الاعتقالات والعسكرية والعدوان على الشعوب.. لن يُعيقوا مسيرة الأمة
06-03-2008
بقلم: د. محمد مرسي
الإجراءات التعسفية
لا شك أن المشهد العام الآن على الساحة المصرية والإقليمية والعالمية يُظهر صورةً غير مسبوقة لما وصلت إليه الإجراءات التعسفية التي تُنتهج لتعويق مسيرة الأمة بالحبس والاعتقال والمحاكمات الظالمة أمام المحاكم العسكرية لكلِّ مَن يتصدى للإصلاح والتغيير السلمي الدستوري والقانوني.
ولا تخطئ العين ما حدث خلال السنوات الأخيرة من تدخلٍ سافرٍ والتزوير الذي وقع في انتخابات برلمان 2005م، وخاصةً في مرحلتيها الثانية والثالثة وفي انتخابات مجلس الشورى 2007م، وما يحدث الآن في انتخابات المجالس المحلية؛ حيث المطاردة والملاحقة والاعتقال والتهديد ومحاولات قطع الأرزاق ومنع الجميع من التقدم للترشيح عبر سلسلةٍ من الإجراءات القمعية البوليسية، وفي ذات الوقت تتحرك آلة الحرب الصهيونية المدعومة من أمريكا بكل أنواع السلاح والمؤيدة بالمواقف الأمريكية على الساحة العالمية لتبرير العدوان على الفلسطينيين في قطاع غزة، وفي الضفة الغربية، ويقف العالم عاجزًا أمام المجزرة الوحشية التي يرتكبها الصهاينة ضد الأطفال والنساء والشيوخ.
وفي نفس الوقت تستمر أصابع المشروع الصهيوني- الأمريكي في العبث بمصير لبنان وتمارس أمريكا- لصالح الصهاينة- كل أنواع الضغط على سوريا وعلى السودان، وتبارك ضرب الأكراد في شمال العراق وتُهدد إيران، وتستمر في احتلال أفغانستان، وتدس أنفها في شئون باكستان الداخلية..
وهكذا تتكامل معالم الصورة القبيحة التي ترسمها الإدارة اليمينية المتطرفة والمتصهينة لعالم تريد أمريكا وقادتها أن تضمن سيطرتها عليه، وفي القلب منه العالم العربي والإسلامي؛ حيث منابع النفط وفلسطين وأصحاب المشروع الإسلامي المعتدل الذي يخشاه هؤلاء ويحذرون من نموه وانتشاره بين أبناء الأمة؛ لأنه يُوقظها ويضعها في المكان اللائق بها، وهو موضع يُقلق الصهاينة والإدارة الأمريكية.
الانتخابات المحلية في مصر.. هل من جديد؟
كان من المقرر أن تجري الانتخابات المحلية في شهر أبريل من عام 2006م، ولكن النظام وبعد إحساسه بالخسارة الفادحة في انتخابات مجلس الشعب في نوفمبر 2005م، سعى لاستصدار قانون تم بموجبه تأجيلها لمدة عامين حتى يلتقط أنفاسه ويُعيد ترتيب أوراقه، ومرت الأيام سريعًا ولم يستطع النظام الحاكم وأجهزته الأمنية أن يكتسب مصداقيةً لدى الشعب تُمكِّنه من الحصول على بعض الثقة في حال أن يكون هناك انتخابات حقيقية؛ بل زاد الوضع سوءًا بالنسبة له؛ حيث الفشل الذريع في كل مجالات العمل والإصلاح وحل مشاكل المواطنين التي تفاقمت، فازدادت حدة البطالة وارتفعت الأسعار وانتشرت قضايا الفساد والرشوة والمحسوبية وعدم محاسبة الكبار على فسادهم وخطاياهم؛ فحوادث الطرق تحصد أرواح الناس بالآلاف بسبب سوء حالة الطرق وسوء حالة المرور، وبلغ ضحايا العبَّارة المشئومة إلى أكثر من ألفٍ من الأبرياء، ولم يحاسب المتسبب فيها حتى الآن، وإنفلونزا الطيور، وحالة التذمر الواعي بين العمال والفلاحين والموظفين والمدرسين والأطباء؛ بل وصل الأمر إلى القضاة وأساتذة الجامعات، فبات الوطن في حالةٍ من القلق وعدم الاستقرار والغليان.. ويعلم النظام أنه السبب الرئيسي في كل ذلك.
وبدلاً من أن ينزل على إرادةِ الناس ويستجيب لنداء الواجب والضمير الحي، تحرَّك ليمنع الحركةَ ويكمم الأفواه ويُزوِّر الإرادة ويصرُّ- وبكبرٍ وعناد- على البقاءِ في نفس الخندق ضد إرادة الناس ورغبتهم بل وحاجتهم إلى غدٍ أفضل.
وما أن تحرك الإخوان المسلمون باعتبارهم فصيلاً حيًّا من نسيج المجتمع- ومع أبناء الأمة الراغبين في المشاركة والإصلاح وتحمُّل المسئولية- نحو تفعيل دور المجالس المحلية ودخول انتخاباتها حتى أُصيب النظامُ بالهلع والارتباك فجَّهز غزوته وأعد جنده ورتَّب صفوف جيوشه من أبناء الوطن- كعادته- وحرَّكها ضد إخوانهم وأهليهم من بني جلدتهم ووطنهم، ضد مصالح الوطن الذي يعيشون فيه.
امتطى النظام ظهر أتباعه وحوارييه وكشف عن سوءاته وكشَّر عن أنيابه وتصوَّر أنه بذلك سيُحقق نصرًا.. ويا للعار إنه الخزي والهوان حين يُجنِّد أبناء الوطن ضد الشعب ليقتصوا منه، في الوقت الذي يتبجح فيه الصهاينة ويقتلون طفلةً مصريةً عند كرم أبو سالم، وقبلها يقتلون الجنود المصريين عند رفح المصرية، وقبلها يقتلون الأسرى ولا ينكرون ذلك.. يفعلون كل ذلك فلا يجدون من بأسِ الأشاوس ما يردهم ويردعهم.
والحال هو الحال كسابقه في كل انتخابات.. فهل حقق هذا النظام شيئًا؟.. كلا والله لقد زوَّر وضلَّل واعتقل وحبس وقتَّل وغيَّب فما لانت للرجال قناة ولم يتراجع الإخوان ولم يحيدوا عن مسيرتهم السلمية، وزاد التفاف الناس حولهم، وزادت كراهيتهم للنظام، أفلا يأخذ العبرة والعظة من عشرات السنين التي مضت؟!.
وهذه حلقة في نفس السلسلة، وتستمر الحوادث والأحداث، وتحكم- بفضل الله- الحلقة وتقوى السلسلة وتمتد ويبوء هؤلاء بإثمها.. وينتصر الحق وأهله وتعلو رايتهم، ويقوى العود ويشتد الساعد، والمستقبل بإذن الله لهذا الشعب.. فهل ينحاز هؤلاء إليها؟!.
المحاكمات العسكرية.. ثبات وصمود يفل حد الظالمين
وها هي المحكمة العسكرية السابعة للإخوان منذ 1995م بعدما سبقها من محاكم في الخمسينيات والستينيات؛ حيث يتواصل الظلم ويتواصى الظالمون به، ويفشلون، وهم يعلمون قبل غيرهم أنهم يخسرون الناس يومًا بعد يوم، ويكسب المظلومون الصامدون وينالوا- بفضل الله- خيرًا، ويزداد أصحاب الدعوة ثباتًا إلى ثباتهم، وقوةً في صفوفهم، وزيادةً في أعدادهم، وتزداد ثقةُ الناس فيهم.
وها هي نتائج الانتخابات التي جرت ببعض الحرية في بعض الدوائر، ماذا قال الناس؟ قالوا "نعم" لحملة لواء (الإسلام هو الحل)، ورفع الناس شعارهم الخاص (إنَّ خيرَ مَن استأجرت القوي الأمين).. والتحدي الأكبر الذي يواجه هذا النظام وخدامه: هل يستطيعون إجراء انتخابات حرة رغم كل ما فعلوا ويفعلون من اعتقالٍ وتضييقٍ وحبسٍ ومحاكماتٍ عسكرية؟ هل يستطيعون؟ كلا والله، بل هم الخائفون المهزومون.. فما هذا الخزي وهذا الهوان؟!.
وها هم الإخوان الذين يصيبهم بغي الظالمين وأحكام العسكر الجائرة صابرون محتسبون راضون، فهل يتمتع ظالموهم بالطمأنينة وسكينة النفس وراحة البال؟ كلا والله، بل الظالمون في حيرةٍ واضطرابٍ وعدم استقرار، فهل يتعظون؟!.
لله الفضل والمنة وهو صاحب الفضل كله، يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، لسان حال المعتقلين ظلمًا وزورًا، ولسان حال أسرهم: زوجاتهم وأبنائهم، ولسان حال إخوانهم والسائرين على ذات الدرب، المحتسبين المتوكلين على الله قاصم الجبارين وناصر الغر الميامين.. حسبنا الله ونعم الوكيل.
العدوان على غزة ومستقبل فلسطين
هذا العدوان والإجرام والجرائم التي يرتكبها الصهاينة ضد الشعب الفلسطيني تثبت كل يوم فشل المشروع الصهيوأمريكي وحيرته وتخبطه وعدم قدرته على تحقيق أهدافه، ولقد استطاعت المقاومة- بفضل الله- أن تصيبه في مقتل، وأمام إصرار المقاومين ومواقفهم الثابتة يقف الأعداء عاجزين؛ لأن الله الذي اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة هو سبحانه الذي ينتصر من هؤلاء وينصر المجاهدين.. ﴿وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)﴾ (آل عمران) ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا﴾ (الأحزاب: من الآية 25).
ويتضح الآن أن الموقف كله لصالح المقاومة والمقاومين في فلسطين، في غزة والضفة، وقد أظهرت الأيام الماضية كيف تتحرك الشعوب العربية والإسلامية لنصرة إخوانهم في فلسطين ويكسرون الحصار المضروب عليهم في غزة الصامدة، وفي نفس الوقت ظهرت النظم الحاكمة أكثر واتضحت مواقفها وحقيقتها وكيف أنها لا تستطيع دفع العدوان عن شعوبها، وأنها لا تُمثِّل هذه الشعوب وهي أقرب إلى خندق الأعداء منها إلى أمتها، وجزى الله الشدائد كل خير.. وتأكَّد بالأحداث موقف الأمم المتحدة وحكومات العالم التي تدور في فلك الإدارة الأمريكية المتطرفة.
فيا رجال المقاومة، يا أهل فلسطين الثبات الثبات، فإنكم.. ﴿إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ﴾ (النساء: من الآية 104) ﴿وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ (محمد: من الآية 35)، وملائكته تقاتل معكم وصالح المؤمنين.
العراق وفشل الأمريكان
يومًا بعد يوم تزداد حدة الصراع وتزداد المقاومة الصادقة، ويظهر أثرها على الأعداء، وتغوص أقدام الغزاة أكثر وأكثر في مستنقع العراق الصامد، وبقدر ما تتلوث أيديهم بدماء الأبرياء من العراقيين المجاهدين، تزداد أزمتهم، وتتعقد المواقف أمامهم وتتكسر موجات غزوتهم على صخرة المقاومة، فلا أرضًا يكسبون ولا في معارك ينتصرون، وينحسرون ويتراجعون وأمام المقاومين يفرون.. ﴿سيهزم الجمع ويولون الدبر﴾ (القمر).
الأمة كلها تقاوم
نعم، إن الشعوب تتحرك بدافع دينها وعقيدتها، وتزداد رغبتها في أن تنال حريتها وتمتلك إرادتها، والأمة بأسرها الآن تحمل لواءً واحدًا وتمضي به لتتخلص من الظلم الذي يُكبِّلها، وتحرر أوطانها من الظالمين ومن الغزاة المستعمرين.. هذه مسيرة مباركة تحتاج إلى العطاءِ والتضحية التي تزداد الأمة قناعةً بهما يومًا بعد يوم.. تحتاج هذه المسيرة لصبرِ الرجال وثبات الجميع لتكتمل الخطوات وتنتصر الأمة وتنال الشعوب ما تتمنى.
الأمة كلها تقاوم هنا وهناك.. هنا مقاومة الظلم والنضال الدستوري، وهناك مقاومة الغزاة، والمجاهدون باعوا أنفسهم وأموالهم لله، الأمة تمضي في مسيرةٍ بدأت ولن تتوقف حتى تصل إلى منتهى الشوط، ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله.. وحقًّا إنه لجهاد نصر أو استشهاد.
من أجل ذلك نقول الثبات الثبات والصبر الصبر، وسيندحر الباطل ويندم الظالم، وتعلو راية الحق وتتحقق الآمال، ويسود العدل ولا يبقى مكان ولا موضع قدم لظالم متكبر ولا لمعتد أثيم.. ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (27)﴾ (الفرقان).
فاستبشروا أيها الإخوان ببيعكم الذي بايعتم به، و﴿اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران: من الآية 200)، ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: من الآية 21)، والله أكبر ولله الحمد.
ــــــــــــ
المصدر
- خبر: الاعتقالات والعسكرية والعدوان على الشعوب.. لن يُعيقوا مسيرة الأمة موقع اخوان اون لاين