الإسلام السياسي والديمقراطية
مركز دراسات الإسلام والديمقراطيةالمؤتمرالسنوي التاسع
بقلم:أ.نيللي لحود
توطئة
منطق الجهاد ضد الديمقراطية رأت الكثير من الجماعات الإسلامية السنية في العالم الإسلامي أن يقوموا بتطوير أجنداتهم السياسية من خلال الدخول إلى الانتخابات، أما جماعة الجهاد العالمية فقد عارضت بقوة هذا الاتجاه.
وفي الحقيقة فإنهم قد ادخروا بعضا من أقسى انتقاداتهم لمثل هذه الحركات الإسلامية التي يعتبرها المجاهدون حركات انحرفت عن الطريق الإسلامي الصحيح والشريعة الإسلامية الوسطية.
ومن هذا المنطلق فإن الجهاد هو خروج واضح عن الإسلام السياسية والتيار الإسلامي السياسي. وعلى خلاف الإسلاميين الذين يستخدمون الإسلام كأداة للحلول السياسية بحيث يدمج بعضهم الإسلام مع العمليات الديمقراطية.
والمجاهدون قد رفضوا الديمقراطية وقالوا بأنها مخالفة دينية لتعاليم الإسلام وقاموا بتكريس مظالمهم السياسية وصياغتها في شكل معارضة مذهبية عنيدة. وفيما يلي سأقوم بوصف – من وجهة النظر الجهادية – سبب اعتناقهم للحلول المذهبية لمشكلاتهم التي يسعى الآخرون لحلها بطريقة سياسية وديمقراطية:
أي بني، سوف يحدثونك عن السلام، فلا تسمع لمثل هذا الحديث لأنني منذ صدقت حديثهم ما زلت أعيش في خيمة.
وكعادته، عندما قام أسامة بن لادن بقول هذه الكلمات في واحدة من خطبه في عام 2004، عَلِمَ أنه بإثارة مأساة الفلسطينيين يمكنه أن يصنع قضية للجماهير حول السبب الذي يجعل من الجهاد المسلح طريقا وحيدا للتغيير السياسي الفعال في العالم الإسلامي. أما ما تلاه من أبيات فقد كان من شعر الشاعر هشام الرفاعي.
وقد كانت بقية القصيدة تخبر بقصة غياب الفلسطينيين الذين طردوا من ديارهم في 1948 والذين ظلوا حمقي لمدة عقود لأنهم صدقوا قادتهم الذين وعدوهم بالعودة إلى ديارهم مرة أخرى. أما بالنسبة للبعض ممن ليس لهم وطن ويعيشون في الخيام فإن هذا كل ما يمكن أن يورثه إلى ذريته. يبكي الفلسطينيون كلما سمعوا هذه القصيدة فإنها تجسد شعبا كان بأرض وأصبح بلا أرض وليس له حق في أي أرض.
أما بالنسبة لابن لادن ومن على شاكلته من المجاهدين فإن المشكلة الفلسطينية الدائمة – بالرغم من زيادة مؤتمرات السلام، والقرارات المهيبة والمعاهدات القائمة لحل هذه المشكلة – تعد شيئا عارضا بالنسبة للمشكلات العريضة في العالم الإسلامي.
ولا تتمثل فقط فيما يعتبره المجاهدون كاعتداء الإمبريالية الغربية على الأراضي الإسلامية ولكنها تتمثل أيضا في حكوماتهم الديكتاتورية المشتركة في جرائم الفساد والقمع التي استوطنت في العديد من أجزاء العالم الإسلامي وليس فقط في المملكة العربية السعودية قلعة الأماكن الإسلامية المقدسة.
وقد كان ابن لادن واضحا في الشكاوى السياسية التي يعتقد أن الأمة كلها تعاني منها. وفي خطاب لملوك السعودية اتهم الأسرة الحاكمة في السعودية بالطغيان والفساد وأشار إلى أنه لو قامت الأسرة الحاكمة في السعودية باستثمار عوائدها من البترول وصفقات السلاح مع الشركات الغربية لمصلحة الأمة فإنه كان بإمكانها إيجاد عمل للعاطلين وتحسين الظروف المعيشية للشعوب.
وباللغة الاجتماعية شرح ابن لادن للعائلة المالكة في السعودية قائلا: "إن القيادة ما هي إلا عهد بين القائد ومن تبعه بحيث يكون لكل من الطرفين حقوق وواجبات. ويُنقض هذا العقد إذا ما حاز عليه القائد لنفسه ليخون مجتمعه وأمته. وهذا ما عليكم أن تفعلوه (تنقضوا العهد).
اغتصب القادة ثروات الأمة وهؤلاء الذين لا يخضعون لهذا الاغتصاب من قبل حكوماتهم الفاسدة فإنهم يسجنون أو تنتهك إنسانيتهم من خلال التعذيب المهين.
ويقول المجاهدون أن هذه الأفعال تجري بلا شك على مرأى من الدول العربية الديمقراطية وبمباركة منها وعلى رأسها الولايات المتحدة وحلفائها. وهذا هو سبب ما قاله أسامة بن لادن للشعب الأمريكي:
"إن حكومات بلادنا – التي تعمل كعملاء لكم –تهاجمنا بصفة يومية، وإن قتالنا ضد هذه الحكومات لا ينفصل عن قتالنا ضدكم."
وفي كتاب المجاهدين فإن الشعب الغربي لا لوم عليه. فإذا ما اعتبرت هجمات القاعدة إرهابية، فإن ابن لادن يخبر الشعوب الأوروبيين ويقول، "إذن فإنكم وأفعالكم يجب أن تكونوا كذلك (إرهابيون)، لأن هجمات القاعدة ليست سوى رد فعل على أفعالكم."
وإذا ما أردا الناس ألا يهاجموا داخل بلادهم، فإن عليهم انتخاب حكومات تمثلهم بشكل حقيقي، لأن ظلم حكوماتهم المتواصل سوف يحول المعركة إلى داخل الولايات المتحدة نفسها، وقد كان هذا التحذير من ابن لادن قبل أربع سنوات من هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
إن المجاهدين الذين يتحدث عنهم ابن لادن قد تبنوا موقفا ساخرا من التشريع الأخلاقي والحكومي، فيما يتعلق بالجنس البشري. إنهم لا يؤمنون بأن القيم الإنسانية الشاملة واحدة فإذا كانت العلاقات بين البشر تمتاز بالسلطات المتطاولة فمن ثم فإن هذه السلطات تضمن أن أوامرهم قد صدرت لتخدم مصالح الأقوى.
أما بالنسبة للالتزام الأمريكي بنشر الحرية في العالم الإسلامي، قال الظواهري أن هذا الأمر ما هو إلا مهزلة كاملة. وأكد على أنه لولا المساعدة الأمريكية لما كان الرئيس مبارك ليحكم لفترة رئاسية خامسة في العام 2005، بالرغم من عدم شعبيته وسط الشعب المصري، ولنفس السبب لم يكن ملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز لينجح في الصعود علي عرش المملكة لو أن الشعب السعودي قال كلمته. وإشارة لمثل هذا النفاق، القي ابن لادن الضوء على مواقف منعت فيها الولايات المتحدة أحزابا إسلامية من الدخول إلى الانتخابات.
وأشار إلى كيفية منع جبهة الحل الإسلامية الجزائرية من الحكم عندما فازت في انتخابات عام 1991. وفي الآونة الأخيرة أشار إلى كيفية مقاطعة المجتمع الدولي للحزب الإسلامي الفلسطيني (حماس) بعد فوزه في انتخابات عام 2006.
وتقوم القاعدة بإظهار هذه المواقف لتحذير المسلمين لعدم الوقوع في فخ الديمقراطية الذي ينادي الغرب به وأن يناضلوا من أجل تشكيل أحزاب سياسية يخوضون بها في سباق الانتخابات. ويقول ابن لادن، إن الديمقراطية عندهم للعرق الأبيض فقط أما بقية العالم فيجب أن يعاني من السياسات المخيفة وغير البناءة للولايات المتحدة وحكوماتها، وهم من يعرفون بأصدقاء أمريكا.
كما أنه يحذر المسلمين من أن الديمقراطية ما هي إلا "فكرة خداعة"، فهي تمثل واحدة من سلاسل اللهو التي وظفها الغرب مدة عقود ليضمن ثُبات الأمة. وبإتباع نفس المنطق يحذر الظواهري أن الولايات المتحدة لم تقم أبدا بتحقيق مصالحا إلا بنشر القمع والإرهاب على أيدي حلفائها الإسلاميين. وقد توصل الظواهري وآخرون في القاعدة إلى أن العالم الإسلامي في حاجة ماسة إلى تغير جذري وشامل.
إنهم يؤمنون بأن إسرائيل ليست هي المشكلة الوحيدة التي تواجه المسلمين في المنطقة بل إنها مجرد مبرر تقوم أنظمة الشرق الأوسط من خلاله بتضليل شعوبها ومن ثم إطالة مدة حكمهم غير الشرعي على هذه الشعوب. وفي مقال نشر عام 1995 بعنوان "الطريق للقدس يمر بالقاهرة"، يوضح الظواهري فكرة أعداء المسلمين. لن تحتل القدس حتى تقع معارك في مصر والجزائر ودولا إسلامية أخرى أو بمعنى أصح "حتى يتم احتلال القاهرة نفسها."
إن الطريق إلى التغيير الشامل يجب أن يكون من خلال الجهاد تحت شعار واحد وهو إعلاء شرعة الله وأن تحل محل أي قانون بشري مثل الديمقراطية والإشتراكية وغيرها. فبالنسبة للمجاهدين، لا تمثل الديمقراطية سوى نظام حكم ابتدعه البشر ويرون أنه يقدم العدل للغرب فقط والظلم للعالم الإسلامي. ولأنهم يرون أنفسهم يدافعون عن المسلمين ضد قمع الغرب فإنهم يرون الديمقراطية منافية لتعاليم الإسلام.
وبناء عليه فإن الذين يدخلون في إطار عمل هذه العملية الديمقراطية يقومون بالاشتراك مع الغرب ضد مصالح أمثالهم من المسلمين، ويجب أن يتم مقاتلتهم حتى يرجعوا عن هذه الطرق. وبإتباع المجاهدين، فما هو الطريق الأفضل لتخليص الأمة "الحقيقية" من أعدائها الداخليين (المسلمين المتحالفين مع الغرب) والخارجيين (التحالف المسيحي اليهودي)، وهذا أفضل من إعلان الجهاد العالمي والذي يمكنه أن يؤدي إلى عدم استقرار الجانبين وتدميرهما.
ووفقا للظواهري فإن الطريق للخلافة ليس بالطريق السهل وأن المجاهدين هم الذين سيخوضون هذا الطريق ويتحملون مشقاته. ولإكثار عددهم فإنه من الصعب أن تجعل الطلائع الجهادية المسلمين على دراية بالعدو وبذلك ربما يفهمون لماذا عليهم أن يتمسكوا بالجهاد. ولتحقيق مثل هذا فإن الإستراتيجية تضم العديد من الجبهات:
•ضرب الأمريكان و اليهود في العالم الإسلامي. وهناك ثلاث فوائد من هذا الأمر:
-إضرار "العدو الأساسي الذي يتخفي من ضرباتنا وراء عملائه(الإسلاميين المرتدين)" بشكل مباشر.
-كسب تعاطف العامة، التي تحمل مشاعر مضادة لهذا العدو.
-فضح النظام الذي سوف يقوم ليهاجم المجاهدين بقوة من أجل الدفاع عن الأمريكيين واليهود، كاشفة عن وجهها القبيح، هذا الوجه الذي يتمثل في رجل الشرطة الذي يمكنه التضحية بنفسه في خدمة المحتلين أعداء الأمة.
وفي سبيل تحقيق تغيير أكثر شمولية فإننا يجل أن نحرك المعركة إلى أرض العدو، والسبب في هذا هو أنه عندما تصل شظايا المعركة إلى بيوت وأجسام كل من القادة في واشنطن وتل أبيب فإنهم سوف يتحركون ويتبادلون اللوم مع عملائهم الإسلاميين المرتدين والذين سيعتبرونهم كسالى عن تأدية دورهم.
أما بالنسبة لفكر الظواهري، فإن هذا السيناريو يمكنه أن يجبر القادة لاختيار أحد الأمرين؛ فإما أن يعيدوا النظر في إستراتيجيتهم أو أن يدخلوا بأنفسهم في معركة ضد المسلمين وفي هذه الحالة يمكنهم أن يحولوا المعركة إلى جهاد واضح ضد الكفار. ولذلك فإن على المجاهدين أن يكونوا مستعدين للمعركة غير المقصورة على منطقة واحدة بل إنها تشمل العدو الداخلي المرتد إلى جانب العدو اليهودي المسيحي الخارجي.
وبشكل عسكري مرتب فإن هدف المجاهدين هو جعل الجهاد كواجب فردي وظاهرة عالمية. فيجب التسويق للجهاد بهذه الطريقة لمناشدة جميع المسلمين في جميع أنحاء العالم؛ فمهمة الطلائع الجهادية ليست لتنظيم المسلمين في حركة بل إنها يجب أن تبسط تنظيم فكرة الجهاد، ويمكن لهذا أن يقوم به المسلمون بشكل مستقل، من خلال أنفسهم كجزء من خلايا أصغر مستقلة. ويمكن أن يكون جهادا شخصيا مثل بقية الواجبات الدينية مثل الصلاة والزكاة.
وفي العالم الجهادي المثالي فإن مثل هذه الإستراتيجية جيب أن تقود في النهاية على الأقل إلى عملية جهادية ناجحة كل أسبوع ويمكنها أن تصل لكونها ظاهرة واقعة بعد ذلك. والأكثر من ذلك أنه منذ اعتمدت ظاهرة الجهاد على الفكرة وليس على التنظيم، كان من الصعب على العدو هزيمتها. فإذا ما تم القبض على علي خلية جهادية واحدة فإن بقية الحركة تستمر على قيد الحياة، لأنها الأمة هي التي تقاتل وليست جماعة من المقاتلين فقط.
ولهذه الأسباب وأكثر منها احتفظ المجاهدون بانتقاداتهم اللاذعة لكل من الإخوان المسلمين في مصر وحماس لمشاركتهما في العملية الديمقراطية وجعلها من وسائل تحقيق أجندتها السياسية.
بقلم: مارك جولد
قسم الاجتماع
مقدمة
ما يرتكز عليه موقف الإسلاميين هو أن الشريعة (وفي بعض الأوقات القرآن والسنة) يمكنها أن تعمل كدستور للدول الإسلامية تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر وإذا ما تم تمثيل الشريعة بشكل دستوري فإنها سوف تضمن اتفاق القانون مع المفاهيم الإسلامية.
وهذه الرؤية تعارض الفلسفة التنويرية لوضع القانون حيث تقل التدابير الدستورية إلى إجراءات وربما يمثل البرلمانيون الشعب وربما يمرر أي قانون مبرر بشكل إجرائي.وإنني أقول بأننا ضللنا الوضع الإيجابي الذي يقول بأن القوانين يجب أن تبرر بشكل إجرائي في ضوء القيم الدستورية وأن تكون هناك شرعية لأولئك الذين يضعون هذه الإجراءات.
وإذا كانت هذه الحجة محسوسة فإن الشريعة ربما تقوم بعمل مجموعة من القيم الحقيقية ولا تزال قادرة علي وضع المبادئ الدستورية.
كما أن القانون الحقيقي للتشريع لا يقم بنفسه بمنع "الدستور الإسلامي". كما أن النتيجة لا تتعارض مع السؤال حول فعالية دستور مأخوذ من الشريعة. وإن علينا أن نسأل إذا ما كان هناك اضطرابات تركيبية حول نوع القانون الحقيقي المتسق مع نظام دستوري.
وإذا كان الأمر هكذا، فهل تتفق الشريعة مع هذه الاضطرابات البنائية؟ تعتمد إجابتنا علي هذا السؤال علي وصفنا للدستور والدستورية (براون 2002). فإذا ما ألفنا بين الاثنين واقترحنا ضرورة إقامة حكومة محدودة مسئولة من الشعب فإنه من المحتمل تحديد "الدستورية" علي شكل حكم موجود في "الغرب"، وربما نقوم بإعاقة إمكانية أي شكل من أشكال الدستورية.
ويظهر هذا النموذج "لدستور حر" ليكون "تقييدا للثقافة". كما أن تنظيم النشاطات السياسية عن طريق الشريعة ربما يستلزم شكلا مختلفا من "الدستورية" أكثر من هذا الذي وجد في "الغرب."
وبشكل مختلف يناقش هذا التقرير مظهرا بسيطا من الدستورية. ويمكن للدستورية بشكل بسيط أن تمكن للدستور/ بناء النظام الإجرائي بحيث يمكن قبول قانون جديد. فإذا كانت القدرة علي تشريع قانون جديد تعد أمرا رئيسيا للدستورية فإنه من الواضح أن الشريعة قامت علي سلطة الله وإرادة الله الراسخة تعد غير مؤهلة لتطبيق هذه المهمة الدستورية الشاملة.
وسوف يقوم البعض بانتقاد القول الثاني بأنه افتراض، ولو ضمنيا فقط، فقد وجد نوع الدستورية الليبرالية في الغرب الحديث. وإنني أقول بأنه لو قمنا بتصنيف النظام علي أنه دستوري فإن النظام يجب أن يمكن لنظام قانوني فعال نظام يقبل فيه التشريع وصياغة القوانين الجديدة المقبولة بشكل إجرائي (هارت 1965 (1961)؛ هارت 1997 (1961))، كلاهما ممكن وشرعي.
وبينما كان المحتوى الثقافي لهذه القوانين متغيرا وربما اختلف في الدول ذات الأغلبية المسيحية وذات الأغلبية الإسلامية (أو في الأمة)، فإن إمكانية عمل القانون، وليس إيجاد القانون بشكل بسيط، تعد ضرورة ماسة للنظام الدستوري.
فجميع الأنظمة الدستورية تقوم بوضع آليات تتيح التشريع المسبب والأحكام القضائية، بحيث يجب أن تشرع الإجراءات فيما يخص القيم الدستورية للنظام القانوني وضمير المجتمع والدين المدني للمجتمع إذا ما كانوا يريدون التبرير بشكل ناجح. ويجب أن يقوم الدستور بتشريع القدرة علي إيجاد قانون جديد بأسلوب مطابق للصورة الإيجابية للتشريع.
وللقيام بمثل هذا، فإنني أميز بين التشريع السياسي وتصنيف النماذج والنشاطات في ظل التزامات القيم والتبرير السياسي حيث يتم إتباع إجراءات ملائمة. كما أن هذا التبرير الأخير يعد سمة أساسية من سمات التصور الفعال للقانون، كما ظهر جليا بشكل أكبر في نموذج هارت بأن الواجبات القانونية قد تمثلت من خلال الأحكام الثانوية والإجرائية؛ فأي حكم مبدأي يصدر من خلال تطبيق العملية القانونية لمثل هذه الأحكام الثانوية والإجرائية يكون ملزما.
أما بالنسبة لمؤيدي الإيجابية القانونية فربما لا يكون هناك نظام حقيقي للالتزامات القانونية. وقد تم تقييد الحكم القضائي الدستوري، كما في كتابات جون هارت وجورجين هامبرمس (جون 1980؛ هامبرمس 1996 (1992))، لضمان احترام الإجراءات الديمقراطية الملائمة. كما أن فرضية النظم الحقيقية، من خلال تجسيد القانون، يفهم على أنه تحطيم لتضامنها.
وفي المقابل فإنني أناقش أن كلا من التشريع القيم والتبرير الإجرائي للقواعد الابتدائية ضروري من أجل دقتهم وهذه الدقة مطلوبة من أجل استقرار تطبيقهم. والأكثر من ذلك أن ليست جميع الإجراءات قادرة على تبرير النتائج؛ فالإجراءات تبرر فقط عندما يكونوا هم أنفسهم مشرعين فيما يخص القيم المشتركة وعندما يقومون بالثبات مع هذه القيم.
وإنني أقوم بعمل مناقشتي في تحليل لمنطقية الالتزام الديني في الإسلام والمسيحية. وقد ناقشت أن الإسلام متأصل في الإيمان بالآخرة وهو ما يتطلب تأييد لمجموعة من التصورات، من الوهلة الأولي، في القرآن والسنة. فالإسلام يسلم بصلة الناس بربهم ويمكن الناس من اعتناق وصايا الإله كما أوحي بها إلى رسله وأخيرا علي خاتم رسله محمد.
أما المسيحية فهي على النقيض حيث تقوم علي مفهوم الخطيئة الأصلية والذي يبرز مفهوم الخلاص. وتعني الخطيئة الأصلية بأن الناس لن يأمنوا بما قدموه من أعمال وإنما فضل الله ورحمته هي أساس النجاة وهو ما ظل غير أكيد للمؤمنين.
فالإسلام يجعل من الالتزام مجموعة من المفاهيم التي على المرء أن يتبعها لكي يسعد يوم الحساب. أما المسيحية فتعتبره قائما علي الإيمان وهو مجموعة من المبادئ والتي تستخدم في بعض الأحيان من أجل التشكيك في المفاهيم التي تنظم نشاطات المؤمنين. وفي النهاية فإن توجه الأفراد نحو هذه المبادئ قد أصبح مصدرا للسلطة في مجتمع المؤمنين.
فالتركيز علي المبادئ وتركيباتها داخل البروتستانتية، من الفردية المؤسساتية، يسمح بتضامن المسيحية في دين مدني تسوده القيم الأخلاقية؛ كما أن التركيز علي المبادئ فيتطلب تطبيق أحكام الاتجاه المحدد.
وإنني أستنتج ليس من خلال التأمل في إمكانيات النظام الإسلامي المعتمد علي الدستور وإنما في مقدرة الإسلام علي التضامن داخل نظام دستوري حر، بحيث يتم تعميم القيم الدينية للإسلام داخل الدين المدني الأكبر.
وإنني أقول هنا أن هذه الإمكانيات أكثر ظهورا حيث أن القيم الفطرية للمساواة والتي هي جزء لا يتجزأ من الإسلام ربما تسمح بمثل هذا التضامن في الولايات المتحدة حيث إن الإسلام هناك هو دين الأقلية والمسلمون منتشرون بشكل كبير في داخل المجتمع ولا أمل للمسلمين هناك في إقامة دولة إسلامية وفرض مفاهيم الشريعة الإسلامية.
وليست هذه حجة من أجل الدستورية الإسلامية وإنما من أجل التضمن الكامل للمسلمين داخل نظام دستوري متاح. ومن الغير الواضح ما هي الدروس العملية داخل مثل هذه المجموعة من المناقشات من أجل دول الأغلبية المسلمة في أسيا، ولكنه من المأمول جدا أن التحول إلى الإسلام يتطلب التضامن داخل الدين المدني وهو ما يسيطر علي دول الأغلبية المسلمة.
الدستورية والقيم الأساسية: شرعية الأحكام الرئيسية وتبريرها
وفي الغرب يتم قبول الأحكام القضائية الدستورية بشكل شامل والتي تهدف إلى دعم الإجراءات الديمقراطية التي تقوم بالتأسيس لدول دستورية ليبرالية (جون 1980؛ هامبرمس 1996 (1992)). ويمكن أن تكون وجهة النظر هذه قد تم تحليلها بشكل ملائم في نظرية ويبر للشرعية السياسية، والتي تعد نموذجا لرؤية تطوير كل من الدستور والدستورية معا.
كما أن تصور ويبر للتشريع قد انتشر بشكل نظري. وفي بعض الأوقات فإن التشريع يكون أي شيء يزيد من احتمالية الانصياع إلى القانون. ومع ذلك، ففي الفصل الأول من الاقتصاد والمجتمع يقوم بتقديم رؤية أكثر نظرية للتشريع.
ويفهم التشريع هنا علي أنه يفرض التزاما بطاعة القانون نظرا للخضوع إلى الأحكام الكبيرة في ظل مجموعة القيم الاجتماعية (والقانونية).هذا هو نموذج التشريع الذي صور في هذه المناقشة من "التشريع التقليدي" في الفصل الثالث للاقتصاد والمجتمع. ويكون القانون شرعيا إذا ما اتفق مع القيم التقليدية المقبولة كعرف داخل المجتمع.
كما تحول منطق حجة ويبر في هذه المناقشة حول الشرعية القانونية الراشدة. وقد تم معاملة القوانين كقوانين شرعية عندما كانوا نتيجة لعملية الإجراءات الراشدة الرسمية. وأشار لوهمان إلى هذه العملية علي أنها Legitimation durch Verfahren، تشريع من خلال الإجراءات (لوهمان 1983 (1969)؛ لوهمان 1985 (1972)).
وهنا تختلف آلية "التشريع" بشكل كامل عن هذه التي تم تصنيفها في الفصل الأول التي تبنتها مناقشة ويبر للتشريع التقليدي، حيث القوانين مقبولة كتشريع عندما تتفق مع القيم التقليدية؛ التي تجعل من العادة عرفا.
ويفترض ويبر أنه بتضاؤل أهمية القيم التقليدية فإنه يتم استبدالها بإجراءات تقوم بتسهيل الابتكار الذي يسمح للتشريع بإيجاد قوانين جديدة مقبولة بشكل ملزم.
وبدلا من رسم تطور الالتزامات بالقيم الأخلاقية وتطور نماذج التبرير الإجرائي في نفس الوقت، قام ويبر بإيجاد نظرية اجتماعية يحل بعضها محل الآخر بحيث تحل الإجراءات القانونية الرشيدة محل القيم التقليدية.
وهكذا يظهر الالتزام الأخلاقي لإعطاء الفرصة للعقلانية في الإجراءات، بينما تأخذ القيم الراشدة والإجراءات غير الراشدة مكانا خلفيا في تحليله. ومن المهم أن العلاقة بين التبرير من خلال الإجراءات والتشريع من خلال القيم لم يتم تحليلها. وفشل ويبر في إدراك أن كلا من بناء القيم التشريعية وتبرير النماذج البديلة في التطوير الاجتماعي للمجتمعات.
ويجب أن تكون النشاطات شرعية مبررة إذا ما كان سيتم جعلها إجراءات متواصلة ومؤثرة. فإذا كان على النظام أن يعمل بسلاسة وبشكل بناء فإن النماذج الإجرائية يجب أن تكون مشرعة؛ فإذا كانت الإجراءات القانونية الراشدة يجب أن تبرر بنجاح فإن القيم يجب أن تظهر متطابقة مع هذه الإجراءات. وهذه القيم تقوم بتشريع قدرة الإجراءات علي التبرير.
لماذا توجد هذه الفوارق التحليلية؟ إن أهمية مواصلة الاستقلالية التحليلية للتشريع والتبرير تبدو واضحة في حقيقة أنهم من الممكن أن يكونوا مستقلين. وربما يبرر النموذج بشكل إجرائي بينما في نفس الوقت لا يكون متفقا مع القيم الاجتماعية التأسيسية.
فإعادة النظر القضائي يقوم بتجسيد هذا المبدأ مدركا بأن هذه النتائج المتاحة إجرائيا ربما تكون غير قانونية من الناحية الدستورية. وهناك نشاط كبير بعد القبول من الناحية الإجرائية فالنماذج المفروضة لن تعامل بشكل إلزامي.
على سبيل المثال، من خلال الطرق التي تتبع إجراءات صحيحة، يمكن للكونجرس أن يمرر ويمكن للرئيس أن يوقع علي قانون يقضي بسجن جميع المسلمين الأمريكيين خلال فترة الحرب علي الإرهاب. ومثل هذا القانون ربما يكون غير دستوري وغير شرعي، وربما نأمل ونتوقع أن تسقطه المحاكم.
ويحسم قولي الاعتراف بأن القيم التقليدية التي تقوم بمعاملة العادة وكأنها شرع، وهي غير متطابقة (علي الأقل علي المدى البعيد) مع الإجراءات القانونية الراشدة التي تقوم بتسهيل المناقشة وتسمح بالابتكار في صياغة الأحكام الأساسية.
فالأنظمة الدستورية تسمح بالابتكارات؛ تلك الابتكارات التي تتعارض بكل بساطة مع العرف، ومثل هذه الابتكارات يجب أن يتم تشريعها من خلال القيم الراشدة وفي مثل هذه الإجراءات يتم تبرير الابتكارات في الغالب من خلال حكم الأغلبية لكل المشاركين (المواطنين)، الشمولية.
وسوف أعود لهذه القضايا بعد ذلك في التقرير في مناقشة حول المقدرة علي الالتزامات الدينية الإسلامية لتشريع نظام حكومي راشد إجرائي. في البداية فإنني أقوم بتمييز الالتزام المنطقي الديني في الإسلام والمسيحية.
الالتزام الديني في الإسلام والمسيحية
إن الإسلام دين متنوع العادات. وإنني أؤكد هنا علي التقليد السني السائد. وإنني أقوم بتمييز تنوع حقيقي من التقاليد بالتضامن مع النوع المثالي. وفي هذا التقرير المختصر فإنني لا أقوم بالتواصل مع الاختلافات في التقاليد في العديد من الظروف الثقافية والاجتماعية حيث وجدت.
كما أقوم بتصور طبيعة الالتزام بالقيم داخل الإسلام وأقوم بمقارنتها داخل هذه القيم المسيطرة في المسيحية بالتركيز علي البروتستانتية. كما أقوم بمقارنة الدين المسيحي، القائم على الخطيئة الأصلية مع الإيمان بالبعث والحساب في الإسلام والقائم على الفطرة التي تقود الرجال بشكل طبيعي إلى الله مؤكدة على أن المسلمين يؤمنون بأنهم، بهدي الله، لديهم القدرة علي العمل بالطرق التي تؤدى إلى النجاة.
في الإسلام يوجد التزام بالطريق المستقيم الذي وضعه الله ورسوله، وهناك تأكيد علي سلوك الفرد وفهم أنه من الممكن تطبيق أوامر الله، وإن كان من الصعب القيام بها. وفي المقابل فإن المسيحية في شك من النجاة وأن هناك مجموعة من الآليات الروحية ربما تظهر لتسيطر علي القلق الذي ينتج من التشكيك وعدم المقدرة.
الإيمان بالبعث والحساب والإيمان بالخلاص (علي يد المسيح)
بينما الإيمان بالخلاص، من الأشياء بالغة الأهمية في المسيحية، فإن الإيمان بالبعث والحساب، يوم الحساب، يعد من أساسيات الإسلام. فالمسيحيون يؤمنون بالخطيئة الأصلية، فلا يمكن لمسيحي أن ينجو بعمله فقط وإنما ضحي الله بابنه ليمكن من النجاة؛ فمن نجا ومن لم ينجو فمن فضل الله.
وفي البروتستانتية فإن الله يقدر نجاة الأفراد. فالله غامض ولا أحد يعرف إذا ما كانت قد نجت ولا أحد يقدر علي معرفة شيء عنها. ويؤدي عدم اليقين هذا - يخبرنا ويبر بدقة – إلى ترشيد الحياة اليومية والزهد ولا يكون هذا من أجل النجاة وإنما دليل علي أن المرء قد اختير وقد قدرت له النجاة. أما العامل الحاسم فليس هو التقدير وإنما عدم اليقين فليس هناك علم بمن ينجو وليس لأحد أن يفعل أي شيء تجاه هذا.
أما في الإسلام فإن الإنسان قد خلق بفطرة سليمة وفهم سليم لأوامر الله إلا أنه نسي وخضع لوساوس الشيطان. وظل رسل الله وخاصة خاتمهم، محمد، يذكرون الناس بأوامر الله. وبهذه الطريقة أعلم الله المؤمنين طريقهم للنجاة. ولم يقم الله بطلب شيء لا يمكن للمؤمنين أداؤه، فإذا ما تبعوا وصايا الله فإن حسابهم يوم الحساب سيكون يسيرا وسيجعلهم ميزانهم من بين من نجوا.
وتبدوا الرسالة الظاهرة للقرآن واضحة لمعظم المسلمين، فهناك العديد من العادات في المناسك والقانون قد وضعت لتكون مقدسة وهي مأخوذة من القرآن والسنة واللذان يمثلان الشريعة والشريعة تمثل الإسلام.
وليس من السهل إتباع أحكام الإسلام ولكن المسلمين يؤمنون بأن الله لا يريد العسر ولا يريد شيئا لا يمكن للرجال ولا النساء أن يقوموا علي تنفيذه ويميلون من خلال الفطرة التي ترشد أي واحد إلى الله. وعلى خلاف المسيحية حيث تعوق السيئة الأصلية النجاة بدون فضل الله، وهنا تمكن طبيعة الفرد من العمل بالطرق التي توجب فضل الله.
وبينما كان فهم القرآن أمرا غير محدد لأن الله لم يحدد في أي من المذاهب الإسلامية الموجودة. ويمكن للمسلمين أن يفهموا بكل شفافية ما يحتاجون لفهمه وكيف يحتاجون للعمل من أجل النجاة. وقد أدى غياب التفسيرات الحاسمة إلى التسامح، فعلى سبيل المثال هناك بين المدارس الدينية الأربعة للشريعة في المذهب السني للإسلام، ويرجع هذا إلى أن الاختلاف لا يعد شيئا.
وعلى خلاف الكاثوليكية، فليس هناك مغفرة مقدسة في الإسلام؛ ومع ذلك فكما هو الحال في الكاثوليكية، فإن أعمال الخير تعد أعمالا ضد تصنيف شخصية المؤمن ونشاطاته. وليس علي المؤمنين ترشيد نشاطاتهم وشخصياتهم كعلامة علي فضل الله؛ وإنما عليهم فقد أن يقوموا بعمل الخير، وهو ما يلزم للنجاة. وتعد النجاة عن طريق الشهادة ضمن هذا كما أن المقدرة على استرداد حياة شخص من خلال عمل استثنائي يعد أمرا متاحا للمؤمن.
ويطلب الإسلام من المؤمنين به عمل الخير، وطبيعة عمل الخير مذكورة في القرآن. وكما قال العديدون، فبالنسبة للمسلمين، يحتل القرآن مكانة المسيح في المسيحية. فالكلمة واضحة في النص المقدس ومفسرة في الحديث وعلى كل مسلم أن يتبع هدي الله. أما محمد فنبي الله يأخذ بيد المؤمنين إلى فعل الصواب إلى جانب الاعتقاد الصحيح.
وعلى العكس من ذلك، في المسيحية، فإن المسيح يجسد كلمة الله وأن الناس ينجون بفضل الله فقط. وطبيعة هذه العملية تختلف داخل الطوائف المسيحية ولكن جميع الطوائف متفقة علي أن فضل الله ضروري للنجاة. وبينما يحتاج المسلمون لهداية الله وكلمته التي أوحى ليعرفوا كيف يعملون، فإن المسيحيين قد أفسدوا بالسيئة الأصلية ولا يمكنهم تطبيق كلمة الله ويعتمدون علي فضل الله.
كما أن اعتبار القدر الأبدي يبدوا واضحا في الإسلام كما هو الحال في المسيحية ولكنهما مختلفان. وقد ركزت السور المكية الأولي، التي تعلمها معظم المسلمين، على اليوم الآخر وأن الله يحكم بين الناس بالحق. فالله رحمن ولكن المؤمنين مأمورون بالخوف من غضبته إذا ما فشلوا في أداء الواجبات التي أوحى بها إليهم؛ وبذلك فإن المسلمين محفزون بشكل كبير لتطبيق وصايا الله ومعرفة أن الحكم الأخير "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره" (سورة الزلزلة: 8-9).
كما أن شكل التزامهم الديني يعد جزءا لا يتجزأ من الإيمان بالبعث والحساب. وفي المقابل، في المسيحية، فهناك الإعلان عن الخلاص بفضل الله والذي يتطلب أعمالا ولكنه يرتكز بشكل أكبر على الإيمان. فتمثيل الله في جسد عيسي، وليس في نص يحوي مجموعة الأحكام والقوانين، يجسد آمال الناس، كما يزيد كذلك من عدم يقينهم.
المبادئ والسلوكيات
وهناك واحد من نتائج التوكيد المختلف فيه حول الخلاص بالفضل يتعارض مع الإيمان بالبعث والحساب، وهو أن المسيحية تؤكد مبادئ بينما الإسلام يؤكد أحكاما. تصور المسيحية مجموعة من القيم التي تنظم الأفعال، ولكنها لا تقم بتخصيصهم في تفصيل قانوني.
وفي المسيحية، تخضع الأحكام إلى المناقشة وإعادة التقييم. وفي المقابل فإن وظائف الإسلام أكثر انسجاما مع السلوكيات والتي هي بالنسبة لمعظم المسلمين لا تخضع للتفسير بينما بالنسبة للبعض يتوقف التفسير عما كان عليه من ألف سنة مضت.
وبالنسبة لجميع المسلمين فإن عملية التفسير تتوقف عند نقطة الوحي. بينما يمكن إيجاد المبادئ في القرآن والحديث في أغلب الأحيان. وفي هذه النصوص تظهر النماذج في إطار قوانين مثل العدل الاجتماعي في إعطاء الصدقات. وبشكل تقليدي فإن هذه السلوكيات لم تعمم في مبادئ (رحمان 1984 (1982)).
أما الإيمان الراسخ في الإسلام فهو أن كل ما يأتي به الله فهو عدل، وكانت هذه النقطة المركزية عند البابا بندكتوس في ملاحظاته الأخيرة في جامعة ريغينـزبورغ وهي مختلفة تماما عن الرأي القائل بأن الله يأمر بالعدل، http://www.vatican.va/holy_father/benedict_xvi/speeches/2006/september/documents/hf_ben-xvi_spe_20060912_university-regensburg_en.html.
وهذا هو النموذج الذي تمت مراجعته من ملاحظات البابا، مع هوامشه الكاملة، وكان متاحا يوم 10 أكتوبر 2006. فالأشياء وفقا للتقليد الإسلامي "ليست جيدة ولا سيئة في حد ذاتها وإنما يصبحون هكذا بأمر السماء" (رحمان 2005 (1965)، 156). وكما قال خالد أبو الفضل فإن القانون الإلهي يحدد العدل في الإسلام؛ "يقدم القانون الإلهي تشريعات إيجابية محددة يمكنها أن تمثل نموذج العدل" (أبو الفضل 2001. 79؛ أبو الفضل 2003. 41).
وبينما كانت الشريعة أكبر من القانون فإنه يتم تنظيمها في البنود القانونية. وبينما يقوم القانون دائما بتجسيد كل من الأحكام والمبادئ (كيلمان 1987، الفصل الأول؛ كينيدي 1976)، فإن الشريعة تؤكد علي الأحكام وتم وضعها داخل إطار تفسيري يقوم بالتشكيك بشكل عميق في الابتكارات التي يمكن أن تشرع من خلال إثارة المبادئ (رحمان 1984 (1982)).
يلتزم المسلمون بإيجاد عالم اجتماعي يمكن من خلاله تطبيق الشريعة، ومن خلاله أيضا يمكن القيام بأعمال الخير، وعالم اجتماعي متماسك يقوم بتنظيم معظم السلوكيات في حياتهم. وهذا، بالطبع، واحد من مصادر تحفيز قيام دولة إسلامية.
الدستورية: تشريع إجراءات رسمية راشدة
حدود وإمكانيات الإسلام
فالالتزام في الإسلام قد أكد دائما علي الدين ونتائج الأفعال حول الأبعاد الدينية للفكر. فالفكر أمر ضروري ولكنه يجب أن يرشد في خدمة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر." فتعلم الاحتياجات العملية للإيمان كان دائما من الأمور المشكوك فيها بين المسلمين" (ديني 1987، 68).
وهذا الرأي مشابه لرؤية سيد قطب ولكنه لم يقع علي أهمية السبب؛ وفي المقابل قام بتحديد التأثير: "بالنسبة للربانية ونتائجها التاريخية قام قطب بتطوير فهمه للسبب كجامعة إنسانية وهبت نفسها لمهمة واحدة ألا وهي، نشر وتغذية الوحي الإلهي.
وعلى الرغم من هذا الدور الأوحد حصر السبب وأصبح غير قادر، من وجهة نظر قطب، على تقديم مؤسسات خالدة من أجل المطالب الدينية والإنسانية. وبالرغم من أن الإنسان يمكنه تجاوز الكون بعقله وروحه إلا أنه محدود في وظيفته.
وبطريقة أخرى، فإن الإنسان لا يمكنه لعب دور الإله. فالوحي يجب أن يكون مرشده في تعقيدات الحياة (أبو ربيع 1996، 149). والأكثر من ذلك، وكما رأينا، فإن الوحي يأخذ شكل سلوكيات يجب إتباعها؛ ولكي يأخذ التشريع دور الإله.
ويقول رحمان أن المبادئ التي يمكن أن تكون مخصصة بشكل ابتكاري كتغيير للمواقف يمكنها أن تعمم من السلوكيات التي أوضحها القرآن ولكن هذه العملية لم تظهر أبدا في تفسير المسلمين. ويفترض صحة القرآن وهكذا يقول بأن المبدأ المستخلص من تفاصيل القرآن يمكنه أن يطبق لإيجاد حكم ذو معنى في الوضع المعاصر.
وبعد غادامير قام بتفصيل نموذج للتفسير، "الاجتهاد الذي يعني (الجهد المبذول من أجل فهم معنى نص الوحي أو ما ماثله في السابق أو ضم حكم ما واستبدال هذا الحكم بتوسيع وتقييد أو، في بعض الأحيان، تعديل هذا الحكم بنفس الأسلوب يمكن فيه تصنيف الموقف الجديد في ظله من خلال حل جديد.) وهذا الحل في حد ذاته يتضمن إمكانية تعميم النص أو ما سبقه كمبدأ وأن المبدأ يمكنه أن يصاغ بعد ذلك كحكم جديد" ((رحمان 1984 (1982)، 8)؛ وبالطبع فإن الاجتهاد يسبق غادامير بحوالي ألف عام؛ فهذا هو فهم رحمان للاجتهاد والذي يدين لغادامير).
وداخل الأسلوب التفسيري "فإن عملية التساؤل وتغيير تقليد يمكنها أن تتواصل لأجل غير مسمي كما انه ليس هناك نقطة راسخة أو مميزة في التاريخ يمكن أن نقول أنها لم تمر بهذا التساؤل. وهذا الأمر المطلوب لأسلوب التفسير المناسب للقرآن ..." (11).
وإنني أقتفي ما قاله رحمان بأن نجعل المسلمين المؤمنين يستخرجون من القرآن مجموعة من المبادئ العامة التي تحافظ على دقة الوحي غير أنه من الصعب فهم أن هذه ليست الإستراتيجية التي يتم تبنيها بشكل عام. وفي الحقيقة، فإن مفسرى القرآن يستنبطون مبدأ "وبالرغم من أن الأمر ربما يكون قد نزل بمناسبة موقف إلا أنه لا يمكن أن يكون مقيدا بهذا الموقف."
ولكن القيمة يمكنها أن تتمثل بالفهم الجيد وليس فقط من خلال فهم اللغة وإنما قبل كل شيء فهم السياق الكائن من الأمر. وعلى كل حال فإن هذا لم يحدث..." (17). وبشكل مختلف فإن القرآن "لا يقوم في الحقيقة بإعطاء العديد من المبادئ العامة:
وفي أغلب الأحيان يعطي القرآن حلولا وأحكاما حول قضايا تاريخية محددة وثابتة؛ ولكن كما قلت فإنه يقدم ما يفهم صراحة وما يفهم ضمنا كما يقدم الأسباب وراء هذه الحلول والأحكام ومن أيهم يمكن استنباط المبادئ العامة.
وفي الحقيقة فإن هذا هو الطريق الوحيد الأكيد للحصول على الحقيقة الأكيدة لتعاليم القرآن. ويجب على المرء، على هذا الأساس، إدراك المعالجة القرآنية لهذه القضايا الفعلية..." (20).
وللعدول عن "الشكل الثابت للمعالجات في القرآن...للمبادئ العامة التي تلتقي عندها التعاليم كاملة،" ومبادئ العدل الاجتماعي والاقتصادي والمساواة الإنسانية الأساسية وهو ما يتطلب النظر إلى القرآن كوحدة واحدة، "والتي تبدوا كمجموعة من المبادئ المتناغمة أو القيم التي سوف تغطي جميع التعاليم..."
التفسير الدستوري
ولم يقم رحمان باقتراح أنه لو تم تعميم المبادئ من القرآن فإن هذه المبادئ ربما توظف بشكل مستقل وربما تظهر تحديا للمفاهيم الموجودة في القرآن. وربما كان من الصعب عليه أن يقوم بعمل هذا النقاش لأنه بالنسبة له "أن القرآن قد أوحي جملة" (20). ومع ذلك فإن هذه نتيجة ربما يجب علينا أن نرسمها لكي نقترح بأنه من الممكن أن نقوم برفع القيم الدستورية.
وفي المقابل، فإننا يمكن أن نأخذ رونالد دوركن كمثال على القانون الدستوري.وقد تم فهم قانون دوركن كأفضل ما يكون على أنه محاولة لتبرير مناقشته على أن قرار المحكمة العليا 1954 في قضية براون والتي كانت قانونا بديلا للقانون الواضح الجديد.
وإذا كانت قرارات المحكمة العليا في الماضي قد أشارت إلى "الفصل مع المساواة" فقد كان عزل الأعراق أمرا "قانونيا،" بأي معنى يقول دوركن أن قرار براون يعلن عن قانون ربما يفهم منه تطبيق الفصل في المدارس؟ يناقش دوركن أن المحكمات تقوم بتفسير الدستور والقوانين وقرارات المحكمة السابقة بشكل بناء؛ فالمحاكم "تبين الممارسات القانونية ككل في أفضل شكل لها لتحقيق التوازن بين الممارسات القانونية كما وجدوها وأفضل نظام قضائي لممارستها" (دوركن 1996، 90).
وتستنبط المحاكم المبادئ من الممارسات القانونية الماضية كما تستنبط الالتزامات القانونية التي تجعلهم منسجمين وفي نفس الوقت تقوم بتقديم أفضل تشريع لهم. فالحقوق والواجبات تؤخذ من القرارات الماضية؛ التي يعدونها قانونية ليس فقط عندما يصرح بها بصراحة في هذه القرارات وإنما أيضا عندما يؤخذون من مبادئ الأخلاق التي تقترحها الافتراضات عن طريق التشريع (96).
ومثل هذه البراهين التفسيرية، عندما تطبق لحماية مادة المساواة من تعديل يوم 14، تقود دوركن لاستنتاج أن الدستور، كجزء من النظام القانوني، يحرم الفصل العنصري (30)؛ وهكذا فإن محكمة وارن في حكم براون تعلن القانون بكل بساطة لأن القرار قد تمثل في مبادئ دستورية مقبولة وإن رفضتهم المحكمة العليا في السابق.
وهناك العديد من الادعاءات المهمة ضمن هذه المناقشة. أولا، أنها تقوم بشكل جزئي بتمثيل القانون متفقا مع القيم القانونية بينما، في نفس الوقت، يؤكد أن هذه القيم تضفي شرعية على القانون. كما يدمج حكم دوركن القضائي الحجة التصورية مع النموذجية.
ثانيا، فإن السياسات والتساؤلات حول الرخاء الاجتماعي أوجدتها المبادئ القانونية التي قامت بوضع الحقوق القانونية؛ فالسياسات ليس لها أي قوة شرعية. ثالثا، فإن حجة دوركن تعتمد على تفسير يجعل من القانون شيئا متناسقا بشكل كلي. ومثل هذا، فإن فهمه هذا ربما يخرج القضايا القانونية والأسس غير المنسجمة مع المبادئ وهو ما يخرج القانون علي أكمل وجه.
ووفقا لما قال دوركن فإن الأخطاء تحدث وعلينا أن نقوم بتداركها. رابعا، يقوم دوركن بافتراض أن القيم الأخلاقية التي تم تقييمها عندما كان القانون في أفضل حالاته تتمثل في قوانين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
أما النقاط الحرجة لمناقشتي في هذا التقرير فهي كالتالي: أن الحالة الدستورية يجب أن تفهم في ضوء المبادئ التي تمثل القانون (بشكل جزئي). ولا تتعارض هذه المبادئ مع التحديث؛ وفي المقابل فإن العديد من المبادئ تظهر وتصنف الدول الدستورية الحديثة. ويقوم دوركن بتصنيف هذه المبادئ بشكل متساو. وعلى العكس مما يقترحه دوركن في العديد من الأوقات فإن مثل هذه المبادئ لا تتنافى مع الأحكام الثانوية التي يحللها هارت.
وفي المقابل فإن الأحكام الثانوية قادرة على تبرير الأحكام الموضوعة، والأحكام الأساسية يجب أن تتفق معها وأن تشرع من قبل المبادئ البارزة في النظام القانوني. وبينما يري دوركن هذه المبادئ منغرسة في النظام القانوني للولايات المتحدة وبريطانيا العظمى فإنه يجب علينا أن ندرك أن هذه المبادئ نفسها من الممكن أن يتم تحديها في العديد من المجالات القانونية المعاصرة والتي يعاد بناؤها اليوم كقيم مساواة. وليس من الضروري هنا أن نوضح هذه الحجة؛ أما الأمر فهو أنه بينما يمكن تحدى الأحكام من قبل المبادئ، فإنه من الحقيقي أيضا أن المبادئ نفسها يمكن أن تسموا.
وعلى العكس من الصورة التي رسمها رحمان لنا عن الإسلام التاريخي، والتي غرست فيها المفاهيم التي تم التمسك بها في النصوص المقدسة وحيث يجب أن يقف التفسير على عتبة الوحي، فإن أحكام دوركن الرئيسية ربما تكون قد تحولت وقتها بالخلاف مع المبادئ الغالبة؛ وبالنسبة لدوركن فإن المبادئ الغالبة تمكن من التشريع.
وعلى العكس من قلق المسلمين حول البدعة داخل الحالة الدستورية فإن الفكرة الغالبة للتشريع تقوم بتطبيق إيجاد أحكاما لم يسبق أن كانت وهي مع ذلك شرعية وقد تم تشريعها عندما بررت من خلال تطبيق الإجراءات التشريعية وعندما شرعت الأحكام نفسها، عندما تناغمت مع المبادئ القانونية المهيمنة.
وتفهم "الدستورية الإسلامية" على أنها تطبيق الشريعة التي تفهم كمجموعة من المفاهيم التي أوحيت بشكل متجزئ، فهذا لا يعتبر دستوريا بأي بمعنى من معاني الكلمة. كما أن هذا الحكم لا يعد قيدا من "الدستورية" على اختلافاتها الليبرالية، وفي المقابل فإن هذا اعتراف بأن الدستورية تظهر مع المقدرة على تشريع أحكام جديدة، عندما يتوقف البرلمان عن كونه "محكمة عليا" فتوجد القانون بالشكل المقدس بشكل تقليدي وفي المقابل تصبح هيئة تشريعية حقيقية (ميكلوين 1910).
ويترابط مع هذه النتيجة الاعتراف بأن في الحالات الدستورية الحديثة تتساوى المبادئ التي تقوم بتنظيم التشريع وتقوم، وإن كان في الوقت الضائع، بإعلان إدانة تثبيت القوانين الجديدة على الناس كافة – وأن الناس يجب أن يتم اعتبارهم ككتلة واحدة داخل الدولة. وبالطبع فإن هذا يقوم بتصحيح القول بأن تطبيق هذه المبادئ يكون بطيئا، وبشكل قابل للجدل ولم تكن ظاهرة بوضوح في حالتنا الدستورية.
وتظل طبيعة المبادئ التي تقوم في النهاية بوضع السيطرة في أيدي الشعب وتقوم بتحديد أن القانون يتم تبريره بموافقة الشعب وحسب رغبته، متعارضة بشكل مباشر مع مفهوم هيمنة الله. وفي القضية الأخيرة فإن ما يريده الله أن يحدث (بالنسبة للمسلمين فإن الشريعة هي القرآن والسنة) يجب أن يكون محددا في موقف وتطبيق راسخ.
أما أي شكل آخر من أشكال الحكومة فيكون بمثابة إخضاع الناس للناس وليس إلى الله "وهو إلزام من الله وهو ما يعتبره العديد من الناس حقيقة وعدلا" (رحمان 2005 (1965)، 62). وفي الحالة الدستورية فإن ما يمكن أن يكون بمثابة مشكلة في ضوء رغبة الناس والأحكام الجديدة يكون مشرعا إذا ما تم تبريره بشكل إجرائي وتم تشريعه بشكل أساسي. وهذان المفهومان، اللذان يقوم أحدهما بالتسهيل بينما يقوم الآخر بالوقوف ضد القانون الجديد الفعال، متعارضان بشكل أساسي.
كما أقوم في آخر أقسام هذا التقرير باقتراح أن ابتلاع المجتمعات الإسلامية من قبل الديمقراطيات الليبرالية يمكنه أن يسهل تحول المفاهيم الإسلامية إلى مبادئ تتناسب مع الدستورية. وربما لا يقوم هذا بإنتاج دولة إسلامية ولكنه من الممكن أن يقوم بتكريس الأديان المدنية الحية كمصدر للمبادئ الدستورية، بينما الدين المدني في الولايات المتحدة يعاد بناؤه بسبب مشاركات المسلمين والإسلام.
الخلاصة
بسبب تأصل المسيحية في المبادئ فقد قامت بتسهيل تطوير الأديان المدنية التي تعمل على تحويل المفاهيم المسيطرة وتطويق مختلف التقاليد الدينية. أما الإسلام، والذي كان أكثر تسامحا من المسيحية في غالبية تاريخه، فقد أعطى مساحات للأديان الأخرى فقط داخل سياق تطبيق مفاهيم الشريعة البناءة؛ وقد أعطى هذا الوضع مواطنة من الدرجة الثانية لغير المسلمين من أهل الكتاب ولذلك فإنه غير مقبول في العالم المعاصر.
أما التساؤل الذي أطرحه هنا فيتمثل فيما إذا كان من الممكن للإسلام أن يندمج في دين مدني يمكنه أن يتجاوز الإيمان الراسخ والمسيطر.
ولن أقوم في هذا السياق بمحاولة الإجابة على هذا التساؤل من خلال تحديد الشروط التي يمكن من خلالها أن يتم تطبيق هذا الاندماج؛ وفي المقابل، فبالرجوع إلى مناقشة رحمان فسوف أقوم بكل بساطة باقتراح أن موارد هذا الاندماج ربما توجد في السنة الإسلامية وأن هذا الاندماج مطلوب بشكل أساسي من أجل الشمولية الكاملة للمسلمين داخل الولايات المتحدة.
كما أن أفكار المساواة عند المؤمنين والعدل الاجتماعي موجودة بشكل كلي في كتابات أولئك الذي يطمحون في إنشاء دولة إسلامية.
فعلى سبيل المثال هناك سيد قطب الذي يشرح أن الإسلام دين أيديولوجي وأن هؤلاء الذين يتشاركون في الالتزامات الدينية التي تمثل الإسلام متساوون عند الله. كما أن هناك مفهوم أساسي للإسلام ويتمثل في أن مسئولية كل فرد عن نجاته في يوم البعث؛ فكل إنسان يأتي فردا ويحاسبه الله على أعماله. وهذه المفاهيم تقوم بالتلميح إلى قداسة جميع المؤمنين.
كما أن مذهب الخلاص الظاهر في الإسلام التقليدي فيتمثل في إتاحة الاعتقاد للناس كافة. وبشكل تقليدي فقد اتفقت المساواة فقط مع المؤمنين مع أوضاع أخرى محتلة في المجتمعات الإسلامية التي ترفض أن تشملهم بشكل كامل.
وهنا فإن مذهب الخلاص قائم ولكن لأولئك الذين انضموا إلى مجموعة محددة. فالتخصصية كانت أمرا أساسيا بينما العمومية كانت تابعة له وهي أمر مهم فقط لعناصر الأمة، المجتمع المسلم.
وفي المقابل فإن المسيحية وعقيدة العمومية التي لا تتأصل فقط في المفاهيم المعاصرة لحقوق الإنسان وإنما في مفاهيم المواطنة أيضا (مارشال 1965 (1964))، التي ظهرت إلى جانب مجموعة من الالتزامات المحددة. كما أن العمومية قد تم تعميمها من الخصوصية بينما بالمسبة للعديدين أن الخصوصية قد تركت في وضعها الصحيح. كما أن العمومية هنا تعد شيئا أساسيا والجماعات الخاصة قد تم تضمنها داخل مجموعة من القيم العمومية.
ثم إن السؤال بعد ذلك يكون حول ما إذا كان تعميم المبادئ الإسلامية التي تكلم عنها رحمان، دون تحديد لهم وبدون أي تفصيل (أنظر أيضا ايزوتسو 2002 (1959)؛ رحمان 1994 (1980))، يمكنه أن يؤدي إلى اشتمال جميع الأشخاص الذين يتشاركون مجموعة من القيم الأساسية حتى وإن رفضوا المعتقدات الثابتة المحددة التي تقوم بتحديد هويتهم كمسلمين. ويتطلب هذا ضربا من ضروب الوعي المزدوج.
وإنني أقوم باستخدام تعبير "الوعي المزدوج" بشكل دولي. وفي الولايات المتحدة، فقد تعلم البعض منا من حركة القوة الأمريكية السوداء التي لم يتعارض إيمانها الخصوصي أو العمومي ولم تتعارض هوياتها.
وربما يفخر المرء بكونه أسودا وكونه أمريكيا. فكونك أمريكيا أسود وأفريقيا أمريكيا لا يعني أن تذوب في جسد متجانس؛ وقيم عمومية وأكثر عمومية من العرقية الخاصة أو الإيمان الديني الراسخ ممكنا الناس من الحفاظ على الهويات الدينية أو العرقية المختلفة والخاصة وتطويرها. ولكن هذا ربما يكون ممكنا عندما لا تقوم جماعة بالتفكير (بشكل ناجح) لفرض إيمانها الراسخ على الآخرين.
وبشكل متشابه فإنه يمكننا القول بأن المرء يمكنه الاحتفاظ بهوية دينية إسلامية وأن يكون جزءا من المجتمع الكلي حيث تبزغ العديد من القيم العامة من بعض الاعتقادات الراسخة المحددة. وهذه هي العملية التي يقوم رحمان بوصفها أما هنا فإن القيم العامة يجب أن تتجاوز الإسلام نفسه. وبدمج الإسلام في الدين المدني الشامل فإنه سوف يقوم بالمساعدة في إعادة صياغة القيم العامة التي طالما أعاد الإسلام صياغتها في نفس العملية.
وبالطبع فإن المصالحة بين المعتقدات الخاصة والعامة ليست شفافة حتى وإن ضممنا المسلمين. فعملية احتواء المسلمين داخل الدين المدني للولايات المتحدة لن تكون سهلة، بل إنها ستكون مستحيلة إذا ما لم يتمكن المسلمون من دمج أنفسهم في مجموعة من القيم الاجتماعية التي هي أكثر عمومية من القيم الطائفية الخاصة بطائفتهم.
ويجب أن نأمل بأن المسلمين، في الوقت الذي يفقدون فيه الأمل في إنشاء دولة إسلامية ودستور إسلامي، ربما يتصالحون ويكونون قادرين علي اعتناق الوعي المزدوج الذي يسمح لهم بالتمييز بين المصالح الخاصة للعيش في مجتمعات تنظمها قيم الاحتواء الشامل.
وإذا كان الأمر كذلك ومن مظاهر هذا التطور أن يكون هناك تكريس لأيديولوجية الفصل بين الدين والمجتمع. فالمسلمون، كغيرهم من المؤمنين، سوف يتمكنون من القيام بمعتقداتهم الدينية في إطار المجتمع المدني ولكنهم لن يتمكنوا من فرض هذا الإيمان على الدولة.
إذا ما احتفظ الله بسيطرته فإنها سوف تكون في إطار عام يوضع من قبل المؤمنين وليس في إطار عام يوضع من قبل الدولة. كما أن جزء التوعية المزدوجة الذي ينظم قانون الدولة يجب أن يتبع هيمنة الله على الناس من أجل تشريع القوانين الجديدة وفي بعض الأحيان من أجل القوانين التي تتعارض مع المفاهيم المتأصلة في الشريعة إن لم تكن مبادئ الدين المدني.
وهناك أمل بأن المسلمين في الغرب سوف يعملون تجاه تعميم مفاهيمهم الدينية إلى مبادئ أخلاقية أكثر شمولية قادرة على إضفاء المشكلات على العديد من المفاهيم المفهومة بشكل عام على أنها جزء من الشريعة. فالمسلمون الذين يعيشون في الولايات المتحدة يمكن ألا يكون لديهم أمل حقيقي في إنشاء دولة مسلمة تحكم أغلبية الشعب. وإذا كانوا قادرين علي فعل هذا فإن تعبير "الدستورية الإسلامية" التي تكون الهيمنة من خلالها لله تتناقض مع مثل هذا الفعل.
فالأنظمة الدستورية تتيح تنظيم التشريع من خلال المبادئ المشتركة ولكنهم يجب أن يسمحوا بالتشريع لأن يكون قانونيا عندما يبرر إجرائيا وعندما يشرع من قبل المبادئ المشتركة داخل المجتمع. وعندما لا يمكن للمسلمين توقع فرض الشريعة الإسلامية فإنهم يعملون على تكييف الإسلام مع الدين المدني كما نرى في الولايات المتحدة علي سبيل المثال.
وفي هذا الدين المدني وجدت المفاهيم الأخلاقية من العديد من الطوائف ولكنها استخلصت من المفاهيم الطائفية والتي يمكن أن يكون معمولا بها للمؤمنين وهي المفاهيم التي لا يمكن فرضها بشكل سياسي. كما أن موارد مثل هذه التسوية يمكن أن نجدها في الإسلام؛ في اهتمامه بالمساواة والعدل الاجتماعي.
فإذا ما حدثت هذه التسوية في الولايات المتحدة فإنه من المحتمل أن يكون لها تأثير على الأمة جميعها. كما أن توقعاتي تقول بأن التطورات ضرورية في الإسلام لتمكن من دستورية متاحة وقوية في الدول ذات الأغلبية المسلمة في أسيا لتكون على غرار هذه التي ظهرت في الغرب.
ناثان براون
خلال صيف 2007 ووسط مشاركة الكبيرة للنخبة المصرية الحاكمة وحركات المعارضة قامت جماعة الإخوان المسلمين بتوزيع نص برنامجها الحزبي على مجموعة من المثقفين والمحللين. ولم يكن البرنامج وثيقة لحزب سياسي قائم أو حتى حزب سياسي على وشك التأسيس:
فالإخوان المسلمين مازالت بلا اعتراف قانوني في مصر ومازال حكام مصر وقوانينها التي يصدرونها تجعل من احتمالية الاعتراف القانوني بحزب للإخوان المسلمين أمرا بعيد المنال. ولكن قيادة الإخوان المسلمين ترغب بوضوح في الإشارة إلى أي نوع من الأحزاب سوف يكون الإخوان المسلمين إذا ما تم إنشاؤه.
وبنشر نموذج هذا البرنامج فتحت الجماعة الباب أمام النقاش وكذلك التناظر الموثق حول الأفكار الرئيسية للبرنامج، والمنهج المأمول لدور الإخوان المسلمين السياسي ومستقبل علاقاتها مع القوى السياسية الأخرى في البلاد.
وفي هذا التقرير فإننا نسعى للإجابة على أربعة من الأسئلة تتعلق ببرنامج حزب الإخوان المسلمين:
- ما هي الإشكاليات المحددة والانقسامات التي أوجدها البرنامج؟
- لماذا، وكيف أثبت البرنامج فكرة الانقسام؟
- ومن خلال هذا الانقسام الذي سببه إلى جانب البيئة السياسية المنقسمة، فلماذا صد هذا البرنامج في هذا الوقت بالتحديد؟
- كيف يمكن لهذه الإشكاليات أن تحل؟
كما أننا نقدم كذلك بعض الملاحظات حول تجربة الإخوان المسلمين في صياغة البرنامج الحزبي وإظهار كيف أن أهدافها قد التقت بشكل جزئي. وفي النهاية فإن تضامن الإخوان المسلمين كممثل سياسي عادي لن يعتمد على كلمات الجماعة فقط، بل على أفعال النظام أيضا والتي تبدوا عدوانية بشكل متزايد تجاه دور الإخوان المسلمين السياسي.
مناظرة البرنامج: كشف الغموض وإشعال الخلافات. وقد أرسل برنامج الإخوان المسلمين الحزبي إشارات مشوشة حول رؤى الجماعة ومواقفها السياسية. كما أن تعامل البرنامج التفصيلي مع القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية قد بَيَّن الابتعاد الاختلاف الملحوظ بين مواقفها التي كانت قد صرحت بها من قبل وبين برامجها الانتخابية.
فالبرنامج الحالي مؤثر بسبب طوله ومستوى التفصيل. وهذا التحول يتناول بالخطاب واحدا من أهم انتقادات الإخوان المسلمين وخاصة دفاعها عن الشعارات الأيديولوجية والدينية الغامضة وعدم قدرتها للتفكير في سياسة محددة.
ولكن بسبب اختصاصه فإن النص لم يجيب على جميع التساؤلات. والجدير بالملاحظة، فإن اللذين كتبوا النص لم يتناولوا بالذكر مستقبل العلاقات بين الحزب الذي يأملون تأسيسه وبين جماعة الإخوان المسلمين بشكل عام في بعض النقاط.
وبتجنب القضية التي أهملوها عن عمد تم إهمال أفكار مهمة تم مناقشتها مؤخرا داخل الجماعة وخاصة بين أعضاء الكتلة البرلمانية. وبالتأثر بتجربة الأحزاب الإسلامية في كل من المغرب والأردن واليمن فإن هؤلاء الأعضاء قاموا بتأييد الفصل الوظيفي بين الحزب السياسي والعمل الاجتماعي والديني للجماعة مع التركيز المسبق على المشاركة السياسية والنشاط الديني مؤخرا.
وإضافة إلى معاملتها السطحية لطبيعة الحزب وتنظيمه الداخلي، فلم يحتوي البرنامج على أي تصريح واضح حول عضوية حزبية مفتوحة لجميع المصريين بغض النظر عن ديانتهم، وهو واحد من مطالب إنشاء حزب سياسي وفقا للدستور المصري.
وبغض النظر عن هذه الفجوات فإن القليل من الملاحظين يشكون في أن البرنامج يمثل جهدا حقيقيا لمناقشة جميع الأسئلة المقدمة للجماعة من قبل مؤيديها ونقادها في السنوات الأخيرة. ومع ذلك فإن الإجابة على مثل هذه الأمثلة قد أشعل مجموعة جديدة من الخلافات.
فأكثر المناقشات داخل مصر قد ركزت على قضيتين وهما إيجاد هيئة من علماء دين بارزين وإبعاد غير المسلمين وغير الذكور عن تولي أكثر المناصب البارزة في الدولة.
وفي كلا القضيتين، حاول الإخوان المسلمين تحديد موقفهم بقدر أكبر من التفصيل. وكما سوف يُرَى فإنها قد دفعت ثمن مثل هذا الفعل كما قد أثرت جزئيا من خلال العودة مرة أخرى إلى بعض الأمور الغامضة.
فمجلس الشريعة والعلماء ربما كان أعظم السلطات الداخلية والذي يركز على بعض المواقف البسيطة داخل نص البرنامج. ومن أجل اختصار القسم الشائك فهناك بعض الصور الإيضاحية لوعود ومآزق تفصيل البرنامج.
وقد أكد الإخوان المسلمين مرة تلو الأخرى على كيفية تصورها لترجمتها للضغط من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية إلى برنامج سياسي وقانوني عملي. كما أن قادتها قد أعطوا عددا من الإشارات حول يرغبون في رؤيته مطبقا وكيف يمكن فعله.
وهكذا فإن تحديد موقفها من الشريعة يمكن أن يذهب بها إلى التخلص من الشكوك وحل المناقشات الداخلية. ولكنها أيضا يمكنها تقسيم القادة وأن توقع الجماعة في شرك الفجوة بين مؤيديها المتحمسين (الذين يتوقعون موقفا قويا حول القضايا الإسلامية) وبين الباقين وهم من ليس لهم أيديولوجية. ومن المتوقع أن يكون تأكيد البعض على الشريعة للأسباب الآتية.
أولا، مركزيتها بالنسبة لشعور الجماعة تجاه مهمتها ومشاركتها السياسية: فهؤلاء الموجودين داخل قيادة الإخوان المسلمين ملتزمون بشكل عميق بزيادة دور الإسلام في الحياة العامة للمصريين.
ثانيا، تقديم الشريعة كرمز حقيقي عادل وقانوني كان مطلبا شعبيا عريضا، مع أن العديدين يمكن أن يتراجعوا عن بعض المقتضيات العملية للتفسيرات المحددة للشريعة.
ثالثا، أن شعبية الإخوان العريضة تتوقع من الحركة أن تضع الشريعة وسط جدول عملها السياسي. وأخيرا، أن التأكيد على الشريعة يتيح للإخوان المسلمين لأن تضع نفسها كمدافع عن الدستور المصري.
وتقول المادة الثانية من الدستور المصري كما تم تعديلها عام 1980 أن "أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة وأن مبادئ الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع."
وفي السنة الأخيرة كانت هناك سلسلة من التعديلات الدستورية التي هدفت إلى تحجيم الإخوان المسلمين ولكنها أكدت على المادة رقم 2 والمرجعية الإسلامية تقدم ملاذا دستوريا متواصلا لبرنامج الإخوان المسلمين.
غير أن تأكيد الحركة على الشريعة لم يعرضها للانتقاد في الماضي:
كثيرا ما اتهمت الجماعة بمحاولتها فرض تفسيرها الخاص للتراث الإسلامي على الشعب المصري كافة من خلال طريقة تهدم عملية الديمقراطية. وفي صياغة هذا البرنامج اضطرت قيادة الإخوان المسلمين للاختيار بين الغموض والتأكيد العام على الشريعة الإسلامية وبعيدا بشكل أكبر عن موقف محدد يجيب عن مثل هذه التساؤلات الداخلية والخارجية ولكنه يمثل خطرا اختلافات كبيرة القادة ويقسم أنصار الجماعة.
وقد أذهل المراقبين هذا الاختيار لأنه وخلال العقد الماضي قامت الجماعة بشكل عام بتبني حلولا ملتبسة من أجل دحض هذه الاختلافات. وقد تحدث الإخوان المسلمين بشكل متزايد عن إطار إسلامي للمرجعية وقلة تطبيق الشريعة.
وعند قيام الإخوان المسلمين بعمل برامج لانتخابات محددة، قامت بشكل عام بضم العنصر الإسلامي ولكنها قد أعطت تأكيدا أكبر للقائمة القياسية للإصلاحات السياسية المطلوبة في المجتمع السياسي المصري.
وعندما تم التأكيد على كيفية توافق هذه الحلول المبهمة مع القانون الدستوري المصري، كان بعض قادة الإخوان قادرين علي وصف أهدافهم بالحميدة وبأنها أساسية ليس فقط أن المادة رقم 2 من الدستور تؤيد موقفهم ولكن أيضا مجموعة قوانين المحكمة الدستورية العليا للدولة.
وقد حكمت المحكمة أكثر من مرة أن المادة رقم 2 من الدستور تلغي التشريع الذي يعارض أحكام الشريعة الواضحة ومبادئها. وبالرجوع إلى المحكمة يتضح لنا بعض الوعي السياسي لأن المحكمة تظهر كمؤيدة لموقف الإخوان المسلمين حول الشريعة الإسلامية ولكنها ما زالت مذعنة للنظام الدستوري القائم (البرلمان، الذي يصدر التشريع والمحكمة نفسها التي تدعي بعض السلطات المتوافقة مع الشريعة).
وقد أظهر هذا الموقف تقريرا حول الاختلافات داخل الجماعة حول ما تكنه من احترام للهياكل الدستورية القائمة وكيف أن الشريعة الإسلامية يجب أن تفسر من خلال العملية الديمقراطية وكم الاحترام الذي يجب أن يمنح لعلماء الدين (وخاصة المؤسسة الدينية التي تدعمها الدولة والتي يشعر العديد من قادة الإخوان بأنها قد فسدت وضمت إلى النظام القائم.)
كما أن أغلب البرنامج يبدو متضمنا إستراتيجية الاطمئنان، فالبرنامج يبين احتراما لمحكمة الدولة الدستورية العليا ويظهر بعض الاحترام لفكرة أن الممثلين الذين انتخبهم الناس في البرلمان يمثلون بشكل عام الحَكَم الأساسي بحيث يجب معالجة التعاليم الإسلامية كأمر معتمد.
ولكن من خلال مقطع وجيز بدا البرنامج وقد اتخذ خطوة واسعة نحو اتجاه آخر مختلف: فقد دعا البرنامج لتأسيس مجلس لعلماء الدين؛ وهي هيئة استشارية جديدة تنتخب كلها من قبل علماء الدين في البلاد وتعمل كمستشار في الأمور التشريعية والتنفيذية الخاصة بأمور الدين.
كما اقترحت فقرة المجلس هذه بأن الهيئة الجديدة يمكن أن يكون لها سلطة التعليق علي أمور كثيرة تنفيذية وتشريعية وأن قرارها يكون ملزما – وليس فقط من باب النصيحة – في الأمور التي تشعر فيها بأن أحكام الشريعة في خطر.
وقد أدهشت تدابير المجلس هذه بعض قادة الإخوان المسلمين. ومن ناحية أخرى فإن المجلس المقترح قد أجاب علي الضغط الواضح من قبل جنود الجماعة الملتزمين أيديولوجيا بعدم طرح الشريعة جانبا إلى جانب التزام بعض القادة البارزين في الجماعة بجعل الأحكام المعتمدة على الشريعة بمثابة قيد على الأحكام.
كما قامت كذلك بإسقاط أدوار مثل (دور المفتي وشيخ الأزهر) والتي يرونها متواطئة، أما بالنسبة لهيئة علماء الدين ككل فإن العديد منهم متعاطف مع الإخوان المسلمين وبرنامجهم.
ومن ناحية أخرى، فمن خلال إدخال هذه الجمل، قامت الجماعة بالتنازل عن العديدين داخل الجماعة وخارجها. وقد انتقد البعض داخل الجماعة هذه اللغة على الأساس الإجرائي والجوهري، قائلين أن المجلس المقترح لعلماء الدين كان معتمدا علي امتياز غير شرعي لبعض تفسيرات الشريعة حول الآخرين وأنها لا تقوم علي أي موقف تأسيسي للإخوان المسلمين.
وقد احتد النقاش داخل الجماعة وتعداه إلى أن أصبح نقاشا خارجيا. حتى أن بعض المثقفين الذين دعوا لقبول الإخوان المسلمين كممثل سياسي قد لاموا على أنفسهم ما كانوا يرون بسبب هذا الميل نحو الاتجاه الديني من قبل الجماعية.
ولم يجبر البرنامج الإخوان المسلمين على دفع تكاليف اقتحام الخصوصية فقط، ولكنه جعل من الانسحاب إلى العمومية أمرا أكثر صعوبة أيضا. وبينما يمكن إسقاط هذه الفقرة من البرنامج بشكل كامل أو تفريغها من محتواها – وكما هو واضح فإنه قد تم مثل ذلك – فإنه لا يخفي حقيقة أن البعض داخل القيادة يتملكه مفهوم الشريعة التي تضرب العديد من المصريين بشكل غير ديمقراطي.
وعلى ما يبدوا أنه بالرغم من أن العديد من الإخوان المسلمين يرغبون في تقرير الاختلافات التي تم فتحها في هذا البرنامج حول هذا الموضوع فإنها سوف تتصل بانعكاسات الاختلاف لبعض الوقت.
وهناك إشكاليات أخرى داخل البرنامج أجبرت جماعة الإخوان المسلمين على دفع ثمن الخصوصية في قضية مهمة ألا وهي إبعاد المرأة وغير المسلم عن المناصب الحساسة في الدولة.
كما أن الحافز وراء هذا كان معتمدا علي الاتجاه التقليدي السائد في القانون الإسلامي والفكر السياسي الذي ركز علي تحديد متطلبات الحاكم.
ولأن الحاكم في الإسلام يجب عليه القيام ببعض الوظائف الدينية، فإن أغلب القوانين الإسلامية الحديثة والسلطات السياسية تقول بأن الحاكم نفسه يجب أن يكون مسلما، كما أن الشائع كذلك أن يكون ذكرا بسبب طبيعة دوره العامة.
أما بالنسبة للعديدين داخل الجماعة أن هذا تطبيق دقيق للشريعة ولا يجوز انتهاكه. وقد عارض البعض منهم هذا ورأوه أنه قائم علي غير سبب قانوني ويرون الأمر بأكمله سياسيا. ويقولون بأن كتابات ما قبل العصر الحديث قد نصت الحاكم الوريث وليس علي المجموعة المعقدة من المؤسسات القائمة في الوقت الحالي (أو التي يجب أن تقوم).
كما أن دين الحاكم وجنسه يعد أمرا فرعيا جدا إذا ما تولى/ تولت منصبا رفيعا في الدولة وفقا لإجراءات واضحة ومن خلال حدود قانونية. وعلاوة على ذلك فقد قالوا بأنه ليست هناك منفعة تذكر من منع غير المسلم بشكل دستوري من تولي المنصب الرئاسي: فمن غير المحتمل نهائيا، في مجتمع متديِّن ذو أغلبية مسلمة، أن ينتخب غير المسلم لمنصب الرئيس.
وذهب البعض بعيدا لقول أنه يحترم بشكل كامل تولي المرأة أو المسيحي المؤهل والصالح ويفضله علي العديد من عناصر الفساد الموجودة حاليا والنخبة الدكتاتورية الحاكمة. وقد كان هذا النزاع لاذعا داخل الجماعة إلى جانب اتهام المعسكر الحر داخل الجماعة بانتهاك مبادئ الشريعة الواضحة من أجل الحصول على مزايا سياسية عابرة، وقد عرَّض هذا القيادة إلى انتقاد عام.
ولم يضع هذا الخلاف جماعة الإخوان المسلمين في موقف دفاعي فقط، وإنما حددت أي نقاش عام حقيقي حول الأغلبية الساحقة للبرنامج والذي بدا وكأنه صُمِمَ ليظهر أن الإخوان المسلمين قد قاموا بتطوير رؤية سياسية شاملة وبديلة للتعامل مع جميع القضايا العامة في مصر.
وفي الحقيقة، ربما كان أبرز ما في مناقشة البرنامج هو الطريقة التي هربت بها أغلبية الوثيقة من إمعان الرأي العام بشكل كامل.
فالبرنامج يعطي اهتماما أكبر للقضايا الاجتماعية والاقتصادية أكثر من اهتمامه بدور مجلس العلماء وجنس من يتولي الرئاسة.
وبهذا الصدد قام الإخوان بتفضيل أن تكون الدولة متدخلة بحيث تسهل تأثيرات التجارة الحرة. وعلى العكس من ذلك فإن البند السادس من البرنامج يؤكد أن نموذج برنامج حزب الإخوان المسلمين المصري يحترم الإصلاح السياسي والتغير الديمقراطي الذي يركز علي دور أكثر تحديدا للدولة ودور أكبر للمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية.
ويدعوا البرنامج إلى دولة تتدخل بشكل منتظم في المجالات الاقتصادية والاجتماعية بينما في نفس الوقت يؤيد تحديد دورها السياسي وهو ما يدعوا للتناقض. ثم بعد ذلك تفلَّت الإخوان المسلمين من أي نقد أو مطالبة للتوضيح حول التوتر بين دولة حرة وأخرى متدخلة بسبب بعض الإشكاليات الأخرى.
النضال داخل جماعة الإخوان المسلمين: حلٌّ أم انقسام؟
فجر برنامج الإخوان المسلمين نقاشا خارج الجماعة، ولكنه أيضا أشعل نار نزاع لم نعتد مثله داخل الجماعة. وبالطبع فإن قادة الجماعة قد اختلفوا حول الإستراتيجية والتكتيكات من قبل، ولكنهم أظهروا هذا النقاش الحالي إلى الإعلام العام والصحافة والبث المحلي والفضائي وبعض منتديات الإنترنت وهذا أمر غير مسبوق.
كما أن الطبيعة العامة من النقاش قد أشعل نقاشا عاما وتأملات حول التوترات داخل الجماعة. كما ظهرت بعض الاختلافات الواضحة بين أعضاء القيادة العليا داخل جماعة الإخوان المسلمين، مكتب الإرشاد، وقد تسربت بعض هذه الخلافات خارج مكتب إرشاد الجماعة.
وبتصاعد الخلاف الداخلي لمعت بعض الاتجاهات والأجنحة. وقد ظهر انقسام أيديولوجي بين جناح المحافظين والإصلاحيين وأظهر نضال الأجيال انقساما بين الحرس القديم والجديد. وقد أشعلت هذه الانقسامات الانشقاق العام أو حتى انهيار التنظيم.
وبالرغم من أن مثل هذا التصاعد يعتمد بوضوح على درجة أساسية من المبالغة فإن هذا اللون من المناقشة بين الأعضاء قد كان ملفتا للنظر وغير مسبوق. فمنذ أن تأسست الجماعة في عام 1928 حافظت علي قدرة ملحوظة في الحديث إلى العامة بطريقة واحدة واستيعاب الاتجاهات المختلفة بلا انقسام.
في الحقيقة لم تعاني الجماعة سوى من انقسام واحد حيث قامت مجموعة من الأعضاء وعلى رأسهم أبو العلا ماضي في التسعينيات بترك الجماعة لتشكيل حزب سياسي مستقل (حزب الوسط). وحتى بعد مرور عقد على هذا الانقسام لم يحصل حزب الوسط علي الاعتراف القانوني.
وبالنظر إلى هذه التجربة فإنه من المتوقع أن ينفر الإخوان المسلمين من وجود أي نوع من أنواع النزاع داخل الحزب لأنه يمكن أن يؤدي إلى انشقاق الجماعة مرة أخرى.
وبالرغم من هذه الموانع، لم تفلح الجماعة في احتواء النقاش لتهدئة الحوار الداخلي. فالإخوان المسلمون في الوقت الحالي يتحدثون بأصوات مختلفة ويقدمون فرصة لا تعوض للمراقبين والمحللين لفهم أوضاع الخلاف والتوجهات داخل الجماعة وكذلك فهم بعض آلياتها من أجل صنع قرارات رسمية.
وعلى الأقل فلهذه اللحظة لا يتحدث الإخوان المسلمين من خلال تصريحات المرشد العام للجماعة ولكن من خلال جمع غفير من وسائل الإعلام والمتحدثين الرسميين.
وفي سبتمبر 2007، في أعقاب الإفراج عن برنامج الحزب، تآلف اثنان من رؤى البرنامج المتعارضة إلى جانب ظهور طريقة الكتابة التي كانت وراءها. أما الرؤية الأولى فقد اتفقت مع النائب الأول للمرشد العام محمد حبيب والذي دافع عن العناصر الشائكة في البرنامج. والعناصر الشائكة تتضمن ما ذكر من اقتراحات لتأسيس مجلس منتخب من علماء الدين لمراجعة التشريع، وكذلك عدم أهلية المرأة والمسيحي لتولي منصب الرئيس أو أي منصب قيادي.
تقديم: أحمد شهيد وجونثون أبتون
مقدمة
نحو جزر مالديف جديدة: تحديات وفرص يمكن للانتخابات التي عقدت في العام 2008 أن تكون بداية لفترة ديمقراطية جديدة في جزر المالديف أو يمكنها أن تضع حدا للخطوات الواسعة التي قدمتها أجندة الإصلاح التي كانت قد تواصلت من قبل الحكومة منذ العام 2003.
والخطر يتمثل في ما إذا كانت الدولة الإسلامية التقليدية يمكنها اعتناق الشعارات الديمقراطية الحديثة وممارساتها أم أن جزر المالديف سوف ترى كجزء من الاتجاه المتنامي لإزالة الحكام السلطويين المحافظين ومثال آخر للصراع بين الإسلام والديمقراطية.
وما يعطينا الأمل هو حركات الإصلاح المتزايدة والمكاسب التي تم الحصول عليها في السنوات القليلة الماضية والتحول الاجتماعي الذي تشهده البلاد. وقد كانت التحولات الأخيرة نتيجة مطالب من قبل المنشقين إلى جانب ضغوط دولية واعتراف من قبل الحكومة بأن الأساليب القديمة للحكم كانت غير قادرة على مواكبة التحديات والتغيير السريع للمجتمع.
أما ما يدعو للقلق فهو اندحار التقدم الديمقراطي وتشتت الرأي السياسي وظهور المحافظة الدينية والقومية والعجز في التوظيف داخل المجتمع المدني. أما بالنسبة لمعظم حركات الإصلاح فإن العقبة الكبرى أمام التغيير تأتي من السيطرة الراسخة للرئيس الحالي.
وبالرغم مما هو معروف عن جزر المالديف من التقاليد الإسلامية المعتدلة في الثلاثة عقود الماضية إلا أنه كان هناك ظهور خفي للأصولية الإسلامية. ينقسم الشباب ما بين منضم للجماعات الأصولية ومعتنق لقيم الانفتاح ومحافظ على التطوير في المجتمع الحديث.
ولذلك جاء البحث الحالي عن الدمقرطة في وقت فاصل من تاريخ البلاد. وقد أظهرت حركة الإصلاح الأخيرة إمكانية إيجاد أرضية مشتركة بين الإسلام والتحديث والديمقراطية وهذا ما يظهر كيف يمكن لهذا أن يكون فعالا ويدفع خطر التطرف بعيدا. كما أن الممارسة هي التي ستحدد ما إذا كان الجيل الحالي من المالديفيين قادر علي الحصول علي توازن اجتماعي جديد لتحقيق استقرار وسلام طويل المدى أو أن البلاد سوف تقع ضحية للفوضى واليأس والعنف.
وسوف يركز هذا التقرير علي المحاولات الحالية التي انطلقت بعد توقف في جزر المالديف وعلي الدولة الإسلامية التقليدية في المحيط الهندي والدخول في ديمقراطية حديثة. ولهذا الهدف فإن هذا التقرير سوف يقوم التقرير بفحص محتوى المشروع الديمقراطي الحالي وتحديد العوامل التي تشجع أو تمنع هذا المطلب وأن يضع في الاعتبار النتائج وكيفية السيطرة عليها. وسوف نبدأ برؤية مقتضبة عن السياق في جزر المالديف ودور الإسلام في سياسات جزر المالديف ونتائج المحاولات السابقة لإصلاح نظام الحكم.
وضع جزر المالديف
الوضع الجغرافي
تتألف جزر المالديف من دولة أرخبيلية من 1200 جزيرة مرجانية في جنوب الهند بعيدا عن خط الاستواء وينقسم 300.000 من السكان بين 200 جزيرة كما أن الجزر فقيرة من الموارد ولا ترتفع الجزر إلا بنسبة 2 متر عن مستوى البحر وقد تحولت هذه البلاد إلى الإسلام في العام 1153.
التنمية الاقتصادية
كان الصيادون هم دعامة الاقتصاد الأساسية في جزر المالديف أما في العام 1972 فقد ظهرت السياحة علي الصيادين، فالسياحة تمثل الآن 35% من ناتج الدخل المحلي بالرغم من أن الصيد لم يزل مصدرا مهما للتوظيف.
وعندما قامت الأمم المتحدة بسحب قائمة الدول الأقل تطورا في العام 1971 كانت جزر المالديف ضمن أفقر 25 دولة في العالم. وفي العام 1997، وبينما كان يوجد في هذه القائمة خمسين من البلدان فقط، تأهلت المالديف للخروج من هذه القائمة بسبب نجاحها في التطور.
وقد زاد دخل الفرد من أقل من 400 دولار أمريكي في منتصف السبعينيات إلى أكثر من 2.800 دولار أمريكي في هذا اليوم كما زاد ناتج الدخل المحلي من 25 مليون دولار عام 1978 إلى 700 مليون دولار في يومنا هذا.
وبعد أزمات اقتصادية خطيرة تسببت في أعمال شغب وعدم استقرار سياسي في منتصف السبعينيات، دخلت جزر المالديف في بداية الثمانينيات فترة من الازدهار تضاعفت في الثمانينيات قبل أن تنزل بمعدل 9% مدة 25 عاما منذ عام 1980.
إلا أن التدرج قد تأجل حتى العام 2011 بعد احتجاجات قوية من قبل المالديف ضد الفقد المفاجئ للقروض الميسرة والمساعدات الأخرى ومميزات السوق ومؤخرا من قبل الدمار الذي تسبب فيه إعصار تسونامي والذي ذهب بحوالب 62% من ناتج الدخل القومي. وعلي أي حال ففي العام 2006 استرد الاقتصاد عافيته بنسبة 18.1% باستعادة السياحة لعافيتها.
ومع الزيادة المفرطة في دخل الفرد خلال 25 عاما مضت فقد كان هناك في المقابل زيادة مفرطة في عدم المساواة في توزيع الثروات. لم تحرز جزر المالديف ارتفاعا في الدخل القومي في جنوب أسيا فقط، بل إنها كانت الدولة الثانية ضمن قائمة جيني في عدم المساواة الاقتصادية أيضا. وإضافة إلى عد المساواة بين العاصمة وبين المقاطعات إلا أنه لم يحصل انقسام حتى الآن لا في الشمال ولا الجنوب.
التنمية الاجتماعية
تعد جزر المالديف دولة بدون تحول سكاني كامل. ويسجل إحصاء رسمي للسكان كان قد استمر منذ 1910 استقرار حوالي 100.000 من السكان حتى الاستقلال في 1965. ومنذ ذلك الحين ونظرا للاستثمارات في الثروة المحلية وتضاعف أعداد السكان بحلول العام 1978 وتضاعفه مرة أخري ثلاثة أضعاف بحلول العام 2005، وصلت معدلات النمو السكاني إلى 3.4% في العام 1985 وانحدرت إلى 1.9% في العام 2000، واليوم تمثل نسبة 1.7%.
قدم التعليم المتوسط باللغة الإنجليزية في العام 1961 وبالرغم من عدم وجود جامعات في البلاد إلا أن جزر المالديف قد قامت بخطوة واسعة في مجال التعليم. وقد زاد معدل التثقيف من 80 % عام 1981 إلى ما يقرب من 99% في يومنا هذا.
أما التعليم الابتدائي فهو تعليم شامل والتعليم الثانوي يمثل نسبة 90%. أما قروض البنك الدولي المتوالية لتمويل منح التعليم بالخارج إلى جانب بعض مساهمات المانحين بالخارج والتي قدمت قدرا كبيرا من الخريجين الجامعيين مع نهاية القرن العشرين.
أما في قطاع الصحة فإن الدولة قد أحرزت تقدما ملحوظا، فقد زاد متوسط العمر من 48 عاما في العام 1977 إلى 72 عاما في يومنا هذا. وقد تغير معدل الوفيات بشكل مثير في هذه الفترة فقد انخفض من 120 لكل 1000 إلى 12 وفي أقل من خمس سنوات تغيرت من 180 متوفى لكل 1000 إلى 14 فقط.
وقد تعلق المجتمع المالديفي بالمبادئ الشيوعية التي رفعت التناغم الاجتماعي لأعلي مستوياته وقللت من الفقر الشديد والجريمة. وعلى أي حال، فإن الحضرية السريعة وتفكك العائلات قد أسقطت القيم الاجتماعية التقليدية وارتبطت بتزايد مشكلة المخدرات وعدم الاستقرار والقلق التي بدأت تظهر على السطح في أواخر التسعينيات وقد وصلت لدرجة الغليان في السنوات القليلة الماضية. كما أن نقص المساكن الملائمة ومعدلات نقص التوظيف وغياب الترابط الاجتماعي الآمن الملائم عندما ظهر هناك التفاوت الواسع والسريع وهو ما زاد في التوتر الاجتماعي.
التطور السياسي
وخلال القرن التاسع عشر أصبح الدور الرئيسي للوزير أقوى حتى نهاية القرن وكان من الواضح أن رئيس الوزراء قد فاق منصب السلطان. كما أن العشائر المهينة بدأت في الدخول في صراع من أجل السلطة وفي النهاية خضعت تحت سلطة القوى الخارجية وهو ما كلف البلاد استقلالها في العام 1887.
وحتى ذلك الوقت أصبحت جزر المالديف مستقلة إلا في فترة وجيزة من الاحتلال البرتغالي في منتصف القرن السادس عشر. وفي ظل اتفاق الحماية زعمت بريطانيا مسئوليتها عن علاقات الدولة الخارجية في العام 1887. وبحلول الثلاثينيات من القرن العشرين تبنت جزر المالديف أول دستور مكتوب لها والذي سريعا ما انتهك من قبل جماهير الناس وتم تبني دستور جديد أكثر ملائمة للظروف المحلية.
وقد رسخ هذا وضع رئيس الوزراء ولكن تجربة زمن الحرب قد عكست الضوء على الحاجة إلى سلطة مركزية وتم استبدال السلطان بالرئاسة لمدة سبعة أشهر ولكنه استعيد مرة أخرى. وقد كان آخر تشاجر مع السلطان في العام 1968 عندما أعلنت الجمهورية الثانية بعد ثلاث سنوات من حصول جزر المالديف علي الاستقلال من حكم بريطانيا.
وبالاستمرار على هامش النظام الدولي ومن بين ذلك خلال الموجات المتتالية للعالمية من بداية القرن الخامس عشر فصاعدا رفعت الاستقلالية جزر المالديف إلى مرتبة الأمة التي يرعاها الغرب وقد تعزز هذا الوضع بضمها إلى الأمم المتحدة ولكنها لم تستغل بشكل كامل إلى فترة التطرف من قبل العالم الثالث في أعقاب أزمة الطاقة في السبعينيات.
لذلك فقد كانت فترة ما بعد الاستقلال فترة لبناء أمة حديثة ومشروع أخذ في النمو بشكل سريع منذ نهاية السبعينيات. وقد ركزت جهود بناء الأمة على التنمية الاقتصادية والاجتماعية واعتنقت النموذج النسبي للثقافة وخاصة في مجال التطور السياسي.
أما الاتجاهات المطلقة في بداية السبعينيات فقد استبدلت بوجهات نظر قومية أكثر تناسقا قائمة على الحلول الذاتية المأخوذة من الثقافية السياسية والإسلامية للشعب. ويحكم جزر المالديف رئيس تنفيذي منتخب من قبل استفتاء عام بعد تعيين من قبل تشريع 50 عضوا؛ 42 منهم انتخبوا من دوائر انتخابية للأعضاء والثمانية من قبل الرئيس.
وفي العام 2002، وصف دبلوماسي غربي جزر المالديف بأنها دولة قبلية، مشيرا إلى الإطار القانوني الضعيف في البلاد والنخب المحلية المتفقة مع هذه الرؤية عندما أكدوا على ضرورة الإصلاح القانوني والقضائي.
وهناك دراسة قام بها المعهد الديمقراطي القومي للشئون الدولية التابع للولايات المتحدة في العام 2004 تقوم بالإعداد لتقديم نظام تعددية الأحزاب وتلقي الضوء على عدم نضوج الحكومة وقطبية المجتمع.
وقد كان هناك تحولا فكريا في التقييم السياسي في نهاية السبعينيات، وبحلول العام 2004 كان هناك ظهور لنقطة تحول أخرى في التقييم السياسي يطالب باتجاهات جديدة من خلال أجندة الإصلاح الديمقراطي والتي تم توزيعها في العام 2004 والتي وضعت فيها جزر المالديف رؤاها للاسترشاد للديمقراطية المتحررة في القرن الحادي والعشرون في فترة أربع سنوات.
دور الإسلام في سياسات جزر المالديف
بالرغم من تحول جزر المالديف إلى الإسلام في العام 1153 وتشكيل الشريعة لأساس النظام القانوني في البلاد فإنها دائما ما تبعت التقاليد المعتدلة لإسلام ولم تنفذ قوانين الشريعة الصارمة ذات يوم. وحتى وقت متأخر لم تكن المرأة ترتدي الحجاب ولم يكن شرط الذكورة مطلوبا لتولي السلطان.
أما المالديفيون فهم مسلمون سنة يتبعون المدرسة الشافعية وهو بذلك يشبهون أكثر المسلمين في الدول العربية بالجنوب والمسلمين في صعيد مصر وشرق أفريقيا وجزر الهند الشرقية. وحتى العقود الماضية ظل ماضي ما قبل الإسلام متأصلا في الفلسفة الاجتماعية السياسية للشعب.
وبينما كان بالبلاد نظام قضاء مستقل تقليدي منذ العام 1967 فقد كان هناك مناسبات قليلة جدا في عدم الاتفاق بين العلماء والسلطان ولم يكن أي من هذه الاختلافات قائما على أساس ديني.
وقد نظم أول دستور لجزر المالديف وضع القضاء ودوره وأكد على استقلاليته. وفي العام 1967 وبينما كانت الدولة تسير نحو سلطة علمانية أعظم ألغي منصب قاضي القضاة وأصبحت وزارة العدل في وضع الوظيفة التنفيذية.
ومن هذا الوقت لم يعد هناك استقلالا قضائيا في البلاد. أما الدستور الحالي الذي تم تبنيه في العام 1997 فقد تحول إلى المبدأ الإسلامي (الحاكمية) وجعل من الرئيس رئيسا للسلطة القضائية.
وخلال أواخر السبعينيات بدأت الحكومة الجديدة، التي يترأسها خريجو الأزهر، في تطوير العلاقات الوطيدة مع بلدان الشرق الأوسط وجعل الإسلام مركزا لسياساتها والبدء في برنامج التعريب.
وقد كان الحكام الجدد معتدلين بشكل عام وقد استغلوا الإسلام ليخزوا النظام السابق وليهملوا النخب التقليدية والتي كانت علمانية في مظهرها وليقوموا بإضفاء الشرعية على وضعهم السياسي، كما طلب من أئمة المساجد أن يدعوا للحكام بالهادية في صلاة الجمعة كما أن الإعلام الحكومي قام بإفتاء مشاهديه بأن انتقاد الحكام ولومهم من قبل المعارضة يعد أمرا حراما.
أما الأيديولوجية التي تبشر بها الحكومة فتذكر الناس بأن القيادة قد وقع الاختيار عليها بمباركة الله وأنه لمن الحرام منازعة السلطة العليا.
كما أن برنامج التعريب يعد بشكل طبيعي سلاحا ذو حدين حيث أنه يمهد الطريق للإسلام المحافظ ليقوي جذوره داخل البلاد ثم يتحول في النهاية إلى ثقافة إسلامية متطرفة معادية مع نهاية القرن. وقبيل الرئيس الحالي، أطاح مأمون عبد القيوم بالنخب التقليدية، بدأت الحكومة في التشاجر مع الإسلاميين. وهكذا، وبحلول منتصف الثمانينيات بدأ التزام الأنظمة بالقيم الإسلامية يبدو أمرا مثيرا للتساؤل، وبحلول العام 1993 قامت الحكومة بتمرير قانون يحظر التبشير غير القانوني.
وعلى أي حال، وبتقدم التسعينيات، ظهر المجتمع المالديفي مشتتا بين ثقافتين متعارضتين؛ ثقافة تتبني نموذج الحياة الغربي والأخرى تؤكد على نموذج الحياة الإسلامي المحافظ، إلا أن كلاهما قد كان معارضا للحكومة، فالإصلاحيين العلمانيين كالإسلاميين المتطرفين يعارضون النظام.
ولقد عارضت كلا من الجماعتين برنامج الإصلاح السياسي، الذي كان نتيجة للضغط الداخلي والدولي. وقد رأى الإسلاميون اقتراحات المساواة بين الرجل والمرأة وعدوها غير إسلامية بينما هناك خصوم آخرون للنظام كانوا سعداء للغاية لعرقلة جهود النظام للتخلص من ماضيه المخزي. ويتولى الإسلاميون اليوم سلطة كبيرة فحزب العدالة، الذي يتبع أجندة دينية معتدلة يظل التجمع السياسي الوحيد الذي يحكي رواية واضحة ومتناسقة.
وبينما تم إزالة حظر تولي المرأة للرئاسة وكذلك تحقيق الفصل بين السلطات في الدستور المقترح، فإنه من المحتمل أن يظهر الحزب كأكبر حزب منفرد عند انعقاد الانتخابات في العام التالي. ومن ناحيتهم فإن تضامن الحزب قد تمت مساعدته من قبل البرنامج العملي الملائم.
وعلى أي حال فإن هذا التضامن مصحوبا في نفس الوقت بظهور مزيد من التدفق المتطرف للمحافظين الذين هم مسلحين في الغالب وكتومين ورافضين. وعلى رأس هذا فإن هناك إسلاميون متطرفون يعتبرون الحزب كملحدين ولا يقومون بالتعاون مع الممثلين السياسيين ثم إن معظم نشاطاتهم سرية وتخريبية ومسلحين.
أجندة الإصلاح
وما سمي بأجندة الإصلاح في جزر المالديف قد تطور كسلسلة من العهود بين 11 نوفمبر 2003 و 27 مارس 2006. وقد صدرت خارطة الطريق في مارس 2006 وتضمنت 31 اقتراحا لمراجعة الدستور وسلسلة من الالتزامات المقيدة بوقت حول حقوق الإنسان واقتراحات لبناء مؤسسات والانتقال لمجتمع مدني.
كما أن اقتراحات تعديل الدستور قد ضمنت تعرية عدد كبير من السلطات التي في أيدي السلطة التنفيذية لإتاحة الفرصة لفصل حقيقي في القوى. فالبرلمان يجب أن ينتخب بشكل كامل بطريقة مناسبة وأن ينتخب الرئيس بشكل مباشر من قبل الشعب وأن يجرد الرئيس من سلطاته القضائية وأن يتم إزالة بند استبعاد المرأة عن الرئاسة وأن يقدم بندين لتحديد الرئاسة.
وقد وضعت الحكومة خطة عمل لخمس سنوات تجاه حكم الجنايات وقد صممت للفحص الدقيق للقضاء كافة ولنظام العقوبات. كما استعيد حق التمثيل القانوني الكامل وقانون عقوبات حديث وتم التعهد بتأسيسه وفق الشريعة.
وقد تعدت الحكومة كذلك بتأييد جميع وسائل حقوق الإنسان الدولية الرئيسية وأصدروا دعواي ثابتة لجميع التعديلات الخاصة لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة لتتلاءم مع جزر المالديف. كما دعي مجلس الأمن الدولي لزيارة جزر المالديف والنصح لها حول الإصلاحات كما كان مع قسم حقوق الإنسان التابع لحكومة الكومنولث وبدعوة جزر المالديف، أقام مستشار حقوق الإنسان في جزر المالديف من قبل المفوضية العليا لحقوق الإنسان والتابعة للأمم المتحدة. وقد وقعت جزر المالديف اتفاقية دخول ضمن اللجنة الدولية للصليب الأحمر لمعاينة السجناء في جزر المالديف.
كما دعي الاتحاد بين البرلمان وجمعية برلمان الكومنولث والمعهد الديمقراطي القومي للشئون الدولية للمساهمة في عملية الدمقرطة كما كان اتحاد الضغط من قبل الكومنولث. وقد طمحت المساعدات والاستشارات الدولية لإصلاح السياسة وتدريب القضاة وإعادة تنظيم خدمة السجون وتدريب الصحفيين وتحسين اتصالات الحكومة.
أما الإصلاحات المرتقبة فتضم إنشاء حق إتاحة المعلومات وحرية الطبع والإعلام الإلكتروني. وقد عكست هذه الإصلاحات العقلية الجديدة للحكومة والتي تتعارض مع التحفظات المبكرة حول الشمولية لشعارات حقوق الإنسان وعدم الثقة في الإعلام الدولي وعدم التعاون مع مؤيدي حقوق الإنسان الدوليين وبغض التواصل مع المجتمع الدولي.
وما يقوم بتحريك أجندة الإصلاح المتزايدة هو الضغط من قبل المعارضة الداخلية وكذلك الضغط الخارجي من شركاء التنمية وتغذية الحكومة بالدماء الجديدة والمطالب بإعادة الأهلية من قبل الرئيس. وربما كان قيوم يبحث عن طريق لاستقرار رئاسته. وبحلول العام 2007 ظهر قيوم وقد حقق مثل هذا الاستقرار، حاصلا علي دعما داخليا واسعا واستعادة اعتباره.
ولكن عند هذه النقطة بدأت المداهمات الجديدة في الظهور ومعظم ما ارتبط منها بأجندة الإصلاح قد ترك الحكومة مدعيا أن الطريق الوحيد لدعم أجندة الإصلاح قد كان العمل خارج الحكومة. وفي الشهور التالية كان هناك صحوة لضغوط المعارضة ولكن كان هناك هبوط في التشريع والعنف ومن بين ذلك الحوادث الإرهابية والتي قد أدت في النهاية بالحكومة إلى مطالبة الجيش باستعادة القانون والنظام.
ولأشهر قليلة مضت قبل الانتخابات كان الرأي العام لا يزال متشائما تجاه التغيير. وأظهرت استطلاعات للرأي أن عددا كبيرا من المنتخبين يؤمنون بأن قيوم سوف بفقد انتخابات عادلة وحرة. كما أن هناك عددا مساويا يؤمن بأنه سوف يكون هناك تلاعب في الانتخابات كما ينتابهم القلق من أنه لن يكون هناك طريق سلمي للديمقراطية.
طريق الإصلاح
في سبيل تقدير التحديات والفرص الكائنة من أجل نجاح مشروع الدمقرطة فإنه من الضروري أن ننظر إلى سيطرة رجل واحد. فالرئيس مأمون عبد القيوم هو أطول الرؤساء الذين عملوا كرؤساء للحكومة وما زالوا في السلطة في أسيا.
ولمدة ثلاثين عاما سيطر على المشهد السياسي وقد ظهر أقل قسوة من بعض من سبقوه من الديكتاتوريين الذين مكثوا لفترات طويلة، وللحفاظ على نفسه في السلطة قام بإهمال الحقوق الأساسية للشعب المالديفي. وبالنسبة للعديدين في الحركة الديمقراطية تعد الإصلاحات الحالية شعارا للسير ضد التيار وهو ما سيدعو النظام للعودة لعاداته القديمة.
الوعد الأول للإصلاح (1978 – 1980)
أحضر إبراهيم ناصر، بعد قراره بالانسحاب من السياسات بعد فترة طالت لمدة فترتين رئاسيتين كأول رئيس للجمهورية الثانية، قيوم المنشق الصريح إلى مجلس الوزراء في مارس 1977. وفي ظل النظام القديم، الذي عقدت في ظله جميع الانتخابات الرئاسية إلى الآن، كان الرئيس ينتخب بالتصويت في المجلس ثم يعقد استفتاء للتصديق علي اختيار المجلس.
كما أن نظام المرشح الفردي قد قدم بشكل طبيعي تأييد قوي للغاية للرئيس وقام بتسهيل الانتقال المنظم والسلمي للسلطة إلى قيوم. وقد ادعي العديدين بأن هذا هو أكثر انتقال منظم للسلطة في التاريخ الحديث لجزر المالديف ولكنهم صدموا لمعرفتهم بعد سنوات قليلة بأن قيوم ومن يواليه قاموا بتهريب أسلحة نارية إلى داخل البرلمان استجابة لمخاوف محاولة الانقلاب.
وقدوعد قيوم بإصلاحات حرة لإنهاء أجواء الخوف التي عاشها السياسيون في ظل حكم ناصر ولكنها الآن تحولت لتقوية سلطته. وقد أصبح من الواضح منذ البداية أن هذا الملك الفيلسوف الجديد ربما يكون كريما تجاه العدو والصديق وأنه سيتركهم ينافسون.
وقد ترك ناصر البلاد بعد شهر من استقالته ولكنه أجبر على النفي من قبل الحكومة بسبب جرائم حدثت في ظل نظامه السابق. وقد كان هناك منافسون أمثال وزير الدفاع عبد الحنَّان ووزير الصحة حليم ونائب وزير الثروة السمكية أحمد نسيم، وكلهم من مؤيدي ناصر، قد أبعدوا أو شردوا أو نفوا أو سجنوا.
كما أن القيادة الوقحة لقوات الأمن قد عزلت واستبدلت بالموالين لقيوم. وقد أعطى أخوه عبد الله حميد مسئولية الحكم لجميع المقاطعات. أما أخوه غير الشقيق إلياس إبراهيم فقد كان مسئولا عن قوات الأمن والتجارة.
وأُعطِي أقرب أصدقائه زاهر حسين جميع المؤسسات التعليمية. أما أخوه الآخر غير الشقيق فقد تولي محطة البث الإذاعي الوحيدة. وقد أعطيت أهمية خاصة للسيطرة علي الإعلام وتحول تلفزيون جزر المالديف ليصبح إعلاما شخصيا لقيوم. وحتى الآن فإنه من العادي للتقارير الصحفية من المكتب الرئاسي أن تقرأ بالحرف الواحد كقصص إخبارية.
وفي إطار الإصلاحات التي وعد بها سن قيوم قانونا لتقديم التميز البرلماني وجعل القضاء لا يعتمد على الإرشاد السياسي في الحكم في القضايا وتحسين أحوال السجون. وقد شجع قيوم البرلمان على صياغة دستور أكثر حرية.
وبعد ذلك مباشرة تُبع التقدم الأولي بانتكاسة للعادات التقليدية. وقد نسب قيوم محاولة انقلاب فاشلة لناصر، والتي أنكرها الأخير، وهو ما تسبب في حالة من الهستريا وأسقطت كل مظاهر القانون والنظام ووصف خصوم النظام بالخونة والمتآمرين.
وبنهاية الفترة الأولى من تولي قيوم لسلطة كان مجلس الأمن الدولي قد بدأ في التعبير عن اهتمامه بانتهاكات حقوق الإنسان. وبإلقاء الضوء على هذه التقارير أصبح مستوى القمع السياسي واضحا عندما سجن عدد من البرلمانيين والقضاة البارزين بتهم أخذ رشاوى لصالح مرشح آخر غير قيوم في انتخابات 1983. ولم يتم تجسيد الدستور مطلقا؛ وبعد سبعة عشر عاما قام المجلس الخاص تحت قيادة أخو قيوم عبد الله حامد بتقديم دستور في العام 1997 وهو ما قام بتوسيع السلطات التنفيذية بشكل كبير.
الموجة الثانية لإجهاض الإصلاح (1988 – 1991)
بالرغم من نضال السلطة، بقيت الأشياء حتى العام 1988 جيدة بشكل نسبي للمالديفي العادي. ومن خلال التطورات السياحية والتوسع في التجارة الدولية شهدت البلاد فترة غير مسبوقة من النمو الاقتصادي المتواصل المستمر حتى اليوم. وبالغم من اتخاذ قيوم لإجراءات قمع الخصوم السياسيين فقد كان لهذا تأثير قليل في الحياة اليومية لمعظم الناس فهم لا يشاركون في أية نشاطات سياسية على أي حال.
ولكن هذا الوضع تغير في نوفمبر 1988 من خلال محاولة تمويل انقلاب من قبل المالديفيون المغتربون الأثرياء والذي نفذ من قبل المرتزقة التاميليين من سريلانكا.
وقد تم التخطيط للانقلاب بشكل سيء ولم يلق أي دعم من الناس وخاصة بعد مقتل العديد من المدنيين، ثم تم الانسحاب بشكل سريع بعد الفشل في أسر الرئيس أو مراكز القيادة الأمنية قبل وصول القوات الهندية إلى المطار. وقد طارد الأسطول الهندي المرتزقة مطاردة حثيثة وقام بأسرهم وقدمهم إلى قيوم.
كان لهذه الحادثة تأثيران على سلوك الرئيس قيوم؛ أولهما أنه جعل من المساعدة الهندية تصديقا بقبول شخصه وزيادة في توطيد منصبه.
وفي نفس الوقت فكر في تحديد اعتماده علي القوات الهندية من خلال السعي في ضمان قوات أمن شبه عسكرية من خلال نظام الأمم المتحدة.
وخلال هذه الفترة لعب قيوم بفكرة حرية الإعلام ولكنه سرعان ما تخلى عنها بسبب كشفها لفضيحة الأسماك المعلبة التي تورط فيها أخوه غير الشقيق إلياس إبراهيم وبدء ظهور النقد الموجه إليه شخصيا. وقد أعطى غزو الرئيس صدام حسين واحتلاله للكويت في أغسطس 1990 فرصة لقيوم لدحر المنشقين بالداخل.
وقد بدأت حركة الإصلاح الناشئة في التشكل، وقد أدت الانتخابات البرلمانية التي عقدت في ديسمبر 1989، بعد عام من انقلاب المرتزقة، إلى ظهور كتلة برلمانية مستقلة من خلال انتخاب عدد من الشباب الذي حصل على تعليمه في الغرب مثل محمد وحيد ومحمد شهاب ومحمد إبراهيم ومحمد لطيف وحسن عفيف وإبراهيم شريف.
وكخطوة نحو القمع، جرد محمد لطيف من منصبه البرلماني وسجن بسبب مطالبته بعمل استجواب للرئيس قيوم. وفي ظل هذه الأحداث المسارعة وقع سلسلة من إطلاق النار وتفجيرات وسجن عدد من الإصلاحيين بتهمة الإرهاب. وقد ظهر وحيد كتهديد وشيك لقيوم وقد غادر البلاد بسبب سجن العديد من أهله بتهم الإرهاب.
وبحلول العام 1991 اشتد عود الحركة الإصلاحية الناشئة وشعر قيوم بالرغبة في دعوة أخوه غير الشقيق، إلياس إبراهيم والذي كان قد فر من البلاد متحاشيا استجوابا برلمانيا في العام 1990، وعينه في مجلس الوزراء. وعلى كل حال قام إلياس بعمل قضية مشتركة مع عدد من المنشقين وقام بتحدي قيوم من أجل الرئاسة وفشل في هزيمة قيوم في حلبة الترشيح البرلماني في العام 1993.
وفي أعقاب التصويت اعتقل إلياس إبراهيم مرة أخرى واتهم بالخيانة والسحر الأسود. وبينما كان يقوم أعضاء البرلمان بالإدلاء بأصواتهم لمرشح رئاسي قام الجيش بالخروج إلى شوارع Male والقيام بالمناورات.
وبعد الفوز بالرئاسة في العام 1993، للمرة الرابعة، واصل قيوم سياسته العدوانية في السيطرة على البرلمان وقدم دستورا جديدا بحلول العام 1997 يشجع أي منافس لتحديه بشكل مفتوح وقد ظهرت النتيجة في كل من عامي 1998 و 2003 حيث لم يكن هناك منافسين حقيقيين لقيوم الذي فاز بالرئاسة بنسبة 100% من الأصوات.
وقد كان عام 1997 من أفضل الأعوام عند قيوم، فإضافة إلى الدستور الجديد تم منحه مكافأة GCMG "جورج الخامس من المملكة المتحدة" من قبل الملكة إليزابيث الثانية وشارك رئيس الوزراء البريطاني توني بلير منزلته في المبادرة التي شنتها حكومة الكومنولث حول مناخ التغيير.
كما منحته منظمة الصحة العالمية جائزة الصحة للعالم أجمع بسبب تقدم الصحة في جزر المالديف وقامت الأمم المتحدة بتصنيف جزر المالديف كأفضل الدول المنفذة لاتحاد الاتصالات LDC. وكما رأينا من قبل وكما سنرى من بعد فإن الاعتراف الدولي يزيد من ثقة الرئيس قيوم وتقوية مكانه في السلطة.
قمع المعارضة السلمية والإعلام الجديد (1999 – 2002)
وبينما كان من الخطأ وصف البلاد بأنها تموج بالاستياء، إلا أن السنوات القليلة القادمة في القرن الحادي والعشرون يمكنها أن تظهر لنا المزيد من قوى المعارضة. وبشكل أكبر فقد كان هذا بسبب التأكيد الدولي الأكبر على حقوق الإنسان والتأثير التراكمي للاعتقالات الاحتياطية منذ عام 1990.
لم تقم جزر المالديف بالمناقشة ضد شعارات حقوق الإنسان الشاملة في المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان في فينا عام 1993 فقط، وإنما واصلت الاعتقالات الاعتباطية للسياسيين والصحفيين والفنانين والأكاديميين ومنشقون آخرون.
وقد كشف اعتقال وسجن الأكاديمي المسن أحمد شفيق، على وجه الخصوص، الجانب الأسود للنظام وزيادة النقد الدولي تجاهه. وأصبح الإعلام الجديد بالتحديد وسيلة قوة ضد القمع الداخلي المتزايد. وكغيرها من الأماكن في العالم فإن الإعلام الجديد، وخاصة الإنترنت، يسمح للأصوات التي تم قمعها سابقا بالتحدث.
ومن العلامات البارزة في الإعلام كان إصدار Sandaanu مجلة الإنترنت عام 2001. كان من الممكن وصول القليلين إلى المجلة مباشرة ولكن العديد من المشاركين اختاروا طباعة المحتوى ونشره بشكل واسع. وقد بدأت المعارضة السياسية تصبح نوعا من الثقافة المضادة للعديد من الشباب الساخط في البلاد.
وبحلول العام 1999 كان قيوم قلقا بخصوص تأثير الإعلام الجديد والانشقاق المتزايد. وفي العام 1998 قام برفض خطة اقترحت من قبل وزير التخطيط بمساعدة مستشارين دوليين للخوض في إصلاحات التحديث ومن بينها التعددية السياسية.
وقد شعر بالثقة الكافية حيث استدعي إلياس إبراهيم مرة أخرى إلى مجلس الوزراء في بداية فترته الرئاسية الخامسة. وفي يوليو 1999، وردا على مطالب الإصلاح، دعا قيوم الأمة للاتفاق على رؤية جزر المالديف في العام 2020، وهو ما عقدت من أجله مشاورات حتى مارس 2001 وقدمت مطالب للمراجعة الدستورية وخاصة حول فصل القوى وتحديد فترة تولي الرئاسة.
وقد نشر موجز توصيات في أكتوبر 2002، ولكن لم يتم تطبيقه وبحلول نوفمبر من العام 2002 وفي مقابلة مع واشنطن تايمز عاند قيوم قائلا بأن الدستور لا يحتاج إلى إصلاح. والوحيدين الذين كان لهم حق الاعتراض هم أقرباء قيوم الذين كانوا محصنين من الاضطهاد.
وعلى غرار عاصفة الصحراء (حرب الخليج) التي فسحت مجالا لتهدئة المعارضة منذ عقد مضى، قدمت هجمات الحادي عشر من سبتمبر الذريعة لقيوم للتحرك ضد المنشقين. وفي أكتوبر 2001، حوصر المنشقين الإسلاميين المحافظين وحلقت لحاهم من قبل الشرطة.
ومن خلال ذريعة مكافحة الإرهاب تم اصطياد مؤلفو Sandhaanu وأعيدوا مرة أخرى إلى جزر المالديف بين أكتوبر 2001 و فبراير 2002 واتهموا بالإرهاب.
وفي نفس الوقت جرد السيد محمد نشيد، والذي كان دائم النقد للرئيس، من مقعده في البرلمان باتهام كاذب في فبراير 2002.
أما الشيخ فريد، الناقد الصريح للنظام، فقد تم اتهامه بالإرهاب في يناير 2003. وكنتائج لهذه الأحداث أصدر مجلس الأمن الدولي أول تقرير خاص له على الإطلاق حول جزر المالديف في يوليو 2003 وقد انتقد قيوم بشكل دولي بسبب قمعه للمعارضة السياسية السلمية.
وبينما أيقظ التقرير المجتمع الدولي لطبيعة النظام العدوانية فإن الحدث الذي أشعل المعارضة الحالية قد جاء من مصدر غير متوقع، ألا وهو التعذيب في السجون.
أزمة حقوق الإنسان
قامت الحركة العاملة ضد الحكومة بأخذ خطوة مفاجئة ومتطرفة نحو الأمام بادئة بأزمة ليست سياسية على أي حال. كما أن وحشية الشرطة في البلاد كانت، وللأسف ما زالت، شائعة ومعروفة. وفي بداية العام 2003، وكرئيس لمحكمة الجنايات والمدعي العام في المستقبل، بدأ حسن سعيد بتشكيل قائمة من الإدعاءات ضد الشرطة.
وفي هذا الوقت كانت نسبة 97% من القضايا قد حكم فيها من قبل الاعتراف وهناك ادعاءات تأتي لتظهر مرارا وتكرارا مع نفس الضباط الذين يقومون بنفس الممارسات. وبعد أيام قليلة، وبعد تولي قيوم للرئاسة للمرة السادسة بقليل، واعدا بالإصلاحات، تولى سعيد منصب المدعي العام.
وبعد قبوله للمنصب أخبر قيوم بالحاجة إلى البدء في إصلاحات عاجلة وحذره من أنه سيترك منصبه في حال عدم القدرة على العمل داخل إطار قيمه الأخلاقية والواجبات الدستورية كنائب عام.
وبعد أسابيع قليلة، في 19 سبتمبر 2003، توفي السجين حسن إيفان نسيم بعد أن ضربه حراس السجن. في البداية حاولت الشرطة أن تقوم بمداراة سبب الوفاة، ولكن بعد رؤية والدته للجثة قامت برواية التفاصيل العامة التي تشير إلى وفاته بطريقة عنيفة، وهو ما فجر أعمال عنف من قبل المسجونين مما أدى إلى مقتل ثلاثة منهم بإطلاق النار عليهم وجرح آخرين.
وقد أدت هذه الأخبار إلى إثارة الأصدقاء والأقرباء ومجموعات الشباب الغاضبة وهو ما أدى إلى اندلاع أحداث عنف غير متوقعة للاحتجاج في يوم 20 سبتمبر. وخلال ثلاث ساعات جن جنون ما يقرب من مائتي شاب فأطلقوا النار على مراكز الشرطة وعلى بنايات الشرطة وسياراتها.
ومن أهم الأهداف التي تم التركيز عليها مكاتب الانتخابات في المقاطعات والمجلس والمحكمة العليا. ولم تضع هذه الاضطرابات أوزارها إلا من خلال مقاومة الشرطة لها بالقنابل المسيلة للدموع.
وقد كانت هذه الأحداث بمثابة إغلاق للانتخابات الرئاسية، التي كان مزمعا عقدها في 17 أكتوبر 2003. قامت الحكومة بالانقضاض بشكل قوي على المحتجين وقامت باستهداف المنشقين وعائلاتهم واعتقال جنيفر لطيف ابنة محمد لطيف مؤسس الحزب الديمقراطي بجزر المالديف.
وبعد ذلك قام الرئيس بشن حملته للإصلاحات العاجلة وفاز للمرة السادسة بالرئاسة، ولكن هذا الفوز لم يمر دون انتقاد دولي كبير لموقف قيوم من حقوق الإنسان، والتركيز على عدم التواصل بين الصورة المزدهرة للسياحة في جزر المالديف والعديد من الأشخاص العاديين وهو ما شجع المنشقين لإعلان معارضتهم لقيوم.
ثم تشكل الحزب الديمقراطي في جزل المالديف في كولومبو في 10 نوفمبر كحزب معارضة رسمي. وقد تم مناقشة فكرة إنشاء حزب معارضة سياسية في فبراير 2001، ولكنها ألغيت في يونيو 2001 عندما صوت البرلمان ضد هذه الخطوة.
وعلى كل حال فما أدركه المراقبون لأعمال الشغب التي جرت في 20 سبتمبر هو أن الحكومة ليس لديها الموارد أو القدرة للتعامل مع الانتفاضة المدنية وأن احتجاجات الشوارع تعد أمرا فعالا للغاية.
فنشطاء الشوارع والتجمعات الكبيرة والرغبة التي تم التصريح بها في إسقاط الحكومة بالعنف، إذا ما تطلب الأمر، قد ميزت الجهود الأولى للحزب الديمقراطي الذي دائما ما اعتنق العنف والمواجهة ولكنه لم يلق تأييدا من أجل حركة معارضة.
وقد وعد قيوم بالتغيير لإدراكه بعدم استقرار وضعه. وأعلن في 11 نوفمبر 2003 عن بداية برنامج "إصلاح الحكم والتحديث".
وفي العاشر من ديسمبر 2003، تشكلت بعثة حقوق الإنسان لجعله ينصاع إلى مبادئ باريس. وفي فبراير 2004 بدأ العمل على الدستور الجديد المكتوب مع المجلس الدستوري المسئول عن مراقبة عقده للمرة الأولي في يوليو.
الإصلاح وقيوده
كان العام 2004 مفعما وشهد العديد من الانتصارات لمؤيدي الإصلاحيين داخل الحكومة. فقد جاء كل من شهري يناير ومارس بقوانين جديدة حول الاعتقال وإصلاح العقوبات والتي أتت من قبل توصيات اللجنة الرئاسية التي قامت بالتحري عن موت نسيم.
وفي شهر أكتوبر دعيت المؤسسة الديمقراطية القومية لعمل تقرير حول التحول الديمقراطي، وفي ديسمبر تم التخطيط لوضع أجندة لفحص نظام العدل الجنائي في البلاد. ثم تلقت البلاد زيارة من قبل مجلس الأمن في أكتوبر وتم التصديق على اتفاق ضد التعذيب كما أن البروتوكول الاختياري يسمح للمراقبة الدولية بتفحص السجون.
وفي نفس الوقت، وبتحقيق الازدهار في المجال التشريعي، كانت أعمال أجهزة الأمن قد بدت مطابقة بشكل كلي للأجندة الجديدة. وقد شهد فبراير 2004 قمعا كبيرا لنشطاء الحزب الديمقراطي بجزر المالديف وشن الغارات على المثقفين الشباب أمثال جنيفر لطيف لمنع ما سمي بمسيرة يوم الفالانتاين (عيد الحب) من قبل نشطاء الحزب الديمقراطي في جزر المالديف. وقد رفض المدعي العام أن يقاضيهم غير أن أعمال الشرطة كانت مثيرة.
وبعد ذلك بدأ الأعضاء من العامة بعقد مناقشات حرة وكان الرد من قبل الشرطة عنيفا ضد هذه الاجتماعات واعتقلوا أولئك الذين طالبوا باستقالة الرئيس. وفي استخفاف آخر صريح رفض المدعي العام الحكم عليهم، مع العلم بأن من كان يطالب الرئيس في الماضي بالاستقالة كان يتهم بالتحريض على الفتنة.
وقد كان هذا النوع من التناقض واضحا تماما بين ما يصرح به الرئيس وبين ما تقوم به الدولة وهو ما أدى إلى الشك في الالتزام بالإصلاح.
وقد شهد يوم 9 يونيو كشف النقاب عما كان يسمي أجندة الإصلاح من قبل الرئيس. وقد قام قيوم بوضع أجندة إصلاح مكونة من 31 نقطة في مقابلة عامة، قبل مشاركة الحرس الوزاري القديم فيها. وقد شملت هذه النقاط على الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية والمراقبة البرلمانية لبعض النقاط العامة وجعل الفترة الرئاسية محددة بشكل حاسم.
ولم تقم هذه الاقتراحات بإرباك مجلس الوزراء فقط ولكنها أربكت المعارضة بمطالب بالانسحاب من بعض المناطق أيضا. وبالرغم من التقدم في الإصلاح وتدفق الاقتراحات بقي الحزب الديمقراطي في جزر المالديف مشكوك فيه وخاصة بتفكير الرئيس بفرض متحدث عن المجلس الدستوري.
وقد زادت عدم الثقة والمواجهة عند فشل الحكومة في انتقاء طريقة انتخاب المتحدث وثار المحتجون لأن هذا أول اجتماع للمجلس الدستوري يظهر في هذه الفوضى من دون اختيار متحدث أو وضع تاريخ للوضع الجديد.
وقد وصلت الأوضاع للذروة في 13 أغسطس 2004، حيث كانت المظاهرات في البداية تطالب بالإفراج عن أربعة نشطاء سياسيين احتجزتهم الشرطة. ثم ما لبث أن أصبح هناك 3000 متظاهر في الشوارع واستعر الموقف وأعلنت حالة الطوارئ وأصبحت الشرطة على أهبة الاستعداد واعتقل ما يزيد عن 250 ناشطا.
أوقفت الحكومة خدمة الإنترنت وبعض خدمات المحمول في يومي 13 و 14 كما تم تعليق الحقوق الأساسية بشكل مؤقت ومنعت المظاهرات كما منع التعبير عن وجهات النظر المنتقدة للحكومة. كما اتهم نشطاء الحزب الديمقراطي ومحتجزون آخرون بالتحريض على الفتنة والخيانة وتم تعليق المجلس الدستوري.
وقد قوبلت هذه الأفعال بنقد جامح وقاس من المجتمع الدولي وانتقادات من قبل المملكة المتحدة والولايات المتحدة والهند وسريلانكا.
ولكن أشد انتقاد جاء من أعضاء البرلمان الأوروبي وقد أدى ما اتخذوه من أفعال لحمل قيوم على تنفيذ أجندة الإصلاح والإفراج عن المحتجزين. وقد نادي أعضاء البرلمان الأوروبي بإرجاء جميع المساعدات غير الإنسانية إلى جزر المالديف وفرض حظر السفر.
وقد رفع العزل الدولي عن قيوم بعد ضربات تسونامي للجزر في ديسمبر 2004 والتي دمرت ما يقرب من 60% من الدخل القومي للبلاد. وقد استغل قيوم الفرصة لاتخاذ موقف آخر ضد المنشقين وقام بإسقاط اتهامات ضد جميع المعتقلين بعد اضطرابات 12 و 13 أغسطس.
كما أن المهمة العظيمة لإعادة البناء كانت فوق مقدرة حركة الحرس القديم كما كان تنفيذ الإصلاحات الحكومية المطلوبة بشكل ملح وخاصة هذه المطالب من قبل المدعي العام الإصلاحي النشط الدكتور حسن سعيد.وبحلول مارس 2005، شعر محمد نشيد، والذي كان منفيا إلى سريلانكا والمملكة المتحدة منذ 2003، بأن مسرح الأحداث قد تغير في جزر المالديف وبدأ بالاستعداد للعودة إليها.
في هذه اللحظة وجد أقرب المستشارين للرئيس أن التأثير أصبح مزدوجا بسبب الدمار الذي خلفته تسونامي والضغط الكبير من قبل الحزب الديمقراطي، وبدؤوا بعزله، وبالذهاب إلى الخارج بحجة تلقى التعليم العالي هناك.
وعند هذه النقطة الفاصلة قام المدعي العام بإقناع الرئيس بأنه يجب أن يسارع إلى الإصلاح وأن يسمح للحزب الديمقراطي أن يكون حزبا سياسيا شرعيا. وفي أبريل 2005 قام سعيد بإلغاء قرار قام بوضعه من سبقه وقام بإصدار رأي قانوني رسمي يسمح بتسجيل الأحزاب السياسية. وفي يونيو صوت البرلمان بعودة هذا الرأي القانوني.
وفي يوليو 2005 قام قيوم بتصفية نصف مجلس الوزراء وقام باستبدالهم بشباب مؤيدين للإصلاح العديد منهم ربما يتحد بعد وقت قصير لتشكيل جزر مالديف جديدة تتحدى الحرس القديم.
كما أظهرت معظم النتائج الجديدة التزاما قويا بحقوق الإنسان والمؤسسات الديمقراطية والقاعدة الديمقراطية. وقد كانت رؤيتنا هي أن التحول إلى الديمقراطية يجب أن يكون بشكل سلمي ودونما عنف أو شغب.
كما أنن نؤمن بأن مجرد التغيير في الحكومة لن يكون بالضرورة بالديمقراطية ولكن المطلوب هو بناء مؤسسات عمل وتحديث النظام السياسي وتقوية آلية المراقبة وفحص نظام العدل الجنائي ومن بين ذلك كتابة قانون العقوبات الجديد. وقبل أسبوع من هذه التغييرات التي طرأت على مجلس الوزراء أصدر كبير القضاة ورئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية فتوى بمنع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وبكونه المتحدث الرسمي باسم الحكومة في هذا الوقت قمت أنا والدكتور حسين سعيد، الذي كان مدعيا عاما، بإصدار بيان لرفض هذا المنع. وتصنف هذه الحادثة كواحدة من مناسبات عديدة تصادف فيها وزراء جزر المالديف الجدد مع الحرس القديم.
وقد رأي الحزب الديمقراطي هذه التغييرات على أنها تجميلية تفشل في إدراك التطلعات الحقيقية للحرس الجديد في الحكومة، ويمكن فهم هذا من خلال المداهمات المتواصلة ضد الحزب الديمقراطي. وقدم مجلس الأمن تقريره الثاني حول جزر المالديف في فبراير 2005 اعتمادا على الزيارة التي قام بها إلى هناك في أكتوبر 2004.
وقد شجع التقرير الإصلاحات التي اقترحت، وخاصة من قبل خطة عمل المحكمة الجنائية، ولكنه كان قاسيا إزاء انتهاكات الحكومة المتواصلة لحقوق الإنسان والقمع السياسي. وقد ظل الحزب الديمقراطي ملتزما بشكل مطلق بالعمل المباشر كوسائل للإطاحة بقيوم من الكرسي، وهو ما يرونه هدفا رئيسيا.
نقلة كبيرة أم إصلاح؟
وفي يونيو 2005 كان الحزب الديمقراطي قادرا على الحصول على اعتراف رسمي كحزب سياسي بينما كانت أحزابا أخرى قد مثلت وجهات نظرها بشكل كامل من خلال الإطار السياسي.
وقد تضمن هذا حزب Dhivehi Rayyithunge وحزب الرئيس Adhaalath والحزب الإسلامي الديمقراطي وأحزابا أخرى مع مزيد من الجماعات السياسية والتحالفات التي يتم تشكيلها بمرور الوقت.
وكما أظهرت دراسة المعهد الديمقراطي الوطني أن العديد من صانعي الرأي كانوا قلقين من سيطرة الإسلاميين على الساحة الإسلامية الجديدة وكانوا متحمسين لعدم السماح بتسجيل أي حزب ديني.
ومع ذلك كانت رؤية المدعي العام بالسماح للأحزاب التي قامت على أساس ديني وتشجيعهم للعمل في إطار عمل قانوني معياري مفتوح ملائم لجميع الأحزاب بدلا من استبعادهم ووصفهم بالتطرف.
ومن العام 2005 وحتى العام 2006 كانت أعواما جيدة لعملية الإصلاح حيث شهدت العديد من المناطق تغييرات أساسية في الحكم وفي حقوق الإنسان ووعد بالمزيد من التغيير في المستقبل.
وإضافة إلى إنشاء الأحزاب السياسية حصلت الصحافة المكتوبة على حرية أكبر وكان هناك وأصبح هناك قدر كبير من التسامح في المجالس المحلية.
كما شهدت هذه الفترة محادثات Westminster House بحيث تجلس الحكومة والمعارضة معا خارج البرلمان لأول مرة للتفاوض حول الخطوات التي تسرع بهم نحو الإصلاحات.
كما بعثت الحكومة بدعوات لمبعوثي حقوق الإنسان التابعين للأمم المتحدة لزيارة جزر المالديف وانضموا إلى المعاهدة الدولية للحقوق السياسية والمدنية والمعاهدة الدولية للحقوق الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. كما وعد بلجنة استقامة الشرطة ولجنة لهيئات القضاء.
وقد قيل بأن العديد من هذه التغييرات لم ينفذ بشكل كامل. ومن الأمثلة الواضحة لهذا كان ما وعد به من فصل في السلطة القضائية والتنفيذية ولكنه لم يتم تنفيذه بشكل فعال.
كما لم يتم تنفيذ حق إتاحة المعلومات، حيث ظهرت بوادر السيطرة على الإعلام. كما لم تزل القناة التليفزيونية الوحيدة في جزر المالديف في التغطية المطولة للرئيس ولديها فريق كبير يهتم فقط بهذه النشاطات بينما السماح لقصص المعارضة ما زال أمر مستحيل.
وفي 27 مارس 2006 تم نشر خارطة الطريق نحو الديمقراطية، والتي طال انتظارها، والتي وضعت جدولا زمنيا لعملية الإصلاح. وقد كان هذا نشرا مهما لأنها أتاحت للجميع رؤية أهداف وتطلعات البرنامج. ومع الأسف تم التخلي عن الجدول الزمني حيث تم تأجيل العديد من الإصلاحات الرئيسية ولم يكتمل الدستور حتى الآن حتى بعد عام من الوقت المحدد لذلك.
ومن بين الأسباب التي أدت لهذا هي السرعة النسبية للتغيير وعدم خبرة المجلس الدستوري والمؤسسات الأخرى في التعامل مع مثل هذا النوع من الإصلاح الشامل.
وقد كان هناك العديد من التأجيلات نظرا للافتقار إلى النصاب القانوني في المجلس الدستوري. كما أن عدد مشاريع القوانين التي يجب أن تمرر لتحقيق التغيير أكبر من العادة لمجلس الشعب والتي كانت عاملا في العملية البطيئة.
وربما كان من الأكثر أهمية في كل من المجلس الدستوري والبرلمان أن قد كان هناك العديد من التأجيلات بسبب الحجج القوية من قبل كل من حزب الألفية الديمقراطي والمعارض مع الرغبة الواضحة في التسوية.
كما أن بعض هذه المواجهات كانت بسبب تراجع الرئيس عن موقفه والذي قرر الآن وبكل صراحة أنه يرغب في البقاء في السلطة.
ومن الأمثلة الواضحة لهذا هو المناقشات المطولة حول تبني إصلاح الحكومة في المستقبل وهو ما يهدد مستقبل قيوم نفسه. ومن أمثلة هذا هو ما إذا كان الدستور "جديدا" أو "معدلا". لقد بدأت العملية في أولا على شكل تعديل، كما تم بكل وضوح عندما عقد الرئيس المجلس الدستوري قي العام 2004.
كما أن هذا البرهان مهم لأنه إذا تم تعديل الدستور فإن قيوم، في ظل أحكام تحديد الفترة، لا يمكنه البقاء في السلطة أكثر من ذلك فقد بقي مدة ست فترات، أما إذا كان هناك دستور جديد فإنه يستطيع. وقد كانت هذه النقطة مصدرا للخلاف بين حزب الألفية الديمقراطي والحزب الديمقراطي في جزر المالديف كما أظهر كذلك موقف الرئيس تجاه العملية.
وفي أغسطس 2007 كان الاستفتاء على الإصلاح في المستقبل. وبالرغم من أن قيوم يرغب في أن يحذو حذو النظام المصري حتى داخل الحكومة وحزب الألفية الديمقراطي أجبر قيوم من قبل جزر المالديف الجديدة على ترك منصبه ودعم النظام الرئاسي الأمريكي وهو نظام المدتين فقط.
وفي مشهد نادر للوحدة اتحد الحرس القديم ضد جزر المالديف الجديدة في المجلس الدستوري في يونيو 2006 وقام بإصدار قرار الاستفتاء العام. ولمدة أكثر من عام مضت على هذه القضية التي تمثلت أهميتها الأساسية في مستقبل قيوم نفسه.
وفي النهاية، وفي 18 يونيو صرح قيوم أنه يرغب في مدة جديدة حتى وإن تم تبني النظام الرئاسي. وقد صدق الاستفتاء على النظام الرئاسي وكان بمثابة هزيمة لوضع قيوم الأولي وأجبره علي التراجع عن موقفه حيال عرض فترتي الرئاسة. وفي التاسع عشر من أغسطس أسرع قيوم في الإعلان عن انتصاره على الحزب الديمقراطي الذي قام بحملة من أجل نموذج رئاسة الوزراء في الحكومة.
وقد أدى عدم الالتزام الحقيقي من قبل الرئيس بالتغيير في النهاية إلى استقالة كل من محمد جميل من منصبه كوزير للعدل وكذلك استقالة الدكتور حسن سعيد من منصبه كمدعي عام في 5 أغسطس 2007. وبعد ذلك بوقت قصير استقلت من منصبي كوزير للخارجية في 21 من نفس الشهر مصرحا بأن عملية الإصلاح يتم مقاومتها من قبل "الحرس المحافظ داخل البرلمان ومجلس الوزراء"، وهو الرأي الذي نتشارك فيه جميعا.
لقد تركنا الحكومة لأننا نؤمن بأن الرئيس مهتم بالتجديد لنفسه أكثر من اهتمامه بالإصلاحات الديمقراطية. وقد نادي سعيد بشكل مفتوح بتحرير القضاء من أيدي السلطة التنفيذية في بداية العام 2007 كما أننا تخوفنا في مارس من رفض المحادثات المتعددة مع الحزب الديمقراطي والتي صممت لتسريع العمل حول مراجعة الدستور والتسريع في القوانين المتعلقة بالإصلاح. وقد أحبطنا بفشل الحكومة في اتخاذ الإجراءات الفعالة لإنهاء الفساد ومخاطبة الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية الماسة في هذه الأيام.
أتكون معارضة متحدة؟
وقد فتح ذهاب العناصر الرئيسية من حكومة جزر المالديف الجديدة إمكانية إنشاء جبهة متحدة من أحزاب المعارضة ضد الحكومة. كما أن جزر المالديف الجديدة قد كانت قادرة على بناء جسر بين حزبي المعارضة الرئيسيين وهما الحزب الديمقراطي والتزامه بالمبادئ العلمانية وحزب العدالة والتزامه بالقيم الإسلامية.
ومثل هذا التحالف قد تشكل في الحقيقة منذ نوفمبر 2007 ولكن بتعديل محدود لإجبار الحكومة على إجراءات التحول. وكان السبب في التراجع عن مثل هذا التحالف هو أنه وحده الحزب الديمقراطي من يملك مقاعد في البرلمان والمجلس الخاص ولذلك كان ما يمكن تحقيقه في هذين المجلسين محدودا.
وعلى أي حال، فمن خلال التعديل المتوسع لمعارضة الانتخابات تحت قيادة موحدة، ربما يكون هناك كتلة حرجة للتغيير المحلي. كما يمكن استعادة الاهتمام الدولي أيضا بالمعارضة والذي تضاءل بشكل كبير منذ أغسطس 2004.
كما أن خسارة الحزب الوطني في استفتاء أغسطس 2007 لم يؤثر بشكل خطير على معنويات مؤيدي الحزب في جزر المالديف ولكنه كلف الحزب الكثير من مصداقيته.
وقد جاءت الخسارة بعد سلسلة من الارتدادات والانشقاقات في صفوف الحزب الديمقراطي منذ أبريل 2006 ومن سلسلة من المفاوضات الفاشلة في وسط 2006 وبداية 2007.
ومع كل هذه التطورات ظل الحزب الديمقراطي أكثر الأحزاب السياسية تواجدا ويمكنه الاستفادة من تشكيل الجبهة المتحدة.
وباستكمال الحزب الديمقراطي لأساسياته في وقت الكتابة فإنه يفترض أن المرشح الأكثر مصداقية لقيادة المعارضة المتحدة سوف يأتي من المالديف الجديدة. وفي الحقيقة فإن القضية الأكثر مناقشة هي ما إذا كان يجب على الحزب الديمقراطي أن يتسابق نحو مرشح رئاسي لجزر المالديف الجديدة.
كما تزايدت التوقعات حول معارضة متحدة بسبب تطورات حدثت منذ ترك المالديف الجديدة للحكومة. ومن هذا ارتفاع العنف في الشوارع والحوادث الإرهابية والمواجهة بين الحكومة والمسلحين الإسلاميين ومطالبة الحرس القديم بالعودة مرة أخرى إلى مناصبهم الوزارية. كما يتخوف العديدين من أن الديمقراطية الوليدة على وشك السقوط بسبب الأصولية.
فالمجتمع المعروف بالسلم والتناغم وغياب جرائم العنف قد كان في حالة من الصدمة منذ سبتمبر حيث كان هناك وابل من الهجمات الوحشية وأعمال القتل.
فالمعارضة المتحدة تعد أمرا ضروريا ليس فقط بسبب مخاطر الاضطرابات المتعلقة بالانتخابات ولكن بسبب عدم خبرة الأحزاب. فالحزب الإسلامي الديمقراطي لديه برنامج ذو توجهات ذات أبعاد فاشية من خلال تأييده لعقوبة القتل لتجار المخدرات والمواقف المسلحة وجرائم العنف.
وعلى حزب العدالة أن يظهر أن أجندته المعتدلة، ومن بينها موقفه المعتدل من عقوبات الشريعة، فعالة بشكل سياسي بحيث تتعدي جداول أعمال التطرف الإسلامي.
وحدهم الليبراليون العلمانيون هم من يستجلبون رد الفعل الحاد من قبل المحافظين الإسلاميين الذين لا يشعرون بالإهمال السياسي فقط بل ربما يجدون الفرصة من قبل المعتدلين لتغطية حماية القيم الإسلامية.
ولكن بالنسبة لأي فرد، لينجح في الحصول على مكان في الانتخابات فإنه من الضروري ضمان أن الانتخابات تنطبق ولو بقدر قليل مع المعايير الدولية.
وقد أعلن الحزب الحاكم بالفعل أن الحملات الرئاسية من قبل مرشحي المعارضة يعد أمرا غير قانوني وتقوم الحكومة باستغلال الإعلام القومي للتصريح بأن الوعود النهضوية في العديد من البيانات الرسمية يعد حراما. وحاولت الحكومة كذلك رفع الأهلية والمصداقية من خلال رفع السن وفرض قيود تقوم على جنسية الزوج!
الأمل في انتخابات حرة ونزيهة
وفي انتخابات المجلس عام 2005،والتي أتت قبل تقدم الأحزاب السياسية،والتي راقبها فريق حكومة الكومنولث والذي قام بعمل عدد من التوصيات للمستقبل مع رؤية لتقوية المؤسسات الديمقراطية وخاصة حول إصلاح الخدمات المدنية،والفصل بين السلطات وكذلك حقوق الإنسان.
وقد عادت الكومنولث أكثر من مرتين لمراجعة التقدم وبعد آخر تقييم لهم لاحظوا بعض المناطق التي تحتاج إلى التغيير لضمان انتخابات حرة ونزيهة.
وهناك العديد من المناطق التي تحتاج إلى تقدم أساسي إذا ما كان هناك انتخابات حرة ونزيهة.
•بالرغم من التعهدات فإن لجنة الانتخابات لا تزال مرؤوسة بالموظف الرئاسي.
كما أن ضمان استقلال اللجنة سوف يأخذ وقتا بداية بالمطالبة من خلال سؤال الجدول الزمني للانتخابات الحالية.
•لم يتم إنشاء لجنة تحسين الشرطة الفعالة والمستقلة أو لجنة الهيئات القضائية.
•قد تشكلت لجنة خدمة مدنية مستقلة ولكن الحكومة ما زالت تسعي لاستعادة قطاعات عريضة من الخدمات المدنية إلى الرئيس ووضع حاجز بشكل فعال من أجل التزوير الانتخابي.
•كما لم يزل الإصلاح الانتخابي غير كامل كما يجب على القانون الانتخابي أن يتبع تصديق الدستور.
والسؤال هو؛أي الأفعال يجب اتخاذه في الوقت الحالي لهذه التغييرات.
يجب على الجماعات المعارضة أن تتصرف بشكل جيد لمحاولة الوصول بعلاقاتهم إلى الذروة مع بعضهم البعض ومع الإعلام.
كما أن على كل من المعارضة والحكومة أن يتوصلوا إلى حلول وسط في نقاط الخلاف مثل الإجراءات الانتقالية أو خطر التدخل المباشر للرئيس أو تزايد الأسئلة حول الشرعية.
كما أن هناك فرصة كبيرة للعمل معا في مجالات مثل تعليم المصوت وهو ما سيكون حيويا في بلد لم تعقد من قبل أي انتخابات متعددة المرشحين.
كما تحتاج الحكومة لاستكمال الإصلاحات التي وعد بها وضمان توافقهم مع الأنظمة الجديدة.
وللأسف فإن هذا يتم بدون ضغط خارجي مع أن هذا هو الدور الحيوي الذي يجب على المجتمع الدولي أن يلعبه.
ومرة تلو الأخرى يظهر الرئيس قيوم نفسه بأنه حساس بشكل رائع تجاه المعيار الدولي.
وبالطبع فأن التعليقات التي تصدر من منظمات مثل البرلمان الأوروبي قد تسببت في إحداث تغيير.
كما يتمسك قيوم بعلاقاته مع قادة جمعية جنوب أسيا للتعاون الإقليمي كدعائم لحكمه.
كما أن القادة في المنطقة يحتاجون لضمان أنهم مهتمون بتولي قيوم بسبب وعوده بالإصلاح الخاص والعام.
وسوف يتم جعل المراقبة الانتخابية المستقلة حيوية ويجب أن يبدأ هذا الأمر بشكل مبكر بقدر الإمكان إذا ما أريد تأثيرا كاملا.
كما يناقش الاتحاد الأوروبي إرسال فريق ولكني أقترح عليهم إرسال فريق كامل وفعل هذا بأسرع وقت.
مجتمع مدني وتطور سياسي – ساهم فيه جوناثان أبتون
وقد بين الدكتور شهيد وضع الإصلاح في جزر المالديف وإنني أعتقد أنه يظهر أن الموقف في المضي قدما نحو انتخابات ديمقراطية بشكل كامل متوازنة تماما.
كما وصف كتاب إيان بريمر (المنحنى جيه: أسلوب جديد في فهم أسباب نهوض الأمم وسقوطها) من قبل مجلة اقتصادية بأنه "نقطة تحول" في دراسة العلاقات الدولية وأن المالديف يمكنها عمل دراسة لقضية الاهتمامات.
كما أن لجزر المالديف جانبا أيمنا لبعض المميزات ولكنها أيضا لها العديد من مميزات الجانب الأيسر مع عديد من سمات النظام المغلق الذي قام بتغطيته الدكتور شهيد.
فلو أن أحدا قبل الرؤية التصورية لإيان بريمر فإنه من المثير للجدل أن تقع المالديف في وضع غير مستقر وهو الأمر الذي يفسر المناقشات الجارية.
كما أن جزر المالديف قد ابتعدت من شهور عن التحول المحتمل ولكنها يمكنها أن تسير في أي من الاتجاهين.
كما أن التقرير عن رسالة يمكن للمالديف إرسالها للبلدان الأخرى التي تقوم أيضا بالكفاح مع تحديات الحداثة وعلاقاتها مع المعتقدات.
وبعد مشاهدة الموقف الحالي جليا في زيمبابوي،فإننا جميعا يمكننا مشاهدة أنه بالنسبة لأي حكومة غير معتادة على تحدي السلطة لمدة سنوات أن لديها العديد من الاختيارات فإنه يمكنكم شراء انتخابات أو سرقة انتخابات أو إغلاق انتخابات.
- كيف يمكننا منع مثل هذا من أن يقع في جزر المالديف؟
- وهل يمكن للإسلام أن يلعب دورا بناء في هذه العملية؟
تقرير المعهد الديمقراطي الوطني في 2004
ونقطة البداية عندي هي تقرير من قبل المعهد الديمقراطي الوطني للشئون الدولية والذي نشر نتائجه في ديسمبر 2004.
وقد دعي المعهد من قبل حكومة المالديف وبرنامج التنمية التابع للأمم المتحدة لعمل تقييمهم حول إمكانية إنشاء أحزاب سياسية في المالديف في أغسطس 2004.
كما أنه من المتفق عليه بشكل عام من أجل ازدهار الديمقراطية فإن هناك عدد من الشروط المطلوب تواجدها:
•قرارات حول السياسة منيطة بالمسئولين المنتخبين.
•أن يتم اختيار المسئولين المنتخبين بشكل مألوف وانتخابات نزيهة.
•أن لجميع البالغين الحق في التصويت في انتخاب المسئولين.
•أن لجميع البالغين الحق في المضي قدما نحو المنصب الانتخابي.
•أن للمواطنين الحق في التعبير عن أنفسهم بدون خطر من عقوبات صارمة فيما يخص الأمور السياسية.
•أن للمواطنين الحق في السعي نحو مصادر بديلة لمعلوماتهم.
•وأن للمواطنين الحق في إنشاء مؤسسات مستقلة تضم الأحزاب السياسية.
وعندما خضعت المالديف بشكل كامل للمعهد الوطني الديمقراطي في العام 2004 كان هناك العديد من الاعتبارات التي بينت أنها يمكنها تحقيق 2 من أصل 7 معايير قمت بذكرها–حول التصويت والتقدم للانتخابات–حتى هذه التي كانت حساسة لسيطرة الحكومة.
وقد حددت الدراسة كثيرا من التحديات التي يجب تناولها حول المالديف من أجل عمل تحول لديمقراطية متعددة.
وبالرغم من السماح بإنشاء أحزاب سياسية فإنه تم إهمال توصيات أخرى بشكل كبير.
كما أنه من الواضح أن المالديف لا يمكنها التقدم نحو تحول ديمقراطي سلس وباق دون تناول هذه التحديات.
وفي تلخيص المعهد الديمقراطي الوطني للتوصيات صرح بأنه "إذا كانت الحكومة ترغب في إظهار صدقها واستعادة الثقة في عملية الإصلاح فإنها تحتاج إلى اليقظة والجرأة والأعمال الملموسة.
وقد قام فريق التقييم بعمل توصياته في خمس مجالات رئيسية:
•بناء الثقة؛
•إطار عمل قانوني لتطوير الأحزاب السياسية؛
•قضايا إطار العمل القانوني والدستوري؛
•آليات لتقوية الحقوق السياسية والدستورية؛
•بناء القدرة البشرية.
وقد صرح المعهد الديمقراطي الوطني بأن الحكومة مارست السيطرة السياسية من خلال شبكة وطنية راسخة يتوسط فيها اعتبارات العمل القوية.
وقد أوضح التقرير العديد من الاعتبارات التي يتعلق العديد منها بالأربع سنوات القادمة.
أما عن طبيعة العملية الانتخابية:
وقد رأي العديد من السياسيين، ومن بينهم من هم داخل الحكومة،العملية الانتخابية بحاجة إلى إصلاح حقيقي مع التساؤل حول مصداقية الانتخابات.
كما أن العديد ممن تم مقابلتهم يؤمنون بأن الحكومة،من خلال وزير تنمية الجزر المرجانية،تقوم بفحص الجزر في فترة ما قبل الانتخابات لدفع العديد من الأفراد بالتقدم كمرشحين ومنع الآخرين من الترشح.
ويقول التقرير حول التخويف الذي سبق الانتخابات:
فالانتخابات ذات المعنى لا يمكنها أن تجري إذا ما كانت هناك بيئة ما قبل الانتخابات التي تتسم بالتخويف السياسي والاعتقال لقادة المعارضة دونما اتهام.
كما أن العديد ممن تم مقابلتهم أشاروا إلى أن الاعتقالات كانت ترمي إلى إقصاء العديد من المرشحين بعيدا عن المنافسة في انتخابات المجلس كما لاحظوا أن مراقبة الحكومة للصحافة تقوم بتحديد نزاهة الانتخابات.
ومن الضروري أن تكون أي مراقبة دولية للعملية الانتخابية تخاطب طبيعة بيئة ما قبل الانتخابات.
وأشار عدد كبير من الأفراد أنهم لو صوتوا ضد مرشح الحكومة فإنه سوف يكون من الصعب عليهم الحصول على خدمات الحكومة مثل الرعاية الطبية وقروض الحكومة والرخص الضرورية،وهكذا.
وكما قال أحد الذين تم مقابلتهم، "ربما لا أوضع في السجن ولكنني من الممكن أن أكون ضمن القائمة السوداء."
وحول غياب استقلال لجنة الانتخابات:
كما أن من تم مقابلتهم من داخل الحكومة وخارجها قد أشاروا إلى إيمانهم بأن لجنة الانتخابات قد تم السيطرة عليها بقوة من قبل مكتب الرئيس.
كما صنف واحد منهم العملية الانتخابية بأنها "مسيطر عليها بشكل مباشر وبقوة من قبل الرئيس." وعلى سبيل المثال، فإن لجنة الانتخابات تقوم بتجهيز الإشعار لطلبات المرشح وتقوم بتلقي طلبات المرشح للتصديق عليها ولكن قراراتها حول هذه الأمور قد تم مراجعتها من قبل مكتب الرئيس.
ولذلك يمكن للحكومة السيطرة علي القرار وضمان أن أولئك الذين عارضوا الحكومة لم يتم اختيارهم كمرشحين في الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية.
وأشار البعض لإيمانهم بأنه ليس هناك عملية ادعاءات فعالة للأفراد الذين لم يتم التصديق على أن يكونوا مرشحين وأن الحكومة قامت بعدم التصديق على مرشحي المعارضة في التقنيات.
كما أن لجنة الانتخابات تقوم أيضا بإعداد قائمة التصويت التي يتم التصديق عليها من قبل مكتب الرئيس.
أما بالنسبة لعدد المصوتين، يقول التقرير:
وأشاد العديد منهم إلى دور رؤساء الجذر المنتخبين من قبل الرئاسة في عقد الانتخابات.
وبينما كان للجنة الانتخابات سلطة إدارة الانتخابات فإنها لا تملك موارد بشرية كافية لعمل الانتخابات.
لذلك قام رؤساء الجزر المرجانية والمالديف بإدارة الانتخابات علي صعيد الجزر والمالديف وقاموا بتحويل صناديق الاقتراع للجنة الانتخابات بعد الانتخابات. ] وحتى وصول صناديق الاقتراع إلى لجنة الانتخابات لم يكن للجنة سيطرة على السلطة أو نزاهة الصناديق.
وقال عدد منهم أن رؤساء الجزر والمالديف ومساعديهم قد تواجدوا في مناطق الانتخابات لضمان أن الانتخابات تسير "وفقا للخطة."
وقد شكك العديد من المواطنين في العملية الانتخابية.
كما يقول تقييم المعهد الديمقراطي الوطني أن رفض تسجيل الأحزاب السياسية في جزر المالديف "جاء وفقا لسياسات وليس وفقا للقانون."
تقييم وزارة الخارجية الأمريكية
وفي فبراير 2005أصدر مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل التابع لوزارة الخارجية الأمريكية تقارير بلاده عن حقوق الإنسان والممارسات التي تكررت كثيرا في تقرير المعهد الديمقراطي الوطني.
وقد علق التقرير أيضا على ضعف المجتمع المدني قائلا:
يدعم الدستور حرية الجمعيات،مع أن الحكومة تفرض قيودا على هذه حرية ممارسة هذه الجمعيات، فالحكومة تقوم بتسجيل النوادي والجمعيات الخاصة الأخرى ما لم تتنافي مع الشريعة الإسلامية والقانون المدني.
بعد أربع سنوات
وقد كان هناك بعض التقدم،كما شرح الدكتور شهيد،منذ نشر هذين التقريرين،ومع ذلك لم تحرز جزر المالديف تقدما في عدد من القضايا الأساسية.
فالهجمات التفجيرية ومحاولة اغتيال الرئيس تتيح الآن الفرصة للحكومة كي تقول أنها ترغب في المضي قدما بشكل حريص ويمكن أن يستغل مثل هذا كطريقة لمنع انتخابات رئاسية حرة ونزيهة.
بناء القدرة السياسية
تحدث الدكتور شهيد كثيرا عن دور المجتمع الدولي.
وداخل بلاده وكوزير في الحكومة وواحد ممن يقومون بحملة من أجل انتخابات حرة ونزيهة فقد لعب شهيد دورا أساسيا مع زملائه في التأكيد على أنه لا يوجد أي تناقض بين الإسلام والديمقراطية.
كما أنني كنت سعيد الحظ بالعمل مع الدكتور شهيد عندما كان في الحكومة إلى جانب العمل معه في حملته الحالية.
ويرجع هذا بشكل أساسي إلى تجربتي في قيادة التطور التنظيمي داخل المنظمات الأعضاء الأخرى وحزب العمل إلى الفوز في الانتخابات الناجحة عام 1997.
وقد كان هذا عندما كان لا يزال في الحكومة حيث سألني المساعدة مع التطور التنظيمي السياسي في البلاد عقب تقرير المعهد الديمقراطي الوطني.
كما أن رؤيتنا المنطقية منذ البداية كانت أنه لتفعيل الأحزاب السياسية فإنها بحاجة إلى النجاح في ثلاثة نقاط أساسية:
•الإستراتيجية وإدارة الحملات التي تحتوى على تطوير القصص السياسي وفهم الرسالة السياسية وفوق كل ذلك تنظيم الحملات.
•التنسيق والإدارة فهذا دور السياسات بحيث يرمي الأعضاء إلى التمسك برؤى أكثر تطرفا أكثر من القادة لذلك فإن الاتصال المتواصل يعد أمرا حيويا لتعزيز العلاقة لمدة طويلة.
فالقيادة المفوضة والموثوق فيها تحتاج إلى تشجيع وتدخل من الأعضاء العامة عبر البلاد.
•تطوير الحزب من خلال بناء حزب بشكل كامل وليس فقط أيام الانتخابات.
ويتطلب هذا من الحزب أن يكون دائما على اتصال مع الناس ويرحب بانضمام الأعضاء الجدد.
كما أننا أوصينا بإصلاحات سياسية شاملة،على النهج الذي وصفنا،بحيث يبتعد الحزب الحاكم عن تمثيل النخبة ويرحب بأولئك الذين كانوا معارضين له في الماضي.
ويسعي الدكتور شهيد وزملائه للعمل بهذه الأجندة فيما بعد ولكنهم وجدوا عقبات داخل الحكومة التي يخدمون فيها لذلك قاموا بالاستقالة منها في الصيف الماضي.
والآن، وبالمقارنة مع العام 2005 فإن هناك بعض التقدم، فهناك الآن العديد من الأحزاب السياسية التي سجلت وعدد من المرشحين للرئاسة.
ومع ذلك فهناك العديد مما بقي مؤسسات ضعيفة للغاية وله أجندات سياسية غير محددة. فالنشاط السياسي خارج العاصمة ما زال ضئيلا وسيطرة الحكومة على أغلب الإعلام يعمل علي تقييد النقاش.
كما أن الحزب الديمقراطي المعارض في جزر المالديف يتصدر المقدمة في الوقت الحالي بسبب ترشحه للمنصب الرئاسي.
ومع ذلك فإن من الجائز أن لا يكون هناك انتخابات داخل حزب الألفية الديمقراطي الحاكم بحيث تقول قوانين الحزب الحاكم بأن قائد الحزب يصير بشكل تلقائي مرشحا رئاسيا.
وفي زيارات لاحقة إلى جزر المالديف قمت بمواجهة معارضة نشطة وفعالة ومع ذلك فقد كان هناك ضعفا يحتاج لمناقشته.
أما الأمور الرئيسية التي رأيت أنا وزملائي أن نعززها أو نقوم بمساعدتها في هذه الأوقات فقد كانت:
•تعليم المصوت. في بلد يبيع المصوت فيه صوته بتليفون محمول جديد فإنه من الحيوي أن نقوم بتوسعة هذا النشاط. أما مؤسسة المجتمع المفتوح، التي أسسها الدكتور شهيد تقوم بتولي أحداث تعليم المصوتين ولكن هناك العديد من الناس في الجزر لم تنتفع منه بعد، لذلك فإن الدعم الدولي له أمر مهم.
•بناء القدرة. يحتاج الحزب لتطوير كوادره من المتطوعين. وقد قمنا بتطوير برنامج "تدريب المتدربين" لنشر حملة جيدة يتم ممارستها عبر الجزر بشكل كامل. ليس هذا من أجل صراع الانتخابات فقط وإنما من أجل مراقبتهم أيضا.
•المشاركة الفعالة للمصوت. فهوية المصوت التي يتحدث عنها الأحزاب السياسية بشكل مباشر بحيث يقومون بتحديد أصواتهم لطائفة معينة لذلك فإننا قمنا بتدريب المتطوعين على القيام مسح شامل في شوارع العاصمة وقد كانت هذه بالنسبة للعديدين تجربة جديدة يخوضونها.
وعقب هذه الزيارات وصل كلانا إلى وجهة النظر التي تقول بأن جميع أعمال التنمية ربما تضيع ما لم يكن هناك مستوى من العمل فيما يخص عقد الانتخابات.
والدليل من عديد من الأماكن، مثل الانتخابات الباكستانية الأخيرة، قد أظهر أنه قد كان من المهم أنه كان لدينا مراقبة ملائمة للانتخابات.
وقد أدى هذا إلى إنشاء مراقبة الانتخابات في المالديف في مارس عقب زيارة الدكتور شهيد لبريطانيا العظمي والاتحاد الأوروبي. وقد تم إنشاء الموقع الإلكتروني على شبكة الإنترنت www.maldiveselectionwatch.org ليكون بمثابة مصدر للعملية الانتخابية.
وهناك حاجة داخل المالديف إلى بناء وتدريب البنية التحتية لمراقبي الانتخابات لمراقبة الانتخابات بشكل محلي في الجزر المنعزلة.
كما أن هناك أيضا دور أساسي للمجتمع الدولي. وقد رفعنا هذه القضية إلى بريطانيا العظمي وأوروبا ولكننا نادينا المنظمات غير الحكومية الأمريكية مثل مركز كارتر وكذلك طالبنا السياسيين بوضع مستقبل البلاد ضمن اهتماماتهم.
المجتمع المدني
كما أن معظم عملنا في العام 2005كان حول ضرورة ترسيخ الأحزاب السياسية في المجتمع ولن يتم هذا من فراغ ولكنه يتطلب مؤسسات مستقلة قوية للأحزاب السياسية للتواصل مع هذه المجتمعات. لذلك فإنني أود فهم دور المنظمات غير الحكومية داخل المالديف.
وقد كانت بداية العام 2008 بمثابة تشجيع لتطوير العمل لاستقلال المنظمات غير الحكومية، وما زال هناك طريق طويل يجب قطعه قبل الوصول لمجتمع مدني حقيقي ناضج ومزدهر في جزر المالديف.
وفي العام 2006، تم تسجيل مؤسسة المجتمع المفتوح كمنظمة غير حكومية من قبل وزارة الداخلية. وقد شاركت مؤسسة المجتمع المفتوح بمقدار ضئيل كمنظمة غير حكومية فعالة وهي الأكثر ظهورا وما زالت مستمرة حتى الآن ومن ضمنها (منظمة العمل من أجل حقوق الإنسان) وشبكة المعتقلين (العمل مع أسر المعتقلين لتسجيل حالات التعذيب في سجون المالديف).
كما أن هناك منظمات غير حكومية أخرى قائمة معروفة بأن الحكومة هي التي أنشأتها مثل (جمعية التعليم الصحي) وجمعية الرعاية المتكاملة. كما أن جمعية التعليم الصحي معروفة بأنها منظمة تابعة لزوجة الرئيس.
كما أن هناك عدد من المنظمات غير الحكومية التي تعمل خارج العاصمة في الجزر. فالعديد انضموا إلى مكاتب الحزب السياسي. وفي العام الماضي (2007 – 2008) كان هناك موجة جديدة من التسجيل للمنظمات غير الحكومية الشابة المستقلة، ومن بينها جمعية الإعلام لجزر المالديف وتقوية المجتمع والحقوق بوجه عام.
وبتنظيم أكبر وتدريب ودعم وموارد فإن هذه المنظمات غير الحكومية المستقلة الجديدة ونشاطاتها التي تركز علي قضية فضلا عن الحكومة أو الأجندة السياسية والأمل الحالي في المستقبل لتقوية المجتمع المدني.
ومثل هذه التقوية سوف تكون أساسية للتقدم نحو الديمقراطية في جزر المالديف. ولا يجب أن نخطئ تقدير التحديات فتسجيل المنظمات غير الحكومية لا يزال أمرا سياسيا.
فهؤلاء الذين يريدون إنشاء منظمة غير حكومية في جزر المالديف يجب أن يكون تسجيلهم كجمعية من خلال وزارة الداخلية في ظل قانون الجمعيات (القانون رقم 1/ 2003). كما أن بطاقات تأسيس العضوية وإجراء الحكومة يشترط معلومات ومتطلبات حول التمويل ونشاطات الجمعية وهو ما يجب أن تطلع عليه وزارة الخارجية.
وعقب قبول الطلب تصدر شهادة التسجيل ويمكن للمنظمة غير الحكومية البدء في العمل تحت مسماها. وقد رأينا بالفعل في الشهور الأخيرة المنظمات التي تسيطر عليها الحكومة والتي تأسست لحماية حقوق الجماعات.
وقد ظهر في الشهرين الماضيين طريقا ممكنا للأمام مع أول تنظيم للمالديف لإيجاد منظمات غير حكومية للمجتمع المدني مع افتتاح مجلس عمومي يعقد من 20 إلى 22 مارس.
كما قامت شبكات المنظمات غير الحكومية غير الرسمية بشكل واضح بالرغم من أن اتحاد المنظمات غير الحكومية للمالديف يعد أول شبكة منظمة غير حكومية رسمية مسجلة شكلتها المنظمات غير الحكومية نفسها.
كما أن المجلس الحكومي لتنمية منظمات المجتمع – الذي تم تشكيله بموافقة الرئيس في العام 2006– يعد مؤسسة شاملة تقدم التمويل والخبرة التقنية للمنظمات غير الحكومية. ويقول المجلس أن "بالرغم من أننا تابعين للحكومة إلا أننا غير متحيزين."
وهناك منظمات أخرى مثل مؤسسة المالديف لمؤسسات الشباب – وهي المؤسسة التي أنشأها وزير الشباب لمنظمات الشباب غير الحكومية – وقد اتهمت هي الأخرى.
ويضم اتحاد المنظمات غير الحكومية لجزر المالديف أعضاء من 16 إلى 20 من الجزر ويتألف من 40 منظمة غير حكومية تضم جماعات بارزة مثل جمعية التعليم السليم وجمعية الرعاية الشاملة.
وعند افتتاح المؤسسة تحدث المسئولين البارزين قائلين بأن الاتحاد قد تأسس "لتقوية المجتمع المدني والعمل كمراقب لمشروعات التنمية، إلى جانب النقد البناء لأعمال الحكومة وسياساتها"، بحيث يمكنها "وضع معيار لسياسات منظمات غير حكومية شريكة، وإجراءات مالية وإدارية" ولذلك للمنظمات غير الحكومية نفسها أن تصبح "منظمات مكتفية بنفسها وأساسية يثق بها الناس" ونتيجة لهذا يمكنها "تقوية وبناء مقدرة للمنظمات غير الحكومية من خلال المشاركة في الموارد والخبرات."
وإنني أقول بأن المنظمات غير الحكومية بحاجة إلى ما يلي
•الرؤية. تحقيق لعض الأهداف الاجتماعية الواضحة.
•السياق. هناك ضروريات لحل المشكلات.
•القضايا. المنطقة الواضحة للعمل التجريبي.
•الشرعية. تحتاج المنظمات غير الحكومية للظهور كما لو كانوا تمثيليين. ويتطلب مثل هذا علاقة واضحة ومحددة مع المؤسسات السياسية التي تحتاج لفصل القوى للوصول إلى قضاء مستقل وخدمات مدنية للعمل معهم.
•القدرة. هناك حاجة إلى الدعم لإخراج القدرات من أجل أهداف واضحة لتحقيق الاستقرار.
•التعليم المدني. يمكن للمنظمات غير الحكومية لعب دور رئيسي في تقديم هذا. وإضافة إلى ذلك فإنهم سوف يستفيدون لأن هذا سوف يفصح عن دورهم الفاعل داخل المجتمع.
دور الإسلام
وحول دور الإسلام أشار الدكتور شهيد إلى بعض النقاط الرئيسية:
•إصلاح النظام القانوني
•ظهور الأصولية
•قلة الوضوح السياسي بداخل الأحزاب السياسية التي تترك فراغا لظهور مزيد من التفسيرات المتطرفة للإسلام.
كما أن المالديفيون من المسلمين السنة المخلصين للإسلام وجعله دينا رسميا للدولة منذ القرن الثاني عشر وجعلوه أمرا ضروريا للمواطنة. ولقد وصل التسلح إلى المالديف في الوقت الحالي حيث وقعت تفجيرات في منتزه سلطان في العاصمة في 29 سبتمبر 2007، والذي كان يستهدف سائحين أجانب وقد جرح عدد منهم.
وتعتقد شرطة المالديف بأن الانفجار كان مخططا له من قبل المسلحين الإسلاميين ضد السياحة في البلاد. وحتى الرئيس قيوم فقد قام باتهام الإرهاب الإسلامي بالبدء في التأثير على مظهر السلام للجزيرة.
وقد أمر بعمل حظر على دخول رجال الدين الإسلامي من خارج جزر المالديف دون دعوة من قبل السلطات. وفي هذه الأوقات يكون الأمر الرئيسي تقوية الأصوات التي تنادي بالاعتدال والفهم للأصولية.
ولا يعني هذا بأن يصدق المرء على كل معتقد أو رؤية يراها وإنما يدرك بأنه من خلال اعتدالهم الواضح يبنون مكانا لهم داخل مجتمعهم حيث قدموا التزامهم بالتواصل. كما أن بعض المنظمات غير الحكومية في جزر المالديف تقوم بدور إسلامي.
كما أن الحوار هنا سوف يزيد من التفاهم، كما أن الدعم لكلا المجموعتين يعد أمرا مهما. ثم إن الحكومة الديمقراطية التي تلتزم بالتعددية في إمكانها مساعدتهم، إلا أن المجتمع الدولي الأكبر له دور هو الآخر. وبالنسبة للعديدين في الغرب فليست المالديف سوى مكانا يقصد للسياحة.
وعلى الأرجح أن هناك اهتمام حول تأثيرات تسونامي والتهديد المستقبلي لتغير المناخ. كما أنني أؤمن بأن اهتمام المجتمع الدولي يجب أن يكون أكبر وأن يقوم بتقوية دور المجتمع المدني. ثم إن للمعتدلين داخل المجتمع الإسلامي الدولي دور يلعبونه أيضا. وحيثما يمكن للإسلام أن يظهر دورا قياديا مختلفا عن هذا الذي يوصف في الإعلام الغربي في بعض الأوقات إلى جانب المنظمات غير الحكومية العلمانية في التعاون حول التحديات المشتركة.
•المخدرات/ الصحة. تعاني المالديف من مشكلة المخدرات بشكل ملحوظ وتري أن التخلص من هذا يعد أمرا حيويا لتماسك المجتمع.
•ثقافة العصابات/ الجريمة. ومرة أخرى فإن هذه قضية محددة – وخاصة في العاصمة.
•تسكين الفقراء. وبينما كان حال جزر المالديف أفضل من عديد من الدول القريبة فإن هناك إهمال للثروات يجب أن يتم وقفه لضمان التماسك الاجتماعي.
•تغير المناخ/ حماية البيئة. كانت المالديف من أوائل الدول التي أثارة قضية تغير المناخ وهي الأكثر تعرضا لمخاطره.
كل هذه الأمور يجل الاهتمام بها بغض النظر عن الرؤى العلمانية أو المعتقد. فهذه الأمور يمكنها أن تصيب أي شخص ويمكن لتغير المناخ أن يطال أي فرد. فالتحرك نحو ما يمكنه توحيد الناس، فضلا عن الاعتماد بكل بساطة على سياسات الهوية التي يمكنها أن تساعد على التقسيم، يجب أن تكون الطريق للأمام. كما أنهم أسقطوا واحدا من أركان الإسلام الخمسة وهو الزكاة. كما أن المنظمات غير الحكومية يمكنها أن تلعب دورا قويا في رفع الدعم والتوعية من أجل هذا العمل.
الخلاصة
"ربما تكون المشكلة مع تعبير "الإسلام والديمقراطية" متمثلة في حرف العطف "و" فهناك فجوة كبيرة بين هاتين الكلمتين. وقد أوضح الدكتور شهيد أنه من الممكن التوفيق بينهما في إطار نظام قانوني مقترح مع العمل الذي قام به مع زملائه.
وفي المملكة المتحدة فإنه من المثير للجدل أن تكون مفاهيم مثل الديمقراطية والقانون الحديث والحقوق السياسية مطلوبة من أجل التوسيط بين حجج داخل التعاليم المسيحية، لذلك فمع نهاية القرن السابع عشر قمنا بتطوير عملية سياسية وليدة.
وقد وصف حزب العمل البريطاني، والذي أتشرف بالعمل معه بأنه "أكثر ميلا للنزعة الدينية من الماركسية".وفي مناطق أخرى من أوروبا تأتي العديد من الأحزاب السياسية من التقاليد الدينية، وفي تركيا يسمي الحزب الحاكم نفسه بالنموذج الإسلامي للديمقراطيات المسيحية.
ومنذ أن تركت حزب العمل قمت ببناء أعمال تهدف إلى القيام بعمل الديمقراطية. وقمت بتأسيس شركة خاصة يقوم مصدر دخلها الرئيسي علي تمويلات القطاع العام.
ويري العديد انقساما بين هذه الأشكال الاقتصادية عندما يكون هناك تداخل كبير في المصالح. كما أن ما نتحدث عنه في التحليل الأخير هو تطوير المؤسسات سواء كانت قائمة على الاعتقاد أو تدعي أنها مؤسسات علمانية.
ويعد بناء نطاق من المؤسسات التي يتم تمويلها بشكل تطوي خاص وعام، عندما يتم الترابط مع جهود التعليم بوجه عام ومع المؤسسات المدنية بوجه خاص، هو الطريقة الأكيدة لكفالة بلاد مثل المالديف وبعض التحديات الأخرى التي يتم موجهتها.
وإذا ما كان للديمقراطية أن تزدهر فإن الانتخابات الرئاسية القادمة يجب أن تكون حرة ونزيهة. فعلى الأحزاب السياسية أن تقوم بتطوير أجندات سياسية قائمة على قيم مميزة ويتطلب هذا مقدرة على البناء.
كما أن الموقف يتطلب فترة ديمقراطية قوية تمكن من إحلال الإجماع وبناء التحالف. كما أن هذه الديمقراطية الوليدة سوف تحتاج إلى حكومة شاملة تقوم بإرشاد خطواتها المتعثرة. وقد لعب الضغط الدولي دورا حاسما في دفع المجتمع المنغلق لفتح مجالات سياسية ويجب أن يتم مؤازرة هذه الضغوط.
ولكن حتى الآن يجب تشجيع القوى المتخلفة المؤيدة للديمقراطية على صياغة إطار ديمقراطي حقيقي بشكل لا يضاهي المظهر الإسلامي. وكذلك فإن للمنظمات غير الحكومية دورا مهما تلعبه في هذا ومرة أخرى فإن ضمان الاستقلال وبناء المقدرة يعد أمرا حاسما. كما أن هناك فرصة حقيقية من أجل المحافظين الدينيين والليبراليين العلمانيين لتحقيق توازن قوي في المجتمع المسلم.
تقديم: إريك بوردن كريشر
مثل الانسحاب العسكري لسوريا من لبنان] في أبريل 2005 بداية فترة جديدة في السياسات اللبنانية.
وقد مضت الأيام التي كان نجاح الحزب السياسي والتطلع السياسي القومي والخدمات المدنية والتعيين القضائي معتمد على التصديق السوري أو الدعم السوري. كما أن الانسحاب العسكري السوري لم يحل بشكل كامل دون السيطرة/ التدخل السوري في السياسات اللبنانية، بالرغم من أن البيئة السياسية قد تغيرت بشكل مثير واستقرت علي ما رأيناه ظاهرا من قبل تنامي الاستقطاب بين معسكرات 8 مارس و 14 مارس، إلا أن الشلل الذي أصاب الحكومة كان عقب انسحاب عدد من الوزراء من مجلس الوزراء في ديسمبر 2006 وعدم القدرة على انتخاب رئيس.
كما أن طبيعة التغيير ومنزلته في البيئة السياسية اللبنانية تعد عملية مستمرة وتدريجية لم يتم اكتشافها بشكل كامل بعد عامين ونصف العام من الانسحاب. ثم بسبب النزعة اللبنانية للنزاع المدني والاهتمام الراسخ بالمشكلات الداخلية للبنان من قبل ممثلين إقليميين ودوليين، فإنه ليس أوان تحليل هذه البيئة السياسية المتقلبة.
وخلال الاحتلال العسكري للبنان كان التدخل السوري كاملا. ومن الجدير بالملاحظة أن مركز القوة في لبنان كان متمثلا في النجار (المراكز الرئيسية لأجهزة المخابرات في لبنان)، وليس في بعبدا وهي مسقط رأس الرئيس.
وقد أشار هذا التصريح إلى مدى عمق السيطرة المبذولة من جانب سوريا علي الشئون اللبنانية وخاصة علي الصعيدين الإداري والسياسي. وقد ألفت سوريا وسيطا نهائيا للنظام السياسي اللبناني، فقادة الحكومة اللبنانية يقومون برحلات متواصلة إلى دمشق قبل إصدار القرارات السياسية.
ومن أجل غرض هذا التقرير فإنني أود التركيز علي واحد من أبعاد هذا التدخل في السياسات اللبنانية:
المشاركات السياسية الإسلامية. وفيما يتعلق بعلاقة سوريا بالإسلاميين في لبنان، منذ وصولها إلى لبنان عام 1976، فإنها قامت بالتعاطف مع الحركات الإسلامية.
وبالعودة إلى عام 1985 ومع قمع حركة التوحيد في تريبولي أو تجميع قيادة حزب الله في دمشق قبل الانتخابات البرلمانية في العام 1996، اختارت سوريا قمع وكبح وتشكيل الحركات الإسلامية من أجل مصالحها.
والأكثر من ذلك، ووفقا لما قاله أحد الدارسين، فإن المساعدات السورية كانت أساسية للسيطرة على هذه الجماعات لأن الدولة اللبنانية لم تكن عندها المقدرة علي فعل ذلك. ونتيجة لذلك، ومنذ نهاية الحرب الأهلية في لبنان عام 1990 كانت الأحزاب الإسلامية أمثال حزب الله والجماعة الإسلامية، التي قامت بتقديم هوية عامة وشاركت في النظام السياسي اللبناني، موصوفة بأنها أدوات في يد النظام السوري، أو قاموا بتسوية أيديولوجيتهم وأهدافهم من أجل ضمان البقاء في لبنان التي تسيطر عليها سوريا.
وهذا التصور ربما يلمح إلى أن الحياة السياسية اللبنانية، بعيدا عن الوجود العسكري السوري، يمثل "مجموعة جديدة من الأحكام" للإسلاميين السياسيين اللبنانيين.
ومع إزالة التقلب السوري من المعادلة اللبنانية، فربما يظهر الإسلاميون وخاصة حزب الله والجماعة الإسلامية وكأنهم غير معروفين ولذلك يستحقون إعادة التقييم – ألم يواصل حزب الله والجماعة الإسلامية مضاهاة سلوكهم ومنهجهم الذي كانوا يمثلونه خلال الاحتلال العسكري السوري، وألم ينحرفوا عن طريق تأسيسهم لحرية جديدة؟ فإذا كان الأمر كذلك – ففي أي صدد ولماذا؟
تتطلب الإجابة علي هذه الأسئلة تحليلا لسلوك وطريقة هذه الجماعات الإسلامية وهو ما سوف يقدم بعض الرؤى حول بعض القضايا المهمة من الناحية السياقية والنظرية. وبشكل واضح وبمزيد من الأهمية، فمن المأمول أن تبدأ الدراسة حول هذه الطبيعة لتوضح "الألوان الحقيقية" (السلوك والأيديولوجية) لهذه المنظمات، وسوف أخص بالدراسة القضايا/ الموضوعات الرئيسية داخل الشرق الأوسط والعالم الإسلامي:
الإسلاميون والدولة والإسلاميون والأنظمة السياسية والإسلاميون والمجتمعات التعددية والعلاقات بين الجماعات الإسلامية. فلبنان بتنوعها العقائدي (مسلمون ومسيحيون وسنة وشيعة) من الأفضل لهم أن يقوموا بتوحيد النظام السياسي وانهماكه في المجتمع الدولي يقدم بيئة مميزة لمراقبة هذه القضايا.
وقد قدم الدارسون بتقديم استنتاجات متنوعة فيما يخص مستقبل الإسلاميين السياسيين وسلوكهم في المنطقة. ويؤمن جيليس كيبيل بأن الإسلاميين قد فشلوا في النهاية من الوصول إلى السلطة في أكثر دول المنطقة وقاموا باختيار إجراءات بديلة (محاولات متزايدة للتحالف مع الطبقة الوسطي العلمانية من خلال تأييد الروح الديمقراطية للإسلام ومعارضة الأنظمة السلطوية ونبذ استخدام العنف).
ويقول جون إسبوسيتو أن البيئة التي خلدت الإسلاميين سوف تستمر لبعض الوقت مع تزايد المطالب بمشاركة سياسية أكبر. ويرسم أوليفر روي صورة أكثر كآبة بتصريحه بأن السلطة ومستقبل التيار الإسلامي أكثر سطحية وتقيدا.
وهناك استنتاجات عامة، بخصوص الإسلاميين في لبنان، فالتقديرات أصبحت مهجورة أو مقيدة في تحليلهم. وفي واحد من الدراسات القليلة التي تنظر إلى المشهد الإسلامي في لبنان ككل يقوم نزار حمزة أن نشاط الإسلاميين في لبنان يحتمل ثلاثة متغيرات:
عملية السلام العربية الإسرائيلية ومدى قوة الإسلام السياسي في سوريا وإيران والتنمية الاجتماعية والاقتصادية في لبنان.
وهناك دارس آخر استنتج أن الإسلاميين في لبنان كانوا قد رغبوا في المشاركة في النظام السياسي وعمل تحالف مع الأحزاب غير الإسلامية وأحزاب غير المسلمين ومن ثم يقومون بالتعبير بإخفاء أهدافهم الحقيقية.
وقد تم التوصل إلى كل من هذين الاستنتاجين خلال الاحتلال السوري وقبل الانسحاب الإسرائيلي من لبنان في العام 2000.
ومؤخرا، ركزت الدراسات فقط على حزب الله في أعقاب الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني وقد أشارت إلى أن حزب الله قد شرع في عملية تضامن.
ويواصل جوزيف أغا دعم نظريته في تحليله عقب انتخابات مايو ويونيو 2005. كما أن هذه الدراسات الأخيرة ليست كلها غير دقيقة ولكنها تستحق التحسين لأنها تقوم بإهمال الاستفادة من مراقبة الأحداث بشكل كبير خلال النظام السياسي السوري الحر لمدة عامين ونصف العام والفشل في تناول التنوع بين الإسلاميين.
وسوف أبرهن أن السلوك السياسي الأخير لحزب الله والجماعة الإسلامية حول القضايا الرئيسية (الرئاسة ومحاكمة سوريا لمقتل الحريري) تشير إلى أن الإسلاميين السياسيين في لبنان قد غيروا أساليبهم منذ الانسحاب.
ولا يجب فهم هذا التغيير على أنه أمر مثير أو على أنه "تهديد" للبنان ونظامها السياسي، فضلا عن أن أفعالهم وكلامهم يعدان كوظيفة لوجودهم داخلها.
وفي النهاية، فإنهم يتكيفون مع واقع جديد للسياسات اللبنانية متشابهة مع أي حزب سياسي لبناني آخر. فأفعالهم وأقوالهم تظهر بأنهم أصبحوا عوامل راشدة في صناعة القرارات الإستراتيجية.
ومنذ الانسحاب السوري قام كل من حزب الله والجماعة الإسلامية إما بالتأييد المطلق لتطبيق الشريعة الإسلامية أو بتأييد صلاحية النظام السياسي اللبناني كما يتوقع البعض.
وقد اختاروا أن يظلوا ممثلين سياسيين داخل النظام اللبناني ولو من خلال تبني منهجين مختلفين. وبالرغم من أن الاثنين يمكن وصفهما بالفضولية فإن سلوك حزب الله ومنهجه كان مؤيدا للنشاط أو المواجهة، بينما الجماعة الإسلامية اختارت أن تتراجع وتتبني موقفا استرضائي.
وهذه المواقف تعد وظيفة لآليات النظام السياسي اللبناني وأحواله وليس تدخلا خارجيا (على سبيل المثال من إيران)، وردود فعل إستراتيجية في اللعبة داخل العقائد وبين العقائد في لبنان.
والأكثر من ذلك فإن هؤلاء الإسلاميين قد ووجهوا من قبل مأزق الموازنة بين هويتهم الإسلامية وهويتهم اللبنانية في مجتمع متعدد العقائد. وسوف تتألف دراستي من عدد من القطاعات الرئيسية:
- فهم النظام السياسي اللبناني وثقافته،
- إصلاحات في النظام متمثلة في اتفاق الطائف،
- خلفية من المعلومات حول حزب الله والجماعة الإسلامية،
- التدخل السوري في لبنان (1990 – 2005)
- التجربة السياسية لحزب الله و الجماعة الإسلامية فيما بعد سوريا، مع تحليل لها.
النظام السياسي اللبناني وثقافته
في البداية يتطلب التحليل الدقيق للمنهج الأخير وسلوك هذه الأحزاب السياسية فهما لنظام سياسي لبناني موحد وثقافة سياسية.
فلبنان تعد بلدا يضم ثمانية عشر طائفة دينية. ومن الناحية التاريخية فإن هذا يرجع إلى موقعها الجغرافي فإنها كانت ملجأ للأقليات الدينية في المنطقة ولكن عن طريق التدخل الخارجي أيام الإمبراطورية العثمانية والانتداب الفرنسي (1920 – 1943)، أصبحت الهوية الدينية عنصرا أساسيا في المجتمع.
فظهور النظام السياسي في أواخر القرن التاسع عشر كان معتمدا بشكل غير محكم علي التمثيل الطائفي وخلق دولة لبنانية تساهم بشكل كبير فيما يخص الهوية الدينية في المجتمع ووضع المجتمعات متعددة الأديان.
وفي عام الاستقلال عام 1943 تم اعتبار اتفاق غير مكتوب كميثاق وطني وهو ما عزز دور الهوية الدينية من خلال الاعتراف بالمشاركة بين الطوائف في حكومة لبنان.
وإضافة إلى ذلك فقد قام هذا بتحديد الهوية في الدولة. وبعد الاستقلال عام 1943 اعتمد نظام الحكومة اللبنانية التمثيل المتناسب بين طوائفها الثمانية عشر.
وقد تم تحديد التقسيم من قبل إحصاء عام 1932 الرسمي الذي أشار إلى أن المجتمع المسيحي أكبر من المجتمع المسلم وأن الطائفة المارونية الكاثوليكية تمثل أكبر الطوائف على الإطلاق. كما أن تفوق المسيحيين قد كان بنسبة ستة إلى خمسة أمام مقاعد المسلمين في البرلمان.
وثانيا، فإن هذه الحقيقة الإحصائية قد تم إدراكها في الميثاق الوطني من خلال قيادة اثنان من أكبر الفصائل (المارون والسنة) وهو ما أعطى منصب الرئاسة للمارونيين ومنصب رئيس الوزراء للسنة.
أما ثالث أكبر المجتمعات فقد كانت الشيعة وقد أخذوا منصب رئيس البرلمان، أما بقيت المناصب الوزارية فقد كانت مناصفة بين الطوائف المتعددة وفقا لحجمهم العددي.
وهذه المشاركة في السلطة وتوزيع المناصب، وإن كان بدون مساواة، كان من شأنه أن يعزز استقرار البيئة "الديمقراطية" وهو ما وصفه آريند ليبهارت بالديمقراطية الطائفية.
وبشكل نظري، فإن تعدد الطوائف يعد محاولة للمحافظة علي حكومة ديمقراطية من خلال المشاركة وتفاعل النخب التي تمثل العديد من الجماعات في المجتمع به انقسامات دينية وعرفية وأيديولوجية عميقة.
وفي النهاية، فقد كان التفاعل وحلول الوسط لهذه النخب هو ما منع انهيار الدولة منذ تطلع كل جماعة لبعض مميزات الحكم الذاتي. وعلى أي حال فإن الرؤية اللبنانية لم تكن مثالية.
وقد حدد ليونارد بندر أن الميل لتوازن المصالح الطائفية بشكل عام يميل بشكل قوي لاحتمال اتفاقات متفق عليها. ووفقا لما قاله بندر، فإن هذا يتسبب في مصالح محددة للمجتمع وهو ما يتعارض مع مصالح الدولة. ولذلك، فإنه علي المستوى الوطني، كان التركيز في المفاوضات بين النخب يهدف إلى أن يكون حول القضايا الثانوية فضلا عن القضايا الأساسية.
وقد كان هناك نزاع بين الأكاديميين حول ما إذا كان النظام السياسي اللبناني يمثل نظرية التعددية الطائفية بالفعل وما إذا كانت الرؤية اللبنانية قادرة علي العمل بشكل ملائم.
وبالرغم من أن هذا التمثيل المتناسب قد تم استبداله باتفاق الطائف وسوف يناقش في صفحتين، فإن هذه "القواعد للألعاب"قد بقيت بشكل كبير أو ضئيل علي نفس الحال. أما الوسائل التي تعمل من خلالها الممثلين/ النخب السياسية في لبنان فإنها تعكس الموقف العملي في سبيل توسيع المصالح المحتملة.
وقد كان مذهب الذرائع بالتحديد معمولا به خلال الانتخابات المحلية والبرلمانية عندما ظهرت التحالفات داخل الطوائف وبين الطوائف حتى بالرغم من أن "التحالفات" لديها أيديولوجيتان مميزتان. فمحاولات الوصول إلى الإجماع بين النخب من مختلف الطوائف تعد مظهرا من اللعبة السياسية اللبنانية. فالسياسات بين الطوائف ومبدأ النفوذ المقابل يعد عاملا داخل اللعبة.
فالنظام السياسي المتعدد الطوائف وكيفية عمل النخب يعدان جزءا من الآليات السياسية اللبنانية. وقد كانت ثقافة القلق وعدم الثقة والظلم وما زالت موجودة داخل البيئة السياسية.
وفي البداية شاركت بعض هذه الأفكار في بناء النظام السياسي اللبناني وهو ما ساعد في المقابل في تخليدهم ولكنهم أيضا من نتاجه. وفي الغالب، فقد تطلبت هذه المحفزات طوائف خاصة لتسجيل المساعدة أو الدعم للسلطات الخارجية علاوة علي الشكوك والاعتبارات الشائعة.
وهذه الشكوك والاعتبارات المتبادلة قد تمثلت بوضوح في صياغة الميثاق الوطني الذي يقول بأن المسيحيين يجب أن يوقفوا التواصل مع نصيرهم، فرنسا، وأن ليس علي المسلمين الاتحاد مع سوريا أو العالم العربي.
ومن الخطأ أن نقول بأن فكر كل طائفة موحد، ومع ذلك فإن هذه الأمور قد ظهرت في نبرة أحزاب طائفية مختلفة أو في القيادة وأثرت في صناعتها للقرار. ويمكننا أن نرى مشها من القلق وعدم الثقة متلازما مع جميع هذه المجتمعات ولكنه متأصل بداخل المجتمع المسيحي.
وبالرغم من أن المسيحيين، وخاصة المارونيين كانوا قد حصلوا على منصب بارز في لبنان منذ البداية إلا أنهم رأوا أنفسهم أقلية في المنطقة وأن وجودهم بشكل موحد في لبنان (بالتوجه الغربي) مهدد بشكل متواصل من العالم العربي والإسلامي.
وقبل الحرب الأهلية استلزم هذا أن يكون مصنفا من قبل حركة القومية العربية في المنطقة، واستلزم مؤخرا أن يكون خاضعا للشريعة الإسلامية مع نزع الحركات السياسية الإسلامية والأصولية. ولذلك كان من الضروري بين معظم القادة المارونيين أن يتم حماية وضع مجتمعهم وكذلك الحفاظ علي هويتهم اللبنانية مهما كلف الأمر.
والشاهد على ذلك كلمات بري: "يحكم المسلمون جميع البلدان العربية – ألا يكفيهم كل هذا، فلماذا ينقمون علينا ما نفعله في لبنان؟"
وقد كان حافز الصعوبة موجود كذلك في خطاب الشيعة بالرغم من أن أنهم أقل من المارون. كما أن قلق الشيعة ينبعث من كونهم داخل عالم عربي سني كبير والذي كان مكانا للقمع علي مدار التاريخ وللتعصب وفي بعض الأوقات الاضطهاد ضدهم.
وكما كتب عالم شيعي:
"يري السنة الشيعة علي أنهم مكروهين ومنبوذين... ويرانا العديد منهم علي أننا لصوص وضيعين وغير طاهرين." وقبل الحرب الأهلية وجد العديد من الشيعة داخل الحزب الإشتراكي اللبناني وجماعات أمثال منظمة العمل الإشتراكي.
أما هؤلاء الذين انضموا إلى حركات القومية العربية فقد كان من أجل المصلحة وليس بسبب قبول الأيديولوجية. وعلى أي حال فقد احتلت كل من قضية التمييز والظلم خطاب كل من الشيعة والسنة في لبنان.
وقد وصف المسلمون المارون الذين يمسكون بالسلطة بأنهم "ديكتاتوريين" و "قمعيين" حيث يقومون بشكل متفاوت بتحديد الخدمات المدنية والتمثيل الحكومي ويقومون بتطوير البنية التحتية لمجتمعاتهم الخاصة. وفي العام 1975 صرح المفتي:
أن (التوازن اللبناني) يعد تعايشا غير عادل حث أن توزع المنافع بين اللبنانيين، بحيث لا تأخذ الأقلية سوى القليل، وتنفرد الأغلبية بالكثير. وفي نفس الصدد صرح موسي الصدر والمجلس الأعلى للشيعة بأن هناك اهتمام لمجتمعهم من قبل الحكومة.
وكالعادة، فإن الشيعة، كثالث حزب في النظام اللبناني كما ذكر في الميثاق الوطني وإحصاء عام 1932، كان أكثر الأحزاب تهميشا حتى الستينيات حيث قام أعضاؤه بالبدء في التحسينات من الحكومة ومن قبل قادتها البرلمانيين.
وبعض هذه القلاقل والمحبطات التي تمثلت من قبل العديد من الطوائف قد تم إدراكها خلال الحرب الأهلية وأصبحت بعد ذلك خطرا. وقد سهل انتهاء الحرب محاولة من قبل اتفاقيات الطوائف لموازنة النظام وتخفيف بعضا من هذه المخاوف. وكما سوف نشهد فإن هذه الإصلاحات قد تم التصديق عليها لتكون تجميلية وقد واكبت مشكلات الحكومة اللبنانية.
اتفاق الطائف
وفي العام 1989، تم توقيع معظم البرلمانيين اللبنانيين على اتفاق الطائف من خلال الوساطة السورية الأمريكية السعودية. وبعد هزيمة ميشيل عون وطرده في العام 1990 اتخذت إجراءات لبدء تنفيذ نصوص الاتفاق.
وقد تناول الاتفاق ثلاث قضايا رئيسية:
النظام السياسي اللبناني وسيادة الدولة وتحرير الجنوب اللبناني. وقد أعاد اتفاق الطائف تشكيل النظام السياسي من خلال إيجاد توازن بين المجتمعات المسلمة والمسيحية على المستوى البرلماني وإعادة توزيع السلطة بين المناصب العليا للسلطة في الحكومة.
وقد استوجب التوازن بين المسيحيين والمسلمين زيادة عدد مقاعد البرلمان من 99 إلى 108 مقعد والتي وزعت بالتساوي بين الطوائف.
وقد شمل إعادة توزيع السلطة بين المجتمعين تحول بعض سلطات الرئيس إلى يد رئيس الوزراء. والأكثر من ذلك فقد امتدت فترة رئيس البرلمان من عامان إلى أربعة أعوام.
وفي النهاية خلقت هذه الإجراءات انخفاضا شاملا للضغط السياسي من قبل المجتمع المسيحي في علاقته من المسلمين وخاصة السنة منهم. وقد وصف دارس هذه الترتيبات السياسية الجديدة بأنها "الجسد ذو الثلاثة رؤوس للدولة."
كما أن التوصيات الإضافية لإصلاح النظام السياسي قد تضمنت عدم المركزية الإدارية وعد التسلط الطائفي وقانون انتخابي جديد وإنشاء مجلس للتنمية الاجتماعية والاقتصادية وتقوية التضامن الوطني وتنظيم الإعلام.
وقد طالب اتفاق الطائف بإنهاء الميليشيات اللبنانية وإنهاء استخدام القوة في تحرير الجنوب اللبناني من إسرائيل. وفي النهاية، فقد أجاز الاتفاق استمرار الوجود العسكري السوري مدة عامين وهو ما سوف يتم تقريره من قبل الحكومات اللبنانية والسورية.
أما الإصلاحات التي حددت من خلال اتفاق الطائف لم تكن علاجا كافيا. وقد انطلقت الانتقادات من خلال المساهمة في تعميق الانقسامات الطائفية وتوسيع الفجوة بين النخب لخلق فوضي في السلطات بين المناصب العليا من السلطة. وقد بقيت "قواعد اللعبة" بشكل عملي علي حالها. وكما قال أحد العلماء، "شهدت الطائف تغييرا في النظام وليس تغييرات للنظام."
وقد حصل السنة علي مزيد من الفعالية من الطائف مع أن الشيعة بالرغم من تزايد عددهم ما زالوا يشعرون بأنهم قلة من قبل النظام. وقد شعر مجتمع المارون بالتهميش بشكل كبير وربما قاطعت أجزاء كبيرة من الشعب انتخابات 1992 و 1996.
وباعتبار جميع المشكلات فإنه من المدهش أنه بعد الاتفاق تم تحقيق استقرار نسبي. ومما يدعو للسخرية أن آخر بنود الاتفاق ينص علي الوجود العسكري السوري والذي يقدم الاستقرار.
وفي النهاية قامت سوريا بتحقيق مستوى من السيطرة على الشئون اللبنانية لضمان حماية مصالحها. وقد بدأ التدخل السوري في الشأن اللبناني عام 1976 عندما طلبت قيادة المارون المساعدة السورية في كفاحها ضد منظمة التحرير الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية.
ومنذ هذه الدعوة ظلت سوريا وجودا مسلحا في لبنان وبشكل بطيء قامت بتوسيع سلطتها داخل البلاد خلال الحرب.
وقد أمدت هزيمة ميشيل عون وسريا بسلطة على كل البلاد سوى المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل في منطقة الجنوب.
وبالرغم من أن اتفاق الطائف قد شرع الوجود السوري في لبنان إلا أن سوريا اتخذت إجراءات أخرى لتعميق تدخلها في لبنان. قامت سوريا بتشكل حكومة لبنانية تدين بالطاعة للنظام.
وقد كانت الخطوة الأولى هي تعيين أربعين من أعضاء المجلس التشريعي في العام 1991 لملء المقاعد التي تم إخلاؤها خلال الحرب وكذلك المقاعد التي أضافها اتفاق الطائف.
كما ظهرت هناك نخبا جديدة في المشهد السياسي صنعتها سوريا. وربما تسهل هذه العملية توقيع العديد من المعاهدات بين لندن وسوريا خلال السنوات الأولي بعد الحرب.
ومن الإجراءات التي اتخذت لاستمرار سيطرتها كانت تغيير البرلمانيين (التابعين لهم) لقوانين الانتخابات في العام 1992. وفي الحقيقة، فقد تغيرت قوانين الانتخابات ثلاث مرات وتضمن جميع الانتخابات التي جاءت بعد الحرب خلال الاحتلال السوري تقسيما سياسيا.
وهناك قانون انتخابي جديد دعي إلى أن تكون المحافظة هي دائرة الانتخاب. وقد استبدل المقاطعات الأصغر لتقوية الانتصارات الانتخابية لحلفاء سوريا. فعلي كل من دخل لعبة السياسات أن يتبع القواعد السورية، وخاصة أولئك الإسلاميون، فالنظام السوري كان له مشاكله مع الإسلاميون (الإخوان المسلمين)، ولذلك فإنه لا يريد أن يقوم الإسلاميون في لبنان بإفساد النظام السوري بالداخل.
حزب الله والجماعة الإسلامية
يعتبر كل من حزب الله والجماعة الإسلامية مظهرين من مظاهر الأنظمة المختلفة للاعتقاد والأحوال التاريخية. ظهرت الجماعة الإسلامية وقتما كان الإسلام واحدا من الخيارات السياسية المتعددة.
وقد تفرعت الجماعة الإسلامية من الإخوان المسلمين والتي أسست الوجود السني في لبنان عام 1949، ثم بعد ذلك ظهرت الانقسامات بين الأتباع في بيروت وتريبولي.
وقد بدأ الأولون في إتباع الأيديولوجية الناصرية وقادوا أنصار الجماعة إلي مفترق طرق. ظهرت الجماعة الإسلامية وتأسست كحزب سياسي في العام 1964.
وقد كان هدف الحزب حماية المصالح المادية والروحية للمسلمين. أما الوسائل التي قدمتها لهذا الغرض فقد اختلفا خلال وجودها.
وقد اتخذت موقفا تدريجيا وشعبيا بعد الحرب الأهلية حتى تعيين مرشح في مقاطعة تريبولي لانتخابات العام 1972 البرلمانية.
وخلال الحرب الأهلية تطلب موقفها استخدام القوة بسبب ما ظهر من الأهداف الدفاعية. وقد قاتل مجاهديها الإسرائيليين والميليشيات المسيحية. كما أن اختلاف المواقف يمكنه أن يساهم في نطاق من الكتابات التي يؤسس عليها التنظيم أيديولوجيته حول:
البنا وقطب والمودودي. وفي الستينيات والسبعينيات صرحت الجماعة الإسلامية أن الإسلام كان أساس جميع مظاهر المجتمع العادل ويجب أن يكون أساس نظام الحكم والقانون في لبنان.
وخلال هذا الوقت يتضح من أعمالها أن المجتمع الإسلامي لا يمكن إقامته بالقوة وإنما من خلال المثابرة والتعليم. وبينما كان وجود الجماعة الإسلامية ملازما لوجود حزب الله إلا أن هناك القليل مما كتب عن التنظيم. ومن ناحية أخرى فإن الوجود القصير لحزب الله قد أثبت نفسه وتصدر عناوين الأخبار الدولية.
ويمكن للمرء أن يعزو شهرة حزب الله إلى أفعاله خلال الحرب الأهلية وصراعه مع إسرائيل والجيش اللبناني في الجنوب "واتصالاته" مع إيران وسوريا وزيادة أتباعه. وقد عرف أغلب الدارسين الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 بأنه الحدث الذي أظهر حزب الله.
وفي أعقاب الثورة الإيرانية وانتشار أيديولوجية آية الله الخميني المعادية للغرب قام العديد من الشيعة بالانضمام للقيادة الشيعية (أمل) ردا علي الغزو الإسرائيلي والتفوا حول هويتهم الدينية راغبين في إقصاء جميع القوى الغربية.
كما أن شيعة حزب الله قد أصبحوا متفاعلين مع استئصال أي وجود أو مفهوم أجنبي. وقد أظهرت الأفعال الأولي لحزب الله هذا المعتقد فقد ركز علي مقاومة أي وجود غربي أو تدخل في لبنان، ولم يقم هذا بإعاقة حزب الله من أن يقع بشكل سريع في أمور أخرى:
المجتمع الشيعي اللبناني والمجتمع اللبناني والدولة. وقد كانت الرؤى الأولي لحزب الله معادية للغرب وأكدت علي الهوية الإسلامية وحلولها. وقد تحدث خطاب عام 1985 مرارا وتكرارا عن التضحية بالأمة الإسلامية على يد الولايات المتحدة وحلفائها من القوات الانجليزية والمجتمع المسيحي.
كما لام القيادة المسيحية والحكومة الفاسدة التي تهاجم الطائفية السياسية وغير القادرة علي خدمة جميع المواطنين اللبنانيين. وقد صرح حزب الله عن فوائد إقامة حكومة إسلامية قائمة على الشريعة الإسلامية لأن جميع الأشكال الأخرى من الحكم قد فشلت.
وخلال الحرب الأهلية لم تنحصر مواجهات العنف لحزب الله مع إسرائيل أو القوى الغربية بل إنها أيضا كانت مع أمل والسوريين والجيش اللبناني. وبانتهاء الحرب أدرك حزب الله أن مقاومة سوريا كان أمرا عديم الفائدة، وأذعنت للسيطرة السورية.
ومن الأمور المشتركة بين الحركتين هو أنهما قائمتين علي أساس الرخاء الاجتماعي. وبعد انتهاء الحرب الأهلية واصلوا تكريس جهودهم لمقاومة الاحتلال، إلا أن أكثر انتباههم وطاقتهم قد كرست تجاه الخدمات الاجتماعية (الصحة والتعليم) وهو ما فشلت الحكومة في التعامل معه. وقد كان تعاونهم لمقاومة إسرائيل وتقديم الخدمات هو ما أتاح لهم الشرعية السياسية وزاد من دعمهم السياسي في الانتخابات البرلمانية عام 1992.
حزب الله والجماعة الإسلامية في ظل الاحتلال السوري
وكما بدا واضحا في الفقرتين السابقتين، فإن حزب الله والجماعة الإسلامية قد ظهرا بظروف مختلفة تماما وقد مثلا برامج متمايزة.
وبحلول انتخابات عام 1992 للبرلمان اللبناني تغير كل هذا. وقد تبني كل من التنظيمين مواقف عملية لواقع لبنان الجديد. في البداية كان من الواضح أن حزب الله سيظل خارج العملية السياسية لاعتباره اتفاقية الطائف وثيقة تتعارض مع اهتماماته.
وقد تغير موقفهم بعد اجتماع في طهران في أكتوبر 1989 وقامت القيادة بتأييد الاتفاق وأشارت لرغبتها في تأليف حزب سياسي. وقد أشار هذا الدخول في الإطار السياسي إلى أن حزب الله قد ترك هدفه الرامي إلى دولة إسلامية.
ومن المثير للجدل ما إذا كان حزب الله قد تبني هذا الموقف أو أنه كان نتيجة الحل الذي تم التوصل إليه بين سوريا وإيران وحزب الله. وهناك استنتاجات إضافية تقول بأن المظهر السياسي لحزب الله كان يرمي فقط لضمان بقاء المقاومة وإزالة الطائفية السياسية.
ومع ذلك فقد رأت قيادة حزب الله دخولها في العملية السياسية كتطور إيجابي. كما وصف نائب حزب الله، نعيم قاسم، هذا القرار بأنه رشيد لأنه لو لم يشارك حزب الله فإن جميع الأمور ستقوم بتقريرها الأحزاب الأخرى، وهو ما يؤدى في النهاية إلى عزل حزب الله. ويري قسام أن المشاركة في العملية السياسية لا تعني تأييد النظام السياسي وإنما هي وسيلة للوصول إلى التغيير.
ومن خلال أهدافها المعدلة تطلع وجود حزب الله في البرلمان إلى التغيير من داخل الحكومة وتشكيل المعارضة. وقد مثلت كتلتها البرلمانية المعارضة إلى 1992 وفي العام 2000 مثلت حكومات الحريري وتخلت عن دعم حكومة الحص في العام 1996.
وقد كانت معارضة حزب الله للحريري قائمة علي إدراك أن خطة الحريري لإعادة بناء لبنان ربما تعود بالنفع في النهاية علي الحريري والشركات الأجنبية وتغرق لبنان في الديون الخارجية. ولم يقم حزب الله فقط بمعارضة مجلس الوزراء بل إنه أظهر عدم رغبته في الانضمام لإجراءات الحكومة على هذا الصعيد.
وبالرغم من تحالفه مع اليساريين والمستقلين وأمل والسنة إلا أنه قام برفض المناصب الوزارية. وقد دافع نعيم قسام عن هذا القرار من خال قوله بأن قبول المنصب الوزاري ربما يمثل تصديقا علي برامج الحكومة وربما يقدم بعضا من المسئولية من أجل هذه البرامج. ولم تكن المشاركة السياسية لحزب الله خالية من المآزق للتنظيم.
ونتيجة لمشاركته فإن عليه الموازنة بين هويته اللبنانية وهويته الإسلامية علي الصعيد الطائفي الداخلي. كما أن الفقرة السابقة تظهر أن حزب الله قد تكيف مع لبنان تسيطر عليها سوريا، كما أنه حقيقي أيضا أن حزب الله مقيد ومستخدم من قبل سوريا ولن يسمح له بالعمل كمنظمة مستقلة بشكل حقيقي أو أن يكون قادرا على تحقيق القدرات السياسية الكاملة.
وقبل انتخابات العام 1996 تم إصلاح القوانين الانتخابية بطريقة لا تفضل التنظيم علي حلفاء سوريا الآخرين (وليد جنبلاط).
وقد كان الهدف هو ضمان برلمان مؤيد لسوريا. وفي الحقيقة، صوت أعضاء البرلمان التابعين لحزب الله بشكل غير ناجح لتقوية هذا الإجراء.
وقد اتهم أعضاء حزب الله أيضا الحكومة اللبنانية الصديقة لسوريا في العام 1996 بإفساد الإجراءات الانتخابية (التغيير الدقيق لمواقع مراكز الاقتراع).
وهناك مثال آخر لهذا التلاعب بعد تصريح حزب الله بشكل عام أنه يمكنه الانضمام إلى قائمة الانتخابات المستقلة في الجنوب خلال انتخابات 1996 البرلمانية.
وقد طلبت قيادة حزب الله علي الفور في دمشق وبعد الرحلة بقليل صرح حزب الله عن التحالف السياسي (الانضمام للقائمة الانتخابية) مع الحزب الشيعي اللبناني الرئيسي، أمل، والذي وفقا لأقوال معظم المحللين قد أجبر حزب الله علي ترك عدد من المقاعد التي قد فاز بها كمستقل.
أما المحلل باول سليم فيقول، "إن قبول حزب الله النهائي لقائمة الانضمام مع أمل يبين أنه ليس لاعبا مستقلا." كما أن التلاعب السوري أيضا يظهر ليشمل عمليات حزب الله العسكرية. وهناك العديد من الأمثلة علي تحالفات حزب الله خلال المشاركة السورية في مفاوضات السلام مع إسرائيل.
وعلى أي حال فعندما تم تحقيق التقدم في المسار الفلسطيني الإسرائيلي في العام 1993 أصبحت المواقع الإسرائيلية عرضة للهجوم ونبذت المفاوضات.وقد كان حزب الله التنظيم الوحيد الذي استعاد ميليشياته بعد الحرب الأهلية. وبعد ذلك دخلت الجماعة الإسلامية في السياسات بدون هذا الأصل.
وخلال الاحتلال السوري للبنان اضطرت الجماعة الإسلامية لاتخاذ جهود لإبعاد نفسها عن الإخوان المسلمين بسوريا بسبب تاريخ الإخوان المسلمين مع النظام السوري.
وفي مقابلة مع أحد قادة الجماعة الإسلامية، فتحي يكن، قام بالتصريح بشكل قاطع بأنه لا يوجد شكل عام أو سري للإخوان المسلمين في سوريا.
وفي مقابلة أخرى وصف يكن التزام الجماعة الإسلامية بالنظام السياسي اللبناني. وقد صرح بأن تركيب لبنان لا يمكنه أن يؤدي بها إلى إقامة دولة إسلامية. وقد أدان أيضا استخدام القوة من قبل التنظيمات الإسلامية ضد الأنظمة الإسلامية.
وقد كان هذا وثيق الصلة بلبنان منذ عقد المقابلة في أعقاب المصادمات بين الإسلاميين المتطرفين والخيش اللبناني في يناير 2000 في منطقة بشمال لبنان.
وبالرغم من هذا فإنها قد عبرت عن رأيها ضد العنف الموجه إلى الأنظمة الإسلامية، وقامت باقتراح مهاجمة إسرائيل حتى بعد الانسحاب من الجنوب اللبناني.
ووفقا لما قاله نزار حمزة فإن الجماعة الإسلامية تؤجل مطلبها بإقامة دولة إسلامية في لبنان وتصمم علي اكتساب دعم أكبر داخل المجتمع السني.
كما أن الدعم المتزايد من المجتمع السني قد انعكس علي مقاعد البرلمان في العام 1992 و 1996 وهو ما تطلب تحالفات مع شخصيات غير إسلامية وغير مسلمة.
وليس هناك تسجيل لتوجهاتهم داخل البرلمان ولكنهم يقولون بأن هدفهم داخل الحكومة هو تمثيل المجتمع اللبناني. وربما يقترح هذا بأن برنامجهم وأفعالهم مشابهة لحزب الله.
وقد أجبر اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، في فبراير 2005، الجماعتين علي إعادة تقييم سلوكهما في الحال ومواقفهما تجاه بعض القضايا واستجابة للأزمة التي أطلقت عليها الحكومة "ثورة الأرز".
وقد أكدت كل من المظاهرات اللبنانية والضغط الدولي علي إنهاء الوجود السوري والإبقاء علي مواصلة الاعتراف بشرعية وجوده العسكري.
وبعد أقل من شهرين أذعنت سوريا لهذه الضغوط والمطالب وبنهاية أبريل 2005 غادر آخر جندي سوري لبنان وبدأت حقبة جديدة في لبنان.
وإدراكا للتغيير المضطرب في البيئة اللبنانية وسلوك معظم اللبنانيين، فإن حزب الله و الجماعة الإسلامية قد قاموا بالرد وفقا لهذا التغيير.
وقد تطلبت البيئة السياسية السورية من كلا التنظيمين أن يلعبا لعبة داخل الطوائف وبين الطوائف دول التدخل الخارجي.
الانتخابات البرلمانية (2005)، مجلس وزراء السنيورة والتحالفات السياسية
وقد وقعت انتخابات مايو/ يونيو 2005 البرلمانية في أعقاب الانسحاب السوري وقد تميزت بعدم التدخل الأجنبي وهو ما لم يحدث منذ انتخابات 1972.
وقد كانت هذه هي المرة الأولي منذ نهاية الحرب الأهلية حيث شارك المجتمع المسيحي أجمع. وقد علقت هذه الآليات الانتخابات في العديد من المقاطعات (المناطق المسيحية) ولكنها امتازت بانتصار مدو لحركة المستقبل لسعد الحريري والتي فازت بعدد 37 من المقاعد.
وقد وصف أحد المحللين هذا الحجم غير المتوقع لكتلة الحريري بأنه "موجة عواطف" أوجدها المجتمع السني باغتيال أبيه. ووفقا لما قاله يوف عجمي فإن الحريري قد وصل لحد العبادة وسط المجتمع السني في لبنان وأن النصر الحاسم قد تمثل في انتقال قيادة السنة من والده إليه. وفي الحقيقة فإن العديد من المقاعد في مقاطعة بيروت قد كانت غير معارضة.
وقد رد حزب الله والجماعة الإسلامية بشكل مختلف على هذا التطور. وفي أعقاب اغتيال الحريري أيدت قيادة حزب الله فوائد التدخل السوري في لبنان، وقاموا بعمل مظاهرة حاشدة في وسط العاصمة بيروت في الثامن من مارس.
وهكذا اعتبر حزب الله قائد يوم 8 مارس أو الحركة المؤيدة لسوريا في السياسات اللبنانية. وفي انتخابات العام 2005 لم يمثل هذا الوضع أي عقبة في طريق المشاركة في العديد من القوائم الانتخابية.
كما أن الانتخابات اللبنانية السابقة ومذهب المصلحة السياسية قد حلو محل المواقف الأيديولوجية. وقد انضم حزب الله إلى الحريري وخصوم سوريين آخرين (وليد جنبلاط والقوى المسيحية اللبنانية) حول القوائم الانتخابية في الجنوب وبعبدا عاليه وبيروت.
وإضافة إلى هذا تحالف حزب الله مع منافسه الطائفي، أمل، في الجنوب اللبناني وفي بعبدا عاليه وبيروت والبقاع. وقد فاز حزب الله باثني عشر مقعدا برلمانيا بنهاية العملية الانتخابية كما سيطرت كتلته "المؤيدة للمقاومة" علي اثنين من المقاعد.
وعلى خلاف حزب الله، قررت الجماعة الإسلامية عدم تحدي أو التحالف مع الخصوم الطائفيين – حركة المستقبل لسعد الحريري.
كما رفضت كذلك التحالف مع حركة ميشيل عون الوطنية الحرة. وخوفا من انشقاق الشارع المسلم ومواجهة الحريري صرح مؤيديهم بمقاطعة الانتخابات في الرابع عشر من يونيو.
وقد ناضلوا بحيث شاركوا مبادئ الإسلام المعتدل والموقف الوطني مع حركة الحريري، وقد أدركوا أنه من مصلحتهم الاستمرار بعيدا عن القائمة الانتخابية بعد أن شهدوا ما قبل أسبوع الانتخابات في الجبال اللبنانية والبقاع.
وأكد مسئول من الجماعة الإسلامية، أسد حرموش، قرار المقاطعة بسبب اعتبارات العملية الانتخابية: التدخل الأجنبي وتشكيل القوائم الانتخابية وتدفق الأموال السياسية. وقد منعها قرار المقاطعة من أي فرصة مشاركة رسمية في الحكومة ووضعها كذلك في منتصف الحركات المؤيدة والمعارضة لسوريا.
وقد جعل الوجود الكبير لحزب الله داخل البرلمان اللاعب الرئيسي في تشكيل مجلس وزراء جديد بعد الانتخابات. وبالعدول عن سلوك الماضي طالب حزب الله بمقعدين، وزيري الدفاع والشئون الخارجية في مجلس الوزراء (الحليف لسعد الحريري) الذي يقوده فؤاد السنيورة.
وفي النهاية لم يحصل حزب الله سوى علي وزارة واحدة وهي وزارة الطاقة والتي يترأسها محمد فنيش، مع أن مطلبها بالحصول على وزارة الشئون الخارجية قد أدى إلى اختيار شيعي مستقل، فوزي صلوخ، والذي يحمل رؤى محبة لحزب الله. كما أن وقوع حزب الله ضمن وزارة السنيورة لم يقم بتكريس علاقات هادئة بين الجماعات، فضلا عن تحقيق حجم سلطتهم في المجتمع الشيعي. كما أنه ثبت قصر حياة التحالف الانتخابي بين حزب الله والحريري وجنبلاط والقوى اللبنانية.
وواصل حزب الله تحالفا في البرلمان مع أمل ولكنه تعرض لضغط متزايد من جماعة 14 مارس باعتبار ميليشياته (المتطابقة مع قرار الأمم المتحدة رقم 1559)، واستقالة إيميل لحود وتوسيع نطاق البحث حول اغتيال الحريري.
وفي فبراير 2006 وقع حزب الله "اتفاقية عمل" مع الحركة السياسية لميشيل عون الحركة الوطنية الحرة. أما عون اللبناني القومي المعروف الماروني الكاثوليكي فقد كان من الخصوم الرئيسيين لسوريا خلال السنوات الأخيرة من الحرب الأهلية. كما حدد الاتفاق إجراءات لتحسين هيئات الدولة من خلال تقليل أهمية الهوية الطائفية.
وعلى سبيل المثال يقترح الاتفاق أن لا تكون أجهزة الأمن متحيزة لأي اعتبارات سياسية أو تشيع ويجب أن يكون ولاؤها للوطن فحسب. كما أن الانقسام حول القضايا بين حركات 14 مارس و 8 مارس أصبحت قويا بحيث قامت كل من أمل وحزب الله وحركة ميشيل عون بترك الحكومة والبدء في عمل إضراب عام في وسط بيروت.
وقد طالبت هذه الجماعات الثلاثة بشكل أساسي استقالة الحكومة وأعلنوا بأن جميع قرارات الحكومة غير شرعية. وقد استمر الصدع بين الجماعات كما كان واضحا بخلو منصب الرئيس بعد نزول إيميل لحود عن السلطة في 24 نوفمبر.
ومنذ مقاطعة الجماعة الإسلامية للانتخابات فإن على المرء أن يعول على خطاباتهم لاستنتاج مواقفهم. وفي بعض الأوقات أعلنوا تأييدهم السياسي لحزب الله بينما في أوقات أخرى يقومون بتأكيد "حيادهم الإيجابي".وفي يناير 2007 طالبوا بوضع حد للإضراب العام مؤكدين ضرورة الحوار.
الخلاصة
وقد أظهر فحص لآخر سلوك وخطاب لحزب الله والجماعة الإسلامية العديد من النقاط. أهم هذه النقاط أن كلا الجماعتين، وإن كانتا مختلفتين في الأسلوب، فقد اختارتا احترام و/ أو العمل في النظام السياسي اللبناني. وبالرغم من أن كلا الجماعتين قد أعلن بشكل منفتح عن رغبته في إقامة دولة إسلامية في لبنان، إلا أنهم قاموا بتعديل هدفهم خلال الوجود السوري المسلح.
وبعد عامين ونصف العام من الانسحاب أشار كلا من خطابهم وسلوكهم إلى أنهم لا يزالون يتبنون هذا الموقف – فالتركيبة السكانية لوحدة لبنان لا تتيح إقامة دولة إسلامية. ثم إن أفعالهم وخطابهم يقر بكل بساطة واقع لبنان بدون سوريا أو "قواعد جديدة للعب" – آلياتها داخل الطوائف وبين الطوائف.
كما أن انفتاح النظام السياسي قد أجبر حزب الله في وقت قصير على اتخاذ قرارات أكثر إستراتيجية، وعلى النقيض فقد أجبر الجماعة الإسلامية على اتخاذ قرارات أكثر استرضاء وليست إستراتيجية.وقد اختلفت اعتباراتهم الإستراتيجية بسبب حجم أتباعهم السياسيين والظروف غير المحسوبة المقرونة بقدرتهم علي "الموازنة" بين هويتهم اللبنانية والإسلامية.
وحتى قبل انتخابات 2005 ازداد دعم حزب الله داخل صفوف الشيعة. وفي انتخابات 2004 المحلية حصل حزب الله علي ستون بالمائة من المجالس البلدية ومن بينها سبعة وعشرون من أصل ثلاثون في البقاع. أما أمل فإن شرعيتها قد عانت بسبب فضائح الفساد. وبعد الحرب مع إسرائيل في 2006 ازدادت شعبية حزب الله أكثر وأكثر.
وفي بيئة هذا اليوم، فإنه من الواضح أن أمل تحتاج إلى حزب الله أكثر من احتياج حزب الله لأمل. ولذلك فإن هذا الموقف يبين أن حزب الله قد أصبح معنيا أكثر بسياسات داخل الطوائف أكثر من اعتنائه بسياسات ما بين الطوائف. أما علي صعيد داخل الطوائف فإنه علي المرء أن يقرن أفعال حزب الله بقضيتين.
فحزب الله يمكنه استغلال تزايد مواطنيه من الشيعة اللبنانيين والميليشيا من أجل التفاعل في الاتفاق مع حركة 14 مارس. وقد كان دخول حزب الله في سياسات المجلس الوزاري في العام 2005 بمثابة الخطوة الأولي في هذه العملية، كما أن تركها للحكومة يعد دليلا آخر. وقد جعل الانسحاب السوري حزب الله يدرك أنه أكثر عرضة للهجوم علي صعيد داخل الطوائف وقام بالعمل من أجل حماية نفسه وتقوية يد المجتمع الشيعي.
وتظهر أعمال الجماعة الإسلامية وخطابهم أن موقفهم أكثر خدعة من حزب الله فالجماعة الإسلامية ليس لديها الأتباع السياسيين مثل حزب الله أو حتى قدراته المالية ومع ذلك فإنهم يعتبرون "قوة انتخابية كبيرة"في تريبولي وبيروت وصيدا.
وبسبب هذه الأزمة، اختار التنظيم تجنب "موجة العواطف"في المجتمع السني والذي نتج عن اغتيال الحريري. وبالرغم من عدم إعلان الجماعة الإسلامية عن هذا بشكل عام، فإن أفعالهم تبين أنهم خائفين من مواجهة حركة الحريري وكذلك يخافون من فقد المصداقية داخل المجتمع السني بعد اغتيال الحريري.
ثانيا، فإنها قد وجدت الحفاظ هلي هويتها اللبنانية الإسلامية من خلال دعمها لحزب الله وأجندتيه. وقد خلق هذا أيضا فرصة لإبعاد نفسه عن مؤيدي سعد الحريري.
وبالرغم من أنه ظهر حاصلا علي شعبية علي المستوى المحلي، إلا أنه لم يزل ممسكا بالدور الثاني علي الصعيد الوطني. وكما تبين من خطابه الأخير أنه "امتنع عن صناعة القرار".
وفي العديد من المقابلات كان قائد الجماعة الإسلامية خائفا من عزل نفسه بعيدا عن الرؤية الإسلامية وهو ما يعني ترك الساحة فارغة لحزب الله وأجندته. وعلي أي حال فإن هذا يمثل خطرا عزل نفسه عن مؤيدي السنة وسعد الحريري.
ولذلك أشارت القيادة كثيرا إلى أنها ليست ضمن حركات 8 مارس أو 14 مارس. ولتعويض هذا الوضع فهناك رؤية لأدبيات أخيرة تخص التنظيم تشير إلي أنها تقوم بالضغط علي المخاطر المفروضة من قبل الصهيونية وإسرائيل، والقضايا المقبولة بشكل عام من قبل الطرفين.
وقد أجبرتهم أزمتهم علي التحضير التصاعدي من النزاعات السياسية كما ظهر من قبل رفضهم التحالف مع الحزب السياسي خلال انتخابات 2005. وفي المقابل اختارت الجماعة الإسلامية دور الاسترضاء كما بدا من خلال دعوتهم للحوار بعد ترك حزب الله للحكومة.
وقد أتاح الانسحاب العسكري السوري للواحد منا أن يقوم باستنتاجات أكثر وضوحا حول سلوك وخطاب الإسلاميين السياسيين في لبنان. ويمكن استنتاج أن كلا التنظيمان يعملان بأسلوب عملي وإن كانت النتائج مختلفة.
ففعالية حزب الله قد مكنته من الاستحواذ على منصب القوة في اللعبة السياسية في لبنان بينما فعالية الجماعة الإسلامية قد أودت بها إلى الإهمال السياسي. وبالنظر إلى الممثلين السياسيين اللبنانيين الأرثوذكس فإن هذا الموقف ربما لا يستمر طويلا.
بقلم:محمد أيوب
يقوم هذا التقرير على كتاب لي نشر مؤخرا بطبعة جامعة ميشيغين 2008 (الأوجه المتعددة للإسلام السياسي) في محاولة لتلخيص الحجج الأساسية ودعمها بتفصيل أكبر في الكتاب ومع ذلك فان من المرجح أن المؤلف عرف مصطلح الإسلام السياسي قبل بدء المناقشة وعلى مستوى العموم فان المتمسكون بالإسلام السياسي يعتقدون أن الإسلام ككيان للإيمان من حقه أن يحدد تنظيم المجتمع والسياسات في العالم الإسلامي المعاصر وتنفيذها في موضة ما.
ففي الوقت الذي أصبح فيه التصحيح معمما ومتسعا فإن من غير الموضح أن وضع صيغة له للعمل كمرشد تحليلي قادر على شرح النشاط السياسي المعهود به فيما يسمى بالإسلام. أن تعريف الإسلام السياسي بدقة أكثر وبالمعنى التحليلي أكثر إفادة هو على أنة فلسفة ذرائعية يقوم بها أفراد وجماعات ومنظمات منهمكة فى الموضوعات السياسية .فهو يعطى إجابات سياسية للتحديات الاجتماعية الحالية بتخيل المستقبل وإعادة ابتكار مفاهيم مقروضة من التقليد الإسلامي.
إن الدافع الأساسي لهذا الكتاب وهذا الملف هو تحدى ادعاءات متعددة منتشرة عموما في كثير من تحاليل الإسلام السياسي.
وتشمل هذه الادعاءات الآتية؛
- هناك شيء فريد في الإسلام يعوق الفصل بين الدين والدولة وأن الدين يملى العمل السياسي في دول إسلامية.
- الإسلام السياسي مثل الإسلام هو ظاهرة متكشفة وعليه فإنه بتحديد حدث انتقالي أو عالمي يكون الإسلام مستقلا بشكل كبير عن النصوص السياسية والاجتماعية الخاصة التي تعمل من خلالها الجماعات والأحزاب السياسية
- الإسلاميين متعصبون وذوى أفكار فردية ومستبدون بفكرة تنفيذ الشريعة والتأكيد على قدرة الله فهم غير قادرون على عمل تسويات سياسية أو إنشاء تحالفات مع قوى أو أحزاب سياسية أخرى.
- وبتحديد التشكيل السياسية الإسلامية فيها غير ديمقراطية لأن الإيمان بقدرة الله تعوق قبولهم مفهوم القدرة الشعبية وبطريقة أفضل فإنهم من المرجح أن يستخدموا الديمقراطية في موضة ذرائعية للوصول للسلطة وبمجرد وصولهم للسلطة من المرجح أن يطرحوا النظام السياسي جانبا من أجل تأبيد حكمهم وبذلك يثبتوا صحة القول بأن الإسلاميين متمسكين بشخص واحد وقرار واحد وزمن واحد .
الإسلام السياسي هو عنيف بطريقة متأصلة أو على الأقل يعد أتباعه قلبيا على مباشرة نشاط غير دستوري وخارق للقانون لتحقيق أهدافهم ذات العقوبة الإلهية. وعلى الرغم من أنه يمكن التعامل مع هذه الادعاءات بوضوح في مصطلحات تحليلية.
فإنها متصلة بإحكام بعضها البعض وتشكل جزءا من مفهوم شامل وعالي السلبية من النظرية التي نسميها بالإسلام السياسي. ويواجه الملف كل واحدة من هذه الادعاءات كما يبين أنه في الوقت التي تبدو فيه هذه الادعاءات صحيحة بالمعنى الظاهري فإنها أساسا لا صلة لها بالموضوع .
وقد بين المؤلف ذلك في كتابة بتفصيل تام مع إظهار أدلة من كل من تاريخ المجتمعات الإسلامية والموقف المعاصر في دول إسلامية متعددة.
إن الادعاء الأكبر الذي يشكل معظم الادعاءات الأخرى بشأن الإسلام السياسي هو أن هناك علاقة فريدة بين الدين والسياسات في الإسلام تعوق الفصل بين الإطارين السياسي والديني. وهناك نتيجة طبيعية لازمة تدعى بأن العمل السياسي في العالم الإسلامي عادة ما تقوده مصالح دينية.
إن أي شخص يحسن الاطلاع على الحقبة الكلاسيكية للإسلام يدرك أنه أثناء الخلافتين العباسية والأموية وبالأخص الأموية نشأت فيه خمس مدارس للفقه الإسلامي.
إن الإطارين السياسي والديني قد أتيا على كل الأغراض العملية على اعتبار أنهما مميزين. تدخلت الدولة في أمور الدين بصورة ضئيلة جدا .وقبل العلماء عموما شرعية السلطة المؤقتة طالما أنها تدافع عن أرض الإسلام وتسمح للمسلمين بممارسة شعائرهم الدينية دون عائق.
إن غياب الموقف الفذ للسلطة الدينية قلل من تهديد العلماء للدولة وعلى الفور جعل من الصعب على الدولة أن تفرض سيطرة تامة على العلماء.
وتم التوصل إلى تسوية تقوم على مبدأ الحياة والسماح بالعيش بان تخدم مصالح كلا من الدولة والطبقات الدينية. ويبين أنه في هذا السياق صمم علماء بارزين أمثال الإمام الغزالي والمواردي وابن تيمية الذين حاولوا إيجاد حلول محدودة لكل من الورطات الدينية والسياسية التي تواجه الأمة صمموا على الرجوع للوراء لقبول وتبرير الحكم المؤقت الذي يعتبره المسلمون في العصر الحديث ظالم وغير ديني.
وقد فعلوا ذلك من اجل منع النزاع وتقليل الانقسام داخل الأمة الذي قد يؤدى إلى فوضى وانحلال سياسي. فقد كانوا واقعيون عندما أتوا إلى فهم علاقة السلطة داخل مجتمعاتهم وحماية النسيج الاجتماعي الذي كان سيمزق إربا إذا ما انشغل العلماء بالمعارضة المباشرة للسلطة السياسية القائمة على غيابات مجردة من المحتمل أنهم يقومون بتعزيزها سرا وبالتالي حول علماء السنة في فترة الإسلام القديمة الدفاع عن الوضع السياسي الراهن إلى فن متميز.
وعندما أصبح الخليفة العباسي مجرد خادما للحكام الأتراك المقاتلين من القرن التاسع إلى القرن الثالث عشر جعل العلماء يبتكرون طرقا لمنحه شرعية على أنة لم يعد يمارس السلطة بأي معنى حقيقي للمصطلح.
وعلى سبيل المثال العالم الشهير الغزالي في القرنين الحادي عشر والثاني عشر في ترجمة رواية لدور الخليفة الذي أيد تقسيم العمل بين السلطة والخليفة مع ممارسة السلطان للسلطة نيابة عن الخليفة على أن يستمر الخليفة في كونه الرمز للوحدة الدينية للأمة .واستمر الغزالي في الرواية لدرجة أنة برر اغتصاب الحكام الأتراك للعرش وعلى الفور قلبوا واستبدلوا في أجزاء مختلفة من المقاطعات التابعة للخلافة فيما بعد تقليد الخليفة للسلطة وذلك لإحكام سيطرتهم على المقاطعات التي حصلوا عليها بالقوة . ووفقا لما جاء على لسان المؤرخ الشهير ألبرت حوراني فإنه بعد مائتي سنة من رحيل الإمام الغزالي ادعى الإمام ابن تيمية الحنفي المذهب والمعروف باستحسانه لابن عبد الوهاب وترجمته المتزمتة للإسلام بأن جوهر الحكومة قائم على سلطة الإكراه الذي يعد ضروريا إذا ما أراد الناس الحياة في المجتمع لا تدمر تضمنه الأنوية البشرية الطبيعية وبعد أن أصبح ذلك ضروريا فقد بزغت بواسطة العمليات الطبيعية للنوبات المرضية التي أجازتها اتفاقية زمالة وعليه فمن حق الحاكم أن يطلب الطاعة من رعاياه حتى الحاكم الظالم فان ذلك أفضل من النزاع وانحلال المجتمع.
لذا كان من الواجب على تومس هوبس قراءة ما قاله ابن تيمية قبل صياغته لنظرية الاتفاقية الاجتماعية فكان من الواضح أن ابن تيمية ميز النظام السياسي على كرامة النموذج الديني ويعتمد الدفاع عن النظام السياسي على اتفاقية غير مكتوبة بين الدولة والعلماء حيث يقوم التصوف السياسي للعلماء بمثابة دعم لتدخل قليل في الإطار الديني من قبل الدولة وعلى الرغم من ذلك فان في الوقت الذي يتداخل فيه الإطاريين فإن الإطار المؤقت والذي كان غالبا في مقعد السائق يستخدم التأسيس الديني لحدوده الخاصة سادت سيطرة الدولة على الإطار الديني في الإسلام السني من القرن السابع عشر فما بعده في الإمبراطورية العثمانية عندما أصبح الموظفون الدينيون جزءا من البيروقراطية الاستعمارية و أصبح شيخ الإسلام يعمل ما يرضي السلطان وأصبح الآن تحكم الدولة على العلماء هو المعيار في العديد من الدولة السنية خاصة التابعة للإمبراطورية العثمانية وعلى سبيل المثال تركيا كنموذج أساسي. وعلى ذلك فمن الواضح أنه في كل هذه الأحوال لم يكن في الغالب دين يقود السياسة بل كان طريق أخر غيره.
علاوة على ذلك فان تسييس الدين وتأثيره في السياسات ليس فريدا في الإسلام بل كان هو المعيار في معظم التوراة اليهودية وفي الحقيقة أن أي شخص يستطيع أن يقول بأن الصهيونية في هذه الأيام هي يهودية تم تسييسها كما أن الانتصار الداخلي بين الدين والدولة أصبح أعظم بكثير في النصرانية من القرن الرابع فما بعده أثناء الفترة المتوسطة منه في الفترة الكلاسيكية.
ففي الوقت الذي ربما يكون فيه جدال عما إذا تبعت التجارة في العصور الاستعمارية العلم أو العكس بالعكس فهناك دليل وافر على أن الصليب رافقها في كلا الحالتين وأصبح في الغالب سلاحا لمشروع الهيمنة الأوربية على الأراضي غير الأوربية.
كما أن دور سنغا البوذي ورهبنة الراهبين في سياسات سيريلانك وفي تحديد الهوية الوطنية لسيريلانك يظل منقطع النظير في معظم الدول الإسلامية غير إيران الشيعية حتى الهندوسية التي عشقت التنوع الكبير وتجنبت العقيدة الموحدة أظهر مثل هذه الإمكانية الكبيرة كصيانة للهوية السياسة التي ربما لم تخطئ على أن القومية الهندوسية هي من الهندوسية التي تم تسييسها في الهند.
ولاستنتاج هذه النقطة فانه بالرغم مما يقوله المسلمون المعاصرون والمقللون من شأنهم فان الإطارين الديني والسياسي في الأراضي الإسلامية يظل مميزا وسيظل كذلك والأكثر من ذلك حيث أنهم تداخلوا أكثر مما كان غالبا فإن الممثلين السياسيين هم الذين استخدموا الدين لأهدافهم وليس العكس بالعكس .
الادعاء الثاني هو أن الإسلام السياسي هو ظاهرة استكشافية لا علاقة لها بمفهوم وهذا التأكيد هو أكثر تعقيدا إذا ما نظرنا إلى الدولتين الرائدتين في العالم الإسلامي السعودية وإيران فليس هناك دولتين أكثر اختلافا في تنظيم الحياة السياسية منهما فالسعودية نظام ملكي مورث تحكمه مبادئ إسلامية بواسطة المؤسسة الدينية الوهابية على أساس الاتفاقية التي أبرمها محمد بن سعود إلى محمد بن عبد الوهاب سنة 1744 التي قسمت السيطرة على الشئون السياسية والدينية بين الأسرتين آل سعود والشيخ ولا يزال هذا التشعيب للأدوار بخير حتى هذا اليوم.
أما إيران فهي دولة جمهورية وصل قادتها الثوريون إلى السلطة عن طريق إلغاء الملكية المورثة وإعلان المؤسسة على أن تكون غير إسلامية. فلديها نظام مورث يقوم على عملية فورية لمؤسسات تمثيلية تقوم انتخاب عالمي للراشدين ومجموعة من المؤسسات التي يسيطر عليها رجال الدين والتي تمارس أدوار رقابية على الحكومة المنتخبة.
إن النظاميين الإيراني والسعودي هما إنتاج محيطات تاريخية خاصة قاموا بإنشائها – اتفاقية 1744 وتجديدها المتكرر في حالة السعودية والثورة الدستورية 1905- 1906 كما هو معدل في نظرية الفيلات الفقيه الخوميني في حالة إيران.
وعلى الرغم من ادعائهما تلخيص النظام السياسي الإسلامي فإن خبرتيهما أوضحت أنه لم يكن هناك إجماع حول دستورية هذا النظام. هذا وقد شاعت هذه النقطة عندما فحص شخص الحركات الإسلامية الحديثة التي أصبح لها مؤيدين من الحكومة الإسلامية وعلى الرغم من بعض الموضوعات الشائعة التي يشاركون فيها والتشابه في الكلمات التي يستخدمونها فان هناك تنوع غير محدد لاختلافات تنظيمية وأيدلوجية فيما بينهم والتي هي عاكسة لبياناتهم الخاصة.
فجماعة الإخوان المسلمين التي هي نتاج للمحيط المصري مثلها مثل الجماعات الإسلامية التي هي نتاج للبيئة الهندية وبعد عام 1947 (البيئة الباكستانية). حتى الفروع المختلفة للإخوان المسلمين في العالم العربي في الأردن وسوريا وفلسطين والكويت تنبت استراتيجيات مختلفة يتم تحديدها بالبيئة التي يعملون فيها.
إضافة إلى ذلك فان المركز الرئيسي (إخوان مصر) تحملوا تحويلا هائلا بمرور الزمن ويتضح ذلك إذا ما قارن شخص موقفها السياسي أثناء أيام السيد قطب في الخمسينات والستينات والأخوة التي عملت من السبعينات إلى الآن, فإن الشخص يقول أن أفكار سيد قطب كما كانت نتاج للوحشية التي عانى منها في سجن عبد الناصر فهي نتاج أيضا لقراءته للقرآن.
وقد رفضت قيادة الإخوان الاعتراف بهذه الأفكار بشكل غير رسمي في 1969 ورسميا في بداية الثمانينات. إن هذه الاختلافات في الوقت والزمن تتسبب في تنوع خبرات الإسلاميين في الفترة المعاصرة ودليل محدد على أن التأسلم ليس جوهريا بالطريقة التي يصوره الغرب بها في الغالب.
فضلا عن ذلك حتى في نفس الدولة يوجد تعبيرات متعددة للإسلام السياسي. فجماعة السلفية السنية التقليدية تتجنب طريقة تفكير إتباع مذهب الإخوان المسلمين في الشرق الأوسط وجنوب شرق أسيا كما أن الجماعات الإسلامية العلمانية المتشددة في معركة مذهبية دائمة مع أحزاب العلماء مثل جماعة العلماء الإسلامية وجماعة العلماء الباكستانية وكذلك المحمدية الحديثة وفروعها لها اختلافات فلسفية وسياسية أساسية مع نهضة العلماء التقليدية في إندونيسيا.
كما أن الإسلام السياسي ينأى بنفسه بعيدا عن كونه منوليسي حتى في الدول المستقلة تكون فيها جماعات متعددة في نزاع مع بعضها البعض. وبمناقشة وجود إسلام سياسي منوليسي فى جميع أنحاء العالم يتبين أنة لا معنى لذلك على الإطلاق.
الثالث يدعى في الغالب أن الجماعات الإسلامية ليس لديها استعداد. ولعمل تسويات أو الدخول في تحالفات فإنهم متشددون في الأمور المذهبية, والحقيقة أن العكس هو الصحيح. ويتضح ذلك إذا ما قام شخص بتحليل مسارات الأحزاب السياسية في باكستان ومصر وتركيا وقد دخلت الجماعات الإسلامية في باكستان وحزب الرفاح في تركيا في تحالفات مع أحزاب دنياويا أما تشكيل حكومات كما في حالة تركيا أو معارضة للحكومة الموجودة والمطالبة بديمقراطية أكثر كما في حالة باكستان وقد أدخلت جماعة الإخوان المسلمين التي تدين الوضع القانوني مرشحين تحت شعار أحزاب مختلفة في مصر كمستقلين ومتعاونين مع أحزاب معارضة من أجل أهداف معينة.
وفي الحقيقة فإن الجماعات الإسلامية في باكستان تعاونت مع أنظمة عسكرية من ريالى شرف حيث تتقارب مصالحها مع هذه الأنظمة العسكرية وقد دخلت نهضة العلماء وتشكيلات إسلامية سياسية أخري في تحالف مع أحزاب دنيويه ذات ألوان مختلفة وذلك إما موافقة أو مخالفة لهوي الحكومة وعلى النقيض من ذلك فان السياسات الإسلامية مصنوعة من قذائف التسوية فلا يوجد حزب إسلامي ذو مجرى منفرد لم يدخل في تسويات سياسية لتعزيز أهدافها السياسية.
الرابع يدعى أن الأحزاب السياسية هي أحزاب مضادة للديمقراطية لأنهم متمسكون بمفهوم القدرة الإلهية التي تتناقض مع السيادة الشعبية التي تمثل الأساس الوطيد للأنظمة الديمقراطية وعلى النقيض فان الشخص يجد أن الأحزاب السياسية في تركيا وإندونيسيا وماليزيا وباكستان ومصر والكويت تتداخل مع القيم الديمقراطية لدرجة هامة جدا.
ومن المحتمل أن أبو الأعلى المودودي هو أكثر مفكر إسلامي رشيمى ذهب لدرجة أن وضع نظرية أنة منذ أن أصبح الإنسان خليفة لله في أرضة فأن النتائج السياسية القائمة على القدرة الشعبية أصبحت شرعية في المصطلحات والأنظمة الإسلامية القائمة على القدرة الشعبية ولذلك لم تكن متناقضة مع الإسلام.
كما أن حزبه الجماعات الإسلامية اشترك في كل الانتخابات التي عقدت في باكستان وقبل نتائجها بالرغم من قصورها معياريا في مثل هذه الانتخابات. حتى في الجزائر لم تكن الحرب الأهلية التي حدثت في التسعينات نتيجة لرغبات جبهة الإنقاذ الإسلامية المضادة للديمقراطية و لكنها كانت لرفض النظام قبول نتيجة الانتخابات التي كان من المحتمل أنها ستعطي أغلبية هائلة من المقاعد في المجلس القومي وبالنسبة للعراق فان علماء الشيعة أصبحوا المؤيدين الرئيسين للحكومة الديمقراطية كما أن آية الله علي السيستاني هو الذي أجبر القنصل بول بريمر الأمريكي بعقد انتخابات بالمجلس الدستوري بالتهديد بإعلان أي طريق آخر لعزل الهيئة الصانعة للدستور باعتبارها غير شرعية في المصطلحات الإسلامية.
وقد كان هذا العمل من قبيل الاجتهاد الذي صنع حكومة ديمقراطية تترادف مع الحكومة الإسلامية كما كان هناك أحزاب (الدعوة) و( المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق) إسلامية والتي انشغلت بالمحاولة لعمل تحالف حكومي بالعراق تحالفا يستوجب فتوى من جمهور الناخبين العراقيين.
الخامس كان هناك ادعاء شائع بان العنف متوارث في النشاط السياسي الإسلامي وعلى الرغم من ذلك فإذا ما نظر الشخص إلى السجل على أنه يتضح العنف كان استثنائيا وليس قانون بقدر ما تهتم به الأنشطة الإسلامية. يقر بالعنف عادة ما يسمى الإسلام بواسطة الجماعات المتطرفة مثل جماعة الجهاد الإسلامية المصرية والجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر وطائفة من الجماعات الإسلامية في إندونيسيا التي تنفصل عن الاتجاه للتشكيلات الإسلامية لأنهم يعتبرون أن هذه الطائفة معرضة للشبهة أيضا. وقد لجئت مجموعات متطرفة مشابهة في باكستان وأي مكان آخر إلى العنف ليس لأن العنف ليس له ميراث في الإسلام السياسي ولكن لأنهم يستنتجوا أنهم لن يتمكنوا من الوصول إلى السلطة من خلال وسائل دستوري ويدعون أيضا أن الأحزاب الدستورية ذات اتجاه سائد معتدل خانت أو توصلت إلى تسوية مع الأنظمة الموجودة.
يعد نشاط العنف عادة علامة للإحباط وليس لإستراتيجية خالية من التفكير السليم للوصول إلى السلطة فهي منتج معاكس ويؤدي عادة إلى إهلاك القسم الأعظم من الجماعات العنيفة إما بقمع النظام أو اشمئزاز شعبي أو كلاهما .
بالإضافة للجماعات القديمة المتطرفة فهناك المنظمات الانتقالية مثل القاعدة التي تتبنى العنف كأداة أساسية من أجل استهداف العدو البعيد وهى الولايات المتحدة وحلفائها، بعد فشلها في التغلب علي العدو القريب وهو الأنظمة الداخلية وهذه هي الجماعات المتطرفة أيضا بمعنى أنه في الوقت الذي يرتكبون فيه أعمال إرهاب درامية فإن تأثيرهم قليل علي دور تنمية المجتمعات الإسلامية لأنهم يعملون بعيدا عن إطار عمل نظام الدولة التي ذوت الإسلاميون قيمها بواسطة القادة والتابعين على السواء. وبالنسبة للعالم الإسلامي فهي تسلية تجذب الانتباه بعيدا عن المشاكل الأساسية التي تواجه الدول
الإسلامية التي تحاول أحزابها ذات الاتجاه السائد بالمخاطبة في طريقهم داخل المقيدات الدستورية التي ابتكرتها أنظمة ليس متعاطفة بصفة خاصة مع القضية الإسلامية.
وفي النهاية إن هذه التشكيلات السياسية الإسلامية التي تؤيد عالم أحزاب سياسية غير عنيف وعالم حركات عنيف لمقاومة الاحتلال الأجنبي.
وحزب الله في لبنان وحماس في فلسطين المحتلة هي أمثلة لمثل هذه الجماعات غير أن هذه حالات خاصة بدأت حياتها السياسية كحركات مقاومة ثم تحولت بعد ذلك لأحزاب سياسية.
وعلى الرغم من أن حزب الله رفض بشدة أن يسلم أسلحته إلا انه يعمل الآن أساساً كحزب سياسي في لبنان يدخل في اتفاقات انتخابية مع فصائل مارونية لدعم مرشحيهم، كما أن له وزيرين في مجلس الوزراء التي يرئسه عضو من حزب الحريري وأعلن متحدثيه الرسميين بأنه يقبل الآن الطبيعة المتعددة الطوائف للحزب اللبناني ولأغراضه عملية أجل أجندتي في إيجاد دوله إسلامية في المستقبل البعيد وهذا أيضا بالإقناع وليس بالعنف .
ولقد كان تحول حماس إلى حزب سياسي أمر صعب جدا لأن الاحتلال الإسرائيلي يزود أطار العمل ويحدد أساسا كل نشاط سياسي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ومع ذلك فقد اجتازت حماس هذا الانتقال الكبير، وفى عام 1996 رفضت حماس المشاركة في الانتخابات التنفيذية لأنها هذا سيكون تصديق منها على عملية أوسلو التي رفضتها حماس وسيقلل من دورها كحركة مقاومة.
وفي عام 2006 لم تشارك حماس فقط في الانتخابات بل ظهرت كحزب أغلبية في المجلس القومي الفلسطيني. وقد أصدر قرار قادة حماس بياناً عقب الانتخابات يقترحون فيها معاهدة مع إسرائيل طويلة المدى الشرط أن تنسحب لحدود ما قبل 1967 وتضمن أنهم في نفس الوقت سيقبلون الحل بوجود دولتين داخل حدود 1967 والأكثر من ذلك حداثة أنهم كانوا علي مقربة من قبول تسوية مع فتح والتي بمضمونها قبول حل بوجود دولتين ولسوء الحظ خرجت هذه العملية عن مسارها الصحيح عن طريق سلسة من ردود الأفعال العنيفة بدأها جناح عسكرية لحماس لاستيائه من القيادات التي تعمل على زيادة الفلسفة الذرائعية والاعتدال ورد الفعل العسكري الإسرائيلي غير المتكافئ والمتزايد والذي أدى إلى زيادة التطرف في المجتمع الفلسطيني.
والخلاف بين فتح وحماس هو انه بخلاف فتح فأن حماس غير مستعدة للاعتراف بإسرائيل والتنازل عن حقها في مقاومة الاحتلال حتى الوصول آلي تسوية نهائية ووجود اعتراف متبادل وفوري بالدولتين الفلسطينية والإسرائيلية.
ولسوء الحظ فبدلا من إعطاء حماس ائتمانا لهذا التحول أصرت الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل على عزل حماس ومعاقبة الناخبين الفلسطينيون على انتخابهم حماس للوصول إلى السلطة.
ومن المحتمل أن يجبر هذا حماس على العودة بمفردها نهائيا إلى المقاومة المؤدية إلى انهيار نهائي للسلطة الفلسطينية والعودة إلى إطار عمل ما قبل أوسلو من التصارع بإزالة الحاجز بين المحتل والمحتل. وعل الرغم من ذلك فان حماس وحزب الله يعدان فريدان لان بيئتهم فريدة.
وبما أن لبنان أطبعت وحزب الله أطبع فإنه في الوقت نفسه الذي أصبحت فيه فلسطين دولة فمن المحتمل أن يصبح حزب الله حزبا سياسيا طبيعيا.
وعلي الرغم من ذلك فهناك سؤال يحتاج إلي إجابة وهو: هل ستستمر الأحزاب والحركات الإسلامية في الازدهار أن ومتى تجتاز الدول الإسلامية وخاصة في الشرق الأوسط التحول الديمقراطي؟
فالإسلام السياسي أيدلوجية معارضة ومؤثرة ولكن بالمرة يحقق الإسلاميون السلطة السياسية أو المساهمة فيها ففصاحتهم لن تدم طويلا كبديل لسياسات متماسكة كما أن أقدام الإسلاميين أصبحت أيضا على مقربة من النار السياسية.
فماليزيا وإندونيسيا وتركيا كلها أمثلة لمثل هذه الظاهرة على المستويين المحلى والقومي فكلها ديمقراطية من نوع واحد أو آخر، والشخص قد يدعى أن الديمقراطية ربما تكون ترياقا نموذجيا لاستئناف التأسلم والخطاب المرافق له. فاكتساب السلطة والمحافظة عليها يستوجب تسويات وتسبب فلسفة ذرائعية:
والحقيقة أن (حزب العدالة والتنمية) لم يسمى نفسه طويلا كحزب أسلامي بل جددت نفسها كحزب ديمقراطي مقاوم للتغير .
ربما لا تحزوا جماعه الأخوان المسلمين في مصر هذا الحزو غير أنها لو وصلت إلى السلطة أو المشاركة فيها من خلال طرق ديمقراطية فسوف تعمل على التسوية فضلا عما كانت تعمله قبل ذلك للمحافظة على تحالف الحكم، وحى بالضرورة على مؤيديها ذوى الالتزام العقائدي كما أن بعض من جماعة الأخوان المسلمين الملتزمين سياسياً انفصلوا من أجل تشكيل ( حزب وسط إسلامي ) استنكر في الحقبة الكلاسيكية لقلة التبصير السياسية – الوضع القانوني لنظام مبارك.
ويشارك النظام وجماعة الإخوان المسلمين موضوع منع الوسط من الدخول القانوني للشجار السياسي حيث أنه من المحتمل أن يتحدى النظام بالإضافة إلى الدور المهيمن لجماعة الأخوان المسلمين داخل تشكيلات المعارضة.
ومتى أصبحت مصر دولة منفتحة فمن المحتمل أن يقدم حزب الوسط عدد من الأصوات كخصوم في السباق الانتخابي ضد الإخوان وهو الأسلوب الذي انتهجه حزب العدالة والتنمية من حزبا أربكان والذي حصل على 2.5% من الأصوات في الانتخابات نوفمبر 2002 في تركيا في مقابل 35% لحزب العدالة والتنمية من المحتمل أن حزب الوسط ربما يكون قادرا على فعل ذلك ولكن بالتأكيد سيمزق الحركة الإسلامية ذات الاتجاه السائد من خلال وسائل انتخابية وتقديم بديل إسلامي للتيار الإسلامي المعتدل للإخوان المسلمين.
وهذه هي الحالة في كل مكان في العالم الإسلامي إضافة إلى ما شجع عليه الانفتاح السياسي من ظهور ميول إسلامية متعددة فإندونيسيا وباكستان هما نموذجان رئيسيان لهذه الظاهرة ففي إندونيسيا نجد أن الانقسام بين المحمدية المعتدلة ونهضة الأمة التقليدية كان ترسيخا للحياة السياسية وظهر الآن في عدد من الأحزاب ذات الميول الإسلامية وبعضها داخل الحكومة الحالية وبعضها معارضا لها.
وفى باكستان نجد أن الأحزاب التي تعتمد على العلماء مثل جماعه الأمة الإسلامية وجماعة الأمة الباكستانية فالجماعة الأولى أيدت التفسير الدقيق للفقه الحنفي أكثر من الثانية وقد نافست هذه الجماعات ليس فقط بعضها البعض ولكن أيضا الجماعات الإسلامية.
وبالتالي فإن تقسيم الأصوات وتوضيح أن الإسلام السياسي ليس منوليس وفى العراق نجد أن الأحزاب الإسلامية الشيعية الرئيسية الثلاثة الدعوة والسيرى والصدرية تتنافس مع بعضها البعض مما يؤدى إلى انقسام الصوت الإسلامي الشيعي ودعم نفوذا أكبر للعرب السن والأكراد ، السنة للسيطرة على الدور المستقبلي لتنمية الدولة وقد أوجدت الديمقراطية السياسية فجوة سياسية للأحزاب الإسلامية بالمعنى الجامع الدقيق للمصطلح وتقسيم القاعدة الإسلامية داخل الحكومات وإعادة تشكيل التشكيلات السياسية الإسلامية للسيطرة عليها وبالتالي الحيادية بإمكانية وصول الكتلة الإسلامية المنوليسية إلى مكان السلطة.
توضح الديمقراطية حقيقية الأوجه المتعددة للإسلام السياسي داخل كل دولة إسلامية بمفردها بالإضافة إلى توضيح أن التشكيلات السياسية الإسلامية التي تعمل داخل بيئات قومية مختلفة كلها من واحدة لأخرى لأنهم يستجيبون لطلبات واحتياجات اجتماعية مختلفة وفى النهاية أن مفهوم الإسلام السياسي جاء بأشكال ومقاييس متنوعة ويمكن ملاحظة هذه الاختلافات ليس فقط بين الدول ولكن داخل الدول أيضا كما أن هناك عوامل مؤكده موروثة في الإسلام مثل استخدام الكلمة التي يظهر صداها مع الطبقات التي من المحتمل أن تكون مسئولة إلى حد ما عن شعبيتها ومع ذلك فهناك عوامل هامة خارجية النمو للظاهرة الإسلامية مثل الفاشستية والطبيعية العميقة للأنظمة التي هي جزء أكبر وفقا لمصداقية وشرعية الإسلام السياسية.
وتحدث ديمقراطية الحكومات الإسلامية مثل الحالات المتعددة التي ظهرت استشراف علمي وتسوية في السياسات الإسلامية كما أنها من الممكن أن تمزق القاعدة الإسلامية كنتيجة للتنافس الانتخابي. وقد جعل هذا الإسلاميين يظهروا كتهديد أقل لنظرائهم العلمانيين وصناع طبيعيين أكثر للعبة السياسية.
ولذلك فأن مستقبل الإسلام السياسي يرتبط صراحة بأكثر من طريقة بمستقبل الديمقراطية في العالم الإسلامي وينطبق هذا مع قوة خاصة للشرق الأوسط الذي يعتبر أقل حركة تجاه التغيير الديمقراطي الحقيقي .
ملاحظات : السفير فرانسزجى ريكسيان دون في المؤتمر السنوي.
مركز الدراسات الإسلامية والديمقراطية بواشنطن 14 مايو 2008
مساء الخير : السيدات والسادة
اسمحوا لي أن أبدا بتأكيد ما وضحه الدمسمودى فأتحدث هذا المساء كسفير سابق للولايات المتحدة بمصر . فأنا الآن في أجازة من وزارة الخارجية الأمريكية قبل اتخاذ منصب جديد وهو عالم ضيف بمعهد السلام بالولايات المتحدة وسوف تعكس هذه الملاحظة كيفية جعل القضايا في المتناول باعتباري دبلوماسي أمريكي في العالم الإسلامي على مدار سنوات متعددة.
غير انه ليس هناك شيء من الضروري أن أؤكد عليه كانعكاس ضروري للسياسات أو الأوضاع الحالية لوزارة الخارجية.
في البداية أود أيضا أن أهنئ مركز الدراسات الإسلامية والديمقراطية لعملة الجيد في مثل هذه المهمة الحيوية والهامة وهى تعليم المسلمين وغير المسلمين والأمريكيين وغير الأمريكيين بشأن بعضهم البعض من خلال تعزيز الاتصالات والتبادل الناجح والمحترم لوجهات النظر والأفكار والاستعلام المركز على هذه المجموعة النقدية من القضايا في زماننا.
فلقد استفدت على مدار أعوام من قراءة منشوراتكم. ومن الاجتماع مع العديد من أعضائكم. حقيقة لقد نويت على المشاركة في مؤتمر اليوم فقط كمستمع واشكر الدكاترة مسمودى وافسارودين وسوليفان لدعوتهم الطيبة أيضا لي لتحدث مع هذا الحضور المتميز فأود أن أركز على ثلاث نقاط متناسبة لمقام أمسيتنا هذه من مؤتمر اليوم المتميز جدا.
النقطة الأولى إشارة إلى تحذير صدر من الدكتور مسمودى ومتحدثون آخرون على أن صناعة السياسة الأمريكية لا يجب أن يجمعوا من غير تميز كل الإسلاميين في تصنيف الإرهابيين والمتطرفين وأنا أؤكد على أن المسئولين الأميركيين العاملين أو المهتمين بالعمل في العالم الإسلامي لتعقيد ومعدل وجهات النظر بين النشطاء السياسيين الذين يعتبرون الإسلام على أنه مراجعهم الأساسية.
أنا اشعر بالثقة بشان هذه النقطة التي كانت الموضوع الأساسي لمؤتمر لمركز دراسة الإسلام والديمقراطية اليوم أشعر بالثقة في تشخيص طريقة فهم الحكومة الأمريكية وشعبها في المجال فنحن نفعل ما هو متميز وندرس ما قال نشطاء ومسئولين وسياسيين وعلماء كلهم مطيعون للقانون ولديهم معدل كبير من وجهات النظر.
فنحن حقيقة نعمل بإنصات ونشار في مؤتمرات المنظمات غير الحكومية والأكاديمية مثل مركز دراسة الإسلام و الديمقراطية ونقرأ مقالاتهم ومواقعهم باهتمام بالغ.
الثانية يجب أن نأخذ باحترام هذه القضية مع التأكيد على ما قاله المتحدثون المتعددون على أن الحكومة الأمريكية تراجعت نوعا ما عن تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان وأكد لكم أيضا على هذه النقطة وهى أن الديمقراطية وحقوق الإنسان تظل هي المواضيع الرئيسية للمناقشة بين مصر والولايات المتحدة .
وقد كان هذا هو الصحيح منذ وصولي إلى مصر منذ ثلاث سنوات تقريبا وأتضح أيضا مع آخر محادثات في الشهر الماضي مسئولون مصريين بارزين ونشطاء غير مسئولين وقادة الرأي وقد أثار كل من وزير الخارجية والرئيس هذه القضايا الثلاث على كل واحد أثناء زيارتهم لمصر.
وفضلا عن ذلك فنؤكد أو نحذر أصدقائنا المصريين عموما وخصوصا على أن الإدارة الأمريكية القادمة سواء أكانت ديمقراطية أو جمهورية سوف تستمر بلا شك بالعمل على أولوية السياسة الخارجية الأمريكية على الأقل منذ إدارة كارتر عندما التحقت بالخارجية .
ومع ذلك فسوف تستمر الولايات المتحدة في دعمها المالي الرئيسي لبرامج الإصلاح سواء التي تقوم بها الحكومة المصرية أو الهيئات الخاصة التي تعمل بطريقة قانونية في مصر شارك في مؤتمر اليوم زيك هولد الذي مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في مجموعة العمل الحكومي والديمقراطي مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في مجموعة العمل الحكومي والديمقراطي بسفارتنا في القاهرة حتى العام الماضي والمترئس الآن لمكتب القاعدة القانونية الأمريكية بواشنطن فأنا مسرور جدا برؤية ممثلي دار الحرية يشاركون في مؤتمر اليوم.
ولو لم أكن مخطأً فأن المنظمة الأمريكية المتميزة هي من بين المستفيدين من التمويل الرئيسي للولايات المتحدة لدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر فلو كان هناك شيء يتغير في المنظمة في السنوات القليلة الماضية فليس هو سياستنا أو أهدافنا فلو كنا عدلنا طريقة فهمنا لعالمنا المتغير بطريقة آنية لكان هذا يعتمد على أفضل حكم لنا الطريقة الأفضل لتطوير أهدافنا التي نشارك فيها مع المصريين تحت ظروف معيين عموما نجد أن الطريقة الأكثر تأثيرا مهما كان ممكنا هو دعم وتشجيع ومساعدة الشعب وخصوصا ه تطوير الأهداف التي وضعوها فمن الواجب علينا دائما هو أن نؤيد مبادئنا وأحيانا يجب علينا أن نعبر بوضوح عن رأينا من غير تردد أو خوف من النقد من أجل مبادئنا.
وعبرنا بوضوح من غير تردد أو خوف من النقد من اجل مبادئنا وعبرنا بوضوح من غير تردد لكل سؤال ، وعلى سبيل المثال استخدام المحاكم العسكرية لإلغاء أحكام المحاكم المدنية في القضايا السياسية أو لنقد المحاولات الرسمية لتقيد التعبير الحر لوجهات لنظر سياسية أو المشاركة في العمليات الانتخابية .
صحيح أننا لا نتفق مع بعض النشطاء الديمقراطيين المصريين الذين نحترمهم جدا لشجاعتهم وحكمتهم بما فيهم الدكتور إبراهيم والدكتور حسن بالإضافة إلى عدد من الخبراء وأعضاء معيين من الكونجرس بشأن السؤال عن أفضل طريقة لدعم تطوير الديمقراطية والحقوق البشرية في مصر.
وفى هذا المجال نعمل في بيئة تنذر فيها الإجابات السهلة البسيطة النادرة داخل علاقة معقدة. فالشعوب العقلانية وذوى المعرفة حتى الخبراء أحياننا يقومون بأشياء غير متفقة كما يقوم به المصريين المسئولين أنفسهم.
فعلى سبيل المثال أثناء فترة عملي بمصر رفضت الإدارة الأمريكية النضال بأن قطع المعونة الاقتصادية والعسكرية عن مصر أو فرض شروط سياسية على مثل هذه المساعدة من شأنه يؤدى إلى نتائج مرغوب فيها. فمن خبراته السابقة باعتبار أن هذه الدولة وهذا الشعب فخور وعتيق فإنه المصريين يتصرفون غالبا ويرفضون ما يفهمونه على أنه محاولات أجنبية لاستغلال المساعدة الاقتصادية أو العسكرية ككروت سياسية للضغط عليهم للعمل وفقا لقواعد خارجية فضلا عن خططهم وعادتهم حتى عندما يصرحون بالمشاركة في نفس الأهداف .
عموما وجدت أن معظم المصريين سواء أكانوا مسئولون بارزين أو مواطنون عاديون يرحبون بدعمنا وتعاونا في تطوير قضية الإصلاح الاقتصادي والسياسي شريطة أن تستغل باحترام وباعتناق فأنا أتنمى وأتوقع أن تستمر الإدارة الأمريكية القادمة في ذلك أيضا.
في النهاية طلب الدكتور مسمودى أن أصف سياستنا أثناء فترة عملي بشان التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين. وباختصار فنحن متماسكون مع ممارستنا الدبلوماسية في جميع أنحاء العالم.
فالدبلوماسيون الأمريكيون في جميع أنحاء العالم يلتقون طبيعيا مع أي عضو من أي برلمان دولة مضيفة يرغب في التكلم معانا بما فيهم أعضاء المعارضة الذي لا نتفق معهم بشده.
وكان هذا دائما هو طريقة فهمنا في مصر بعيدا عن خبرتي كموظف دبلوماسي في مصر في فترة الثمانينات ولكنها في فترة الخمسينات فعلا وفقا للتراسل الدبلوماسي في هذا الوقت الذي صدر بموجب قانون حرية الإعلام.
بغض النظر عن الوقت الحالي فأن في فترة الثمانينات اعتاد موظفونا السياسيون على زيارة المقرات الرئيسية لجماعه الإخوان المسلمين بوسط القاهرة فعلى سيبل المثال فأنا شخصيا كمساعد وزير في ذلك الوقت التقيت مع المرشد العام السيد تلميزنى لو نطقته صحيحا وكبار المرشدين بما فيهم مأمون الهضيبى وأعتقد أنه جد أحد المشتركين الشباب المتحدثين اليوم في مؤتمر مركز دراسات الإسلام والديمقراطية اليوم.
يوضح أن مثل هذه الاتصالات سواء أكانت مع الحزب الحاكم أو المعارضة يجب أن تكون مخطئة لموافقة الولايات المتحدة سياسات الشعب الذي نقابله.
ومع ذلك فالنسبة لأغراضهم الخاصة فأن الشعب يحاول عادة على جانب آخر من القضية على تصوير مجردا اتصال يقوم به دبلوماسي أمريكي مع أي شكل سياسي على أنه إشارة غير واضحة لتدخل أمريكي رسمي في الشرعية إذا لم تكن موافقة غير صريحة فهذه لعبة قديمة ذات أهداف معينة.
بالنسبة لحالة الإخوان المسلمين فأنه خلال سنوات لم تخفى أسألتنا وشكوكنا بوجود أهداف غير محددة وكذلك رفضنا التام لبعض أهداف سياستهم المعلنة.
ومع ذلك فقد كانا دائما على مقربة من كل المواطنين المصريين المطيعين للقانون خاصة أعضاء البرلمان المنتخبون والمعينون مع كل الاحترام الذي نكنه لمواطني الدولة صديقة ومسئولة وبغض النظر عن انتساباتهم السياسية أو عدم اتفاق سياستنا معهم.
ونشكركم على اهتمامكم ولمنظمي مؤتمر مركز دراسة الإسلام والشرق الأوسط ولحسن ضيافتهم الواسعة.
شبكة الإعلام الإسلامي الأوروبي
تعد إندونيسيا أكبر دولة إسلامية في العالم. وفي العام 2004 كان أكثر من 200 مليون شخص أو ما يعدل 88% من السكان الإندونيسيين من المسلمين الملتزمين، ولهذا السبب فإن إندونيسيا عادة ما تكون مسيطرة علي المسلمين في أسيا وفي جميع أنحاء العالم. والأكثر من ذلك أن هذه الدولة تقع في منطقة جنوب شرق أسيا والتي أصبحت قطبا اقتصاديا وسياسيا أساسيا في القرن الحادي والعشرين.
ويقول بعض المؤرخون أن اعتدال شكل الإسلام في إندونيسيا يعكس الطريقة التي قدم بها التجار العرب الإسلام لهم في بداية القرن الرابع عشر الميلادي. ثم قامت الثقافة الساحلية بدمج بعض مفاهيم مثل المساواة والعمل والتي أثرت علي الأيديولوجية وممارسة الإسلام. وإضافة إلى ذلك، فإن الإسلام في إندونيسيا قد سيطر عليه من قبل الصوفية التي تؤكد على العنصر الروحي بدلا من العناصر القانونية للإيمان.
وقد جعلت الأفكار التي وصلت إلى إندونيسيا من الشرق الأوسط في القرن التاسع عشر من الإسلام في إندونيسيا أكثر شمولية وتعددية في طبيعتها وهي الفكرة التي تبناها الإصلاحي المصري محمد عبده.
وفي مصر حصلت أفكار محمد عبده التقدمية على دعم كبير من قبل جماعة صغيرة جدا من الإصلاحيين. وفي إندونيسيا فإن رؤيته للمعاصرة الإسلامية قد أوجدت أكبر منظمة إسلامية في البلاد وهي المنظمة المحمدية القوية المؤلفة من 30 مليون شخص والتي ترى هي ومنافستها الكبرى جمعية نهضة العلماء التي تتشكل من 20 مليون كجماعتين رئيسيتين يمثلان قطاعا عاما للإسلام في إندونيسيا.
وليس جديدا على الإطلاق أن تكون هناك في إندونيسيا مناقشات حول تطبيق الشريعة الإسلامية. ففي مايو 1945، عندما احتلت القوات اليابانية إندونيسيا بدأت لجنة التحضير للاستقلال الإندونيسي التي كان أعضاؤها من القوميين والمتدينين في مناقشة وثيقة عرفت بميثاق جاكرتا.
وقد نشرت هذه الوثيقة في 18 أغسطس 1945 واشتملت على المبادئ الخمسة للتعايش السلمي. وقد اشتملت هذه الوثيقة علي خمسة مبادئ متلازمة ومتماسكة وهي: الإيمان بالله وحده والإنسانية العادلة والمتحضرة ووحدة إندونيسيا الديمقراطية التي تقودها قيادة حكيمة وتعتمد على المشاورة والتمثيل والعدل الاجتماعي لكل الشعب الإندونيسي.
وفي النسخة الأصلية للوثيقة كُتِب المبدأ الأول كما يلي: "الإيمان بالله وحده، بالتزام المسلمين بتطبيق الشريعة الإسلامية." ومع ذلك فقد حذفت هذه الكلمات السبع من قبل الرئيس أحمد سوكارنو وعدد من القادة القوميين الآخرين الذين أرادوا تعزيز القومية العلمانية كأساس لدولة جديدة.
وبالرغم من كل هذا واصلت المنظمات الإسلام مطالباتها بأن يكون الإسلام هو أساس الدستور في إندونيسيا. وبالرغم من القوميين فإن الحزب الاشتراكي المنتشر وغير الإسلاميين عارضوا هذا الأمر.
وفي العام 1965 قاد الجنرال سوهارتو انقلابا عسكريا ضد سوكارنو وحاز السلطة، وقد دعم الرؤية العلمانية بشكل قوي. وفي السبعينيات قام بإعادة بعض المثقفين الإسلاميين مثل نورچوليش مجيد الذي كان مؤيدا "للتحديث والتسامح والتعددية."وفي العام 1972 قام مجيد بإطلاق أهم ملاحظاته وهي، "نعم للإسلام؛ ولا للأحزاب الإسلامية." أراد سوهارتو أن تكون الجماعات الإسلامية مقيدة بالنشاطات الدينية فقط.
وقد عزز المبادئ الخمسة كفلسفة رسمية للدولة. وبالفعل أصبحت هذه المبادئ هي الأساس الوحيد ليس فقط للأحزاب السياسية ولكن لتنظيم المجتمع أيضا، ومن بين ذلك الجماعات الإسلامية. وعندما عارضت هذه المنظمات هذه المبادئ بشكل عام قام سوهارتو بقمعهم من خلال توظيف الجيش، فقتل الألوف واعتقل بعض قادة هذه المنظمات ووضعهم في السجن.
وفي أواخر الثمانينيات غير سوهارتو سياسته السابقة تجاه الإسلام حيث قامت الحكومة بإصدار قانون الأسرة الإسلامية في العام 1989 وإنشاء جمعية الثقافة الإسلامية الإندونيسية في 1990 ورفع الحظر عن دخول المحجبات إلى المدارس عام 1991 وتأسيس البنك الإسلامي عام 1992 وتحريم مسألة اليانصيب التي تقوم بها الدولة. وقد جعلت هذه الإجراءات الإندونيسيين المسلمين يشعرون بأنهم يعيشون في ظل الشريعة الإسلامية بدون أن تصبح إندونيسيا دولة إسلامية.
وقامت الدولة كذلك بإنشاء شبكة عريضة من المؤسسات التعليمية لدعم الدولة. وقد كان الهدف هو خلق جماعة كبيرة من الباحثين الإسلاميين المتعاونين مع النظام ودعم أفكارهم حول العلمانية والمبادئ الخمسة. ويمكن رؤية نتائج هذه الجهود في يومنا هذا، فهناك 27 فرعا للجامعات الإسلامية التابعة للدولة والتي تتضمن التعليم الإسلامي والعام.
كما أن هناك حوالي مائة مؤسسة للدراسات الإسلامية أيضا لؤلئك الطلاب الذين يريدون التركيز على الدراسات الإسلامية فقط. والطلاب الإندونيسيين والباحثين يسعون الآن للتواصل بطرق جديدة لفهم الإسلام وربطه بإندونيسيا.
ولمدة عقدين مضيا تزايدت أعداد الطلاب الذين انسحبوا للدراسة في الغرب، وهؤلاء الطلاب الآن يظهرون مزودين بإسلام أكثر تكيفا مع التغيرات الاجتماعية ومنسجم مع الإنجازات الإنسانية الحديثة ومن بينها الديمقراطية وحقوق الإنسان ومجتمعات مدنية نابضة بالحياة.
وبسقوط نظام سوهارتو في 1998 وبإحياء الديمقراطية بدأت الأشياء تتغير، حيث فقدت المبادئ الخمسة مكانتها الرفيعة السابقة. ويمكننا أن نري هذا في إلغاء بعض القوانين والدراسات الأخلاقية للمبادئ الخمسة في مدارس البلاد ومدارس الثانوي. ومنذ هذا الوقت بدأت المنظمات والأحزاب الإسلامية في جعل الإسلام كأساس ومطلب وحيد لتطبيق الشريعة الإسلامية.
ومنذ ثلاث سنوات صوت المشرعون الإندونيسيون على رفض إقحام أحكام الشريعة في دستور البلاد، ومع ذلك فقد قال أزيمردى عزرا مدير شئون الخريجين في جامعة شريف هداية الله الإسلامية التابعة للدولة والذي قام بدراسة المواقف العامة حول التساؤل، إن الإندونيسيين كافة يدعمون الشريعة الإسلامية.
ومن خلال النظرة العامة التي تمت عام 2001 من قبل المؤسسة الأسيوية بالولايات المتحدة ورجال الدين والمحاكم الدينية فقد تم إحراز أكثر من المحاكم السياسية والمدنية في أداء الوظيفة والإخلاص.
وبالفعل فإن الشريعة الإسلامية في إندونيسيا تغطي العبادات الإسلامية وعدد من القضايا الاجتماعية وهي شبكة عمل لثلاثمائة وثلاثين محكمة دينية في البلاد تحكم في قضايا الزواج والميراث وبعض النزاعات الداخلية. وفي ظل قانون الزواج لعام 1974 يقوم الزوجان بتسوية خلافاتهما في المحاكم الدينية والتي تحكم في الخلافات الزوجية ومن بينها الوصاية على الأطفال.
وقد أصبحت إندونيسيا واحدة من البلدان الرائدة في تعزيز البنوك الإسلامية، وفي الثمانينيات لفت القادة المسلمون الانتباه إلى مشكلة الفقر وتزايد الجور وعدم الإنصاف، وقد أصروا على أن التعاليم الإسلامية الأخلاقية والسلوكية تقوم بحل هذه المشكلات. وبعد الأزمة الأسيوية في عام 1997 أصبحت هذه المفاهيم أقوى في إندونيسيا بسبب المشكلات الاقتصادية المثيرة للبلاد بعد فترة سوهارتو. كما أن السمة الرئيسية من سمات البنوك الإسلامية هي تحريم الفائدة (الربا) على الحسابات والقروض في سبيل منع المراباة والاستغلال الاقتصادي.
وقد كان أول بنك إسلامي في البلاد هو بنك المعاملات الإندونيسي والذي تأسس عام 1991. كما أن هناك قانون جديد حول التعاملات البنكية الإسلامية التي طبقت في العام 2000 وقد كان هناك بالفعل ثمانية مؤسسات إسلامية مالية في البلاد. وهناك قانون آخر عام 1999 رفع الزكاة لمرتبة أداة للتنمية الوطنية. كما قامت الجامعات العامة والخاصة والجامعات الإسلامية بإعطاء دورات حول الاقتصاد الإسلامي والتمويلات والتأمين.
وقد اختلف كل من نهضة العلماء والمحمدية حول الاقتصاديات الإسلامية وخاصة حول قضية الربا: فنهضة العلماء لا تعارض الفائدة وتقول بأن المتعاملين يمكنهم أن يقرروا لأنفسهم، بينما تعتبر المحمدية الفائدة أمر غير شرعي أصلا. وبالتالي فقد شجعت المحمدية وسهلت إنشاء المؤسسات المالية والاقتصادية. وفي آتشيه (دار السلام أو آجيه) وهي بلد تمثل نسبة المسلمين فيها 99% وهناك خمسة بنوك إسلامية وأكثر من 70 جمعية تعاونية إسلامية وعدد كبير من المؤسسات المالية الإسلامية.
وخلال الثلاث سنوات الماضية قامت بعض حكومات المنطقة بتمرير ما لا يقل عن خمسة وأربعين قرارا على أساس الشريعة في خمسة وعشرين منطقة في إندونيسيا وهو الأمر الذي يستطيعون القيام به في ظل قانون الحكم الذاتي المنشر في البلاد. وهذه القرارات من بين العديد من القضايا تناقش التعاملات البنكية الإسلامية وإدارة الزكاة وتحريم الخمور والكحوليات وما شابه من مشروبات إلى جانب تحريم المقامرة والبغاء.
أما المكان الذي تطبق فيه الشريعة فهي مدينة تانجيرانج والتي تضم 1.5 مليون من السكان وتستقر بالقرب من العاصمة جاكرتا. وتقول ديوي جوستينيانا مراسل في مدينة تانجيرانج لجريدة سوارا پمباروان اليومية إن هذه المدينة عانت من أزمة اقتصادية صعبة في التسعينيات وارتفاع نسبة الجريمة وبيوت الدعارة والمخدرات إلى جانب إدمان الكحوليات التي تنتشر في القرى المحيطة.
وتقول أيضا، "سأل الناس الحكومة أن يفعلوا شيئا ما وقد كان هناك ضغط من الجماعات التي تحاول أن تطرح القيم الإسلامية." وتم تبني القرارات في العام 2005 وتطبيق الوحشية على قوة الشرطة الحلية المدنية لحوالي 200 من الضباط.
ومن هذا الوقت كان العمل راسخا. وفي مايو داهمت الشرطة عشرة أماكن لبيع الخمور واعتقلت عاهرة في حجرة فندق واعتقلت أخرى في الشارع. والأكثر من ذلك في كانت هناك مشروعات استكشافية في إثني عشرة قرية في بولوكومبا في مقاطعة سولاوسي جنوب حيث من المفترض أن تكون متفقة مع الشريعة الإسلامية.
وقد قوى تطبيق الشريعة على المستوي الإقليمي والريفي من سيطرة العلماء أو علماء الدين الذين كان لهم دور كبير وخاصة في آتشيه حيث عملوا لإيجاد حل سلمي لحرب الانفصال. وصرح ريزال سوكما، خبير سياسي وعضو في المحمدية ومن مواليد آتشيه، أن العلماء قد استعادوا بعضا من سيطرتهم التي كانوا يتمتعون بها قبل نظام سوهارتو.
وقد تبني حزب الاتحاد والتنمية الإسلامية وحزب العدالة والتنمية وهي رابع أو خامس أكبر أحزاب على التوالي. وأخبر لقمان الحكيم من حزب الاتحاد والتنمية الإسلامية إسلام أون لاين قائلا، "إن القرارات ضرورية في الحرب على البغاء والمقامرة وهو الأمر الذي لا يقدر القانون العادي أن يفعله."
وقد أكد على أن القانون التقليدي الحالي لا يبدو فعالا في منع الفسوق والجرائم. وأكدت وزارة الشئون الدينية مرة أخرى أن الحكومة سوف تظل ملتزمة بترك المناطق المطبقة للشريعة الإسلامية ما دامت لا تعارض الدستور. وأضافت الوزارة أن تطبيق الشريعة على المستوي الإقليمي والريفي يمكنه بالفعل أن يقوي من وضع القانون القائم.
ويعتقد تودنج موليا لوبيز خبير السياسات الإندونيسي أن الرئيس سوسيلو بامبانج ليس لديه خيار غير دعم تطبيق الشريعة التي يدعمها حزب العدالة والتنمية. وقد قام حزب العدالة والتنمية بدعم بامبانج عندما تقدم للرئاسة في العام 2004 وقام بالوقوف إلى جانب سياسة الحكومة في البرلمان.
وبالرغم من أن الشريعة الإسلامية قائمة على تعاليم القرآن، فإنها تخضع إلى التفسير. وهناك بعض اتجاهات المعارضة بهذا الصدد. هناك بعض القضاة المسلمين الذين حاولوا تحديث القانون بالأحكام الجديدة.
ولقد أصدر علماء نهضة العلماء فتوى مؤخرا قاموا من خلالها بتحريم أن يدعو المسلمون على أولئك الذين سرقوا أموال الدولة. وقد كانت بعض الأحكام القضائية في قضايا الميراث بعد أحداث تسونامي في آتشيه قد أظهرت أن محاكم الشريعة كانت تمنح للأرامل حقوقا أكثر مما تعطي المحاكم الأخرى.
وعلى أي حال فقد حكم قضاة آخرون بأن الأبناء يجب أن يحصلوا على نصف البضائع التي تركت كميراث. أما المسلمين التقدميين فقد زعموا بأن هذا النوع من الأحكام في مجتمع لا توجد فيه موازين القرآن يعد ظلما وانتهاكا لروح القرآن الكريم. وقد حذروا أيضا من أن مثل هذا التفسير المحدود لأحكام القرآن يمكنه مع عديد من الأشياء الأخرى أن يضع دور المرأة الفعال في المجتمع الإندونيسي في خطر.
ومنذ انتهاء فترة سوهارتو ظهرت هناك مناقشة عامة حول تساؤلات الجنسين في الإسلام وهو ما طرح من قبل منظمات المرأة. وقد زاد حصول هذه الجماعات على السيطرة السياسية.
وقد كانت تأثيراتهم وإنجازاتهم حتى الآن هي التصديق على وجود قضاة من النساء في محاكم الشريعة وفتح باب معارضة تعدد الأزواج ومحاولات للوصول إلى نسبة 30% من النساء في مناصب الأحزاب السياسية.
ولذلك فقد رفعت هذه التوترات من حدة المواجهة بين هذه التوجهات الليبرالية والتحالف القوي للجماعات المحافظة والمتطرفة. وتدعي الشبكة الليبرالية للإسلام، وهي جماعة صغيرة من المثقفين، أنها تؤمن بالاجتهاد أو تطبيق الأسباب لتفسير النصوص الإسلامية. كما استخدام الاجتهاد قد قاد أعضائه بعيدا عن التفسير الحر للقرآن.
وتشك جمعية المثقفين أن بعض الجماعات المتعصبة تريد إقامة دولة إسلامية وإقامة مثل هذه الدولة يعني أن السلطات يمكنها التدخل في الحياة الخاصة للمواطنين ومعظم المواطنين الإندونيسيين يرون هذا الأمر كريها إليهم.
كما رفضت أفكار جمعية المثقفين من قبل مجلي العلماء الإندونيسي. وفي 29 يوليو أصدر المجلس 11 فتوى تدين "الليبرالية والتعددية." وقد صدرت هذه الفتاوى من قبل 400 عالم إسلامي في البلاد. ويقول نشطاء الجمعية بأن الفتاوى تظهر نموا متزايدا للإسلام المحافظ. ويقول مؤيدو الفتاوى أنهم يريدون حماية الإسلام من تهديد العولمة والأفكار الغربية.
وقال معروف أمين "أن الليبراليين يعتقدون بأن كل شيء مفتوح في التفسير، وهذا يتعارض مع تعاليم الإسلام. فهناك بعض الأشياء وبعض الآيات في القرآن الكريم لا خلاف فيها" وأخبر معرف النيويورك تايمز أن جماعة المثقفين إنما هي جزء من شبكة ليبرالية أكبر تضم العديد من جامعات الدولة الرئيسية. وقد ادعي أيضا أن الليبرالية قد حصلت علي قاعدة في كل من جمعيتي نهضة العلماء والمحمدية.
وعلى النقيض، يعتبر الناشط عبد المقسط الغزالي أن نهضة العلماء والمحمدية تظهر إشارات لتحولات في الاتجاه المحافظ وإشارة إلى تدفق الطلاب الذين تخرجوا من جامعات الشرق الأوسط في الثمانينيات. ويوافق على ذلك غريغ بارتون، مدرس مساعد في جامعة ديكين وعالم في الإسلام الإندونيسي.
ومن جانبه أخبر ازيمردی عزرا إسلام أون لاين قائلا، "هناك مد مرتفع في التيار الإسلامي المحافظ في إندونيسيا. وقد عمل هؤلاء الناس لأكثر من عقد وبدؤوا الآن في جني ثمار عملهم. ومن خلال خبرتي فإن الإسلام الإندونيسي سيظل متسامحا ومعتدلا." وبالطبع فإن التيار المحافظ قد زاد ولكنه الآن قد أصبح أكثر تطرفا.
ومن جانبه قال الرئيس العام للمجلس الاستشاري لحزب التوعية الوطنية، الرئيس الإندونيسي السابق عبد الرحمن وحيد العام الماضي أن حزبه أراد تطبيق الشريعة. ولكن يمكن تطبيق الشريعة بدون تسمية إندونيسيا باسم الدولة الإسلامية. وأخبر وحيد آلافا من أعضاء حزب العدالة والتنمية في منطقة سورابايا شرق جافا في 24 فبراير أنه حتى الآن ما زال يؤدي صلاة الجمعة ويصوم شهر رمضان ليس فقط بسبب القانون.
وأضاف وحيد، وفقا للأصوليين، أن تطبيق الشريعة بدون تسمية الدولة باسم "الدولة الإسلامية" يعد انتهاكا للإسلام. وقال أنهم قد فشلوا في فهم الإجراءات الإدارية. "لا تنتمي بلادنا لفرد واحد وإنما بلادنا للجميع. لهذا السبب فإن نهضة العلماء منذ اجتماعها في Banjarmasin في 1935 قد قالت بأن إنشاء دولة إسلامية ليس أمرا إجباريا" ووفقا له فإن هذا لا يعني أن أعضاء نهضة العلماء لا يفهمون الإسلام.
وقال، "إنهم يعرفون أن المسلمون عليهم أداء مهمتين أولهما تأييد الشريعة والعمل بها. أما بالنسبة لحزب العدالة والتنمية فإنه يجب تطبيق الشريعة، حيث أن الحزب يناضل من أجل الرخاء للناس، والذي يعد مبدأ من مبادئ الشريعة." وقد قدمت نهضة العلماء العديد من المفكرين الإسلاميين وبعض من انضموا إلى حزب العدالة والتنمية وجماعات سياسية أخرى.
وقد عبرت نهضة العلماء عن دعمها للشريعة معتمدة على قرارات تبنتها بعض المقاطعات في البلاد. ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى أن بعض قادة نهضة العلماء نشطاء أيضا في مجلس العلماء الإندونيسي لذلك فإن هناك سيطرة مهمة من مجلي العلماء الإندونيسي على نهضة العلماء في تحديد سياسات المنظمة وموقفها وسلوكها.
وقد فسر تصريح الرئيس من قبل المحللين على أنه تحول مهم في وضع المنظمة حول هذه القضية. وإلى وقت متأخر، ادعت نهضة العلماء أنها لا تهدف إلى فرض الشريعة في البلاد ولكنها تأمل في تبني روحها "من أجل وحدة الإندونيسيين والمصالح المشتركة."
وأخبر هاشم موزادي رئيس جمعية نهضة العلماء إسلام أون لاين في فبراير 2007 قائلا، "لقد أشرنا إلى بناء القيم الإسلامية في القانون العام. فقد تأسست إندونيسيا على أساس الروح الأخلاقية والدينية المشتركة."
وعلى أي حال فإن ظهور الحركات المسلحة – نتيجة لفشل نهضة العلماء والجمعية المحمدية في حصد الدعم وسط الأجيال الشابة – قد قاد هذه المنظمات إلى تغيير بعض أجزاء من مناهجها والتي اعتبرها جزء كبير من عامة المسلمين تقليدية جدا. وفي نفس الوقت قامت نهضة العلماء بالتقرب إلى الجمعية المحمدية وكذلك مع بعض المنظمات الإسلامية الأخرى في سبيل تقوية وحدة المسلمين الإندونيسيين وتعزيز أجندتهم المشتركة.
التجربة المغربية
يتعافي الدين مجددا في المغرب ويتقرب العديد والعديد ومن الشباب المغربي المتعلم بالتقرب إلى القرآن.كما أن مظاهر التقوى الجديدة لا تقتصر على المسجد أو الصلاة في البيت تعد دليلا علي الرؤية العامة.وتقوم الكثير من النساء بارتداء الحجاب وإن كان على الطريقة الموجودة في محال بيع الدار البيضاء.ويمكن لهذا التوجه أن نراه حتى بين المغتربين المغاربة العاملين في دول أوروبا والمقيمين بها.
وعلى خلاف الجمهوريات الثورية الأخرى مثل (الجزائر وتونس ومصر) فإن المغرب بكل بساطة تجعل من الإسلام جزءا من صياغتها التشريعية. فالسلالة العلوية التي حكمت البلاد منذ القرن السابع عشر تدعي نسبا للنبي محمد، فالدستور المغربي يقول بأن الملك هو "أمير المؤمنين"، وهو الأمر الذي يمنحه قوة روحية وسلطة.
وفي النظام السياسي المغربي يعين الملك محمد السادس رئيس الوزراء. ويمثل البرلمان موافقة روتينية لمبادرات الملك ومنتديات المناقشة العامة، إلا أنه يحظر انتقاد الملكية أو سياساتها. أما مجلس علماء الدين الذي أنشأه الملك منذ عام ونصف العام فقد أصدر فتاوى حول أكثر التساؤلات الملحة في القرن الحادي والعشرين وبشكل مثير للدهشة فقد تم استيعابه من قبل كل من الشباب والإسلاميين المتعصبين. فإذا كانت خطة الإصلاح الملكية قد نجحت فإن المغرب من الممكن أن تكون نموذجا للمجتمع المسلم الديمقراطي في العالمين العربي والإسلامي.
كما أن لدي المغرب قوتين إسلاميتين رئيسيتين، الأولى هي حركة العدل والإحسان والتي يرأسها الشيخ الملهم عبد السلام يس والذي سجن في العام 1974 ثم ظل رهن الاعتقال لسنوات عدة في ظل حكم الملك حسن الثاني. وقد قام يس بكتابة أكثر من 20 كتابا تتداول الآن بشكل كبير نظرا لتبني الحرية السياسية التي قام بتعزيزها محمد السادس.
وبالرغم من استمرار حظر الجماعة ومضايقة أعضائها من قبل قوات الأمن أو من خلال الحبس الاحتياطي فإنها ظلت تستمتع بشعبيتها في البلاد.
ويرفض يس أي مفهوم للفصل بين العالم الروحي والدنيوي. وفي الحقيقة فإن واحدا من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى انقطاعه عن الطريقة الصوفية في المغرب في أوائل السبعينيات هو رفض قائد الطريقة الصوفية الدخول إلى الحياة السياسية.
ولقد دافع عن فضائل الفصل بين القوى في أي ديمقراطية إسلامية. ويقول، "إن ديمقراطيتنا،" الشورى ليست ديمقراطية غربية التي "تبدأ بالوثنية وتنتهي بالمجتمعات الحديثة التي تمارس العلمانية والإلحاد وعدم الأخلاق."
وإننا بصدد الرجوع إلى فترة حرجة، حيث حادت السلطة عن الشورى أو السلطة الديمقراطية إلى الاستبداد بالسلطة. وقال معاوية، "كنت آخر الخلفاء وأول الملوك في الإسلام." ولهذين اللفظين أهمية كبيرة وكذلك فإن بينهما اختلاف كبير وفقا لما قالته نادية يس ابنة عبد السلام والمتحدث الرسمي باسم الجماعة.
وعلى أي حال فإن حركة العدل والإحسان لا تعتبر أن العالم الإسلامي يجب أن يكون نسخة من الديمقراطية الغربية العلمانية. وقالت نادية، "وهناك فرق شامل بين السياقات الغربية والإسلامية.
فالإصلاح موجود في أوروبا من خلال مفهوم الثورة ضد الاستبداد وقوة الكنيسة، بينما الإصلاح في الإسلام يعد أمرا فطريا في الشخصية الإسلامية التاريخية كما أنه يستلزم وجود حالة سيكولوجية أخلاقية متأصلة وهي الموجودة بشكل طبيعي في الأفراد تجاه الروحانية العالية ومن أجل مجتمع يتمتع بروح الإنصاف. وفي حالة فقد هذا الطريق فإن معظم الإصلاحيين يرجعون ليضعوا الأمور في نصابها الصحيح إن جاز التعبير."
ويعتقد يس بأنه ليس هناك مجال في الديمقراطية الإسلامية الحقيقية لأي شيء يسير ضد الشريعة. وعلى أي حال فإنه يعتبر أن المناقشة العامة والتعبير الحر عن الرأي وتنوع الصحافة الحرة والدراية بمسئوليتها وتشكيل الوسائل الأساسية التي يجب أن تستعار من الديمقراطية الغربية.
أما المنظمة الإسلامية الأخرى فهي حزب العدالة والتنمية القانوني، سعد الدين العثماني، وهو الآن الحزب السياسي الأكبر في البلاد رغم خسارته في الانتخابات البرلمانية التي عقدت في سبتمبر الماضي أمام حزب الاستقلال وهو الحزب القومي المحافظ.
وقد حصل حزب العدالة والتنمية علي 47 مقعدا في البرلمان وجاء في المرتبة الثانية بعد حزب الاستقلال الذي حصل على 52 مقعدا وفقا للنتائج الرسمية. ويرى الخبراء أن السماح بالانفراجة السياسية للجماعات الإسلامية المعتدلة يعد أمرا ضروريا لمنع الدعم عن الجماعات العنيفة. وقد اندلعت حرب أهلية وحشية في الجزائر عام 1992 عندما قامت الحكومة بشكل مفاجئ بإلغاء الانتخابات التي فاز فيها الحزب الإسلامي جبهة الإنقاذ الإسلامية. وفي المغرب أنكرت الأحزاب الإسلامية بكل وضوح أي نوع من أنواع العنف.
والهدف الأساسي للحزب هو تعزيز الحياة في ظل التقوى في المغرب وبناء حضارة إسلامية حديثة للبلاد. وقال العثماني إن الهدف العام للحزب هو تعزيز الرفاهية والشفافية والمصداقية في الحياة العامة. وقد اتخذ القادة الشباب من الحزب التركي الحاكم ومن الديمقراطيات المسيحية الألمانية نموذجا لهم.
وما زال حزب العدالة والتنمية يتأرجح بين أن يأخذ مكانا في النظام السياسي حيث لم يلوث بعد بصورة النظام في الفساد وعدم القدرة علي تحقيق التغييرات التي يأملها المغاربة. وقد نشط العديد من الأعضاء لمدة أعوام في المنظمات الثقافية والفكرية والتطوعية التي تركز علي مختلف القضايا الاجتماعية مثل محو الأمية وتقديم الخدمات الاجتماعية كما أن أعضاءها من الطبقة الوسطى ويعيشون في المناطق المدنية.
ويطالب البرنامج الانتخابي للحزب بتبني الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للقانون. وحول هذه القضية قال العثماني، "لم نقل أن القانون المغربي لا يتطابق مع الشريعة الإسلامية، فهذه ليست حقيقة والمغرب تعتبر دولة إسلامية يحكمها أمير للمؤمنين وقانونها مشتق من الشريعة الإسلامية.
على الرغم من أن ما طلبناه كان وضع شرط في الدستور للالتزام بالشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع في المغرب. وقد قدم هذا الطلب من قبل الكتلة الديمقراطية والتي تضم حزب الإتحاد الاشتراكي من خلال مذكرته حول الإصلاحات الدستورية التي أتت بالملك حسن الثاني عام 1995.
وقد كانت أجندة الحزب الاقتصادية تهدف لزيادة معدل التنمية الاقتصادية وإنهاء عجز الميزانية وخفض الضرائب. وتهدف أيضا لخفض معدل الفقر إلى النصف من خلال خفض البطالة في المدن إلى 12% وزيادة الدخل المنخفض من معدل 150 دولار تقريبا إلى 250 دولار وإيجاد 300.000 فرصة عمل في السنة وإنشاء بنوك إسلامية وضرائب متغيرة لضمان اقتصاد قوي وتوزيع عادل للثروات."
وقال مصطفي الرميد، قائد لحزب آخر، أن حزب العدالة والتنمية يرغب في تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد ومن أشكال ذلك إقامة البنوك الإسلامية وهي البنوك التي لا توجد في البلاد بسبب العلاقات الوثيقة لبعض المؤسسات المغربية المسيطرة مع البنوك غير الإسلامية.
وقد أعاد قادة حزب العدالة والتنمية مطلبهم بأن تدخل الشريعة في كل مناحي الحياة في البلاد. وقد قالوا بأن الشريعة الإسلامية تتألف من المساواة بين البشر والعدالة والتنمية وإنتاج البضائع والتواصل مع شئون المجتمع. ويقول الرميد بأن العديد من الناس يهينون لفظ "الشريعة" ويذكرون فقط العقوبات الموجودة في بعض نصوص الشريعة لذلك امتنع حزب العدالة والتنمية من ذكرها بوضوح في ميثاق الحزب.
ولكن العديد من جهوده مثل مكافحة الرشوة والفساد تعتمد على الشريعة. والأكثر من ذلك، فبالنسبة للمسلمين، يعد وجود الشريعة كمصدر للتشريع أمرا لا يتعارض مع صياغة الدستور الذي يتيح حرية الخطاب.
وقد أظهر اقتراع من قبل مركز جالوب للدراسات الإسلامية أن الغالبية في جميع الأمم (99% في لبنان و 94% في مصر و 92% في إيران و 91% في المغرب) قالوا أنه لو كان هناك صياغة لدستور لدولة جديدة فإنهم سوف يكفلون حرية الخطاب والتي تعني، "السماح للمواطنين بالتعبير عن آرائهم حول القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية في هذا اليوم." وكذلك كان الدعم قويا في معظم الدول لحرية الدين وحرية التجمع.
ومن أكثر القضايا تحديا للاتجاه الإسلامي (حركة العدل والإحسان وحزب العدالة والتنمية) هي تسوية مطالب من أجل مزيد من حريات المرأة والمحافظة على المفهوم التقليدي للأسرة المسلمة. فكفاح المرأة المسلمة في السياق الحالي إنما هو كفاح من مصادرهم الدينية ضد نظام جردهم من امتيازاتهم التي منحها لهم دينهم وكفلها لهم.
وقد أيد الإسلاميون الإصلاحات في قانون الأسرة الذي بدأ في نهاية العام 2003، وفقا لسمية بن خلدون مشرعة ومهندسة ديكور من خلال أنظمة الكمبيوتر. والشرط الأساسي لهذا الدعم هو أن الإصلاحات يجب أن تحترم الشريعة أو القانون الإسلامي وتحمي استقرار الأسرة.
لذلك، فإن القانون الذي هو تسوية تاريخية يتلاءم مع كل من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والشريعة. فالمرأة على سبيل المثال قد وصلت إلى حقها في طلب الطلاق على أساس مبدأ النقص.
وفي سبيل زيادة الدور الديني للنساء المغربيات قام خمسين منهم ممن يعرفون باسم المرشدات بضم 150 من الشباب لأول مرة في 2007 عندما بدؤوا دراستهم في دار الحديث الحساني، قسم العلوم الدينية في الجامعة في الرباط. وسوف يعمل الرجال على أداء صلاة الجمعة في المساجد، بينما تقوم النساء بأداء الدروس الدينية هناك.
وباختصار فإن العديد من المسلمين المعتدلين في كل من إندونيسيا والمغرب قلقين حيال الفساد والجرائم وأزمة القيم الأخلاقية وهم يرون في الشريعة الإسلامية حلا لجميع مشكلات بلادهم الاقتصادية والاجتماعية.
ويجد إزيمردی عزرا، رئيس جامعة شريف هداية الله الإسلامية في إندونيسيا ومثقف إسلامي قيادي، أن تحول الناس إلى الدين أمرا مدركا عندما يلاحظ أن الدولة تريد أن تبلغ شيئا. ويشير قائلا، "عن الناس يريدون أن يجعلوا من الشريعة ترياقا لمعالجة جميع مشكلات المجتمع."
ولذلك فإن المسلمون يدعمون الديمقراطية ولكنهم لا يجدون في النموذج الغربي الاحتمال الوحيد. وفي الحقيقة فإنهم يعتقدون بأن بعض الديمقراطيات الغربية لا تحترم حرياتهم الدينية.
وعلى سبيل المثال فإنه لا يسمح للفتيات المسلمات بارتداء الحجاب أو غطاء الرأس في المدارس العامة. وفي بايرن حكمت المحكمة بعدم وجود الرموز الإسلامية في المدارس.
كما تم تبرئة من قاموا بعمل الرسومات المسيئة للرسول في حين يوصمون المسلمين بالعنف والإرهاب. فتزايد الخوف من الإسلام في المجتمعات الغربية قد أدى إلى إهمال جماعات كبيرة من المهاجرين المسلمين فالعنصرية التي تجتاح المجتمعات الأوروبية تجعل من الصعب على الشباب المسلم أن يجدوا وظائف ملائمة.
والحقيقة هي أنه إذا أرادت الدول الأوروبية أن تجعل من هؤلاء المهاجرين سفراء لديمقراطية الغرب في العالم الإسلامي، فليس عليها القيام بعمل كبير.
فقد استخدمت أزمة الرسومات المتحركة في العالم الإسلامي من قبل الأنظمة الديكتاتورية وقوى رد الفعل لتشويه سمعة الأفكار الديمقراطية والتي ترتبط بالضرورة لمفاهيم أسوأ للعولمة المعادية للدين. وعلى أية حال فإن أغلب المسلمين يعرفون أن الديمقراطية والعولمة العدوانية ليسا مترادفات وأن المشاعر الدينية لا تتعارض مع الديمقراطية.
وفي الحقيقة، فإن الأمثلة التركية والإندونيسية أن الصحوة الإسلامية أصبحت اتجاها طبيعيا بعد سنوات من السلطوية العلمانية. ويشك بعض الناس في يومنا هذا أن الأحزاب السياسية يمكنها أن تلعب دورا رئيسيا في بناء مجتمع حر ومزدهر ويمكن للقوى العلمانية في بعض الوقت أن تصبح عقبة في طريق الإصلاحات الديمقراطية.
فالمسلمون في إندونيسيا والمغرب كغيرهم من مسلمي العالم يحاولون الوصول إلى الحريات السياسية والاقتصادية وحكم القانون مع القيم الدينية والهوية. كما أن طرق تحقيق هذا الهدف دائما ما تخضع للمناقشة.
أنطوني سي بوير
المؤسسة الدولية للأنظمة الانتخابية مايو 2008
يناقش هذا التقرير الوضع الحالي للحركات الإسلامية السياسية في دول وسط أسيا والتي كانت ضمن الاتحاد السوفييتي من قبل مع التركيز على الدول الفاعلة وغير الفاعلة. ويحاول كل من حزب الصحوة الإسلامية في طاجيكستان وكل من حركات حزب التحرير والحركات الإسلامية في أوزباكستان للوصول إلى السلطة التي يرونها من وجهة نظرهم ولكن من خلال طرق صعبة جدا.
لم ينتهي الأمر إلى هذا الحد ففي أوائل التسعينيات تزايد سخط الثلاثة على القمع السلطوي للاشتراكية ومؤيدو الاشتراكية ضد الدين والصحوة الإسلامية والهوية الوليدة.
وبينما كانت جماعتان منهما من وسط أسيا فقد تأثر الثلاثة في "سنوات التشكيل" بجماعات وأحداث من خارج المنطقة من حزب الصحوة الإسلامية الدولية الذي أنشئ في جنوب أسيا وكذلك تأثرت قيادة الحركة الإسلامية في أوزباكستان بالحركة الوهابية في المملكة العربية السعودية وحزب التحرير الذي أُسس في السعودية والأردن في الخمسينيات وأصبح حركة عالمية.
وقد لعبت كل من هذه الجماعات دورا رئيسيا في تقدم الأجندة الإسلامية السياسية في وسط أسيا، للأفضل أو للأسوأ، وأثروا في السياسات للدول المضيفة. كما أن مساراتهم الملتوية للحصول على السلطة قد ميزت كل جماعة في نهاية التسعينيات وبداية الألفية الجديدة مع نقاط تحول ترتبط بالنزاعات المسلحة:
في حالة حزب النهضة الإسلامية في طاجيكستان، نهاية الحرب الأهلية في طاجيكستان والحركة الإسلامية في أوزباكستان مؤخرا والهجمات الإرهابية عام 2001 ضد الولايات المتحدة وما تبعها من حرب على أفغانستان. وحده فقط حزب التحرير الذي لم يتورط في نزاع مسلح في وسط أسيا بالرغم من أنهم جبهة ومركز في حرب الأفكار والسيطرة.
وسوف يناقش هذا التقرير أنه بينما تسببت النزاعات المسلحة لجماعات المعارضة الإسلامية في مزيد من الدمار لهذه الحركات بدلا من تحقيق أهدافها النهائية ولو أن العملية الديمقراطية لم تحقق أي تغيير ولو أن حكومات المنطقة واصلت إظهار نوع من القمع ضد جميع أنواع المعارضة، ناهيك عن المعارضة الإسلامية، فإن المنطقة ربما تتورط في نزاع وسوف تشهد الفقر وخيبة الأمل للملايين ممن يعيشون في أوزباكستان وجمهورية قرغيزستان وكذلك طاجيكستان وخاصة مع الزيادة السريعة في الشباب.
وسوف تكون السنوات التالية أساسية: ويضع حزب النهضة الإسلامية في طاجيكستان انتخابات عام 2010 نصب عينيه كفرصتهم الأفضل لإعادة التأكيد على سيطرتهم السياسية وإظهار المبادئ الإسلامية في النسيج الثقافي والسياسي في البلاد.
إضافة إلى ذلك فإن القادة السلطويين المسنين في كل من الدلو الثلاث يواجهون أزمات اقتصادية صعبة وربما لا يقدرون على السيطرة علي شعوبهم الساخطة أكثر من ذلك. ففي جمهورية قرغيزستان التي أصابتها الهزة الأرضية في مارس 2005 والتي يحكمها الرئيس اسكار اكاييف منذ وقت طويل ما زالت تعيش حالة من التخبط منذ هذا الوقت مع تدهور ظروف المعيشة في البلاد وهو ما يري بوضوح في المناطق الجنوبية من جلال أباد أوش وباتكين.
وفي أوزباكستان يواصل الرئيس القوي إسلام كريموف معاملته القاسية لجميع أنواع المعارضة وخاصة هؤلاء المتمردين الإسلاميين في منطقة وادي فرغانا بينما يقرب عشيرته التي تقطن في سمرقند في الأمور السياسية وداخل الحكومة وكذلك الرئيس الطاجيكستاني امامعلي رحمانف منذ عام 1994 والذي ساعد في إنهاء الحرب الأهلية في طاجيكستان في عام 1997 ولكن استمراره في السلطة قد ضعف في اليوم الذي نقصت فيه الكهرباء وارتفعت فيه أسعار الأطعمة.
وقد أساءت هذه الخطوة إلى الحركات السياسية الإسلامية التي واصلت التنافس من أجل السلطة وربما مثلت آخر أمل للشعب اليائس.
مقدمة
استقلت شعوب وسط أسيا منذ ما يقرب من سبعة عشر عاما والتي كانت ضمن الاتحاد السوفيتي لقرابة سبعة عقود محكومة بالحكم الاشتراكي حيث تبدلت هوياتهم وتقاليدهم من خلال الإخضاع للنظام السوفييتي والحكم الروسي الذي تحكم فيها.
قسمت المنطقة إلى خاقانات وعشائر عظيمة يرجع أول ارتباط لها بالإسلام منذ القرن الثامن وقد توثق من خلال الغزوات الناجحة من قبل العجم والعرب منذ القرن الخامس عشر فصاعدا وقاموا بالتوسع في العالم الإسلامي في الشمال.
وقد كان الاجتياح المنظم للإمبراطورية الروسية شرقا في بداية الأمر نحو سيبيريا ثم جنوبا نحو شمال القوقاز وأخيرا نحو سهول وسط أسيا وما تلاها وقد كان هذا بمثابة الصدمة على أنظمة الحياة التقليدية والقوى الموجودة في المنطقة.
كما أن إنشاء قواعد عسكرية للجيش الروسي كان مصحوبا بقمع وحشي للسكان المحليين ومصادرة الأراضي وفرض القيم الاجتماعية الأجنبية.
ولقد تكيفت شعوب وسط أسيا كأفضل ما يكون مع هذه الظروف وكافحوا من أجل الحفاظ علي ثقافاتهم وتاريخهم ولكنهم استفادوا من العناصر الإيجابية التي تتصل الروسيين ومن بينها التجارة والبنية التحتية الحديثة. ولم يكن قبول الحكم الروسي أمرا فريدا وفي نهاية القرن التاسع عشر لم تكن معظم المناطق تحت السيطرة الروسية.
تغير كل شيء من بداية العام 1917 حيث وقعت روسيا تحت وطأة الحركة الشيوعية الجديدة التي قادها لينين والثورة البلشفية.
كما أن الفوضى التي اجتاحت أوروبا من الإمبراطورية الروسية قد أثرت على وسط أسيا أيضا وبحلول العام 1924 تضامنت المنطقة بشكل فعال في اتحاد جديد للجمهوريات الاشتراكية السوفييتية وهو ما أدى إلى انقسام المنطقة إلى خمس جمهوريات متحدة حددت حدودها عن طريق العرق السائد في كل منطقة.
أما جوزيف ستالين الذي خلف لينين فقد قام بتعديل هذه الحدود لتشمل جماعات أقلية لأعراق كبيرة في كل الجمهوريات ليضمن أن لا يصبح هناك عرق يسعي إلى السلطة لتحدي المركز في موسكو. وفي نفس الوقت سمح الدستور السوفيتي لكل جمهورية متحدة بحق الانسحاب حتى انهيار الاتحاد عام 1991.
قامت سبع عقود من الحكم السوفيتي بغرس المؤسسات الثقافية والسياسية لعلاقات المواطنين في وسط أسيا وهو الأمر الذي أطاح بالمواطنين من مراكز صناعة القرار حتى وإن ادعت دولة الاتحاد أن تقوم بمشاركة الجموع. ولتصل إلى القمة فإنك بحاجة إلى أن تصبح عضوا في الحزب الاشتراكي الذي يتجنب كل المعتقدات الدينية بل ويدينهم ويعتبرها معادية للسوفيتية.
كانت المساجد موجودة في الاتحاد السوفيتي ولكنها كانت مضبوطة بشكل قوي وكذلك كان المفتي بقوم بالتفسير وفقا للقرآن ومبادئ الشيوعية.
وقد كان التعبير عن الرأي الديني أمرا سريا وكانت الأغلبية المسلمة في وسط أسيا تقوم بممارسة معتقداتها في الخفاء بينما تناضل من أجل الحفاظ علي تقاليدها التي ظلت لسنوات بدون إرشاد روحي حقيقي.
ومثل هذا كانت الحالة التي سادت في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات عندما ضعف الاتحاد السوفيتي بسبب الركود الداخلي وبسبب عشر سنوات مشئومة من الاحتلال لدولة الجوار (حرب ضد إخوة مسلمون والتي كانت بمثابة صدمة لمواطنين السوفيت في وسط أسيا الذين اعتادوا حروب المواجهة أو حروب المشاة،) دخل الاتحاد السوفيتي في سكرات الموت ووجدت دول وسط أسيا الجديدة نفسها وحدها.
وقد كان النضال الناتج من أجل السلطة والتثبيت مختصرا حيث قام قادة الحقبة الشيوعية بإعلان أنفسهم مرة أخرى كديمقراطيين ولبسوا عباءة القيادة في جمهورياتهم الجديدة. لم يستمر هذا طويلا في واحدة من هذه الدول فقد وجدت طاجيكستان نفسها قد وقعت بشكل سريع في أزمة سياسية.
وقد انتخب رحمان للرئاسة في عام 1991 وواجه انهيار حكومته نتيجة للتحديات من قبل تحالف الديمقراطيين والشيوعيين والقوى الإسلامية التي هددت بتمزيق النظام القديم.
وقد تباطأت أكثر دولة محافظة علي الدين من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق والتي تضم سبعة ملايين نسمة في استقلالها لأنه لم يكن لديها الوسائل الاقتصادية ولا سيطرة مركزية قوية مستقلة فوق البلاد تقدر من خلالها فرض نظام جديد مؤيد للسوفييتية، على العكس من رئيس دولة الجوار إسلام كريموف قد أكد بشكل سريع علي سلطته علي شعب يقدر بحوالي 23 مليون نسمة كما كان في كازاخستان في الشمال تحت قيادة رئيس الحقبة الشيوعية نور سلطان نزار بليف وبقي كل منهما في السلطة حتى يومنا هذا.
وحتى قرجستان الصغيرة وهي الأكثر ميلا إلى الديمقراطية في الدول الجديدة والوحيدة التي طرحت عنها قائدها الشيوعي فقد تحولت بشكل سلمي كما فعلت تركمانستان تحت مسئولية قيادة صبرا مراد نيازوف. وقد أدى انهيار الاتحاد السوفيتي إلى تشعب الجماعات السوفييتية حيث تشعبت أعداد كبيرة من الأشخاص للعمل في الزراعة والصناعة خارج مناطقهم.
وقد كانت هذه هي حقيقة طاجيكستان حيث استوطنت أعداد هائلة من المواطنين الطاجيك الجبليين في أودية ختلان جنوبا بالقرب من مدينة قرجون طيبا. وبتقهقر القوة السوفييتية وتفشي الفقر في المناطق الجبلية قد عزز من موقف هذه القبائل الطاجيكستانية في ادعاء الحق في أرض ختلان ودعموا ازدراء السكان المحليين. والموقف العام من الملكية وعدم الحيلة قد أجد حاجزا روحيا بين الشعب أيضا وقد كان الرد على هذا العجز أن جاء حزب النهضة الإسلامية الطاجيكستاني إلى الوجود.
وفي وادي فرغانا والذي اتحد مع العديد من الموالين لأوزباكستان ومع أوش وباتكين من مقاطعات قيرغزستان وسوديانا في طاجيكستان، كانت هناك قوة دافعة من اجل التغيير في التسعينيات بين المواطنين المحليين الذين أحسوا بأن حكوماتهم تقوم بإهمال أساسيات المعيشة والضروريات التي هم بحاجة إليها.
وبالرغم من الفساد في وادي فرغانا كمستودع لوسط أسيا فإن هناك فقر وعجز خطير ناتج عن هذا الفساد من الحكومات المحلية والقومية لثلاث دول يتركون سكانهم يتوقون إلى مزايا الإغاثة الموعود.
وقد كان ظهور الحركة الإسلامية في أوزباكستان وحزب التحرير في وادي فرغانا بمثابة رد مباشر على كل من قمع الأنظمة السلطوية وخاصة تلك التي في طشقند (عاصمة أوزباكستان) والفقر والحالة المتردية للتعليم وفرص التوظيف.
أما الأمر الأخير (نقص فرص التوظيف) فقد أجبر مئات الآلاف من المواطنين وخاصة من الشباب في الثلاث دول إلى السعي من اجل الحصول على وظيفة في مكان آخر وقد كانت وجهتهم الأولي في الاتحاد الفيدرالي الروسي. أما أولئك الذين لا يغادرون فإنهم يعانون من ظروف معيشية قاسية.
وبالنسبة لأولئك الذين يسافرون في رحلة طويلة شمالا فإن ظروف العمل الصعبة والشائعات والإجحاف والعنف الذي يواجهونه في بلادهم تجعل من جني الأموال وترك عائلاتهم لمدة شهور في الأوقات الصعبة. وبسبب الظروف اليائسة في بلدانهم وعدم اللامبالاة والتقاتل من قبل حكوماتهم تجاه أزمتهم توجهت أعداد متزايدة من الناس إلى الحركات الإسلامية السياسية كوسائل ممكنة للإنقاذ.
وبينما كانت هناك حركات صغيرة وسرية مثل البيات وحركة وسط أسيا الإسلامية كان هناك حركات أكبر معروفة تسيطر علي الساحة اليوم مثل حزب النهضة الإسلامية في طاجيكستان والحركة الإسلامية في أوزباكستان وحزب التحرير في منطقة وادي فرغانا وهي أحزاب تقدم طرقا مختلفة لاكتساب السلطة وبعض الرؤى المختلفة في الإسلام.
الحركات الحكومية: الحركة الإسلامية في أوزباكستان وحزب التحرير
تطورت الحركة الإسلامية في أوزباكستان كردة فعل على القيادة السلطوية للرئيس إسلام كريموف والقمع الذي استخدم ضد أي تعبيرات سياسية للإسلام بعد إعلان استقلال أوزباكستان من الاتحاد السوفيتي.
وقد انضم الفقيه طاهر يولداشيف إلى المتحمس جومابوي خوجايف لتأسيس الحركة في بداية التسعينيات والتي تلقت تدريباتها في أفغانستان على يد أسامة بن لادن. وانتحل خوجايف اسما مستعارا وهو جمعة نمنكاني بعد أن ضمت مدينته التي تربي فيها إلى وادي فرغانا.
أسس نمنكاني ويولداشيف قاعدة في منطقة تافيلدارا في طاجيكستان وقاتلا إلى جانب المعارضة الطاجيكستانية المتحدة وخاصة حزب النهضة الإسلامية في الفترة ما بين عامي 1992 و 1997 أثناء الحرب الأهلية.
وقد خدم نمنكاني بالفعل في أفغانستان في الجيش السوفيتي في الثمانينيات. وبتلقي التمويل من الجماعات الوهابية في السعودية وفي البلدان الأخرى قام بمنكاني ببناء الحركة الإسلامية في أوزباكستان وحولوها إلى قوة حقيقية تضم المقاتلين الأجانب مثل العرب والشيشانيون والباكستانيون والأفغان إلى جانب الطاجيكستانيين والأوزباكستانيين وبعض القوميات الأخرى في وسط أسيا.
وقد كان هدف الحركة الإسلامية في أوزباكستان هو إسقاط النظام القمعي لإسلام كريموف في أوزباكستان ومن ثم تحرير الدول الأخرى في المنطقة لإيجاد خلافة خالصة في منطقة وسط أسيا.
وعلى خلاف حزب التحرير والذي يتبني الأساليب غير العنيفة لإقامة خلافة إسلامية في المنطقة، استحوذت الحركة الإسلامية في أوزباكستان على الفقراء في المنطقة للنهوض والانضمام تحت لوائهم لهزيمة الأنظمة السوفييتية وتجديد، بعد طول انتظار، شكل من أشكال الحكم الإسلامي لم تشهده الجموع في أي مكان من قبل.
وقد أوجدت تفجيرات طشقند في عام 1999 والهجمات التالية لها على حكومة أوزباكستان (والغرب) والتي استهدفت من قبل الحركة الإسلامية في أوزباكستان حركة ارتجاعية عنيفة من قبل الحكومة أدت إلى اعتقال الآلاف من العناصر المشتبه فيها وأصدرت أحكاما قاسية بالسجن لفترات طويلة إلى جانب القيام بحملات انتهاكات ومهانة عامة للأقرباء.
وقد قام الرئيس إسلام بالتهديد باستئصال من يتورطون في نشاط المعارضة الإسلامية حتى وإن كانوا أولاده. وكعالم من وسط أسيا يلاحظ إيريك بوردن كريشر أن ضراوة المعارضة الإسلامية في وسط أسيا تتناسب بشكل مباشر مع صرامة القمع من قبل النظام الحاكم للبلاد، وهو ما دعا الحركة الإسلامية في أوزباكستان لحمل السلاح ذات مرة ضد حكومة كريموف وكذلك حزب النهضة الإسلامية في طاجيكستان بالرغم من إعاقة الحكومة لذلك ومع ذلك حصلت على مقعدين في البرلمان وأعلنت نفسها معارضة موالية.
وقد كان من المتوقع أن تؤدي مناهج الحركة الإسلامية في أوزباكستان لاستئصال الأنظمة في المنطقة، بدأ من الرئيس كريموف، إلى أعمال عنف. ولأجل هذه الغاية دربت الحركة الإسلامية في أوزباكستان عناصرها على يد أسامة بن لادن والملا عمر في أفغانستان وحافظوا على أساس عملياتهم في كل من طاجيكستان وجبال الباتكين في كازاخستان.
وقد غيرت أحداث عام 2001 فرص الحركة الإسلامية في أوزباكستان التي قاتلت إلى جانب طالبان في أفغانستان ضد قوات التحالف الغربي العسكرية. وقد دمرت صفوف الحركة الإسلامية في أوزباكستان خال القتال المتواصل والذي طالب بحياة مساعد المؤسس والقائد جمعة نمنكاني.
وبينما كانت الحركة تعمل بشكل سري لإعادة نفسها مرة أخرى إلا أنها بقيت كحيوان مصاب ومطارد. ولكن، وكما هو معروف فإن الحيوان المجروح يكون أخطر من غيره وأن حكومات وسط أسيا ربما تغفل عن البقايا الخطرة للحركة الإسلامية في أوزباكستان إلى جانب إهمال الظروف الأسوأ لملايين المواطنين الذين يعيشون داخل حدودها.
أما حزب التحرير والذي تأثر بالحركة الوهابية التي تأسست في السعودية والأردن فقد تبني موقفا مختلفا لتحقيق غايته في إقامة خلافة إسلامية في وسط أسيا. وقاموا كذلك بنبذ العنف كوسيلة للوصول لهذه الغاية وقد عمل حزب التحرير في ظلال وادي فرغانا وباقي وسط أسيا لتجنيد المؤيدين وبناء قاعدة من الموالين.
وقد استهدف حزب التحرير كلا من مواطني طاجيكستان وأوزباكستان وجمهورية قرغيزستان من أجل نشاطاته، وبينما كان عدد المؤيدين المعروفين متواضعا فإن العدد الكلي للمؤيدين المشتبه فيهم يزداد يوما بعد يوم.
ولا تقتصر نشاطات التجنيد في حزب التحرير علي هذه البلدان الثلاثة. كما تم فهم أدبيات وفعاليات حزب التحرير في كازاخستان وتركمانستان وأذربيجان وشمال القوقاز وأجزاء أخرى من الاتحاد الفيدرالي الروسي. وفي الحقيقة فإن حزب التحرير يعد حركة عالمية ولها مكاتب في لندن. وفي وسط أسيا فإن الرسالة بسيطة:
صحوة روحية وفرصة للعيش في دولة إسلامية خالصة بها وظائف وأطعمة بما يكفي لحاجة الناس. أما بالنسبة للأرواح اليائسة في المنطقة فإن هذه رسالة أفضل من أي شيء حصلوا عليه من قبل حكوماتهم التي تسبب فسادها وعدم مبالاتها بأزمات الناس في إثارة المواطنين وخاصة الشباب.
كما أن حزب التحرير حزب سري وحركة مؤيدة للإسلام والتي من أهدافها توحيد المسلمين في دول وسط أسيا ومقاطعة شينجيانغ في الصين تحت لواء خلافة واحدة. وبالرغم من إنكارهم للعنف كوسيلة لتحقيق غاياتهم فإنهم سبب خوف ومحط لعنات أنظمة وسط أسيا، التي قامت باعتقال الكثير من عناصر حزب التحرير الحقيقيين أو المشتبه فيهم أكثر من أي جماعة معارضة أخرى.
كما أن أعدادهم في وسط أسيا أصعب من أن تحصى بالرغم من انتشارهم العريض وفقا لتشتتهم الجغرافي داخل المناطق التي توجد فيها أدبياتهم والممتدة من القوقاز شرقا إلى شينجيانغ وشمالا إلى الاتحاد الفيدرالي الروسي.
وبمكتبها في لندن فغن الحركة لها شبكة عمل مكثفة في أوروبا (إن لم تكن عالمية) وأعمال كذلك. وقد أنشئت في السعودية وفي الأردن في بداية الخمسينيات من خلال الفلسطينيين المشتتين وتعتقد الحركة بأن الحكومات القمعية قد قمعت الممارسات الحقيقية للإسلام وتحرير المسلمين للعيش في ظل دول إسلامية واحدة من خلال الإطاحة بحكومات المستبدين.
وبينما كان حزب التحرير متفقا في الغالب مع الحركات الوهابية فإن حزب التحرير يختلف مع الجماعات الوهابية في قضايا رئيسية مثل استخدام العنف لتطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة دولة إسلامية حديثة.
ومع ذلك فإن أنظمة دول أسيا لها اتصال بكليهما وتبرر المداهمات العنيفة واعتقال كل من الجماعات الوهابية مثل قادة الحركة الإسلامية في أوزباكستان وحزب التحرير بدون تمييز. فحزب التحرير هو منظمة معقدة فهو يقوم بتجنيد الأعضاء من مختلف طبقات المجتمع وبالتحديد الشباب المتعلم من المدن الكبيرة في وسط أسيا وكذلك الموظفين المتعلمين من الشباب والمدرسين.
وقد بدأت أدبيات حزب التحرير في الظهور في منتصف التسعينيات في أوزباكستان وبدأت المداهمات ضد حزب التحرير بشكل جاد في العام 1998 بعد التشديد على قانون الممارسات الدينية من قبل نظام كريموف والذي تسبب في اعتقالات كبيرة.
وفي العام التالي، 1999، ظهرت أول أعمال واسعة النطاق من قبل جماعات المعارضة الإسلامية (تفجيرات طشقند) والتي نفذت في الغالب من قبل الحركة الإسلامية في أوزباكستان والتي كانت ترتبط بكل الجماعات في وقت واحد. وقد زادت شعبية حزب التحرير في ثلاث دول من دول وادي فرغانا نظرا للفقر المتقع وضعف دعم الحكومة المركزية.
وبعيدا عن سيطرة الحكومة القوية في مناطق وادي فرغانا في أوزباكستان فإن المناطق الطاجيكستانية والقيرغيرزية في الوادي تدار بشكل ضعيف نسبيا وتقع بعيدا عن عواصم الدول وبأخذ فقر المنطقة في الاعتبار فإن هذا يساعد على طلب السيطرة الخارجية.
وهذه هي المناطق التي تقوى فيها نشاطات حزب التحرير والتي يواصل فيها ليجد معقلا حصينا. وكما كتب أحمد راشد فبتواصل النزاع بين الحكومة والدين للحط من قدر موقف الحقوق الإنسانية فضلا عن البيئة السياسية والاجتماعية فإن حكومات وسط أسيا ترفض الاعتراف القانوني بحزب التحرير كحركة سياسية حيث أنه من الممكن أن يجبر الحكومات على "التعامل مع المشكلات المحلية ووضع سياسات سياسية واقتصادية راسخة.
كما يمكن لحزب التحرير أن يرتبط سرا مع الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تؤيد العنف. " وليس سوى طاجيكستان هي التي تسمح بوجود الحركات السياسية الإسلامية، مثل حزب النهضة الإسلامية في طاجيكستان، والذي نتج عن اتفاق سلمي عام 1997. وكما نرى الآن فإن الحزب قد أصبح معتدلا وحزب "معارضة موالي" أما الحركات الأخرى الأكثر محافظة أو الأفرع فإنه لا يبدو أنها ستحقق اعترافا رسميا في أي وقت قريب.
وهناك حركة أخرى جديرة بالذكر وهي الأكرومية وقائدها هو أكرم يولدشيف والذي أسس أهداف حزب التحرير وأساليبه والتي هي في الأصل مأخوذة من الدول العربية وغير ملائمة لوسط أسيا. ظهرت هذه الحركة في منتصف التسعينيات واعتقل قائدها في 1998 بتهمة ترويج مخدرات ومرة أخرى عام 1999 بعد تفجيرات طشقند.
وقد ساءت سمعة الحركة بعد مذبحة أندياجون في أوزباكستان في 2004 حيث ذبحت قوات الشرطة الأوزباكستانية والقوات الخاصة مئات المدنيين بعد انتفاضة السجن في هذه المدينة الذي تبع التحول الخاطف للمدينة من قبل الهاربين.
وبالرغم من أن الانتفاضة لم تكن مصبوغة بالطابع الديني إلا أن نظام كريموف سرعان ما سماها "الانتفاضة الأصولية" واستغل الموقف لضرب خصوم النظام المشتبه فيهم بقوة الكائنين في أندياجون وفي أماكن أخرى. وقد أدت أعمال قوات الحكومة الأوزباكستانية إلى إشارة سيئة وأعمال وحشية كبيرة منذ الاستقلال وأدت في النهاية إلى الانتقاد اللاذع للنظام.
ومن بين الأصوات العالية التي انتقدت نظام كريموف كانت الولايات المتحدة. وقد جعلت الأكرومية نفسها كنموذج محلي وعملي من حزب التحرير لديه حلول محددة لمشكلات داخل أوزباكستان ويعتمد أكثر على هذه الحقائق حول الموقف الأكثر فلسفية لحزب التحرير. وتواصل الحركة تواجدها بالرغم من عدم معرفة العضوية الفعلية ولا حتى خططتها.
وبوضع يولدشيف خلف القطبان فإنه سيكون من الصعب على الحركة أن تنتعش بالرغم من أجواء التعافي الموجودة في أوزباكستان بعد أنديجان وربما كانت ملائمة لجماعات المعارضة الإسلامية أكثر من ذي قبل.
المعارضة القانونية: حزب النهضة الإسلامية في طاجيكستان
يعد هذا الحزب القوة الرائدة في اتحاد المعارضة في طاجيكستان وقد ظهر من الحرب الأهلية في موضع القوة. وقد تمسك هذا الحزب بالمبادئ الإسلامية إلى حين إنشاء الخلافة في المنطقة.
وبصفته الحزب السياسي الوحيد القانوني والقائم على أساس الدين في وسط أسيا كلها، فقد أصدر الحزب أوامره بين العديد من الأتباع الطاجيك المخلصين الذين أحسوا بالخطأ من قبل السوفييت والأنظمة المؤيدة للسوفييت.
كما أن القمع الوحشي للحرب والإعلام الذي لا يلين من قبل الحكومة ضد المعارضة الإسلامية قد عمل على إخافة العديد من المواطنين وإبعادهم عن طريق الإسلام وهو الأمر الذي جاء ليتزامن مع السنين السوداء للحرب والصعوبات العامة والأزمات التي صاحبتها.
وقد جرب حزب النهضة الإسلامية في طاجيكستان انحدارا في شعبيته بعد نتيجة اتفاقياته حول السلام والمصالحة في 27 يونيو 1997 كحزب تحمل مسئولية النزاع وأظهر العديد من المراتب العديدة داخل الحكومة.
وإضافة إلى ذلك فقد كان العامة مهتمون بشكل عام بالعودة إلى حالة السلام والاستقرار بعد ما يقرب من خمسة أعوام من الصراع أعقبتها فترة من عدم الاستقرار والتحول وأشكال القتل والاختطاف وفقدان الأيديولوجيات السياسية للمعانها بشكل سريع. ومن الواضح أن طاجيكستان قد تحولت إلى ما كانت عليه أيام العلمانية السوفيتية.
وكنتاج لاتفاقات السلام، عقدت طاجيكستان انتخابات برلمانية خلال 18 شهرا وتولت المعارضة الطاجيكية المتحدة العديد من الوزارات الحساسة ومن بينها وزارة الدفاع. وبشكل تدريجي، ونظرا لوجود تلاحم بين العناصر المعتدلة والمحافظة بدأ تحالف المعارضة الطاجيكية المتحدة السابق يتمزق ويضعف ومن ثم استعادت حكومة امام علی رحمانف سيطرتها علي معظم ما مُنِح لاتحاد المعارضة الإسلامية من سلطة نتيجة للاتفاقات.
وقد التزم قائد حزب النهضة الإسلامية في طاجيكستان، سعيد عبد الله نوري، بالعملية السلمية وعقد الاتفاق كنموذج محتمل للدول الأخرى في وسط أسيا ورفض مطالب من العناصر المحافظة في الحزب بإعادة تجديد العنف بسبب تأجيل الحكومة لتطبيق بعض النقاط الأساسية في الاتفاق.
وفي الحقيقة فقد عقدت الانتخابات بعد ثلاث سنوات من توقيع الاتفاق أي بعد ضعف المدة التي ذكرت في الاتفاق. وبعد تأجيل الانتخابات حتى فبراير عام 2000 لم يحصل حزب النهضة الإسلامية سوى على مقعدين فقط في المجلس الجديد ولم يفز أي مرشح مستقل لحزب النهضة الإسلامية في طاجيكستان.
وقد تولى قادة سابقين أمثال شريف هيماتودا وقازي توراجونزودا مناصب حكومية الأمر الذي أضعف الصفوف القيادية داخل الحزب. وقد واجه حزب النهضة الإسلامية في طاجيكستان عقبات خطيرة في هذا الوقت في حملته حيث رفض العديد من المرشحين التسجيل ولم تسمح الأفرع المحلية بالحملة المفتوحة في بعض المناطق.
وإضافة إلى ذلك، فإن مركز قوة الحزب كان في مناطق وادي تافيلدارا وغارم شرق العاصمة الطاجيكية ثم كان التوسع بشكل صعب إلى جميع المناطق في البلاد. والسبب في ذلك يرجع إلى الأموال التي جرت على الحزب بسبب الصراع والدور المعروف لحزب النهضة الإسلامية في طاجيكستان في المعارضة المتحدة ولا شك في أنه استشري من قبل الإعلام الحكومي الرسمي. أما السبب الآخر فهو ضعف مؤسسات الحزب والهيكل التنظيمي الكبير للحزب الذي لم يتنافس من قبل من أجل الانتخابات ويفتقر إلى موارد وتجربة الحزب الديمقراطي الحاكم الذي حصل على أغلبية المقاعد.
وبالرغم من الضعف الذي ظهر في انتخابات عام 2000 والمؤشرات الواضحة التي تقول بأن حزب النهضة الإسلامية في طاجيكستان قد واجه اللعب في مجال غير متكافئ وواصل نوري تصريحه بالعودة إلى العنف وأشار في مناسبات مختلفة إلى إمكانية اللجوء إليه.
وفي الفترة بين العام 2000 و 2005 بدأ الحزب مرة أخرى في النمو ولكن هذه المرة بالعمل كتنظيم مهني يعمل "كحزب معارضة موالي". وقد أسس حزب النهضة الإسلامية في طاجيكستان فروعا كأفضل ما يكون وأنشأ لجانا فرعية للمرأة والشباب وقام بتقديم أدبيات الحزب والمساهمة بها ودرب أعضاؤه على المناقشات وعمل الحملات بمساعدة من قبل مستشارين الديمقراطية الدولية.
وقد كان حزب النهضة الإسلامية في طاجيكستان أكثر صلابة في انتخابات 2005 البرلمانية ولم يكن متخبطا كما كان عليه الحال في العام 2000. وبالرغم من التجهيزات الأفضل فإن البيئة السياسية في طاجيكستان واصلت تقديم الأسوأ إلى الحزب وذلك بسبب المضايقات من قبل الحكومات ومن قبل مسئولي الحكومة وهو الأمر الذي أدى لكبح جهود الحزب في توطيد قاعدته.
وفي العام 2004 كان من الواضح أن الأحزاب السياسية بوجه عام قد سعت في طريقها للحصول على الشرعية بأعداد قليلة بوجه عام من الأحزاب السياسية بوعي قليل ببرامج الحزب وقادته وقليل من المواطنين الراشدين الذين يشعرون أن الأحزاب السياسية الطاجيكية كان لديها اقتراحات واضحة لمناقشة أهم القضايا التي تواجه البلاد.
كما أن أقل من نصف الشباب البالغ الذي شارك في الاقتراع في عام 2004 كانوا ينتمون لحزب سياسي، وهؤلاء الذين ينتمون للحزب الشيوعي.
وقد تمتع حزب النهضة الإسلامية في طاجيكستان باعتراف مشكوك فيه وحصل على أعلى معدل للانطباع السلبي للحزب المذكور.
ومع ذلك فإنه ما زال هناك دعم لنظام سياسي متعدد الأحزاب بحيث تمثل الأحزاب اهتمامات الناس وأولئك الذين يهتمون في الأساس بالدعم الاقتصادي وطبيعة البقاء.
أما التواصل النسبي لجمهور الناخبين الطاجيكستانيين في الأمور المتعلقة بالسياسة فيمكنها أن تكون مأخوذة من تاريخ النزاع حيث أعلن الثلثين "قليل من الاهتمام بالسياسات أو يكاد لا يكون هناك اهتمام" وفي العام 2004 كان هناك قرابة الثلاثة أرباع ممن قالوا أنهم "بلا ريب" أو "على الأرجح" سيصوتون في الانتخابات البرلمانية لعام 2005.
ويواجه الناس نقصا في الحصول على المعلومات في أمور السياسة في البلاد، ومنذ الحرب الأهلية كانت الحاجة الأساسية لمعظم المواطنين هي الاستقرار وإيجاد فرص اقتصادية.
وتفاقم مأساوية الوضع لم يكن غياب التطور أو بطئه خلال السنوات التي أعقبت نهاية الحرب ليزيد من الاستياء العام بشكل كاف لتهديد السابق، بينما كان عامل الردع لاستمرار العمليات القتالية كافيا لإحباط حتى المظاهرات العامة الصغيرة والاحتجاجات المعارضة للحكومة.
وعندما حصل حزب النهضة الإسلامية في طاجيكستان علي مقعدين فقط مرة أخرى في الانتخابات البرلمانية لعام 2005، قام بإعلان مقاطعته للنتائج في الفترة الأولى بعد إعلان اللجنة المركزية عن ذلك حول الانتخابات والاستفتاء.
أما نائب رئيس حزب النهضة الإسلامية في طاجيكستان محي الدين كبيري، والذي دخل إلى الانتخابات منفردا في دائرة مدينة Vahdat كما أنه أيضا كان ضمن قائمة حزب النهضة وهذا مما يشير إلى أن حزب النهضة الإسلامية في طاجيكستان لم يمن يتوقع أن يفوز بالعديد من المقاعد في المجلس في انتخابات 2005 حتى ولو قام بالتنسيق لذلك وفقا لمعلوماته ليقوم بتقديم مرشح بصفة مزدوجة.
وقبل الانتخابات كان أعضاء حزب النهضة الإسلامية في طاجيكستان يلمحون إلى أنهم يتوقعون أن جهودهم سوف تحبط خلال انتخابات 2005 من قبل التدخل المستمر من قبل تمثيل الحكومات تحت القيادة التنفيذية لإحباط تسجيل مرشحيهم وكذلك إحباط حملات الحزب.
والأكثر من ذلك أن الحزب لمح بقوة إلى أن الانتخابات كانت بمثابة استعداد للانتخابات القادمة في عام 2010 والتي من المتوقع أن يحصلوا فيها علي عدد كبير من المقاعد ولن يسمح وقتها بالتدخل الحكومي.
وخلال الحملة الانتخابية لعام 2005 قام حزب النهضة الإسلامية في طاجيكستان بتمثيل نفسه كحزب محترف أكثر من الذي قدم مرشحين في الانتخابات البرلمانية الأولي التي كانت قبل الحرب الأهلية عام 2000.
وبينما لم يكن غنيا بالموارد مثل الحزب الديمقراطي الشعبي الحاكم، فقد كانت مصادر تمويل الحملات من الجماعات المتعاطفة في الشرق الأوسط وأجزاء أخرى من العالم الإسلامي. أما ما كان حزب النهضة الإسلامية في طاجيكستان يفتقر إليه فهو الخبرة في اللعبة السياسية والبيئة العادلة للقيام بنشاطاته السياسية.
ومع ذلك فإنه أصر على تحدي الحزب الديمقراطي الشعبي في مناظرات شعبية في مهرجانات انتخابية. وبينما استغلت الحزب بدون رحمة من قبل الحكومة لتخويف المصوتين بدأ الحزب يخرج ما لديه من خلال مستوى الاستعداد لقادته ورغبته في العمل من خلال العملية الديمقراطية.
وبحلول انتخابات 2005 البرلمانية شارك الحزب وعقد اجتماعات بالبلدية كأفضل ما يكون وأرسل أعضاءه للتدريب السياسي برعاية غربية وقام بتقوية اللجان الفرعية للشباب والمرأة.
وقد أعاد الحصول على قاعدة دعم في المنطقة في مناطق وادي كاراتيجين وتافيلدارا إلى جانب المناطق الموجودة في الوقت الحالي شمال وشرق عاصمة طاجيكستان بالرغم من مكافحتها من أجل الحملة وكسب المؤيدين في منطقة الرئيس ووطنه الأم في كولاب أو في شمال منطقة سوغد في وادي فرغانا وكلا المنطقتين قد قاتلتا ضد المعارضة الطاجيكية المتحدة خلال الحرب.
واصل الحزب منذ العام 2005 تطوير هيكله العالمي وفي العام 2006 قام بتجربة تغيير القيادة التي استمرت وقتا طويلا وتنحي قائد المعارضة الطاجيكية المتحدة سيد عبد الله نوري وهو ما فتح الباب أمام نائب الرئيس المعتدل محي الدين كبيري للتولي.
وكان كبيري الذي واصل إعادة توجه حزبه ليصير منظمة سياسية على الطراز الغربي قد ذُكر كمرشح محتمل أمام الرئيس امامعلی رحمان في العام 2013.
وبحلول هذا الوقت إن لم يكن في 2010 فإن تكتيكات الحكومة لاستخدام تجربة الحرب الأهلية لتشويه سمعة حزب النهضة الإسلامية في طاجيكستان قد ذهبت سدى:
وفي الوقت الحالي فإن أغلبية الأشخاص الطاجيكستانيين البالغين 7.3 مليون نسمة تحت سن العشرين ولا يتذكر الصراع إلا من هم أكبر من ذلك. والأكثر من ذلك فإنه لا يمكن لأحد من بين جيل الشباب الطاجيكي أن يقوم بشكل عملي لينادي بأيام الاتحاد السوفيتي والجمهورية الاشتراكية السوفيتية الطاجيكية.
لذلك فإن أمثلة الماضي سوف تغلب على أغلبية المصوتين في المستقبل كما كان عليه الحال في الانتخابات السابقة.
وبدون العدول عن الحرب التي تعمل كمخفف للصدمات وكذلك للنظام الحاكم الفاسد والفقر وانتشار البطالة فإنه لا يوجد أية ضمانات لتسيير انتخابات ديمقراطية تقود إلى نوع من الإصلاحات التي يحتاجها الطاجيكستانيين ولكن الأمر الأكيد هو أن نموذج الانتخابات السوفيتية القديم لن يكون موجودا في انتخابات 2010.
كما أن حكومة الرئيس رحمان قد كافحت من أجل تقديم خدمات اجتماعية أساسية للناس، وبعد أقسى شتاء في 2007-2008 كانت قدرة النظام للرد على الأزمات غير كافية بالمرة.
وقد كانت أزمة الشتاء ضمن قائمة المشكلات العريضة مثل إتاحة الكهرباء وسعرها ومياه الشرب سيئة الجودة والبطالة وهجرة الأيدي العاملة والفساد وسوء المعايير التعليمية وغير ذلك.
وفي العام 2006 تفجرت فضيحة في الجامعات الطاجيكية عندما قامت طالبة بتحدي قرار منع الحجاب في الفصول الدراسية.
أما وزير التعليم فقد أيد الحظر وقام بإرسال رسالة واضحة بأنه لن يكون هناك شيء سوى الاتجاه العلماني للتعليم ولن يسمح بغيره علي الصعيد الرسمي.
واستغل حزب النهضة الإسلامية الفرصة لانتقاد القرار ليس لإلهاب العواطف وإنما لدعم حقوق المساواة البشرية لجميع المواطنين الطاجيك.
وعند قياس الرأي العام اليوم للحكم الإسلامي في طاجيكستان فإننا سوف نجد نسبة حزب النهضة الإسلامية متواضعة من اول وهلة وفقا لاستطلاع الرأي العام الذي عقد من قبل مركز الأبحاث الاجتماعية في العاصمة الطاجيكية في نوفمبر 2007 حيث حاز الحزب على نسبة 4.55% من الردود على سؤال، "إذا عقدت الانتخابات اليوم، فلأي حزب يمكن أن تصوت؟"
وبنفس الطريقة كانت الأحزاب التي حازت على أعلى نسبة من الأصوات هي الحزب الديمقراطي الشعبي لرحمان والحزب الشيوعي (والذي ما زال مؤيدا من قبل المصوتين الكبار في السن) والحزب الديمقراطي المنتهي (والذي انشق إلى ثلاثة فروع منذ عدة سنوات).
وقد كانت النسبة عالية في الإجابة علي سؤال، "أيمكنك أن لا تصوت لأحد" و "هل يمكن أن لا تذهب لصناديق الاقتراع." وعند فحص الدور الذي يجب على الإسلام أن يلعبه في الحياة السياسية في طاجيكستان فإن هناك نسبة 50% ممن أشاروا أن الإسلام عليه دور كبير جدا، وقد ساوت هذه النسبة بشكل متقارب عدد من سلموا بأنه يلعب في الوقت الحالي دورا بسيطا جدا.
وهناك ما يقرب من 70% يؤمنون بأن الأحزاب التي تقوم على أساس ديني يجب أن تتواجد وتنافس في الانتخابات.
وبينما لم تحصل أحزاب إسلامية متطرفة أو حركات مثل الحركة الإسلامية في أوزباكستان وحزب التحرير أو بيات على مزيد من الدعم كبدائل للنظام الحالي، إلا أن الإسلام في الوقت الحالي ليكون أكثر قبولا كجزء من الحكومة أكثر مما كان عليه الحال في عام 2005، وإن لم يظهر حزب النهضة الإسلامية في طاجيكستان كمستفيد من هذه الآراء في الاقتراع.
وفي نفس الوقت تعبت العامة من الفساد وسلوك المسئولين الذي يتعارض من التقوى وتعاليم الإيثار الموجودة في القرآن كما يعرفونها.
ماذا سيكون مستقبل حزب النهضة الإسلامية في طاجيكستان، أو الإسلام نفسه، كقوة في السياسات الطاجيكية؟ وفقا لما قاله رئيس حزب النهضة الإسلامية في طاجيكستان كبيري فإن الطرق التي تتبعها حركات مثل الحركة الإسلامية في أوزباكستان لا تتماشي مع أفضل طرق تعزيز الإسلام والسياسات.
فظهور حركات مثل الحركة الإسلامية في أوزباكستان، والتي لا يتفق هو مع أساليبها، يمكنها أن توصف بردة فعل للطبيعة القمعية لأنظمة وسط أسيا.
ويري كبيري أن حزب النهضة الإسلامية في طاجيكستان يعمل كحائط صد بين كثير من الجماعات الإسلامية المحافظة وبين الحكومة، وهو يعمل من خلال "العملية الديمقراطية" والتي يراها الطريقة الوحيدة المقبولة لتعزيز قيم ومبادئ الإسلام والتي ستبقى لفترة طويلة.
كما أن الحزب يؤكد علي تغيير قانون الانتخابات في البلاد والذي يراه كبيري المانع الأساسي أمام المشاركة الكاملة لمرشحي حزب النهضة الإسلامية في طاجيكستان.
والأمر الآخر هو رغبة الحكومة في المضي قدما نحو انتخابات عادلة ومفتوحة والتي اعترف كبيري بأنها كانت محدودة جدا في الانتخابات البرلمانية لعام 2000 و 2005.
ومن المثير للاهتمام هو أن أكبر العوائق أمام إنعاش الإسلام السياسي في طاجيكستان ووسط أسيا عامة يتمثل في الضغط من قبل الجماعات الإسلامية المتطرفة وقمع الأنظمة حيث أن الجماعات المتطرفة تعد حزب النهضة الإسلامية حزبا "رقيقا" جدا كما أن النظام الطاجيكي مهدد من قبل حزب النهضة الإسلامية لكونه البديل الشرعي الوحيد له.
ويقول كبيري أيضا أنه يمتلك الدليل علي التعاون غير القانوني بين الحكومات وبين المعارضة المتطرفة ضد حزب النهضة الإسلامية لإضعافه.
وبالنظر إلى ارتداد بعض الأعضاء المحافظين للحزب إلى جماعات أخرى قال كبيري بأنه لم يكن هناك أي ارتداد في السنتين الماضيتين بالرغم من اعترافه بأن هناك انتقادات داخليه بسبب كون الحزب معارضة موالية.
وبينما يري العديد في طاجيكستان المعارضة الإسلامية في لباس التطرف وكحركة عنف إلا أنهم يدركون أن مواصلة التعليم وتعزيز مطالب الحزب يجب أن تتم كما أنهم يرفضون الاستسلام لهؤلاء الذين يدفعونهم ليكونوا أكثر انتقادا للحكومة.
وفي نفس الوقت، فإنهم باقون كواحد من أعلى الأصوات الناقدة ولكنه نقد بناء وغير هدام. ويمكن للتصرف بشكل مختلف أن يسمح للحكومة بغض الطرف عن سيطرة الحزب وخطته التي حيكت بحرص لمتابعة التغيير من خلال العملية الديمقراطية والتي تستلزم ما لا يقل عن 20 إلى 25% من الأصوات في الانتخابات البرلمانية لعام 2010.
لذلك، لماذا لم تأخذ موقفا أصعب ضد الحكومة الطاجيكية في 2008؟ يري كبيري أن المشاركة في انتخابات عام 2010 مجرد "إضاعة للوقت والمال وتعب للأعصاب" ما دام ليس هناك تغييرات تشريعية ولكن حزب النهضة الإسلامية لديه خطة لتحسين القانون وخلق انفتاح أكبر ونظام تنافسي يهدف للمشاركة في البرلمان هذا العام.
وفي الحقيقة فإن اللجنة المركزية للانتخابات والاستفتاء في طاجيكستان تعد تغييرات قانونية وإجرائية في القانون الآن، بالرغم من أن التغييرات فيما يخص النظام العادل تجاه جميع الأحزاب (مثل فتح باب الحملات والتسجيل لمرشحي المعارضة) ما زالت خارج القانون.
ويقر كبيري بأن الحزب يحتاج إلى التغلب على فقد القائد سيد عبد الله نوري الذي استمر طويلا وأن يستعيد ثقته بنفسه.
أما بالنسبة لمستقبل الحزب فإن حزب النهضة الإسلامية يدعي أنه الحزب الوحيد في طاجيكستان الذي لديه لجان فرعية للمرأة والشباب إضافة إلى صحف دورية تخص الحزب تستهدف هذه الجماعات. كما أن متوسط عمر الحزب هو 38 وأكثر من 70% من أعضائه من الشباب (تحت سن الثلاثين).
ويناصر كبيري حزب النهضة الإسلامية كحزب يتألف من الطلاب ويدافع عن حقوق المساواة بين الطلاب في ضوء حظر الحجاب للمرأة في الجامعات واللحية للرجال إضافة إلى الارتداء الإجباري لرابطة العنق للرجال.
وقد عرض كبيري اقتراحه المستقل حول زيادة سلطة الإسلام في طاجيكستان ووسط أسيا وهو ما يبدو متطابقا مع المسح البياني للشرق (SHARQ).وبالنسبة لكبيري فليس السؤال عن ما إذا كان ينموا وإنما السؤال عن أي نوع من الإسلام ينمو، فهو قلق جدا من نمو ما يسمي "الوعي المتطرف" وما يمكن أن يتسبب فيه من زعزعة للاستقرار والسلام.
ويضيف بأن المدرسة الحنفية للإسلام بطبيعتها أكثر تحررا وتسامحا من غيرها من المدارس الإسلامية، ونادرا ما يكون هناك صراعات دينية في وسط أسيا، أما الصراعات التي تنشأ فغالبا ما تكون بسبب مشكلات سياسية أو اجتماعية اقتصادية.
والأكثر من ذلك، فإن تضامن المنهج السياسي الإسلامي في كل وسط أسيا سوف يكون صعبا للغاية نظرا للاختلافات الموجودة في البلاد وأفعال الحكومات في المنطقة بالرغم من أنها علي المستوى الفردي يمكن أن يكون لها تأثير مسيطر على السياسات كما في طاجيكستان وأوزباكستان وربما في جمهورية قرجستان. كما أنه من المبكر الحكم على احتمالية تضامن كافة المنطقة للإسلام في السياسات.
موجز
يصر حزب النهضة الإسلامية بكل وضوح على المضي قدما آملا في تغيير النظام من خلال الانتخابات والعملية الديمقراطية، مقرا بأنه ربما تأخذ وقتا إلا أنها تمثل مشاركة مؤثرة في مقاعد الانتخابات التشريعية لعام 2010.
لم يناقش كبيري رئيس حزب النهضة الإسلامية في طاجيكستان ما سيقوم به حزبه سوف يفشل في الفوز به (أو سوق يتم رفضه) عدد المقاعد المتوقع الفوز بها، ولكن يكفي القول بأن أتباع حزب النهضة الإسلامية في طاجيكستان (الحاليين أو المستقبليين) ربما يظهرون صبرا أقل بكثير من رئيسهم كبيري ويرغبون بأن تظل الأشياء طاجيكستان على ما هي عليه.
ومن المعقول توقع مواجهة سياسية حاسمة في 2010 في طاجيكستان؛ المعتدل محيي الدين كبيري والذي يخفي خططه للانتخابات الرئاسية في العام 2013 يعتمد على الرغبة السياسية للنظام في لإدخال تغييرات متوقعة على قانون الانتخابات.
ولكن رغبة الحكومة التي طالما قادها الرئيس رحمان حتى في مواجهة معظم الانتقادات اللاذعة التي واجهها منذ انتهاء الحرب الأهلية (وكان معظمها بسبب الركود الاقتصادي المتواصل ورد الفعل العاجز للحكومة على أزمة شتاء 2008 الإنسانية) لإبداء موافقته على المطلب السياسي المراد للسماح بمعارضة تعترف علي مضض بأنها من أكثر أعدائها الخطيرين والشرعيين للحصول على السلطة في الحكومة، وهو أمر مثير للشك في جميع الأحوال. كما أن الفشل في القيام بمثل هذا يمكنه أن يسبب تآكلا في الشرعية البسيطة التي تركتها حكومته في أعين الشعب.
أما بالنسبة لجماعات مثل الحركة الإسلامية في أوزباكستان وحزب التحرير فلا يعني تزايد السخط في وادي فرغانا تغييرا تلقائيا وشيكا للنظام في أوزباكستان أو طاجيكستان أو قرغيزستان.
وسوف تقوم أوزباكستان بمواصلة كفاحها مع تنافرها الداخلي وسكانها الأكبر في المنطقة ومواطنيها المتبنيين للمعارضة المتطرفة في الرد على الطبيعة السلطوية للنظام الحاكم. وفي نفس الوقت يمكن لأزمة أكبر أن تنشأ فالاجتياز النهائي لإسلام كريموف يوجد قيادة شاغرة.
وعلى ما يبدو أن خطة التوريث قد تطورت بالفعل، بالرغم من أنه في دولة تركمانستان المجاورة كان واضحا أن مرور الرئيس صبرا مراد نيازوف كان أمرا مدهشا، كما أن السرعة التي أتت بالرئيس قربانقلى بردى محمدوف علي يد قوات الأمن قد ضمنت بشكل نسبي التحول السهل للسلطة.
لا يتمتع كريموف في أوزباكستان بنفس نوع الاحترام الشخصي الذي يتمتع به نظيره في تركمانستان (وقلة آخرون).وليس مستحيلا أن يلعب الإسلام دورا في هذا التوريث وكيف يمكن للحركات الإسلامية في البلاد أن تصل إلى قلوب المواطنين وعقولهم وتقنعهم بأنهم بديل لسنوات القمع التي عاشوها في ظل حكم كريموف والتي ستحدد المستقبل القريب للإسلام كقوة سياسية في البلاد.
ومن غير المحتمل أن يكون للإسلام المتطرف شعبية في وسط أسيا على المدى الطويل وهذه الجماعات التي تدعم التطرف سوف ينتهي بها المطاف إلى أن تكون خارج اللعبة.
ومما لا شك فيه أن المواطنين في منطقة وسط أسيا يرغبون في العودة إلى أصولهم الإسلامية وقيمهم التي تحترمها الحكومة وتحميها.
ولكنه يجب أن يكون إسلاما لهذا الوطن ليتلاءم مع ثقافة الناس في المنطقة ولا نأتي بشيء من الخارج. وسوف يتطلب هذا مستوى كبيرا من الصبر والمثابرة من قبل المواطنين والمؤيدين لهم الذين سيواصلون معارضة النماذج السوفيتية وسوء سلوك المسئولين الحكوميين.
وقد كان مفهوم التحرر في الدين واضحا للصحابة والمسلمين على مر الزمان. وكذلك كان واضحا لمن يعتنقون الإسلام بعد ضلالة عندما يجدونه طريقا للتحرر من الكفر بالله.
وهو أيضا المعنى الذ أكده الصحابي الجليل ربيع بن عامر وهو أحد قادة معركة القادسية عندما جاء حاملا رسالة إلى رستم قائد الفرس وهو يرتدي ثيابا رثة ويحمل سهاما مكسرة ويركب فرسا كبيرا، فسأله رستم، ما الذي جاء بكم إلى هنا؟ (وكان رستم يتضاحك مع وزراءه)، وقال، هل جئتم لتغزوا العالم بهذا الحصان القديم وهذا السهم المكسور وتلك الثياب الرثة؟ فرد ربيع قائلا:
"إن الله قد بعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الحياة إلى سعة الآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام"
إذن فالإسلام في أصله رسالة تحرر، فأديان التوحيد جاءت لتحرير الناس لا لتقييدهم. وقد كان هذا واضحا من خلال تركيز الإسلام على مبدأ حرية الاعتقاد كما هو منصوص عليه في الحكم الذي ذكره القرآن، قال تعالى: " لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ"(البقرة: 256)
2.لا إكراه في الشريعة والأخلاق قبل كل شيء فإذا كان مبدأ عدم الإكراه في الدين هو المبدأ الذي يقيم حرية الاعتقاد فقد قام الإسلام منذ البداية بالتأكيد على مبدأ عدم الإكراه في الشريعة والأخلاق ثم بعد ذلك تكريس مبدأ الحاكمية على الناس ومبدأ حكم القانون.
وكدليل فإن الشروط التشريعية لم تتدخل في مكة وهذا يعني أنها لم تضغط على مجتمع لا يؤمن بالعقيدة الإسلامية.
وفي الحقيقة تدخلت هذه الشروط التشريعية في المدينة في مجتمع يقبل بها ويؤمن بشروطها كما أنه كان مستعدا للعمل بها طوعا. وهذا يعني أن الشريعة لم تفرض على مجتمع لم يؤمن بها ولذلك فإنها لم تفرض بتفصيلها وشموليتها على الأفراد أو الجماعات من خلال سلطة القوة.
إن الشريعة لا تحكم وإنما تفصل في الحكم. كما أنها تجبر الأفراد والمجتمع على إتباع شروطها في حالة عدم جدوى إجبار الناس على الاستفادة الدينية منها.
ويجب تذكر أن من متطلبات الإيمان قبول حكم الشريعة والتسليم لها. ولا يتم هذا الأمر إلا بالاعتقاد الراسخ والتفكير الهادئ للعقل فالإكراه يفقد الدين مصداقيته وطمأنينته حيث أنه التسليم لله بعيدا عن أي قيود.
وهذا يعني أنه لا يمكن الحديث عن الشريعة بدون الإيمان ولا يمكن الحديث عن الإيمان فقط إلا فيما يتعلق بالحرية والاختيارية والاقتناع النفسي والبدني.
3.استجوابات ضرورية حول مفهوم الشريعة إن من يتابع طريقة النشوء الداخلية لمفهوم الشريعة في العلوم الإسلامية والاستخدام المعاصر، وخاصة من الإعلام، سوف يلاحظ أن معنى الشريعة يخضع لعمليات تقليل تؤدي إلى تعديل المعنى الأصلي للعديد من المعاني الأخرى التي ضعفت بشكل ملحوظ أو وصلت إلى حد فقد معانيها. وهكذا أصبحت الشريعة تثير مخاوف العديد من الناس.
إن الخوف والرعب من استخدام وفهم المفهوم الواضح للشريعة يرجع إلى الرأي الشائع عن الإسلام ومفاهيمه في بعض وسائل الإعلام المعادية للإسلام والتي تثير الخوف من الإسلام.
كما أن هذا الخوف قد جاء نتيجة حملات التشويه المنظمة التي تقودها الحركات الإمبريالية. لذلك فإنه لا يمكننا أن ننكر أن معنى الشريعة كان قد خضع إلى إنقاص تاريخي ساعد على تقوية هذه الإشاعات:
أ.إن الشريعة تعني في الأصل الدين في سماتها التعبدية والأخلاقية والروحية والإيمانية كما تعني الشروط الشاملة والأهداف كما قال الله تعالي:
"ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ"(الجاثية: 18)
ب. وبتطور الحضارة الإسلامية وبدخول المجتمع الإسلامي حقبة التقنين وبسبب الضروريات الدينية المترافقة مع تطوير وتوسعة العلوم الدينية تم استخدام الشريعة بشكل اصطلاحي.
فقد تحول معناها من مجرد كونه معنى قرآني يحصر الدين بكل سماته إلى معنى آخر اصطلاحي يتعلق بمجال علوم الفقه. وقد انتقص منه مؤخرا في الجانب التشريعي للفرد والمجتمع.
ت.وبعد احتلال القوى الاستعمارية للدول الإسلامية قاموا بتأسيس أنظمتهم التشريعية والقانونية وأزالوا نظام التشريع الإسلامي. ثم ألحقت بعد ذلك الشريعة بهذه الهيئة لتخفض إلى أن تصبح قانون عقوبات قم بعد ذلك تم اختصارها إلى ما يعرف باسم "الحدود". وبالفعل فإن هذه هي الإشاعات التي انتشرت ضد الإسلام والحركات السياسية مأخوذة من المصادر الإسلامية.
إن الشريعة تعني لنا الدين كله. فهي تشمل الإيمان وما يتعلق بالإيمان بالأمور القانونية والعلاقات الاجتماعية والمؤسسات التي تقوم بتنظيم هذه العلاقات من الأسرة إلى المسجد والمدرسة والسوق والدولة والسلام والحرب وهكذا. وبهذا الصدد فإن مفهوم الشريعة يستبعد أي شكل للإكراه أو الأنظمة المستبدة أو الأنظمة الدينية أو مصادرة أي من الحقوق الفردية.
4.العلاقة بين الشريعة والقانون :إن الارتباك بين الشريعة والقانون يعد من بين الأخطاء الفادحة التي يرتكبها بعض المنتمين للجماعات الإسلامية. وقد استغلت هذه الأخطاء من قبل بعض الخصوم، فهم يحاولون جعل الشريعة قانونا بلا روح لا يأخذ في الحسبان أحوال الناس والسمات الاختيارية للعلاقة مع الشريعة والمعتمدة على الرضي والاستسلام.
فإذا كان القرار في المجتمعات الإسلامية بجعل الشريعة مصدرا أساسيا للقانون فإنه يجب التأكيد الاختلاف بينهم فيما يتعلق بالطبيعة والمنطقة وفقا لما يلي:
• تضع الشريعة دائما مبادئ وتدابير شاملة كما ترتبط بالوازع الديني، ولهذا السبب فإنها راسخة وملزمة من خلال مصادرها الشاملة وأهدافها العامة وتدابيرها المتوازنة وبينما انشق القانون من الشريعة فهو عمل إنساني إيجابي يخضع للتغيير.
• تضع الشريعة تدابير ومبادئ عامة ويكون أصلها هو الفقه بينما يقوم القانون بتنفيذ هذه التدابير على أرض الواقع في وقت ومكان محدد بعد إصدارها من قبل السلطات الموكلة بالتشريع.
• تحرم الشريعة وتظهر فالتوضيح والتحريم يعتمدان على الإيمان والضمير البشري بينما يحرم القانون ويحلل أو يسمح كما أن مجال عمله يمتد إلى العلاقات الإنسانية المنظمة في ظل التشريع والصادرة من قبل السلطة التي تملك سلطة منح مثل هذا عن طريق الأمة التي هي مصدر هذه السلطات. والمعروفة في الفكر السياسي باسم سلطة الأمة.
ولذلك فإن القانون يضع حدودا تحكم العلاقات بين الأشخاص وهذا يعني أن سلطة الدولة لا تتدخل في ما يتعلق بالعواطف الدينية أو بالإيمان ولكنها تتدخل فقط فيما يتعلق بالقانون، حتى وإن تدخلت بشكل محدود فيما يتعلق بالإطار العام أو بالأدب العام والأخلاق والتي ترتبط بلا شك بالمجتمعات الإسلامية في صلاحيات الدين والإيمان والأخلاق كما يراه الدين ويبشر به.
ووفقا لهذا فإذا كانت الشريعة هي أصل أي شرائع مما يعني أن أصل تدابيرها ومبادئها الشاملة كائن في الوحي، وأن مصدر القانون إيجابي ومن بينها القوانين التي اشتقت من الشريعة. وبالرغم من مرجعيته الدينية فإنه يظل قانونا بشريا فعالا (اجتهاد) ولم يضفي على الاجتهاد قداسة بسبب أنه مأخوذ من الشريعة فقط.
فإذا كانت السلطة الملزمة للشريعة إيمانا دينيا اختياريا فإن السلطة الملزمة للقانون هي سلطة ولية لدولة تعتمد على تطبيق القانون (القضائي أو التنفيذي أو الرقابي). وهذا يعني أنه حتى لو كانت الشريعة مشتقة من الدين فإنها لا تشتق سلطتها الملزمة من وجهة النظر السياسية والعملية بعد تبنيها من قبل السلطة الإلزامية سواء كانت سلطة تشريعية أو قضائية أو تنفيذية وفقا للحالة.
•ويخصص هذا حكما آخر بأن الشريعة تحكم في النزاعات ولا تقوم بالحكم بشكل مطلق. ولذلك فإن الشريعة تلزم فقط المسلمين المؤمنين وتفيد فقط أولئك الذين أسلموا لها باقتناع كامل وراسخ، قال الله تعالى: " فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً" (النساء: 65)
ولذلك فإن الشريعة والفقه الإسلامي يعترفان ويقران ويجب عليهما أن يضمان مطالب القانون والتشريع في سبيل حماية حقوق غير المسلمين. فمعتقداتهم وشعائرهم الدينية وعاداتهم قد استثنيت من مقتضى الشريعة، بينما يجب أن يتم مساواتهم بالباقين.
ويقول الدكتور فتحي أسامة:
"روى الفقهاء أن أهل الذمة إذا ما قاتلوا في الدين أو اختلفوا في معتقداتهم فلا يجب معارضتهم وإذا ما كان هناك صراع حول الحقوق وذهبوا إلى الحكم فيما بينهم فلا يجب منعهم من مثل هذا ويجب على الحاكم أن يرجع إلى الإسلام عند الحكم في قضيتهم وسوف يحاكمون وفقا للحدود إذا ما أخطئوا.
وإذا ما اخترق أي منهم ميثاقا فإنه يجب أن يحضر إلى مكان آمن ثم ينظر في الأمر كمقاتل، وبالنسبة لأصحاب الميثاق فإنهم يؤمنون على أرواحهم ومتعلقاتهم إذا ما دخلوا ديار الإسلام..." من مصادر الفكر السياسي الإسلامي.
5. مبدأ حكم القانون من وجهة نظر إسلامية إن مبدأ حكم القانون هو مبدأ مزدوج: الأول أنه لا يجب أن يكون هناك تحريم لشيء ما دام قانونيا، وأن الحكم مشتق من قول الله تعالى: " مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً"(الإسراء: 15)
وقال الله تعالي: " وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" (التوبة: 115)
وهذا يعني بأن مبدأ المسئولية الذاتية للبشر في ممارسة مبدأ الحرية والاستعداد الشخصي حول بعد النظر للقيام بالعواقب المحتملة في انتهاك قانون العواقب القانونية والاجتماعية.
أما الجزء الثاني فهو أن الناس كلهم سواسية أمام القانون بغض النظر عن أوضاعهم القانونية أو لونهم أو جنسهم أو سلالاتهم أو موضعهم من السلطة. وقد وجد هذا المبدأ أصلا له في القرآن، فالله سبحانه وتعالى يقول:
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرا" (النساء: 135)
وقال الله تعالى:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ"(المائدة: 8)
وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أتى أسامة بن زيد وسأله بأن لا يطبق "الحد" فأنكر النبي هذا وصاح قائلا: "يا أسامة أتسألني أن أعفو عن حد من حدود الله؟ إنما ضل من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها."
وتتمثل أهمية الجزء الثاني في أن الناس يعيشون في مجتمع يسوده حكم القانون حيث لا يستخدم القانون للتمييز أو لتقليص الحريات للبعض وإغلاق الأعين عن الانتهاكات التي ترتكب ضد البعض الآخر، وهذا ما يوجد احتراما أكبر للقانون. وهناك لا يجب أن يكون هناك قانون إلا من خلال تقنين وتشريع.
فالتشريع هو قانون إنساني يعني مصدر السلطة. وفي الوقت نفسه فإن التدابير القانونية تظل رأيا فقهيا ولا تكون إلزامية إلا ما استخدمت من خلال هيئة تشريعية.
وعلى أي حال فإنه من الواضح أن التشريع في ظل حكم الأمة الإسلامية سوف يظل مصحوبا، في مصدره الأساسي، بالشريعة الإسلامية في تدابيرها الشاملة وأهدافها العامة. ولذلك فإن الأمة الإسلامية سوف تمارس سلطتها فقط داخل إطار عمل الإيمان الراسخ للتضامن الديني والثقافي داخل نطاق هويتها التي وصفت في دستورها كقانون أعلى.
ووفقا لهذا، وباعتبار أن الدولة العادية هي دولة حرة فمن ثم يمكن أن تحصر من خلال القانون فقط وليس على أساس الحالة النفسية للأفراد. وعلاوة على ذلك، فإن القانون لا يجب أن يقمع الحرية إلا إذا كان هناك انتهاك في مقتضياتها أو انتهاك لمصلحتها حول حقوق وحريات الآخرين، إي في حال إذا ما تعارضت هذه الحرية معها. فالقانون يحمي الحريات ويضبط ممارستها.
6. مبدأ سيادة القضاء وانفصال السلطات لضمان حرية الأفراد والجماعات وإذا ما نظرنا إلى أهداف وتدابير الشريعة والتجارب الإسلامية التاريخية فإننا سوف نلاحظ مبدأ استقلال النظام القضائي كمبدأ أساسي للقضاء والتشريع في الحضارة الإسلامية. ومن خلال هذا المبدأ يتم منع طغيان الحاكم على الشريعة أو المصالح الدينية أو العامة.
فالاختلاف كذلك يجب أن يكون بين الرأي الفقهي أو الرأي الديني (الفتوى)، والذي بقي موقفا دينيا عاما لا يحمل قانونا إلزاميا ما دامت السلطة التشريعية لم تصدق عليه. وهذا ما جعل العلماء يقرون إذا ما اتفق عدد من العلماء (بالإجماع) على الفتوى فإنها تكون إلزامية.
وكذلك نفس الشيء فعندما يأخذ الحاكم جانب السلطة التشريعية التنفيذية فإنها تتبع وفقا للحكم الاجتهادي، فقرار القائد/ الحاكم ينهي الاختلاف. وبسبب أن الإجماع مطلوب فإن رأي الاجتهاد (الفتوى) تحولت من رأي ديني إلى قانون.
وللابتعاد عن مستوى القانون إلى مستوى التدبير أو الإجراء المنسق وخاصة فيما يتعلق بالحكم فإن الشخص المختص ليس فقيها ولا حاكما وإنما قاضيا. ولا يسمح للحاكم تطبيق بعض الأحكام القضائية إلا إذا صدرت من قبل الهيئة القضائية المستقلة، وبعد محاكمة نزيهة تتوفر فيها شروط المحاكمة العادلة.
ومن هذا المنطلق فربما لا يتاح للأفراد إصدار الأحكام القضائية أو الفتاوى. فالفتوى هي رأي فقهي عام؛ رأي يصدر من سلطة مؤهلة وتشريعية وفقا لقول الله تعالى:
"وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً"(النساء: 83)
إن تطبيق الفتوى على الشخص المختص تحتاج إلى فعل قضائي. ومن المعروف أن الفشل في عمل اختلافات بين هذين المستويين كان أصل خلاف عميق بين إيران وبريطانيا عندما أصدر الخميني فتوى بإهدار دم سلمان رشدي. وعلى أي حال، فقد أقنع الإيرانيون البريطانيون بأن هذه الفتوى كانت رأيا دينيا وأنه يمكن تطبيقها فقط إذا ما كان هناك حكما قضائيا متعلقا بها.
وحتى إن صدر الحكم القضائي فإن تطبيقه يظل في أيدي السلطة التنفيذية. فتنفيذ التدابير عن طريق الأفراد يعد انتهاكا للسلطة التنفيذية ويتطلب عقابا وفقا لما يقوله العلماء. فتطبيق التدابير من قبل الأفراد قد تم تعريفه بأنه يعني رأي الطاغية وأنه يبادر بفعل بعض الأشياء بدون الحصول على إذن من السلطة التي لديها سلطة والتعدي على حق الآخرين ممن لهم الحق في ممارسة هذا.
ووفقا لهذا فإن العلماء قرروا أن الأحكام تنفذ من قبل الحاكم أو نائبه سواء كان هذا حد من حدود الله مثل الزنا أم فيما يخص البشر مثل القذف. كما قرروا أيضا أن الأحكام القضائية ربما لا تنفذ إلا بموافقة الحاكم وحضوره.
المراقبة في المنظور الإسلامي
تعد المراقبة في الإسلام قبل كل شيء وخاصة المراقبة الذاتية للأخلاق. إن تطبيق هذا المبدأ في هذه الفترة المعاصرة من حرية الإبداع أو حرية التعبير وهو ما يعني أن الأخلاقيات المهنية يجب أن تسود في حال حرية التعبير في الصحافة ومراقبة المجال الأدبي والفني والسينمائي والانتقادات المسرحية.
ثانيا، فإن مراقبة عموم الناس تمارس من قبل المجتمع من خلال العديد من وسائل القمع السلمي للدفاع عن الأسس الأخلاقية والأخلاق العامة وإعادة النظر الأكاديمية في مجال الفكر (تجربة الحضارة الإسلامية والأدب). وبعد كل هذا تأتي المراقبة القانونية ووسائلها في تمثيل القانون التي تضمن الحق العام والأخلاق وتخاطب جميع أشكال الإرهاب الثقافي الذي يمارس باسم حماية حرية الأفراد.
الحرية والمسئولية
وبعد التجربة الإنسانية التي ظهرت من خلال ممارسة التأمل الفلسفي أو الميراث القانوني الإنساني والقانون الدولي المعاصر فإن هناك مجموعة من الحقائق والمبادئ التي تأكدت:
• مبدأ الفصل بين الشريعة والقانون فالشريعة تتمثل في التدابير بينما القانون هو التشريع والتنظيم.
• في البداية فإن مبدأ الفصل بين القانون الذي هو مصدر العديد من آليات التشريع وبين القضاء الذي هو آلة تطبيق القانون في العديد من قضايا الأفراد. ومن ناحية أخرى الفصل بين السلطة القضائية والسلطة الموكلة بتطبيق القرارات القضائية (فصل القوى).
• مبدأ الانسجام بين حق الفرد (قيمة الفرد) وحق المجتمع (قيمة المجتمع). وتكفل حرية الإبداع إلا إذا انتهكت حقوق الآخرين. وتطبيق هذا المبدأ في المجال الصحفي يوجد مبدأ آخر، وهو مبدأ التلاؤم بين حق إتاحة المعلومات وحرية التعبير وحق حماية الحياة الخاصة.
ويجعل هذا المبدأ الحفي نفسه والمراسل وممثلي السياسة في مواجهة تسوية صعبة للموازنة بين هذه الحقوق وترك المجال الذي فتح عريضا للقانون المهني والمناقشة الأخلاقية والقضائية. ويمكن لهذا أن يستأنف مناقشة فلسفية أبدية لم تتوقف أبدا منذ قرون حول قضية الحرية وحدودها، أين تبدأ وأين تنتهي وعلاقتها بالمسئولية.
ومن وجهة نظرنا فإن القول الحاسم في الحديث عن المفهوم المطلق لقيمة الحرية أو الحرية غير المنضبطة يعد مفهوما وهميا ومهجورا. وفي الحقيقة يبقي الصحفي بشرا يأكل الطعام ويمشي في الأسواق. وعلى كل حال، فهناك بعض الذرائع التي تستخدم مفهوم المصلحة القومية العليا أو كل ما هو مقدس لتبرير انتهاك حرية الصحافة. ولذلك فإننا ندرك أن المبدأ العام يجب أن يكون لتعزيز حرية التعبير وتقويتها في نفس الوقت بمجموعة من الأحكام المهنية والقانونية والقضائية والثقافية والفنية. ومن هذا:
•الأحكام القانونية: قابلية حماية الحياة الشخصية، سمات لا تتعلق بالمسئولية العامة أو السمة العامة للمسئولية. كما أن القانون الدولي واضح فيما يخص حرية التعبير. كما أن الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية تربط ما بين حق حرية التعبير وما ينتج عنها :
- لكل فرد أن يعتنق الآراء بدون تدخل.
- لكل فرد حق حرية التعبير، وهذا يشمل حق البحث وتلقي المعلومات ونقلها وكذلك الأفكار من كافة الأنواع بغض النظر عن حدودها سواء شفهيا أو كتابية أو مطبوعة، سواء في شكل الفن أو من خلال أي وسائل إعلام أخرى.
وتؤكد الفقرة الثالثة من نفس المقال ما يلي:
إن ممارسة الحقوق التي قدمت في الفقرة رقم 2 من هذا المقال تحمل في طياتها واجبات خاصة ومسؤوليات. ولذلك فإنها يمكن أن تخضع لبعض القيود ولكنها فقط ستكون مثل أولئك المقدمين من قبل القانون وسيكونون ضروريين: أ. لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم،
ب. لحماية الأمن القومي أو القانون العام أو الصحة العامة أو الأخلاق.
إضافة إلى ذلك، فإن الفقرة الثانية من المقال العشرون تؤكد:
أن أي دفاع عن البغض الديني أو العنصري أو القومي الذي يعتبر تحريض على العنصرية والقتال والعنف سوف يتم تحريمه بالقانون.
المادة رقم 19:
تؤكد كذلك على حق الأمم في إصدار قوانين لحماية الأخلاق العامة التي تتعارض مع الاعتقاد السائد بأن الرؤية الدولية لحقوق الإنسان تطالب بتشريع الزنا بالرغم من الإعلان الشامل لحقوق الإنسان الذي يقول، "إن الأسرة هي الوحدة الأساسية والطبيعية للمجتمع ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة."
المادة رقم 12: تقول هذه المادة من التصريح الشامل لحقوق الإنسان "لا يخضع أي واحد للتدخل اعتباطا في ما يخصه وفي شأن أسرته وبيته أو مراسلاته ولا يتم انتهاك عرضه وسمعته. ولكل واحد الحق في حماية القانون ضد مثل هذا التدخل."
وأود أن أكون مفيدا بالتأكيد على أن القضاء له الكلمة الأخيرة في تحديد ما إذا كانت ممارسة بعض الحريات تؤذي حريات الآخرين. كما نشير إلى الهيئة القضائية بأنها المرجعية الوحيدة في تحديد ما إذا كان الصحفي قد انتهك الحياة الشخصية أو هاجمها أو ارتكب جريمة النشر. وإننا نعني القضاء المستقل والمختص بسبب خصوصية الجرائم المنشورة والتداخل الشديد بين حق الحصول على المعلومات وتعارضها مع قضايا تشويه السمعة.
وفي جميع القضايا يجب أن يكون للأحكام الأخلاقية والمهنية أولوية في قضية الصحافة كما أن قوة هذه الأحكام يجب أن تكون أكبر من سلطة المراقبة القانونية. فالإرشادات المهنية والأخلاقية عرضة للاتزان بين قيم الحرية والمسئولية.
7. مبادئ السيادة في الأمة
ويصف علال الفاسي مفهوم السيادة قائلا:
"إن معنى السيادة في القوانين الدستورية هو ما يشير إليه النظام السياسي من أي مصدر تشريعي يشتق منه القانون أو الحكم الحق الذي يذعن له وللعمل به، ومن بين ذلك قضايا التشريع أو الإجراءات المتخذة (...) والسياسيون في العالم إذا ما وافقوا على وجود الحكم فإن هذا ضروري لتقوية الحكم والشريعة فإنهم لا يوافقون علي أساسه وأصله والبعض منهم يراه حقا طبيعيا.
ومن الواضح أن فكرة أخذ الحاكم سلطته المباشرة من الله هي أغرب ما لوحظ في الإسلام كما ذكرنا سابقا، وهذا ما تم تأكيده من قبل اتجاه الفقه الإسلامي لجعل إمامة مصالح ورفض وتحويل الاتجاه السائد للمفكرين الإسلاميين من "المجتمع السني" إلى "الرغبات" كما سبق وذكر من قبل عندما تحدثنا عن الطبيعة المدنية للدولة الإسلامية.
والدليل علي ذلك رفض الخلفاء الراشدين تسمية أنفسهم بخلفاء الله، فقد اعتبر الخليفة أبو بكر الصديق خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يحكم بتفويض من الله سوى خلفاء بني العباس الذين أكدوا على أنهم يحكمون بتفويض من الله وقد ظهر هذا جليا في قول أبي جعفر المنصور "إنني سلطان الله في الأرض."
كما أن بيان الحكم في الدولة الإسلامية يتمثل في رغبة الناس وسيادة الأمة التي يمارسها الشعب. (فقدت...) ولكن الاتكال على هذا الاتفاق قد حدث من خلال علماء، لأن العقد التالي كان على غير رغبة الأمة وكانوا هم الأشخاص الذين تولوا السلطة وقد طردوا وعزلوا بسبب أن مصدر السلطة هو الخلافة، فلقد كان المسلمون هم أول من قالوا أن الأمة هي مصدر جميع السلطات، ولكن كيف يمكن الوصول إلى سيادة الأمة بحكم يقر بالحاكمية السماوية العليا؟
أما بالنسبة لما يخص السماء، فمن الواضح أن فكرة أخذ الحاكم سلطته المباشرة من الله هي أغرب ما لوحظ في الإسلام كما ذكرنا سابقا، وهذا ما تم تأكيده من قبل اتجاه الفقه الإسلامي لجعل إمامة مصالح ورفض وتحويل الاتجاه السائد للمفكرين الإسلاميين من "المجتمع السني" إلى "الرغبات" كما سبق وذكر من قبل عندما تحدثنا عن الطبيعة المدنية للدولة الإسلامية. كما أن بيان الحكم في الدولة الإسلامية إنما تتمثل في رغبة الناس وسيادة الأمة والتي تتمثل في بيعة الناس للإمام.
أما بالنسبة لما يخص الحكم، فإن الفكرة قد تزايدت في اعتبار بعض المفكرين الإسلاميين لتصل إلى جعلهم يقررون مزيدا من المميزات علي الأحكام ولكنهم كانوا علي حذر بأهمية الحكم وكذلك فإننا نفضل استخدام تعبير "الشريعة الحاكمة" للتأكيد على أهمية سموها كمصدر للتشريع.
كما أن مفهوم الحكم كما قال سيد قطب لا يضم جميع سمات الحكم القضائي ومعاني العبودية. وكذلك في الآيات التي تتضمن قضية الحكم وملاحظات التحكيم والتي جاءت لتحديد دور الحاكم والمحكوم: فالحاكم هو الذي يقوم على تطبيق حكم الله، وقد أشارت الأوقات إلى الحاكم (هنا سوف يكون الآية)
الاستنتاج الأول أنه لا معنى لحاكمية إلا إذا كانت تعتمد التحكيم المقترن بالرضا النفسي والاستسلام والشكوك. والاستنتاج الثاني بأنه ليس هناك فائدة دينية من التطبيق الجبري في مجتمع لأفراد لا يؤمنون بالشريعة وكذلك فليس هناك فائدة من تطبيق حكم القانون في مجتمع لم يجبر علي التخلي عن الحكم القضائي الأكيد.
لذلك فإنه ليس هناك تعارض بين مبدأ الحكم ومبدأ السيادة داخل المجتمع الإسلامي لعديد من الأشخاص. أما الحكم في مثل هذه المجتمعات يعود إلى الله ويصدر الميثاق والتحرر للمجتمع يجب أن يكون مشروطا في الدستور عندما يقرر مبدأ الدولة الإسلامية وحكم الشريعة على القوانين الأخرى. فمبدأ الحكم لا يأخذ سلطانا يرثى له وإنما هو إيمان، لا استسلام وتحكيم اختياري.
قانون الإسلام. الحكم الإلهي يسبب عقبة أساسية ولكنه لا يأخذ الطريق إلى الواقعية فقط من خلال التسليم والإيمان الراسخ وإرضاء الأمة. كما أن الشعب المسلم هو مصدر جميع السلطات فيما يخص الإطار الأكبر لعمل الدستور وهو القرآن.
كما أن بيان الحكم في الدولة الإسلامية إنما هو رغبة المسلمين وإعلان الأمة للحصول على مثل هذه السلطة إنما هو الدستور المكتوب وهو القرآن والإسلام وهو معترف به من قبل الأمة كلها وكذلك اعتراف رجال دين الملوك السابقين والرؤساء أو لبعض المجتمعات.
ويجب أن يتم ملاحظة أن سيادة تشريع الأمة لإطار العمل الدستوري الذي ينعكس على هوية الأمة وإيمانها وثقافتها في القضية المعاصرة في البلدان المتبنية للديمقراطية منذ زمن تدرك سيادة الأمة. كما لا تقوم بتصوير دولة غربية بشكل يؤدي لانتهاك حكم الدستور.
وباختصار، وكما هو واضح أن الدولة ذات المنظور الإسلامي هي دولة إبداعية ولكنها دولة ذات مبادئ أخلاقية ودينية تنبع من الإسلام وهي دولة مدنية تقوم علي السيادة العامة والميثاق بين الحاكم والمحكوم ومن خلال هذا يصدق على الانتخابات فالخلافة الراشدة لم تكن تمثل سلطة الله في الأرض ولذلك قاموا برفض تسمية أنفسهم خلفاء الله في الأرض ولكنهم خلفاء رسول الله.
ملاحظات كارل جيرشمان رئيس المؤسسة القومية للديمقراطية في المؤتمر السنوي التاسع لمركز دراسة الإسلام والديمقراطية
إنني مسرور جدا لكوني هنا اليوم مع أصدقائي في مركز دراسة الإسلام والديمقراطية. وليست هذه هي المرة الأولي التي أتحدث فيها في مؤتمركم السنوي. في الحقيقة إنني أشعر وكأنني أصبحت منتظما وأن علاقتنا أصبحت مألوفة وكأننا صرنا أسرة واحدة، وهذا شيء جيد. وإننا في هذا المؤتمر نتناول معا بعض القضايا الصعبة ونتشارك الالتزام المشترك للديمقراطية.
وكما نعرف جميعا فإننا الآن في فترة حرجة جدا. فمنظمات المجتمع المدني غير الحكومية والنشطاء الديمقراطيين والصحفيين المستقلين والمدونين في العديد من البلدان يضربون من جانب واحد بما يعرف باسم رد الفعل العنيف ضد الديمقراطية وتتمثل في القيود على حق المزاملة وكذلك العوائق أمام حرية التعبير والانتهاكات والاعتقالات والإجراءات القانونية مثل تلك التي اتخذ ضد صديقنا سعد الدين إبراهيم ومركزه ابن خلدون وكذلك العراقيل ضد المساعدات الدولية وغير ذلك. ومن ناحية أخرى فقد عارض هذا ما سماه ستيف هيدمان "تزايد السلطوية"، وهو نوع من رؤى الشرق الأوسط من "ديمقراطية الحل" الروسية حيث تقوم الحكومة بعمل انفراجة سياسية مسيطر عليها لتظهر بشكل ديمقراطي.
وبلا شك فإن هناك ضعفا في المساعدات الأمريكية والغربية بسبب الخوف من الإسلاميين واستغلالهم للانفتاح السياسي الديمقراطي والطريقة التي يتعامل بها مبارك وآخرون من الدول السلطوية ونصف السلطوية مع هذه المخاوف.
ولكن هذه المشكلات تحتاج لأن توضع في الاعتبار، فمنذ عشرون عاما مضت وحتى قبل عشر سنوات لم نكن نتعرض لمثل هذه المناقشات.
إن قضية الديمقراطية في الشرق الأوسط وكذلك في العالم الإسلامي العريض لم تكن يوما في الاعتبار. فالمحللون السياسيون قاموا بشرح حقيقة أن الموجة الثالثة من الدمقرطة قد مرت على الشرق الأوسط من خلال الحديث عن الاستثنائية العربية والبحث عن الأسباب الثقافية والسياسية للتفسير من خلالها.
أما الآن فإنها لم تصبح فقط في الاعتبار، بل إنها أصبحت مركز المناقشات الرئيسية حول الديمقراطية أيضا. حتى عندما يعلق الناس على المشكلات – تراجع الولايات المتحدة وانسحابها عن الضغط حول الديمقراطية – فإنهم يجمعون على أن هذه القضية لا يمكن تجنبها.
إننا يجب أن نفهم أننا في بداية عملية طويلة وصعبة. وهي كيف تتطور الديمقراطية عير الوقت وكيف تبدأ وتنتهي والعديد من المشكلات. وهذه الطريقة التي كانت في الغرب والتي يعتقد الناس أنها تتلاءم مع الديمقراطية. فقط فكر في الصعوبات التي تكبدتها الدول الغربية في محاولاتها لتحقيق الديمقراطية:
فرنسا بعد ثورتها وخلال القرن التالي ونصف القرن، وكذلك ألمانيا حيث أعطت ديمقراطية فايمار الأولوية للنازية والحرب العالمية والهولوكوست وكذلك أسبانيا التي شهدت حربا متواصلة بين الجمهوريين والملكيين بلغت ذروتها بالحرب الأهلية، فحروبنا الأهلية تقوم حول قضايا العبودية والتوريث وهو ما تبعه قرن من الفصل القانوني وإنكار حقوق التصويت والمشكلات التي لم يتم التغلب عليها حتى حركة الحقوق المدنية في الخمسينيات والستينيات مع أننا إلى يومنا هذا نحارب للتغلب على التوريث.
لذلك فإن الديمقراطية تأتي في كل مكان بصعوبة بالغة ونري دليلا اليوم في جميع أنحاء العالم في بورما والصين وفي العديد من الدول الأفريقية الشيوعية، وفي منطقتنا أيضا. ولكن لا يوجد في أي مكان سؤال حول ما إذا كان الناس مؤهلين للديمقراطية بمقتضى ثقافتهم وعاداتهم ويثير الشفقة أكثر مما هو عليه الحال في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي أجمع.
إنكم جميعا متفقين مع هذه البراهين كما أن هذا المؤتمر يحاول مناقشتهم من خلال فحص قضية الإسلام السياسي وعلاقته واحتمال اختلافه مع الديمقراطية. كما أن لدي العديد من الأفكار حول هذا ولكن بعد مرور دقائق قليلة لذلك دعوني أقدم ثلاثة أمامكم.
أولا: هو أن عملية البناء والتقدم نحو الديمقراطية لا يمكن وقفها إلى أن يكون الناس على استعداد لاستقبال الديمقراطية. إنها يجب أن تبدأ الآن وعلى عدد من الأصعدة من خلال بناء منظمات المجتمع المدني واتحادات التجارة والكفاح من أجل حرية التعبير والإعلام المستقل والدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق الأقليات والوقوف إلى جانب حقوق المرأة ومشاركتهم في شئون المجتمع وإعطاء الشباب فرصا تعليمية واقتصادية من خلال تطوير المدارس الجيدة ومن خلال اقتصاد يمكنه أن ينافس في الأسواق الإقليمية والدولية وكذلك من خلال فتح آفاق للمشاركة السياسية.
ومثل هذه المشاركة يجب أن تكون مفتوحة أمام جميع الأحزاب المستعدة لقبول الأحكام الأساسية لعملية الديمقراطية وعلى رأسها نبذ العنف، وهذا هو الثمن البخث للقبول داخل العملية السياسية. وعلى هذا فإن عليهم بالطبع قبول فكرة أن الممارسات الديمقراطية والقيم يجب أن تراقب ليس فقط من أجل المنافسة على السلطة السياسية ولكن في ممارستها أيضا.
ولكننا لن نعرف حقيقة أحكامهم الديمقراطية – حول قضايا حقوق المرأة وحقوق الأقليات والتعددية – ما لم يتم اختبارها عمليا.
ربما لم يكونوا قد عرفوا أنفسهم حتى اليوم، وهو السبب الذي يجعل العديد من الجماعات الإسلامية تبقي في المساجد إلى اليوم، في ظل الشروط السلطوية، بدلا من إخضاع أنفسهم لاختبار المنافسة السياسية.
إنني أفكر حول هذا السؤال حول مشاركة الإسلاميين في العملية الديمقراطية وتذكرت التصريح الذي ذكره أمارتيا سن في خطابه الرئيسي عند تأسيس مجلس الحركة العالمية للديمقراطية، حيث قال "إن أي دولة لا يجب أن تكون مؤهلة لاستقبال الديمقراطية، ولكنها تكون مؤهلة من خلال الديمقراطية."
إن الديمقراطية هي عملية إنماء وتطوير بحيث يمكن للناس التعلم من المناقشات التي يكثر فيها القول والتناظر والمنافسة السياسية. ومن المؤكد، أنه من المحتمل بناء حماية في تطوير هذه العملية وبذلك يمكنها الانتشار بشكل تدريجي، مع جميع الجماعات الإسلامية وغيرها، فيسمحون للحرية أن تنمو وأن يتم اختبارها لذلك فإنه يمكن تحريك السياسات من المساجد والشوارع إلى ميدان التغيير السياسي والتنافس الجاد.
ثانيا: إنه الوقت المناسب للأحزاب والنشطاء في الشرق الأوسط للتواصل في طريق جاد مع نظرائهم في العالم الإسلامي غير العربي. ولهؤلاء الذين يسألون عما إذا كان الإسلام ينسجم مع الديمقراطية، دعونا نلاحظ أن الديمقراطية في العديد من دول الأغلبية الإسلامية في جنوب وجنوب شرق أسيا وأفريقيا قد ازدهرت بالفعل أكثر مما كان متوقعا وقامت بتطوير المستويات الاجتماعية والاقتصادية.
فعلى سبيل المثال، ما حدث في إندونيسيا خلال العقد الماضي إنما هو أهم تطور للديمقراطية منذ انتهاء الموجة الثالثة في بداية التسعينيات. وجميعنا يحتاج لفهم كيف أن تأسيس مثل هذا التحول قد جاء إلى البلاد قديما من خلال الكفاح الذي أدى إلى انتصار الإسلام المعتدل غير المتعصب والذي إلى اليوم، وهو مبغض أيديولوجيا بعد أحداث 11 سبتمبر، قادر على احتواء وتهميش جهود الإسلاميين المتطرفين لاستغلال الانفتاح الجديد لتقوية أجندتهم الخاصة.
وبالتأكيد، وبينما نقوم بمناقشة علاقة الإسلام بالسياسات الديمقراطية فإننا يجب أن ندرس جيدا أفكار المثقف الإندونيسي Nurcholish Madjid والذي أعلن قائلا "الإسلام نعم، أما الإسلام السياسي فلا،" كإطار عمل لتقوية حيوية الإسلام كإيمان والديمقراطية كنظام سياسي. ويسعي الرئيس الإندونيسي السابق آمل أن يستطيع مركز دراسة الإسلام والديمقراطية التواصل مع هذه الشبكة للتقدم بالأهداف الديمقراطية المشتركة.
كما أوصلني المقال الذي كتبه وحيد في جريدة الوول ستريت السبت الماضي إلى فكرتي الثالثة والأخيرة. وقد وضع المقال رؤية للسلام بين إسرائيل وفلسطين وناقش التأثير الهدام على المسار السياسي من خلال عالم البغضاء النابع من هذه الصراعات.
واليوم هي الذكرى الستون للصراع الإسرائيلي وإنني أعتقد من العدل قول أن هذا البغض لم يقل بل إنه قد تزايد بشدة أكثر مما كان عليه من ستين عاما. ولكن من هو المستفيد من هذه البغضاء؟ بالتأكيد ليسوا هم المستفيدين. ففي مقاله في الجريدة اتهم وحيد الأنظمة السلطوية في الشرق الأوسط باستغلال هذه المشاحنات لإشعال "روح معاداة إسرائيل ومعاداة السامية من أجل أهداف سياسية بينما لا يعيرون اهتماما للفلسطينيين أنفسهم."
وقد دوت هذه النقطة في بداية هذا الأسبوع من قبل رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض الذي قال، "شعارات فارغة... لا تجدي شيئا سوى الكوارث." كما جرت هذه الشعارات الكوارث على رؤوس الديمقراطيين العرب، منذ أن استخدمت الأنظمة الصراع لتبرير حكمهم ولإبعاد النظر عن تجاوزاتهم.
وقد ذهب صديقنا لاري دايموند للإشارة إلى الصراع مع إسرائيل وطرق استغلاله من قبل الديكتاتوريين في الشرق الأوسط كعامل أساسي يشرح نقص الديمقراطية في المنطقة. وإنني لست متأكدا مما يمكن أن يحدث حول هذا السؤال من قبل الديمقراطيين العرب ولكنني أيضا لا أعتقد أنهم من الممكن أن يتجنبوا هذه القضية، مهما كانت شائكة.
وربما كان من المحتمل أن نضم قوتنا إلى وحيد لدعم الأفكار واتخاذ الإجراءات التي، وفقا لما قاله، سوف تساعد الشعوب الإسلامية – ليس فقط في فلسطين ولكن في العالم العربي أجمع – لأن يصحوا ويعتنقوا المفاهيم الروحية والمتسامحة للإسلام وكذلك الموقف الإنساني تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني."
إنها ليست خطة عمل ولكنها يمكن أن تكون نقطة البداية لخطة تنموية. وإنني آمل أن يكون هذا هو التحدي الذي قام مركز دراسة الإسلام والديمقراطية بالتحضير لتناوله.
تقديم: أنور هدام
أنور هدام: مؤسس ورئيس حركة الحرية والعدل الاجتماعي في الجزائر. طالب ومريد للمفكر الجزائري الحديث مالك بن نبي، وقد انضم هدام إلى الحركة الإسلامية الجزائرية لمدة خمسة وثلاثون عاما مضت وواحد من رواد الحركة المشاركين في المجال السياسي.
وهو فيزيائي نووي وقد كان عضوا في الكلية في قسم الفيزياء جامعة العلوم والتكنولوجيا بالجزائر قبل انتخابه للبرلمان الجزائري في ديسمبر 1991 لصالح جبهة الإنقاذ الإسلامية.
واعترافا بجهوده السياسية السلمية في قرار الأزمة الجزائرية، دُعي هدام في سبتمبر 2005 من قبل الرئيس الجزائري للعودة إلى البلاد للمشاركة في مشروع الرئيس للمصالحة الوطنية.
أما بالنسبة لخوف الجزائريين فقد كانت المعارضة قوية لعودة هدام وهو ما وضع مشروع المصالحة القومية السلمية موضع الشك.
وقد دعي هدام ليحاضر عن الأزمة الجزائرية في العديد من المؤسسات في أوروبا والولايات المتحدة. وككاتب كذلك، قام بكتابة اثنين من الكتب وقام بتأليف العديد من المقالات. وقد كان آخر كتاب له بعنوان: "المصالحة الوطنية في الجزائر"
ملخص
وفي اليوم التالي ليوم 26 ديسمبر 1991، استيقظ العالم على أخبار محبطة: "أصولية إسلامية،" أو حزب سياسي قانوني وخاصة جبهة الإنقاذ الإسلامية والتي أحرزت انتصارا ساحق في الجولة الأولي من الانتخابات البرلمانية والتي كانت تتسم بالنزاهة والشفافية وتعدد الأحزاب.
وهذا الانتصار الثاني لجبهة الإنقاذ الإسلامية بعد عام ونصف من الانتخابات المحلية قد عارض كل توقعات العسكرية الجزائرية، مع مباركة للديمقراطيين الغربيين لإنهاء عملية الديمقراطية بعد عدة أسابيع، في 11 يناير 1992، فقد ألقى بالبلاد في حرب أهلية دامية بين الجزائريين الذين يكافحون الآن لتضميد جراحهم.
أما حجة الانقلاب العسكري فقد كانت أن الجزائر قد ضلت الطريق بسبب جبهة الإنقاذ الإسلامية وأن الديمقراطية بحاجة إلى حمايتها بأي تكلفة من الإسلاميين وشعارهم الشائن وغير القانوني "رجل واحد صوت واحد ولكن في وقت واحد".
وسوف يلقي التقرير بعض الضوء، من وجهة نظر داخلية، علي الحركة الإسلامية الجزائرية ونشاطاتها السياسية مؤكدة أنهم ليسوا ثيوقراطيين ولا أوتوقراطيين، بل إنهم في الأساس ديمقراطيين مسلمين سلميين يهتمون أولا وأخيرا بالرخاء والسعادة للشعب الجزائري.
وسوف يشير التقرير إلى مواقفهم حول قضايا مثل: الديمقراطية وكيف أنهم يوازنون بينها وبين مفهوم "الحاكمية" وهي سيادة السماء ومفهوم المواطنة والتعددية السياسية والتنوع الديني والثقافي والحريات الفردية والجماعية ومن بينها حرية الفكر والاعتقاد والتعبير وحقوق الإنسان الأساسية وحقوق المرأة وحقوق الأقليات والتنمية الاقتصادية والمصادر الحيوية للطاقة وقضايا تتعلق بالأرض المقدسة في الشرق الأوسط والإرهاب والمشكلات المتعددة التي تواجه السلام والأمن العالمي.
كما سوف يتناول التقرير المتناقضات بين هذه الأوضاع التي تم توثيقها والحقائق التي هي على أرض الواقع: ما الخطأ الذي أصاب الديمقراطية في الجزائر وما هي الأسباب الحقيقية وراء خيانتها؟
وقبل مناقشة هذه القضايا، سيقوم التقرير بإعادة النظر على تاريخ الجزائر الحديث بشكل مختصر وخاصة على عمل العلماء الجزائريين الإصلاحيين الجزائريين المعاصرين منذ بداية عام 1913 وتأثيرهم على النشطاء السياسيين الذين يعرفون أنفسهم "بجمعية العلماء المسلمين في الجزائر"، قبيل ظهور جماعة الإخوان المسلمين في مصر.
كما أن اعتقادي راسخ بأنه لو تم التعرف على هؤلاء العلماء الإصلاحيين الجزائريين الحقيقيين خارج الجزائر فلربما كان رد فعل المجتمع الدولي إيجابيا تجاه الديمقراطية في الجزائر في العام 1991 بدلا من تعريف الاستقرار والأمن بتعريفات قاصرة ومن ثم القيام بدعم الوضع الراهن.
وفي النهاية، سوف يكوم التقرير بتناول التقدم الحالي في الأحداث والاحتمالات التي من الممكن أن تفتح في الجزائر. كما أنها تنتهي بمطالبة من الجميع على جميع مستويات المسئولية للتغلب على هذه اللامبالاة ولكي تعمل لعودة إلى الشرعية الدستورية واحترام الرغبة العامة وحكم القانون.
قالوا "لن يكون هناك تقدم علمي أو ديني حقيقي بدون التقدم في السياسات" عبد الحميد بن باديس (1889-1940) (ساعد في تأسيس حركة الإصلاح الإسلامي في الجزائر، ورئيس جمعية العلماء المسلمين في الجزائر) "إن السياسات هي انعكاس على طريقة خدمة الشعب.
إنها ليست صياح ومؤشرات تستخدم للاستفادة من الناس" مالك بنابي (1905-1973) (مفكر جزائري) "... إننا نريد التغيير تغيير شامل وتدريجي من خلال صناديق الاقتراع والاختيار الحر للشعب بدون أي وصاية أو توجيه لرغباته..." (مراقبة البي بي سي في 16 ديسمبر 1991) محمد سيد (1945-1995) (البناء الحضاري رئيس القسم السياسي في جبهة الإنقاذ الإسلامية)
مقدمة
بداية أريد أن أشكر مركز دراسة الإسلام والديمقراطية لدعوتي وإعطائي فرصة المشاركة في مناقشة حول موضوع مهم كهذا.
جاءت المناقشة حاسمة وفي الوقت المناسب بسبب الموقف السلبي ضد المطالبة العامة للعالم العربي بالتغيير السياسي، بالرغم من أن هذا الموقف محاط ببعض المخاوف الحقيقية لعدم المعرفة، (حركة إسلامية تقود الحكومة) إنه ابتعاد العالم الغربي عن الشعوب الإسلامية تارة والمساهمة في نظرية المؤامرة الغربية على الإسلام.
وقد كان من تبعات هذا أن تسبب في تطرف بعض الشباب المسلم المحبط ومن ثم قاد إلى تشكل الجماعات المتطرفة والمتعصبة. وبالرغم من عددها الصغير إلا أن هذه الجماعات المتطرفة تمثل تهديدا ليس فقط علي الأمن العالمي بل علي العالم الإسلامي نفسه وجهوده لتعزيز الحرية والعدل والازدهار الاقتصادي.
في الحقيقة، فإن الهجمات الوحشية في 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة وكذلك تلك التي كانت ضد مدريد وأسبانيا ولندن في بريطانيا العظمى وأماكن أخرى حول العالم حيث تم استهداف المدنيين الغربيين عن قصد وقد كان هذا شيئا رهيبا وله عواقب وخيمة ليس فقط على العالم العربي ولكن علي العالم الإسلامي أيضا وجهود الشعوب الإسلامية للوصول إلى الإصلاحات السياسية في بلدانهم مثل الجزائر.
وقد ضعفت فرص الإصلاحات السياسية في العالم الإسلامي عن طريق تأثير الشكل الإرهابي لأحداث 11 سبتمبر على السياسة الخارجية لإدارة بوش. كما أن التواجد المستمر للحركة الديمقراطية في العالم الإسلامي فيما بعد الاستعمار تعد في خطر أكثر من أي وقت مضى بسبب تهديد توسع الاحتلال الوقائي/التدخل في العراق، والسياسة المعادية للدول الإسلامية الأخرى الغنية بالطاقة والتي تضعف أنظمتها الأوتوقراطية بالرغم من استغلالهم للحرب العالمية على الإرهاب للبقاء في السلطة ويواجهون مطالب شعوبهم المتزايدة للإصلاحات السياسية كما هو الحال في الجزائر.
كما أن إلقاء اللوم على النشطاء الإسلاميين السياسيين أو "الإسلاميين" بما يخص الأعمال الإرهابية التي ارتكبت من قبل الجماعات المتطرفة المتعصبة لا يؤدي لحل المشكلة. أما الدرس الأول من أحداث 11 سبتمبر هو أن العالم الإسلامي يحتاج بشكل ملح قاعدة سياسية آمنة في سبيل المشاركة بطريقة بناءة في النظام العالمي الجديد والاقتصاد العالمي.
وتمثل الجزائر نموذجا واضحا حول كيف أن إبعاد الشعوب الإسلامية عن عملية الديمقراطية الحقيقية يسبب قلاقل حقيقية ووضعا سياسيا غير مستقر إضافة إلى تدهور الظروف الاقتصادية والاجتماعية.
وللأسف فقد أدت هذه السياسة تجاه الفساد، في يناير 1992، خلال عملية الديمقراطية في الجزائر، إلى حرب مدنية أسفرت عن 200.000 ضحية وحوالي 15.000 مختطف من قبل القوات الخاصة الحكومية وعشرات الآلاف من المعتقلين ومعظمهم عاني من التعذيب إلى جانب مئات الآلاف من الذين هجروا ديارهم ولجئوا إلى الحدود.
واعتمادا على الاعتبارات قصيرة الأجل للنظام والاستقرار فإن المجتمع الدولي يبدو وكأنه قد أقلم نفسه على المؤسسات العسكرية المتنوعة وتدخلها الوحشي في الحياة السياسية في الدلو الإسلامية إلى جانب إهمال حقوق الإنسان الأساسية لمعظم المسلمين.
وإننا نأمل بأن يساعد هذا المؤتمر بمناقشاته البناءة بتعزيز الفكر في واشنطن والسماح بعمل مناقشات جادة مع الإصلاحيين المسلمين وحركاتهم الإسلامية في العالم الإسلامي.
وسوف يلقي التقرير بعض الضوء، من وجهة نظر داخلية، على لحركات الإسلامية الجزائرية ونشطائها السياسيين، مؤكدا على ليسوا ثيوقراطيين ولا أوتوقراطيين، بل إنهم في الأساس ديمقراطيين مسلمين سلميين يهتمون أولا وأخيرا بالرخاء والسعادة للشعب الجزائري .
ولتأكيد مثل هذا، فإن التقرير يشير إلى مواقفهم حول قضايا مثل: الديمقراطية وكيف أنهم يوازنون بينها وبين مفهوم "الحاكمية" وهي سيادة السماء ومفهوم المواطنة والتعددية السياسية والتنوع الديني والثقافي والحريات الفردية والجماعية ومن بينها حرية الفكر والاعتقاد والتعبير وحقوق الإنسان الأساسية وحقوق المرأة وحقوق الأقليات والتنمية الاقتصادية والمصادر الحيوية للطاقة وقضايا تتعلق بالأرض المقدسة في الشرق الأوسط والإرهاب والمشكلات المتعددة التي تواجه السلام والأمن العالمي.
وفي سبيل وضع أساس لعمل مناقشات حول هذه القضايا التي نوقشت فيما سبق فإن التقرير يقدم في الفصل الأول "مقاصد" مدرسة الفكر في شمال أفريقيا ثم يقوم في الفصل الثاني بشرح بعض المفاهيم بعيدا عن المؤلف وجماعته للمطالبة بإبعادهم عن المتطرفين.
أما الفصل الثالث فسوف يقدم مفهوم "المبادئ الديمقراطية الإسلامية" كما اشتقت من المدرسة المقصدية. ويتناول الفصل الرابع قضية حكم الدين وعلاقة الدين بالدولة في الإسلام من وجهة نظر نفس المدرسة أيضا.
والفصل الخامس يقوم باختصار بالتعرض للتاريخ الجزائري الحديث ويشير التقرير إلى الحقيقة التاريخية التي تقول أن كلا من الحركة الإسلامية والإسلام السياسي كما تم تحديده في الفصل الثاني وهو ما تعرف من خلال التاريخ المعاصر وما زال مشرعا إلى الآن، وهي المكونات الأساسية للنسيج الاجتماعي السياسي الجزائري.
وفي الفصل السادس، يناقش التقرير المتناقضات بين هذه الأوضاع التي تم توثيقها والحقائق التي هي على أرض الواقع: ما الخطأ الذي أصاب الديمقراطية في الجزائر وما هي الأسباب الحقيقية وراء خيانتها؟ أما الفصل السابع فيتناول التقدم الحالي في الأحداث والاحتمالات التي من الممكن أن تفتح في الجزائر من خلال التركيز علي برنامج سياسي مختصر لحركة جزائرية جديدة يرأسها المؤلف والذي شارك في تأسيسها، وخاصة حركة الحرية والعدل الاجتماعي.
1.مدرسة الفكر المقصدي في شمال أفريقيا
إن العالم الإسلامي عالم متنوع فبالرغم من تبينيه للإسلام في الحياة بشكل كامل إلا أن كل منطقة فيه نحتاج لأن يفرد لها مجال في البحث الاجتماعي والثقافي والسياسي. كما أن الجماعة الإسلامية في العالم الإسلامي بكل مظاهرها المتنوعة ومن بينها السياسية أو ما يعرف اليوم باسم الإسلام السياسي ليست موحدة. إنها تحتاج إلى تحولات اجتماعية وسياسية واقتصادية للشعوب الإسلامية في مختلف المناطق.
والسبب في ذلك هو قلة فهم الظروف الاجتماعية والتاريخية للمجتمع الجزائري والمسلمين في شمال أفريقيا بوجع عام وأن المجتمع الدولي لم يقدر ظهور الإسلام السياسي كقوة سياسية أساسية في المنطقة. كما أن منطقة المغرب الإسلامي قد شهدت تطور مدرسة الفكر الاجتماعي والسياسي المغربي وهي تسمى "المدرسة المقصدية" والتي وصفت بأنها "المدرسة المغربية الراشدة" وهي تتعارض مع المدرسة الموضوعية المشرقية".
إنها تعتمد على بعض العلوم المنهجية في كيفية استنباط القوانين من المصادر المتعددة للفقه الإسلامي مستخدمين فكرة أهداف القوانين الإسلامية التي اقترحها العالم الأندلسي المسلم المشهور – في القرن الرابع عشر الميلادي أي بعد 750 عاما من وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم – وهو يسمى الإمام أبو إسحق الشاطبي، والتي طورها في كتابه المشهور "الموفقات"
وقد ظهر من خلال هذا المنهج المقصدي المدرسة المقصدية للفكر الذي يعود إلى عبد الرحمن بن خلدون وهو يتصل بجميع مناحي الحياة. وقد أعيد إحياء هذا الفكر من قبل الشيخ خير الدين التونسي في تونس في القرن التاسع عشر ثم تطور وشُكِّل في القرن العشرين من قبل الشيخ طاهر بن عاشور التونسي والجزائري مالك بنابي.
ومن بين قادة علماء هذه المدرسة في يومنا هذا هو العالم السوري جودت سيد والجزائري Tayeb Berghout والمغربيون عبد الحميد النجار وأحمد الريسوني. أما بالنسبة للمدارس الحالية في المنطقة فإنها تعرف نفسها "بالمدرسة المقصدية"، كما أن لدينا المدرسة الجزائرية للبناء الحضاري، والحركة المغربية "التوحيد والإصلاح" وحركة النهضة التونسية.
كما أن تاريخ منطقة الشمال الإفريقي وموقعها الجغرافي قد سمحوا للمدرسة المقصدية، كما هو معروض في الفصل التالي، بأن تأخذ موقعا قياديا في العالم الإسلامي في تبني الفكر الحديث للديمقراطية وأن تكون عملية الديمقراطية واحدا من العناصر الأساسية للثقافة السياسية للأفراد.
2.تعريفات
ومن أجل وضع قاعدة لمناقشة القضايا المذكورة في التقرير فإنه علي أن أقوم بتعريف بعض المفاهيم كما تبنتها مدرسة إصلاح الفكر الجزائري التي أتيت منها مثل مدرسة (البناء الحضاري) في خطوة لتصحيح هذه المفاهيم التي أتت من التطرف بأشكالها المتعددة.
الإسلام
- إننا نعتبر الإسلام كعنصر تعريف أساسي للهوية الجزائرية. إنه الدين الذي اعتنقه الجزائريون سواء كانوا عربا أم البرابرة منذ أكثر من أربعة عشر قرنا مضت.
- إننا نؤمن أنه ليس من الممكن لأي أحد أن يحتكر الإسلام ولا فهمه،وإننا نرى أنفسنا متبنيين لواحد من التفسيرات المحتملة للإسلام ومقتضياته. لذلك فإننا نؤكد هنا أننا ضد أي محاولة لاحتكار التعبير عن حقيقة الدين.
- إننا نؤمن بأن الإسلام يشمل جميع مناحي الحياة بثوابتها ومتغيراتها أو مبادئها وتشريعاتها، كما نؤمن بأن تركيب العقيدة الإسلامية يمثل عنصرا في تنشيط العمل الإنساني لأنهم محكوم برؤية روحية تجعل من العمل عبادة لله تعالي إلى جانب تعاليم نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. فالإسلام هو المحرك الاجتماعي لقيم الخير والصلاح والتقى.
- نتأمل المواقف والممارسات التي تضايق أهل التقى والتي تميزهم نظرا لحياتهم الدينية التي تتعارض مع حقوق الإنسان والحرية والمعارضة للديمقراطية. ومن ناحية أخرى فإنه من غير المتوقع استغلال الدين من أجل اهتمامات أخرى سياسية واقتصادية أو للضغط علي من يفكر أو يعيش بطريقة مختلفة.
السياسات
- تنعكس السياسات على طريقة خدمة الناس، فهي ليست مجرد صيحات أو شعارات تستخدم للاستفادة من الناس.
الإنسان في الإسلام
- يعتبر الإسلام البشر هم وكلاء الخالق في الأرض وهدفهم هو تحقيق التوازن في السعادة المادية والروحية.
- فالبشر يخضعون لمبادئ مؤقتة وروحية ترشدهم وفي ضوء طبيعته/طبيعتها المزدوجة لتحقيق دوره/ دورها في الكون.
شريعة أم قانون إسلامي ومبادئ شرعية
- هذه المبادئ الروحية والمؤقتة تتفاعل لمنع اختلال التوازن فيما يخص مطالب التطرف بالشريعة أو القانون الإسلامي.
- إن المصادر الرئيسية للفقه الإسلامي هي القرآن والسنة.
- كما أن هناك مبادئ ثابتة تسمى القواعد الشرعية في كيفية استنباط القوانين الإسلامية من هذه المصادر. ومن بين هذه القواعد ما يلي:
- أن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة.
- اختيار أقل الضررين.
- اختيار أفصل الصالحين.
- الأخذ بالأسباب:
حيث أن الشريعة الإسلامية تنطبق على المواقف الواقعية كما أن وجود القانون نفسه معتمد على الوجود المتواصل لهذا الموقف الواقعي.
- مبدأ المصلحة العامة:
يجب أن تتفق القوانين مع المصالح العامة، فإن لم تتفق فيجب إعادة فحصها وصياغتها. والأكثر من ذلك فإن تغيرت المصالح العامة فإن القوانين يجب أن تتغير وفقا لها.
- مبدأ أنه لا يوجد في الإسلام من لا يخطئ في حكمه سوى النبي محمد.
ولا يجب لأحد سواء كان فردا أو جماعة أن تدعي إرشاد السماء في حكمها (فليس هناك ثيوقراطية في الإسلام)
- مبدأ قبول إمكانية وجود المزيد ثم يكون هناك تفسير واحد لبعض النصوص لمصادر الفقه الإسلامي. - السبب الإنساني من خلال كل من الأبحاث الإسلامية والكونية المحيطة هو المفسر الوحيد لمصادر الفقه الإسلامي ومن ثم يستخلص منه أو من القوانين الإسلامية على مدى الزمان.
أهداف الشريعة:
- إن أهداف الشريعة وفقا للفلسفة القانونية الإسلامية كما اشتق منها هو إحراز وحماية أساسيات الحياة البشرية مثل احتياجات وتنقية الحياة للناس جميعا لغض النظر عن الدين والجنس والعرق والسلالة.
وهذه الأساسيات التي يجب حمايتها هي: حق الحياة والدين والفكر والممتلكات الخاصة والشرف والأولاد والحرية (حرية المعتقدات والفكر) والعدل.
- هذه الضروريات السبع تم تعريفها في أدب الفلسفة القانونية للإسلام بأنه لا يمكن إقامة حياة إنسانية كريمة بدونها.
الحركة الإسلامية بالجزائر
- أشير إلى الحركة الإسلامية بالجزائر خلال التقرير والتي انضم لها المؤلف لمدة خمسة وثلاثون عاما مضت وهي حركة تعددية واجتماعية تتألف من عدة مؤسسات وجمعيات للجزائريين مثل المؤسسات التعليمية والخيرية والثقافية ومراكز الشباب والهيئات الاجتماعية إلى جانب الأحزاب السياسية وكلها يهدف لإقامة الإسلام من جديد كطريق شامل للحياة من خلال تطبيق واحد أو أكثر من أهداف الشريعة.
وهذا للتمييز عن أي جماعة إرهابية أو متطرفة.
- فالحركة الأهلية الجزائرية بجميع أشكالها الحقيقية لا تنوى أن تغير الحاضر بماض صوفي،بلا تهدف لإعادة بناء النظام الاجتماعي الحديث لذلك فإنها تقوم بالتكيف مع مبادئ الإسلام وقيمه وهو الدين الذي اعتنقه الجزائريون منذ أكثر من أربعة عشر قرنا.
الإسلام السياسي
- أشار الإسلام السياسي خلال هذا التقرير إلى أن الأشكال السياسية للجهود الهادفة إلى تحقيق أهداف الشريعة كما تم تعريفها بالأعلى.
- يهدف الإسلام السياسي في الجزائر، والذي انضم له المؤلف طيلة ثمانية عشر عاما مضت، إلى إعادة بناء الإسلام كطريق شامل للحياة من خلال تأسيس نظام مستقر للحكم ولذي يجب أن يكون ممثلا للمجتمع الجزائري بتعدديته،وأن يكون نظاما متعدد الأحزاب لا يشابه النظام الثيوقراطي الذي اختبر في العالم الغربي لمدة قرون.
العمل السياسي
- إننا نتبنى توجها سياسيا يهدف إلى تحقيق الاستقرار وتجنب جميع أشكال التوجس والخوف كما يهدف في نفس الوقت لتحقيق طموحات المجتمع الجزائري ليطوي صفحة المأساة الوطنية ولأن يقوم بأخذ خطوات ثابتة نحو التقدم والمدنية والتطور.
- إننا نرفض الاستبدادية واحتكار الحقيقة الثقافية والدينية والسياسية.
وفي المقابل فغننا نؤمن بأهمية التعددية والتنوع التي تقوم بإنعاش الخبرات الإنسانية المتعددة. كما أننا نؤمن بالمساواة أمام القانون لجميع المواطنين واحترام حقوق الأقليات والمرأة والأطفال والأسرة. إننا نخلص فقط لمبدأ التسامح والمصالحة واحترام حقوق المواطنة وحقوق الإنسان ونرفض جميع أشكال السخرية والتبعية أو العزل الديني والثقافي والاجتماعي.
- نرفض العنف كوسيلة للتغيير سواء كان للوصول إلى السلطة أو للبقاء فيها،ونؤمن بأهمية المشاركة الشعبية واحترام رغبة المجتمع واللجوء إلى صناديق الاقتراع وتقوية آليات عملية ديمقراطية شفافة.
عملية الدمقرطة
وإضافة إلى تطبيق العدل وإجراء انتخابات شفافة يشارك فيها جميع الأحزاب وكذلك عملية ديمقراطية حقيقية تهدف إلى إقامة نظام ديمقراطي للحكومة، يجب إتباع الآتي:
- تعزيز حكم القانون
- تعزيز التسامح والتعددية
- احترام حقوق الإنسان والمرأة والأقليات
- تعزيز حقوق المساواة في المواطنة
- مكافحة الفساد
والجدير بالذكر هنا هو أنه وفقا لمدرسة البناء الحضاري ونشطائها السياسيين،والمؤلف واحد منهم، فإن عملية الدمقرطة هذه غير قابلة للنقاش.
فعلى النخبة الحاكمة في الجزائر قبول عملية الدمقرطة الداخلية وإلزام نفسها بها في سبيل تحقيق سلام دائم واستقرار وازدهار للشعب الجزائري. فالإسلام السياسي الجزائري قد كان وما زال ملتزما بذلك.
مبادئ الديمقراطية الإسلامية
توافق القانون السماوي في الإسلام مع الشكل الديمقراطي للحكم ومن أكثر الأسئلة التي طرحت علي منذ أن اندمجت في السياسات الدولية منذ خمسة عشر عاما كان يتعلق بتوافق مفهوم الحاكمية أو حكم السماء في الإسلام مع الشكل الديمقراطي للحكومة.
في الحقيقة، فإن العديد من الديمقراطيات الغربية للعالم الذي تسيطر عليه العلمانية غير العالم الإسلامي،والذي ما زال بلا شك يختبئ وراء العالم الغربي فيما يخص التطور السياسي،لاجتياز العملية العلمانية التي جربت في الغرب في القرون الأخيرة إذا ما كانت تحقق عملية دمقرطة ناجحة.
كما أن توقع تطور الأنظمة السياسية في العالم الإسلامي الذي سوف يحاكي ويقلد تطور الأنظمة السياسية الغربية يجهل ببساطة الحقائق التاريخية الثقافية والاجتماعية.
وهذه النظرة للموقف ضيقة التفكير وفي بعض الأحيان ينظر إليها على أنها تشابه الموقف الاستعماري "للتمدن" تجاه الشعوب الإسلامية "البربرية".
والمسلمون يؤمنون بأن الإسلام ليس دين يرشد للسمات الشخصية فقط من إيمان وإخلاص ولكنه منهج حياة إلى جانب كونه نظاما للتفكير يقوم بإطلاع وإرشاد نظامهم الاجتماعي.
ومن الجدير بالذكر هنا أيضا هو أن المسلمون يؤمنون أيضا بأن المفاهيم السياسية والاجتماعية والاقتصادية الغربية ليست نماذج حصرية للإجراء البشري والسعادة.
فالإسلام لديه مفهومه الخاص للحرية السياسية والاستقلال الاقتصادي إلى جانب الفلسفة المتضامنة للأخلاق والروحانية.
كما أن هذه الفلسفة الأخلاقية السياسية والاجتماعية الاقتصادية للإسلام وخاصة الفكر جوهر الاقتصادي قد تم تناولها بشكل جزئي وغير مناسب.
ومن الجدير بالذكر هنا أن النظرية الاقتصادية الإسلامية الشاملة للاقتصاد السياسي تحتاج أكثر من أي وقت مضى لمناقشة المخاوف الظاهرة لبعض الحكومات الغربية حول فقد السماح لها لمصادر الطاقة الحيوية وهي السبب الحقيقي وراء دعمهم للأنظمة السلطوية.
ونحن في حركة الحرية والعدل الاجتماعي قد جعلنا من هذا الأمر أولوية لذلك فإن المجتمع الجزائري ما قبل الاستعمار–ومنطقة شمال أفريقيا كذلك – يمكنه المساهمة بشكل فعال في الاقتصاد العالمي بينما يحافظ على الاهتمامات الإستراتيجية لشعوبنا.
كما أن الأسئلة المتنوعة التي ظهرت في الأعلى سوف تناقش في ضوء ما نؤمن بأنهم مبدأين أساسيين بالنسبة للديمقراطيات الغربية. هذه المبادئ هي:
- أن رغبة الشعب هي أساس السلطة والحكومة.
- مبدأ فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية إلى جانب الاستقلال القضائي.
وقد كان الناس يسألون ما إذا كانت قوانين الأرض تعتمد على إجماع الناس،حول كيفية تمكنها من حل مشكلة دمج مفهوم الحكومة الديمقراطية مع مفهوم القوانين التي تمثل مشيئة الله.
وقد سألت على وجه الخصوص،كممثل انتخبه الناس،سؤالا هو :أي نوع من القوانين التي سنت تحت مراقبة البرلمان من قبل الإسلام السياسي بينما،وفقا لفهمهم للإسلام،القوانين المقترحة تأخذ الشرعية من قوانين السماء؟وهذا يعني، وفقا لهذه الطريقة من التفكير، أننا كممثلين منتخبين عن الشعب لن نخضع لمشيئة الشعب بل إننا سنخضع لمشيئة أخرى هي مشيئة الله.
وهناك طريقتان للإجابة على هذا السؤال:
الأولي من وجهة نظر مراقبة الولايات المتحدة الدستورية وهنا فإنني أشير إلى التقرير الممتاز للسيدة عزيزة الحبري حول الإسلام ومفهوم الديمقراطية.
وإنني أتفق مع استنتاجها في الجزء المخصص لدراسة "اتفاق القوانين السماوية مع شكل الحكومة الديمقراطية" والذي يقول: "... إن القوانين الإسلامية تقوم شرعيتها على إجماع الناس بنفس الشكل الذي تقوم به القوانين الأمريكية على إجماع الشعب الأمريكي."
وقد توصل لنفس الاستنتاج – أن القوانين الإسلامية تعتمد في شرعيتها على إجماع الناس – منذ سبعين عاما مضت قائد الحركة الإصلاحية الإسلامية الجزائرية الشيخ عبد الحميد بن باديس (1889-1940) من خلال الفقه الإسلامي وفقا لمدرسة الفكر بشمال أفريقيا.
وقد تبنينا نحن النشطاء السياسيون لمدرسة البناء الحضاري موقف الشيخ بن باديس كنص أساسي لتعريف المبادئ الأساسية للقوانين الإسلامية المتعلقة بالحكومة الديمقراطية.
وقد قامت المبادئ الثلاثة عشر المذكورة في التقرير بتوضيح ما نسميه "المبادئ الديمقراطية الإسلامية" ومن بين هذه المبادئ:
- لا يحق لأحد التواصل مع شئون الناس بدون إجماعهم كما أن على الناس تناوب السلطة أو إزالتها.
- لا يحكم الناس سوى القانون الذي يرتضونه طوعا وقد عرفوا أنه يجر عليهم المنفعة. لذلك فعليهم طاعة القانون لأنهم هم من سنوه وليس بسبب أنه مفروض عليهم من قبل أي سلطة سواء كانت متمثلة في فرد أو جماعة.
- كما أن للناس الحق في مناقشة أمورهم مع أولئك الذين يتولون المناصب وأن يحاسبونهم على أفعالهم والتأكد من أنهم يتبعون اختيار المجتمع وليس ما يريدون هم.
ولتلخيص هذا المؤلف ومدرسة الفكر قام بنفسه بقول أن هناك توافق كامل بين مفهوم الحاكمية أو حكم السماء في الإسلام وبين الشكل الديمقراطي للحكومة.
4.الثيوقراطية وعلاقة الدين بالدولة في الإسلام
إن مسألة الحاكمية أو الحكم الإلهي تعبر عن اعتبارات حقيقية بخصوص العلاقة بين الدين والدولة في حكومة غير علمانية ولها شكل ديمقراطي. ومن أهم الاختلافات بين العالم الإسلامي والعالم الغربي هو العلاقة بين الدين والدولة.
وفي الحقيقة فإن مفهوم الثيوقراطية (خضوع الدولة لحكم رجال الدين) في الغرب ليس له مكان في العالم الإسلامي لأنه لا يوجد في الإسلام شيء اسمه رجال الدين ولا يوجد مثل هذه الجماعات من الأفراد الذين يدعون أنهم قد وكلوا من قبل الله ليتحدثوا باسم الدين. فلكل مسلم متعلم حق التدخل في الاجتهاد.
ولهذا السبب فإن جميع محاولات استخدام الإسلام من أجل أغراض سياسية قد باءت بالفشل. وخلال التاريخ حاولت الأنظمة السياسية في الدول الإسلامية،ومن بينها الاستعمارية، دون أن تنجح،أن تسيطر على علماء الدين في سبيل تطوير والتحكم في هيئة دينية منظمة مركزية.
وبينما اختير البعض من قبل الأنظمة الحاكمة إلا أن أغلبية علماء الدين المسلمين قد وقفوا أمام مثل هذه المحاولات عبر التاريخ.
وقد أدى هذا إلى طرح هؤلاء العلماء المسلمين المستقلين وحركاتهم جانبا كمثال في محاربة الطغيان والاحتلال الخارجي. وتاريخ الشمال الأفريقي، وخاصة تاريخ الجزائر المعاصر، مليء بهذه الأمثلة كما هو موصوف في الجزء القادم.
الحركة الإسلامية والإسلام السياسي
المكونات الأساسية للنسيج الاجتماعي والسياسي في الجزائر إن العالم الإسلامي عالم متنوع، فبالرغم من تبنيه للإسلام كطريق واحدة للحياة إلا أن كل منطقة لديها مختلفة عن الأخرى اجتماعيا وثقافيا وسياسيا وخاصة في الأعمال البحثية.
كما أن الحركة الإسلامية في العالم الإسلامي بكل مظاهرها المختلفة ومن بينها السياسية أو ما يشار إليه اليوم بالإسلام السياسي فإنها ليست كبعضها.
إنها في الحقيقة نتاج التحولات الاجتماعية السياسية والاقتصادية والثقافية للشعوب المسلمة في مناطق مختلفة. ويرجع هذا إلى انحدار فهم الظروف الاجتماعية والتاريخية للمجتمع الجزائري ودول شمال أفريقيا في العموم، حيث أن المجتمع الدولي لم يقدر ظهور الإسلام السياسي كقوة سياسية أساسية في المنطقة وفي الجزائر تحديدا.
الأندلس المتسامحة:
دليل على العبقرية الخلاقة للمسلمين بشمال أفريقيا وهناك ضرورة لعمل العديد من الدراسات الجادة لفهم عمل الآليات الاجتماعية والثقافية للشعوب في الشمال الأفريقي حيث التضامن الرائع بين المسلمين الجدد من العرب مع أهل البلاد البرابرة.
وفي الحقيقة، فقد وصل الإسلام إلى شعوب شمال أفريقيا منذ البداية في فترة التوسع الإسلامي ثم بعد ذلك أصبحت مجتمعات إسلامية وما زالت كذلك على الآن حيث أنه العنصر الأساسي الذي يحدد هوية الشعوب في شمال أفريقيا.
وقد كانت هذه الشعوب هي التي حملت الرسالة عير البحر المتوسط إلى الأندلس وهو ما ظل شاهدا على عبقريتهم الخلاقة مدة قرون. وفي الحقيقة فبالظهور اللامع للشرق والغرب قام مسلمو شمال أفريقيا ببناء إطار ثقافي أندلسي وحولوها إلى واحة من التسامح والتنوع والتقدم العلمي على أبواب عصور الظلام في أوروبا.
كما أن أية محاولة لإفساد شبكة العمل الاجتماعي في شمال أفريقيا ستجعل الوضع غير المستقر في المنطقة أسوأ حالا.
فتاريخ منطقة شمال أفريقيا يشير بوضوح إلى أن الحركة الإسلامية بجميع مظاهرها الحقيقية والسياسية ليست مجرد ظاهرة جديدة.
وفي القضية الجزائرية التي يتم التركيز عليها في هذا التقرير، بسبب وقوفها ضد الاحتلال الفرنسي ثم بعد ذلك وقوفها ضد النظام السلطوي الذي تبع الاستعمار، فالحركة الإسلامية والإسلام السياسي قد أتيا لعمل المركبات الرئيسية للنسيج السياسي والاجتماعي الجزائري. ولتأييد هذه الحالة فإن بقية هذا الجزء سوف يقوم باختصار بإعادة النظر في التاريخ الحديث.
الحركة الإسلامية: القوة المحركة للجزائريين في سعيهم للحرية
المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الفرنسي في العام 1830 قامت فرنسا باحتلال الجزائر، وخضع الناس للحكم العسكري الوحشي وقد أصابت الفروق الاقتصادية الناس بمجاعة، ومع ذلك كانت الهوية الإسلامية للجزائريين هي الهدف الوحيد.
فقد تحولت الجزائر إلى مقاطعة أوروبية وتحولت مساجدها إلى كنائس. كما حاولت فرنسا، وبكل أسف، بمساعدة بعض علماء الدين بالتحول عن الإسلام كطريقة كاملة للحياة من خلال تدمير المؤسسات العامة واستبدال القانون الإسلامي بآخر تابعا لهم، ومع ذلك لم يستسلم الجزائريون.
وفي الحقيقة فإن التاريخ يخبرنا بأن العلماء المسلمين وحركاتهم الشخصية قد وقفت بشكل متواصل في وجه فرنسا، بشكل مسلح في البداية وقد استمر ذلك طيلة قرن. وقد كان أمير عبد القادر أول من شن، منذ العام 1830 وحتى 1847، حركة مقاومة وطنية ضد الاحتلال.
والأكثر من ذلك أن عبد القادر وحركته قد انشئوا في المناطق غير المحتلة ما اعتبره الجزائريون أول دولة جزائرية معاصرة. وقد كانت هذه إشارة واضحة على أنه لم يقم فقط مهتما بالمقاومة بل أنه وحركته كانوا مهتمون بمهمة سياسية تهدف إلى إعادة إنشاء الإسلام في الجزائر كطريقة شاملة للحياة على صعيد الدولة وتطبيق أهداف القانون الإسلامي.
ويقترح المؤلف أن مشروع عبد القادر تحول إلى ما نشير إليه اليوم باسم الإسلام السياسي. وبعد هزيمة أمير عبد القادر تواصلت مقاومة الحركة الإسلامية تحت قيادة علماء الدين الذين قاموا بشن العديد من محاولات المقاومة في مناطق مختلفة.
وقد كان هناك امرأة مناضلة أيضا وكان اسمها لالا فاطمة نسومر. وقد قادت الحركات الخاصة بعلماء الدين في الجزائر الشعب لأكثر من 80 عاما في مقاومة عسكرية مشروعة ضد الاحتلال الفرنسي.
ولا يمكن إنكار حقيقة تفوق القوة العسكرية للجيش الفرنسي إلى جانب السمة الهمجية الدموية للقمع الفرنسي ضد الشعب الجزائري، ولذلك قرر العلماء الجزائريون العمل من خلال شكل جديد من أشكال المقاومة: الشكل الثقافي للمقاومة.
حركة الإصلاح الإسلامي في الجزائر
وبعد قمعها الوحشي ضد كل الثورات احتفلت فرنسا عام 1930 بالذكرى المئوية على احتلال الجزائر وصرحت قائلة أنها قمعت الهوية الإسلامية في الجزائر بشكل كلي وإلى الأبد وبذلك ذكرت السبب الحقيقي وراء الاحتلال. وهذا الاحتفال المهين كان بمثابة بداية لمشروع إعادة البناء الاجتماعي مرة أخرى عن طريق علماء إصلاحيين مسلمون جدد في الجزائر.
وقد كان العام 1931 بمثابة ميلاد لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي ترأسها الشيخ عبد الحميد بن باديس. وقد ضم هؤلاء العلماء الإصلاحيين، الذين كانوا يعملون متفرقين منذ بداية العام 1910، جهودهم لبداية مهمة حرجة تتمثل في إعادة إحياء الإيمان والشخصية الحقيقية للجزائريين. وقال قائد الجمعية الشيخ ابن باديس:
"إن الأمة الجزائرية ليست أمة فرنسية إنا لا يمكن ولن تكون جزءا من فرنسا بل إنها لا تريد أن تكون جزءا من فرنسا حتى وإن أرادت فرنسا مثل هذا. إنها أمة مختلفة تماما عن فرنسا في لغتها وأخلاقها وعرقها ودينها. فالأمة الجزائرية لا تريد التشبه بفرنسا: بل إنها بالفعل لديها أمة ألا وهي الأمة الجزائرية."
فمشروع الجمعية للانبعاث يطابق جهود الحركة الوطنية، والذي بلغ ذروته في 1 نوفمبر 1954 في الحرب التي أعلنتها جبهة التحرير الوطنية ضد الحكم الاستعماري. وقد كان الهدف الأول لقادة جبهة التحرير الوطنية، كما ذكر في تصريحهم، هو استعادة الاستقلال ديمقراطيا واجتماعيا داخل إطار عمل المبادئ الإسلامية.
وبالرغم من رد الفعل العسكري الوحشي ضد المدنيين وبعد سبع سنوات من الحرب التي خلفت مليون ونصف المليون شهيد، استعاد النضال الجزائري استقلال الجزائر في 5 يوليو 1962.
ومن خلال التاريخ الجزائري المعاصر ومنذ الاحتلال الفرنسي عام 1830 انخرط جميع العلماء المسلمين في الكفاح من أجل الحرية وأوضحوا أن الإسلام هو العربة التي تحرك كفاحهم وأن أهدافهم هي حماية ضروريات الحياة للشعب الجزائري.
كما أن هذا الكفاح المتواصل متعدد ومتغير المظاهر ومن بينها المظاهر السياسية. ومن هنا أخذت الحركة الإسلامية الجزائرية وإسلامها السياسي، اللذان تم تعريفهما في الفصل الثالث، شرعيتها من العلماء الإصلاحيين المسلمين وكفاحهم من أجل حق تقرير المصير والحرية والعدل الاجتماعي.
الديمقراطية الجزائرية: ما الخطأ؟
إنه إيمان راسخ عند المؤلف أنه إذا ما تم عمل العلماء الإصلاحيين المسلمين الجزائريين وقادتهم خارج البلاد فإن المجتمع الدولي سيكون له ردة فعل إيجابية تجاه الديمقراطية الجزائرية في العام 1991 بدلا من تعريف الاستقرار والأمر بتعبيرات قاصرة ومن ثم دعم الوضع الراهن.
وبغض النظر الكامل عن الثقافة السياسية الجزائرية فإن المجتمع الدولي، بعد يوم من 26 ديسمبر 1991، قد أفاق على أخبار عن "الأصولية الإسلامية" أو حزب سياسي قانوني يسمي جبهة الإنقاذ الإسلامية، وهي التي حققت انتصارا ساحقا في أول انتخابات برلمانية جزائرية تشهد نزاهة وشفافية وتعددية، وهو ما لم يحدث من قبل.
وقد كان الانتصار الساحق الثاني بعد عام ونصف العام من الانتخابات المحلية والذي عارض جميع التكهنات. أما النظام الجزائري العسكري، مع مباركة للديمقراطيين الغربيين لإنهاء عملية الديمقراطية بعد عدة أسابيع، في 11 يناير 1992، فقد ألقي بالبلاد في حرب أهلية دامية بين الجزائريين الذين يكافحون الآن لتضميد جراحهم.
أما حجة الانقلاب العسكري فقد كانت أن الجزائر قد ضلت الطريق بسبب جبهة الإنقاذ الإسلامية وأن الديمقراطية بحاجة إلى حمايتها بأي تكلفة من الإسلاميين وشعارهم الشائن وغير القانوني "رجل واحد صوت واحد ولكن في وقت واحد"، وهو الشعار الذي عرفته مصادفة لأول مرة بينما كنت أقرأ خطاب تسلمته في 1993 من ادوارد جرجيان من الإدارة الأمريكية، وهنا يمكنني أن أشهد بأنه ليس سوى قيادة جبهة الإنقاذ الإسلامية من يقدم مثل هذا التصريح.
ما الخطأ في الديمقراطية الجزائرية؟ وما هي الأسباب الحقيقية وراء خيانتها؟ وفيما يلي يتعرض التقرير لبعض هذه الأسباب.
- عدم وجود انسجام في قيادة جبهة الإنقاذ الإسلامية ليس هناك شك أن أكبر حزب للإسلام السياسي في الجزائر (جبهة الإنقاذ الإسلامية ) يتحمل بعض المسئولية في هذا الارتباك الذي أصاب العملية الانتخابية.
وكتذكرة فإن جبهة الإنقاذ هي حزب سياسي تأسس في مارس 1989 بعد الدستور الجزائري الجديد الذي شرع سياسات التعددية الحزبية والتي تم تبنيها ردا على الانتفاضات الشعبية في أكتوبر 1988. وقد اعتبرت جبهة الإنقاذ الإسلامية نفسها تواصلا تاريخيا مع كل من الحركات الجزائرية الإسلامية والقومية والتي كافحت من أجل تحرير الجزائر من القمع الاستعماري وبناء دولة مستقلة عادلة مبنية على أسس الإسلام.
وقد كانت جبهة الإنقاذ الإسلامية تهدف إلى إقامة نظام سياسي لتعدد الأحزاب المدنية قائمة على أساس أن السلطة العليا والمطلة إنما هي سلطة الله وأن السلطة السياسية هي سلطة الناس.
وفي البداية كان رئيس جبهة الإنقاذ الإسلامية الدكتور عباسي مدني ونائبه الشيخ علي. وبسبب الوضع السياسي والاجتماعي للدولة فلم يكن لجبهة الإنقاذ أية فرصة لعمل ميثاق مع الجزائر تاركة الحزب بقيادة غير متناسقة. وكما صرح رئيس قسمها السياسي الشيخمحمد سيد قال، "... إننا نريد التغيير الشامل والتدريجي من خلال صناديق الاقتراع ومن خلال الاختيار الحر للناس بدون أي وصاية أو توجيه لرغباتهم..."
وبالرغم من عدم التأكد من أن جميع قادة جبهة الإنقاذ الإسلامية قد تبنوا موقف محمد سيد فإن انسجام القيادة كان أمرا سهلا نوعا ما منذ البداية. وقد تمكنا من التأكد من أن القرارات التي اتخذت داخل جبهة الإنقاذ كانت تتم من خلال عملية استشارة جماعية، فلا يمكن لأحد أن يحتكر عملية صناعة القرار.
وقد كانت هذه هي الجهود التي أتاحت للحزب مواصلة كفاحه السياسي والفوز بثقة الناس. وفي الحقيقة فقد شاركت جبهة الإنقاذ الإسلامية في أول انتخابات حرة ومحلية في الجزائر في 21 يونيو 1990 وفازت في الانتخابات في 853 من مجالس المدينة من بين 1539 مجلسا وفي 32 مجلس مقاطعة من بين 48 مجلسا.
وعلى كل حال فإن مهمة الحفاظ على أدني انسجام داخل قيادة جبهة الإنقاذ الإسلامية والتي سمحت لها بالعمل كحزب سياسي أصبحت مهمة أكثر صعوبة بعد انتخابات المحليات، بسبب محاولة جهاز المخابرات تقييد جبهة الإنقاذ الإسلامية. وبالرغم من مناورات النظام وبالرغم من حقيقة أن الرئيس ونائبه قد اعتقلا بعد المحليات فإن جبهة الإنقاذ الإسلامية كانت قادرة علي الحفاظ علي نفسها كحزب سياسي غير عنيف.
وقد اتخذ مكانا في أول انتخابات برلمانية حرة في البلاد منذ الاستقلال في 26 ديسمبر 1991، وفاز بغالبية الأصوات وهو ما تم إلغاؤه بعد ذلك بأسبوعين في 11 يناير 1992 من خلال العصيان المسلح وهو ما أدى بالبلاد للدخول في حرب مدنية دموية.
-السلطة في الجزائر تريد تغييرا زائفا والذي يبقي علي نفس النظام ونفس القيادة. وبالرغم من مطلب الممثلين الجدد المنتخبين من أجل الحل السياسي للأزمة وتأكيدهم على "الحاجة للتعاون والتضامن بين جميع الناس"، وبالرغم من حقيقة أن جبهة الإنقاذ الإسلامية:
- شاركت في 26 ديسمبر 1991 بينما كان قائدها معتقلا بشكل غير قانوني منذ أحداث يونيو 1991،
- قامت بالتعهد باحترام التعددية، مبدأ الانتخابات وتناوب السلطة والحريات العامة،
- التعهد بالعمل داخل إطار الدستور وقالت بوضوح أن أي تغيير لها يجب أن يكون من قبل الوسائل الدستورية.
وبالرغم من كل ذلك قام الجيش بالسيطرة على السلطة بالقوة، وقد قامت السلطة بحرمان الجزائريين من حقهم في انتخاب حكومتهم الشرعية بحريتهم وهو ما أدى لتعميق الأزمة. وقد حاولت القيادة الرئيسية لجبهة الإنقاذ الإسلامية جاهدة أن تكبح أي مطلب بالتصعيد تجاه استخدام القوة عقب الانقلاب العسكري في 11 يناير 1992 وحملة المداهمات ضد الشعب: فقد اعتقل أكثر من 30.000 في أول ثلاثة أيام. ولم يترد الجيش وقوات الأمن منذ اليوم الأول وخلال الستة عشر عاما الماضية في استخدام القوة والتعذيب للحفاظ علي السلطة.
إنها النخبة الحاكمة التي لا يعنيها سوى الحفاظ على امتيازاتها، وإن كان على حساب المصالح الإستراتيجية للشعب ومطالبته بالحرية وحق تقرير المصير والتي منعت الشعب الجزائري من إنشاء مؤسسات منتخبة بطريقة شرعية.
وفي الحقيقة، فإن العملية الانتخابية بأكملها قد روقبت بإحكام من قبل مؤسسات الجيش والأمن والتي كانت على استعداد دائم للكبح حال ما تعرضت امتيازاتها للتحدي. ومع ذلك فإن عملية الدمقرطة المقترحة قد تم حمايتها بقوة من قبل مجموعة كبيرة من القرارات لمنع أي معارضة من تحقيق نصر حاسم.
وبإغلاق العملية الانتخابية في يناير 1992 وبعد أربع سنوات من إفلاس الحكومة وأعمال الشغب الشعبية في 1988 أعلنت النخبة الحاكمة بكل صراحة وبدون أي شك رغبتها في أن تبقي بعيدة عن عملية الدمقرطة. رفضت "السلطة" في الجزائر أن تتنحي من خلال صناديق الاقتراع، ولا يعني لها شيئا ما يمكن أن يكلف هذا شعبها.
المجتمع المدني: غير قادر على الدفاع
وفي النهاية ربما يكون هناك عامل ثالث يساهم في "إتاحة الفرصة" للديمقراطية المضللة في الجزائر: المجتمع المدني غير قادر علي الدفاع. وبينما كانت النخبة الحاكمة تقوم بتعزيز سلطتها منذ الاستقلال تآكلت مؤسسات المجتمع المدني والأسرة والمدارس والمساجد والإعلام والجمعيات وحتى اتحاد عمال الدولة والحزب السياسي بسرعة. إننا نؤمن إيمانا قويا أن استقلال مؤسسات المجتمع المدني أمر ضروري للحفاظ على الحرية والمصالح الخاصة وحماية حقوق الأفراد من قدرة الدولة على الاستخدام المفرط للقوة وتضليل الديمقراطية.
7. الوضع الجزائري الحالي والتوقعات
تبني النظام الجزائري ما سمي "محاولة تفسير كل ظاهرة بالأمن" وهو الحل الأمني من خلال العنف الدموي. وهذا الأمر لا يحل الأزمة بل إنه يمد من أجلها ويعمقها وهو ما أدى بالبلاد خلال عقد إلى دائرة طويلة وفاسدة من العنف على حساب الاستقرار ليس فقط في الجزائر.
وفي أبريل 1999 انتخب رئيس جديد وهو السيد بوتفليقة على أساس تعزيز المصالحة الوطنية. وفي الحقيقة فقد رأي الجزائريون في السيد بوتفليقة بعض الأمل في حقبة جديدة من السلام والرخاء.
وقد تحسن الوضع الأمني في الجزائر منذ ذلك الحين، ولكن خلال السنوات القليلة الماضية أضيف بعد جديد للازمة نظرا لسوء تصرف بالقمع الطويل للأقليات البربرية. ويهدد هذا الوضع الوحدة والتضامن في المنطقة وهو ما يمكن أن يؤدى لزعزعة استقرار المنطقة بأكملها.
وعلى أي حال فقد تدهورت الظروف الحياتية للجزائريين بشكل ملحوظ خلال هذه السنوات الأخيرة. وقد دهش العديد ممن زاروا الجزائر بما رأوه من مستوى الفقر هناك. فمعدل البطالة كما قدرته الإحصاءات الرسمية قد وصل إلى 40%. كما أن من لديهم سلطة في الجزائر تكون من وراء الفساد.
إننا نؤمن أن المصالحة الوطنية الحقيقية هي وحدها القادرة على إخراج البلاد من صفحة الماضي ومن ثم وتحرير البلاد من تدخل الجيش في الحياة السياسية للجزائريين. كما لا يستطيع الرئيس بوتفليقة عمل أي شيء لتحسين الوضع في البلاد ما دام مقيدا بالمستأصلين وحلفائهم داخل الجيش وقوات الأمن الجزائرية والتي تعارض المصالحة الوطنية.
وعلى سبيل المثال فإنني دعيت في سبتمبر 2005 من قبل الرئيس الجزائري للأخذ بيد البلاد للمشاركة في مشروع الرئيس للمصالحة الوطنية. وبالنسبة لرعب الجزائريين فإن الاستئصاليين قد عارضوا بقوة عودتي بسبب مطالبتي المتواصلة للاستعلام المستقل عن الجرائم والفظائع التي ارتكبت في حق المدنيين. وبمحاولة التهرب من العقوبة من خلال مشروع الرئيس قام قادة الجيش الجزائري بجعل مستقبل الجزائر غير مضمون.
ولكي نستطيع أن نطوي صفحة الماضي وتحقيق سلام دائم وفتح صفحة جديدة لإعادة البناء الحضاري للجزائر فإننا نؤمن بأنه من الواجب على كل فرد بأن يعمل أولا وأخيرا لتضميد الجراح التي تسببت باعتداءات 11 يناير على رغبة الشعب والتي تسببت في الصراع الدموي.
وإننا نؤمن بأن الطريق الوحيد لتحقيق مثل هذا هو طلب الإجماع الوطني حول:
أ.الطريقة المناسبة للإفشاء، بعيدا عن أي روح للانتقام، وحقيقة الجرائم الشنيعة التي ارتكبت في حق الشعب لمنع عودته لما كان عليه إضافة إلى الاستجابة لمطالب الشعب.
ب.المساءلة فيما يتعلق بالاختفاء إلى جانب جرائم المأساة الوطنية ومن بينها المشردين داخل البلاد واللاجئين على الحدود.
ت.القيام بعمل إجراءات تضمن عدم العودة للمأساة الوطنية ومن بينها الموافقة علي "ميثاق حقوق المواطنة" الذي يضمن الحريات وحقوق كافة المواطنين بدون تمييز.
وكما قال مالك بنابي ، "... إن الدمقرطة تتطلب هدم بطيء للاتجاهات الاستبدادية في الوعي الثقافي."
حركة الحرية والعدل الاجتماعي
وليس من المستحيل حل المشكلات الحالية في الجزائر. وفي الحقيقة فإن خواص التماسك الاجتماعي وتبادل المساعدات والتي تعبر عن الشخصية الدينية والوطنية لشعبنا، تعتبر أصولا مهمة جدا. وقد حقق شعبنا العديد من النجاحات في العديد من المواقف المستحيلة عبر التاريخ.
وعلى كل فإنهم يطالبون برؤية جديدة لهذه الإستراتيجية في بلاد شمال أفريقيا. إن الجزائر تحتاج، وبدون تأخير، لفهم جديد ومنتعش من خلال حكومة صارمة قادرة على رؤية الحاضر والمستقبل بوضوح وأن تكون عاملا سياسيا جيدا ونشطا وأن يكون لديها كوادر بقيم عالية مسلحة بالعلوم المعاصرة وبرامج واقعية ومشاريع تقوم بفتح آفاق جديدة.
ويمكن الوصول لجميع هذه الأهداف من خلال من خلال رغبة سياسية موحدة وآلية جديدة للعمل على استعادة الحرية والعدل الاجتماعي وتصحيح الوضع البذيء لتوزيع الدخول واستئصال الفقر وإزالة الفساد والبدء في حركة تطور اقتصادي حقيقية تضمن السلام الاجتماعي وتعطي الثقة بين مؤسسات الدولة ومواطنيها. وقد صرح المؤلف في يناير 2007 مع سياسيين إصلاحيين جزائريين آخرين عن إنشاء حركة جديدة (الحرية والعدل الاجتماعي).
إننا عقدنا العزم بعون الله ومن خلال هذه المؤسسة السياسية الجديدة على مواصلة الجهود الوطنية لوضع الجزائر في المسار الصحيح كي تداوي جراحها ولكي تجمع وتفعل طاقتها الممكنة في سبيل تحسين الظروف الحياتية لشعوبنا واستعادة هيبة بلدنا.
وقد جعلنا الالتزام بتحقيق الحرية لكل من المواطنين والشعوب كواحد من دعائم أجندة الإصلاح، وتبنيا لكل ما قيل في هذا الصدد، يقول قائد حركة الإصلاح المعاصرة في الجزائر الشيخ عبد الحميد بن باديس : "إن حق أي فرد في الحرية يتساوى مع حقوقهم في الحياة والانتهاكات ضد نصيب أي فرد من الحرية وهو يخالف هذه الحياة في بعض الأحيان..."
ومن خلال الإصلاحات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية التي نود تحقيقها فإننا نهدف إلى:
- ضمان ما يطلب لاحترام القانون، ومن هذا ضمان ما يحتاجه الناس لهذا: وإننا ندرك مراقبة الدولة لحكم القانون هو أمر يضمن الحرية وحقوق المواطنين. لذلك فإن الأنظمة المعتمدة علي الاختيار المستقل للشعوب لا يمكن القول بوجوده في مجتمع لا يمكنه مراقبة حكم القانون بل أنه مجتمع لا يحكمه قانون.
-وضع حد للفساد، والرشوة والاختلاس من أموال الدولة.
-احترام حقوق المرأة: لن يكون هناك تنمية حقيقية للبلاد إذا ما أهملنا نصف المجتمع.
- احترام حقوق الأقليات، ووضع حد لخلافات الإقليمية: وللأسف فإن انتهاك حقوق الأقليات أصبح واقعا في الجزائر. ولإدراك الآثار السلبية التي يمكن لمثل هذه المشكلة أن تسببها في حياتنا الاجتماعية فإننا سوف نتبع سياسة لحماية السعادة والرخاء والحقوق والحريات لكل شعوب المنطقة وسوف تكون سياسة تحترم حساسيات المجتمع أجمع وتعمل على صيانة التضامن في الجزائر إلى جانب بناء وحدوي للدولة وسياسة فعالة تعمل على حل المشكلات من الجذور.
- دعم وترسيخ ثقافة وتسامح وتعددية.
- تأمين حقوق الشعب في اختيار سلطته السياسية على جميع الأصعدة من المحلية إلى الوطنية إلى جانب السيطرة عليها ويجعلها قابلة للمساءلة: وإننا ندرك أنه في مجتمع حر يتمتع بعدالة اجتماعية فإن القوانين توضع من قبل المواطنين. وإننا نود أن نشكل حكومة توضع أحكامها القانونية بتصديق من المواطنين.
كما أن القرار النهائي والسلطة التنفيذية يجب أن يتركا للمؤسسات التي أنجبتها الانتخابات. ثم إن القرارات الأساسية المتعلقة بالحياة العامة فإنما تطرح من قبل هؤلاء الذين انتخبوا. فالسلطة المخولة للشعب وهذه الهيئة إنما هي وصف أساسي لفصل الأنظمة الديمقراطية عن جميع الأنظمة الأخرى.
- ولتطبيق إستراتيجية متواصلة للنمو الاقتصادي في سبيل تجميع هذا الاحتمال النادر لبلادنا: فالجزائر لها قدرة كبيرة علي النمو الاقتصادي بسبب شعبها الصغير والعامل والتمتع بالموارد الطبيعية وشعب له روح المبادرة ومحاسن طبيعية وتاريخية ووضعه الإستراتيجي والجغرافي. وبتطبيق هذه الإستراتيجية فسوف تنخفض نسبة الفقر والبطالة وسوف يقوم العدل بتوزيع الدخول بالعدل.
- إزالة جميع العقبات المالية والإدارية والبيروقراطية التي تعوق الصادرات: ومن أهم الأدوات السياسية لمواصلتنا لهذه الإستراتيجية للتنمية الاقتصادية هو زيادة صادراتنا. ويعتمد زيادة حجم الصادرات بشكل أساسي على زيادة المنافسة الاقتصادية الدولية.
- زيادة القدرة الإنتاجية والإنتاج في المجال الزراعي لضمان استقرار عوائد العمال ولضمان الاستخدام الرشيد للدوافع التي تتناول هذا القطاع: من خلال زراعة ما يؤمن الطعام لشعبنا وهو ما نراه أمنا قوميا.
- تطبيق سياسات اجتماعية بالطريقة التي تضمن الرخاء والسعادة لجميع مواطنينا بدون تمييز: وسوف نجعل من الحكومة خادما لشعبنا بالكامل.
- إتباع سياسة خارجية واقعية تلاءم الوضع التاريخي والجغرافي للجزائر خالية من التمييز والاستحواذ وقائمة على تبادل المصالح: وإننا نؤمن بأن الجزائر يجب أن تحدد أولويات سياستها الخارجية وأن تخلق توازنا بين الحقائق وبين اهتماماتها الوطنية.
وبهذا الصدد فسوف يكون من أولوياتنا العمل مع دول المغرب المجاورة لتحقيق انفراجة اقتصادية مغربية من خلال تضامن اقتصادياتنا. كما أن من أولوياتنا أيضا تحقيق سلام دائم في الشرق الأوسط، ونؤمن بأن هذا السلام لا يتحقق إلا بعودة فلسطين إلى الخريطة الدولية مهما كان حجمها صغيرا. ومن أجل هذا الهدف فإننا نقترح بأن جميع الأطراف، وخاصة الطرف اليهودي، تحتاج إلى المساعدة لفهم ضرورة القبول:
ولإنهاء هذه المقدمة المختصرة لحركة الحرية والعدل الاجتماعي فإنه علينا أن نذكر أن من أهم مظاهر برنامجها أنه لا يضم أقوالا بليغة لا يمكنها أن تترجم إلى أفعال، فالواقعية والنفاذ هما من أهم سمات سياستنا المقترحة.
إن الوضع الحالي في الجزائر – والذي ما زال تحت قوانين الطوارئ منذ ستة عشر عاما – قد أجبر الحركة علي تحجيم نفسها وأن تكون "جماعة عمل سياسي تركز في الأساس على المساهمة الفعالة مع القوى الوطنية الأخرى لتحقيق مصالحة وطنية حقيقية في الجزائر.
ويأمل المؤسس الجديد للحركة أن يراها وقد تحولت إلى حزب شرعي في المستقبل القريب؛ حزب يشبه في منهجه السياسي للحزب الحالي في تركيا حزب العدالة والتنمية.
ملخص
إن الرغبة التي عبرت عنها الحكومات الغربية عامة وأمريكا خاصة في رؤية حرية سياسية وتنمية اجتماعية واقتصادية في العالم الإسلامي بعد الاستعمار إنما تتعارض مع صمتهم ودعمهم لردود الفعل القمعية والمستبدة لأنظمة المنطقة للمطالب الشعبية بالتغيير والإصلاحات الديمقراطية والسلمية.
وإننا نأمل أن نري في يناير 2009 إدارة أمريكية جديدة في البيت الأبيض متعقلة تقوم على عمل سياسة خارجية جديدة للولايات المتحدة تسعى لكل من:
أ.تحقيق سلام دائم في الشرق الأوسط من خلال إعادة فلسطين إلى الخارطة العالمية مهما كان صغر حجمها.
ب. تعزيز توازن الأمن مع حرية وكرامة الشعب: من خلال سياسة خارجية تعزز حق جميع الأمم في مشاركتنا عالمنا الجميل بالتساوي. ويتطلب هذا رغبة في توسيع تغيير السياسة التي استمرت ستة عشر عاما في دعم الأنظمة السلطوية ولتشمل العالم الإسلامي أجمع ولكن من خلال التواصل السلمي والسياسي وليس من خلال القوة العسكرية.
فالمنطقة في حاجة ماسة للتواصل بشكل كامل في عملية دمقرطة حقيقية مع احترام الديانات المختلفة لشعوب المنطقة ومن ثم أن لا يطلب من شعوب المنطقة أن تتخلي عن عملية العلمانية التي تم تجريبها في العرب في القرون الماضية.
ت.وضع حد لكل من الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة ولتسليح إسرائيل بالبرنامج النووي والقيام في المقابل بدعم العديد من دول المنطقة للتواصل في تنمية سياسية واقتصادية واجتماعية.
في الحقيقة، لقد تأخر الوقت بالنسبة للإستراتيجيين الغربيين وصناع القرار لإدراك أفضل رد فعل على الأحداث الرهيبة التي جرت في 11 سبتمبر هو دعم حق الشعوب في العالم الإسلامي لانتخاب السلطات السياسية المدنية بحرية بدلا من مواصلة الاعتماد على الحكم المستبد.
فالشعوب نفسها هي العامل الحقيقي لاستقرار طويل الأجل وللأمن العالمي ولازدهار الاقتصاد العالمي ومن ثم تحقيق سلام دائم. ومما يعزز توازن الأمن مع الحرية والرخاء لجميع الشعوب هو سياسة خارجية عادلة تقوم على تعزيز حقوق جميع الأمم بالمناصفة.
وعلى مستشارو السياسة في جميع أنحاء العالم أن يناقشوا بجدية النزاعات الداخلية الهدامة داخل العالم الإسلامي بطريقة سلمية ومدنية لأن هذه النزاعات تمثل العقبة الأساسية للسلام العالمي ولحرية صناعة القرار بالنسبة للشعوب وللتنمية الاجتماعية وللازدهار الاقتصادي. وهذه الدول التي لديها موارد حيوية للطاقة تواجه زعزعة حقيقية في الاستقرار وتفسخا.
فرفض شعوب العالم الإسلامي لعملية الديمقراطية الحقيقية قد سبب فقدان الأمن وعدم الاستقرار السياسي وتدهور الظروف الاقتصادية والاجتماعية. كما أن الوقت أصبح متأخر جدا لتعزيز حق نظام حكم ثابت لشعوب العالم الإسلامي.
وسوف يساعد مثل هذا شعوب العالم الإسلامي، التي يبلغ عددها 1.2 مليار مسلم، من تحقيق صناعة قرار ذاتي حقيقي وإنشاء حالة من الحرية والعدل الاجتماعي وحكم القانون ومن ثم عمل مساهمة فعالة للأمن العالمي والاستقرار والرخاء الاقتصادي. أما بالنسبة للشعب الجزائري فإن هذا ليس سوى إصلاح لسيادة الدولة التي فقدوها بالاستعمار الفرنسي ثم بعد ذلك بالأصوليين العلمانيين منذ أكثر من 175 عاما مضت.
لوريل راب
مدير برنامج التعليم الدولي حركة الصوت الواحد
إن التيار الإسلامي والمشاركة السياسية للمرأة يعدان من التطورات الأخيرة في التاريخ السياسي للمغرب. وقد برز هذين الاتجاهين بعد استقلال المغرب في 1956 وقد بارز كلاهما الآخر.
فظهور الإسلام السياسي وتصاعد مطالب المرأة بزيادة المشاركة في الحياة السياسية قد كانتا في نفس الوقت في المغرب حيث أصبح مجال اللعب السياسي أكثر تنوعا وتعددت مناهجه حول حقوق الأقليات لتصبح عامة بشكل متزايد.
وباندفاع المملكة نحو الإصلاحات السياسية والتحرك المتردد تجاه الديمقراطية في أواخر التسعينيات أصبح المجال السياسي مفتوحا بشكل متزايد في حالة تقديم فرصا موحدة للمشاركة السياسية للمرأة. أما الدور المتزايد للمرأة كمصوت وكعضو في الأحزاب وكقائد في التحول الديمقراطي في المغرب الذي تبناه بعضهم فقد تم قبوله مع تردد الغالبية ورفض البعض. فظهور الحركات الإسلامية في المغرب – التي تقول بأن المشاركة السياسية للمرأة إنما هي قيمة إسلامية ولكنها ترفض مساواة الجنسين – تقم كلا من التحديات والفرص للمشاركة السياسية للمرأة.
وبداية برؤية مشاركة المرأة كعضو في حزب ومسئول منتخب في يومنا هذا فغن هذه الدراسة سوف تقوم تحدد الفرص والعوائق لتضامن سياسي أكبر داخل الحكومة وعلي المستوى الاجتماعي. وبينما أصبحت الأحزاب السياسية ملاذا لمشاركة المرأة السياسية يظل المجتمع المغربي بشكل عام محافظا تجاه قضية مشاركة المرأة المناصب الانتخابية.
وبينما قال 19.1% من النساء و 31.6% من الرجال بأنهم لن يصوتوا للمرأة المرشحة فإن النتائج قد عكست غير هذا. فهذه التوجهات لا تنبع من تعاليم الإسلام ولكن من أصول اجتماعية ترتبط "بعادة المكان" واختلاف مسئوليات الرجال والنساء في المجتمع المغربي.
وقد عملت الحركات الإسلامية في المغرب بالتناوب لتدمير واستبدال ونهش الوقائع السياسية القائمة مؤيدين للحكمة مع مرجعية أكبر للإسلام والعودة "للطريق الصحيح". فالحركات الإسلامية بالمغرب موحدة علي الإطلاق ويجب دراستها بشكل فردي لتقييم التحديات والفرص التي يعرضونها من أجل التنمية السياسية للمرأة.
فالأحزاب الإسلامية في المغرب يمكن أن تقسم إلى معسكرين: هؤلاء الذين يعملون داخل النظام السياسي وهؤلاء الذين يعملون خارجه. فهؤلاء الذين يعملون داخل النظام السياسي يشاركون في العملية السياسية ويتنافسون على الأصوات ويسعون للحصول على المقاعد في الحكومة ويطمحون لمشاركة السلطة من بين 23 حزبا هي الآن موجودة في البرلمان.
وحتى اليوم شارك حزب إسلامي واحد في العملية السياسية وهو حزب العدالة والتنمية وقد نجح في النهاية في الانتخابات. أما الحركات الإسلامية التي رفضت ومنعت المشاركة فيما يرونه نظاما فاسدا تحدده عدد من القوى الأكثر قوة في المغرب.
فحزب العدل والإحسان الخيرية (الأكبر والأكثر شعبية) والتي كان لها يد داخل القصر منذ الثمانينيات فقد قدمت مظاهرات كبيرة واعتراضات عامة تجاه سلطة الملك.
وكل من الحزبين الإسلاميين يقدمان فرصا موحدة للمشاركة السياسية للمرأة ويرفعان مناصب العضوية والقيادة للمرأة ويوجدان فسحة سياسية أكبر للمناقشات حول التيار النسائي الإسلامي.
وقد أتاح حزب العدالة والتنمية عددا من الفرص للمرأة زمن بينها عمل لجنة نسائية لحزب العدالة والتنمية والتأكيد علب التصويت كواجب إسلامي ووجود عدد كبير من النساء في البرلمان لأي حزب سياسي.
ويتمتع حزب العدل والإحسان بتحطيم الرقم القياسي في المشاركة النسائية داخل الجماعة. وبقيادة نادية يس، بنت مؤسس الجماعة، فإنها تحدثت بانفتاح وطلاقة عن الواجب الإسلامي للمرأة في لعب دور في الحركات السياسية.
وبالرغم من المشاركة العظيمة للمرأة داخل هاتين الحركتين إلا أن هناك تعديات كثيرة. فإيجاد قطاعات مستقلة للمرأة يخدم من أجل تهميش النساء المشاركات وعزل "قضايا المرأة" والاهتمام فقط بما يجب أن ترتدي المرأة.
وهناك بعض المواقف السياسية لكل من الحركتين تعتبر مضادة لتقدم الجنس ومنها التأكيد على الشريعة ورفض مشاريع تضامن المرأة في التنمية والفشل في تحدي عدم المساواة في الأمور الخاصة.
وبعض المغربيين يخافون من أن تعتنق كل من الحركتين، وخاصة حركة العدالة والتنمية، مشاركة المرأة كوسائل لرفع العضوية وادعاء التزامها بالسياسات الحديثة والمعتدلة، والبعض يخافون من أنهم "يخفون أفكارهم الحقيقية" حول الجنسين بينما يشجعون المشاركة فقط من أجل إضفاء الشرعية على الحركات ويجردون أولئك ينتقدونهم من سلاحهم وهو أنهم ضد حقوق المرأة.
كما أن تحليلي لتحديات وفرص حزب العدل والإحسان وحزب العدالة والتنمية حول مشاركة المرأة السياسية تعتمد على بيانات من 450طالبا جمعتهم في ربيع 2007 كبحث في جامعة محمد الخامس في الرباط في المغرب ومن خلال مقابلات مع بعض الأساتذة والطلاب وقد جئت كذلك ببحث حديث حول نقاط التقاطع للتيار الإسلامي مع المشاركة السياسية للمرأة.
مصوتون وأعضاء في أحزاب وقادة: مشاركة المرأة في السياسات المغربية وبالرغم من انتشار المناقشات حول الخلافات الحقيقية بين أعضاء الحزب من النساء والممثلين المنتخبين في العقود الماضية في المغرب غلا عددا منهم قد ظهر.
وهناك "رأي بسيط ولكنه منتشر في العالم الغربي،" يكتبه باحث يقول فيه أن النساء المغربيات "غير قادرين على اتخاذ إجراءات في السياسات" و "وليسوا موجودين في الإطار العام." وقد زادت مشاركة المرأة في الأحزاب السياسية وحركات المجتمع المدني منذ الاستقلال وهو ما يثبت أن هذه الإدعاءات خاطئة.
وتكتب الباحثة المغربية فاطمة صديقي، "خلال العقد الماضي زاد عدد النساء المغربيات الذين اتخذوا دورا فعالا في الجمعيات الإسلامية أو الأحزاب السياسية بشكل ملفت للنظر." وقد كانت مشاركة المرأة في العملية السياسية في ثلاثة مظاهر: كمصوتة وكعضو في حزب وممثل منتخب أو منتقي.
وبينما جاء الازدهار ليزيد من المشاركة في ثلاث مناطق، ادعى عدد من الباحثين والنشطاء المغربيين أنه يجب أن يتم فعل المزيد بحيث تستمر المرأة " غائبة عن الساحة السياسية".
كما أن هذه المشاركة لا تعني المساواة بالضرورة بالرغم من أن المشاركة هي الخطوة الأولي للتمثيل الكبير. وقد فازت المرأة بحق الاقتراع في المغرب عام 1963 وحصلت على 48% من بين 15.5 مليون مصوت. فالحكومة المغربية والأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية قد قاموا بجهود مركزة لزيادة التسجيل والتصويت بين النساء في الانتخابات البرلمانية في سبتمبر 2007.
وقد أنفقت الحكومة 61 مليون دولار من أجل الجهود الانتخابية وقد ركز بعضها على تواصل المرأة في العملية. والآن وفي 2007 كانت هناك مبادرة للحصول على الأصوات في المغرب تستهدف "مشاركة المرأة والشباب في الحياة السياسية" كقطب أساسي في "دعم الديمقراطية".
وقد أدى هذا إلى أنه في انتخابات 2007 قرر 53% من نساء جامعة الرباط المشاركة في الانتخابات القادمة وهي نسبة تتجاوز نسبة الرجال التي بلغت 45.3%، ولكنها لا تزال نسبة بسيطة لواحد من أكثر المنافسين السياسيين فعالية في المجتمع المغربي.
فالأحزاب السياسية المغربية تدرك أهمية التصويت بين النساء لزيادة الديمقراطية. وبالرغم من أن العديدين قد ضموا مثل هذا في برامجهم الحزبية، كما أن تصويت المرأة وحدة لا يغير بالضرورة ضعف تمثيل المرأة في المناصب القيادية.
وقال المتحدث الرسمي في 2007، "أن الفرق بين نسبة المرشحين من النساء وبين هؤلاء الذين انتخبوا تشير إلى أن جمهور الناخبين ليس مستعدا للوثوق في قدرات المرأة... لذلك فإن المجتمع أكثر تحفظا من الأحزاب السياسية." وقد لخصت دراسة قومية في 2004 أن أكثر من 60% من المغاربة يعتقدون بأن الرجال هم أفضل في القيادة السياسية ثم بعد ذلك أكد 82% منهم بأنهم يمكنهم التصويت لمرشحة. ووسط طلاب جامعة الرباط انخفضت نسبة من يمكن أن يصوتوا للنساء إلى 71.4%.
وقد نظرت جريدة "Telquel" المغربية الأسبوعية في أشكال تصوت المرأة فيما قبل انتخابات 2007 فوجدت أن "النساء لم يصوتوا، أو لم يصوتوا بما يكفي." ويوافق العديد بأن وصول المرأة لصناديق الاقتراع لا يعني بالضرورة تمثيل أكبر للنساء في السياسات القومية والمحلية.
وربما لا يكون التصويت وحده متضمنا لمقتضيات عميقة لمشاركة أكبر للمرأة في العملية السياسية، ولكن عضوية المرأة في الحركات السياسية والأحزاب قد عملت على توسيع التركيز والبرامج لدى بعض الأحزاب السياسية.
واليوم هناك بعض الأحزاب السياسية التي لديها قطاعات نسائية حيث يمكن للمرأة العضو في حزب أن تشارك وتعمل بشكل مفصل تجاه "ما يخص المرأة". وقد كان حزب التقدم والإشتراكية أول حزب ينشئ قسما خاصا بالمرأة، وهو المنظمة الديمقراطية للمرأة المغربية، عام 1985.
وقد عملت هذه الهيئة لمشاركة السياسية للمرأة كمصوت ومسئول منتخب. وبعد عامين تأسس كل من اتحاد العمل النسائي، وهو فرع نسائي يتفق مع الحزب اليساري، ومنظمة استقلال المرأة كوسائل لتجميع الأصوات لصالح أحزابهم السياسية وزيادة دخول المرأة إلى السياسات.
وقد أسست أغلب الأحزاب السياسية نظاما نسبيا لمشاركة المرأة في اللجان التنفيذية وفي المناصب القيادية في المنطقة.
أما حزب الاستقلال الذي يملك أكبر عدد من المقاعد البرلمانية فيتعهد بـ 20% من مقاعد اللجنة التنفيذية للمرأة بينما يخصص الاتحاد الاشتراكي للقوى الشعبية 20% من مقاعد مجالسه الداخلية للمرأة.
ويدخر حزب العدالة والتنمية الإسلامي 15% من مقاعده الداخلية للمرأة. ومن بين طلاب جامعة الرباط ينتمي 4.9% من النساء حاليا إلى الحزب السياسي وهناك ما يزيد عن (7.1%) لديهم خطط للمشاركة في المستقبل، ثم أن هذا العدد قد أصبح أقل من عدد الرجال، 10.1%، ممن يأملون في المشاركة.
فقسم المرأة ونسبتها في القيادة تعد خطوة مهمة تجاه مشاركة اكبر للمرأة والقدرة علي وضع اعتبارات المرأة في الأجندة السياسية ولكنهم يواجهون تحديات أبدية. فعمل أقسام منفصلة تضمن أن تستمر "قضايا المرأة" جانبا.
وبينما تساعد النسبة النساء داخل أحزابهم فإن النسبة الوطنية ضرورية لدخول المرأة إلى البرلمان. وبينما زاد اختيار المرأة للمناصب السياسية (الحكومية) في السنوات الأخيرة إلا أن الانتخابات لا تزال العقبة الرئيسية لمشاركة المرأة في الحكومة.
وخلال 50 عاما من الاستقلال وسبع جولات من التصويت حصل النساء فقط على 73 مقعدا برلمانيا ومن بينهم 69 فقط من بعد 2002. وقبل تعديل نسبة 2002 بحصول المرأة على 10% من مقاعد البرلمان أصبح التمثيل تابعا لنسبة واحدة.
وقد أظهرت انتخابات 1993 و 1997 أن نسبة 0.66% من مجمل المقاعد كانت للمرأة وقد انخفضت هذه النسبة إلى 0.5% في عام 2002.
وأكدت نزهه الصقلي على أهمية النسبة وقالت، "لا أستطيع أن أقول أن هذا يكفي: فبدون النسبة لن نصل إلى تقدم". ويشير باحث مغربي إلى تقارب الدين والثقافة والي يوجد نقطة اختلاف:
"إن غياب المرأة عن المجال السياسي له أسبابه الدينية والثقافية وخاصة لرفض الرجل المساواة مع المرأة، ومقاومة المجتمع لحقوق المرأة والعقلية الرجعية لوظيفة الرجل والمرأة."
وإضافة لهذه التجاوزات الراسخة فإن عليهن النضال في المهمة الصعبة لعمل حملة انتخابية لأخذ نسبة من الترشيح. فهؤلاء الذين ليسوا في القائمة الوطنية - جميع الرجال وبعض النساء – يعملون كممثلين إقليميين وحملة من أجل الأصوات داخل منطقتهم فقط.
فالنساء الذين يدخلون القوائم الوطنية يواجهون بتثبيط الهمة ومهمة مكلفة من خلال القيام الحملة في جميع المناطق. وفي إطار جهود لتخفيف هذه الأعباء فإن معظم الأحزاب السياسية تخصص أموالا طائلة من أجل ميزانية الحملة.
واجهت المرأة تحديات فريدة من نوعها للحصول على الدخول في عالم السياسة العالم الذي طالما كان مقتصرا على الرجال. وبينما أشعلت مبادرات التصويت الوطنية شرارة الاهتمام الجديد بين النساء فقد رجحت نسب التصويت المشاركة السياسية للمرأة غير أن التحديات قد بقيت كما هي.
ولم تزل النسب ضرورية لمشاركة المرأة في الحياة السياسية والمجتمع المغربي منقسم حول تولي المرأة مناصب قيادية والأحزاب السياسية ما زال يرأسها الرجال. وبشكل مثير للاهتمام فليس سوى الحركات الإسلامية يمكنه مناقشة بعض هذه الاعتبارات.
التيار الإسلامي في المغرب
شهدت الحركات الإسلامية في المغرب تفاوتا متنوعا في التسامح والقمع خلال سنوات وتمتعوا مؤخرا بزيادة الشعبية.
فالأوضاع السياسية والاقتصادية في المغرب ومن بينها "التوترات الشعبية والفشل الاقتصادي والضعف السياسي للحكومات العلمانية،" كانت ملائمة لحركات المعارضة.
وخلال الفترة ما بين الستينيات والتسعينيات كانت الحركات الإسلامية معارضة للملك؛ وهو الأمر الذي اختفي مؤخرا بشكل غامض بينما تضامن آخرون مع حزب العدالة والتنمية عام 1997.
ومعظم هذه الحركات تقوم بجذب عدد ضئيل من الأتباع من بين الساخطين والمغاربة المتطرفة ولكن حركة العدل والإحسان وحزب العدالة والتنمية كانا مختلفين.
أما الأولى فقد قامت ببناء حركة قوية لها شعبية كبيرة وبها ما يزيد عن 50% من مشاركة المرأة وهو أمر لا يصدق إذا ما قورن بالحركات السياسية الأخرى.
كما أن قادتها يستجلبون الدعم "من كل طبقات المجتمع المغربي من علماء الكمبيوتر إلى صناع الأحذية." وفي الحقيقة يؤكد القادة النساء أن "معظم الأعضاء من رجال الفكر."
وحتى منافسة حزب العدالة والتنمية في انتخابات 1997 فلم تكن الحركات الإسلامية بوجه عام تهدف للمشاركة في النظام السياسي. ومنذ عام 1997 أظهر حزب العدالة والتنمية قوته في صناديق الاقتراع وزاد عدد مقاعده من 14 إلى 42 ثم إلى 46 خلال عشر سنوات.
وقد تمتع الحزب في البداية بدعم الطلاب الجامعيين المتمدنين وقد كان أكبر دعم في الرباط وفي منطقة الدار البيضاء حيث كان 15% من المقاعد الداخلية قد حازها النساء.
وفي آخر جولتين انتخابيتين هزم حزب العدالة والتنمية جميع الأحزاب الأخرى وكان من أكبر الأحزاب التي أعطت مقاعد للمرأة (6 في عام 2002، وستة آخرون عام 2007) وأكبر نسبة نساء إلى رجال برلمانيين داخل الحزب (14.3% من مجمل المقاعد في 2002، 13.0% في 2007). وقد قدم كلا من حزب العدالة والتنمية و حركة العدل والإحسان
انفتاحا سياسية فريدا من نوعه لأعضائه من النساء والقادة بينما قاما بتعزيز البرامج التي انتقدها العديدين لمعارضتها للتقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي للمرأة. وهناك تحليل لتاريخ كل من الحركتين ودراسة للفرص التي أتاحوها للمرأة ومناقشة لبعض تحديات الجنس التي ظهرت في هذه البرامج الإسلامية كلها مهمة لفهم احتمالات النجاح في المستقبل في حزب المرأة إلى الحركات وزيادة قواعدهم الداعمة.
الفرص: حركة العدل والإحسان ومشاركة المرأة التي أسسها الشيخ عبد السلام يس في الثمانينيات وقد أصبحت حركة العدل والإحسان واحدة من أكثر الحركات السياسية شعبية وقوة في مواجهة الحكومة.
وبمطالبة تمثيل "أغلبية المغاربة وبالتالي المغرب ككل،" قامت حركة العدل والإحسان وهي جماعة دينية وقائية بتكريس الجهد لتجديد الفكر الإسلامي. وقد رفضت الحركة المشاركة في النظام السياسي ومنعت من تقديم مرشحين لها في الانتخابات ما لم تقلل من حدة خطابها تجاه المملكة.
ويقول قائد الحركة بأن العدل والإحسان سوف تشارك في النظام السياسي "فقط عندما يكون هناك ضمان حقيقي للديمقراطية،" وخاصة للمعارضة الإسلامية.
وحتى لو لم تشارك حركة العدل والإحسان في العملية السياسية ولم تقم ظاهريا بتشجيع المرأة على التصويت أو أن تنتخب لمنصب رسمي وقد تولت ابنة الشيخ يس نادية الحركة بعد أبيها وقامة بتطوير قطاع المرأة وقامت بالمساواة بين الجنسين بأن يقسم البرلمان الداخلي للحركة بين الرجال والنساء بحيث يصيب كل منهم ستة مقاعد.
وبالرغم من التضامن العظيم وقيادة المرأة على أعلى المستويات الحزب، إلا أن قطاع المرأة كان معزولا بعض الشيء ويعمل بصفة أساسية تجاه "قضايا المرأة." وقد أحضرت الحركة عددا ضخما في الشوارع للتظاهر ضد تضامن المرأة في المشاريع التنموية ومن أجل العودة للشريعة الإسلامية وهو النظام القانوني الذي قال عنه العديد أنه الحل الوسط للحقوق الفردية للمرأة.
فتاريخ حركة العدل والإحسان كان مقترنا بتاريخ الحكومة في القمع والمداهمات وهو ما وقف مرارا ليصرخ ضد الملك حسن الثاني وتحدى تنصيبه "أميرا للمؤمنين."
وقبل التأسيس الرسمي للعدل والإحسان عام 1985 كان عبد السلام يس منفيا في مستشفى للأمراض العقلية في 1974 لمدة سنوات بعد أن كتب خطابا إلى الملك حسن الثاني مؤلف من 124 ورقة يشجب فيه الفساد وتدهور الديمقراطية ويدعوا لإقامة خلافة إسلامية.
وقد اعتقل مرة أخرى في عام 1989 وتم حل حزبه في النهاية عام 1990. وخلال هذا الوقت كسب الرجل مصداقية وأصبح بطلا على هؤلاء الذين يريدون تصحيح السياسات السياسية والاقتصادية للحكومة. وبعد موت يس تولت ابنته نادية قيادة الحزب من بعده وتولت كذلك قيادة الفرع النسائي. وواصلت كذلك بناء دعمها الشعبي والقضايا التي توبخ الحكومة بشدة.
كما قامت حركة العدل والإحسان بتطوير تبعية مؤثرة بين النساء وتشجيع مشاركتهم كقيمة إسلامية. وقالت نادية يس بأن مشاركة المرأة هي أمر ضروري "إذا ما أردنا نعيد تقديم نموذج العدل الاجتماعي للإسلام." وقد قدر قادة الحركة أن قطاع المرأة والذي يقوده بصفة وطنية خمس نساء يمثلون ما بين 35 إلى 50% من كل العضوية.
وبمعدل مشاركة نسائية30% في مجلس الشورى، البرلمان الداخلي المنتخب، فقد خطت الجماعة خطوة واسعة في البرلمان المغربي وهو ما بلغ 34 امرأة فقط من أصل 325 من مجموع البرلمانيين وهو ما يمثل 10.4%. أما الآن فيبلغ عدد المقاعد التي تحوزها النساء 4 مقاعد فقط من أصل 325 مقعدا (0.4%).
ويقدم قطاع المرأة داخل حركة العدل والإحسان خدمات اجتماعية ومجلسا قانونيا ومنتدى للنساء للمشاركة في الحركة السياسية خارج حدود الحزب السياسي التقليدي. وقد ركزت مناقشة داخل الحركة على إعادة تفسير دور المرأة في أصل الإسلام، وقد قاموا مؤخرا بمناصرة مبادرة لاستيعاب 50 امرأة عالمة.
واليوم تعد نادية يس واحدة من أشهر المؤيدين لتيار نسائي إسلامي والذي عرفته بأنه البحث عن "استعادة الحقوق غير القابلة للتغيير التي صادرتها المجتمعات الإسلامية بشكل خفي ومنظم من المرأة." إنها تتحدث عن طبيعة المساواة الملزمة في الإسلام والحاجة لنبذ التفسيرات التي ترفض حقوق المرأة الموجودة في القرآن. وتؤكد نادية يس قائلة:
"إن ديننا متعاطف جدا مع المرأة، وبشكل نظري فإن نصوصنا المقدسة تعطينا العديد من الحقوق ولكن الرجال قد سلبونا هذا الحق. كما أنها غلطتهم لأن العالم أجمع يؤمن بما هو عكس ذلك.
فحركة العدل والإحسان تنادي من أجل رفض "التفسيرات القرآنية التي تذكرها السلطة"، وكلاهما يدعيان الحقوق الإسلامية للمرأة وكذلك رفض الوضع الراهن للسلطة والامتياز. وقد ألقى أحد العلماء الضوء على ظاهرة التيار النسائي الإسلامي هذه وقال أنها مثل "نتيجة مناقشة لظهور الإسلام السياسي." كما كتبت، "إن الظهور قد ساعد في إيجاد مساحة بالداخل بحيث يمكن للمرأة المسلمة أن تتصالح مع تيارها النسائي."
وقد قدمت حركة العدل والإحسان منتدى للمرأة للتواصل على جميع الأصعدة وقدمت مكانا للسماح بالخدمات القانونية والاجتماعية والتأييد القوى لإعادة تفسير الحديث الإسلامي كما روى عن الجنسين.
وبالرغم من هذه الفرص، فإن البعض قد قال بأن التفسير الخاص بعلاقات الجنسين والذي تؤيده حركة العدل والإحسان سوف يعوق نمو مجتمع يتمتع بالمساواة قائم على الأفكار العالمية لحقوق الإنسان والمرأة. وقد طرح تحليل أعمق للتحديات من قبل حركة العدل والإحسان وقد ظهر هذا التحليل في أعقاب مناقشة حزب العدالة والتنمية للفرص المتاحة للمرأة.
الفرص: حزب العدالة والتنمية والمشاركة النسائية. قام حزب العدالة والتنمية بجذب انتباه كلاهما داخل المغرب وحول العالم. وقد قال البعض بأن حزب العدالة والتنمية يمثل نموذجا "لحزب إسلامي معتدل" يقوم بدوره من خلال الإحكام السياسية وسوف يعمل على جلب ديمقراطية حقيقية إلى المغرب كما سوف يستأصل الفساد ويزيد من فرص التوظيف ويقدم الخدمات الاجتماعية المطلوبة للعامة.
ويرفضها البعض لكونها جهود هزيلة غامضة في سبيل تطبيق قوانين الشريعة وممارسة حملة تهذيب أخلاقية قوية واسترداد عقود التقدم للمرأة، وربما كانت الحقيقة في مكان ما هنا أو هناك.
وقد تأسس حزب العدالة والتنمية بشكل رسمي عامة 1997 عن طريق عبد الكريم الخطيب وقد كان بمثابة دمج بين الحركة الدستورية الديمقراطية الشعبية والحركة الإسلامية السرية (الشبيبة الإسلامية).
وقد أفعم هذا التحالف الحركة الدستورية الديمقراطية الشعبية بالحيوية تحت عباءة النظام السياسي. ومن خلال وساطة الإخوان المسلمين في مصر قام حزب العدالة والتنمية الجديد بطرح مرشحيه في الانتخابات البرلمانية لعام 1997.
وقد فاز الحزب الإسلامي الجديد بأربعة عشر مقعدا بعد جولة واحدة فقط في نصف المقاطعات الانتخابية وقد كانت جولة مثيرة كبداية.
وقد كانت نتيجة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات ونجاحه مجرد ثورة صغيرة، فلم هناك حزب سياسي قد تقدم للانتخابات من قبل حتى وإن كان بعيدا عن المعارضة الأيديولوجية التي تمنع مشاركته.
ولم يكن حزب العدالة والتنمية خائفا من ثقافة الحل الوسط السياسي، وكما كتب عالم مغربي بأنهم أقحموا أنفسهم بكل قوة في مغامرة انتخابية ومشايعة.
وبالرغم من أن حزب العدالة والتنمية لم يحصل على قيادة عدد مهم من المقاعد والبرلمان وكان غير قادر بوجه عام على اقتحام أجندته الخاصة وقد أظهر وجوده البسيط انفتاحا في النظام السياسي وألقى الضوء على ظهور الوجود الإسلامي في المغرب في أواخر التسعينيات.
وقد نوقش ظهور التيار الإسلامي السياسي المتمثل في حزب العدالة والتنمية وبالنسبة للبعض فإنه كثيرا ما أقلق المجتمع المغربي. وقدر الحزب الاشتراكي أن ثلاثة ملايين مغربيا – من أجمالي 28 مليون مغربيا – كانوا مسلحين إسلاميين ومتعاطفين في التسعينيات وهو ما أشعل المخاوف من وقوع المغرب في نفس مصير الجزائر:
حرب أهلية بين الإسلاميين والحكومة. لم تشارك المغرب في التاريخ الأخير للجزائر، ويواصل حزب العدالة والتنمية العمل لتوسيع تعريف الملكية للديمقراطية بينما يمنحه السلطة التي يطلبها.
ويوضح حزب العدالة والتنمية تعهده "بالبيروقراطية الانسيابية وجذور الفساد خارج المحاكم والتعليم الجامعي وسوق العمل" بينما يحترم التقاليد الإسلامية المغربية. أما الأحزاب التي تعتمد بشكل فردي على الدين فقد تم حظرها في المغرب، ولكن حزب العدالة والتنمية اعتبر نفسه حزبا يتبني تعاليم السياسة للعمل تجاه "مغرب أكثر حداثة وديمقراطية وازدهارا."
وقد أقسم أعضاء حزب العدالة والتنمية على "الوقوف صفا واحدا ضد أعضاء الديمقراطية،" وهو واحد من البيانات العديدة التي جعلت حزب العدالة والتنمية يفوز بالتحالف مع الحكومة الأمريكية كحزب معارض للتطرف الإسلامي وقادر على الوصول إلى هؤلاء الذين هم أكثر عرضة للانتقاد بسبب رسالتهم العنيفة.
وقد عمل حزب العدالة والتنمية جاهدا لتقوية الدعم وسط القاعدة المؤيدة له – الطلاب الجامعيين ومثقفو الطبقة الوسطى – وتوسيع إمكانية وصوله إلى المناطق الريفية وبين النساء.
كما يضم حزب العدالة والتنمية كذلك في قاعدته علماء دين محافظين وأعضاء من الشباب المسلم وقادة من العديد من المنظمات الخيرية. وقد شارك حزب العدالة والتنمية في انتخابات كل من عامي 1997 و 2002 وفاز بـ 14 مقعدا ثم بـ 42 مقعدا.
وقد جذب هذا النصر المتوقع في انتخابات سبتمبر 2007 المغربيين والإعلام العالمي لهذا النجم الإسلامي الساطع الذي ظهر ليحصل على 70 مقعدا في الانتخابات. وفي انتخابات 2007 انهزم الإسلاميون هزيمة منكرة، وأضافوا أربعة مقاعد فقط إلى مقاعدهم البالغ عددها 42.
وربما كانت أكثر المشاكل في هذه الانتخابات هي معدل المشاركة الوطنية والبالغ مقدارها 37% وهي الأقل في التاريخ المغربي. ومن بين 4.4 ملايين ممن صوتوا لم يشارك إلا أقلية منهم في التصويت لحزب العدالة والتنمية.
وبالرغم من هذه الهزيمة ظل حزب العدالة والتنمية لاعبا قويا في السياسات المغربية مظهرا للمغاربة والعالم أن الإسلام والديمقراطية غير متنافران.
وبينما يتكيف حزب العدالة والتنمية مع الوقائع السياسية فقد تم استخراج برنامجها من مطالب رمزية وأيديولوجية من أجل تضامن أكبر للقيم الإسلامية للمطالب الواقعية للتنمية والتخفيف من حدة البطالة.
وقد سعى حزب العدالة والتنمية لتضامن المرأة داخل الحزب بأعداد متزايدة في إطار سعيهم لجذب مصوتين جدد من أجل المنافسة المحلية والوطنية، وعمل رؤية لحزب إسلامي معتدل وحديث. وعلى غرار حركة العدل والإحسان، يؤكد حزب العدالة والتنمية أن المشاركة السياسية للمرأة هي قيمة دينية.
وفي مقابلة في مارس 2007 مع واحد من أعضاء حزب العدالة والتنمية من جامعة محمد الخامس في الرباط، أكد الطالب على أن المرأة يجب أن تشارك في إدارة الشئون العامة، وأخبرني بأن المجتمع المغربي فلا يمنح العديد من الفرص للمرأة تجاه الشئون العامة ولكن هذا الأمر قد تغير الآن.
وقد أكد أن هذه الثقافة التقليدية لا تتعلق بالثقافة الإسلامية وأن "صورة المرأة وفقا لحزب العدالة والتنمية أن تكون المرأة مواطنة لها حقوق والتزامات" تجاه المجتمع وتشارك في الشئون العامة.وهذه الحقوق ليست منحا حكومية بل إنها حقوق أقرها الإسلام لها.
وكتب صحفي مغربي في مجلة Hebdo الأسبوعية في المغرب، "النساء في كل مكان في حزب العدالة والتنمية."
وفي انتخابات 2007 عين حزب العدالة وقع حزب العدالة والتنمية تعديلا لتعدد الأحزاب يتعهد "بتشجيع المشاركة السياسية وخاصة بين النساء والأطفال." أما السيد Lahcen Daoudi عضو في الحزب، فيقدر أن نسبة ما بين 15 إلى 20% من أعضاء حزب العدالة والتنمية من الإناث وهم منضمون إلى قطاع النساء، منظمة تجديد الوعي النسائي، كما يتم مساعدتهم من قبل الرجال في الحزب والأزواج والأقرباء.
وقد صرح حزب العدالة والتنمية بأن جميع القطاعات المحلية يجب أن يكون لديها ما لا يقل عن 15% من النساء ونجعل من النسبة التي تمثل 15 إلى 20% من معدل المشاركة الحالية أمر غير مثير إذا ما تمت مقارنته بنسبة حركة العدل والإحسان التي تبلغ نسبة النساء بها 50% من النساء.
ومع ذلك فإن نتائج الانتخابات قد كانت مثيرة فيما يخص مرشحي حزب العدالة والتنمية من النساء. وفي العام 2002، ضمحزب العدالة والتنمية 36 امرأة في قائمة حزبهم المحلية التي تتألف من 224 وكذلك 30 امرأة في قائمتهم الوطنية (نظام النسبة).
وقد فازت ست مرشحات من قبل حزب العدالة والتنمية بمقاعد في البرلمان وهو أكبر عدد للنساء من قبل أي حزب سياسي آخر. وبينما كانت انتخابات عام 2007 انتخابات محبطة لحزب العدالة والتنمية إلا أن نساؤه الست قد ظلوا محافظين على مقاعدهم داخل البرلمان، بالترابط مع القوى الشعبية للاتحاد الاشتراكي من أجل الحزب صاحب أكبر تمثيل نسائي داخل البرلمان.
وبالنسبة لمرشحي حزب العدالة والتنمية من النساء فإن قيادة الحملات الانتخابية تعد أمرا صعبا وتجبرهم على مواجهة العديد من التحديات الانتخابية التي لا يواجهها الرجال والمرشحات اللواتي لا ينتمين للتيار الإسلامي.
وتقول فاطمة بالحسن، مرشحة حزب العدالة والتنمية التي فازت في انتخابات 2007 في طنجة، "بالنسبة لي فإن المصوتين قد قاموا بتجربة أمرين: قد انتخبوا امرأة وحزبا إسلاميا." وعلى مرشحات حزب العدالة والتنمية مواجهة تحدى الآراء الشائعة القائمة لجمهور الناخبين المتحفظ. وتقول بسيمة حقي "إن نشطاءنا هم ممثلون ممتازون عن المجتمع المغربي، والبعض منهم لا يقبل بعض فكرة تولي المرأة لمناصب رسمية."
وعلى غرار جميع الأحزاب السياسية فإن النساء في حزب العدالة والتنمية ينتمون للحزب لعدد من الأسباب المختلفة. وبالنسبة للعديدين فإن فرصة استعادة ما اعتبره سعد الدين عثمان قائد حزب العدالة والتنمية "مجتمع مسلم يدعوا إلى الطريق الصحيح" يعد هدفا ذا أهمية أساسية.
وقد لخص أحد طلاب الجامعة المنتمين لحزب العدالة والتنمية أهدافه لي والمتمثلة في انفتاح اجتماعي تدريجي بحيث لا يتعارض مع هويتنا الدينية والاجتماعية. أما بالنسبة لهؤلاء الذين يعيشون في الرباط والدار البيضاء ويعدون أنفسهم من بين رجال الفكر في الحزب، فإن هذه المناضلات الأيديولوجية تعد مكافأة وإجبارية.
أما بالنسبة للآخرين، والذين يعدون أنفسهم من هيكل صناعة القرار فإنهم يفضلون وضع السياسة جانبا مثل أعضاء حركة العدل والإحسان. أما فاطمة بالحسين، نائبة حزب العدالة والتنمية في طنجة فتقول عن يقظتها السياسية:
"في لحظة ما أدركت أن المرء لا يمكنه تغيير الأشياء من المسجد، وأن مشاركتنا في صناعة القرار هي الأمر الوحيد الذي يجعل صوتنا مسموعا."
أما بالنسبة لنساء أخريات يعيشون واقعا مختلفا فإن الحزب يقدم آمالا لمزيد من تخفيف المعاناة. وذكرت مجلة Marco-Hebdo الأسبوعية بعض المحفزات للانضمام إلى الحزب: "وبالتهميش من قبل الواقع الاقتصادي والاجتماعي والعيش في ظل الفقر والبطالة والأمية فربما لا يكون الإيمان بالله هو ما تبغيه تلك النساء، وإنما يبغين حلا غير مباشر لمشكلاتهم ويريدون تضامنا داخل المجتمع وهو ما يعتقدون أنهم يحصلون عليه بنجاح حزب العدالة والتنمية."
ومهما كانت المحفزات الدينية والاجتماعية أو السياسية لمشاركة المرأة في حزب العدالة والتنمية فقد أوضحت أرقام انتخابية وشهادات شخصيه الفرص العديدة التي قدمها حزب العدالة والتنمية للمرأة.
ويقوم حزب العدالة والتنمية بمناصرة مشاركة المرأة السياسية كقيمة فطرية ولكنهم أيضا يتلاءمون مع الضرورة السياسية في تناول "قضايا المرأة" فيدمجون إياهم في هيكل الحزب وجلب المرأة لصناديق الاقتراع. وسواء كان هذا الأمر قيمة إسلامية أو ضرورة سياسية أو كلاهما فإن حزب العدالة والتنمية قد أرسل أكبر عدد من النساء إلى البرلمان أكثر من أي حزب سياسي آخر وحاز على نسبة 15% من النساء ممن يمثلونه.
وعلى غرار حركة العدل والإحسان اتبع حزب العدالة والتنمية إعادة تشكيل التيار الإسلامي النسائي مدعيا أن المشاركة النسائية حق إسلامي وواجب. وقد زادت القوة بعض الشيء بإعطائهم دفعة نحو السعي من أجل مساواة اقتصادية واجتماعية والسماح لأخريات بالدخول إلى دوائر نخبة السلطة والامتياز السياسي.
التحديات: الحركات الإسلامية والمشاركة النسائية
وبالرغم من أن كل من حركة العدل والإحسان وحزب العدالة والتنمية قد طورا من وضع المرأة من خلال حركاتهما خلال سنوات فإن البرامج السياسية التي أيدتها الحركات ربما تكون مدمرة لحريات المرأة السياسية والاقتصادية والاجتماعية على المدى الطويل.
وقد أيدت كلا من الحركتين تطبيق الشريعة والتكتل ضد تضامن المرأة في التطوير والخلاف المحتدم وبعض المشاحنات بين بعض المغاربة الذين يرون هذه الأشياء تراجعا.
وبصفتها الحركة الإسلامية الوحيدة المدينة لجمهور الناخبين، فإن موقف حزب العدالة والتنمية لم يكن مرضيا للمغاربة وحركات المرأة الدولية والأحزاب السياسية الأخرى وأغلبية المواطنين المغاربة الذين اختاروا ألا يعطوا أصواتهم للحزب الإسلامي.
وقد كان هناك بعض الشكوك المنتشرة تجاه حزب العدالة والتنمية وربما كانت بسبب التمويه الذي يستخدمه الحزب تجاه القيم الإسلامية في إطار جهود لفوز بمزيد من الأصوات وضمان دائرة الناخبين المختلفة من الحركات الإسلامية المغربية الماضية.
وهناك تحديا آخر يتمثل في تمثيل المرأة وطرق قيادة كلا من الجنسين. فمواقف حزب العدالة والتنمية وحركة العدل والإحسان تختلف تجاه الحاجة إلى نسب داخلية، بالرغم من أن كلاهما أنشأ قطاعات منفصلة للمرأة للتواصل بشكل أساسي مع قضايا المرأة.
وبالمقارنة مع أحزاب أخرى فإن حزب العدالة والتنمية يأتي بعد أحزاب سياسية أخرى في تمثيل المرأة في مناصب قيادية فقد بلغت نسبتها 15% من التمثيل النسائي مقارنة بنسبة 20% في العديد من الأحزاب الأخرى ومن بينها حزب الاستقلال الحاكم والإتحاد الإشتراكي للقوى الشعبية.
وبالرغم من انتعاش قطاع المرأة في حزب العدالة والتنمية فإنه من المحتمل أن تكون إستراتيجية إنشاء مسارات قائمة على أساس الجنس داخل الحزب – والتي قام بها على الأقل خمسة أحزاب سياسية أخرى – ضارة للأهداف المغربية طويلة المدى للتضامن النوع. وتؤكد بسيمة حقي، عضو حزب العدالة والتنمية في البرلمان، على أن النساء "يجب عليهم أن يتواصلوا مثل الرجال في جميع المناقشات التي تؤثر في المجتمع، وليس فقط قضايا المرأة التي تخصهم كنساء."
فبنائه من حركة نسائية منفصلة يضع التزام حزب العدالة والتنمية بتواصل المرأة في المناقشات المتعلقة بجميع القضايا – وليس فقط بقضايا المرأة – في الخطر. وهناك باحثان يقولان في مقال لهما عن نشاط المرأة في الأحزاب الإسلامية:
"فتقديم قطاع مستقل للمرأة يعكس جهود قادة الحزب لعزل نشاطات المرأة فضلا عن المعنى الحقيقي للمساواة بين الجنسين داخل الحزب."
وفي الحقيقة فإن هناك أحزابا أخرى قد تبنت مبادرات مشابهة ولكن حتى ينضم النساء إلى مثل هذه الطرق السياسية فإن هذه المناقشات سوف تبقى على الهامش إلا إذا تم الاستفادة منها سياسيا لمناقشتهم.
وهناك تحدى الشريعة فخلال تاريخ حركة العدل والإحسان فإنها لم تزل تقول بالحاجة إلى العمل بالشريعة في المغرب وأن ترمي بالدستور المغربي الذي جاء على حين غفلة من الزمان، واستبداله بميثاق إسلامي. ويكتب عبد السلام يس، "إن اليد الطولي لحكومة الإسلامية علة مقدرة بأن توقف جرح المجتمع النازف."
وقد أعادة نادية يس إحصاء الجروح التي تعاني منها المغرب من خلال النظام الحالي ومن بين هذه الجروح "الجهل والبطالة والأمية والفقر والغضب والطغيان." وبالنسبة إليهم فإن الشريعة فإن اتحاد الشريعة مع "الجهود المشتركة بين الرجال والنساء لاقتحام المجال ولاستثمار أنفسهم ومن أجل المثابرة" يعد جوابا على آلام المجتمع. وتؤكد نادية يس، "لو أن الشريعة هي الرغبة الديمقراطية للشعب فإنه من الأفضل أن نطبقها."
أما بالنسبة لحزب العدالة والتنمية فإن إقرارات الشريعة المبدئية التي أسست في كتابات الحزب، قد أزيلت اليوم. أما موقع حزب العدالة والتنمية قبل أغسطس 2007 فقد كتب أن الحزب "يريد تطبيق القانون الإلهي ويريد الانتفاع من مزايا هذا القانون للأرض وللشعب."
أما في رؤية الحزب لمستقبل المغرب والتي ظهرت قبل شهور من انتخابات سبتمبر 2007 فإننا لا نجد أي مرجعية للشريعة سوى التزام مبهم بمواصلة الطبيعة الإسلامية للمغرب، وهو الالتزام الذي يمكن تفسيره بأشكال عديدة. ويروي مصدر ما أن حزب العدالة والتنمية قد "انتقص من قدر مطالب لأشخاص مهمين داخل الحزب لقطع يد السارق ومطالبة النساء بارتداء الحجاب." وما زال بعض أعضاء الحزب يتمسكون بهدف تطبيق الشريعة الإسلامية على المدى الطويل بينما يعملون على تطبيق المزيد من الديمقراطية الشاملة في نفس الوقت.
وكبرنامج حقيقي لحزب العدالة والتنمية وكموقف سياسي حقيقي لحركة العدل والإحسان فإن الاثنان سيواجهان معارضة قوية من المجتمع المغربي ومؤيدو حقوق الإنسان في مطلب الحزبين لتطبيق الشريعة.
وهنا يقفون ويؤيدون لدعم تعدد الزوجات وحقوق الميراث غير المتساوية والعقوبات الشديدة على الجرائم والتمايز الشديد في أدوار النوعين في الحياة الخاصة والعامة وهو الأمر الذي لم يجعلهما يفوزان بدعم في العديد من الأوساط.
فتعدد الزوجات ليس منتشرا هناك قدر انتشاره في البلدان الأخرى ولكنه يظل أمرا قانونيا في ظل قانون الأحوال الشخصية (المدونة) في المغرب. ويدافع أعضاء حزب العدالة والتنمية عن ممارسة تعدد الزوجات ويقولون بأن "تعدد الزواج يمثل حلا ولا يمثل مشكلة."
وقد أثنى أعضاء حركة العدل والإحسان على هذا النظام كحماية لوحدة الأسرة بدلا من التأكيد فقط على الفردية.
وخلال المناقشات المكثفة حول تنقيح قانون الأحوال الشخصية في أواخر التسعينيات وأوائل الألفية الثالثة، وافق عدد من ممثلي المجتمع المدني والممثلين السياسيين على قانون الأحوال الشخصية عام 1953 وأن هذا الذي نقح عام 1993 يحتاج إلى تعديل.
ويقول تقرير من المنظمة الديمقراطية للمرأة المغربية بأن، "قانون الأحوال الشخصية هو قانون تمييزي في الأساس الذي قام على التمييز الطبيعي بين الرجل والمرأة: فالمرأة هي قطب الحياة وقيمتها تقتصر فقط على الدور التقليدي كزوجة مطيعة وأم للتربية."
وتريد حركة العدل والإحسان أن تلقي بقانون الأحوال الشخصية هذا بعيدا أو أن يتم تعديله بشكل جاد ليس لأنه لا يعطي المرأة حقوق المساواة بل لأنه لا يحوى مرجعيات إسلامية كافية وتمت صياغته من قبل النخبة السياسية.
فالإسلاميون وخصومهم من الأحزاب السياسية الموجودة علي الساحة ومنظمات حقوق الإنسان والمرأة قد انضموا معا في نقاش ساخن من الشارع المغربي إلى البرلمان حول تعدد الأزواج وميراث المرأة والحقوق القانونية وسن الزواج ومواضيع أخرى.
وقد خدمت هذه المناقشة في إظهار المعارضة المنتشرة للشريعة الإسلامية ورد الفعل الذي سيعانيه الإسلاميون عندما يسعون لتطبيق الشريعة.
وهناك تحدي آخر يتمثل في تضامن المرأة في التطور، فقد رفض كل من حزب العدالة والتنمية وحركة العدل والإحسان جهود الحكومة في تضامن المرأة في مشاريع التنمية في البلاد.
وقد قدم في مارس 1998 "خطة العمل الوطني لتضامن المرأة في التنمية" والتي تهدف إلى ما يلي: "الانتقال إلى أهداف متماسكة وإستراتيجيات واقعية وإجراءات صارمة في أجل قصير ومتوسط وكذلك التركيز الوطني على تعزيز حقوق المرأة واتخاذ أفعال جادة في الأمور التي تخلفت فيها المغرب والتي تقف في طريق التضامن الفعال للمرأة كمستفيد وكممثل فعال في التطور."
ووفي مقابلة في مارس 2007 مع عضو من حزب العدالة والتنمية داخل جامعة محمد الخامس أكد قائلا، "فيما يتعلق بمشاريع التنمية والتحديث فإنه من الضروري لحزبنا أن يتقدم ويتطور بدون ترك الهوية الدينية والاجتماعية."
فالافتقار إلى المرجعية الإسلامية في خطة العمل الوطني لتضامن المرأة في التنمية، والتي تضم إستراتيجيات لزيادة معدل التثقيف وكذلك معدلات التذكرة بين النساء (فالمغرب تعاني من 62% من معدلات الأمية بين النساء مقارنة بالمعدل القومي الذي يبلغ 49%)، إلى جانب معدلات البطالة بين النساء (ارتفع معدل التوظيف إلى 27.4%)، ومن السهل السماح لهم بالرعاية الصحية وهو ما أوجد عداوات مع الحركات الإسلامية.
ومنذ عدة سنوات اندفع كلا الجانبين إلى الشارع وقد تظاهرت الجماعات المؤيدة للإصلاح في الرباط واندفع الإسلاميون (من كل من حزب العدالة والتنمية وحركة العدل والإحسان) كالطوفان في شوارع الدار البيضاء يشجبون تضامن المرأة في التطور.
وفي آخر طبعة لجريدة التجديد التي ترتبط بحزب العدالة والتنمية، قامت بنشر عنوان في الصفحة الرئيسية تخاطب فيه قضية المرأة والتنمية:
"أهي إستراتيجية المساواة والعدالة أو إستراتيجية تطرف التيار النسائي المتركزة حول المرأة؟" وقد ساعد هذا الوضع الشائك والهجمات على التيار النسائي في تعميق الانقسام بين هذه الجماعات.
وقد بلغت هذه البغضاء ذروتها في العام 2006 عندما قامت 19 جمعية مدنية ومنظمة سياسية بالتضامن من أجل مكافحة العنف ضد المرأة.
وتنتمي منظمة تجديد وعي المرأة التابعة لحزب العدالة والتنمية التدقيق في ماضيها المعروف من "أنها كانت ضد حقوق المرأة وتفضل العنف" ضد المرأة. ويواصل العديد انتقاد أوضاعهم بشكل عام لتضامن المرأة في التنمية وقلة الجهود الدائمة لتحدى انتشار عدم المساواة في المجال الخاص.
كما أن مؤيدي حقوق المرأة في المغرب يواصلون كونهم على صلة وثيقة بالموقف السياسي لحزب العدالة والتنمية، واستغلال المرأة لتشريع المعاصرة والتطلعات المعتدلة للحزب وحصد الأصوات بينما يقومون بنشر أجندة منشقة تماما عن احترام رفع قدر المرأة داخل إطار عمل قوانين الجنسين العالمية.
ويرفض الإسلاميون هذه الانتقادات لكونها "تتخذ الطريق التاريخي الخاطئ وتختار النقاط الخطأ لتجعلها مرجعية لها" بسبب أن هذه القوانين الدولية لا تلتزم خصيصا بالقراءات الإسلامية.
ولقد قام حزب العدالة والتنمية مؤخرا بتعريف نفسه "كمدافع عن القيم الشاملة للحفاظ على حقوق الإنسان." فإذا كانت هذه هي القضية فإنه يجب تجنب الحجة السابقة بأن القيم الشاملة تهمل التجربة الإسلامية.
تلخيص
وتظهر التقديرات أن الإسلام السياسي في المغرب قد نجح في إيجاد فسحة سياسية أكبر من أجل المرأة. وبعض هذه الفرص كانت متاحة بالفعل للمرأة في أحزاب أخرى قامت بوضع المرأة في مناصب قيادية ومبادرات تصويت.
وقد قام كل من حزب العدالة والتنمية وحركة العدل والإحسان بتقديم شيء مختلف: تشجيع المرأة للمشاركة تطبيقا للمثل الإسلامية العليا.
وبالنسبة للعديد من النساء، فإن هذه بمثابة قوة دافعة تسمح لهم بتحدي وتلخيص الاعتبارات التي لديهم في الأحزاب الحاكمة. وقد تفوق حزب العدالة والتنمية على جميع الأحزاب السياسية الأخرى – حتى تلك الأحزاب التي تلتزم بحقوق المرأة بشكل قوي – من خلال ممثليهم من النساء داخل البرلمان.
ومن ثم تبقى التحديات. كما أن موقف كلا من الحركتين حول الشريعة وتهميش المرأة في قطاعاتهما السياسية ومعارضتهما لتضامن المرأة داخل خطط التنمية والفشل في عمل ما يكفي لحماية المرأة في المجالات الخاصة يذكرنا بأن المناقشات يجب أن تكون داخل كلا الحركتين إذا ما رموا إلى جذب مجال عريض من المقومات.
وبينما لا تهتم حركة العدل والإحسان في توسيع قاعدتها على حساب بعض من أوضاعها السياسية، فإنه ربما نشهد مرونة أكبر في موقف حزب العدالة والتنمية في المستقبل. وسوف يحتاج حزب العدالة والتنمية لجذب أعدادا أكبر من المصوتين وتطبيق رؤيته لحزب إسلامي معتدل ومعاصر إذا ما أراد مواصلة كونه خصما قويا في الانتخابات. كما أن منح المرأة لحقوق اجتماعية وسياسية أكبر يعد طريقا ممتازا لفعل مثل هذا.
ملحق 1:
نتائج من فحص ربيع 2007 لطلاب جامعة الرباط خلال ربيع أدى المؤلف العديد من التقارير قام بها 443 طالبا جامعيا من جامعات الرباط وقد أظهروا وجهات نظرهم حول الانتخابات البرلمانية لعام 2007 وعضوية الحزب السياسي والاهتمام بالتصويت. وفيما يلي نتائج مناقشة المشاركة السياسية والإسلام السياسي.
الديموغرافيات: وفي معدل الأعمار ما بين 17-32 فإن معدل من تم استجوابهم كان 21.4. 253 امرأة و 190 رجلا شاركوا في هذا الفحص. أما الطلاب البالغ عددهم 443 في الفحص فقد تم المجيء بهم من كل من الأقسام والجامعات التالية:
جامعة محمد الخامس قسم العلوم القانونية والاجتماعية في أجدال، وكذلك قسم العلوم القانونية والاجتماعية في السويسي جامعة محمد الخامس إضافة إلى قسم الطب والصيدلة في السويسي وقسم العلوم الاجتماعية والقانونية والحقوق وكذلك قسم الأدب في جامعة محمد الخامس وكذلك قسم العلوم التعليمية وكذلك قسم الإنجليزي في القنيطرة ومركز اللغة الأمريكي بالقنيطرة.
الوقت المحدد: وقد حصرت كل وجهات النظر وجمعت بين 8 مارس و 17 أبريل 2007.
المنهجية: نشرت وجهات النظر في الفصول والمعامل وفي الأفنية. وقد نشر المؤلف وجهات نظره بين الطلاب المغاربة لذين قاموا بشرح هدف الفحص بلغة عربية غير فصيحة.
الأسئلة: 1. ما أهمية التصويت بالنسبة إليك؟
- النساء الرجال
مهم جدا 63.5% 58.0%
مهم بعض الشيء 16.0% 13.0%
ليس مهما 20.4% 29.0%
4. هل تخطط للتصويت في الانتخابات القادمة؟
- النساء الرجال
نعم 53.0% 45.3%
لا 47.0% 54.7%
5. هل تنتمي في الوقت الحالي إلى حزب سياسي؟
- النساء الرجال
نعم 4.9% 8.1%
لا 95.1% 91.9%
6.هل تخطط للانضمام لحزب سياسي في المستقبل؟
- النساء الرجال
نعم 7.1% 10.1%
لا:::::::29.9%::::89.9%
7. لمن يمكنك أن تصوت فيما يلي؟
- النساء:::الرجال
يمكنني التصويت للمحجبات 2.6% 5.3%
يمكنني التصويت لغير المحجبات 3.5% 5.3%
يمكنني التصويت للاثنين (المحجبات وغير المحجبات) 74.9% 57.9%
لا يمكنني التصويت للنساء 19.1% 31.6%
أما الرؤية المنافسة فيقودها الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح عضو مكتب الإرشاد وقد انتقد هذه العناصر الشائكة قائلا أنها لا تمثل إجماع الجماعة. وفي الحقيقة فإن أعضاء المعسكر الثاني قالوا أن هذه القضايا قد طرحت بطريقة غير ملائمة ولم تجري عليها عمليتي الشورى والإجماع وهما ما تعود عليهما الإخوان المسلمين. وباستمرار النزاع قام كل من حبيب وعبد المنعم أبو الفتوح بتجميع الأتباع من جميع الأصعدة حول رؤاهما المتناقضة وهو الأمر الذي أدى إلى مناظرة عامة غير مسبوقة.
أما بالنسبة لجانب حبيب فقد أكد هو وغيره من أعضاء قيادة الجماعة ومن بينهم الأمين العام للجماعة محمود عزت وأعضاء من مكتب الإرشاد مثل محمد مرسي ومحمد غزلان أن البرنامج لم يصغ إلا بالمشورة والشفافية. وادعوا أن العملية بدأت بعد أن شكل المرشد العام للإخوان المسلمين مهدي عاكف لجنة لتطوير الشكل الأول لرفعه لمكتب الإرشاد.
وقد تسلم المكتب البرنامج وباشر لجنة الصياغة وحثها علي عمل بعض التغييرات ثم بعد ذلك قامت اللجنة برفع البرنامج مرة أخرى إلى مكتب الإرشاد. ثم قرر مكتب الإرشاد أن يقوم بإرسال البرنامج إلى الفروع المختلفة للإخوان المسلمين داخل الدولة.
وقد عُلم من خلال التشاور العريض داخل الجماعة أن الإخوان المسلمين بعد ذلك كانوا علي استعداد لتلمس الرأي الخارجي فتحولت في البداية إلى مجموعة منتقاة من قادة المثقفين. وعلي العكس من الحسابات التي قدمتها مجموعة حبيب التي أكدت على المشورة داخل الجماعة، رفضت المجموعة الثانية المعارضة أن يكون هذا النص للبرنامج يمثل إجماع الجماعة وقامت المجموعة الثانية كذلك بوصف عملية الصياغة بأنها قد احتكرت من قبل مجموعة صغيرة لا يمكنها تمثيل تنوع الرؤى داخل الإخوان المسلمين.
كما أن مجموعة أبو الفتوح تضم كلا من جمال حشمت عضو البرلمان السابق وعصام العريان وهو من أبرز أعضاء جيل الوسط لقادة الإخوان المسلمين والمسئول الرسمي للمكتب السياسي للجماعة.
وقد رأت هذه المجموعة أن المحكمة الدستورية العليا تمثل أكبر هيئة في الدولة يمكنها تحديد التشريع الموافق لمتطلبات الشريعة الإسلامية وفقا للمادة رقم 2 وتؤكد علي أن الإخوان يجب أن يحترموا هذه البنود داخل الدستور المصري والذي يعمل على المساواة السياسية بغض النظر عن الدين والجنس (وليس هناك استثناء في كل من الرئاسة ورئاسة الوزراء).
ويقول أبو الفتوح أن هذا النص الذي تم إرساله إلى المثقفين إنما يمثل شريحة صغيرة من أعضاء الإخوان. وكذلك كان حشمت صارما عندما قال أن ما ذكره البرنامج تجاه المرأة والمسيحيين ومجلس علماء الدين لا يعكس أي إجماع داخل الجماعة وأن فروع الجماعة لم تستطلع البرنامج قبل الإفراج عنه، كما أنه لم يتم مناقشة هذه النقاط الشائكة بشكل رسمي.
كما لا يمثل بأي شكل من الأشكال رأي الجماعة ككل أو حتى فروعها والتي حرمت من فرصة رؤية البرنامج أو حتى مجرد التعليق على محتواه. وقد عبرت من قبل عن اعتراضي على الإخوان ولكن هذا الاعتراض لم يقبل. وأضاف العريان قائلا أنه قد اقترح مع آخرون أن يسكت البرنامج عن مثل هذه القضايا، وهي القضايا التي ما زالت محل خلاف داخل الجماعة، إلى حين التوصل إلى وجهة نظر يتم الإجماع عليها.
والجدير بالذكر أن الخلافات بين المعسكرين حول البرنامج قد أخذت طريقها إلى خارج حدود مكتب الإرشاد فلم تقتصر على حشمت والعريان. وصوت أعضاء آخرون بالاستياء من هذه القضايا مثل سعد الكتاتني رئيس الكتلة البرلمانية والذي قال بأنه لم يتم وضع رأي الكتلة البرلمانية في الاعتبار.
كما قام بعض النشطاء من الشباب بالتحدث من خلال مواقع الإنترنت (في بعض الأحيان باللغة الإنجليزية) والمدونات، يشتكون من أن البرنامج لم يعبر عن رؤاهم وأنه قد صيغ بطريقة غير ديمقراطية. وقد أدت الخلافات بين أعضاء الجماعة حول قضايا الإجراء والاتفاق لتغيير كل من اللغة والإعلام المختار للتعبير عن الاختلاف.
ثم تحول النقاش بشكل سرع من كونه مجرد نقاش داخل مجموعة صغيرة بلغة مهذبة إلى نقاش مفتوح وعام وفي بعض الأحيان يأخذ لغة حادة. وكالعادة فإن أعضاء الإخوان المسلمين كانوا قليلي الكلام حول الخلافات الداخلية.
كما أن القيادة الرئيسية، المنعكسة على التجربة الطويلة للجماعة، تقاوم بقوة خروج أي شيء يسيء إلى الجماعة خارج إطارها. ولكن بمجرد دخول هذه النزاعات إلى داخل المنتدى العام تحدث القادة بشكل من الانفتاح وبلغة أقوى كما لم يفعلوا من قبل.
وعلى سبيل المثال، يقول محمود عزت أن هؤلاء الذين يرفضون ما أقره البرنامج عن المسيحيين والمرأة ومجلس علماء الدين ليس لديهم أي سند من الشريعة الإسلامية، واتهم محمود غزلان الشباب الإصلاحي داخل الجماعة بالوقوع فريسة للأفكار الليبرالية والبعيدة تماما عن جذور الإخوان.
وفي المقابل قارن جمال حشمت عملية احتكار صياغة البرنامج بمناخ القمع العام في مصر وتحدث أيضا عن موت الوسطية داخل الإخوان المسلمين.
إن الخلاف داخل جماعة الإخوان المسلمين حول نص البرنامج قد أخذ حيزا جديدا فتضمن ما يمكن أن نشير إليه باسم "حرب الفتوى". فهؤلاء الذين يهاجمون من كل من الجانبين يدعمون قولهم بفتوى من الهيئات الدينية لدعم موقفهم تجاه المرأة والمسيحيين ومجلس علماء الدين.
وقد استغلوا هذه الفتاوى ضد بعضهم البعض ليس فقط داخل النقاش الداخلي ولكن خلال المناظرات العامة أيضا. وقد ذكر حبيب ومؤيدوه في أكثر من مناسبة أن مكتب الإرشاد قد تشاور مع عدد من الهيئات الدينية عندما شرع في عمل وأن هذه الهيئات قالت بعدم أهلية المرأة والمسيحي لمنصب الرئيس أو المناصب الوزارية.
وقد كان أبو الفتوح أكثر تحديدا عندما صرح في مقابلة صحفية معه بأن الشيخ يوسف القرضاوي، واحد من أبرز علماء الدين الموجودين في يومنا هذا، ومحمد سليم العوا، وهو عالم مصري مشهور، قالوا بأن هذه المناصب لم يتم تناولها في الشريعة وأنه لا حرج من تولي المرأة والمسيحي لمثل هذه المناصب.
وعول أبو الفتوح علي قول القرضاوي أنه من وجهة نظره أن المحكمة الدستورية العليا يمكن أن تكون متهمة بتحديد مطابقة الشريعة كما هو مذكور في المادة رقم 2 من الدستور، فتكون هناك حاجة إلى مجلس لعلماء الدين.
وبمجرد أن أصبح النزاع داخل جماعة الإخوان المسلمين عاما وأصبح على مختلف الأصعدة، فإنه أصبح تنافسا لظهور مختلف المجموعات ضد بعضها البعض، فأصبح العامة ضد القيادة وجيل الشباب أمام الجيل القديم.
وقد أحجم المرشد العام مهدي عاكف عن الدخول في مثل هذه المناقشات وسعى كثيرا للحفاظ على ضبط النفس، وفي النهاية قام بتشكيل لجنة بقيادة حبيب لمراجعة نص البرنامج وتصدر قرارا تجاه النقاط التي اختُلِفَ فيها.
غير أن هذا لم يضع حدا للمناقشات العامة أو معركة التصريحات العامة والمقابلات الصحفية والتي لم تهدأ حدتها إلا بحلول أكتوبر 2007.
وبدلا من تقديم صورة لجماعة ديمقراطية مفعمة بالحيوية مسئولة عن مواقفها قامت سلسلة المشاحنات التي جرت حول البرنامج بإظهار الإخوان المسلمين كجماعة مرتبكة ومنقسمة مجردة من الحسابات الإستراتيجية وغير قادرة علي تقرير أفعالها أو وضع مجموعة واضحة من المعتقدات في مرحلة فاصلة من تاريخها.
لماذا وضع الإخوان المسلمون أنفسهم في مثل هذه التجربة؟ لماذا صدر البرنامج مبكرا؟ وما العوامل التي دفعت الإخوان المسلمين لاتخاذ مثل هذه الخطوة غير المسبوقة في إصدار برنامج حزب سياسي لم يتم تأسيسه حتى الآن أو الاعتراف به قانونيا؟
لماذا البرنامج في هذا الوقت بالذات؟ هناك بلا ريب منافع وتكاليف فالإخوان المسلمين قد قاموا بإصدار تصريحات حول البرنامج في أوقات متعددة في الماضي كما قامت بنشر برامج مفصلة لانتخابات محددة (حيث قامت مؤخرا بنشر برنامجها لانتخابات المجلس التشريعي في 2006).
ولكن هذا البرنامج الجديد يختلف نوعا وكما عما ألقته الجماعة قبل ذلك. أما بالنسبة للنوع فإن البرنامج يخطوا نحو تشكيل حزب سياسي من أجل المشاركة في الانتخابات.
ومن أجل دخولها في السياسات المصرية سعى الإخوان المسلمون لتشكيل حزب سياسي (ولكنهم منعوا من عمل مثل هذا الحزب بالقوة). أما بالنسبة للكم فإن البرنامج يتألف من 128 صفحة.
وقد تضمن قرار إصدار برنامج حزبي مخاطر حقيقية كما نراه الآن من خلال علاقتها مع الحكومة والفساد وعلاقاتها مع القوى السياسية الأخرى والتآلف الداخلي.
كما أن المناقشات داخل الجماعة من أجل تشكيل حزب سياسي ليست بالأمر الجديد. فخلال الثمانينيات والتسعينيات تناقش بعض الأعضاء حول أهمية وفائدة الحزب السياسي وهو ما أسفر عن بعض المبادرات في هذا الاتجاه. وأهم هذه المبادرات تمثل في اقتراحات تأسيس "حزب استشاري" عام 1986 و "حزب الإصلاح" في بداية التسعينيات. وقد تعاون الحزبان مع قيادة الإخوان المسلمين.
غير أن هذه المبادرات لم تزدهر لتصل إلى ما صرح به برنامج الحزب، ثم ما لبثت أن تلاشت الجهود، لأن أي محاولة للحصول على اعتراف قانوني تذهب هباء. شارك الإخوان المسلمين في انتخابات اتحاد الطلاب في السبعينيات وكذلك اتحادات المهنيين (مثل انتخابات نقابة المحاميين والأطباء والمهندسين والصحفيين). كما تقدمت بمرشحين في انتخابات 1984 و 1987 البرلمانية من خلال تحالف مع الأحزاب الأخرى (حزب الوفد في 1984 وحزب العمل في 1987).
وقد حفزت هذه التجارب أعضاء الإخوان المسلمين للتفكير بشكل جاد في إمكانية تشكيل حزب خاص بهم كطريق لمواصلة المشاركة السياسية من خلال الطرق الرسمية. غير أنه لم يكن هناك إجماع داخل قيادة الإخوان حول هذا الأمر خوفا من تسببه في إيجاد عراقيل (واحتمال وجود رد فعل رسمي عنيف) وكذلك بسبب عدم الاتفاق حول العلاقة الممكنة بين النشاط السياسي والأجزاء الأخرى من مهمة الإخوان.
فلماذا تطورت الجهود الحالية – التي لا تبشر بالخير على خلاف الجهود السابقة – إلى مثل هذا البرنامج؟ وفي الحقيقة فقد جاءت المبادرة في وقت حرج أكثر من أي وقت آخر.
فنجاح الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية لعام 2005 – برغم مواجهة الحكومة وانتهاك نزاهة العملية الانتخابية والمراقبة القضائية للانتخابات، ومع ذلك حصدت خُمس مقاعد البرلمان – قد أظهر وزن الجماعة السياسي ووضعها المؤثر كأهم قوة معارضة في مصر.
ومنذ ذلك الحين اتخذ نظام مبارك موقف المواجهة مع الإخوان المسلمين مستخدمة إستراتيجيتان للهجوم علي الإخوان لتقييد حريتها.
أما الإستراتيجية الأولى فتتمثل في القمع الأمني من خلال الاعتقالات الدورية والانتهاكات والضغط بشكل كبير على عدد من قادة الإخوان المسلمين - ومن بينهم النائب الثاني للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، خيرت الشاطر وبعض رجال الأعمال البارزين والقريبين من الجماعة – من خلال المحاكمات العسكرية. وكذلك فإن استخدام القضاء العسكري من أجل إجبار الإخوان المسلمين على الخضوع يعد وسيلة ترجعنا لأيام سوداء كانت في منتصف التسعينيات وفترة الناصرية.
والإستراتيجية الثانية التي يستخدمها النظام ضد الإخوان فتتمثل في استغلال مجموعة من الإجراءات القانونية للقيام بتحويل هذا المناخ السياسي الذي سمح للجماعة بالحصول على مكاسب سياسية في السنوات الأخيرة.
وقد بدأت هذه الإجراءات القانونية المضادة بالتعديلات الدستورية التي قام بها النظام في ربيع 2007 مستغلا أغلبيته في البرلمان إلى جانب قدرته على الحصول على انتصارات ساحقة في التعديلات.
وقد كان من أهم التعديلات الدستورية تعديل يحظر على جماعة الإخوان المسلمين "ممارسة أي نشاط سياسي أو تأسيس أي حزب سياسي يقوم على أساس الدين أو ذو مرجعية دينية" (المادة رقم 5).
مع أن المادة رقم 2 من الدستور لعام 1971 تقول بأن "مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع،" ومنذ تعديل عام 1980 الذي جعل الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع كان الإخوان قد أخذوا موضع المدافع عن المادة المعدلة دستوريا. غير أن تعديل المادة رقم 5 قد جعل الوضع أكثر صعوبة وخاصة مع تصميم الإخوان علي تشكيل حزب سياسي خاص بهم.
ولقد قامت التعديلات الدستورية كذلك بإزالة بعض القرارات المبكرة - المعتمدة علي الدستور – والتي أصدرتها المحكمة الدستورية العليا للسماح للأفراد غير المنتمين لحزب سياسي أن يتقدموا لصناديق الانتخاب. ولكن مجموعة الأحكام هذه التي أصدرتها المحكمة قد أتاحت لدى الإخوان المسلمين أن يتقدموا بمرشحين لهم كمستقلين. وفي المستقبل سيكون من الصعب جدا على مرشحي الإخوان أن يتقدموا للانتخابات لأنهم محرومون من الحالة القانونية.
وهكذا أقدم الإخوان المسلمون على كتابة البرنامج ونشره بصورة عامة في وقت يعرف فيه قادة الإخوان وأعضائها والمراقبين أنه من المستحيل الحصول على إذن رسمي بتشكيل حزب سياسي للإخوان. فهناك عاملان أساسيان وعاملان ثانويان يعملان على دفع الإخوان المسلمين لاتخاذ خطوات بهذا الصدد بالرغم من البيئة السياسية المرتبكة.
أولا: أن المواجهة مع النظام بعد انتخابات 2005 قد جردت الجماعة من قدرتها على اتخاذ مبادرة كتلك التي قامت بها قبيل الانتخابات. ففي عام 2004 أصدر الإخوان المسلمون برنامجا إصلاحيا قامت بعده بالتحالف مع منظمات المجتمع المدني والقضاة المنشقين والمستقلين وجماعات المعارضة في إطار جهود لإجبار النظام على عمل إصلاح ديمقراطي حقيقي.
ولكن هدوء الحكومة تحول إلى عاصفة ضد الجماعة بعد الانتخابات البرلمانية وهو ما أجبرها على اتخاذ موقف دفاعي تفاعلي. وبهذا الصدد بدا أن الإخوان المسلمين يقدمون برنامجهم الحزبي كطريقة للعودة لمثل هذه المبادرة مرة أخرى.
وقد سعى البرنامج جزئيا لعمل مناقشة عامة حول احتمالية مساهمة الإخوان المسلمين في السياسات المصرية والمجتمع المصري والبعد عن إهمال مظاهر دورها السياسي.
وقد وقعت الجماعة في موقف الدفاع خاصة بعد اعتقال بعض المؤيدين في جامعة الأزهر، حيث نظم بعض طلاب جامعة الأزهر مظاهرات أظهروا فيها مهاراتهم العسكرية – وهو الأمر الذي جدد الخوف من إحياء النشاط شبه العسكري للإخوان المسلمين (وخاصة بسبب ارتداء المشاركين للأقنعة).
وقد أصبح خصوم الجماعة البارزين قادرين على إحياء الاتهام الذي أيده الرئيس مبارك نفسه عندما قال أن الجماعة تمثل خطرا على أمن مصر بسبب قيامها على أساس ديني.
ثانيا: لا تسعي الجماعة لمجرد الحصول على نفس المبادرة ولكن لاستعادة تأييد العامة لبرنامجها واهتماماتها. وقد كافح العديد من قادة الإخوان خلال فترة الانتعاش السياسي في 2004 و 2005 للقول بأن التنظيم – الذي ما زال غير قانوني حتى الآن – يرغب في التحول إلى حزب سياسي مدني بكافة أحواله القانونية.
ولمح البعض إلى أن قيادة الإخوان المسلمين تفكر في حل الجماعة في سبيل التحول إلى حزب إذا ما حصل الأخير على الاعتراف القانوني.
فإذا كانت لم تصل إلى هذا الحد فإن تأسيس حزب للإخوان المسلمين يمكنه أن يؤدي إلى انقسام بين الإخوان فتنقسم إلى جماعة (تتبني النشاط الاجتماعي والتعليمي والخيري والدعوي) وحزب (يكرس نفسه وجهوده فقط من أجل عالم السياسة).
وقد أثارت هذه الاقتراحات مزيجا من التوقع والأمل بين عامة الشعب المصري أن الإخوان المسلمين كانوا يتجهزون للعمل كقوة سياسية طبيعية ومسئولة وهذا أفضل بالنسبة بها فتكون ممثلا إصلاحيا أكثر من كونها ممثلا ثوريا.
وإلى جانب هذين العاملين الرئيسيين فهناك حافزين ثانويين قد قادا الإخوان المسلمين إلى تقديم برنامجهم إلى العامة.
أولا: شعر الإخوان المسلمين بالضغط لتوضيح بعض الغموض في رؤيتها الاجتماعية والسياسية. ومن خلال سلسلة من التصريحات في السنوات الأخيرة وأشهرها مبادرة الإصلاح لعام 2004 والبرنامج الانتخابي لعام 2005 عملت الجماعة لتوضيح التزامها بالدمقرطة التدريجية في مصر والأساس المدني للحياة السياسية.
ولكن بقي هناك بعض المناطق الشائكة والمواقف المتناقضة حول بعض القضايا الخطيرة والتي أدت بالجماعة لمواجهة دعاوى متزايدة من أجل التوضيح. وعلى سبيل المثال فهل يفضل الإخوان المسلمين مساواة كاملة في الحقوق السياسية لجميع المواطنين المصريين بغض النظر عن الدين أو الجنس؟ ما هي الخطوات المحددة التي تقوم على دعمها للإصلاح؟ كيف يمكن لدعمها العام للشريعة الإسلامية أن تترجم إلى ممارسة سياسية؟ ويقدم البرنامج فرصة لجماعة الإخوان المسلمين لتقوم بتوضيح وتحديد مواقفها لمن هم بالخارج ولمن هم داخل صفوفها. وفي الحقيقة فقد تمت رؤيتها كوسائل لحل الخلافات داخل الجماعة حول هذه التساؤلات.
أما الحافز الثانوي الثاني فقد كان لمنافسة تجارب لعدد من الجماعات المشابهة في الدول العربية الأخرى والتي تشترك معها في العملية السياسية. فجماعات مثل الإصلاح في اليمن والوحدة والإصلاح في المغرب والإخوان المسلمين في الأردن والكويت جميعها قد استغل فرص المشاركة في العملية السياسية الرسمية من خلال إنشاء أحزاب سياسية (على أساس مدني) بعيدا عن الجماعات الدينية العريضة.
وفي كل هذه الحالات – حزب العدالة والتنمية في المغرب وجبهة العمل الإسلامي في الأردن والحركة الدستورية الإسلامية في الكويت – كان الحزب على اتصال بالجماعة وفي بعض الأوقات على خلاف، ولكن هذا الانفصال قد أعطى القيادة السياسية بعض الاستقلالية في صناعة القرار.
وإضافة إلى ذلك فإن إشارات التحرك إلى المجتمع العريض والتي يمكن للجماعة أن تدرك أن السياسات لها حدودها. أما الإخوان المسلمين، فمن خلال كل من الاختيار وقوة القانون (وما هو أسوأ)، فلم تسلك هذا الطريق. فكتابة البرنامج كانت وسائل للبعض داخل الجماعة لاقتراح أن أنهم كانوا مهتمين استغلال الفوائد التي يمكن لمثل هذا الانفصال أن يجرها عليهم.
وقد كان بعض قادة الإخوان المسلمين واضحا عندما قال بالحاجة لدراسة تجارب الجماعات الأخرى (وهو موقف غير معتاد للجماعة المصرية وهي المعروفة "بالجماعة الأم" وهي التي تصدر التجارب ولا تستورد). وفي مقابلة أسبوعية مع إسلامي يمني، دعا أبو الفتوح الإسلاميين خارج مصر لأن يقدموا وجهات نظرهم في قضية تشكيل حزب سياسي: واليوم هناك حوار داخل مؤسسات الإخوان المسلمين حول هذا السؤال. إننا لم نقرر بعد. إننا مه
تمون بتجارب الجماعات الإسلامية في اليمن والأردن والمغرب والجزائر لنتعلم منهم كيفية التخطيط للعمل السياسي في المستقبل للجماعة في مصر. وعلى سبيل المثال حركة مجتمع السلم (حماس في الجزائر) وتعد مظلة للعمل السياسي والعمل الدعوي في نفس الوقت.
وفي المغرب يختلف الوضع، فهناك حزب العدالة والتنمية إلى جانب جماعة الوحدة وهما منفصلتان إداريا وتنظيميا. وفي الأردن هناك جبهة العمل الإسلامي، جناحها السياسي وهناك كذلك تجربة في اليمن. وإننا نجمع كل هذه التجارب للاستفادة منها.
لم نقرر بعد ما الأمر بالنسبة لنا. وعلى غرار ذلك وفي تعليق على الانتخابات البرلمانية الأخيرة في المغرب قال عصام العريان:
وبنضال الأحزاب والجماعات الإسلامية لدمج أنفسهم داخل الأنظمة السياسية العربية، فإنه أصبح من المهم (لهم) إتباع تجارب الجماعات الإسلامية والأحزاب في كل مكان وبشكل دقيق. فإذا كانت مصر قد تعودت على الريادة وتصدير الخبرات فإننا اليوم بحاجة لاستيراد الخبرات من الآخرين.
وهناك العديد من المحفزات لجماعة الإخوان المسلمين بالمضي قدما في الطريق الذي سلكته الجماعات المشابهة من خلال العمل على صياغة البرنامج. ولا يأتي هذا بمثل القفز فجأة على برنامج الإصلاح الكامل من خلال تطوير واحد بعملية استشارة داخلية وخارجية.
كما أن برنامج الإصلاح وبرامج الانتخابات كانت نقاط بداية مفيدة، ولكن هذه الوثيقة الجديدة كان من المفترض أن تكون أطول وأشمل وملبية لجميع احتياجات المجتمع المصري طويلة المدى. ولم يتم تناوب الاطلاع على البرنامج داخل قيادة الجماعة والعامة فقط بل إنه تم إرساله إلى المثقفين القياديين والنشطاء خارج الجماعة وهو ما أشعل مناقشة عامة شديدة.
وبينما استعادت قيادة الإخوان المسلمين الحصول على مرحلة مركزية فإنها أيضا قد اكتشفت أن البرنامج يحمل العديد من المخاطر.
وفي الحقيقة فإن الجماعة قد دفعت ثمنا سياسيا من أجل البرنامج. أما التكاليف التي تزامنت مع البرنامج فتعكس صورة المنافع التي كان من المتوقع الحصول عليها. كما أن عقودها الطويلة التي أمضتها كجماعة معارضة قد جلبت لها الاضطهاد والإقصاء ولكنها أيضا تسببت في إعفاء الجماعة من أي مسئولية عملية للحكومة.
فحركات المعارضة تحديدا لا تحكم ولذلك فإنهم قادرون علي استغلال الأخطاء الرسمية ومهاجمة القرارات غير الشعبية بدون تحديد بدائل مفصلة. فالغموض وعدم التحديد هو بعض من صفات المعارضة السياسية.
وهكذا، ومن خلال إصدار برنامج للإجابة على جميع الأسئلة، فإن القادة قد انتهزوا فرصة المبادرة وعملوا على إعادة الطمأنينة إلى العامة والإجابة عن بعض انتقاداتهم حول تاريخهم الغامض. ولكنهم أيضا قد نبذوا بعض تفاهات المعارضة من خلال تحديد مواقفهم بشيء من التفصيل.
ومن التأثيرات العملية التي جلبها كان التوتر الذي ظهر بين أعضاء عامة الشعب وبين الطبقة العريضة من مشاهديها من العامة. وقد كان الإخوان المسلمين قادرين على العمل بشكل جيد في الانتخابات وقاموا بلفت انتباه العامة بالرغم من البيئة السياسية الفاسدة من خلال إثارة الأصالة والقيم الأخلاقية والنزاهة.
ثم إنها قامت بمناشدة نشطائها ليس فقط لهذه الأسباب العامة ولكن أيضا من أجل الإصرار على تعزيز دور الإسلام في الحياة العامة.
وعلى سبيل المثال فبينما كانت الشريعة مطلبا شعبيا في المجتمع المصري فهناك العديد من الجماعات المختلفة لديها مخاوف من مواصلة الإخوان المسلمين للقسوة والوحشية أو التفسيرات المتعصبة لمتطلبات الشريعة الإسلامية.
وكما تم مناقشته من قبل، فلإعادة طمأنة العامة (وخاصة المثقفين والشخصيات العامة الآملين في إصلاح سياسي ولكنهم قلقين حيال أهداف الإخوان المسلمين طويلة المدى) فقد حولت الجماعة بشكل تدريجي ضغطها من "إقامة الشريعة" إلى "مرجعية الشريعة الإسلامية".
وأشار القادة إلى أن الجماعة لا تختلف كثيرا عن الحزب الديمقراطي المسيحي الأوروبي والذي يستخدم مفهوم الدين لإرشاد الاختيارات السياسية. ولكن أساس الجماعة كان يؤكد بشدة على أي تخفيف لالتزامها بالشريعة الإسلامية والتي فهما الموالين للإخوان المسلمين علي أنها ليست فقط مجموعة من الوصايا الأخلاقية العامة بل إنها مجموعة محددة من الأوامر الشرعية أيضا.
وما دام الإخوان المسلمين قد استطاعوا المشاركة في مناقشة على المستوى العام فإنه يمنهم استخدام أسلوب تعبير لمناشدة كل من القاعدة والعامة ككل.
ولكن عندما أجبر تأليف البرنامج الجماعة على ترك عالم العمومية إلى شيء أكثر طلبا من المقترحات الخاصة، كان عليها أن تقوم بالاختيار، وكان اختيارها هو إشعال النقاش الذي سبق ذكره بالأعلى.
وهناك تكلفة ثانية تتمثل في فقد الجماعة للسيطرة على النقاش. وقد استعادت الجماعة، كما تري، المبادرة مرة أخرى وادخرت انتباها عظيما.
ولكن من خلال إظهار البرنامج أمام العامة فإن الجماعة بذلك قامت بمد منتقديها بالذخيرة. ويعد هذا حقيقة فعلى سبيل المثال فيما يتعلق بموقفها من دور المرأة في السياسات المصرية والمجتمع.
فالجماعة لا تريد أن تجعل من نفسها قامعا للمرأة بل إنها تريد أن تكون بمثابة الحامي للأسرة المصرية ومصالح كافة أفرادها.
وفي منهجها العام يمكنها ادعاء دفاعها عن القيم الأخلاقية والأسرية وقد أتاح لها البرنامج القيام بمثل هذا تماما. ثم عندما شعرت الجماعة بالضغط عليها لتسير وفقا للغة العامة شعرت بالتزامها تجاه الإجابة على الأسئلة التي طالما طرحها النقاد، والخروج من دائرة الشكوى.
وقد أدى ذلك بشكل مباشر إلى الجدل حول مؤهلات المرأة للوصول إلى المناصب الرفيعة في الدولة وهي القضية التي طالما رغب العديد من الإخوان في تجنبها.
وكما وصف من قبل، فإنها قد وضعت القيادة في سلسلة من المناظرات الداخلية وأخضعتها للنقد الخارجي اللاذع.
وهكذا، وبينما على الإخوان أن يتحدثوا بلباقة حول ضرورة التعامل مع الاحتياجات الماسة للمرأة في المجتمع المصري، فإنها في المقابل قد أجبرت على معالجة الصدع الداخلي العميق بينما تدافع عن نفسها ضد الاتهام الذي يقول بأنها تتبني مواقف بالية حول دور الجنسين (الرجل والمرأة).
وفي الحقيقة فإن التكلفة الثالثة التي دفعتها الجماعة نتيجة هذا البرنامج كانت في انقسام القيادة أو بمعني أصح توسعة وفضح الانقسامات التي كانت مستترة.
ولقد كان البرنامج فرصة لحل المناقشات الداخلية ولا يمكن حل جميع الخلافات بسهولة. وبدون البرنامج وبدون البرنامج يمكن للجماعة تجنب الأمور التي تدعو للانقسام أو أن تسمح للقادة بالتأكيد على خياراتهم الفردية حول كيفية تفسير مواقف الجماعة العريضة وتطبيقها.
وبشكل ما فلم يكن هناك حاجة إلى أن ترد الجماعة بالتفصيل على أسئلة ما زالت افتراضية ما دامت مستبعدة عن السلطة السياسية.
وفي الحقيقة كان الإخوان المسلمين على دراية بهذه التكاليف الداخلية للخصوصية بسبب أنها رأت الجماعات الأخرى المشابهة لها وهي تظهر جهدا خارقا في تحديد مواقفها.
وعلى سبيل المثال فقد انقسمت جبهة العمل الإسلامي الأردنية إلى معسكرين متشاحنين كنتيجة للنقاش حول كيفية الرد على الفرص التي أوجدتها الانتخابات البرلمانية الأخيرة والتهديدات المتزايدة من حكومة يراودها الشك.
أما الحركة الدستورية الإسلامية الكويتية فقد انقسمت حول قضية تصويت المرأة في الانتخابات. وكذلك حزب العدالة والتنمية الذي ناقش إلى أي مدى يذهب في إعادة الطمأنينة للنقاد وإقناعهم بأنه حزب معارضة معتدل (ومن المحتمل أن يكون حزبا حاكما) من خلال عدم التأكيد على الشعارات الدينية.
وقد وجدت حماس أن انتصارها الساحق قد وضعها تحت ضغوط خارجية وداخلية شديدة. فقرار المشاركة في العملية السياسية قد عرض الجماعات في المنطقة لعدد من القيود والضغوط، وقد تعرضت جماعة الإخوان المسلمين في مصر لمثل هذه الضغوط من خلال المضي قدما في عمل برنامج حزبي خاص بهم.
إعادة الأمور إلى نصابها: ظهور الإجماع على برنامج الحزب، فالإخوان المسلمين في الوقت الحالي في منتصف إصلاح التصدعات التي نتجت عن فتح باب التناظر حول البرنامج الحزبي. أما البرنامج النهائي – والذي يعكس محاولة للتعبير عن مواقف مجمع عليها – فقد اتخذ شكلا جديدا بالفعل.
أولا: سوف يتخلى الإخوان المسلمين عن أي مقتضيات تقول بأن سلطة مجلس علماء الدين سوف تكون سلطة ملزمة وسوف يؤكدون على أن مجلس العلماء ليس سوى مجلسا استشاريا مرتبطا بالهيئات الموجودة بالفعل (ومن بينها الأزهر والمحكمة الدستورية العليا).
أما البرنامج النهائي فعلي ما يبدوا أنه يذعن للهيئات القائمة وخاصة في تحديد دستورية التشريع. وبهذا الصدد فإن الزمرة التي تتبع عبد المنعم أبو الفتوح والعريان وحشمت قد أظهرت تفوقا على أتباع حبيب. كما تقوم الجماعة بالعمل على التنكر من أي إشارة إلى اهتمامها بجلب النموذج الإيراني – كما يقول منتقدي الجماعة – الديني إلى البلاد.
وفي مقابلة مع عاكف قام بتوضيح كل هذا: إننا نريد إنشاء هيئة منتخبة من علماء الدين ومن خلالها يمكن اختيار شيخ الأزهر (واحد من أهم منصبين دينيين في البلاد) غير أنها لا تزيد عن كونها هيئة استشارية.
وإذا أراد أحد أن يستشيرهم في أمور الحياة العادية فليفعل. ولكن القول الفصل يكون للبرلمان والذي يجب أن يتفق مع الشريعة الإسلامية وفقا لما ذكره الدستور. فإذا ما كان هناك اختلاف فعلى المحكمة الدستورية العليا أن تحكم بين المتخاصمين.
وقد هذا الوضع عاما في الوقت الحالي وقد عبر عنه العديد من قادة الإخوان المسلمين (ومن بينهم حبيب نفسه وأبو الفتوح ومحمود عزت) خلال مجموعة من المقابلات والتصريحات. وبشكل تدريجي أصبح من الواضح أن الإخوان المسلمين يريدون الحفاظ على ماء الوجه والتنصل من الخطط الطموحة من أجل مجلس لعلماء الدين إلى جانب قطع جميع العلاقات مع الأزهر.
كما أن القول بلغة الانسحاب من مجلس العلماء ربما تنهي محاولة من قبل بعض قادة الإخوان المسلمين في استغلال الهيئة الجديدة كأداة لإلغاء الفرع التنفيذي للأزهر الشريف. وسوف تكون الحركة مجبرة للرجوع إلى تركيزها التقليدي والعام على إصلاح الأزهر.
ومع ذلك فإن المؤشرات الحالية من الإخوان المسلمين تقول بأن الأجزاء الشائكة في نص البرنامج والمتعلقة بالمسيحيين والمرأة سوف يتم الإبقاء عليها. وقد بدأ المرشد العام (يتبعه عدد من القادة) في استلام رسائل متواصلة حول هذا الأمر:
فهناك نقطتان – المرأة والأقباط – قد أخذ الإخوان قرارهم فيهما. ويقول الإخوان أن هذا ليس قولهم وإنما هو قول الشريعة والدين. ويقول خبراء الشريعة الإسلامية أن الدولة الإسلامية لا يمكن أن يرأسها غير مسلم، ولا يمكن أن يرأسها امرأة.
وهذا هو التفسير القانوني، ولكن هناك تفسيرات قانونية أخرى. وبالنسبة لنا، كأعضاء للإخوان المسلمين، فإنه علينا أن نختار (التفسير القانوني) بدون التقيد بالآخرين. إننا نتمسك فقط بالإخوان المسلمين وليس بكافة المصريين حول ما يجب عليهم أن يؤمنوا به، غير أن صناديق الاقتراع هي التي تقرر.
وباختصار، فإن رؤية مجموعة حبيب هي التي سادت بشكل عام وانتهت المعركة بفوز المجموعة التي قالت بعدم أهلية المرأة والمسيحي لرئاسة دولة إسلامية. ومن الواضح أن العديدين في القيادة مقتنعون بأن هذا الأمر صحيح من الناحية الدينية.
ولكن إلى جانب المبدأ فإن هناك عنصرا سياسيا كذلك: هؤلاء القادة لا يرغبون في فقد الشخصية الإسلامية المتميزة في برنامجهم الحزبي خوفا من فقد قاعدتهم الشعبية العريضة.
أما بالنسبة لهذه القضية فقد سُهلت وسيطر عليه من قبل النقاد. فعلى سبيل المثال فقد اقتصرت التصريحات الأخيرة على الرئاسة ولم تذكر بشكل واضح رئاسة الوزراء.
وبتأكيد أن هذا موقف الجماعة فقط وأن القرارات النهائية تترك لحكم الأغلبية فإن الإخوان المسلمين يبدون وكأنهم يقترحون قبول العملية الديمقراطية بشكل كامل. وبطريقة أخرى تقول بأن موقفها كجماعة أكيد ولا يخضع لمناقشات داخلية ولكنها ترغب في الحصول على
غالبية أصوات الشعب المصري. أما التصريحات الأخيرة فتقول بأنه (بالرغم من أنهم فشلوا في التصريح بشكل مباشر) ليس هناك عائق قانوني أو دستوري بالنسبة للمرأة أو المسيحي للمطالبة بمثل هذا وأن هؤلاء الذين لا يتفقون مع مواقف الجماعة ما زالوا يعملون داخل إطار التفسيرات القانونية للشريعة الإسلامية.
وقد عانت القيادة العديد من الصعوبات لتأكد أن اتجاهها سلمي للغاية تجاه المرأة والمسيحيين بالرغم من تبنيها لمواقف عززت بعض الشكوك حيال مواقفها تجاه المساواة المدنية الكاملة.
وفي النهاية، فقد كانت هناك جهودا متفق عليها لتغيير صورة الانقسام التي ظهرت بها الجماعة ولإصلاح مواضع الاختلاف التي ظهرت للعامة في الأسابيع الأولى من المناقشة حول البرنامج.
وقد كلفت هذه الخلافات الإخوان المسلمين الكثير على مستوى الرأي العام وكذلك على مستوى قاعدتها الشعبية، وهو ما قاد الجماعة إلى محاولة العودة إلى سابق سمعتها بأنها جماعة مهذبة موحدة الرأي.
وقد كانت تصريحات حبيب وعزت أنفسهم هي أقوى التصريحات التي جاءت بهذا الصدد وهما من أوائل الذين شاركوا في المناقشات العامة. وصرح حبيب مؤخرا بأنه، "ليس هناك معارضة جوهرية داخل مكتب الإرشاد حول الرأي النهائي الذي صدر رافضا أهلية المرأة والمسيحي."
وأكد حبيب أن الإخوان المسلمين قد قرروا الأمر بشأن هذا البرنامج، وليس هناك مجال لعدم الاتفاق الداخلي أو التصريحات المتناقضة.
وقد أجبر أبو الفتوح والعريان وآخرين من الذين انتقدوا البرنامج على الالتزام بما جاء في البرنامج كما هو متفق عليه.
فالحوار الداخلي السليم والحيوي حول البرنامج الحزبي للإخوان المسلمين لا يعد انقساما بين الصقر والحمامة أو بين المعتدلين والمتطرفين.
وفي صياغتها للبرنامج المجمع عليه جاهد الإخوان من أجل الوصول إلى التوازن بين المؤيدين والخصوم حول البرنامج الأول آخذين الرأي العام في الاعتبار ملبين مطالب القاعدة الشعبية بوضع حد للانقسامات الداخلية وتحجيم الضرر الناتج عن تداول البرنامج المثير للجدل.
ومع ذلك فقد برزت أسئلة من خلال نص البرنامج الأول واستمرت المناقشات التابعة، ولم يزل هناك شكوك حول العناصر الشائكة في البرنامج إلى جانب وحدة الجماعة بين قادة الجماعة والأجيال والقاعدة.
وفي النهاية، فإنه من الصعب رؤية البرنامج الحزبي لجماعة الإخوان المسلمين كشيء أفضل من كونه دعوة للتضامن السياسي للجماعة.
أما الغرض الأول للقيادة من صياغة هذا البرنامج هو استعادة الحصول على المبادرة والتي تم الحصول عليه جزئيا، حيث وضعت مبادرة برنامج الإخوان المسلمين السياسي الإخوان المسلمين وسط مناقشات سياسية مصرية لمدة أشهر.
ولكن خلال هذه العملية فقد الإخوان المسلمون السيطرة على المناظرات ووجدوا أنفسهم في موقف الدفاع عن بند صغير في البرنامج.
أما الهدف الثاني وهو إعادة الثقة للنقاد مرة أخرى وهو الأمر الذي لم يتم. في الحقيقة، يبدو أن أعضاء صياغة البرنامج قلقين ليس فقط من خصوم الإخوان الذين لا يملون ولكن من المثقفين المستقلين أيضا والذين ينظرون للحركة على أنها بديل محتمل لنظام أوتوقراطي.
وقد أظهرت النقاشات الداخلية في جماعة الإخوان شغبا واضحا بدلا من الديمقراطية. وهناك بعض المؤشرات من قبل قادة الإخوان المسلمين الآن تقول بأن بعض – وليس كل – الانتقادات الداخلية سوف يتم الإجابة عليها من خلال تعديلات في النص النهائي.
ويتمثل الهدف الثالث في إيضاح "النقاط الغامضة" في أيديولوجية الإخوان المسلمين لأعضائها وللعامة فقد تم إدراكها بشكل جزئي. فالتفاصيل التنفيذية للبرنامج حول أية قضية تخص الحياة العامة اليومية في مصر كانت مميزة.
ولكن هذا الإيضاح قد كلف جماعة المعارضة وقد دفعت جماعة الإخوان المسلمين بعضا من تكاليف هذا الإيضاح من خلال التعرض للانقسام بين قادتها البارزين وبين الأجيال. وقد تعاملت الجماعة مع الأزمات الناتجة بشكل جزئي من خلال إيضاح مواقفها وبشكل أعمق من خلال الرجوع مرة أخرى إلى نقاط غامضة.
وفي النهاية، فإن جهود الإخوان المسلمين للانسحاب من تجربة نظيراتها في إنشاء حزب سياسي كانت محبطة، ولا يرجع هذا إلى شيء في محتوى البرنامج وإنما بسبب النظام الذي صار لا يخجل من إظهار وجه القمع كل شهر تجاه جماعة المعارضة الإسلامية.
وفي الحقيقة، فقد كان قادة الإخوان المسلمين منذ البداية على دراية بالحدود التي يمكن للبرنامج أن يبلغها. وفي الغالب، فإنها استطاعت أن تبين للمصريين كيف يمكن لحزب الإخوان أن يبدو، غير أن النظام والقانون وكذلك الدستور في الوقت الحال (بعد التعديل) قد أصبحوا عقبات أكثر من الرأي العام ضد حزب الإخوان المسلمين.
ويبين البرنامج أن الجماعة ما زالت تناضل بقوة للوصول لكيفية التعامل مع ما يتطلبه طموحها لكي تصبح ممثلا سياسيا عاديا. ولكن ليس هناك مناقشات داخلية يمكنها إعادة الطمأنينة لنظام يبدو غير قادر على تقبل أي ممثل سياسي جاد كشريك شرعي في الحياة السياسية في مصر.
د/ رضوان زيادة
زميل المعهد الأمريكي للسلام
دور الدين في سياسات سوريا
إن العلاقة بين دولة سوريا والإسلام، كما تم توضيحه في مؤسساتها الحكومية وغير الحكومية أو من خلال محادثات الشعب السوري الذي يؤمن بدور الدين في حياة الناس، ترجع إلى فترة ما قبل الاستقلال السياسي السوري في 1946.
ومنذ ذلك الحين تطورت المؤسسات الدينية الموجودة في سوريا وتأثرت بطبيعة العلاقة بينها وبين المؤسسات الحكومية المختلفة وفقا لسلطة الحزب السياسي الموجود في السلطة.
ومنذ تولى حزب البعث السلطة في عام 1963 فإنه تبني الموقف العلماني، والذي لا يعارض الدين بالضرورة، وعندما أتي الرئيس حافظ الأسد إلى السلطة عام 1970 أراد الاندماج مع الجماعات الدينية بشكل أكبر لأنه كان على يقين بأنه بهذا الفعل يستطيع كسب ثقة السنة الذين يمثلون الأغلبية في سوريا.
ثم قام الأسد بع ذلك بمد يده لعلماء الدين واستغل جميع الفرص ليظهر احترامه لهم واهتمامه بقضاياهم وأن يعطي العديد من الشخصيات رفيعة المستوى بعض المقاعد في البرلمان عام 1971 ومن بين هؤلاء مفتي الجمهورية الشيخ أحمد كفتارو ومفتي مدينة حلب الشيخ محمد الحكيم.
وقد كان الأسد يناضل لإخضاع الأرض لسلطانه لذلك فقد أعاد بناء إطار العمل السياسي على أسس جديدة تختلف عن البناء الأصلي التي رسخها حزب البعث عند مجيئه إلى السلطة عام 1963. وفي عام 1971 أسس مجلس الشعب وفي عام 1972 أسس الجبهة الوطنية التقدمية والتي اعتبرت شكلا من أشكال التعددية السياسية المشروعة.
وقد ضمت هذه الجبهة جميع الأحزاب السياسية لتتحالف مع حزب البعث واعترفت ببيان الجبهة الذي اتفق مع قيادة حزب البعث الدائمة. ثم كان التصريح بدستور جديد في عام 1973 ليعدل الدستور المؤقت الذي وضع عام 1969 والذي أعطي سلطات شرعية للوزارة.
وقد حولت التعديلات الآن الدولة إلى الرئاسة. وقد حاول الأسد من خلال ما قام به إعادة للبناء توسعة الدعم السياسي والشعبي لقيادته وزيادة شرعيتها من خلال إضفاء الطابع العلماني على هذه المؤسسات.
وعقب توليه السلطة في نوفمبر 1970 قام بجولة لمعظم محافظات سوريا. ومن خلال تجاربه علم عرف أهمية الفوز بالجماعات الدينية وهذا من شأنه تقليل تحفظ الشعب حول شرعيته حول كونه رئيسا للبلاد وهو عضو من الأقلية العلوية.
لذلك فقد حاول من خلال حدود حواره القومية العلماني لأن يصبح أقرب من علماء الدين، وفي سبيل تحقيق مثل هذا قام بتقديم تبرعات شخصية كبيرة في عام 1973 للمدارس الدينية في مقاطعة حماة والجمعيات الإسلامية الخيرية في مقاطعة حمص ثم بعد ذلك في عام 1974 قام بزيادة مرتبات الموظفين في المؤسسات الدينية. وقد شملت هذه الزيادات 1138 إماما و 252 مدرس للدين و 610 داعية إسلامي و 280 قارئ للقرآن.
وفي عام 1976 وكذلك عام 1980 قام بزيادة الفوائد المادية. وفي عام 1976، وتحت رعايته، قام بتخصيص مبلغ 5.4 مليون جنيه سوري لبناء مساجد جديدة. وفي كل عام وحتى وفاته عام 2000 كان يقوم بالإفطار في بعض أيام شهر رمضان مع عدد من علماء الإسلام البارزين.
وقد دعم حزب البعث الشيخ أحمد كوفتارو بشكل قوي ليفوز بمنصب مفتي الجمهورية ضد منافسه المرشح الشيخ حسن الميلادي عام 1965.
وينتمي الكوفتارو لعائلة كردية كانت قد عاشت في دمشق لمدة طويلة وقد كان لوالده وضعا دينيا مهما، وقد أصبح والده معروفا منذ الأربعينيات لجهوده التي تهدف إلى "بناء علاقات انسجام بين المسلمين والمسيحيين".
وقد نجح حزب البعث ، من خلال الضغط على المجلس الأعلى للفتاوى، في ضمان فوز الكوفتارو بالمنصب.
وقد اختار الأسد الشيخ كوفتارو ليكون عضوا في أول مجلس شعب عام 1971 وقد فاز دون العديد من علماء الإسلام ومعظمهم كان قد تخرج من مدارس ومعاهد دينية وعلى رأسها الجمعية الإسلامية الخيرية "الغراء" والتي بدأت في التعاون بشكل تدريجي مع السلطات لضمان مواصلة مؤسساتهم الدينية الصغيرة وفي نفس الوقت قاموا بدعم الأسد وتأييده بشكل كامل.
وقد اعتبر الشيخ كوفتارو أن إعادة انتخاب الأسد خلال فترات الاستفتاء حول القيادة يجب أن ينظر إليها على أنها "واجب ديني والتزام قومي".
عندما صعد بشار الأسد إلى السلطة عام 2000 واصل درب أبيه في التقرب إلى الجماعات الدينية من خلال الفوز بسلطة علماء الدين وتقريبهم.
وعلى كل حال فإن تواجد المؤسسات الدينية محدود في مناطق التعليم والإعلانات. فعلى سبيل المثال ليس هناك جامعات دينية كما هو الحال في بعض البلدان العربية ولا يتم بث صلاة الجمعة عبر التليفزيون، ولا يقوم الرئيس ببدء خطابه باسم الله ومن النادر جدا أن يقرأ بعض آيات القرآن. أما وزارة الأوقاف فقد كانت تقوم بدور المراقبة وكذلك إرشاد وتنظيم القطاع الديني.
وبسبب أن الوزارة مسئولة عن المساجد والمدارس الدينية فقد كان يتم اختيار وزير الأوقاف بكل عناية وحرص. وبعد وفاة عبد المجيد الطرابلسي، والذي كان عضوا نشطا في جماعة الإخوان المسلمين وواحدا من قادتهم المتعصبين والذي اختاره الأسد كرسالة سياسية للإخوان المسلمين، تم اختيار نوع جديد من الوزراء.
فهناك محمد زيادة ومحمد زياد الأيوبي الوزير الحالي للأوقاف، واللذان تم اختيارهما في ظل حكم بشار الأسد، قد عملا بشكل واضح في مناصب إدارية في الوزارة بلا أي سلطة أو حضور سياسي أو ديني فعال.
وتقوم وزارة الأوقاف بمراقبة جميع المساجد في سوريا وإن كان معظمهم – إن لم يكن جميعهم – قد تم بناؤه من خلال التبرعات الخيرية والمدنية. وتقوم الوزارة باختيار خطبة الجمعة والإمام واللذان يخضعان لأمر مدير المقاطعة الحاضر عن وزارة الأوقاف والذي يتبع إدارة الوزارة.
وفي نفس الوقت فإن هناك مراقبة للمساجد وخطب الجمعة من خلال إدارة الأمن السياسي والتي تقوم بتقديم تقارير متواصلة حول الخطب والمصليين وردود أفعالهم.
ولأسباب رسمية ووطنية قامت وزارة الأوقاف بإرسال تعليمات لخطباء يوم الجمعة تأمرهم فيها بالتكلم في مواضيع محددة، مثل الاستفتاء الرئاسي والتهديد الأمريكي لسوريا.
وقد أجبر الخطباء على الالتزام بهذه المواضيع وإلا سوف يخضعون للتساؤل من قبل أجهزة الأمن وفي حالة مواصلة تجاهل هذه التعليمات كان من المحتمل معاقبة الخطيب كما قد حدث مع بعض دعاة المساجد في أكثر من مناسبة.
وما زالت السلطات تحتفظ بمنصب مفتي الجمهورية. فبعد موت الشيخ أحمد كوفتارو في عام 2005، وقع الاختيار الرئاسي على الشيخ أحمد بدر الدين حسون (ولد في حلب عام 1949) ليكون مفتيا للجمهورية وبذلك تم كسر التقليد الذي يطالب أن يكون مفتي الجمهورية من بين العائلات التقليدية المشهورة في دمشق.
وقد حصل الشيخ أحمد على شهادة في الأدب العربي ودكتوراه في الفقه الشافعي من جامعة الأزهر وتم اختياره مفتيا لمدينة حلب عام 2002 وقد كان من قبل عضوا في مجلس الشعب عام 1999.
وعادة ما يتم انتخاب مفتي الجمهورية عن طريق تصريح مشترك من قبل المجلس الأعلى للإفتاء والتي تتألف من خمسة وعشرين عضوا، يتمثلون في مفتيين أربعة عشر مقاطعة مختلفة في سوريا، ومدراء الأوقاف في دمشق وحلب وآخرون ينتقيهم المجلس نفسه.
ومن بينهم، يقومون باختيار مفتيا للجمهورية ومن ثم يقومون بنشر بيان تأكيد للمفتي الجديد. وعلى أي حال فإن هذه العملية لم يعد هناك اهتمام بها في هذه الوقت، حيث تم اختيار حسون مفتيا للجمهورية بموجب قرار رئاسي.
ويحافظ المفتي على علاقاته بالسلطات السياسية التي دائما ما يأخذ جانبها والذي تعمل تصريحاته السياسية دورا كبيرا في فقد مصداقيته بشكل كبير في قطاعات كبيرة من المجتمع السوري. وآخر هذه التصريحات على سبيل المثال كان عندما قام بوصف انتخاب الرئيس بشار الأسد للمرة الثانية في مايو 2007 "كبيعة مشابهة لبيعة النبي". وبالرغم من هذا فقد كان له موقف إصلاحي في الدفاع عن قضايا المرأة ومن بينها حقوقهم في منح أطفالهم الجنسية.
الإخوان المسلمون والصراع
ظهر الصراع السياسي الأول داخل المؤسسات السياسية وخاصة في البرلمان من خلال المفاوضات حول شكل دستور عام 1950، حول نصوصه التي تناقش العلاقة بين الدين والدولة. طالب الإخوان المسلمون أن يضم الدستور تصريحا مباشرا يقول بأن "دين الدولة هو الإسلام" والذي يمكن أن يكون تمييزا ضد الأقليات المسيحية واليهودية وبقية الطوائف، مثل الدروز والعلويين والأقليات الإسماعيلية الموجودة في سوريا.
وقد ظهر في هذه الفترة نزاعات عنيفة بين جميع الحركات السياسية حول الشكل المثالي للدستور ووضع الأقليات الناتج من الشكل المقترح للدستور. وقد دخلت جماعة الإخوان المسلمين في طور جديد مع حزب البعث بمجرد وصوله إلى السلطة عام 1963 وقد ظهر هذا بشكل واضح جدا بما عرف "بثورة حماة" في أبريل هام 1964 والتي استمرت تسعة وعشرون يوما والتي قادها قادة حماة من الإخوان المسلمين وعلى رأسهم مروان حديد وسعيد حوا اللذان تأثرا بكتابات سيد قطب الأخيرة، التي اتخذت مسارا قويا يسمي المجتمعات الإسلامية "مجتمعات جاهلية" ويتهم قادتها بالتحديد لعدم تطبيقهم "للشريعة الإسلامية". ومن هذا المنطلق ظهر التعبير المشهور "الحاكمية" والذي بدأ استخدامه بشكل متواصل من قبل الجماعات الإسلامية المتطرفة ليبرروا خرق القانون.
كانت ثورة حماة مؤشرا مبكرا علي ظهور "حركة الجهاد" داخل الإخوان المسلمين معارضة لأطروحاتهم الديمقراطية والسلمية والسياسية. وقد حملت هذه الجماع اسم "كتائب محمد"، وهي نفس الجماعة التي عرفت بعد ذلك باسم "الطلائع العسكرية" والتي قامت بأعمال مأساوية في حماة عام 1982.
ويمكن تفسير هذا التحول فقط من خلال النظر إلى تحول الجانب المعارض، والمتمثل في هيمنة السلطة السياسية والإعلان عن حالة الطوارئ في الدولة وإنهاء التعددية السياسية والصحف المستقلة كبداية لخلق "جمهورية ثالثة" في سوريا، مبنية على "الشرعية الثورية" بدلا من "الشرعية الدستورية". وهذه الأنواع من العمليات تصنع إجماعا سياسيا أحمقا، وتقوم بتحفيز العديد من الحركات السياسية للجوء إلى العنف كوسيلة لحل النزاعات.
ويمكن أن تكون الجماعات الإسلامية أكثر الجماعات عرضة لهذا بسبب حساسيتها الدينية ولأفكار الشريعة والتي تسمح للجماعات المتطرفة بتفسير النصوص لتبرير مثل هذه العمليات التي تقوم بها. وفي هذا الوقت أيضا فقد اندلع الكفاح السياسي في أسوأ أشكاله بين جماعات البعث المحلية وجماعات البعث الأخرى في المنطقة.
ووراء كل هذا كان يختفي صراع بين الريف والحضر وصراع آخر طائفي وطبقي والذي ظهر واضحا من خلال أحداث عدد من المآسي وخاصة عام 1966 عندما نجحت الجماعة في 23 فبراير في الإمساك بمنافسيهم ومعاقبتهم بطريقة وحشية وعنيفة والسيطرة على الحزب والحكم.
وقد تبنوا موقفا يساريا قويا روع المجتمع السوري المحافظ وخوفه وهو ما جعله ينتخب الرئيس حافظ الأسد بالإجماع ليكون ضد صلاح جديد آملين في التحرر من الجناح اليساري الجديد الذي نشأ داخل قيادة حزب البعث في هذا الوقت.
وقد كان الصدام الأول بين السلطة السورية والجماعة الدينية عندما نشر الدستور السوري الجديد في 31 يناير 1973. اندلعت الاحتجاجات وخاصة في حماة لأن البنود التي كانت تقول بأن رئيس الجمهورية يجب أن يكون مسلما قد أسقطت من نص الدستور، وهو البند الذي تم وضعه في دستور عام 1950، وتم الحفاظ عليه مرة أخرى في الدساتير الأخيرة.
وقد بدأت الشكوى تتزايد في حماة وحمص وقد قاد هذه الحملة الشيخ حسين في منطقة الميدان بدمشق. لذلك قام الأسد بإصدار أمر لمجلس الشعب في هذا الوقت بإضافة مادة تقول "أن دين رئيس الجمهورية هو الإسلام"، ولكنه صرح في نفس الوقت بأن الإسلام الحقيقي يجب أن يكون بعيدا عن ضيق العقل والتطرف العنيف، فالإسلام هو دين الحب والتقدم والعدالة الاجتماعية والمساواة".
وقد أدرك الأسد أن سيطرة الإخوان المسلمين تختلف من مقاطعة إلى أخرى وأن سيطرتها في العاصمة دمشق هي الأضعف نظرا للاختلافات السياسية والثقافية والاقتصادية لسكانها. ولهذا السبب حاول الأسد جذب علماء الدين في دمشق من خلال الاستحواذ على المعتدلين وبناء شبكة مصالح اقتصادية بين هؤلاء العلماء وتجار دمشق وهم من أوائل المتبرعين الدينيين والخيريين، ويحرصون كذلك على العلماء.
بدأ التجار يدعمون الأسد وخاصة بمتابعته لمزيد من السياسات الاقتصادية الليبرالية أكثر من الأوقات الماضية لحكم البعث، وهو الأمر الذي تلاءم مع مصالحهم ومع هؤلاء الذين يملكون ممتلكات عريضة في العاصمة.
وبذلك كان الأسد قادرا على محايدة قطاع عريض للحركة الدينية التي لا هم لها سوى مصالحها الشخصية وأمانهم ومواصلة مصالحهم وقدرتهم على القيام بواجباتهم الدينية بشكل حر. وفي نفس الوقت عمل الأسد على الاستفادة من الخلافات العديدة التي بدأت تظهر في صفوف الإخوان المسلمين.
وقد وصل الصدام بين أجهزة الأمن السورية وبين الإخوان المسلمين إلى ذروته حتى وصل إلى "القذف المدفعي" عام 1979، والذي قاده الكابتن إبراهيم اليوسف. وقد كان رد فعل السلطات السورية قويا وعنيفا وخاصة بعد اكتشاف محاولة لاغتيال الرئيس حافظ الأسد في يونيو 1980، ولهذا قامت وحدات الدفاع العسكري بقيادة رفعت الأسد بإطلاق النار على المسجونين من الإخوان المسلمين داخل زنزاناتهم في سجن تدمر حيث قتل ما يزيد عن سبعمائة سجين.
وفي نفس الوقت كانت هناك حملة اعتقالات عشوائية في جميع أنحاء الدولة. وكذلك اعتقل آلاف النشطاء وأعضاء المعارضة وكذلك مؤيدو الحركة (أو حتى من اشتبه في كونهم كذلك). امتلأت السجون بهؤلاء الأشخاص الذين حكم عليهم بمدد طويلة جدا داخل السجون فلم يقل حكم عن عشرة سنوات. وقد كان لكل هذا تأثير سلبي جدا على المجتمع السوري الذي لم يعد قادرا على نسيان هذه "المأساة الوطنية" والتي وصفها، بشكل دقيق، كاتب سوري بأنها "انتصار للسلطة في حربها على المجتمع".
أتكون حربا غير حكومية ضد مواطنيها؟ إن طرق الاستئصال التي استخدمتها الحكومة وخاصة في التعامل مع الإسلاميين قد تركت جراحا لا يمكن أن تشفي منها هذه الجماعة العريضة التي ظل أعضاؤها مشردون في البلاد مدة أعوام.
وقد تطايرت الأخبار حول التعذيب النفسي والبدني الذي خضعوا له وهو ما تسبب في أعمال انتقامية ما زالت آثاره موجودة إلى الآن، ولهذا السبب اعتني جيل الشباب، الذي أتي بعد مأساة الثمانينيات وخاصة أولئك الذين لديهم نزعة دينية، بالحيادية والاهتمام بالمصالح الشخصية وتجنب الدخول في السياسات والمناقشات حول السياسة أيضا أو الاستماع لأخبارها. وقد ذهب هذا الامتناع بعيدا ليصبح "خوفا" يمنع المشاركة في السياسات أو أي شيء يؤدي إليها.
ويكمن اعتبار مثل هذا واحدا من أهم النتائج السياسية والاجتماعية للصراع العنيف بين الإخوان المسلمين وأجهزة الأمن السورية والذي تسبب أيضا في الفجوة العميقة بين مختلف فصائل الإخوان المسلمين يتلاومون فيما بينهم للدخول في مواجهة غير متكافئة مع السلطة. وقد الرئيس حافظ الأسد ذكيا بما يكفي لاستغلال هذه الشجارات داخل الجماعة لمصلحته.
فقام في 22 ديسمبر 1979 بالتمييز بين أولئك "الذين يهينون الدين باسم الدين وهؤلاء الأعضاء الذين ضلوا الطريق وليسوا على دراية بما تسببه أفعالهم تجاه دينهم وعالمهم وكذلك الأعضاء غير المدركين لما يفعلون وهم من ترتبط جماعاتهم المشبوهة بأهداف كامب ديفيد".
وقد قام كذلك بالتمييز بين الإخوان المسلمين وبين المسلمين المحافظين "الذين يشكلون جزءا كبيرا ومهما من بلدنا ويستحقون الاهتمام الأكبر" في محاولة لجذب التأييد العام والذي يمكن للإخوان المسلمين أن يكونوا قد حصلوا عليه بسبب أساسهم الديني المحافظ.
وعلى كل حال فبعد الظهور المثير للمواجهات الدامية وجه الأسد جهوده نحو الوصول لتسوية قانونية من خلال إصدار قانون رقم 49 ومن خلال التسوية الأمنية من خلال إتباع سياسة الملاحقة والمراقبة وكذلك من خلال الاعتقالات العشوائية والجماعية والتي انتهت بالهجوم العسكري الساحق في حماة.
ولم تفلح أي من مفاوضات البيانوني، المراقب العام الجديد للإخوان المسلمين في سوريا، مع عدد من قادة أجهزة الأمن السورية لحل قضية الإخوان المسلمين كحزب سياسي واستعادة الإخوان المسلمين لدورهم المهم. وقد اتبعت السلطات السياسية السورية سياسة إعطاء الأعذار للأفراد والتفاوض من أجل عودة عدد من الأعضاء كأفراد وليس كقادة للإخوان المسلمين كما حدث في عودة القائد السابق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة في نهاية العام 1995 وهو العام الذي فشلت جميع التدخلات التي كانت تهدف لإعادة الإخوان المسلمين كجماعة سياسية إسلامية في سوريا.
كما أن القسوة التي استخدمها النظام لمقاومة عودة الإخوان المسلمين والمصالحة معهم منذ انتهاء الثمانينات وحتى الآن يمكن رؤيتها على أرض الواقع من خلال مواصلة استخدام القانون رقم 49 الذي تم تمريره في 7 يوليو 1980 والذي حكم على جميع الإخوان المسلمين بالإعدام شنقا. وعلى أي حال فإن تنفيذ الحكم قد تم استبداله بالسجن مدة تتراوح ما بين عشرة سنوات وستة عشر عاما كما حدث مع العديد من الأشخاص الذين اعتقلتهم الحكومة لانتمائهم لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة.
وبعد موت الرئيس حافظ الأسد في يونيو عام 2000 تولى نجله بشار الأسد الرئاسة وتبع نفس منهاج أبيه في التعامل مع هذه القضية. وقد أغلقت المناقشات حول هذه القضية بشكل تام بالرغم من الكم الكبير للقضايا الأسرية والإنسانية والاجتماعية التي تتضمنها هذه القضية كما أنه قد نظر إلى هذه القضية من الناحية الأمنية فقط وهو ما تسبب في الحساسية المفرطة، التي ذكرت آنفا للجيل الجديد وحتى القديم الذي خرج من السجن مؤخرا، تجاه لعب أي دور سياسي.
وبعد ذلك كان المشهد الإسلامي في سوريا مقصورا على بعض علماء الدين الذين حافظوا علي علاقاتهم الطيبة مع الحكومة وكان لهم سيطرة إقليمية على المجتمع والتي بدأت تشهد عودة واضحة للشكل التقليدي للدين والمتمثلة في عدد المساجد وعدد الأشخاص الذين يحضرون إليها. وليس بالضرورة أن يرتبط كل هذا بتسييس الدين أكثر من اعتباره زيادة للفجوات الروحية منذ وقت طويل للقمع السياسي في محاولات صارمة للتغيير وفتح المجتمع. وقد بني هذا دولة، إن جاز التعبير، "للإسلام المتمدن" حيث نجحت الدولة بشكل كبير في استيعاب الشخصيات البارزة داخلها بمجرد ظهورهم من خلال سلسلة من الخطوات الحريصة والمدروسة.
وقد انتهي المطاف بالإخوان المسلمين أن أصبحت قيادتهم خارج البلاد بعد أن انتهت فعاليتها داخل البلاد حيث أصبحت مجموعة من الأفراد الخائفين من القول أو حتى مجرد التلميح لانتمائهم لهذه الجماعة المحظورة. وبعد تولى الرئيس بشار الأسد للسلطة في يونيو 2000 قام الإخوان المسلمين بنشر ما سمي "بيان مهذب للعمل السياسي"، جاء فيه نبذ جميع أشكال العنف ودعمهم لمبادئ "الدولة المدنية" ثم بعد ذلك قاموا بنشر برنامجهم السياسي والذي اعتبر "قفزة كبيرة" في خطاب الجماعة وأفعالها. ولكن بالرغم من هذه الخطوات السياسية فلم يكن هناك أي تغير في تعامل السلطة معهم.
وقد تحدث البيان عما يسمي "الدولة الحديثة" وهي "الدولة التعاقدية والتي ينبع عقدها من الرغبة الحرة الواعية بين الحاكم والمحكوم، والشكل التعاقدي للدولة هو أمر من الأمور التي قدمتها الشريعة للحضارة الإنسانية".
وكذلك، "فالدولة الحديثة هي دولة مؤسسات تقوم في شكل مؤسسة وتعتمد على الأساس الهرمي، وتقسيم السلطات وضمان استقلالها حيث أنه لا مكان في الدولة الحديثة لسيادة أي فرد أو سلطة أو حزب على مصالح الدولة. وفي الدولة الحديثة يكون حكم القانون فوق الجميع والأمن الاجتماعي أكثر أهمية من أمن السلطة ولا يكون هناك وجود لحالة الطوارئ في دولة يحكمها القانون."
ويضيف البيان أن "الدولة الحديثة هي دولة ديمقراطية تجري فيها العملية الانتحابية بحرية ونزاهة على أساس تداول السلطة بين جميع المواطنين. إنها دولة تعددية بحيث يوجد بها مختلف الرؤى والآراء ووجهات النظر والتأكيد على المعارضة السياسية ومؤسسات المجتمع المدني التي تساعد على المراقبة والإرشاد وبذلك لا تضم الدولة القمع والفساد."
وقد التزم الإخوان المسلمين في بيانهم "بآليات ووسائل العمل السياسي الديمقراطي، والتأكيد على حقوق المساواة في جميع منافع الدولة وقدراتها وتحسين أوضاعها، وتقديم برامجهم ورؤية رؤاهم على الحقيقة واقعة،" وكذلك "التخلي عن العنف وعدم اعتباره من وسائلها واعتبار أن الحلول الأمنية لمشكلات الدولة والمجتمع وعنف السلطة التنفيذية ما هو إلا مثالا لوجود الفساد.
وهنا، يوجد تحولا واضحا في آلية التفكير السياسي لأبرز الجماعات الإسلامية السورية، وخاصة فيما يتعلق بقبولها للمبدأ الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة والسعي للعمل كحزب سياسي مدني بمرجعية وسلطة إسلامية على غرار حالة الجماعات المسيحية الديمقراطية في أوروبا.
الاستنتاجات
ومن الواضح أن الدين قد أصبح جزءا من إستراتيجية حزب البعث الحاكم في سوريا لضمان بقاءه في السلطة. وبالرغم من حقيقة أنه ليس هناك منهجا سياسيا موازيا يحاول استغلال الدين بشكل مفتوح وواضح كما حدث في أكثر من دولة من الدول العربية مثل مصر والجزائر والعراق خلال الفترة التي تولي فيها صدام حسين السلطة فإن المواقف والتصريحات السياسية للرئيس السوري والمسئولين تتحدث عن موقف أيديولوجي واضح تجاه استثمار المشاعر الدينية وهو الأمر الذي ظهر جليا خلال أزمة الرسومات الدانماركية، على سبيل المثال.
ويمكننا القول بأن هذا المنهج يندفع بشكل ما خلف العودة إلى المظاهر الدينية بشكل قوي داخل المجامع السوري لكل من الجيلين القديم والجديد الذي لم يجد طريقا مفتوحا إلى الحياة السياسية من أجل ممارسة النشاط السياسي وكذلك العديد من الخطوط الحمراء التي تمنعه من النشاط الاجتماعي وبهذا الشكل وجدوا أنفسهم متأثرين بشكل كبير باختلاف الخطاب الديني.
وبالنظر لهذه الظاهرة، كما قلنا، فإنها لا تعني بالضرورة التواجد الكثيف للإسلام السياسي في سوريا، وخاصة للإخوان المسلمين فالقمع الشديد الذي عانت منه هذه الجماعة قد منع جيل الشباب من مجرد التفكير في الانضمام لهذه الجماعة.
أما بالنسبة للنظام السياسي السوري فلا يتوقع في القريب أن يسمح بتسوية داخلية للجماعة أو حتى عودتها وخاصة مع وجود هذه الضغوط الخارجية على سوريا،والتي تجعل النظام يفسر أي خطوة إلى للمصالحة على أنها منحة سياسية. ولذلك فإن الموقف الداخلي للإسلام السياسي سوف يشهد حالة من الاستقرار النسبي كما كان عليه الحال خلال العقود الثلاثة الماضية بدون ظهور لبعض الجماعات الأصولية والسلفية المتطرفة، والتي من الممكن أن تقوم ببعض العمليات المسلحة ولكن بدون القيام بأي تأثير اجتماعي أو سياسي.
بقلم:نجيب غضيبان
إن نشر أول نص لبرنامج حزبي للإخوان المسلمين في مصر في صيف 2007 جاء ليجدد المناقشة حول التزام الإخوان المسلمين بالديمقراطية. كما هناك نقطتان شائكتان في البرنامج: تأسيس مجلس لعلماء الدين لمراجعة التشريعات وكذلك استبعاد المرأة والمسيحيين من الرئاسة.
اندفع نقاد الإخوان المسلمين للسؤال حول مدى الالتزام الحقيقي للإخوان المسلمين بالديمقراطية بينما قام المعتذرون عن الإخوان المسلمين بعدم تأكيد هاتين القضيتين الشائكتين وقاموا بإلقاء الضوء على المساهمات الإيجابية للبرنامج. ويقول هذا الاقتراح أن الجماعة قد عملت طويلا لإقرار الديمقراطية الإجرائية ولعبت، من خلال الحكم الديمقراطي، أينما سمح لهم من قبل أنظمة عربية.
ثم أن هذا الإقرار لم يؤدي إلى تطوير المنهج الليبرالي ولا حتى إلى تشجيع تبني جدول أعمال التقدم الاجتماعي والسياسي عن طريق الإخوان المسلمين. وهكذا فإننا لا نستطيع فهم موقف الإخوان المسلمين تجاه الديمقراطية ما لم نفحص هذا التحول في منهجها والذي يطالب على التعاقب وضع سياق للنقاش داخل العوامل التالية.
أولا: عدم الاتفاق حول القضايا الشائكة المذكورة سابقا يعكس الضوء على تواصل النقاش الداخلي بين الأيديولوجيين والواقعيين داخل الجماعة. كما أن التفسيرات المتعددة بين الأفرع المتعددة للجماعة في البلدان العربية قام بتعقيد عملية وضع لفظ لموقف رسمي.
ثانيا: أن المناقشة حول الديمقراطية تتم داخل بيئة سياسية داخلية متزايدة القمع يتم تبريرها بذريعة الحرب على الإرهاب.
ثالثا: أن خصوم الإخوان المسلمين السياسيين العلمانيين الليبراليين قد تواطئوا مع الأنظمة العربية القمعية للتخلص من الإسلامية في العملية السياسية.
رابعا: أن الجهود الفاشلة والانسحاب الأخير للجهود الدولية من عملية تعزيز الديمقراطية قد شوه سمعة مظاهر الديمقراطية في المنطقة.ومن غير المحتمل توقع أن يقوم الإخوان المسلمين بتطوير وجهة النظر الديمقراطية الليبرالية بينما الأنظمة والقوى السياسية الأخرى لا ترغب في التمسك بهذه الأحكام السياسية.
في البداية أود أن أشكر مركز دراسة الإسلام والديمقراطية لتنظيمه مثل هذه الحلقة الدراسية ودعوتنا للحضور. سوف أتناول نقطتين مهمتين بخصوص الشعار أو المؤتمر: ما الذي يمثله الإسلام بالنسبة لنا؟ وما هي الأفكار الرئيسية لبرامجنا؟ سوف أجيب عن هذه المحاور من وجهة نظري الخاصة كعضو في قيادة حركة مجتمع السلم الجزائرية من خلال التالي:
أولا: سوف أبدأ بالإجابة عن سؤال، ما الذي يمثله الإسلام بالنسبة لنا؟
يمثل الإسلام بالنسبة لنا خمسة أشياء أساسية. ثلاثة منها يتشارك فيها جميع المسلمين وسوف أتناول الاثنين الباقين كمثقف وسياسي:
•يمثل الإسلام بالنسبة لنا كمواطنين مسلمين الطريق الذي نعرف الله ونعبده به ونتعرف على الكلمات التي أوحي الله بها إلى رسله بداية من آدم ونوح وإبراهيم ثم إلى موسي وعيسى ومحمد، لا نفرق بين أحد منهم صلوات الله وسلامه عليهم.
•يمثل الإسلام بالنسبة لنا الطريق الذي يربطنا بالقيم العظيمة والمثالية مثل العدالة والشهامة والتسامح والتكافل والأمانة والصبر وحب الخير والشجاعة والعمل والإنصاف....وكمثقفين وسياسيين مسلمين
•يمثل الإسلام بالنسبة لنا التجربة الحضارية التاريخية والتي تؤكد قدرتها على احترام الإنسان في كل مناحي حياته وخاصة الأساسية والتنظيمية والعلمية. إنه التراث الذي يمكننا استخدامه للانتفاع به في صياغة أفكارنا وبرامجنا مثل الغرب الذي استفاد بشكل كبير جدا من الاتصال الحضاري العظيم مثل الأندلس وصقلية والحملات الصليبية وغير ذلك،...
•يمثل الإسلام بالنسبة لنا نصوصا وأحكاما عامة وتوجهات من كتاب الله وسنة نبيه والتي تحثنا على التفكير وتقدم لنا طرقا للتصرف ووسائل للاجتهاد، لذلك فإننا نعيش أوقاتنا مؤمنين بقيمنا المتعلقة بكل مناحي الحياة.
ثانيا: أما بالنسبة للأفكار الرئيسية لبرنامجنا، فإنني أود القول بأن البرنامج يتناول احتياجات بلادنا والمواطنين بداخلها. ولأنه من المستحيل تعداد هذه الاحتياجات والحلول المقترحة لحلهم في مثل هذه المداخلة المحدودة فإنني أود التركيز على الاحتياجات الأساسية وهي:
•الحريات والديمقراطية.
- القيم الأخلاقية.
- التنمية الاقتصادية.
- مكافحة الفساد.
- الأمن والاستقرار.
- العلاقات الدولية المتزنة.
1. الحريات والديمقراطية
فيما يتعلق بالحريات والديمقراطية فربما كان هذا المطلب من أهم المطالب وأساس أي تغيير لتحقيق الاحتياجات الأخرى. وربما أؤكد لكم أن مطلب الديمقراطية يمثل بالنسبة لجماعتنا الشرط الأساسي لتحقيق التغيير وبذلك يمكن التوصل إلى الاحتياجات وآمال الجزائريين في مجالات عدة.
فالمشكلة الرئيسية في الجزائر ليست هي مشكلة الأصوليين الإسلاميين كما أخبر بذلك من قبل ولكن المشكلة الأساسية، كما هو الحال في البلدان العربية الأخرى، هي مشكلة الديمقراطية والحريات. فالجزائر لديها فرصة عظيمة للنجاة من الرجعية ولكن ما يمنعنا من فعل مثل هذا هو غياب الحكم الجيد.
وفي الحقيقة، لا يمكن الحصول على حكم جيد بدون الشفافية ومراقبة المال العام وكذلك بدون استبدال الحكومة وبدون منافسة حقيقية بين الأفكار والبرامج وبدون حرية المجتمع المدني والصحافة وبدون الحريات السياسية بوجه عام وكذلك بدون الديمقراطية!
يجب أن يعرف الجميع أن العملية الانتخابية في الجزائر قد خضعت للتزوير والتحريف، ليس فقط خلال الانتخابات التشريعية في عام 1991 ولكن خلال الانتخابات الرئاسية أيضا عام 1995 .
حيث كانت النتائج في صالح الشيخ محفوظ نحناح، رضي الله عنه، رئيس ومؤسس حركة مجتمع السلم، ولكنها زورت. والأكثر من ذلك أنه حرم حقه في أن يأخذ مكانا في الانتخابات الرئاسية عام 1999 لأنه كان المنافس الحقيقي ضد مرشح الحزب السياسي الحاكم.
ويعرف الجميع في الجزائر أن الانتخابات التشريعية والمحلية في العام 1997 كما أكدت لجنة الاستطلاع البرلمانية ولا يخلو نشاط انتخابي من تدخل الإدارة في ظل العديد من الأثواب المختلفة ويكون التدخل مباشرا في بعض الأحيان وفي البعض الآخر يكون بطرق ملتوية.
وبالتحديد فإن التزوير في الانتخابات والشكل الهامشي للديمقراطية والحريات بشكل عام قد تسبب في أن ينظر إلى الانتخابات على أنها أمر ليس له معنى وغير قادر على تحقيق أي شيء جديد في مصلحة المواطنين وهكذا أصبح المواطنون غير مصوتين.
وقد أصبح العديد من أصدقائنا والمتعاطفين معنا غير مصوتين بالرغم من علاقاتهم الوثيقة معنا والتزامهم بالعديد من برامجنا، ويرجع هذا إلى الانتخابات أصبحت لا تعني شيئا بالنسبة لهم. ويمكنني أن أؤكد لكم، سيداتي وسادتي، أن تحدى الديمقراطية إنما هو تحدى لبلدنا، لذلك فإن النضال من أجل الديمقراطية هو المَعلَم الأساسي في طريقنا.
2. القيم الاجتماعية
إن موقفنا تجاه الديمقراطية داخل حركة مجتمع السلم ليس محصورا فقط في مطالبة السلطة ومؤسسات الدولة بذلك ولكننا نعتبر أن حرية المجتمع سوف تسهم كذلك في تحقيق معني المواطنة وتصحيح عدد كبير من الظواهر السلبية في المجتمع مثل الانطوائية والجبرية والتبعية وفقدان الثقة بالنفس والجهل بالحقوق وعدم القدرة على المطالبة بهم أو القيام بهم من خلال وسائل خاطئة.
وبهذا الصدد فإن أعمال جماعتنا تعمل من خلال آلية اجتماعية وثقافية وسياسية عريضة للمساهمة في إيقاظ الوعي العام لذلك يجب أن يطلع الجزائريون على حقوقهم وأن يطالبوا بها بشكل أكثر فعالية وأن يعرفوا كذلك التزاماتهم وأن يقوموا على تطبيقها بإيمان كامل وبشكل جيد.
وإضافة إلى ذلك فإننا نعمل لتأصيل القيم الاجتماعية الأساسية التي تساهم في تحقيق التطور والاستقرار والتقدم والرفاهية، على سبيل المثال قيمة العمل والترابط والتضامن الاجتماعي والعطف على الآباء والتعاون بين أفراد الأسرة الواحدة وبين الجيران والأصدقاء وتقدير المرأة وحماية حقوق الأطفال والأجيال القادمة ووقاية البيئة والأرض.
ونؤكد كذلك على جعل هذه القيم كالتزامات فردية قبل جعلها التزاما جماعيا وهو المعروف بالوعي الفردي والذي يسبق الوعي الجماعي وهو ما يعني في ثقافتنا الخوف من الله سرا وعلانية. وفي جماعتنا فإننا نعد تعليم هذه القيم وغيرها مهمة عظيمة تتطلب المساهمة بجهود تعليم الأسرة والمدارس والمؤسسات التعليمية الأخرى مثل المساجد ومؤسسات المجتمع المدني الأخرى وكذلك الإعلام.
3. التنمية الاقتصادية
إن رؤيتنا الاقتصادية تعتبر رؤية ليبرالية في الأساس ولكنها تختلف عن الليبرالية القائمة بمميزاتها الحضارية والثقافية والتي ترمي إلى تحقيق اقتصاد حر ومتماسك يهتم لحقوق الإنسان وحقوق الأجيال القادمة. كما أننا منفتحون لفكرة سوق الاقتصاد والتي نسعى لعملها من خلال التنمية العادلة من خلال موقف علمي شامل معتمد على ما يلي:
• لتقديم رؤية واضحة حول الملكيات الخاصة تتعلق بمفهوم الاستخلاف والمسئولية في إدارتها.
• لتحقيق التوازن بين القطاع العام والقطاع الخاص ولتوجيه الثروات القومية للقطاعات الإستراتيجية المتعلقة بمصير الأمة المستقبلي وخاصة التعليم والصحة والبنية التحتية العظيمة.
• لتحقيق حرية النشاط الاقتصادي بوجه عام ثم ضمان المنافسة الشريفة وتساوي الفرص من خلال وسائل النظام القانوني الذي يدعمه التعليم وجهود التوعية كما ذكر مسبقا.
• مكافحة تجاوزات الليبرالية في الحياة الاقتصادية والمالية بوجه عام مثل الفساد والاحتكار والادخار ودورة الأموال بين الأغنياء فقط والمضاربة ومضاربات البورصة الضعيفة وعدد آخر من المؤسسات المالية.
• تقديم بديل اقتصادي ومالي لا يشوبه الربا قائم على الشراكة بين أصحاب رؤوس الأموال والمؤسسات المالية والمصرفية والعمليات الاقتصادية والتي تقوم بزيادة الفائدة من الثروة الكلية وتقوم بعرض فرص للرخاء للجميع وتحقق رخاء اقتصاديا واجتماعيا وتضمن أسسا آمنة للإجراءات الاقتصادية.
• اقتراح نظاما اجتماعيا واقتصاديا يقوم على شبكة واسعة من المؤسسات المحلية والمركزية، ويهدف إلى إعادة توزيع الثروات والتقليل من الفوارق الاجتماعية. ويتعلق هذا بمؤسسة الزكاة تحديدا والتي لا تهدف إلى الخير داخلها ولكنها تريد كسر المآسي وإخراج الناس من بوتقة الفقر. هذه الزكاة عبارة عن ضريبة صغيرة تخرج على رأس مال الغني ومعاملاته لمصلحة الفقير، وهو ما يذكرنا بضريبة توبين.
• تشجيع المبادرات التطوعية الفردية والجماعية في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية من خلال نظام نسميه في ثقافتنا "الوقف" وهو نظام قائم على التحالف من أجل العديد من المشاريع الخيرية المتنوعة بين المتبرعين من الأغنياء وبين المتطوعين إلى جانب دعم الدولة وتنظيمها وهو النظام الذي يشابه لما نسميه اليوم القطاع الثالث أو المجتمع المدني.
4. مكافحة الفساد
تمكنت من الحديث حول هذا الموضوع عند إثارة الديمقراطية والتنمية. وقد اخترت أن انتقيها لأنها أصبحت ظاهرة خطيرة بالفعل وقد تعدت جميع التوقعات.
ولقد أصبح الفساد هو السيد في البلدان المتخلفة والعقبة التي تمنع من الديمقراطية والتنمية وسبب انتشار جميع أنواع المصائب ومن بينها الإرهاب والذي أصبح واحدا من وسائلها.
ويعتبر الفساد واحدا من أصعب الآفات التي يمكن معالجتها أو مواجهتها لأنها تتأصل في العديد من مؤسسات الدولة والمجتمع.
وفي الحقيقة، فقد قمنا بعمل مشروع كبير لمكافحة الفساد في الجزائر في الشهور القليلة الماضية والذي أطلقنا عليه اسم "وقف الفساد" ولكنه جر علينا العديد من الصعوبات وردود الأفعال القاسية تسببت في تدمير كبير لنا.
5. الأمن والاستقرار
وبالرغم من تحسن الوضع الأمني بشكل ملحوظ في الجزائر مقارنة بفترة التسعينيات وبالرغم من النتائج الإيجابية المهمة التي حققها مشروح المصالحة الوطني، إلا أن الإرهاب ما زال يسبب خسائر ملحوظة فيما يتعلق بحياة البشر وممتلكاتهم وفي صورة الجزائر إلى جانب فيما يتعلق بفرص التنمية الاقتصادية وخاصة في مناطق الاستثمار والسياحة.
ولهذا السبب ما زالت حركة مجتمع السلم تواصل جهودها للمساهمة في معالجة هذه الظاهرة داخل نفس المهمة التي تم تشخيصها في المجال السياسي بهذا الصدد منذ بداية الأزمة وفقا لما يلي:
•مواصلة عملية المصالحة الوطنية وإتاحة فرصة العودة إلى الأهل والمجتمع لهؤلاء الذين يحملون السلاح.
•التوعية الدينية والمدنية في المدارس والمساجد ووسائل الإعلام.
•خفض الفوارق الاجتماعية وتقديم فرص للطبقات غير المتميزة للخروج من دائرة الفقر.
•ضمان الحريات وعرض آفاق آملة في التغيير من خلال وسائل سلمية ومن خلال التطبيق الحقيقي للديمقراطية.
•الإجراءات الأمنية وخاصة الوقائي منها.
6. العلاقات الدولية المتزنة
إننا على دراية بحقيقة التغيرات الدولية الرئيسية في منطقة العولمة والاستقلال الداخلي لاقتصاد الدول وسرعة وكثافة الجماعة والاتصالات والتي تطالبنا بالخروج من بوتقتنا وأن نأمل في عملية تواصل دولي لضمان مصالحنا ومصالح جميع البشرية. إن مهمة العلاقات الدولية تعتمد على الآتي:
• قرار دولي عادل يصب في مصلحة البشرية والبيئة التي يعيش البشر فيها والتي سوف تعيش الأجيال القادمة فيها.
• وحدة المغرب.
• التضامن الاقتصادي العربي بالتوافق مع طريقة الفهم الوظيفية للعلاقات الدولية.
• تعاون دول حوض البحر المتوسط من أجل رخاء وأمن الناس على شاطئي البحر المتوسط.
• إنهاء الاستعمار في كل مكان ووضع حد لمواقف الاستغلال والحرب والجرائم ضد الإنسانية وخاصة فيما يتعلق بما يحدث في العراق وأفغانستان وفلسطين.
• التسوية العادلة للقضية الفلسطينية وتبني موقف حاسم مع الإسرائيليين الذين رفضوا المبادرة العربية التي حصلت على إجماع عربي وتناولتها العديد من الحركات الإسلامية.
الملخص: ماذا نتوقع من مثل هذا المؤتمر؟
سيداتي وسادتي، إذا كان هناك شيئان في الدنيا لا يمكن تغييرهما فإنهما بالطبع سيكونان التاريخ والجغرافيا. ليس هناك شك في أن هناك العديد من الأشياء السيئة التي وقعت في التاريخ المشترك بين الشرق والغرب والتي لا يمكن حذفها. ولكننا يمكنا أخذ كل هذا ليكون نقطة بداية لتصميم آفاق أفضل للمستقبل.
وما يمكن أن يثبت هذه الرؤية هو الجغرافيا المشتركة التي لا يمكننا تغييرها على أية حال. نحن في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا يمكننا أن نتخلص من جواركم، حتى وإن استيقظ الغرب يوما ما ليجد أشخاصا آخرين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا:
عرب ومسلمين. وفي الحقيقة، فإنه بدون التعاون الفعال من أجل مصلحة الطرفين فلن ينجح الطرفان. فالهجرة على سبيل المثال التي يعتبرها الغرب وخاصة أوروبا تهديدا إستراتيجيا لن تتوقف ما دامت البطالة والفقر يصيبان بلادنا.
ومهما كانت أهمية نتائجنا في هذا المنتدى فإنها لن تكون ذات فائدة إلا إذا قامت بتوجيه المؤسسات بموضوعية تضمن استمرارية وتطور الأفكار إلى برامج عملية يمكن أن يتم تصميمها من خلال التشاور والمشاركة. وقبل الخضوع إلى الاقتراحات العملية التي طلبت مني بهذا الصدد، فإنني أود أن أعيد التصريح ببعض الإرشادات التي أراها مهمة. فالأمر يتعلق بمشكلة كبيرة تهدد آمالنا في صياغة مشتركة لعالم أفضل وهي مشكلة سوء التفاهم بين بعضنا البعض وخلط الأشياء.
ولا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نتجاهل الحاجة إلى أمهر الجهود التي نستطيع القيام بها في سبيل الوصول إلى تفاهم مشترك. يجب أن نفهم الغرب بشكل أفضل ويجب أن يقوم الغرب بفهمنا بشكل مناسب. سيداتي وسادتي اسمحوا لي أن أخبركم بكل إنسانية أن الأحزاب السياسية التي تبنت التوجه الإسلامي المعتدل تقوم بعمل جهودا أكبر لفهم الآخرين مقارنة بجهودها التي تقوم بها على الجانب الشمالي.
ولن أخفي عليكم أنه منذ عقد مضي، لم يكن العديد من الإسلاميين يميزون بين الغرب كمواطنين وبين الغرب كمؤسسات.ثم قاموا بعد ذلك بالبدء في التفريق بين المؤسسة والأخرى ثم بعد ذلك بالتفريق بين الأفراد في نفس هذه المؤسسات الغربية.
فكان عليهم أن يأتوا ليروا جميع ألوان الطيف ولا يصدقوا فقط بما يرونه من الأبيض والأسود. وكذلك يقوم بعض المثقفين والسياسيين الغربيين بالخلط بين الإسلام والإرهاب وبين الجماعات الإسلامية المختلفة وهم بذلك يقعون في نفس الإشكالية، وعلينا أن نقوم بالتجاوز أكثر من ذلك نحو الفهم والتعاون المشترك.
سيداتي وسادتي، ربما أقوم بدعوة السياسيين وصناع القرار وجميع الأفراد في الغرب للتخلص مرة واحدة من فكرة الالتباس القائم بين الإسلام والإرهاب. وهذا الالتباس غير عادل بالنسبة للإسلام فهناك العديد من المسلمين يقعون ضحايا لمثل هذا الإرهاب.
إنني أدعوهم لترك الرؤية الواحدة تجاه جميع الأحزاب السياسية. والواقع يقول، كما أنه لديكم اتجاهات عديدة داخل أحزاب اليمين واليسار، تمتد من اليمين المتطرف إلى يمين الوسط ومن اليسار المتطرف إلى يسار الوسط، فإنه ليدنا كذلك إسلاميين متطرفين وإسلاميين معتدلين أو يمكنكم تسميتهم بالإسلاميين الوسطيين إذا أردتم. وفي الحقيقة، فغن المركزية تعتبر قيمة ضمن قيمنا الإسلامية.
سيداتي وسادتي، إنني أدعوكم مرة أخرى أن تضعوا أيديكم على حقيقة المشكلة في عالمنا العربي والإسلامي، إن المشكلة لا تتعلق بالإسلاميين أبدا، وإنما هذه الأخطاء خطيرة بالنسبة للديمقراطية في بلادنا حيث ما زالت هناك الأنظمة الفاسدة والتي ما زالت وبلا سبب تحكم بالطرق القمعية والانتهاكات فقط لكي تنشر هذه الأخطاء، وبكل أسف أصبح الإسلاميون مدانون بسبب مقاومتهم للديكتاتورية في العالم العربي.
إن المشكلة في بلادنا تتمثل في الديكتاتورية وغياب الحريات والحيلولة دون أي تغيير من خلال الوسائل السلمية.إن الإسلاميين المعتدلين لديهم القدرة، إذا ما تمكنوا من السلطة من خلال صناديق الاقتراع، للتحاور والتعاون مع الآخرين سواء على الصعيد الوطني أو الدولي في سبيل مصالح الناس المشتركة. فالإسلاميون يدركون أكثر من غيرهم أهمية الاتصال.
إنني أعرف أن العديد من السياسيين وصناع القرار يشكلون رؤاهم عنا من خلال الإشاعات التي تترد من خلال وسائل الإعلام، ولكن الأمر أخطر من أن يترك تحت سيطرة الإعلام. لذلك فإنني أدعوكم لأن نعمق فهمنا للعالم العربي والإسلامي.
أما المقترحات العملية التي أصوغها في نهاية هذا الاجتماع فهي:
• أن نعير المزيد من الاهتمام، على مستوى مجموعة من خبراء الدراسة والمؤسسات، لدراسة العالم الإسلامي بشكل علمي وأن نصل إلى الفهم الحقيقي للتوجهات الاجتماعية والسياسية والثقافية المختلفة التي تشكل هذا العالم.
• إقامة هذه المقابلات ولضمان استمرارها وتطوير أفكارها إلى مشاريع وبرامج مشتركة.
• إرسال دعاوى متعددة لإعطاء محاضرات ومقابلات في المنتدى ومؤتمرات ومدارس صيفية ينظمها الحزبين.
• تنظيم مؤتمرات مشتركة حول مواضيع محددة في سبيل أخذ ما يكفي من الوقت لفهم معانيهم (مثل السؤال عن الشريعة والقضية الفلسطينية والمرأة والحريات والإرهاب والهجرة...).
• مد المناقشة لتشمل العديد من الطبقات ومؤسسات المجتمع المدني إلى جانب الطبقة الاجتماعية التي تنشأ داخل فلك الأحزاب السياسية والمنظمات (الشباب والمرأة...).
• دعم الديمقراطية والتنمية في العالم العربي والإسلامي باعتبار حقيقة أنهما يمثلان طريقان مهمان لضمان المصلح المشتركة لكل من الجانبين.
بسم الله الرحمن الرحيم
مداخلة محمد يتيم
المؤتمر السنوي لمركز دراسة الإسلام والديمقراطية
واشنطن، يوم الأربعاء 14 مايو 2008
إن بعض خصوم الأحزاب والجماعات تنبعث من مرجعية دينية بأن هذه الجماعات تتبني فهما للدين معارضا لقيمة الحرية بشكل عام وحرية التعبير والنشاط بوجه خاص. والحقيقة أنه يوجد في العالم العربي والإسلامي بعض أشكال التطرف داخل كلا من الجماعات الإسلامية والعلمانية.
وهؤلاء المتطرفون يسيئون فهم الدين وينتهكونه سواء ما إذا كانوا مؤيدين جهلة أم كانوا خصوما أيديولوجيين له.
وهو يؤمنون بأن الدولة التي يمكن بناؤها داخل النظام الثقافي الإسلامي هي دولة دينية تقوم على مصادرة الحقوق الفردية والجماعية ولا تسعي للتعايش من خلال الفكر الديمقراطي والممارسة.
أما ما يؤيده الآخرون من أن الأحزاب والجماعات تنبعث من مرجعية إسلامية فيمكنه أن يقوم بمصادرة الحريات الجماعية والفردية إذا ما تملكوا السلطة أو شاركوا فيها.
كما يدعون أنهم ربما يفرضون الحجاب على المرأة ويطالبون الرجال بإطلاق اللحى وأنهم سيسيرون الشرطة في الشوارع للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبهذا يبطلون دور المؤسسات وحكم القانون والقضاء إلى جانب التدخل في حقوق الأفراد والحالات الخاصة.
وقد كان هذا هو السلوك الذي ظهر في بعض الجماعات المغلقة في بعض التجارب في العالم الإسلامي كما هو الحال في تجربة طالبان أو بعض الجماعات الشوفينية (المغالية في الوطنية) والتي تقدم رؤية دكتاتورية للدولة الإسلامية وترى الديمقراطية كفرا.
وهذه الصورة الكاريكاتورية وإن كانت موجودة في بعض جماعات التطرف والمغالاة الوطنية التي لا تمثل أغلبية الجماعات الإسلامية المعاصرة، فإنها تتعارض مع طبيعة الإسلام وروحه ومع معنى الشريعة وأهدافها.
كما أنها تأخذ من العديد من الأخطاء في فهم العلاقة بين الشريعة والقانون وكذلك العلاقة بين الفقه والقضاء وبين رأي رجال القانون والذي يعتبر رأيا في الدين وبين الإجراء القضائي والذي يعتبر ملائما للنص القانوني ومقتضاه تجاه قضية محددة انتهك فيها القانون.
كما أنها تتغذي علي الخطأ في فهم العلاقة بين القضاء والسلطة التنفيذية. وتتعلق كذلك بطبيعة الدولة من وجهة النظر الإسلامية والتي تعتبر دولة مدنية وإنسانية وليست دولة دينية وذات حكومة دينية. والأكثر من ذلك أنها تتعلق بدور القانون والسلطة والقضاء فيها وكذلك علاقتها مع ممارسة الحريات وحمايتهم وضمان أن تمارس هذه الأشياء داخل إطار عمل مسئول.
ويسعى هذا التقرير إلى إلقاء الضوء على إدراكنا للدولة في الإسلام كدولة مدنية والتأكيد على رفض المذهب الإسلامي، من وجهة نظرنا داخل حزب العدالة والتنمية، لمفهوم الدولة الدينية.
ويسعى التقرير كذلك للتأكيد على الشخصية المدنية للدولة في الإسلام ودحض الاختلافات بين مبادئ الحكومة السماوية والسيادة الشعبية على الأسس التي يمكن من خلالها تحقيق الحكم السماوي من خلال الرغبة الشعبية.
وعلى أية حال، فإننا نبدأ بإلقاء الضوء على الحقيقة الأساسية للدين لكونه رسالة تحرر تعارض جميع أشكال الإكراه، سواء كان في نظامه التشريعي أو العقائدي أو أنظمته السياسية والتعليمية أو الاجتماعية.
1.لا إكراه في الدين/ الاعتقاد
وبشأن مفهوم الدين في حد ذاته نجد أن الدين أو من أكبر المناطق التي تحقق حرية البشر كما قال الله تعالى: "لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ" (البينة: 1)
فالأنبياء والرسل جاءوا جميعا لتحرير البشر لا تقييدهم باسم الدين. فاستعباد الناس باسم الدين يعد كفرا في حد ذاته كما ذكر القرآن الكريم فيمن اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، فيقول الله تعالى:
"مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ"(آل عمران: 79)