة الحدودية مع عُمان. وتتجاهل الإمارات كون أن أي عبث بالجغرافيا بمدينة المهرة "اليمنية" له تأثير على الأمن الوطني لسلطنة عُمان، نتيجة لوجود تداخل قبلي كبير بين المهرة ومحافظة ظفار العمانية (2).
وتسعى الإمارات إلى السير نحو تنفيذ مخطط توسّعي على حساب الأراضي العُمانية، وهو ما تحاول القيام به حاليًا في الحدود العمانية اليمنية. وتتجاهل الإمارات الظهور بشكل مباشر للحديث عن صراعها مع عُمان، وتكتفي باستخدام وسائل الإعلام المختلفة المموّلة منها، وخصوصًا في اليمن، لاتهام عُمان بدعم الحوثيين، وخصوصًا عبر المنافذ البرية مع اليمن.
ويعتبر هذا التوتر غير المسبوق بين عُمان والإمارات هو ما ينذر بتهديد استراتيجي تتجاوز تبعاته الدولتين، ما لم تقم الإمارات بوضع حد لتدخلاتها في اليمن والدول العربية من أجل مصالحها وتنفيذًا لأجندات صهيوأمريكية تضر بأمن واستقرار المنطقة.
هذا غير منطقة مسندم الاستراتيجية التي تتصارع عليها الدولتان؛ حيث غادر “عبدالله بن زايد” وزير خارجية الإمارات حفل السفارة العُمانية الذي أقامته في مدينة أبوظبي بمناسبة العيد الوطني الـ48 بشكل مفاجئ، وذلك بسبب أغنية وطنية عمانية ذُكر فيها اسم محافظة “مسندم” المختلف عليها بين الدولتين.
حيث نشر متحف “اللوفر” في مدينة أبوظبي، خريطة مشوهة، استقطعت محافظة كاملة من السلطنة العمانية، وأتبعتها للإمارات؛ حيث تبدو في الخريطة محافظة “مسندم” الواقعة شمالي عُمان جزءًا تابعًا لدولة الإمارات المتحدة.
كما عملت شركة إماراتية إعلانًا ترويجيًّا لها في مارس 2018م، وضعت خلاله خريطة تضم محافظة “مسندم” العمانية إلى الحدود الإماراتية (3).
صراعات اقتصادية وانقلابات
وفي الواقع فإن خلافات اليمن ليست هي النقطة الرئيسة بين عُمان والإمارات، بل سبقتها العديد من الحوادث التي أججت الصراع الخفي؛ ففي منتصف 2008 أغلقت دولة الإمارات معبرًا حدوديًا حيويًا يصل بين مدينتي البريمي العمانية والعين الإماراتية، وأدى الإغلاق من الجانب الإماراتي - بالرغم من التوسلات العمانية للتراجع عنه - إلى سخط عماني شعبي مزدوج ضد الحكومتين، ترجمته احتجاجات سلمية وتحركات لشيوخ المناطق المتضررة من ذلك الإغلاق على الجانبين، فأعيد فتح المعبر بعد مرور وقت قصير.
وقد أشارت تقارير سابقة إلى وجود أطماع قديمة لحكام الإمارات، خصوصًا في السنوات العشر الأخيرة؛ ففي العام 2011 تمكّنت السلطات العُمانية من إحباط محاولة انقلاب للإطاحة بالسلطان قابوس بن سعيد؛ عندما اكتشفت خلية التجسّس - التي تضم مدنيين وعسكريين لتثبيت نظام موالٍ للإمارات في السلطنة - العمل على الإطاحة بالسلطان قابوس وقتله، غير أن أمير الكويت سارع بالتدخل لرأب الصدع بين الجانبين.
غير أن بعض المحللين أرجعوا هذه النقطة إلى زمن الشيخ زايد والذي أمر في منتصف السبعينيات بتشكيل خلايا في صفوف العمانيين من قبيلة "الشحوح" وكسب ولاءاتهم واستمالة بعضهم بإغراءات كبيرة للتخلي عن الجنسية العمانية وحمل الجنسية الإماراتية، وخاصة أبناء قبيلة "الشحوح" المقيمين في المناطق المجاورة لإمارة رأس الخيمة.
وأشارت مصادر خليجية إلى "أن حكام أبو ظبي يمثلون الصقور من بين حكام الإمارات وهم الذين يقودون مشروعا أمنيا وسياسيا خطيرا ضد نظام السلطان قابوس، وأبناء الشيخ زايد يتفقون في ضرورة إحداث تغيير كبير في مرحلة ما بعد السلطان قابوس؛ لضمان كسب شخصيات قيادية في سلطنة عمان، يكونون واقعين تحت تأثير القرار السياسي في دولة الإمارات؛ تمهيدًا لضم سلطنة عمان إلى دولة الإمارات في كيان كونفدرالي أو فدرالي موحد. وأكدت المصادر أن العمانيين يدركون أن ولي عهد حاكم أبو ظبي ونائب القائد العام للقوات المسلحة محمد بن زايد هو من يقف وراء المشروع الأمني والسياسي.
والسلطان قابوس والمقربون منه يدركون أن التسلح الإماراتي بهذا الشكل الذي يصفه العمانيون "بجنون التسلح" يشكل تهديدا مباشرا لسلطنة عمان، بالرغم من أن المسئولين الإماراتيين أبلغوا العمانيين رسائل مطمئنة بأن هذا التسلح ليس موجها إلى سلطنة عمان وإنما لمواجهة إيران(4).
الغريب أن سلطنة عمان اكتشفت محاولة أخرى في نوفمبر من عام 2018م؛ حيث كشف صحفيون وناشطون عمانيون عن بدء السلطات العمانية محاكمة خلية تضم مواطنين إماراتيين متهمة بالتجسس لحساب أبوظبي.
وعلّق الإعلامي العُماني نصر البوسعيدي بقوله: أعلم بأن مراهقات الأشقاء تزداد وقاحة! ونعلم أكثر بأن هناك من يسلّم اقتصاد البلاد لهم"، مضيفًاً: "لتبدأ المحاكمات ببتر الخونة مهما علت سلطتهم!! ومن ثم بتر مرضاهم وعفنهم" (5).
صراع على الأرض
لم يتوقف الصراع على الناحية الاستخباراتية والاقتصادية، بل تعدى الناحية الجيوسياسية؛ حيث أكدت مسقط أن الإمارات تقوم بـعمليات شراء غير مسبوقة لأراض وولاءات قبلية شمالي السلطنة على الحدود مع الإمارات، وقدمت أموالًا طائلة لشخصيات قبلية غير معروفة، واكتشفت ذلك في ولاية "مدحاء" العمانية التي تقع بالكامل داخل الأراضي الإماراتية.
كما قام عبد الله بن زايد بعزل الـمنتسبين إلى الجيش من أصول عمانية، فيما عرف بحملة تنظيف الجيش والأجهزة في إمارة (أبو ظبي) من العناصر التي تنحدر من أصول عمانية، وهي تحركات تشير إلى أن المشكلات بين عُمان والإمارات التي بدأت منذ انتهاء الحماية البريطانية في سبعينيات القرن الماضي لم تنتهِ، فما تزال الإمارات بعد تقسيم الإقليم العماني وتأسيس دولتها (6).
عمان وأزمة قطر
ظل موقف سلطنة عمان علامة استفهام كبيرة في كثير من المواقف والأزمات الخليجية التي مرت بها المنطقة، وهو ليس بالغريب على عمان؛ إذ إن الحياد هو موقفها تجاه العرب في الأزمات الإقليمية التي اعتادت السلطنة الظهور فيها بصورة دبلوماسية محاولة كسب كل الأطراف.
حيث اصطفت عُمان إلى جانب الكويت في الأزمة الخليجية التي خلفت حملة عقوبات وقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، إذ لم تتخذ السلطنة موقفًا مؤيدًا للمحور الرباعي الذي شكلته كل من الإمارات والسعودية والبحرين ومصر.
بل حاولت سلطنة عمان كسر الحصار وإمداد قطر بما تحتاجه من مستلزمات وبناء شبكة علاقات تجارية واستثمارية واسعة.
كما سارعت قطر إلى تدشين خط بحري مباشر يربط بين ميناء حمد من جهة وميناءي صلالة وصحار العمانيين من جهة ثانية، وذلك فور الحصار (7).
بل إنه بعد فترة وجيزة من اندلاع أزمة قطر، عرضت عُمان على الدوحة استعمال الممرات المائية في السلطنة لتصدير الغاز القطري، والإمدادات الغذائية، بل بلغ الأمر في الاستقبال العماني الحافل لمنتخب قطر الرياضي في كأس آسيا الذي أقيم على أرض الإمارات.
عقوبات عمانية
يبدو أن الأيام المقبلة ستشهد صراعات محتدمة بين الدولتين في ظل مطامع حكام الإمارات ومحاولة تحجيم سلطنة عمان، ويدعم ذلك قول عصام الرواس نائب رئيس الهيئة العامة للصناعات الحرفية في مقابلة مع إذاعة "الوصل" المحلية الذي قال: "على الجيران أن يستوعبوا أن صبر الشعب العُماني قد نفد، وأن جلالة السلطان واثق من نفسه ويعرف تاريخه وتاريخ البلد، وعنده من الأوراق والوثائق إن أراد أن يكشفها فلن نحتاج لكل هذه الضجة والضوضاء".
وفي إطار العقوبات التي تفرضها السلطنة على أبوظبي قرر مجلس إدارة الهيئة العامة لسوق المال العماني إلغاء ترخيص بنك أبو ظبي الأول من مزاولة العمل في مجال الأوراق المالية، وشطب قيده من سجل الشركات العاملة في هذا المجال (8).
يبدو أنّ التوتر بين سلطنة عُمان ودولة الإمارات قد خرج من حالة التجاذبات على شبكة التواصل الاجتماعي إلى تهديدات عُمانية بكشف أوراق دامغة ضد الإمارات، واستخدام أوراق أخرى من أجل التوضيح بوجود أزمة علاقات بين الدولتين الخليجيتين.
وتشير وسائل الإعلام العُمانية إلى هجمة صارمة وقاسية ضد الإمارات إذ تصف تصرفاتها في الاقتصاد والسياسة والثقافة بـ"الاستفزاز".
المراجع
- موقع العين الإخبارية: https://bit.ly/2YATkMp
- أيمن الأمين: جيرة وتجسس وتوتر سياسي.. قصة الصراع بين الإمارات وعُمان، https://bit.ly/2FNX85w
- مسندم” تنكأ الصراع الخفي بين الإمارات وسلطنة عمان: https://bit.ly/2FLovfl
- العلاقات بين الإمارات وسلطنة عمان توترت بعد محاولة الانقلاب الفاشلة ضد السلطنة، https://bit.ly/2OBAPmg
- أيمن الأمين: مرجع سابق، https://bit.ly/2FNX85w
- ميرفت عوف: لماذا قد تريد الإمارات إشعال الساحة العُمانية الآن؟ https://bit.ly/2UmbyBY
- علي شاكر: قطر وعُمان.. علاقات اقتصادية قوية وتوسع بالاستثمارات https://bit.ly/2YKapmS
- عُمان تفرض عقوبات على "أبوظبي: https://bit.ly/2HT4ZAR