الحلقة الخامسة الإخوان المسلمون والسلطة التشريعية
- إعداد/ إخوان ويكي
ورأى الإخوان أن الفرصة سمحة لتطبيق قرارهم الماضى، ولكنهم مع ذلك كانوا حريصين أشد الحرص على ما أخذوا به أنفسهم من سنة التدرج فلم يتقدم منهم إلا المرشد العام، وفى دائرة الإسماعيلية بالذات التي كانت بصفة أعظم تهيئة لتلقى هذا الترشيح ومناصرته بكل سبيل، وحدد مكتب الإرشاد العام فى نشرته بتاريخ المحرم سنة 61 مارس سنة 1942 موقف الإخوان فى هذه الانتخابات تحديدًا واضحًا دقيقًا، هذا نصه "ويتساءل البعض عن موقف الإخوان فى هذه الانتخابات
والجواب على هذا أن الإخوان لابد أن يكون لهم موقف إيجابى إنقاذًا لقرار المؤتمر السادس وقد قرر المكتب ذلك وقسم المرشحين إلى ثلاثة أنواع:
- 1- من سيتقدمون على مبادئ الإخوان سافرة، وهؤلاء سيساعدهم المكتب بكل قواه ويجب على كل أخ أن يساعدهم كذلك ما استطاع، والمعروف من هؤلاء الآن المرشد العام عن دائرة الإسماعيلية، والأستاذ محمد عبد الرحمن نصير عن دائرة بنها.
- 2- من قدموا للإخوان خدمة سابقة، واتصلوا بالإخوان من قبل ثقة وثيقة وبدا منهم حسن الاستعداد للفكرة الإسلامية، وهؤلاء سيناصرهم المكتب والإخوان أيًا كانت ألوانهم السياسية على أن تكون المناصرة بحكمة ولباقة، وهؤلاء لا يعرفون إلا بعد ظهور الترشيحات، وحينئذ سيرسم المكتب لكل دائرة طريق مناصرتها لمرشحها هذا.
- 3- بقية النواب الذين لم تسبق للإخوان صلة بهم، وهؤلاء يناصر الإخوان منهم القوى المتدين الذي لا يجاهر بالعصيان، ويأخذون عليه العهد والموثق فى وضوح وصراحة أن يكون إلى جانب الفكرة الإسلامية، وأن يخدمها فى البرلمان، وسيكتب المكتب كذلك لكل دائرة عند ظهور الترشيحات بتوجيهاته المفصلة فى هذه الناحية.
وقد انتهى هذا الدور الانتخابى بما تعلمون من تنازلى عن الترشيح بناء على محاولات رئيس الحكومة رفعة النحاس باشا الذي صرح بأنه أمام تبليغ من الإنجليز فإما التنازل وإما إعلان الحرب على الإخوان المسلمين بكل وسيلة فى الوقت الذي كنا نحن أحرص ما نكون على ألا نصطدم بقوة مصرية لتستفيد من هذا الاصطدام الدسائس الإنجليزية، وكنا نعمل جاهدين على ادخار هذه القوى جميعًا، وعدم تعريضها للضياع والتفريق إبان الحرب؛ لتعمل متكاتفة حين تنتهى، ويجىء الوقت المناسب فى سبيل الوطن والأمة والإسلام وبهذا التنازل تفادينا هذا الاصطدام فعلاً، وتمكنا من السير بالدعوة فى طريقها المرسوم رغم ما تجدد بعد ذلك من عقبات وتفصيل ذلك معلوم لديكم، وسنزيده إيضاحًا فى المذكرات إن شاء الله.
وأقيلت وزارة النحاس باشا فى أكتوبر 1944، وجاءت وزارة أحمد باشا ماهر رحمه الله، وحل مجلس النواب, باشرت الحكومة إجراءات الانتخابات من جديد، ودارت الساقية المعروفة دورتها المألوفة وامتنع الوفد عن دخول الانتخابات كما امتنعت الأحزاب من قبل، وكان الإخوان أمام قرار المؤتمر السادس من جهة وأمام التزامهم لأهل دائرة الإسماعيلية من جهة أخرى، وأمام ما يأملون ويعلمون بالتجربة من أن البرلمان هو الرئة الوحيدة للتنفس، واستنشاق بعض نسمات الحرية فى ظل الأحكام العرفية الخانقة يرون أنه لا بد لهم من التقدم إلى الترشيح من جديد، ومع هذا فلم يقدموا على هذه الخطوة إلا بكل حكمة ورزانة وتعقل، وإلا بعد أن كاشفوا رجال الحكومة القائمة بأنهم لا يقصدون بذلك إحراجها ولا مناوأتها، وإنما يريدون أن يزاولوا حقًا مكفولاً لكل مواطن بطريقه المشروع ومع هذا الاحتياط فقد اجتمع مكتب الإرشاد العام وأصدر قرارًا واضحًا وأعلنه على رءوس الأشهاد وفى الصحف والجرائد السيارة "بأن هيئة الإخوان لا ترشح أحدًا من أعضائها بصفته الإخوانية وأن من يرون أن يتقدموا إلى الترشيح فإنهم يتقدمون بصفته الشخصية كمستقلين، ولهذا فإنه محظور أن تستخدم دور الإخوان لدعاية انتخابية، أو أن يظهر خطباؤهم ورؤساءهم والبارزون منهم فى الحفلات التي تقام لهذا الغرض إلا بصفتهم الشخصية كذلك".
وقد رجا المكتب بعد ذلك عددًا كثيرًا من الإخوان أن يعدلوا عن الترشيح والتقدم حتى أصبح عدد المتقدمين من الإخوان لا يزيد على بضعة أفراد: المرشد العام فى الإسماعيلية والأستاذ محمد نصير فى بنها والأستاذ أحمد السكري فى الفاروقية والأستاذ عبد الفتاح البساطى فى الفيوم والأستاذ عبد الحكيم عابدين فى مطر طارس والأستاذ محمد حامد أبو النصر فى منفلوط, أما محمد أفندى حمودة الذي رشح فى دائرة السويس فقد نهى عن ذلك نهيًا صريحًا فلم يصغ إليه وأبى إلا أن يتقدم لثقته بأصدقائه وإخوانه ومحبيه فى هذه الدائرة التي كان له فيها جهاد مشكور، ولأسباب خاصة حالت الظروف دون التقدم للانتخابات.
وفى هذه الأثناء انتهت فترة من فترات التجديد النصفى لمجلس الشيوخ فلم يشأ الإخوان أن يتقدموا لأنهم يمتازون بحمد الله بميزتين تحول بينهم وبين دخول هذا الباب "الفقر والشباب" ولعل ذلك هو الخير كل الخير للدعوة والداعين ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾[الأحزاب: 36]، ﴿لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾[الحديد: 23].
لقد أقدمنا على هذا الميدان مخلصين كل الإخلاص برآء كل البراءة مدفوعين إليه بحب الخير، والحرص على المصلحة، والغيرة على الدعوة المقدسة، والرغبة فى اختصار الوقت، وإعلان رسالة الإصلاح الإسلامى من فوق هذا المنبر الرسمى، وما كان يدور بخلدنا، أو يخطر ببالنا أن يتصور فرد واحد ما تقوله الناس بعد ذلك من أن هذا انحراف عن الخطة الوطنية المجردة إلى الحزبية السياسية البغيضة، وأنه استغلال للدعوة البريئة أريد به الوصول إلى الجاه الدنيوى والكرسى الحكومى، وأن الإخوان بعد أن كانوا دعاة دين قد أصبحوا محترفى سياسة وأنهم بذلك ينافسون الأحزاب القائمة ويناوئونها ويخاصمونها، ويعلنون عليها حربًا لا هوادة فيها، فعليها أن تعلن عليهم الحرب من كل مكان، وأن تتغدى بهم قبل أن يتعشوا بها، هذه التي ما كانت تخطر لنا ببال والتي ينقضها من أساسها مسلك الإخوان فى دورتين من دورات الانتخابات، فإن الذي يتابع ما ذكرنا من خطوات سابقة يخرج ولا شك بالنتائج الآتية:
- 1- أننا لم نكن نطلب من وراء هذا الترشيح حكمًا ولا مغنمًا بدليل أننا لم نقدم فى المرة الأولى إلا اثنين وفى المرة الثانية إلا ستة.
- 2- وأننا لم نقصد بذلك مناوأة أحد أو خصومته بدليل أننا تنازلنا فى المرة الأولى، وتفاهمنا فى المرة الثانية، وأعلنا فى كلا المرتين أننا نشجع أهل الخير والصلاح مهما كانت ألوانهم الحزبية.
- 3- أننا لم ننحرف بذلك عن نهج الدعوة القويم، وصراطها المستقيم فقد أعلنا فى وضوح، وخصوصًا فى المرة الثانية أن المرشحين إنما يتقدمون بصفتهم الشخصية لا بصفتهم الإخوانية، وأن من واجب الإخوان أن يناصروا من المرشحين من يأملون فيهم العمل لصالح الفكرة الإسلامية هذا فضلاً عن أن نجاح الإخوان فى البرلمان من خير ما يساعد على ظهور الدعوة وقوتها ونجاحها، وهو حق مكفول لكل مواطن ومن الظلم أن يحرم منه شخص بسبب انتسابه إلى الدعوة أو جهاده فى سبيل الفكرة.
ولكن هكذا كان وانطلقت الألسنة بقالة السوء تكيل الاتهام وتلغ فى الظلام، ووقفنا نحن أمام هذه الحملات الظالمة مستغربين مندهشين آسفين، نقول كما قال سيدنا وهادينا وإمامنا من قبل: "اللهم اهد قومى فإنهم لا يعلمون"، ونتمثل قول الله الحق المبين: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِى الْجَاهِلِينَ * إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِى مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾]القصص: 55-56].
ويقول بعض الخلصاء الذين لا يتهمون فى رأى ولا نصيحة: إنكم تعجلتم الأمر قبل الأوان، وكان عليكم أن تنتظروا فترة طويلة حتى يتم النضج الشعبى، ويكتمل الوعى القومى، وحينئذ تكونون المطلوبين لا الطالبين والمدعوين لا الداعين، وسواء أكان هذا القول صحيحًا كل الصحة أم مبالغًا فيه بعض المبالغة، فحسبنا أننا ما قصدنا إلا الخير، وما أردنا إلا النفع وما تحرينا إلا ما اعتقدنا أنه الحق، وعلم ما بعد ذلك عند الله العليم الخبير، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، ولكل مجتهد نصيب إن أصاب فأجران، وإن أخطأ فأجر واحد، وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم.
والآن وقد قاربت دورة مجلس النواب الحالى الانتهاء ولم يبق إلا عام واحد على الانتخابات الجديدة، ما لم يطرأ ما ليس فى الحسبان، يتساءل الناس عن موقف الإخوان من الانتخابات القادمة هل يقدمون أم يحجمون؟ ولكل من الرأيين مرجحاته ومبرراته وحسناته وسيئاته، وإليكم بعض ما يقال من ذلك، والخير يقدمه الله ﴿مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾[القصص: 68].
يقول الذين يرون التقدم والإقدام:
1- إن الإخوان قد جاهدوا عشرين سنة أو تزيد حتى وضحت للناس فكرتهم، واستبانت مقاصدهم، واجتمع لهم من القلوب والأنصار ما لم يجتمع لغيرهم، وإن لهم من تأثير دعوتهم ودقة نظامهم وشعلة حماستهم ما يضمن لهم النجاح مائة فى المائة، هذا مع ملاحظة تفكك الأحزاب من غيرهم، واختلاط مناهجها بل فقدان هذه المناهج وضعف تشكيلاتها، بل انعدام هذه التشكيلات وعجز رجالها وقادتها... فكيف يسمح الإخوان لأنفسهم أن تفلت هذه الفرصة من أيديهم، وهى إن أفلتت فلا يدرون ما سيكون عليه الحال بعد ذلك.
2- هذا مع تطور الحوادث العالمية، وجسامة التقلبات الدولية، وتعرض الشعوب العربية والإسلامية إلى كثير من التطورات التي تفرض على الغيورين عليها، والحريصين على مصلحتها أن يكونوا فى مراكز تسمح لهم بالتوجيه والتواجد الحقيقى، ومن أولى بذلك وأقدر عليه من الإخوان، وهم قد درسوا هذه القضايا، ومارسوا الجهاد فى سبيلها بألسنتهم وأقلامهم ودمائهم وأرواحهم، ونفذوا بذلك إلى دقائقها وخفاياها، وأصبحوا أعرف الناس بمواردها ومصادرها فكيف يرضون لأنفسهم أن يتخلفوا عن الركب ويقعدوا فى ساعة العسرة، وما الفرق بين هذا الموقف وموقف التولى يوم الزحف، والفرار عند لقاء الخصم وعهدنا بالإخوان أنهم الكرارون لا الفرارون أسرع الناس إلى تلبية النداء وإجابة الدعاء.
3- ولنكن مع هذا صرحاء فى الحق لا تأخذنا فيه لومة لائم، فنقول: هل أمام أصحاب الدعوات، وحملة الرسالات فى هذا العصر من سبيل مشروعة إلى تحقيق مقاصدهم، والوصول إلى أهدافهم إلا هذه السبيل الدستورية السلطة التشريعية أولا، فالسلطة التنفيذية بعد ذلك، وإنما يكون طلب الحكم والسعى إليه عيبًا وعارا وسبة إذا أريد به الجاه الزائف والعرض الزائل، أما أن يقصد من وراء ذلك تحقيق مناهج الإصلاح، وإظهار دعوة الخير، وإعلاء كلمة الإسلام والحق فلا عيب فيه ولا غبار عليه بل لعله يكون من أقدس الواجبات وأعظم القربات، ويجب أن نطلب ونسعى إليها لأنفسنا بل لدعوتنا ورسالتنا ليحكم الناس بعد ذلك لنا أو علينا أما هذا الموقف السلبى فليس وراءه إلا ضياع الوقت بغير طائل، وإلا فما هى الوسيلة التي يراها الإخوان لتحقيق رسالتهم غير التقدم إلى البرلمان؟ الوعظ والإرشاد والدعوة والإقناع ومخاطبة النفوس والأرواح وهى سبيل الفلاسفة والخيالين لا سبيل المصلحين العمليين.
4- ثم ما لكم تنفرون من الانتخابات فى مصر، وقد تقدم الإخوان سافرين إلى الانتخابات فى سورية فنجح منهم سبعة فى البرلمان السورى، كانوا بحمد الله مفخرة الشباب، وزينة النواب، وأصبح للدعوة فى القطر الشقيق كلمتها المسموعة، ورايتها المرفوعة.
5- وإذا قلتم: إن ذلك سيصبغنا بالصبغة الحزبية، وسيجر علينا الخصومات السياسية، وسيلون الدعوة بغير لونها الحقيقى، ويقذفها بسيل من الاتهامات المغرضة نحن فى غنى عنه، ويباعد بيننا وبين كثير ممن يرجى منهم الخير ويجعلنا حزبًا فى مصاف الأحزاب، مع أننا نؤمن ونعتقد ونقول: إن دعوتنا بشمولها وعلوها وسموها تفوق الأحزاب، والجواب على هذا، أن العبرة بالمقاصد والغايات لا بالظاهر والشكليات وبالحقائق والمسميات لا بالأسماء والصفات وما دمنا بمقصدنا ودعوتنا وأسلوبنا فوق الخصومة الحزبية والغايات الشخصية والمطامح المادية فلا يضيرنا أبدًا ما يقول الناس وسيجذب الله إلينا قلوب أهل الخير -أينما كانوا- وسيكون انصراف المنصرفين عنا دليلاً على تخير الله لنا ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم، وأية دعوة هذه التي تريد إلا يكون لها خصوم وأعداء، وسنة الله الماضية فى الدعوات أن تظل هدفًا لسهام الخصومات والاتهامات ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ*وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾[العنكبوت: 2-3]، وما دمنا فكرة سامية ودعوة عالية، وجماعة نقية، وأمة تقية، فليقل الناس: حزب أو غير حزب، وليظنوا بنا ما شاءوا، فإن الظن لا يغنى من الحق شيئًا، ومهمتنا أن نحاول بالدعاية الصادقة والجهود الدائبة أن تصحح الأفهام، وتحارب الأوهام، فمن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها، وما أنا عليكم بوكيل.
ويقول الذين يرون أن نحجم عن التقدم إلى الانتخابات بتاتًا أو هذه الدورة على الأقل:
1- إنه مع التسليم بما هو معروف عن الإخوان فى كل مكان من أكثرية ساحقة، وأنهم بنصاعة فكرتهم وتأثير دعوتهم ودقة نظامهم، وتعلق القلوب بهم، وأن الأمة المصرية تستجيب لدعوة الدين، وصوت الإيمان واليقين، وبما يقابل ذلك من تفكيك بقية الأحزاب والهيئات وإقلالها من المناهج والأعمال سيضمنون النجاح مائة فى المائة.
2- ولقد أثار تقدم الإخوان للانتخابات فى الدورتين الماضيتين غبارًا كثيفًا أخفى لمعان إخلاصهم عن العيون، وحجب إشراق دعوتهم عن كثير من القلوب، وصرف عنهم كثيرًا ممن كان يرجى منهم الخير فعلاً، ولكن لهم من ظروفهم أو أسلوب تفكيرهم ما يجعلهم يؤثرون العافية، ولا يريدون أن يقتحموا هذه المزالق مع المقتحمين ومن الخير والحق كذلك أن نكون صرحاء فنقول: إن الإخوان أمام تألب خصومهم على اختلاف أحزابهم عليهم، وأمام موجات الاتهامات الباطلة الغامرة التي وجهت إليهم، وأمام أساليب التهريج المضللة التي حوربوا بها أمدًا طويلاً، وأمام المفاجأة بهذا كله مفاجأة لم يكونوا ينتظرونها لطهر نفوسهم، وسلامة طويتهم، وتعففهم عن مثل هذه الأساليب لم يستطيعوا أن يحولوا بين جانب كبير من الرأى العام الشعبى، وبين التأثر بهذه الدعايات المضللة، فمن هذا الجانب من انصرف لشأنه، ومنهم من وقف يترقب نتيجة المعركة هواه مع الإخوان، وحجاب التضليل قائم بينه وبين ما يهوى، ومن الخير للإخوان ومن الرحمة بالناس. والرحمة أخص خصائص أهل الدعوة أن تعمل على غشيان هذا الميدان وأن من أدب الإسلام الذي أدبنا به رسول الله "ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه"(أخرجه البخاري) "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"(أخرجه الترمذي).
3- وأيضًا فإن الإخوان ينظرون إلى هذا النظام الحزبى بصورته الحاضرة على أنه نظام لا يرتاحون إليه، وليس معنى هذا أنهم ينكرون المبادئ الشورية أو القواعد الأساسية التي قام عليها النظام الدستورى المصرى وكلها من حيث المبادئ العامة تتفق تمامًا مع الإسلام، وإذا كان هذا هو رأى الإخوان، فلماذا يورطون أنفسهم؟!
4- وإذا قيل فى الوسيلة أذن إلى تحقيق الفكرة، كان الجواب على ذلك لا دخول انتخابات وعلى الجميع أن يستقيموا على أمر الله العزيز الحميد بعيدين عن مواطن الشبهات، ومزالق الاتهامات، دعاة مؤمنين مجاهدين نعبد الله مخلصين له الدين حنفاء لله رب العالمين، نقيم الصلاة، ونؤتى الزكاة، ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر حتى يفتح بيننا وبين الناس بالحق، وهو خير الفاتحين وذلك دين القيمة.
وبعد: فهذه حجج الطائفتين، ومنطلق الفريقين، أضعه أمام أنظاركم، ثم أقترح عليكم بهذه المناسبة اقتراحًا، أرجو أن يظفر بموافقتكم، فإن أسوأ الرأى الفطير، ونعوذ بالله من الرأى الدبرى.
أقترح أن ننتهز هذه الفرصة من الآن إلى الانعقاد العادى للهيئة فى المحرم -إن شاء الله، فنوجه الإخوان وإلى من شاء أن يدلى بدلوه فى الدلاء. فهل يحق للإخوان المسلمين الابتعاد عن الانتخابات الحزبية، أم أن الخير للدعوة وأبنائها فى اقتحام ميدان الانتخابات النيابية والتمثيل فى هذه الهيئات الرسمية؟
وإذا كنت ترى ألا يتقدم الإخوان إلى الانتخابات، فهل لهذه الدورة فقط أم فى كل الحالات والدورات؟!
وإذا كان من رأيك عدم التقدم، فهل تجيز أن يتقدم من شاء من الترشيح مستقلاً بصفته الشخصية لا بسمعته الإخوانية؟ (على أن يكون مفهومًا أن ذوى الصفات البارزة فى الإخوان، كالمرشد والوكيل، والسكرتير العام والأمين خارجون عن هذا الجواز لصعوبة الفصل بين صفاتهم الخاصة والعامة).
كما أقترح أن ترسل الإجابات من الآن إلى ما قبل الموعد المضروب بأسبوعين باسم اللجنة السياسية للإخوان المسلمين، ثم تقوم بفحص الردود وكتابة تقرير وافٍ بنتيجة الاستفتاء، وبرأيها فى الأمر يتلى على الهيئة، وتقول فيها كلمتها التي يصدر عنها الإخوان، ويحددون على ضوئها موقفهم من الانتخابات القادمة، على أن يكون مفهومًا تمام الفهم أن من واجب الإخوان أن يبادروا بقيد أسمائهم وتسجيلها فى جداول الانتخابات فى ديسمبر القادم إن شاء الله، وأن ينظموا شئونهم فى هذه الناحية أدق التنظيم فإنهم إن لم يكونوا مرشحين فسيكونون على أية حال ناخبين، ولن يضيرهم الاستعداد شيئًا، وقد قيل "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا" والله أسأل أن يلهمنا جميعًا السداد والرشد، وأن يوقفنا لكلمة الحق وعمل الخير وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (1).
ويقول صالح عشماوي إن الإخوان يطالبون باحترام الدستور:
ولأن الله يريد بعباده اليسر، ألهم طائفة من أبناء هذا البلد المسلم، أن يطالبوا بإقامة شرع الله فيما بين الناس، وإلا لأثم الجميع، سواء على فرض العين أو فرض الكفاية، إن الإخوان المسلمين، الذين طالبوا بتطبيق شرع الله منذ قيامهم بدعوتهم هم الذين يطالبون اليوم، باحترام النص الذي يؤازرهم اليوم في منهاجهم، ولئن جاء هذا النص الدستوري ليعلن اعترافًا صحيحًا، بأن الإخوان المسلمين كانوا ولا يزالون على حق في المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية، إلا أن هذا النص وحده لا يكفي في جدية الأمر، بل المطلوب فعلا أن يخرج هذا النص الذي كتب بكلمات صامتة، على أوراق ميتة إلى عالم التطبيق والتنفيذ، ليؤمن الشعب أن الذين وضعوا هذا النص في الدستور، إنما يعنون ما يقولون، ويحترمون ما يكتبون، أو أنهم يقولون ما لا يفعلون، أو يفعلون ما لا يقولون، يجب تطبيق هذا النص وفورًا، وآية احترام الدستور اليوم، أن تنحى عن الحكم وزارة تجافي الدستور في تصرفاتها، ويجب أن يحل مجلس الشعب فورًا، لأنه تخلى عن أول واجبات وجوده، واجب تنفيذ الدستور قولا وعملا، وكيف يا ترى يجد النواب أنفسهم عندما يحاسبهم ربهم على ما أدوا من وفاء نحو دستور يقرر الشريعة الإسلامية مصدرًا للتقنين عن طريقهم، ثم هم لا ينفذون هذا النص، بل ويعطلونه بإقرارهم لقوانين لا تستند إلى هذا النص الواضح الصريح (2).
ولحساسية هذا الموضوع الذي كان جديدا على فهم الناس قامت مجلة الإخوان المسلمين بعمل حوار مع الدكتور محمد أبو زهرة (أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق بجامعة فؤاد الأول(القاهرة حاليا) طرحوا عليه بعض الأسئلة التي كانت تلوكها الألسنة وتجد صدى كبير عند الناس فأجلى بإجابته الأمر، وكانت على النحو التالي:
س- ما رأيكم فى أن يرشح بعض الإخوان المسلمين أنفسهم لكراسى النيابة فى مجلس الشورى فى مصر؟
- ج- إن ترشيح بعض الإخوان المسلمين الذين يستمسكون بالعروة الوثقى، والدين الاعتبار الأول فى نفوسهم أمر واجب جد واجب؛ لأنه يحمى جماعة الإخوان وينشر دعوتهم، ويفيد الحياة النيابية فى مصر.
أما حمايته لجماعة الإخوان؛ فلأن وجود نواب يمثلونهم يمكن الجماعة من أن ترفع صوتها فى دار الشورى بالشكاة العادلة مما عساه يقع على أعضائها من: المظالم، أو اضطهادات، أو نحو ذلك مما تتعرض له الجماعات فى مصر.
وأما أنه سبيل لنشر فكرتها؛ فلأنها تمكن ممثليها من أن يدلوا بآراء الجماعة الصحيحة فى كل ما يعرض من قوانين تدرس فى دار الشورى من مسائل إدارية ونظامية، وإن صوتهم سيكون صوت الإسلام يتردد تحت قبة البرلمان، وهو رقابة قوية تستمد قوتها من الدين كضمان وثيق لكى تسير أمور الدولة فى جل أمرها غير متجانفة عن الإسلام، ولا مجافية لأحكامه.
وأما فائدتها للنيابة فى مصر؛ فلأن نواب الجماعة سيكونون ممثلين للفكرة فوق تمثيلهم لناخبيهم، وسيعملون تحت سلطان هذه الفكرة على أن يكونوا رقباء على الحكومة فاحصين لأعمالها -ناقدين أو مؤيدين- على أساس من القسطاس المستقيم، وبذلك يعلم سائر النواب، وتعلم الأمة أن عمل النائب ليس التردد فى الدواوين حاملاً للشفاعات، متوسلاً بالرجاء لقضاء الحاجات، فلا يكون عنده قوة للاعتراض على من توسل إليهم، ولا للرقابة عليهم.
إن عمل النائب الذي خلق له أن يراقب الوزراء لا أن يرجوهم، وأن يصلح الإدارة المصرية لا أن يفسدها، وأن يقطع السبيل على من يجعلون الأمور تسير بالشفاعة والضراعة، لا أن يروج الشفاعة فى صفوف القائمين بالأمر فى الكافة.
على هذه الجادة يسير ممثلو الإخوان، فيكونون مثلاً صحيحًا لممثلي الأمة، وما يجب أن يكون عليه النائب الذي يعرف غايته وغرضه وهدفه.
س- إن بعض الإخوان يقول: إن دخول نائب من الإخوان يقتضى ضمنًا الرضا بكل القوانين الحاضرة التي تسير عليها مصر، ومن هذه القوانين ما ترى الجماعة وجوب تغييره؛ ولذلك يتحرج هؤلاء من فكرة ترشيح بعض الإخوان لأنفسهم، فما رأيكم فى ذلك؟
- ج- إن المقرر فقهًا ومنطقًا أن الدلالات الضمنية لا تتعارض مع الدلالات الصريحة، وقد أعلنت الجماعة فى كل دعواتها وجوب تغيير ما ترى تغييره من قوانين الدولة، فلا يمكن أن يكون دخول نواب منها دالاًّ على رضاهم بهذه القوانين، إلا إذا أعلنوا الرضا صراحة حتى يلغوا كلامهم الأول، وإن الطريق المعبد لتغيير ما يراد تغييره من قوانين هو دخول دار الشورى؛ لأن القوانين تغير بها.
ولو قلنا: إننا لا ندخل حتى تتغير القوانين التي نرى تغييرها فعلاً لكان معنى ذلك أن الإخوان لا يدخل أحد منهم دار الشورى إلا بعد الوصول إلى الغاية الكبرى للإخوان، وكأنهم بذلك يصدون أنفسهم عن باب من أبواب الجهاد، والجهاد باب من أبواب الجنة.
وإذا كان بعض الإخوان يتحرج من قسم النائب باحترام الدستور فليس لتحرجه معنى؛ لأن الدستور فى لب معناه تنظيم للشورى، ووضع حدود ورسوم لها، وليس فى ذلك أى مجافاة للقرآن العظيم؛ لأن الشورى جاء بها القرآن فقال: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾[الشورى: 38]، ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِى الأمْرِ﴾[آل عمران: 159]، وليس ذلك بمانع من أقسم باحترام الدستور من أن يسعى فى تغيير بعض القوانين التي تخالف الإسلام وتجافى أحكامه، وإلا لكان معنى ذلك أنه ليس للنواب أن يغيروا أى قانون، وذلك قول بعيد عن المنطق بعده عن الواقع وعن الدستور وعن نصوصه وأحكامه ومعانيه (3).
الهامش
(1) الإخوان المسلمون اليومية، العدد (719)، السنة الثالثة، 2ذو القعدة 1367ه- 5سبتمبر 1948م، ص(7، 10)
(2) الدعوة – العدد (55) – محرم 1401هـ / نوفمبر 1980م.
(3) مجلة الإخوان المسلمين النصف شهرية، العدد (47)، السنة الثانية، 2ذو الحجة 1363ه- 18نوفمبر 1944م، ص(7).