التاريخ الأدبي للإخوان المسلمين
مقدمة
هذا كتاب يفتتح مسارًا جديدًا لم يسبق لأحدٍ أن سار فيه، ويرد سهامًا طائشةً عبث بعض الأغمار الصغار محاولاً تصويبها إلى صدر جماعة الإخوان المسلمين، وأظن أن هذا الكتاب الذي نعرضه ونقرؤه أجاب إجابةً عمليةً تطبيقيةً على كثيرٍ من الأسئلة التي كان يُثيرها بعض السائلين الذي صاغ سؤاله كما يلي:
هل يُعدُّ أديبًا إخوانيًّا كلُّ مَن يُظهر تحيزًا معرفيًّا لأفكار الجماعة التي تميِّزهم عن سواهم من الإسلاميين؟
أم أن الأديب الإخواني هو المنتسب تنظيميًّا لهذا الهيكل الإخواني وهو معروف لدى الجماعة بأنه عضو عامل لديهم؟.
وبغض النظر عن الدافع وراء أمثال هذين السؤالين، فإن كتاب د. جابر قميحة انسجم مع السائد في الفكر الإخواني، وهو عدم قصر الانتماء على التنظيم، ولعل العبارة الشهيرة "كم منا وليس فينا" وجدت مجالاً خصبًا لظهور آثارها الصادقة فيما فعله الدكتور جابر قميحة عندما قرَّر- على سبيل التنبيه- أن اعتبار إخوانية الشاعر خاضعة لما يلي:
1- إذا كان الشاعر إخوانيًّا حتى لو كانت إبداعاته الشعرية منشورةً في غير صحف الإخوان، أو منتشرةً في غير محافلهم.
2- إذا لم يكن الشاعر منتسبًا للجماعة ولكن شعره ذو طوابع إسلامية، ونُشر في مجلات الجماعة وصحفها.
وأنا أحب أن أقف طويلاً أمام هذه الروح غير المنغلقة وغير المتحيزة، التي أكَّدت أن الجسم الفكري للإخوان يتشكَّل من أبناء التنظيم ومن غير المنتمين للتنظيم، وهو ما عكَس من جانب مهم جدًّا صدقَ تربية أبناء التنظيم على قبول أصحاب التوجهات الإسلامية المتناغمة والقريبة من دوائرهم.
وقد أكَّد هذا الكتاب الخطير والمهم أن عبارات من مثل: إن الإخوان جماعة من المسلمين وليست جماعة المسلمين، ومن قِبل "كم منا وليس فينا" جاءت صادقةً استُشعرت في الوجدان الإخواني وحكمته مسيرته ونظراته للأمور، ولو كانت عبارات إستراتيجية لما ظهرت في اعتبار الأديب الإخواني الذي اعتبره جابر قميحة كما نقلته لك.
أضف إلى ذلك- مما يرقى بالكتاب- النظرَ إلى المسارات المختلفة المتوقع أن يفتحها هذا الكتاب في التاريخ الأدبي للإخوان أو غيرهم من الجماعات والتيارات الإسلامية ومن الأطروحات التي فجَّرها مجرد صدور هذا الكتاب ما يمكن أن نجمله فيما يلي:
1- التاريخ الأدبي للإخوان المسلمين (قسم النثر) من (1928- 1948) في مصر وخارجها.
2- التاريخ الأدبي للإخوان المسلمين (قسم الشعر فيما بعد 1948) في مصر وخارجها.
3- التاريخ الأدبي للإخوان المسلمين (قسم النثر فيما بعد 1948) في مصر وخارجها.
4- عدد ضخم من الموضوعات والقيم التي تمثِّل أسس العمل الإسلامي في الجماعة لقياس مدى الاقتناع بهذه الأصول الفكرية والحركية داخل الجماعة من مثل الموضوعات التالية:
أ- قضية فلسطين في أدب الإخوان المسلمين.
ب- الاستبداد في شعر الإخوان المسلمين .
ج- الحرية في شعر الإخوان المسلمين.
د- الفردوس المفقود (في أدبيات الإخوان المسلمين).
هـ- الجهاد والمقاومة في شعر الإخوان المسلمين... إلخ.
5- عدد ضخم جدًّا من الدراسات والبحوث التي تتخصص في أعلامٍ من أدباء الجماعة شعرًا ونثرًا، من أمثال: عبد الحكيم عابدين ، وسيد قطب ، و جابر قميحة نفسه، و نجيب الكيلاني وغيرهم.
بالإضافة إلى دراسة الأسر الأدبية في إطار ما يسمَّى بمنظور رواية الشعر مما يمكن أن نجد لها نظائر في أسرة قطب (سيد ومحمد وأمينة)، وأسرة البنا (حسن البنا وعبد الباسط البنا) وأسرة القرضاوي (يوسف وابنه عبد الرحمن).
6- موضوعات تدرس الإنتاج الأدبي بين النظرية والتطبيق؛ أي دراسة الإنتاج الشعري والأدبي في ضوء المقولات النظرية الحاكمة لفكر الجماعة.
7- موضوعات تتعلق بالحركة النقدية الإخوانية وغير الإخوانية لتقييم إنتاج الإخوان المسلمين الأدبي والشعري.
هذه المحاور السبعة مجرد تصورات أولية فجَّرها هذا الكتاب في مجال البحث الأدبي المعاصر، وهي ولا شك تصب في باب الإعلاء من قيمة النظرية الأولية.
ويرقى بقيمة الكتاب كذلك النظر إلى إقامة مؤلفه الدكتور جابر قميحة الأستاذ الجامعي المرموق الذي عمل في أعرق الجامعات المصرية (عين شمس) والعربية (جامعة الملك فهد) والإسلامية ( الجامعة الإسلامية بإسلام أباد) والغربية (جامعة بيل) بالولايات المتحدة الأمريكية.
وهو الناقد الأكاديمي المعروف بكتاباته القيِّمة الرصينة من مثل:
2- أدب الرسائل في صدر الإسلام.
3- صوت الإسلام في شعر حافظ إبراهيم.
4- ملحمة الكلمة والدم (الشاعر الفلسطيني الشهيد عبد الرحيم محمود).
5- الأدب الحديث بين عدالة الموضوعية وجناية التطرف.
6- وليمة لأعشاب البحر: في ميزان الإسلام والعقل والأدب.
7- أدبيات الأقصى والدم الفلسطيني.
8-فلسطين مأساة ونضالاً في شعر الشباب.
وقد انتخبت هذه العنوانات من قائمة مؤلفاته الكبيرة لأدل على قديم عنايته بالأدب الإسلامي شعرًا ونثرًا قديمًا وحديثًا.
وهو مع ذلك واحد من ألمع الأصوات الشعرية الإسلامية المعاصرة بما كتبه من دواوين ومسرحيات شعرية من مثل:
1- الزحف المدنس.
2- لجهاد الأفغان أغنِّي.
3- حديث عصري إلى أبي أيوب الأنصاري.
4- لله والحق وفلسطين.
5- على هؤلاء بشعري بكيت.
6- حسبكم الله ونعم الوكيل.
7- محكمة الهزل العليا (مسرحية شعرية).
ولعلي لا أجاوز الحقيقة عندما أقرر بطبيعة معرفتي للدكتور جابر قميحة بتواضعه وسمو نفسه أن واحدًا من الأسباب التي جعلته يقف بدراسته عند حدود العام 1948م هو أن يبتعد بإطار الدراسة الزمني عن نفسه؛ حتى لا يضطر أن يكتب عن نفسه وهو من أهم الشعراء المعاصرين الإسلاميين.
ومما يرقى بقيمة الكتاب كذلك هذه الروح التي عالج بها موضوعه، وهي روح حانية ساعية إلى التجميع والتآلف مع ما حولها، ولعل في القائمة التالية التي سأذكرها ما يؤكد ما يتمتع به الدكتور قميحة من قدرةٍ على تجميع الاتجاهات، وهو ما لمسته في آخر زيارةٍ دعاني إليها لنلتف حوله في سهرةٍ بديعةٍ عالجت شئوننا العامة والثقافية.
وممن أذكرهم في هذا المقام الدكتور جمال عبد الهادي، والدكتور السيد عبد الستار المليجي، والدكتور محمد محمد داود، والأستاذ حمدي أحمد الفنان الشهير، والشعراء وحيد الدهشان، وناصر صلاح، والصحفي مجدي عبد اللطيف، وغيرهم كثيرون.
لقد صنع جابر قميحة بهذا الكتاب ما يُعْجز مؤسسةً بكاملها عن إنجازه.
أما الكتاب فضمَّ الأبواب التالية:
الباب الأول: توطئة ومدخل (9- 34).
1- الإسلام والشعر:
(أمة شاعرة- الشعر والدعوة الإسلامية- الالتزام وشخصية الشاعر المسلم).
2- الإخوان والشعر:
(الإخوان والشعر موقف ومعايشة- حسن البنا والشعر- شعراء في موكب الإخوان).
الباب الثاني: الآفاق الشعرية: (35- 161).
1- في رحاب التاريخ الإسلامي: المطولات التاريخية:
(توطئة بين التاريخ والشعر- علوية رجب البيومي- المطولات التاريخية الجزئية- غزوة بدر- الهجرة- الإسراء والمعراج- ميلاد محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم).
2- الشعر التمثيلي:
(توطئة- الإخوان والمسرح- يثرب في انتظار الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- غزوة بدر- لبنى وابن ذريح- المسرح المدرسي).
3- فن الأوبريت.
4- الأناشيد:
(تمهيد- أناشيد الأطفال والناشئة- الأناشيد الوطنية- الأناشيد الإسلامية والعربية- أناشيد الجهاد وفلسطين).
5- شعر الجهاد وفلسطين:
(فذلكة تاريخية- فلسطين والجهاد في نبض الشعر).
5- منوعات في المجتمع والسياسة:
(تمهيد المنوعات وشعر المناسبات- الوحدة العربية- مع المجتمع والسياسة).
6- شعر العامية:
(عبد الباسط البنا- العيلي أمير الزجل)
الباب الثالث: من شعراء الإخوان:
1- عبد الحكيم عابدين (163 - 200).
2- إبراهيم عبد الفتاح.
هذا مجمل ما في الكتاب من قضايا وموضوعات.
أوان استكمال النقص
يأتي هذا الكتاب بمثابة إعلان عن أوان استكمال النقض الذي لا يليق بجماعةٍ بحجم الإخوان المسلمين أن تسكت عنه أو تهمله؛ ففي المقدمة التي صنعها الدكتور جابر لكتابه أشار إلى أن ثمة عشرات من الكتب التي عرضت لتاريخ الجماعة دينيًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا وتربويًّا من مثل كتابات محمود عبد الحليم وعباس السيسي وريتشارد وميشيل وغيرها، وأشار إلى أنها مدونات تاريخية شاملة لمسيرة الجماعة في المجالات المختلفة.
هذا، بالإضافة إلى الأدبيات التاريخية الجزئية التي تناولت موضوعاتٍ بعينها مما يتعلق بتاريخ الإخوان.
غير أن المثير للانتباه هو خلو المكتبة العربية من كتابٍ ومؤرخ لأدباء الإخوان وإنتاجهم الشعري والأدبي، يقول الدكتور جابر قميحة (ص 6) إن:
"المكتبة العربية- في حدودِ علمي- لم تحظَ بكتابٍ واحدٍ في التاريخ الأدبي للإخوان المسلمين، وعطائهم الشعري والنثري عرضًا وتقييمًا".
وحاول أن يفسر هذا النقص فعزاه إلى أمرين هما:
1- صعوبة الحصول على المادة الأدبية، لتوزعها وتناثرها على الصحف والمجلات والدوريات المختلفة وكثير فيه ظل حبيس الأقاليم.
2- تصوَّر الذين أرَّخوا لتاريخ الجماعة أن الشعر والنثر والأدب نوعٌ من الترف العقلي مقارنةً بالوقائع والأفكار.
الشعر والإخوان
أصبح من الثابت علميًّا وصف الأمة العربية بأنها أمة شاعرة بما يحمله هذا الوصف من قيم نفسية وقيم تاريخية.
وأصبح من المستقر كذلك النظر إلى الأدب والشعر بوجه خاص من باب أنه سلاح في يد الدعوة الإسلامية، وربما أمكن أن نلمح هذا في العلاقات الموروثة التالية:
أ- ما نُسب إلى النبي- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- من ارتقائه بالشعر في مثل قوله الذي رواه البخاري "إن من البيان لسحرًا، وإن من الشعر لحكمة".
ب- الاستماع إلى الشعر وإنشاده في بعض المواقف.
ج- تشجيعه لكثير من الصحابة الشعراء على نظمه وتكليفه لحسان ودعاؤه له في القول الشهير "اهجهم وروح القدس معك".
ولعل في كثير من التوجيهات النبوية لحسان ما يحمل قدرًا من الأصول الفنية والعلمية التي تحكم علاقة الشعر بالتاريخ وبطبيعة الإسلام نفسه.
وقد أحسن الدكتور جابر قميحة بما سرده من مواقف تبين عناية الإخوان بالشعر من لدن المرشد الأول الأستاذ حسن البنا؛ ولذلك صحَّ في كثير من مرويات الكتاب وصف المعايشة.
ولعل من الموافقات الطيبة أن تكون لحسن البنا محاولات شعرية يرصد بعضها من أيام شبابه الأول من مثل ما نظمه في رثاء محمد فريد- رحمه الله- على ما أورده في مذكرات الدعوة والداعية من قوله:
أفريد نم بالأمن والإيمان
- أفريد لا تجزع على الأوطان
أفريد تفديك البلاد بأسرها
ومن أمثلة شعره في التعليق على لجنة ملنر ومقاطعة المصريين لها قوله:
يا ملنر ارجع ثم سَلْ
- وفدًا بباريس أقام
وارجع لقومك قل لهم
- لا تخدعوهم يا لئام
ويؤكد قميحة على هذه البدايات التي أعانت على استنباط مهم جدًّا، وهو أنها مهَّدت السبيل لأن يكون للشعر أثره في الدعوة الإخوانية على وجه العموم.
كما يكشف اللثام عن شيء مهم جدًّا، وهو أن البنا افتتح حياته العلمية بنشر ديوان مسلم بن الوليد المعروف بصريع الغواني فيما يشابه التحقيق؛ إذ نقَّحه وصحَّحه وعلَّق على بعض مشكلات الديوان، وهذا الكشف له دلالاته المهمة في التاريخ لدور الشعر في الدعوة الإخوانية.
شعراء في موكب الإخوان
وينتقل الدكتور جابر قميحة من التأريخ لعناية حسن البنا بالشعر وتجليات هذه العناية؛ مما كان له أثر في ظهور كثير من أبناء الجماعة الشعراء، وهم كما يلي:
1- الشيخ أحمد حسن الباقوري.
4- خليل عشماوي.
5- الشيخ طنطاوي جوهري.
6- محمد عبد العاطي.
7- جلال عنبر.
8- حمود غرابة.
10- أحمد محمود عرفة.
11- محمد زكي إبراهيم.
12- الشيخ محمد منصور.
13- حسن خطاب الزيني.
14- الحاج حسن الزيني.
16- أبو الوفا محمود رمزي غنيم.
17- عبد المنعم فارس.
18- إبراهيم مأمون.
19- عمر مصطفى نصير.
20- محمد السندس.
21- أبو الأخضر مبارك غنيم عبده.
22- حسين محمود نور الدين.
23- طه أمين.
25- علي داود إبراهيم.
26- محمود محمد محمود.
27- عبد الرحمن لاشين.
28- محمود غنيم.
30- رشيد أبو قرة.
31- إبراهيم عبد الفتاح.
32- هنداوي دوير.
33- بدر الدين الجارم.
34- عبد اللطيف العيلي.
وغيرهم كثيرون جدًّا.
الإخوان المسلمون في آفاق الشعر
يدخل الدكتور جابر قميحة إلى مناقشة ثقافة الشعر مع التاريخ الإسلامي الذي تجلَّى في كثير من أعمال الإخوان الشعراء- مدخلاً منطقيًّا شائعًا، وهو رصد الصلة العميقة بين الشعر والتاريخ منذ أقدم زمان عرف فيه العرب الشعر ديوانهم الذي تجمع حوادثهم ومفاخرهم.
ومن ثَمَّ فإنَّ من الطبيعي أن نُقرر أن كثرةً من شعراء الإخوان اتخذوا من التاريخ مادةً شعريةً من الشخصيات والغزوات والأحداث والوقائع، ويعقد فصلاً مطوَّلاً لمطوَّلة شعرية من 113 بيتًا اتخذ فيها الشاعر محمد رجب البيومي من علي بن أبي طالب عمودًا يقيم عليه ما يريد أن يثبته فيما عرفت باسم القصيدة العلوية، أجمل فيها الحديث عن صفات علي، والنص على تفريط الأمة في تراثه، وخلقه وتربيته في بيت النبوة، وزواجه من فاطمة- رضي الله عنها- ودوره في المبيت ليلة الهجرة، وفي غزوة بدر والخندق وصرعه لأئمة الكفر، وبيان ملامحه النفسية... إلخ.
والقصيدة في أحد مناهج القراءة صالحةٌ لأن تكون محاولةً لأن تكون إسقاطية على ما يرمي إليه الشاعر أن يكون حالاً بين المسلمين، من خلال التوظيف التراثي لشخصية علي الجامعة للحكمة والشجاعة، والعدل والطيبة، والتقوى والرفق بالضعفاء.
وهي من أكرم الخصائص التي يحتاجها المجتمع المصري المسلم المعاصر في قياداته التي يصبو إلى وجودها.
ومن الأبيات التي تصوِّر مآثر علي- رضي الله عنه- قوله:
وكان له من الأحزاب يوم
- وقائعه تشيِّب من رآها
غداة أتى له عمرو بن ود
- وقد سلَّ الصوارم وانتضاها
وما أدراك ما عمرو إذا ما
- غشى نار المعارك واصطلاها
وأقبل باسم الخطوات يسعى
- وقد باهى بمنظره وتاها
ينادي من ينازلني فكأسي
- تريح من الحياة من احتساها
فطار له علي في حماس
- يريك من الشجاعة منتهاها
وقد رصد الدكتور جابر قميحة كثيرًا من الأعمال الشعرية التي اتخذت الأحداث التاريخية إطارًا لها، أضف إلى ذلك أن الإخوان عرفوا المسرح الشعري بكثير من المسرحيات الشعرية، من مثل: جميل بثينة لعبد الرحمن البنا، وعمرو العجوز وعمرو بن الجموح، والهجرة الأولى ليوسف المحجوب، ويثرب في انتظار الرسول لعلي سرور، ولبنى وابن ذريح لإبراهيم عبد الفتاح.
وهذه المسرحيات الشعرية دليل لهم ينبغي الانتباه إليه في إطارٍ من قراءة برنامج الإخوان للحزب الذي طرحوا تصوره على الجماهير، ولا سيما في نظرهم للفنون ومنها المسرح.
إن استحضار هذا التاريخ الذي أحسن جابر قميحة بتجليته للناس ورقة تدعم تصورات الجماعة المعاصرة في إطار من مرجعيةٍ مارس فيها رواد الجماعة من الشعراء والأدباء ما يؤكد أن إقرارهم للمسرح وغيرهم جاء مدعومًا بسوابق فنية تستقي من التاريخ الإسلامي.
الأناشيد وروح الجماعة
ومن الأمور المهمة التي وقف أمامها الدكتور جابر وقفةً مطوَّلةً: الأناشيد، وهي الأعمال الشعرية المنظومة للتغنِّي، وقد رصد شيئًا من فوائدها المتمثلِّة في:
1- التدريب على النطق والسلم والأداء اللغوي السليم (غرض تعليمي).
2- خلق الروح الجماعية والارتقاء بالغريزة الاجتماعية (غرض تربوي).
3- تحقيق المنفعة النفسية والعقلية (أغراض خلقية نفسية).
لكل هذا يقرر الدكتور قميحة سر عناية الإخوان بالأناشيد، ومن الأمثلة القديمة للأناشيد الإخوانية ما نظمه عبد الباسط البنا شقيق الإمام في افتتاح معهد حراء بالإسماعيلية 1352هـ/ 1932م ما نصه:
نشيد المعهد
نحن أشبال حراء
- نحن أبناء الرسول
بالتواصي والإخاء
- ننشد المجد الأثيل
في حمى هذا العرين
- ننصر الحق المبين
في رحاب الله جئنا
- نطلب العلم المجيد
ربنا إنا قرأنا
- باسم خلاق الوجود
في حمى هذا العرين
- ننصر الحق المبين
طاعة الله عمادي
- يا إمام الأنبياء
إن تقوى الله زادي
- والرضا منه الرجاء
في حمى هذا العرين
- ننصر الحق المبين
ولو تأمَّلنا أمثال هذا النشيد لاتضح أن له مقصودًا من وراء سهولة ألفاظه ويسر تعابيره، وله مقصود من وراء التكرار الذي يأتي بعد كل بيتين.
وبأسباب من إرساء القيم التربوية والنفسية شهدت أناشيد الأطفال والناشئة عنايةً خاصةً، وتاريخ الإخوان الأدبي مما يصح معه إفراد هذا الجانب بدراسات خاصة به.
وقد تنوَّعت الأناشيد إلى إسلامية وعربية وقومية ووطنية؛ مما يعكس أثر نشأة الجماعة التربوية على الوسائل الشعرية المعينة على تحقيق أهدافها.
ويتوقف الدكتور جابر قميحة أمام عدد من أناشيد الإخوان المهمة، من مثل نشيد "جدد العهد" لعبد الحكيم عابدين الذي يقول في مطلعه:
جدد العهد وجنبني الكلام
- إنما الإسلام دين العاملين
ونشيد "هو الحق" له أيضًا، ومطلعه:
هو الحق يحشد أجناده
- ويعتد للموقف الفاصل
ونشيد "يا رسول الله" للباقوري، ومطلعه:
يا رسول الله هل يرضيك أنَّا
- إخوة في الله للإسلام قمنا
ننفض اليوم غبار النوم عنا
- لا نهاب الموت لا بل نتمنى
أن يرانا الله في ساح الفداء
ويرصد الدكتور قميحة المحاور التي ألحَّت عليها أناشيد الإخوان، فيقرر أنها ألحَّت على بيان وترسيخ مفاهيم من مثل:
أ- أن ميراث أمجادنا هو الكتاب والسنة وسنة الخلفاء.
ب- وأن مصدر القوة لنا هو إخلاص الولاء لله والتمسك بكتابه.
ج- الإلحاح على مفهوم دستورية القرآن.
د- بيان الأمة لا يكون يغبر العلم والعدل.
هـ- التآخي في الله سبيل النهضة.
و- صدق الاعتقاد والإيمان والتزام في القول والفعل.
فلسطين في شعر الإخوان
ولم تغبْ فلسطين يومًا عن وعي الإخوان حتى عدتها الأدبيات الإخوانية المختلفة أهم قضايا الوجود الإسلامي في العصر الحديث.
ولم يغبْ هذا الوعي عن شعر الإخوان في الفترة التي يدرسها الكتاب، يقول الدكتور جابر قميحة ص (134): "وبوعي ديني سديد يستجيب شعراء الإخوان لهذه الدعوة، فكثرت أناشيدهم في الجهاد".
ويقول: "وارتبط جهاد الإخوان في مصر بخاصة والبلاد العربية بعامة بقضية فلسطين والدفاع عنها".
ومن الأمور المهمة الكشف عن طلب لإدارة التطوع لفلسطين والإخوان من القائد محمود لبيب في 1366هـ- 1947م يطلب فيه نظم نشيد ينشده المتطوعون في رحلتهم المباركة للجهاد في أرض فلسطين، واستجاب عبد الباسط البنا إلى الطلب ووضع نشيد الجهاد المقدس، ومنه:
إلى فلسطين انهضوا
- واعقدوا الرال
دعت حماة مجدها
- لساحة القتال
وإنما تصونها
- عزائم الرجال
إلى فلسطين انهضوا
- واعقدوا الرحال
ناداكمو النفير
- يا شباب فاسمعوا
لمشرق الهداية السنية افزعوا
لقبلة الصلاة
- يا غزاة أسرعوا
وفي حمى النبوة الشريفة اجمعوا
بهذا الوعي من القائد يصدر التكليف، وبهذا الإحساس بالمسئولية وبالقيمة التي تؤديها الكلمة الشاعرة يستجيب شعراء الإخوان.
واستمرت العناية بشعر الجهاد وفلسطين متعانقًا في الأحداث الإسلامية، من مثل الاحتفال بالإسراء والمعراج، أو مستقلاً عن الأحداث الإسلامية.
وقد كان هذا الشعر من الكثرة بحيث لو جُمع ما نظمه الإخوان من شعر الجهاد وقضية فلسطين في فترة التأسيس 1928- 1948 لصنع دواوين متعددة.
ورصد الدكتور جابر قميحة كثيرًا من الموضوعات التي طرقها شعراء الإخوان، ويقرِّر في فطنة نقدية بصيرة ما شاع خطأً فيما يتعلَّق بما سُمِّي بشعر المناسبات، فيقول في ص (145): "وقد يتسرَّع بعضهم ويزري بهذا اللون من الشعر بدعوى أنه من شعر المناسبات، مرددًا المقولة المشهورة إن شعر المناسبات من الألوان الأدبية التي لا تأخذ مكانها إلا في المرتبة الأخيرة من قافلة الشعر.
وأقول: إنها غلطة قاتلة تصاغ في معلومة تحشر في أذهان المتأدبين، وللأسف تلقَّن لأبنائنا الطلاب، وأقرِّر أنها غلطة شاعت بلا مبرر وبلا تدبر.
إن الناقد الحصيف لا ينظر إلى القصيدة من خارجها، ولكنه ذلك الذي يعايش القصيدة موقفًا وموضوعًا، وفكرًا وتصويرًا وتعبيرًا، ومشاعر وأحاسيس".
وقد تنوَّعت معالجات شعر الإخوان لتغطيَ مساحات الموضوعات الكبرى التي كانت مشغلةً الرأي العام ووجدانه، من مثل قضية الوحدة العربية التي يقول فيها محمد الفقي:
إنما وحَّد العروبة في الشرق (م) ثمار الجهود والعزمات".
ومن مثل تصوير محنة الأزهر في قصيدة لعبد الحكيم عابدين بعنوان الأزهر في ثورته:
يا أزهر شيب الدهر الفتى ولم
- تزل بجدته الأجيال تفتخر
لو ألف الدهر سفرًا للخلود يُرى
- لكنت عنوانه الأعلى لمن بصروا
وقد نُظِّم شعر كثير فيما حدث سنة 1938 على إثر اقتحام الجنود لحرمة الأزهر بنعالهم لإيقاف مظاهرة طلابية.
هذا كتاب يكفيه فخرًا ما اختطه وافتتحه من طرق وسبل، ويكفيه ما دلَّ عليه من أبواب بِكْر تنادي الدارسين، ويكفيه ما جمعه من نصوص في ملاحقة ما يعز على دارس الأدب المعاصر أن يقعوا عليه، ويكفيه ما كشف عنه من آثار مجيدة لوعي الإخوان بدور الأدب في حركة الجهاد والدعوة الإسلامية.
لقد عاش جابر قميحة ولم يزل ناقدًا أكاديميًّا مخلصًا لفكرته، كاشفًا عن أمجادها، مدللاً عليها، وشاعرًا طالما سكب من روحه السامية، فما صاغه من أشعار نمت بوعي أبناء الإخوان المعاصرين وأسهمت في تكوينهم النفسي والوجداني والتربوي ليحملوا قضايا دعوتهم.
ملاحظات عامة:
هذا كتاب رائد سيؤرَّخ به وسيؤرَّخ له في الوقت نفسه، ولا شك أن مقصود الدكتور جابر قميحة وطموحه كان يرمي إلى فتح الباب للعناية بهذا الجانب الذي ظل مهملاً حتى خرج هذا الكتاب إلى النور.
وهو كتاب سيدعم نشاط واحد من أخلص أصدقائنا الذين يشغلهم أمر العناية بالأدب الإخواني جمعًا ودراسة، وهو الصديق الكريم الأستاذ السيد درويش، ولا شك أن الكتاب في مجمله منصبٌّ على شعراء الإخوان في مصر في الفترة التي ظهرت على عنوانه، وهي من (1928- 1948)، ومن هنا فإن:
1- ذكر أمثال الشاعر عمر بهاء الأميري، وهو غير مصري، لا يدخل في الإطار الجغرافي من عمل الكتاب الذي بدا أنه مخصص لشعراء الإخوان في مصر في هذه الحقبة التاريخية.
2- وكذلك فإن ذكر أمثال محمد فريد عبد الخالق وسعد دعبيس يخرج أيضًا عن النطاق الزمني للدراسة لحياتهم، مدَّ الله أعمارهم بكل خير.
3- ولا يمكن اعتبار الكتاب خاصًّا بشعراء الإخوان في عموم الأقطار العربية والإسلامية، كما لا يمكن اعتبار الحقبة الزمنية خاصةً بمَن قال فيها شعرًا، وإن استمر عطاؤه بعد التاريخ المحدد؛ لأن ثمة شعراء إخوانيين كثيرين افتتحوا عطاءهم الشعري في مدة الدراسة، واستمر عطاؤهم فيما بعد وربما إلى الآن.
المراجع:الإخوان أون لاين