الإسلام سياستنا
- بقلم / روب سيمز
مقدمة
أسس حسن البنا جماعة الإخوان المسلمين في محافظة الإسماعيلية بمصر في عام 1928 ويمكن القول إنها تعد أكبر وأقوى حركة إسلامية في القرن العشرين.
أثبتت جماعة الإخوان المسلمين أن لها تأثيرا سياسيا ودينيا دائما لافتا للنظر، بعد أن تم الإعلان عن أفكار الصحوة الإسلامية خلال حكم كل من الملك فؤاد (1922-1936) وفاروق (1936-1952)،ورؤساء الوزارة نجيب (1952-1954) ثم عبد الناصر (1954-1970)،والرئيس السادات (1970-1981) ومبارك (من 1981 حتى الوقت الحاضر).
في هذه المقالة، درست التاريخ الإيديولوجي للإخوان المسلمين منذ تاريخ تأسيسها حتى عام 1953، وهو العام الذي أصبحت فيه مصر جمهورية بعد 70 عاما من الحكم الاستعماري البريطاني. لقد بحثت هذا التاريخ باعتباره دراسة لحالة، واستخدمت نظرية أنطونيو جرامشي، والماركسية في القرن العشرين، لتفسير أفكار الهيمنة البريطانية والتصدي لأفكار هيمنة المجددين الإسلاميين.
نظرية جرامشية مفيدة في هذا النوع من التحليل لأنها مؤثرة جدا في شرح الآثار السياسية المترتبة على أساليب القمع وكذلك الأيديولوجيات التحررية. قمت بتطبيق التعميم التحليلي لنتائج زيارتي لتحديد كيفية أن بحثي قد يتسع لأفكار جرامشي.
وأخيرا، فإنني أزعم أن الإخوان المسلمين أبدعت أيديولوجية تتمحور حول عقيدة الإسلام جرامشي تحيطنا بأن الجرامشية مرتبطة بالحكم الوطني، والنقد الثقافي، والتعليم الرسمي، والدفاع العسكري.
تسهم دراستي في حقل الأدبيات من خلال معالجة مشكلة الإغفال. أولا، أن الغالبية العظمى من العمل بشأن جرامشي تركز على أفكاره السياسية، إما تجاهل وجهات نظره على أساس الدين أو التعامل معها بشكل سطحي.
إن كتاب فونتانا (1993)، "القوة والهيمنة:حول العلاقة بين جرامشي ومكيافيللي"، خير مثال على ذلك. كما يستدل من العنوان، فإن الدراسة تربط الأفكار السياسية الرئيسية للماركسية الايطالية بتلك لرجل الدولة الايطالي، حيث تعطي القليل من الاهتمام للآراء الدينية السابقة.
الثانية، بها عدد محدود من الأعمال تؤكد على أفكار جرامشي الدينية، لم يتوفر أحد استطاع تناول بالتحديد ظاهرة التجديد الإسلامي للإخوان المسلمين. ع
لى سبيل المثال، استفاد بيلينغز (1990) من أعمال جرامشي في دراسة تأثير الدين على إضراب عمال المناجم وأصل نزاعات عمال بيدموناشين في وقت مبكر من القرن العشرين بأمريكا. ومع ذلك، يركز على المسيحية، وليس الإسلام. وبالتالي، يسهم بحثي في الأدب من خلال معالجة هذا الإغفال المرتبط بالفكر الجرامشي.
وللقيام بتلك المهمة، درست أولا بإيجاز الجرامشية وبعدها استعرضت التعميم التحليلي كمادة أساسية. بعد ذلك، ناقشت الاحتلال البريطاني لمصر في الفترة ما بين 1869 و 1953، ووظفت أفكار جرامشي في دراسة الإيديولوجية المهيمنة التي وطد لها المستعمرين من أجل تبرير الإمبريالية.
هذه المعلومات تضع السياق التاريخي والفلسفي للتركيز على بحثي، والتاريخ الإيديولوجي للإخوان المسلمين، والذي نتتبعه. أخيرا، أود أن أختتم بالقول بأن الإخوان أسسوا لمكافحة الهيمنة الإيديولوجية التي يحكي لنا عنها جرامشي.
التطويف حول النظرية الجرامشية
أنطونيو جرامشي (1891-1937) شيوعي إيطالي ظهر في أوائل القرن العشرين نادى بالماركسية، متذرعا بأن جميع الثورات محكوم عليها بالفشل ما لم يكن هناك احترامًا للإرادة البشرية. فقد أصر على أن القوانين الجائرة ذات الأهداف لن تؤدي إلى زوال الرأسمالية، مثلما افترض ماركس، ولذا كان لا بد من تسييس الجماهير قبل أن يتمكنوا من الاتحاد، والتمرد، وإقامة ديموقراطية عمالية.
الهيمنة ومناهضة الهيمنة
استخدم جرامشي مصطلح " الهيمنة" للإشارة إلى نوع من القيادة الإيديولوجية التي بها تمارس فئة السلطة على الأخرى من خلال السيطرة على المعتقدات الشعبية، ونظرتها للعالم، التي هي، من خلال السيطرة على الثقافة.
لا تستخدم الطبقة المهيمنة العنف أو الإكراه في ممارسة الحكم، ولكن بدلا من ذلك تبني فلسفة حياة مقبولة عموما لإقناع الجماهير المستغلة التي تبعيتها أمر طبيعي، وعالمي، وأبدي للأمور« وبأن وضعهم السياسي لا يمكن تغيره وينبغي ألا يقاوم.
من وجهة نظر جرامشي، تقنع المؤسسات الثقافية مثل الدولة والمدرسة والكنيسة الطبقة التابعة لتتفق وتوافق على الوضع السياسي الراهن، وهذا بدوره يعمل على إحكام الهيمنة عليهم.
طور جرامشي أيضا فكرة مكافحة الهيمنة باعتبارها قوة معارضة نفسية وثقافية، والتي من خلالها قام الثوار بتخريب أيديولوجية الطبقة الحاكمة وشكلوا اشتراكية ديمقراطية بديلا للرأسمالية. من أجل تحقيق ذلك، يجب أن تطور الجماهير الخاضعة مؤسسات خاصة بمكافحة الهيمنة وإيديولوجيات خاصة بهم من أجل القيام بانقلاب عالمي من خلال التخريب الثقافي بدلا من أعمال العنف.
بالنسبة لجرامشي، المثقفين، هؤلاء الناس، مثل المدرسين، والسياسيين، وعلماء الدين، الذين أبدعوا وكرسوا القيم الثقافية، محدثين كلا من الهيمنة ومكافحة الهيمنة. أنشأ وتبنى المثقفون التقليديون الأيديولوجية السائدة، التي يطبق عليها جرامشي " حيث المفهوم التقليدي الشعبي للعالم (هور وسميث، 1971:199).
تخدم هذه الإيديولوجيات النخبة الاقتصادية عن طريق نشر مجموعة من الأفكار في جميع أنحاء المجتمع من أجل السيطرة على التفكير وتجربة الحياة للجماهير كي يسهل استغلالها. أدرج جرامشي الدين المحافظ من بين هذه الأفكار.
بالمثل، ينتج المثقفين الناشطين من بين الجماهير مناهضة أفكار الهيمنة حيث استطاع المثقفين تأسيس مؤسسات مناهضة للطبقة الحاكمة، ومنصات للتعبير التي تتحد الحق في حكم من المجموعة المسيطرة.
وفقا لجرامشي، هذه الثورية في التفكير العقائدي يجب أن تبني تدريجيا الأيديولوجية التحررية التي ستصبح تدريجيا عالمية وخلقت تغيير تأسيسي في الفلسفة الشعبية (أي أيديولوجية الهيمنة) ودور الدولة.
يجب أن يخرجوا لنا نظرة عالمية تصبح أساسا لحزمة جديدة من النظم السياسية والاجتماعية من أجل إقامة دولة جديدة فيها يضع الحزب الثوري الطبقة العاملة موضع تمثيل مصالح المجتمع ككل مثل نظرية الديمقراطية العمالية الشاملة لجرامشي..
بالنسبة لجرامشي، تقوم الطبقة المهيمنة «الدولة» و «المجتمع المدني» بتعميم قيم الهيمنة، في حين تستخدم الطبقة الثورية "مجالس المصانع و"آليات مماثلة على نطاق واسع لتبني الأفكار التحررية".
تقوم الدولة بالدعاية لـلمجتمع ككل من خلال المثقفين التقليديين الذين يصغون معايير, وقيم، ومعتقدات الكنيسة، والنظام القانوني، والمدارس، ومن هذا القبيل غيرها من المؤسسات. عندما تثبت عدم فعالية هذه الإستراتيجية ومقاومة شعب مقهور من خلال تنظيم احتجاجات وإضرابات، وهلم جرا- وهو ما سماه جرامشي " أزمة في السلطة"- حيث تستخدم الدولة العنف عن طريق الجيش والشرطة للحفاظ على النظام القائم.
يستخدم جرامشي مصطلح "المجتمع المدني" لتحديد المؤسسات الاجتماعية التي تختلف عن مفهوم الدولة، التي تسيطر عليها الطبقة المهيمنة، والتي تشمل، على سبيل المثال، الجماعات الدينية والأحزاب السياسية التي ابتكرت ثقافة الهيمنة.
يؤيد جرامشي مجموعات مجالس المصنع للعمال التي نظمت في جميع أنحاء المجتمع، وتتلقى تعليم في الفلسفة النقدية- من جانب مفكرين ناشطين- كونها الوسيلة الأساسية لإثارة العصيان والتمرد، وإقامة دولة اشتراكية. بالنظر إلى أن الثورات عموما لا تنشأ عفويا، فإن هذه الاتحادات تكون ضرورية لتدريس الوعي الطبقي وتجهيز العمال ليحلوا محل الرأسمالية والاشتراكية.
نظرة بشأن التعميم التحليلي
التعميم التحليلي أسلوب بحثي يوظف النتائج التجريبية لدراسة الحالات لتفسير النظرية الحالية. يمكن استنساخ النتائج أو تضخيم النظرية، ذلك أن بحث دراسة الحالة يحكي عن النظرية في حال إجراء الاختبارات، حيث ينقح، ويحدد أهميته.
بالتالي، إن دراسة الحالة موضوع تحقيق شخصي بأن المحلل يتصل بالنظرية القائمة، مما يجعل من التعميمات بها ترتبط بالنظرية نفسها. من هذا المنطلق، إنني أزعم أن أيديولوجية الإخوان المسلمين، عندما تم دراستها كدراسة حالة، أبلغت عن بعض جوانب نظرية جرامشي.
الإمبريالية البريطانية العسكرية-السياسية
أخضعت بريطانيا مصر أولا بشكل سياسي ثم احتلتها عسكريا فيما بين الفترة من عام 1869 و1953 من أجل السيطرة على قناة السويس، وهو ممر حيوي لمصالح بريطانيا التجارية والإستراتيجية.
تطلبت التجارة ، والإدارة، والحماية العسكرية للمصالح الاستعمارية الهائلة للإمبراطورية البريطانية في الشرق أن تكون سفن الحرب والتجارة البريطانية غير مقيدة في الوصول إلى الممر المائي لبريطانيا العظمى التي تسيطر على دول شمال شرق إفريقيا.
إن تاريخ هذه العلاقة الاستغلالية، والذي بدأ فعلا قبل إنشاء القناة، ينقسم إلى فترتين محددتين: 1805 -1882,عندما تولت بريطانيا وفرنسا، قبل الغزو البريطاني، تدريجيا السيطرة على الشؤون السياسية في مصر من خلال الدبلوماسية، و 1882 -1953، حينما غزت واحتلت بريطانيا العظمى البلاد باستخدام القوة العسكرية.
مصر كمستعمرة أنجلو- فرنسية فيما بين 1805 - 1882
سعت بريطانيا وفرنسا بهمة لتحقيق مصالحهما الاستعمارية في مصر تدريجيا بداية في أوائل القرن التاسع عشر مخترقين اقتصاد البلاد السياسي خلال ممالك محمد علي (1805 -1848)، وسعيد باشا (1854 -1863)، والخديوي إسماعيل (1863 -1879) ومحمد توفيق (1879 -1892).
في منتصف القرن الثامن عشر, أستطاع الفرنسيون العاملين مع الأتراك العثمانيين الذين مارسوا السيادة على مصر من عام 1517 حتى 1914 التأثير على الخديوي سعيد كي يقوم ببناء قناة عبر برزخ السويس.
ومثلما أن القناة أصبحت تدريجيا أكثر أهمية بالنسبة للازدهار والتوسع الاقتصادي لبريطانيا عموما، فإن قيمة مصر ارتفعت بالمثل.
الخديوي إسماعيل، خليفة سعيد، كان قائدا ملهما يتمتع بشهوة مدمرة في الإنفاق ببذخ. تسبب هذا البذخ في ديون كبيرة للوطن اضطرته إلى اقتراض مبالغ كبيرة من الممولين الأوروبيين ثم إشهار الإفلاس. ليظل قادر على الوفاء، باع في عام 1875 أسهم مصر في قناة السويس التي تحقق أرباح هائلة إلى بريطانيا، مما جعلها أكبر مساهم مالي في الممر المائي.
عملت بريطانيا غير الراضية تماما عن سياسة إسماعيل، في عام 1879، على التعاون مع السلطان التركي، ورتبت لإقصائه من السلطة وتنصيب ابنه، توفيق باشا، جاعلين منه مجرد قائد دمية.
عند هذه النقطة, اتحدت بريطانيا مع فرنسا، وشددت الرقابة البريطانية على الاقتصاد المصري من خلال وضع سياسة الرقابة المزدوجة تتمتع بسلطات سياسية واسعة. ومع ذلك، أثناء إدارة توفيق، بدت الأمة قريبة من إشهار الإفلاس، وأصبح الوضع فوضوي.
في عام1881 و1882، نظم الجماهير في المدن والفلاحين في المناطق الريفية، وضباط الجيش تحت قيادة العقيد أحمد عرابي انتفاضات، في محاولة لخلع الخديوي (الحاكم) والحاشية التي وراءه من التحالف الأنجلو-فرنسي.
ومع ذلك، كان رد الفعل البريطاني سريعا وعنيفا: هزمت القوات البريطانية عرابي، وأعادت توفيق، وغزت عاصمة البلاد القاهرة.
باختصار، احتلت بريطانيا مصر بسبب الاضطرابات السياسية عام 1882 التي كانت تهدد المصالح البريطانية في قناة السويس. إذا قدر للثورة القومية النجاح، سوف يكون قد ألغى بالتأكيد أحمد عرابي السيطرة الأنجلو-فرنسية على الممر المائي كما كان هدد.
لقد عرضت الانتفاضة سيطرة بريطانيا على قناة السويس والتجارة مع الشرق للخطر، تسبب هذا القدر الهائل من التهديد الاقتصادي إلى هزيمة عرابي واحتلال مصر.
مصر مستعمرة بريطانية (1882-1953)
استخدمت بريطانيا إستراتيجيتين متميزتين سياسيا في فترة حكمها خلال 70 عاما منذ احتلالها لمصر. فيما بين 1882 و1914 حيث أنشأت ما سماه ميلنر(1899 : 1928)"مستعمرة خفية". بمعنى أنها زعمت أنها خولت لمصر قدرا من الحرية في تسيير شؤونها السياسية.
ومع ذلك, وجه المسئولون البريطانيون دفة السياسة الاقتصادية للبلاد لأجل تلبية مصالح إمبراطوريتهم، والخديوي ورجال دولته كانوا مجرد حكام صوريين. هذه الفلسفة السياسية تختلف عن تلك المستخدمة بين عامي 1914 و 1953، التي حكمت خلالها بريطانيا مصر باعتبارها "مستعمرة كاملة"، سيطرت على البلاد بشكل مباشر عن طريق القوة العسكرية.
كان الهدف الأساسي للمسئولين البريطانيين أثناء " المستعمرة غير المعلنة» التأسيس والحفاظ على الهدوء السياسي في جميع أنحاء مصر، من أجل حماية المصالح البريطانية في القناة. جاء كرومر أولا عام (1883 - 1907)، ثم جورست (1907 -1911) ، وأخيرا كيتشنر (1911 - 1914) باعتباره القنصل العام نجح في إصلاح الاقتصاد المصري وقاد الأمة إلى استعادة عافيتها المالية.
ترأسوا أيضا قوات الاحتلال البريطاني التي كانت تدعم الخديوي توفيق (1879 - 1892) وعباس الثاني (1892 - 1914) باعتبارهما حكام دمى مما ساعد على ضمان أن تكون السياسة الداخلية مستقرة نسبيا، والتي عادة ما كانت تقنع بها الجماهير، ويشعر الدائنين الأجانب بالرضا عنها بوجه عام، وبأن القناة كانت بأمان تحت السلطة البريطانية.
بيد أنه تغير هذا الوضع تماما مع اندلاع الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918)، عندما تحالف العثمانيون مع ألمانيا، وضمت بريطانيا السويس، وأعلنت مصر "مستعمرة مطلقة".
أثناء الحرب، دافع الجنود البريطانيين والهنود عن الممر المائي، ومنعت السفن الحربية البريطانية سفن العدو من المرور عبرها. وصلت مصر, قبل نهاية الحرب, إلى فوضى سياسية. في عام 1918، قدمت جبهة قوية قومية بقيادة سعد زغلول عريضة طلب للمندوب السامي البريطاني يقضي بالاستقلال، وهو ما تم رفضه جملة وتفصيلا.
وصل الانفلات الأمني جراء هذا الفعل حالة الغليان بطول البلاد الأمر الذي أدى إلى انتشار القوات البريطانية من أجل استعادة السلم والاستقرار. ومع ذلك، لم يضع حق القوميين سدى: ففي عام 1922، أجبروا بريطانيا العظمى على وضع حد للمستعمرة ومنح بلادهم الاستقلال.
بيد أنهم, نالوه بشكل صوري. مع اندلاع الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945)، مصر، باعتبارها موقعا استراتيجيا وقاعدة للعمليات، أنهت العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع ألمانيا وصادرت الممتلكات الألمانية.
قامت القوات الألمانية والإيطالية بغزو مصر في محاولة فاشلة للاستيلاء على القناة في الوقت الذي تزايدت فيه الأعمال العدائية. في عام 1942، أوقف الحلفاء زحف الألمان في معركة العلمين، واقتادتهم في نهاية المطاف وحلفائهم الايطاليين إلى الخروج من شمال إفريقيا.
ولكن المقاومة المصرية للحكم البريطاني كانت قوية لدرجة أن عديد من الوطنيين أيدوا خلسة القضية الألمانية، ومع انتصار الحلفاء في عام 1945، طالبوا مرة أخرى بالجلاء الفوري للجنود البريطانيين من وطنهم ومن السويس.
نتج جراء إحباط المصري وقوع مظاهرات مناهضة للبريطانيين، وأعمال شغب عنيفة، والتوقف عن العمل عندما رفض البريطانيين مغادرة البلاد.
وفي النهاية، في عام 1952, قاد ضباط الجيش تحت قيادة البكباشي "مقدم" جمال عبد الناصر انقلاب ابيض أسفر عن الاستيلاء على القاهرة أولا ثم جميع البلاد.
بعد ذلك بعامين، عندما أصبح ناصر رئيسا، وقع المفاوضون المصريون والإنجليز مسودة اتفاق. نص الاتفاق على جلاء تدريجي للقوات البريطانية على مدى 20 شهرا، مع استمرار تشغيل القاعدة البريطانية في منطقة القناة من غير العسكريين، وإعادة تفعيل عمل القاعدة العسكرية بموجب شروط معينة تتمثل في التعرض لتهديد عسكري يهد الأمن في منطقة الشرق الأوسط.
احترمت بريطانيا الاتفاق وأجلت المنطقة من دون وقوع حوادث كبيرة. في الختام، كانت السيطرة على قناة السويس السبب الرئيسي لاستعمار بريطانيا لمصر في الفترة ما بين 1869 و 1953. كان الممر المائي لا يقدر بثمن لأنها ربطت بين موردي السلع الأولية من الشرق مع المستهلكين الأكثر تصنيعا في الغرب.
ببساطة، كان من الضروري لأجل الرفاهية الاقتصادية لبريطانيا، وهذا كي يتم التأمين لا بد من شرط الهيمنة البريطانية على مصر الذي كان لا غنى عنه. الإيديولوجية الامبريالية البريطانية في نظرية جرامشي توضح الإنتاج ووظيفة إيديولوجية الهيمنة التي أنشأها البريطانيون لتبرير استعمار مصر.
وفقا لجرامشي، فإن الساسة والصحافيين، وغيرهم من محركي الرأي العام لمثل هذه الثقافة الشعبية من البريطانيين في الواقع كانوا مفكرين تقليديين كرسوا جهودهم لإنتاج وجهة نظر عالمية أعلنت شرعية إمبريالية بلادهم.
خلقوا أفكار أخلاقية تبرر موقف أبوي تجاه المصريين، واصفين إياهم بأنهم عرق أدنى من البشر غير قادرين على حكم أنفسهم دون إشراف أوروبي. أظهرت كتابات كرومر وميلنر، واثنين من رجال الدولة البريطانيين، الطريقة الأبوية في الحكم المؤيدة للتمييز العنصرية في " المستعمرة غير المعلنة" (1882 - 1914).
أشيد دائما بكرومر، القنصل العام من عام 1883 حتى عام 1907، من قبل معاصريه البريطانيين، مثل موسلي (1917)، المؤرخ الشعبي، مع منحه ألقاب شرفية مثل "صانع مصر الحديثة" (ص 3).
قدم كرومر باعتباره رمز السلطة بالنسبة للشؤون الأنجلو-مصرية بريطانيا باعتبارها بطبيعة الحال متفوقة على أمم شمال إفريقيا الذين كانوا غير متطورين ثقافيا ويتمتعون بالسذاجة السياسية حيث استفادوا من قيادته القديرة.
على سبيل المثال، صرح كرومر (1908) في مذكراته، التي كتبها بطريقة السرد التاريخي للقراء الشعبيين، أن "تاريخ الإصلاح في مصر" ناظر ما تم القيام به في بلدان أخرى حيث الحضارة الأوروبية [كانت]. . . تم تطعيمها بحكومة ومجتمع شرقي متخلف «(ص 5).
بهذه الطريقة، ساهم كرومر في الفكرة القائلة بأن التفوق المتأصل في بريطاني ، طبق بإتقان للتغلب على التقزم التنموي من جانب المصريين، مبررا «المستعمرة المستترة". وفقا لجرامشي، جسدت أفكاره أيديولوجية الهيمنة التي شرعت استغلال بريطانيا للأمم في شمال افريقيا.
وبالمثل، ميلنر، وكيل الأمين للشؤون المالية خلال إدارة كرومر، نشر في الصحف المصرية انكلترا في عام 1899 باعتبارها صاحبة تاريخ شعبي.
في هذا العمل، قدم الاحتلال البريطاني، ليس باعتباره ذا دوافع سياسية تعمل لصالح الإمبريالية، وإنما باعتبارها « مهمة » صعبة فرضت على [بريطانيا] كعمل لا ترغب فيه ولكنه مع ذلك أنتج «حصاد جدير بالملاحظة لتحسين الحالة الآدمية 'بين المصريين (ص 5 - 6).
أكثر من ذلك، " الحماية المستترة، وفقا لميلنر، وضعت «الحكومة المصرية في حالة من الوصاية من قبل أكثر المسئولين البريطانيون الأكثر تطورا ثقافيا وتقدما سياسيا (ص 28).
هذا الترتيب، في رأيه، أفاد المصريون بسبب «سمة التشبث بالنزعة [البريطانية]» والأسلوب الشبيه بالأعمال التجارية التي بها شرع على الفور انجليز معينين بإقرار الواجب الأقرب لهم دون النظر إلى اليمين أو اليسار «(ص 24).
وبالتالي، من وجهة نظر جرامشي، ميلنر، باعتباره مسئول استعماري ومثقف دستوري، استنسخ إيديولوجية الهيمنة التي شرعت تبعية مصر لبريطانيا العظمى.
على الرغم من أن سياسة الاحتلال تغيرت فعليا في عام 1914 مع إعلان وصاية مفتوحة"، ظلت إيديولوجية الهيمنة على حالها عند تفسيرها في ضوء فكر جرامشي. شيرول، صحفي يعمل في صحيفة التايمز، أيد هذه الملاحظة.
عمل بوصفه أحد شهود العيان عن الثورة العرابية، والاحتلال البريطاني« حيث كان يورد تقارير عن الأخبار السياسية في مصر فيما بين 1919 و1920، نشر وجهات نظره في كتاب بعنوان المشكلة المصرية. شيرول (1921)، أظهر موقف متغطرس واستعلاء، حيث عرض مصر بأنها كانت متقدمة تحت الوصاية البريطانية خلال " الحماية المستترة" (ص 93) وأطرى إدارة كرومر كما ورد في كتابه " أيام من الاستبداد الأبوي (ص 81).
تبين لنا عندئذ من حيث نظرية جرامشي، أربكت أفكاره نية التوسع الإمبريالي البريطاني عندما يستشهد بالاحتلال بأنه «الوصاية التي دفعت بنا قوة الظروف تولي مقدرات شعب مصر« (ص 78).
باختصار، عندما تأول من وجهة نظر جرامشي, أنتج المثقفين التقليديين ببريطانيا أيديولوجية الطبقة الحاكمة، التي تتميز بالأبوية العنصرية ، لتبرير إخضاع مصر.
أسسوا لفلسفة أيدت الشعور بالتفوق الثقافي والعرقي، وأنه يؤيد الفكرة القائلة بأنه من دون إشرافهم على المجتمع المصري من شأنه أن يتحول إلى الانحطاط والتدمير الذاتي. أيدت هذه الإيديولوجية الإمبريالية البريطانية التي قدمت في وقت سابق من خلالها استعمرت بريطانيا مصر من أجل السيطرة على قناة السويس.
إن التاريخ التنموي لجماعة الإخوان المسلمين (1928 - 1953)، باعتبارهم الأكثر تشددا دينيا في الأمة، أي من الناحية الفلسفية ناشطين سياسيين راديكاليين، تعهدت بإلغاء الهيمنة البريطانية، وإلى خلق مجتمع جديد يقوم على القرآن والشريعة.
بالنسبة لهم، الإمبريالية البريطانية قد دمرت مصر على نطاق واسع: انتهكت طريقة الحياة البريطانية تعاليم القرآن، ودمرت القوات البريطانية سلطة الدولة، وخرب الرأسماليين البريطانيين قابلية الحياة والنمو للاقتصاد الوطني.
ردت جماعة الإخوان المسلمين عن طريق الخلق ولترويج لمكافحة إيديولوجية الهيمنة التي تهدف إلى تحرير شعوبهم وتخلق مجتمع إسلامي مستقر سياسيا و منتج اقتصاديا. العقائديون المناهضين للطبقة الحاكمة، بدءا من حسن البنا (1906 - 1949)، مؤسس الجماعة، دعا إلى رسالة تتمحور حول الإسلام إلى أتباعه من الجماهير، ونظمهم في حركة تحرير.
مستخدمين القرآن كمصدر لأفكارهم، تردد جماعة الإخوان المسلمين المساجد, والمقاهي، وأماكن الأسواق, محاولين تسييس العوام حاملين رسالة دينية تتركز حول مناوئة الغرب. إن تاريخ الحركة، التي تؤرخ لإنتاج وتعميم هذه الأفكار، تنقسم إلى ثلاث مراحل رئيسية. النمو والتنمية في وقت مبكر (1928 - 1939).
خلال النصف الأول من القرن العشرين، بإلهام من البنا، برزت جماعة الإخوان المسلمين خارج سياق الاضطرابات السياسية وتطورت باعتبارها حركة إسلامية رسالتها تتمحور حول مناهضة البريطانيين. تحالف البنا خلال شبابه مع رجال دين مناوئين لأوروبا وتطورت باعتباره زعيم ساحر للجماهير خطف عقولهم.
بعد اكتسابه سمعة طيبة باعتباره ناشط مناوئ للغرب محدثا تابعين مشابهين له في تفكيره، أسس البنا جماعة الإخوان المسلمين في عام 1928. أولا في الإسماعيلية، مسقط رأسه، وبعد ذلك في القاهرة، حيث انتقل في عام 1933، وزار البنا المنازل الخاصة، والمقاهي العامة، والمساجد المحلية في الأمسيات وعطلات نهاية الأسبوع من أجل الترويج لأفكاره، وتوسيع معتنقي فكر جماعة الإخوان المسلمين، وتدريب الآخرين على تبني آراءه.
استطاع البنا توسيع الحركة بجهود كادر من صحفيين ومخاطبي الجماهير يشاطرونه نفس الرأي، بحيث أنه بحلول أواخر الثلاثينات كانت لها فروع في جميع أنحاء مصر وكذلك في السودان، وسوريا، ولبنان، وفلسطين، وشمال إفريقيا. توسع واضطهاد في وقت لاحق (1939 - 1945).
دخلت الحركة مرحلة جديدة خلال الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945)، حيث شهدت توسعا هائلا واضطهاد شديد على حد سواء.
بشأن التوسع, والمآخاة، من دون تغيير في مكافحة الإيديولوجية الغربية ، زادت قوتهم التنظيمية ونشاطهم السياسي. بحلول عام 1939، أنشأت نحو 500 فرعا في أنحاء مصر، يحوي كل فرع موظفين بالكامل، وتعليمات حول كيفية التواصل إذا ألقي القبض على قادتها أو أغلق المكتب المركزي.
أقامت فروعا أيضا في مناطق أخرى مختلفة من العالم الإسلامي، بما في ذلك العراق واليمن حيث دأب العملاء على الدعاية للجماعة وتجنيد الأشخاص لها، وخصوصا في أوساط الجماهير.
تطور هام إضافي تثمل في نجاحها في الجامعات، بما في ذلك جامعة فؤاد وجامعة الأزهر بالقاهرة، حيث بدأت أعداد كبيرة من الطلاب في الانتساب إلى الحركة.
في نفس الوقت انضم أعضاء من غير الطلاب من الطبقات العليا والمتوسطة إلى الجماعة. جماعة الإخوان المسلمين، من خلال الترويج لمناهضة الهيمنة الإيديولوجية، وضعت آلية متابعة بين العوام والطبقات المثقفة كانت قادرة على مواجهة تحديات خطيرة بالنسبة لغالبية هياكل التابعين.
خلال سنوات الحرب، بدأ مسئولون بريطانيون وعملاؤهم من المصريين طرح الإخوان بوصفهم خطرا وضرورة قمعهم بعنف.
منذ عام 1936، كانت تقوم الجمعيات بحملات دعائية صارمة مناهضة للاحتلال البريطاني في جميع أنحاء مصر ومناطق أخرى من العالم الإسلامي.
اكتشفت بريطانيا هذا التخريب الذي لا يطاق. هاجم رئيس الوزراء سري باشا، الذي جاء إلى سدة الحكم في عام 1940، واستجابة لضغوط من بريطانيا المنظمة، حيث صادر منشوراتها وأغلق المطابع الخاصة بها، واعتقال قادتها، بمن فيهم البنا نفسه.
على الرغم من أن هذا الاضطهاد استمر بشكل متقطع طيلة إدارات رئيس الوزراء النحاس (1942- 1944)، وأحمد ماهر (1944 - 1945)، والنقراشي (فبراير 1945- فبراير 1946)، وصدقي باشا (فبراير وديسمبر 1946)، والنقراشي (ديسمبر 1946- 1948)، ردت الإخوان المسلمين على ذلك بالصبر، وزادت عضويتها بدرجة كبيرة جدا.
تجديد في كهف العذاب (1945-1952), في عام 1945، باشرت جماعة الإخوان المسلمين المرحلة الأخيرة من التطوير، حيث كثفت التزامها بالجهاد (الحرب المقدسة)، في حين تعاني اضطهاد متزايد من الحكومة. في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، كان المناخ متفجر:
حاولت الأحزاب البرلمانية في مصر طرد المستعمر البريطاني دون جدوى، في حين عززت الإخوان المسلمين علاقتها مع الجماهير، وطالبت بالإصلاح تحت تهديد بإشعال ثورة.
في عام 1945، قدم البنا إلى النقراشي حاملا إنذارا نهائيا: إما أن يطرد رئيس الوزراء البريطانيين أو سيقود البنا الأمة إلى الجهاد.
أصبحت جماعة الإخوان المسلمين في عام 1945 أكثر عدوانية تجاه تحدي الهيمنة البريطانية. ردا على ذلك، هاجمت حكومة صدقي باشا بشراسة الإخوان المسلمين في عام 1946: سجنت الحكومة البعض منهم، بما في ذلك الأمين العام، ورحلت الآخرين، بل صادرة مطبوعاتهم، واقتحمت منازل الأعضاء.
عاد النقراشي بمجرد استقالة صدقي في ديسمبر 1946 إلى السلطة، واستمر الاضطهاد، ومع ذلك ردت جماعة الإخوان المسلمين بانتقاد الحكومة بشدة أكثر من أي وقت مضى، مطالبة إياها بإنهاء مفاوضاتها مع بريطانيا، ودعوة الأمة للجهاد.
ازدادت حدة هذا الصراع في عام 1948 عندما هزمت إسرائيل مصر جنبا إلى جنب مع الدول العربية الأخرى التي كانت تسعى لتحرير فلسطين. دعما لتحالف المسلمين، بعثت جماعة الإخوان متطوعين لمساعدة القوات المصرية.
إن خبراتهم في المعارك جعلتهم أكثر تهديدا لرئيس الوزراء النقراشي، الذين كان يخشى من أعمال تخريبية محتملة وضاعف جهوده من أجل القضاء عليها.
من خلال الأمر العسكري بتاريخ 8 ديسمبر عام 1948, قام بحل الجماعة وفروعها ومراكزها،وتمت مصادرة وثائق وأموال، ومنشورات، وتصفية شركاتهم، وألقي القبض على أعضائها.
وصلت الأمور إلى ذروتها في عام 1949 عندما تم اغتيال البنا، ولكن حتى ذلك الحين، واصلت الحكومة الاضطهاد الوحشي لأتباعها. ولكن، على الرغم من قتل الكثير منهم عمل أولئك الذين نجوا في الخفاء وضاعفوا من التزامهم للحركة.
في عام 1950، انتخب النحاس رئيسا للوزراء، وقام تدريجيا برفع الحظر الذي أثبت أنه دمر الجماعة. من تلك النقطة، سلكت جماعة الإخوان مسلكا مختلفا نوعا ما: في الوقت الذي أصبحت فيه أقل تشددا من الناحية السياسية، أصبحت أكثر تركيزا في الحقل الفكري.
عاودت الجماعة الظهور تدريجيا بمجرد أن أفرجت الحكومة عن ممتلكاتهم المصادرة وسمحت بإعادة صدور منشوراتهم.
لم تستأنف المواجهة المفتوحة مع الدولة رغم أنه في ذالك وقت استعادت قدرتها العسكرية، وأعادت التأكيد من جديد الإيمان والاستكفاء تماما بالإسلام، وجددت التزامها بتحرير البلاد.
بدلا من ذلك، بدأ العقائديين في إنتاج مجلدات مطولة بشأن تطبيق الإسلام على نقاط محددة في الحياة السياسية. صقلوا تصورهم للقرآن من أجل تعليم أفضل وتجهيز الجماهير لتحدي النظام الاستعماري.
في شهر يوليو 1952، قاد جمال عبد الناصر عددا من القادة العسكريين الساخطين إلى الاستيلاء على السلطة وإجبار الملك فاروق، وريث الحكم الملكي، إلى المنفى. شكل العسكر نظام الحكم وتولت رسميا السيطرة على مصر، وأعلنت البلاد جمهورية في عام 1953.
قبل اغتياله، أقام البنا علاقات مع الجيش استمرت حتى عام 1952 والتي مكنت الإخوان للعب دور كبير في انقلاب غير دموي.
هذا الجزء بالتحديد وضح سياسة جماعة الإخوان المسلمين وحدد قادتها باعتبارهم مثقفين وطنيين كرسوا جهدهم لإفراز أيديولوجية دينية نحوا التحرر التي من خلالها قادت الجماهير إلى التغيير الاجتماعي.
وظف المقطع التالي نظرية جرامشي في تحليل الطبيعة المحددة للأفكار التحررية لهذه المنظمة واستراتيجيها من أجل خلق مجتمع أكثر تركيزا فكريا تجاه الإسلام كجزء من الثورة الثقافية.
إن التعاليم الإيديولوجية لجماعة الإخوان العلنية والتي في كثير من الأحيان أنشطة عنيفة اتخذت تعبير متعمق واستراتيجي تجاه مناهضة إيديولوجية الهيمنة، إنها إيديولوجية أضفت شرعية على الحركة، وأدت إلى إثارة الجماهير، وتوحيد جزء كبير من العالم العربي.
إن فلسفة الإخوان، كما ذكر آنفا، تأسست على الإسلام، والتي، بسبب النظرة الشاملة والوحدة اللاهوتية والسياسية، كانت الأساس لأربعة أفكار تحررية ملحوظة. هذه الأفكار، التي أصبحت أكثر أهمية سياسيا عندما فسرت باستخدام نظرية جرامشي، وتشمل إقامة دولة القرآن، ونقد ما هو يأتي من الغرب، والتربية الإسلامية، والدعوة إلى الجهاد. الجميع يدعوا إلى الاكتفاء بالإسلام.
الإخوان, باعتبارهم مثقفين دستوريًا، دعوا بحماسة إلى الاستكفاء تماما بدينهم. كان الإسلام السلطة النهائية في كل مناحي الحياة البشرية, كنظام اعتقاد كامل في حد ذاته. كان الحكم النهائي في السياسة، فضلا عن الدين، ومعاملات الأسواق، وكذلك أمور الدولة.
بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين، إن الإسلام هو الدين الوحيد الصحيح نزل من الله عز وجل للقيادة على جميع الشؤون البشرية لجميع البشر في الكون.
هذا جعله محور اهتمام لا يقبل الجدال بشأن مناهضة إيديولوجية الطبقة الحاكمة عند تفسيره في ضوء فكر جرامشي. البنا يشرح هذه النقطة:
الإخوان التجأوا إلى كتاب الله وسعوا إلى الاستلهام والهداية منه بحيث علموا علم اليقين أن الإسلام هو هذا المعنى الشامل و الكامل، وأنه يجب أن يكون له الرقابة على جميع أمور الحياة، وأنه يتحدث عن جميع الأشياء، إن كل شيء يجب أن يخضع لحكمه، مطابقا لقواعده وتعاليمه، وأيضا الاستفادة منه. (الحسيني، 1981 : 62)
بالإضافة إلى ذلك، لقن البنا أن الإسلام لا يقتصر على فترة زمنية محددة أو موقع جغرافي. وأكد على أن الإسلام عالمي صالح لكل زمان ومكان على حد سواء، حيث يقدم التوجيه الصحيح لجميع البشر على حل جميع مشاكلهم، في جميع الأوقات، وفي جميع الأماكن.
وفقا لجماعة الإخوان المسلمين «الإسلام عقيدة وعبادة ووطن ومواطنة ودين ودولة، وقيم روحية، وعمل، وقرآن كريم، وسيفا « (الحسيني، 1981: 88). وباختصار، عندما ينظر إليها من منظور جرامشي، الإخوان المسلمين، باعتبارهم مناهضي الهيمنة الأيديولوجية، ابتكروا نظره إسلامية سياسية ودينية شكلت الهيكل الفلسفي الأساسي من اجل تحرير وطنهم من خلال الثورة الثقافية. الإسلام: الأساس لقيام دولة القرآن.
للاستمرار في ضوء نظرية جرامشي، روجت حركة المثقفين الدستوريين لفكرة هدامة سياسيا التي، نظرا لعالميتها، عرضت مبادئ الإسلام التي كانت بلا منازع مناسبة تماما لتوجيه جميع شؤون الدولة. وبالتالي، كسمة أساسية لمناهضة الهيمنة، كان الإخوان في الطريق لتشكيل حكومة قرآنية، وفسرها البنا كالتالي:
الإسلام الذي يعتقد الإخوان المسلمون جعل الحكومة أحد أعمدتها. . . لأن الإسلام هو نظام من القوانين وتنفيذها. . . إذا كان الإصلاح الإسلامي. . . يتيح إلى التنفيذيين صنع القوانين الوطنية، والتي لا يسمح بها الله. . . ثم النتيجة الطبيعية هي أن صوت المصلح سوف يكون صرخة في البرية. (الحسيني، 1981 : 63)
في بث هذه الفكرة في أوساط الجماهير، انتقد الإخوان الدستور الحالي، والبرلمان، والأحزاب السياسية، وطالبوا أن يحل محل الثلاثة مؤسسات إسلامية خالصة.
الإخوان اعتبروهم مخربين ثقافيين معللين ذلك بسبب القوانين المشتقة من أوروبا وغالبا ما تتناقض مع القرآن، وكان لا بد من رفض الدستور. على الرغم من أن المادة 149 تنص على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة ، ويمكن للحكومة، في الواقع، نقض المذاهب الإسلامية.
لذلك، طالبت جماعة الإخوان المسلمين إصلاح القانون كي تجعلها متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية.
علاوة على ذلك، الدستور الذي لا يقبل الجدل نتاج الإمبريالية البريطانية، وأنه لم يذكر المبادئ أو التدليل على فاعلية الشريعة الإسلامية. إنها جزء من نظام سائد وظيفته، وفقا لنظرية جرامشي، كان لتعميم القيم المهيمنة. متبنين شعار «القرآن دستورنا»، استنكر الإخوان الوثيقة نفسها وكامل الهيكل التشريعي المستمد منها.
شمل هذا الرفض القوانين المدنية التي تقنن لعب القمار، والربا، والدعارة، وشرب الكحوليات، والممارسات المحرمة قطعيا من خلال التعاليم القرآنية. هذه القوانين، عندما ينظر إليها من منظور جرامشي، قام بسنها مثقفين تقليديين لتجسيد استغلال الجماهير.
الترويج لهذا الحكم المؤسسي الخاص بالطبقة الحاكمة برر طلب الإخوان المسلمين تشكيل حكومة على أساس مبادئ الشريعة الإسلامية.
الإخوان, بصفتهم مثقفين بالشأن الدستوري، وجهوا انتقادات شديدة للبرلمان أيضا: إن في نظرهم، يؤثر سلبا على مصالح الفقراء، ويعرقل تشكيل حكومة إسلامية.
فيما يتعلق بالفقراء, الرأسماليين المصريين، الذين يميلون إلى التعاون مع قوات الاحتلال والخديوي الدمية، هيمنوا على الساحة السياسية والاقتصادية واحتكروا البرلمان وجندوا الجماهير.
في ظل هذا السياق الاستغلالي، قاموا بظلم العمال والفلاحين، وإجبارهم على انتخاب مضطهديهم للمناصب العامة، وإجبارهم على طاعة القوانين التي جسدت تبعيتهم.
بالإضافة إلى ذلك، انتقد العقائديين المناهضين للهيمنة بشدة البرلمان لعرقلتهم في إقامة الدولة الموحدة التي تخضع لنصوص القرآن.
في وجهة نظرهم, البرلمان، منذ إنشائه في عام 1923، كان على الدوام باستمرار مستعر؛ وأعضائه كانوا منشغلين دون كلل على الدوام بنزاعات داخلية تتعلق ببرامج معدة لخدمة مصالح ذاتية.
ولأن الإخوان المسلمين، باعتبارهم مثقفين هدامين، يعتبرون البرلمان منهزم أصلا بسبب التناحر الداخلي، باعتباره معوق لتطبيق واحده من أسمى الأهداف مما جعلهم يكرسوا جهدهم لتشكيل حكومة إسلامية موحدة غير قابلة للتجزؤ تلتزم بتعاليم النبي.
وبالمثل، وبعد الحرب العالمية الثانية، بدأت جماعة الإخوان المسلمين في الاعتراض علنا على الأحزاب السياسية، بحجة أنها تقوض القوة الوطنية وينبغي الاستعاضة عنها بنظام إسلامي غير حزبي.
لجرامشي، هذه الأحزاب، ومؤسسات «المجتمع المدني، استخدمت من قبل النظام الحاكم لإضفاء الشعرية على إيديولوجية الهيمنة، بالنسبة إلى ما هو حق وعدل، وللحصول على موافقة جماعية بالنسبة للوضع السياسي الراهن.
علاوة على ذلك، أصبحت القيادات الحزبية عامل فتنة وانقسام بدافع من الجشع الشخصي والطموحات الأنوية. بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمون، الأحزاب تفتقر إلى البرامج اللازمة لتحقيق أهدافها المعلنة، في حين أن الأهداف الحقيقية تتركز على الوصول إلى السلطة والسيطرة على الدولة.
بصفتهم متعاونين مع البريطانيين، يحظى مسئولو الأحزاب بدعم عسكري وسياسي من السلطات الاستعمارية، وتعاونوا معهم في استغلال الجماهير من أجل تحقيق مكاسب متبادلة.
بالتالي، فإن النظام الحزبي عرضة لعدم التفاهم مع القوة الوطنية وإساءة استخدام الموارد السياسية التي لولاها لكنا أحرزنا تقدما في الكفاح من أجل الاستقلال.
الإخوان، يعتبرونهم ثقافيين هدامين, وجدت أنه هذا الوضع لا يطاق. اقترحوا إلغاء جميع الأحزاب ويستبدل نظام الحزب الواحد على أساس تعاليم الإسلام. ومع ذلك، تتجاوز أفكار مناهضة الهيمنة إحداث تغيير جذري في الدستور، والبرلمان، والنظام الحزبي. لذا دعا الإخوان أيضا إلى إعادة إحياء الخلافة.
قاموا بالإشادة في وقت سابق بالهيكل الحاكم المتمثل في الخلفاء الراشدين، الذين تم اختيارهم من قبل الشعب على أساس خبرتهم في نص وروح الإسلام، التي تدير شؤون الدولة. يعتقد الإخوان أن تدهور الإسلام بدأ بعد نهاية فترة الخلفاء الأربعة الأوائل.
إنهم اضطروا من أجل تشكيل حكومة قرآنية حقا إلى العودة إلى هذا النموذج الإلهي الملهم على النحو المنصوص عليه من قبل محمد، وكان لابد من استعادة الخلافة باعتبارها مسألة واجبة ورمزا للوحدة. هذا كان جزءا من الثورة الإسلامية العالمية.
كرست المنظمة نفسها أولا لأجل تشكيل جبهة سياسية موحدة بين جميع الدول العربية، ومن ثم تنظيم الجماعة لتحرير إخوانهم من الهيمنة العلمانية في أنحاء العالم الإسلامي.
دعا إلى طرد الأجانب من كل جزء من الوطن الأم وتشكيل جامعة إسلامية مهمتها أن يروج لها بجرأة مثقفي الحركة وأن يلتزم أعضاءها بتنفيذها.
نختتم في ضوء فكر جرامشي، الاكتفاء جميعا بالإسلام، باعتباره سمة أساسية لأيديولوجية الإخوان، حيث تشكل الأساس الفلسفي الذي انتقد من خلاله المثقفين الدستوريين الدستور المصري، والبرلمان، والنظام السياسي، وطالبوا بالاستعاضة عنها بحكومة قرآنية بحتة.
أما العقائديون المناهضين للفكر الغربي، روجوا للأفكار التحررية التي تثبت أن الإسلام هو السلطة النهائية في الجسم السياسي لمصر والعمود الفقري للإيديولوجية لثورتهم الثقافية. الإسلام:
الأساس لنقد الاستغراب من وجهة نظر جرامشي، وزعماء الجماعة، باعتبارهم مثقفين دستوريين، ناشدوا الجميع بالاكتفاء بالإسلام، كما انتقدوا بشدة الثقافة الاجتماعية والاقتصادية الأوروبية باعتبارها مادية وإلحادية. احتجوا بأن تغلغل التأثير الغربي في المجتمع المصري قد ساهم في انحطاط الأمة:
أغرى الأوروبيون الدول الإسلامية لاقتراض المال منهم الذي كان يستخدم في وقت لاحق من أجل التدخل الاقتصادي، ومن ثم ملئوا البلاد برؤوس أموالهم ومصارفهم ومؤسساتهم. إنهم كانوا قادرين على تشكيل النظام الاقتصادي وفقا لرغبتهم واستغلال ثروات البلاد لمصلحتهم.
كما أنشئو المدارس والمؤسسات الثقافية لنشر الإلحاد، المذهب اللاأدري وازدراء الدين والوطن. إنهم يريدون من المتعلمين التخلي عن ثقافتهم ودينهم، وتقديس كل ما هو غربي والقيام به. (العابدين، 1988 : 58)
بشكل أكثر تحديدا، استشهد المسلمين العقائديين بفساد الغرب الاجتماعي وغضّوا النظر عن الجوانب الاقتصادية. فمن الناحية الاجتماعية, الأفلام البريطانية كانت مرفوضة:
كانت بذيئة وتسببت في الفجور، والمرأة البريطانية مجردة من الأخلاق؛ أما الموسيقى البريطانية فعدوانية فاسقة وتتسبب في الخلاعة.
عندما يفسر من وجهة نظر جرامشي، الجمعيات من المثقفين المناهضين الطبقة الحاكمة كانوا لا يلينوا في فضح الثقافة البريطانية باعتبارها مثيرة للاشمئزاز أخلاقيا وقمعية في النهج السياسي، وذلك من الدعوة لنشر العقيدة الإسلامية باعتبارها البديل الوحيد المعقول.
أسس مفكرو أوروبا التقليدين، وفقا لجرامشي، ثقافة مهيمنة تدافع عما هو جيد، وطبيعي، وصحيح من أجل إعلاء شأن طريقة الحياة البريطانية والحط من قدر تجربة المسلمين.
كانوا قد سعوا إلى ممارسة الهيمنة الإيديولوجية من خلال إنتاج النظرة التي من شأنها أن تقنع الجماهير المصرية التي كانت تبعيتها سليمة ومستحيل مقاومتها. اقتصاديا، في فترة الثلاثينيات، في عهد محمد علي، دخلت مصر في السوق الرأسمالي العالمي، وأصبحت تدريجيا أكثر اعتمادا على إنتاج المحاصيل النقدية.
في هذا السياق، ظهرت طبقة ثرية من ملاك الأراضي التي أيدت الحكم البريطاني والخديوي الصوري، واستغلت طبقة الفلاحين فرضت عليها ضرائب ثقيلة، وسوء أحوال المعيشة، ويأس عام.
عندما توسع سعيد في الاقتصاد خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر من خلال تشجيع رجال الأعمال الأوروبيين للاستثمار في مصر، سمح للأجانب للاستيلاء على جزء كبير من القطاع الاقتصادي.
فتح الرأسماليين الغربيين بقوة المصارف وشرعوا في تشغيل الشركات، ووقعوا عقود ربحية مع الحكومة. بريطانيا، كقوة احتلال، فضلت الخديوي وملاك الأراضي الشاسعة، والمستثمرين الأجانب، مما ساهم في استغلال الفلاحين وزيادة المسافة بينهم وبين الطبقة المهيمنة.
ومع ذلك، مستشهدين بالآيات القرآنية، الإخوان، باعتبارهم إيديولوجيون هدامين، استنكروا بصرامة هذا التفتت الاجتماعي والاقتصادي وحشدوا الجماهير والمتعاطفين معهم في معارضتهم بشدة. قام الإخوان بذلك على الرغم من حقيقة أن الهيمنة البريطانية قد نجحت في اختراق المجتمع المصري، بمعنى جرامشي، وافق كثير من المواطنين على الهيمنة.
اعتنق أعداد كبيرة من المصريين سواء علانية الثقافة الغربية أو سلبيا أذعنوا لتأثيره الاستغلالي. أرسلت غالبية الطبقة المالكة أطفالها إلى المدارس الأوروبية واستغلت تماما المزارعين الذين لا يملكون أرضا، في حين رفض أعدادا كبيرة من طبقة الفلاحين الأفكار التحررية وقبول التبعية الاجتماعية والاقتصادية.
أخيرا، من وجهة نظر جرامشي، على الرغم من تقدير الإخوان لنقاط القوة في الثقافة الغربية، وغالبا ما صفقوا للتطور التكنولوجي والدراية العلمية، أدانوا مع ذلك الآثار المدمرة للفجور الصارخ والمادية العمياء.
بالنسبة لهم، المثقفين المعادين للهيمنة، الإسلام العلاج مثالي: أنه دليل مؤكد النجاح لمعيشة الصالحين وشكل رادعا قويا للطبقات لاجتماعية. الإسلام:
الأساس لتعاليم القرآن في شروط جرامشي، الاستكفاء بالإسلام نقطة الانطلاق لتقييم نظام التعليم المصري ولإيجاد نهج قرآني بديل للتعليم.
شجع العقائديون المناهضون لبريطانيا تشجيع التعليم الديني بهدف استعادة جميع المسلمين إلى حظيرة الإيمان.في اعتقادهم تكثيف الوعي الإسلامي كان بلا منازع مناهض للهيمنة.
في نفس الوقت، انتقدوا بشدة نظام التعليم المصري باعتباره مؤيد للسيطرة الاستعمارية. انه بطبيعته يناقض مع الذات وغير عقلاني تماما:
إنه يقسم المجتمع على أسس دينية وعلمانية. أثبتت بذلك الانشغال بتكرار الثقافة السياسية الغربية، في حين خلقت حالة من الفوضى الفكرية، وتراجع ديني هام للنضال من أجل الاستقلال وعدم الانشقاق داخل المجتمع.
في الوقت الذي يصر فيه سياسيون مصريون على الفصل بين الكنيسة والدولة، دعا الإخوان إلى نظام تعليمي موحد على أساس العقيدة القرآنية كسمة رئيسية للثورة الثقافية. برروا مناهضة هذه الهيمنة الإيديولوجية الدينية قائلين:
في تحقيق الغايات والأهداف التي يحض عليها الإسلام، واستجلاء رسالة القرآن الكريم، والفهم الحقيقي للإسلام، ذلك أنه إذا أبقى البشر هذا في الاعتبار واطمأنوا لفوائده، فإنهم سيتصرفون وفقا لهم، وسوف يمتثلون لأحكامه. (الحسيني ، 1981 : 45)
بشكل أكثر تحديدا، قادة جماعة الإخوان المسلمين، عندما ينظر إليهم باعتبارهم مثقفون دستوريون بالمعنى الذي أراده جرامشي، نظروا في الجوانب الدينية للنظام المصري، والذي تمحور في جامعة الأزهر، والمساهمة في تبعية الشعوب له.
إنهم اتهموا الأزهر بالفشل في الحفاظ على وجود الإسلام قائما ومطبق لمواجهة تحديات العالم المعاصر.
علماء الأزهر (رجال الدين)، وفقا لجماعة الإخوان المسلمين، قد سمحت لطرق التدريس أن تظل عتيقة وتفسيرها للدين أصبح غير ملم بالمواضيع.
علاوة على ذلك، استسلم الأزهر أمام السلطة السياسية والتأثير المادي للقوى الاستعمارية، التي كانت في اتحاد مع الخديوي الدمية والرأسماليين المصريين والأوروبيين.
ردا على ذلك، استشهد مثقفي الجماعة بتعاون 'العلماء مع أعداء الله وبأنهم خونة للنضال من أجل الاستقلال.
أصروا على أن الإيديولوجية الإسلامية المناهضة للهيمنة هي البلسم الشافي الفلسفي لفشل الخيانة من جامعة الأزهر.
فيما يعلق بالتعليم العلماني في مصر، الإخوان، باعتبارهم أيديولوجية هدامة، انتقدت فلسفتها ومناهج التغريب التي تتبناها.إنهم سعوا إلى تدمير جميع أنواع النفوذ الاستعماري في المناهج بالفصول الدراسية، مطالبين بالقيود التالية:
في مرحلة التعليم الابتدائي، ينبغي ألا تدرس اللغات الأوروبية، ولكن فقط اللغة العربية والإسلام والقرآن.
في المرحلة الثانوية، ينبغي أن تضاف لغة أوروبية واحدة فقط، في حين ينبغي أن تستند كافة مؤسسات التعليم العالي على الكلية القديمة في مسجد الأزهر، حيث تعلم الإسلام في جميع فروعها ينبغي أن يكون إلزاميا. (هيوورث- دن ، 1950 : 61)
كما يشير هذا الاقتباس، اقترحت جماعة الإخوان نظام تعليمي بديل يستند على الأيديولوجية السياسية والدينية المناهضة للهيمنة وجلب العلم والسياسة، وغيرها من هذه المواضيع تحت سلطة القرآن.
عندما تفسر من وجهة نظر جرامشي، يرون أن التدريب الرسمي أمرا أساسيا لخلق مجتمع إسلامي جديد، وتحدوا الحكومة بضرورة اشتراط التعليم الديني في المدارس الحكومية، وإلى وضع برنامج لتطوير الأخلاق الوطنية.
استمروا في إنشاء المؤسسات التعليمية التي تحقق فلسفتهم ووضعوا منهجا دينيا مركز مصمم خصيصا للتغلب على الأمية، وتعزيز مكارم الأخلاق، ومصدر إلهام للقومية، وتشجيع الابتكار التقني والعلمي.
في جوهره، كما يعتقد المثقفين الدستورين، من أجل تقويض الهيمنة الثقافية البريطانية، أصبحت الفصول الدراسية امتدادا للمسجد، وحاولوا خلق نظام تعليمي يقوم على هذه الفكرة.
الإسلام: الأساس للجهاد (الحرب المقدسة) في وجهة نظر جماعة الإخوان المسلمين، الله أراد أن تتحرر مصر من الهيمنة البريطانية، ليس فقط من خلال نبذ العنف، على النحو المذكور أعلاه، ولكن أيضا، إذا لزم الأمر، عن طريق الجهاد.
على الرغم من أن مثل هذا الاستخدام للقوة يتعارض مع وجهة نظر جرامشي، إلا أن نظريته مع ذلك مفيدة في دراسة أهمية وإنتاج هذه الميزة الحاسمة لإيديولوجية الحركة المناهضة للهيمنة.
في تصور الإخوان المسلمين، ذكر القرآن الحكم الأجنبي بأنه تفريط في السيادة الوطنية باعتبارها حق إلهي لجميع الدول الإسلامية.
لذلك، يخول للمسلمين الإطاحة بقوة بكل أنواع القمع الاستعماري من خلال الدعوة إلى الجهاد بطول البلاد إذا اقتضت الظروف ذلك.
على الرغم من أن مثل هذه الإستراتيجية ستكون بالتأكيد دموية، فإنه مع ذلك يكون من الأفضل عدم تحمل العار الاجتماعي، والعجز السياسي، والانحطاط الديني. دعا المثقفون الدستوريون، بحكم التعريف، محارب مسلم لا يلين؛ وفقا للبنا، " أشترط الله أن يكون الجهاد واجب ضروري على كل مسلم ومسلمة، لا يمكن دحضه، ولا مفر منه« (عياد، 1987 : 98).
بالطبع، مثل هذه الحرب الإلهية مع أعداء الدين قد تنتهي بالاستشهاد. ومع ذلك، الموت في سبيل الله، من أجل التحرر، أقر بأنه شيء نبيل في هذه الحياة، ومثالي في الحياة الأخرى.
أعلن أخ, في ل التقديس الذي لا هوادة فيه للاستشهاد, "هذه هي أقصر وأسهل خطوة للخروج من مثل هذه الحياة إلى الحياة الآخرة« (ميتشل ، 1969 : 208).
معتنقا هذه الأفكار، كرس البنا وزملائه الثوريين أنفسهم لتشكيل مجتمع من المجاهدين( مجاهدين مسلمين لطرد البريطانيين من وطنهم وجميع الغزاة الأوروبيين الآخرين من العالم العربي في حال لم يتمكنوا من تحرير أنفسهم بغير العنف.
هناك التزام وطيد بالقومية المصرية، والتي، وفقا لمنظري الحركة، جاءت مستلهمة من الوحي الإلهي، وبالتالي مقدسة، تجسدت وتم تفعيلها لطرد البريطانيين بالقوة.
سعت هذه القومية إلى توحيد العالم الإسلامي خضوعا لسلطة الله من أجل إنجاز هذه المهمة المقدسة لإلغاء الحكم الأجنبي. مثل هذه القومية، والجهاد في جوهره، هو سمة من سمات الإسلام كأيديولوجية عالمية وشاملة لجميع مناحي الحياة ، كما يشرح البنا:
أن الإسلام نظام شامل يتناول جميع جوانب الحياة، بل هو نظام دولة وحكومة وأمة، بل هو الطابع الأخلاقي والسلطة أو الرحمة والعدالة، بل هو ثقافة وعلوم وقانون أو القضاء، وأنه المسألة والثروة أو الكسب والغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش ومثالية، كما هو عقيدة صادقة وعبادة لرب العالمين. (العابدين ، 1988 : 55)
تؤكد هذه الفكرة الجهاد كأداة من أدوات العنف التي منحت القوة للإيمان والسلطة للدولة، بحيث يتزاوج الدين والسياسة بموجب الاستكفاء بالإسلام.
خلاصة القول، إن حركة المثقفين الدستوريين، عندما يتطرق إليها من وجهة نظر جرامشي، قدموا الإسلام كوسيلة كاملة للحياة وأساسا للثورة الثقافية، وهي الثورة التي من شأنها في نهاية المطاف أسلمة الأجواء الاجتماعية والسياسية في مصر أولا ثم العالم الإسلامي بأسره.
جماعة الإخوان المسلمين، مثل جرامشي، أكدوا على دور مكافحة الدعاية المهيمنة ورفع وعي الجماهير واستلهامهم لخلق مجتمع قائم على المساواة. تحديدا، بالنسبة للبنا وأتباعه كان ذلك يعني بناء مجتمع يقوم على تعاليم الله.
يكشف تحليل جرامشي للتاريخ السياسي والإنتاج الفكري لجماعة الإخوان عن أن الجماعة ابتكرت إيديولوجية تتمحور حول الإسلام التي تؤكد أن جرامشي قريب للحكم الوطني، والنقد الثقافي، والتعليم الرسمي، والعدوان العسكري.
وهو يفعل ذلك لأنه يرى أن الدين إيديولوجية الهيمنة التي أنشأها المثقفين التقليديين لإرباك النظام السياسي القائم وتبرير تبعية الجماهير للطبقة الحاكمة. تبعا لذلك، يصرف الدين الطبقة الدنيا من تحليل ظروف الهيمنة المقلقة لهم، وفقا لجرامشي، "العقلية الدينية، والتي هي, مع استيعاب عقلاني والتقوى والثقة المطلقة في العناية الإلهية.
مثل التعاليم الدينية تستغل البشر بأن عدم وجود الامتياز هي إرادة الله وانه يسعد عندما يوافقوا بورع على شروط هذا الظلم. ومع ذلك، أصدرت جماعة الإخوان المسلمين أيديولوجية دينية مناهضة للهيمنة التي أسهب فيها جرامشي.
باعتبارهم مثقفون دستوريين، حشد جماعة الإخوان حركة مجتمع مناهض للحركة البريطانية تهدف إلى محو الاستعمار، والتحدي للجماهير لخلق مجتمع متأسلم. تواءمت أفكارهم الدينية مع سياساتهم التحررية ، معلنين لشعوبهم، نحن ندعوكم للإسلام، وتعاليم الإسلام، وقواعد الإسلام، وتوجيهات الإسلام. إذا كان هذا يعني أن السياسة لكم، يعنى أن هذه هي سياستنا «(الحسيني ، 1981 : 62).
علاوة على ذلك، الإخوان، عقائديون مناهضون للهيمنة الأيديولوجية، أسسوا نظام اعتقاد، لأنه بسبب الاستكفاء بالإسلام، خدم بمثابة السلطة العليا في الحكم الوطني، والتعليم الرسمي، والنقد الثقافي، والدفاع العسكري.
بالنسبة إلى الحكم الوطني، سعت الحركة إلى إلغاء النظام الدستوري في البلاد واستبداله بدولة إسلامية على أساس المبادئ القرآنية.
مستشهدين بأن الدستور المصري يتعارض مع تعاليم الله، أسسوا ثورة دينية من وحي السياسية، متعهدين, نحن لا يجوز أبدا بقاءنا بلا حراك. . . ولا يجوز أن يهدأ لنا بال حتى نرى القرآن مطبق في الدستور، ونحن نعيش لهذا الهدف، أو نموت في سبيل تحقيقه (الحسيني ، 1981 : 42).
هذا الموقف يتوافق مع جرامشي، لأنه يعتقد أن الأفكار الدينية تم جلبها وتبناها مثقفون تقليديون لإرباك صعود الطبقة المهيمنة وتعزيز السلبية بين الجماهير المستغلة. بالنسبة له الدين بمثابة القمع وليس تحرر.
انشغل قادتها وناخبيهم بالخوارق، لم يهتموا بإلغاء حقائق الزمنية للاضطهاد السياسي. نفى جرامشي احتمال وجود دستور مستوحى من الدين أو نهج ثيوقراطي للحكم الوطني مثلما دعت جماعة الإخوان المسلمين.
بشأن التعليم المدرسي الرسمي، الذي الإخوان باعتبارهم مثقفين مناهضين للطبقة الحاكمة، أسسوا نظام تعليم على أساس الاستكفاء تماما بالإسلام ويهدف إلى تحرير الشعوب من الاضطهاد الفلسفية. طالبوا بأن العلم والسياسة، وغيرهما من التخصصات تفسر وتقدم في إطار السلطة القرآنية.
أصروا على اتفاق المناهج الدراسية مع إيمانهم وتسهم في تحرير الحياة الاجتماعية والسياسية للشعوب. زادت أفكارهم عن جرامشي في ذلك، على الرغم من انه أيد خلق نظام تعليمي مناهض للهيمنة من خلال المثقفين الدستوريين، إلا أنه لم يرتكز على نظرية أن هذا النظام سيكون له أفكار دينية باعتباره مصدر لها.
لأنه، وفقا لجرامشي، جسد الدين بأدلة الوضع السياسي الراهن، وكان الزعماء الروحيين في الواقع من المثقفين التقليديين الذين أنتجوا الهيمنة الإيديولوجية. من وجهة نظره، النظام التعليمي التحرري المستلهم من الذات الإلهية مثل الذي أبدعه الإخوان غير متصور.
فيما يتعلق بالنقد الثقافي، اعتبر جرامشي أن الدين عرقل التفكير المنطقي. لأن الدين ذاتي وخارق للطبيعة في توجه، يعتمد بالضرورة على شيء رسمي، مثل البابا " لإعطائه الوحدة والتماسك، والمعقولية."
بالتالي، بالنسبة لجرامشي، الدين كان عديم الفائدة كأداة من أدوات التدقيق العلمي والتحليل الاجتماعي أو التقييم السياسي، وخصوصا عندما ينظر إليها من زاوية مناهضة الهيمنة. لقد كان متأثرا بالكنيسة الكاثوليكية في عصره التي درست للجماهير القبول بسلبية ظروفها السيئة، إذ اعتبرها أمرا إلهيا.
ومع ذلك، أعادوا في نظرية جرامشي الحياة من خلال توظيف الإسلام بوصفه أداة فاعلة للتحليل الثقافي المناهض للطبقة الحاكمة.
قالوا, مستدلين بالقرآن بأنه مرجعيتهم، الذي دمر التغريب النزاهة السياسية والجدوى الاقتصادية للأمة، وأنهم يدعون الله تمكينهم من طرد البريطانيين. البنا يتبنى هذه الأفكار:
يا الله، هؤلاء المغتصبين البريطانيين احتلوا الأرض، وسلبوا الحقوق، وعاثوا في البلاد ظلما، وزاد الفساد فيها. . . يا الله، أجعل الدائرة عليهم، ابتليهم بالأمراض، أذل دولتهم، واقتلع سلطانهم من أرضك، لا تمكن لهم ضد المؤمنين. (الحسيني ، 1981 : 63).
وبالتالي، أنشأت جماعة الإخوان المسلمين فكر عقائدي قدم نقاط فلسفية مرجعية لنقد الثقافة الاجتماعية والسياسية التي تخضع لها؛ وفي القيام بذلك تفوقوا على فكر جرامشي.
بشأن الدفاع العسكري، تبنى الإخوان الإسلام كأيديولوجية للجهاد، وعلموها، وعندما فشلت السبل السلمية.
اشترط الله من جميع المسلمين حمل السلاح ضد الغزاة وأعداء الدين. إنهم يصرون على أن «كل رجل جندي من جنود الله يبذل نفسه وماله ويتوقع شيئا في المقابل، وأوضحوا أن " إذا تعرض مجد الإسلام للتهديد فإنه يتحتم على كل مسلم أن يكون جندي الأول في الاستجابة للدعوة، والتسابق للجهاد (الحسيني ، 1981 : 58).
يتسع هذا الفكر عن حجج جرامشي بأن الجماهير عندما تصبح لها وعيا سياسيا وتتحدى بجد السلطة الحاكمة، فإن الدولة توظف العنف للحفاظ على هيمنتها. تنبأ بأن النظام المهيمن سوف يسود باستمرار في هذه المواجهات التي وصفها بأنها "الأزمات في السلطة".
أرجع ذلك إلى أن الدولة تمتلك أدوات للعنف مثل العصي والسلاح، وتسيطر علي مؤسسات القمع مثل الشرطة ونظام العدالة الجنائية، فإنه لا يمكن الإطاحة بها بالقوة.
لذا، على الرغم من أن نظرية جرامشي تشمل حرب عنيفة، فإن الفكرة التحررية والدينية مستلهمة الحرب التي قامت بها الجماهير تؤكد لنا بوضوح تفسيره لعلم الاجتماع. انه لا ينظر في أن الجماهير قادرين على التنظيم بفاعلية والحشد نجاح مثل هذه المبادرة: أنهم ليسوا من ذوي الخبرة أو مجهزين بالدرجة الكافية للقيام بذلك.
بالتالي، انه يعارض استحداث ثورة عنيفة. بالإضافة إلى ذلك، انه يعتبر الدين يهيمن بلا كلل. لذلك، عندما نادى مثقفو الحركة الدستوريين بشن حرب مقدسة، فإنهم تفوقوا على فكر جرامشي بإضافة عنصر استراتيجي وإيديولوجي لفكرته التي تنادي بمحاربة الهيمنة.
في الختام، هذه الدراسة، باستخدام نظرية جرامشي لتفسير الإنتاج الإيديولوجي لجماعة الإخوان المسلمين، تؤكد أن الجماعة ابتكرت إيديولوجية إسلامية فاقت نظرة جرامشي. أنها تدعي أن جماعة الإخوان المسلمين تبنت أفكار وفقا للحكم الوطني، والنقد الثقافي، والتعليم الرسمي، والدفاع العسكري التي لم يدرجها جرامشي في نظريته مناهضة الهيمنة، وبهذه الطريقة فإنها تسهم في الأدب بشأن فكر جرامشي.