الحلقة السابعة عشر الإخوان المسلمون والسلطة التشريعية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمون والسلطة التشريعية (الحلقة السابعة عشر)


نظرة الحكومة والباحثين للإخوان


إعداد: إخوان ويكي

بعد نجاح 37 مرشحًا للإخوان المسلمين أصبح لهم كتلة برلمانية مستقلة، يرأسها المرحوم المستشار محمد المأمون الهضيبي، ولها أمين عام هو المرحوم فؤاد حجاج وكيل الوزارة السابق، ويعاونه المرحوم رشاد نجم الدين وكيل وزارة، ومعه عدد من كوادر إدارية عليا غير متفرعين في السياحة والزراعة والإدارة المحلية.. إلخ. (1)

كان من بين البرلمانات التي هزت عرش النظام المصري، برلمان 1987، الذي تزامن أيضًا مع سيطرة كبيرة لجماعة الإخوان المسلمين في الجامعات والنقابات والشارع المصري بشكل عام، توجه النظام إلى محاولة تجميد أو مواجهة هذه الحالة التي فزع النظام منها خوفًا من أن يكون الإخوان بديل سياسي لنظام مبارك؛ وظل النظام يبحث عن مخرج تمثل في أن الظروف كانت متشابه في انتخابات العام 1984 بالحكم الذي أصدرته المحكمة الدستورية العليا؛

بأنَّ النظام الانتخابي الذي جري تبنيه في انتخابات العام 1987 لم يكن دستوريًا (بما أنَّه لم يضمن المساواة الكاملة بين المرشحين المستقلين والمرشحين على القوائم الحزبية) وبناءً عليه تم حل مجلس الشعب والدعوة إلى إجراء انتخابات جديدة في العام 1990 وقد تعامل النظام مع هذا الحكم؛ باستبدال النظام الانتخابي الذي اعتمد على القوائم والذي طبق في العامين 1984-1987 بنظام جديد للمرشحين المستقلين.

وقال هاشم ربيع في تصريحات خاصة لـسويس إنفو:

"لقد بدا نشاطهم في برلمان 1987 أكثر نُـضجا وتأثيرا، حيث ظهرت الاستجوابات الساخنة، والمطالبة المستمرة بتطبيق الشريعة الإسلامية، والاعتراض على الاعتقالات، والمطالبة بوقف العمل بقانون الطوارئ، وهو ما أدّى إلى الاصطدام مع اللواء زكي بدر، "وزير الداخلية وقتها"

ولقد صرح زكي بدر وزير الداخلية – آنذاك - بقوله:

بداية أقول إننا نفرق بين التيار الدينى الرشيد بوجه عام وبين المتطرفين بوجه خاص ، سواء أكان تطرفهم دينيا أو سياسيا وأما بالنسبة لتمثيل التيار الدينى فى مجلس الشعب فهناك قوانين تنفذ .. فللمجلس قانون ولائحة داخلية تحكم جميع أعضائه من أى جنس ومن أى صنف أو لون . وسئل الوزير أيضا عن أن وجود الإخوان فى مجلس الشعب ربما يخلق تجاوزات وحساسيات تخشاها الطائفة المسيحية ؟
فأجاب الوزير قائلا : "كل من التيار الإسلامي والتيار المسيحي يؤمن بالتعاون، وظهور ما نسميه التيار الإسلامي داخل مجلس الشعب لن يكون مدعاة للقلق من زاوية إثارة الفتنة الطائفية لأن سماحة الإسلام لا تعرف ولا تقبل أى نوع من التعصب فضلا عن أن هؤلاء لهم آراؤهم المعلنة والمعروفة مسبقا" .

ويتحدث اللواء زكى بدر عن الدور المرتقب أو مهمة الإخوان المسلمين في مجلس الشعب وإن كان مصرا على تجاهل مسماهم الحقيقي .. فيقول :

وأتصور أن التيار الديني - إذا اتفقنا على تسميته بالتيار الديني - في مجلس الشعب سوف يقف في مواجهة العناصر الدينية المتطرفة لأنها تسيء إلى الدين ذاته كما تسيء إلى الدولة وإلى الوطن كله .

ومن ناحية أخرى فلن يكون مطروحا في أي وقت قيام فكرة الدولة الدينية بالمفهوم الذي طبق مثلا في إيران الخومينى، ولكن الأمر يختلف كثيرا إذا ما أصبح التيار الإسلامي معبرا وجسر اتصال بين نظام حكم في دولة إسلامية تتخذ من الشريعة بالفعل مصدرا رئيسيا للتشريع - وهو الحادث الآن - وبين الاتجاه العام لهذه الجماعات نحو مزيد من تطبيق الشريعة الإسلامية وأقول ليست هناك اختلافات أساسية بين ما ينادى به التيار الديني المعتدل وبين سياسة الدولة الملتزمة بالدستور الذي ينص على أن الشريعة مصدر رئيسي للتشريع.

بل إن الوزير أبدى إعجابه بتنظيمهم الانتخابي الجيد و قال فى ذلك:

"وكانوا أذكياء فى رفع شعارات الإسلام التي لا يمكن أن يرفضه أحد ونحن على أية حال لسنا ضد أى اتجاه شريطة أن يتسم بالشرعية ويلتزم بالقانون، وبذلك يؤكد الوزير أن حركتهم الانتخابية تحت رصد ومراقبة أجهزة الأمن وأنهم لم يخرجوا عن الشرعية" (2)

نجح الإخوان في هذا المجلس في مناقشة القضايا الأوسع التي تهم الجمهور العام بالإضافة إلى انتقاد سجل النظام في مجال حقوق الإنسان في تعامله مع المعارضين السياسيين انتقدت الحركة سياسات الحكومة في قطاع الصحة ووسائل الإعلام وبخاصة في قطاع التعليم حيث فشلت السلطات في تطوير البنية التحتية العام والمباني الدراسية أو في معالجة مشكلة الأمية المتفشية

وأثار الإسلاميون أسئلة جدية عن موقف النظام من المشكلات المتعاظمة والمتعلقة بالبطالة والتضخم والديون والاستهلاك الكبير وخصخصة أقسام رئيسية من البنية التحتية للقطاع العام تلك كانت مشكلات معاصرة وحقيقية وأراد المصريون كافة مسلمين أو أقباط دينيين أو علمانيين رؤية عمل فوري وملموس لحلها. (3)

حل مجلس 87

أصدرت المحكمة الدستورية العليا فى 19 مايو 1990 حكماً بعدم دستورية بعض مواد قانون مجلس الشعب، وقضت بأن تكوين المجلس "باطل منذ انتخابه 1987م" ، غير أن حسني مبارك، رئيس الجمهورية -آنذاك- لم ينفذ حكم المحكمة، فاستمر مجلس الشعب قائماً نحو 4 أشهر حتى 26 سبتمبر 1990، حينما أصدر مبارك قراراً بوقف جلسات المجلس

واستخدم صلاحياته فى دستور 1971 المعمول به آنذاك ودعا الشعب للاستفتاء على حل مجلس الشعب فى 11 أكتوبر 1990م (وذلك بعد الاستفتاء الذي أجراه على رئيس الجمهورية في 5 أكتوبر 1990م)، بقرار سياسي من رئيس الجمهورية وليس تنفيذاً لحكم المحكمة، لكنه راعى إصدار قانون جديد للانتخابات بالنظام الفردي لتلافى العوار الدستوري فى نظام الانتخاب بالقائمة الذي حكمت المحكمة بعدم دستوريته.

وبعد صدور قرار رئيس الجمهورية السابق الذي تجاهل حكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان مجلس الشعب منذ انتخابه ودعا للاستفتاء على حله، تلقت المحكمة فى 4 أكتوبر 1990 دعوى "منازعة تنفيذ" طلب المدعى الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية الصادر بدعوة الناخبين إلى الاستفتاء على حل مجلس الشعب فى يوم 11 أكتوبر 1990 شاملاً جميع آثاره، مع الحكم تبعاً لذلك باستمرار تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 19 مايو سنة 1990 بعدم دستورية المادة الخامسة مكرر من قانون مجلس الشعب، وبطلان عضوية أعضاء المجلس وتشكيله.

وقبل موعد الاستفتاء بيومين، أصدرت المحكمة برئاسة المستشار ممدوح مصطفى حسن حكمها فى دعوى "منازعة التنفيذ" وقضت فى 9 أكتوبر 1990 بعدم اختصاصها بنظر الدعوى، مستندة فى ذلك إلى أن قرار رئيس الجمهورية يعد "عملاً من أعمال السيادة" التى لا تخضع لرقابة القضاء، وقالت إنه "من الأعمال السياسية التى تتحمل السلطة التنفيذية كامل المسؤولية السياسية بصدد إجرائها بغير معقب من القضاء".

وأضافت المحكمة فى حيثيات حكمها أن استبعاد "أعمال السيادة" من ولاية القضاء يرجع إلى

"اتصالها بسيادة الدولة فى الداخل والخارج وفى أنها لا تقبل بطبيعتها أن تكون محلاً للتقاضى لما يحيط بها من اعتبارات سياسية تبرر تخويل السلطة التنفيذية سلطة تقديرية أوسع مدى وأبعد نطاقاً تحقيقاً لصالح الوطن وسلامته دون تخويل القضاء سلطة التعقيب على ما تتخذه من إجراءات فى هذا الصدد".

كما قررت أن

"النظر فى أعمال السيادة أو التعقيب عليها يقتضى توافر معلومات وعناصر وموازين تقدير مختلفة لا تتاح للقضاء وذلك فضلاً عن عدم ملاءمة طرح هذه المسائل علناً فى ساحات القضاء".

وجاء نص المحكمة الدستورية:

باسم الشعب ... المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة 9 أكتوبر سنة 1990، برئاسة السيد المستشار ممدوح مصطفى حسن رئيس المحكمة وحضور السادة المستشارين الدكتور عوض محمد المر والدكتور محمد إبراهيم أبوالعينين ومحمد ولى الدين جلال ونهاد عبدالحميد خلاف وفاروق عبدالرحيم غنيم وسامى فرج يوسف أعضاء، وحضور السيد المستشار السيد عبدالحميد عمارة المفوض، وحضور السيد رأفت محمد عبدالواحد أمين السر، أصدرت الحكم الآتي فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 4 لسنة 12 قضائية "منازعة تنفيذ".

الإجراءات

بتاريخ 4 أكتوبر سنة 1990 أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالباً الحكم بصفة مستعجلة بقبول هذا الإشكال شكلاً وبوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية الصادر بدعوة الناخبين إلى الاستفتاء على حل مجلس الشعب يوم 11 أكتوبر 1990 شاملاً جميع آثاره مع الحكم تبعاً لذلك باستمرار تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 19 مايو سنة 1990

بعدم دستورية المادة الخامسة مكرراً من قانون مجلس الشعب متضمناً قضاءه ببطلان عضوية أعضائه وتشكيله مع إلزام المدعى عليهم بالمصروفات شاملة مقابل أتعاب المحاماة بحكم نافذ بقوة القانون بموجب مسودته دون إعلان تطبيقاً لحكم المادة 286 من قانون المرافعات ومع حفظ جميع الحقوق الأخرى.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها، وطلبت فيها الحكم أصلياً بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى، واحتياطياً بعدم قبول الدعوى أو برفضها. وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها. ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة، حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل فى أن المدعى أقامها طالباً الحكم بصفة مستعجلة بقبول هذا الإشكال شكلاً وبوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية الصادر بدعوة الناخبين إلى الاستفتاء على حل مجلس الشعب فى يوم 11 أكتوبر 1990، شاملاً جميع آثاره مع الحكم

تبعاً لذلك باستمرار تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 19 مايو سنة1990 بعدم دستورية المادة الخامسة مكرراً من قانون مجلس الشعب متضمناً قضاءه ببطلان عضوية أعضائه وتشكيله، وأورد فى بيان الدعوى أنه بتاريخ 19 مايو سنة 1990 .

أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمها بعدم دستورية المادة الخامسة مكرراً من قانون مجلس الشعب رقم 38 لسنة 1972 وقضى قضاء قطعياً نهائياً باتا فى أسبابه ببطلان انتخاب أعضاء مجلس الشعب وتشكيله الذى تم نفاذاً لحكم هذه المادة، واستطرد بأن المستقر عليه فقهاً وقضاء أن كل فصل فى أى مسألة فرعية فى أسباب الحكم تكتسب حجية منطوقه وتكون لها قوته فى الإثبات والنفاذ فى حق الجميع بالنسبة لأحكام المحكمة الدستورية العليا عملاً بالمادتين 48 و49 من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979

وتبدأ هذه الحجية من وقت النطق بالحكم دون أن تتوقف على تنفيذه أو على العلم به فعليا أو قانونياً، كما تنفذ الأحكام بعد إعلان المحكوم عليه بها بالوسيلة التى قررها القانون، ولذلك فإن حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر فى 19 مايو سنة 1990 تمتد حجيته ونفاذه وتنفيذه إلى المدعى وغيره من المواطنين، وبهذا المقتضى فإنه يعتبر من ذوى الصفة والمصلحة فى طلب استمرار تنفيذه وتعقب إجراءات تعطيل هذا التنفيذ عملاً بالمادة 50 من قانون المحكمة الدستورية العليا .

وأضاف أن السيد رئيس الجمهورية أصدر بياناً بتاريخ 26 سبتمبر سنة 1990 ضمنه إعلانه عن قرار أصدره استناداً إلى المادة 136 من الدستور بوقف جلسات مجلس الشعب ودعوة الناخبين إلى الاستفتاء على حله وهو ما يعنى عدم الإقرار بحجية وآثار حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر فى 19 مايو سنة 1990 المشار إليه وعدم إقرار نفاذه بعد نشره فى الجريدة الرسمية واعتبار مجلس الشعب قائماً صحيحاً دستورياً وقانونياً تخلصاً من هذا الحكم وعدم تنفيذه، ولذا فقد أقام هذه الدعوى، وفى مذكرة موجزة صمم المدعى على طلباته المتقدمة.

وحيث إن المدعى قدم بجلسة 7 أكتوبر سنة 1990 مذكرة بتوضيح حقيقة طلباته فى الدعوى فى مواجهة الحاضر عن الحكومة، طلب فيها الحكم بصفة مستعجلة بقبول الإشكال فى تنفيذ الحكم الصادر فى الدعوى رقم 37 لسنة 9 قضائية "دستورية" ، شكلاً، وباستمرار تنفيذ هذا الحكم متضمناً ما قضى به قطعياً ونهائياً وباتاً من أسبابه ببطلان انتخاب أعضاء مجلس الشعب، وترتيب جميع ما يترتب على ذلك من آثار شاملة وقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية الصادر بدعوة الناخبين إلى الاستفتاء على حل مجلس الشعب

باعتبار أن طلب وقف تنفيذه من المسائل الفرعية المترتبة على قبول الإشكال واستمرار تنفيذ الحكم المستشكل فيه، وفقاً لنص المادة 47 من قانون المحكمة الدستورية العليا، مع إلزام المدعى عليهم بالمصروفات والأتعاب وتنفيذ الحكم بمسودته تطبيقاً للمادة 286 من قانون المرافعات، ودفع فى ذات الجلسة بعدم دستورية قرار رئيس الجمهورية سالف البيان. وحيث إن الحكومة دفعت أصلياً بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى، واحتياطياً بعدم قبول الدعوى أو برفضها.

وحيث إن الدستور وقانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 قد اختصا هذه المحكمة - دون غيرها - بالرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، واستهدفا بذلك صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه وترسيخ مفهوم الديمقراطية التى أرساها، سواء ما اتصل منه بتوكيد السيادة الشعبية

وهى جوهر الديمقراطية - أو بكفالة الحريات والحقوق العامة - وهى هدفها - أو بالمشاركة فى ممارسة السلطة - وهى وسيلتها - وذلك على نحو ما جرت به نصوصه ومبادؤه التى تمثل دائماً القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام، التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة.

وإذا كانت الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح تجد أساساً لها - كأصل عام - فى مبدأ الشرعية وسيادة القانون الذى أرساه الدستور، غير أنه يرد على هذا الأصل ما استقر عليه الفقه والقضاء من استبعاد "أعمال السيادة" من مجال الرقابة القضائية، على أساس أن طبيعتها تأبى أن تكون محلاً لدعوى قضائية، وإذا كانت نظرية "أعمال السيادة" فى أصلها الفرنسى قضائية المنشأ، فإنها فى مصر ذات أساس تشريعى يرجع إلى بداية التنظيم القضائى الحديث الذى أقرها بنصوص صريحة فى صلب التشريعات المتعاقبة المنظمة للسلطة القضائية ومجلس الدولة على السواء.

وحيث إن استبعاد "أعمال السيادة" من ولاية القضاء إنما يأتى تحقيقاً للاعتبارات السياسية التى تقتضى - بسبب طبيعة هذه الأعمال واتصالها بنظام الدولة السياسى اتصالاً وثيقاً أو بسيادتها فى الداخل والخارج - النأى بها عن نطاق الرقابة القضائية وذلك لدواعى الحفاظ على كيان الدولة فى الداخل والذود عن سيادتها فى الخارج ورعاية مصالحها العليا

ومن ثم تبدو الحكمة من استبعاد هذه الأعمال من ولاية القضاء متمثلة فى اتصالها بسيادة الدولة فى الداخل والخارج، وفى أنها لا تقبل بطبيعتها- على ما سلف بيانه - أن تكون محلاً للتقاضى لما يحيط بها من اعتبارات سياسية تبرر تخويل السلطة التنفيذية سلطة تقديرية أوسع مدى وأبعد نطاقاً تحقيقاً لصالح الوطن وسلامته دون تخويل القضاء سلطة التعقيب على ما تتخذه من إجراءات فى هذا الصدد، ولأن النظر فيها أو التعقيب عليها يقتضى توافر معلومات وعناصر وموازين تقدير مختلفة لا تتاح للقضاء، وذلك فضلاً عن عدم ملاءمة طرح هذه المسائل علناً فى ساحات القضاء.

وحيث إن خروج أعمال السيادة عن ولاية القضاء يعد إحدى صور التطبيق الأمثل لأعمال المفهوم الصحيح لمبدأ الفصل بين السلطات، الذى يوجب إقامة توازن دقيق بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، بحيث تتولى كل من هذه السلطات صلاحياتها التى خلعها عليها الدستور وفى الحدود التى رسمها دون افتئات من إحداها على الأخرى.

وحيث إن إعمال هذا المفهوم الصحيح لمبدأ الفصل بين السلطات والاستجابة للحكمة والاعتبارات التى اقتضت استبعاد "أعمال السيادة" من ولاية القضاء بوجه عام قد وجدت صدى لها فى القضاء الدستورى فى الدول المتحضرة التى أخذت بنظام الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، إذ جرى هذا النوع من القضاء فى هذه الدول على استبعاد "الأعمال السياسية" - التى تعد بحق المجال الحيوى والطبيعى لنظرية "أعمال السيادة" - من اختصاصه ومن نطاق هذه الرقابة القضائية.

وحيث إن العبرة فى تحديد التكييف القانونى لأى عمل تجربة السلطة التنفيذية لمعرفة ما إذا كان من "أعمال السيادة" أم لا - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - هى بطبيعة العمل ذاته لا بالأوصاف التى قد تخلع عليه متى كانت طبيعته تتنافى مع هذا الوصف.

وحيث إن قرار رئيس الجمهورية رقم 404 لسنة 1990، بشأن دعوة الناخبين إلى الاستفتاء على حل مجلس الشعب، إنما يتعلق باستطلاع رأى هيئة الناخبين التى تمثل القاعدة الشعبية فى أمر يتصل بأخص المسائل المتعلقة بعلاقة السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية ويتصل بتكوين هذه السلطة، وهو يعد بهذه المثابة من أبرز الأمور التى تتعلق بممارسة سلطة الحكم، ومن ثم يعتبر من "الأعمال السياسية" التى تتحمل السلطة التنفيذية كامل المسؤولية السياسية بصدد إجرائها بغير معقب من القضاء.

أما عن الدفع بعدم دستورية قرار رئيس الجمهورية سالف الذكر فإن النظر فيه يفترض، ابتداء، خضوع هذا القرار - بطبيعته ومنظوراً إليه فى ذاته- لرقابة القضاء، وهو ما يتأبى عليه وفقاً لما سلف بيانه، وبذلك ينتفى اختصاص المحكمة بنظر الدعوى.

"لهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وألزمت المدعى بالمصروفات ومبلغ ثلاثين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة. (4)

وأثبتت تجربة التحالف الإسلامي عدد من النقاط أهمها:

(1) أن اتجاه الإخوان للتحالف مع حزبي العمل والأحرار في انتخابات 1987 كان مرده – إلى جانب اعتبارات أخرى – قناعتهم بأنه لا يمكن توسيع نطاق دورهم السياسي في إطار استمرار تعاونهم أو تحالفهم مع حزب كبير مثل حزب الوفد، خاصة وأن هذا الأخير قد حسم أمره وقرر أن يخوض الانتخابات منفردا دون أي تعاون - تحالف سواء مع الإخوان أو مع غيرهم
ولذلك فضل الإخوان التحالف مع حزبين صغيرين هما العمل والأحرار وهناك فوارق بينهما بالطبع، وقد كانا بدورهما أكثر حرصا على التحالف مع جماعة الإخوان للاستفادة من قاعدتها الشعبية في تجاوز شرط الـ (8 %) والحصول على تمثيل في البرلمان، خاصة وأنهما كانا قد أخفقا في تجاوز هذه النسبة في انتخابات 1984
ومن المؤكد أن جملة التغيرات الفكرية والسياسية التي لحقت بالحزبين في مرحلة ما بعد انتخابات 1984، وجعلتها أكثر قربا من الخط السياسي والفكري للإخوان كانت عاملا هاما في خلق أرضية للتحالف بين الأطراف الثلاثة.
(6) كانت جماعة الإخوان هي الطرف المسيطر في التحالف الإسلامي، وقد تجلى ذلك بوضوح في البرنامج الانتخابي وإعداد قوائم المرشحين والدعاية الانتخابية وتمويل الانتخابات، وجاءت نتائج الانتخابات لتؤكد هذه الوضعية، فمن إجمالي (60) مقعدا حصل عليها التحالف كان نصيب الإخوان (36) مقعدا، وهو ما أهل الجماعة لتكون قوة معارضة رئيسية داخل البرلمان، حيث تفوقت بفارق مقعد واحد على أكبر حزب معارض وهو حزب الوفد الجديد الذي حصل على (35) مقعدا.
(8) أكدت انتخابات 1987 أن القاعدة الاجتماعية للإخوان تنتشر بصورة أكبر في أوساط الطبقة الوسطى الحضرية، فالدوائر التي فاز فيها مرشحي الإخوان كانت بالأساس في محافظات القاهرة والإسكندرية والغربية وعدد من محافظات الوجه البحري ويصدق ذلك سواء على انتخابات سنة 1984 أو انتخابات سنة 1987، وبالمقابل فإن وجود الإخوان في معظم محافظات الصعيد يعتبر ضعيفا، ومن المفارقات أن هذه المحافظات شكلت منذ منتصف الثمانينات معاقل لجماعة التطرف والعنف، وهو أمر يحتاج إلى دراسة تفصيلية للبحث في أسباب هذه الظاهرة وخلفياتها. (5)

على العموم وضعت السلطة كل الضمانات لعدم جماح الإخوان في البرلمان ابتداء من تنصيب الدكتور رفعت المحجوب رئيسا للمجلس حتى حصار وزير الداخلية لتوسع نشاطهم البرلماني خارج القاعة وفى ربوع القرى المصرية تحت حماية الحصانة البرلمانية. هذا وكان الإخوان قد حاولوا تكوين حزب سياسي أو الانضمام لحزب سياسي حينما وجدوا التضييق من قبل النظام الحاكم وتعمده وضع القوانين التي تحجم الإخوان المسلمين ومحاولاتهم المشاركة في الحياة السياسية

وخلال العامين السابقين لانتخابات 1987 طرق الإخوان أكثر من بديل:

أولها: السعي من أجل الحصول على ترخيص بإنشاء حزب سياسي للإخوان المسلمين وقد أكد على ذلك المرحوم الأستاذ عمر التلمسانيالمرشد العام السابق للإخوان بقوله: "فلما سدت في وجهنا كل الطرق لمباشرة دعوتنا والتعبير عن آرائنا فكرنا في أن نسلك طريقا يظهر صورة من صور نشاط الإخوان ولكنه ليس دعوة الإخوان، ولهذا فكرنا في إعلان حزب وبدأنا في الدراسات الخاصة به وسنتقدم قريبا بطلب إلى لجنة الأحزاب لإشهار حزب".
وثانيها: الانضمام إلى حزب الأمة الذي يرأسه الأستاذ أحمد الصباحي، وبغض النظر عن التفاصيل التي نشرتها بعض الصحف والمجلات بخصوص هذا الموضوع، إلا أنه من الأهمية بمكان تسجيل ما ذكره الأستاذ عمر التلمسانيالمرشد العام السابق للإخوان – بهذا الخصوص
حيث قال: "بعد حصول السيد أحمد الصباحي على حكم بقيام حزبه جاءني ومعه ورقة فلوسكاب بها توقيعات من 20 – 30 عضوا من مؤسسي الحزب وطلب مني أن أكون رئيسا للحزب وبالفعل دارت بيننا وبينه مفاوضات، ولكنه فاجأنا في الجرائد بقوله إننا عرضنا عليه أموالا واشترطنا أن نحتل مراكز الحزب القيادية وأردنا أن نخضعه لرأي الإخوان ففشلت في هذا الموضوع تماما ولم أتحدث معه في شيء أبدا".
ثالثها: الانضمام إلى حزب الأحرار، وقد سبقت الإشارة إلى بعض أبعاد هذا الموضوع التي لخصها الشيخ صلاح أبو إسماعيل بقوله: "وقد حاولوا – أي الإخوان – الاتفاق مع حزب الأمة فتعذر ذلك الاتفاق، ثم تفاوضوا مع حزب الأحرار فقبل جميع شروطهم وزيادة، ومع ذلك بقي في أنفسهم ما يدعوهم إلى التريث ومزيد من الدرس". وعموما فلم يتمكن الإخوان من تحقيق أي من البدائل الثلاثة السابق لأسباب عديدة ليس هنا مجال الخوض فيها. (6)

المراجع

(1) الحياة الحزبية.. الأحزاب الجديدة، عصام العريان

(2) محمد الطويل ، مرجع سابق

(3) السعيد العبدي، مرجع سابق

(4) صحيفة الأهرام أيام 20/5، 27/ 9، 10/ 10، 13/ 10/ 1990م

(5) الإخوان المسلمون والسياسة فى مصر، مرجع سابق، ص435 -438.

(6) الإخوان المسلمون والسياسة فى مصر، مرجع سابق، ص287.