الإخوان ونصرة فلسطين.. ثورة 1936م
24/01/2009
بقلم: عبده مصطفى دسوقي
عمل الإخوان منذ نشأة جماعتهم على حلِّ قضية فلسطين حلاًّ يتفق مع وجهة النظر الإسلامية، ويؤدي إلى سلامة هذا الجزء من الوطن العربي- وهو منه بمثابة القلب من الجسد- وإلى المحافظة كل المحافظة على أن يظل إسلاميًّا خالصًا، وإلى دفع العدوان اليهودي وذبذبة السياسة الدولية عنه بكل الوسائل؛ فإن العرب يدركون مدى الأخطار العربية التي تهدد كيان الأمة العربية وتحطم آمالها إذا استقرت قدَّم اليهود في فلسطين، والإخوان قد وطدوا العزم على أن إنقاذ فلسطين مهما كلَّفهم ذلك من الجهود والتضحيات.
قضية فلسطين من القضايا المهمة بالنسبة للأمة الإسلامية؛ لأنها جزءٌ من أرض المسلمين، ولقد بدأ اليهود يُنظمون حملاتهم إليها بعد وقع الاختيار عليها لتكون وطن قومي لليهود بعد مؤتمر بال بسويسرا عام 1897م، ومن ثَمَّ جدَّ اليهود بكل الوسائل في تحقيق هذا الهدف.
فبعد ظهور أفكار معاداة السامية في أوروبا عام 1896م قام تيودور هرتزل باقتراح حلٍّ للمشكلة في كتابه- دولة اليهود-؛ وذلك بتأسيس وطن قومي لليهود في الأرجنتين أو فلسطين، وفي عام 1897م عقد أول مؤتمر للحركة الصهيونية في سويسرا؛ حيث أصدر برنامج بال في استعمار فلسطين، وتأسيس الحركة الصهيونية العالمية، وفي عام 1902م اقترح هرتزل على السلطان إنشاء جامعة يهودية في القدس، فرفض ذلك، فأرسل له هرتزل رسالةً يعرض عليه قرضًا من يهود يبلغ 20 مليون جنيه إسترليني، مقابل تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ومنح اليهود قطعة أرض يُقيمون عليها حكمًا ذاتيًا، ورفض السلطان عبد الحميد ذلك بشدة.
وبعد انتصار القوات البريطانية على الدولة العثمانية، اتفقت فرنسا وبريطانيا على تقسيم المنطقة العربية إلى مناطق سيطرة فيما عُرف عام 1916م باتفاقية سايكس بيكو، فوُضِعت لبنان وسوريا تحت السيطرة الفرنسية، والأردن والعراق ومصر تحت سيطرة بريطانيا، على أن تبقى فلسطين دولية، إلا أن بريطانيا احتلت فلسطين في أكتوبر 1917م، وأعطى بلفور لليهود وعده بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين في 2/11/1917م، وكان عدد اليهود في ذلك الحين لم يتجاوز 56 ألفًا مقابل 644 ألف فلسطيني، أي بنسبة 8% إلى 92% ولم تتعد نسبة الأراضي التي يملكها اليهود 2% من أرض فلسطين.
وصدَّقت عصبة الأمم على مشروع الانتداب البريطاني على فلسطين بتاريخ 27/7/1922م، ووضع موضع التنفيذ في 29/9/1922م؛ مما أدَّى إلى ثورات واضطرابات في فلسطين.
وفي عام 1936م قام الفلسطينيون بإضرابٍ عام وشامل لمدة ستة أشهر نظَّمته اللجنة العربية العليا بقيادة الحاج أمين الحسيني؛ احتجاجًا على مصادرة الأراضي والهجرة اليهودية وانتهى بتدخل ملوك العرب لحل القضية، فأرسلت بريطانيا لجنةً بقيادة اللورد روبرت لدراسة الوضع وتقديم الحلول، فرفعت تقريرها الذي أكد استحالة قيام كيان مشترك لليهود والعرب، واقترحت تقسيم فلسطين إلى دولتين إحداهما عربية والأخرى يهودية، وتوضع الأماكن المقدسة تحت إدارة دولية، وكانت هذه المرة الأولى التي يُقترح فيها التقسيم.
وفي 13 من سبتمبر 1937م عرض وزير خارجية بريطانيا "إيدن" سياسةً دوليةً إزاء مشروع التقسيم أمام عصبة الأمم، واقترح إرسال لجنة فنية لوضع خطة مفصلة للتقسيم، وإزاء رفض العرب واليهود تقرر تأجيل تنفيذ مشروع التقسيم.
جهود الإخوان
بعد أن خيبت بريطانيا آمال العرب في استقلالهم، وعدت اليهود بتهيئة الظروف أمام زرع الكيان الصهيوني في فلسطين، علم عرب فلسطين أنهم لن يحصلوا على حقوقهم أو بعضها منها إلا بالقوة، فقاموا بعدة ثورات دامية، ومعارك عنيفة مع قوات الاحتلال فاستخدم الإنجليز ضدها أفظع الوسائل لقمعها والتنكيل بمن يؤججون نارها.
وأمام هذه الأساليب الوحشية من البريطانيين أصدر الإخوان كتابًا يصف الحالة من خلال الوقائع وهو كتاب "النار والدمار في فلسطين الشهيدة"؛ حيث تحدَّث الكتاب عن خمسة أساليب يستعملها الإنجليز بوحشية في فلسطين وهي:
1- تعذيب الأحياء.
2- التمثيل بالأموات.
3- انتهاك الأعراض.
4- انتهاك الحرمات الدينية.
5- النسف والتدمير.
وقد أفاض الكتاب في وصف ما يجري في هذه الأساليب، وضرب الأمثلة العديدة بالأسماء والتواريخ تحت كل أسلوب.
لقد رفض الإمام البنا المحاولات التي طُرِحت "للتفاوض" أو "للتقسيم" بدءًا من عام 1936- 1937م حتى عام 1947- 1948م، وكان من أول أسباب الرفض أن كل المحاولات تضمنت دعوة اليهود وعصاباتهم كطرف في القضية، فلقد انطلق الإخوان المسلمون في تعاملهم مع القضية الفلسطينية من حقيقة أساسية جوهرها أن أرض فلسطين هي أرض إسلامية، وقف على المسلمين جميعًا حتى تقوم الساعة، يُحرِّم التنازل عن شبرٍ واحدٍ من ثراها مهما كانت الضغوط، فهي بالتالي أمانة في أعناق أجيال المسلمين، جيلاً بعد جيل حتى يرث الله سبحانه وتعالى الأرض ومَن عليها.. وإن قضية فلسطين هي قضية العالم الإسلامي بأسره، وهي ميزان كرامته ومقياس هيبته وقوته.. كما حدد ذلك الإمام البنا رحمه الله وأقرَّ بذلك جميع الجماعات والهيئات والمؤسسات الإسلامية منذ بدء هذا الصراع.
بدأ اهتمام الإمام حسن البنا بقضية فلسطين بصورة شخصية مبكرًا ومنذ أن كان طالبًا؛ ففي مطلع العشرينيات وهو لم يزل شابًا صغيرًا في كلية دار العلوم نشر في مجلة الفتح التي كان يصدرها الشيخ محب الدين الخطيب مقالاً ينبه فيه إلى الخطر الصهيوني على فلسطين، وفي السنة التي تخرَّج فيها في كلية دار العلوم بالقاهرة وكان عمره لا يتجاوز 21 سنة، وقبل عام من تأسيس جماعة الإخوان المسلمين أرسل رسالةً إلى مفتي القدس الحاج أمين الحسيني يُبدي فيها رغبته لمساندته ودعم الجهاد، ولم يكتفِ بالكتابة والتنبيه فحسب، بل مع استمراره على ذلك بدأ يُنسِّق ويتعاون مع المجاهدين، وذكر هذا كله الحاج أمين الحسيني في رثائه للبنا بعد استشهاده قائلاً: "لقد عرفته للمرة الأولى يوم أن أرسل لي برسالةٍ رقيقةٍ يُبدي فيها اهتمامه بقضية فلسطين سنة 1927م".
كان الإمام الشهيد يتابع كل ما يحدث في فلسطين بدقة، فعندما أعلن سماحة السيد أمين الحسيني مفتي فلسطين عن عقد المؤتمر الإسلامي الأول في بيت المقدس في الفترة من 27 رجب إلى 7 شعبان 1350هـ الموافق 8/12 إلى 18/12/1931م أرسل الإمام الشهيد رسالة إليه تتضمن تصور الإخوان المسلمين لحل القضية ليعرضها على المؤتمر.
بسم الله الرحمن الرحيم
حضرة صاحب السماحة السيد محمد أمين الحسيني مفتي فلسطين الأكبر نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، ونصلي ونسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الذين جاهدوا في الله حق جهاده ومَن تبع هداهم إلى يوم الدين.
وبعد.. فإن العالم الإسلامي كله يُقدِّر لكم حسن جهادكم، وسديد رأيكم في الدعوة إلى هذا المؤتمر المبارك، وجمعية الإخوان المسلمين بالقاهرة والمحمودية وشبراخيت وبورسعيد والإسماعيلية بالديار المصرية تقدم لسيادتكم جزيل شكرها وجميل تقديرها، ونرجو التكرم بعرض هذا البيان على هيئة المؤتمر الموقرة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حسن البنا
حضرات السادة المحترمين أعضاء المؤتمر الإسلامي.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
وبعد.. فإن أربعمائة مليون من المسلمين في أنحاء المسكونة يرمقون نتيجة المؤتمر بقلوب تخفق بالأمل والإشفاق، وتنتظر منكم المواقف المشرفة التي ترفع رأس الإسلام والمسلمين، ومن ورائهم أصحاب المطامع يتربصون بالمؤتمر الدوائر ويحيكون له الدسائس.. ولن يتربصوا به إلا إحدى الحسنيين، وسيرد الله أهل الكيد بغيظهم لم ينالوا خيرًا.
أيها السادة أعضاء المؤتمر: يجب أن تقدروا هذا تمام التقدير ويجب أن تثبتوا للأمانة التي أخذتموها على عاتقكم، وهي النظر في خير المسلمين بحكمة وإخلاص، ويجب أن تتصل قلوبكم بقلوب المؤمنين التي تحوطكم وبأرواحهم وبآمالهم التي تحوم حولكم والله من وراء الجميع محيط يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
أيها السادة أعضاء المؤتمر: إن الإخلاصَ أساس النجاح، وأن الله بيده الأمر كله، وأن أسلافكم الكرام لم ينتصروا إلا بقوة إيمانهم وطهارة أرواحهم، وذكاء نفوسهم وإخلاص قلوبهم وعملهم عن عقيدة واقتناع جعلوا كل شيء وقفًا عليهما حتى اختلطت نفوسهم بعقيدتهم، وعقيدتهم بنفوسهم، فكانوا هم الفكرة وكانت الفكرة إياهم فإن كنتم كذلك ففكروا والله يلهمكم الرشد والسداد، واعملوا والله يؤيدكم بالمقدرة والنجاح، وإن كان فيكم مريض القلب معلول الغاية مستور المطامع مجروح الماضي فأخرجوه من بينكم فإنه حاجز للرحمة حائل دون التوفيق، وقد أعلم الله رسوله- صلى الله عليه وسلم- بأن وجود قوم معروفين بسيماهم بين المؤمنين مثبط لهممهم فقال تعالى: ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأوْضَعُوا خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48)﴾ (التوبة).
فابدأوا عملكم أيها السادة الكرام بتصحيحِ الإخلاص وتحقيق النية في العمل يكن صرح عملكم مشيدًا وأثره خالدًا إن شاء الله تعالى، وإن جمعيةَ الإخوان المسلمين تشارككم فيما تقررون وتقاسمكم على البعد عبء ما تحملون، تبعث إليكم بتحيات أعضائها مشفوعةً بالإجلال لأشخاصكم والتقدير لعملكم والإعجاب الكبير لفكرتكم، ولولا أعذار قاهرة، وظروف طارئة لكان من أعضائها بينكم من ينادي بكلمتها ويمثل هيئات إدارتها، وأن ثقتها بكفاءتكم تخفف عنها ألم التخلف مع القاعدين، وقد أعذر الله للمتخلفين إذا نصحوا لله ولرسوله والله غفور رحيم، وهي لذلك تدلي بنصيحتها مجملة في المقترحات الآتية بعد تقديرها لما تستطيعه الأمم الإسلامية من وسائل العمل.
مقترحات جمعية الإخوان المسلمين
أولاً: الدفاع عن فلسطين:
أمر الدفاع عن فلسطين، والمقدسات الإسلامية عامة أمر يهم المسلمين جميعًا ولسنا بصدد استعراض أدوار قضية العدوان والدفاع، فذلك شيء الملم به حضراتكم كل الإلمام، ولكن المهم الآن أن تفكروا في الوسيلة العملية لكفِّ المعتدين وشلِّ حركاتهم في حدودِ السلم والقوانين.
لقد علمنا أن الخطبَ والاحتجاجات لا تُجدي ولا تسمع، وترى الجمعية أن من واجب المؤتمرين أن يعالجوا:
1- مسألة شراء الأرض بفلسطين:
إن اليهود يحاربون الفكرة الإسلامية بذهبهم، وإذا تمكَّنوا من شراء أرض فلسطين صار لهم حق الملكية فقوي مركزهم وزاد عددهم، وبتوالي الأيام تأخذ المسألة شكلاً آخر، وقد نظَّم اليهود هذه الحركة وجعلوا لها صندوقًا خاصًا يجمعون فيه الاكتتابات، لهذه الغاية.
فحبذا لو وفق المؤتمر إلى إيجاد نواة لصندوق مالي إسلامي، أو شركة لشراء أرض فلسطين المستغنى عنها، وتنظيم رأس المال وطريق جمع الاكتتابات وسهوم هذه الشركة .. إلخ.
والجمعية تكتتب مبدئيًّا في هذه الفكرة بخمسة جنيهات مصرية ترسلها إذا قرر المؤتمر ذلك على أن تتوالى بعدها الاكتتابات، ولا يضحك حضراتكم هذا التبرع الضئيل فالجمعية تُقدِّر الفكرة، وتعلم أنها تحتاج إلى الآلاف من الجنيهات ولكنها جرأت على ذلك إظهارًا لشدة الرغبة في إبراز الفكرة من حيز القول إلى حيز العمل.
2- تأليف اللجان في كل البلاد الإسلامية للدفاع عن المقدسات:
كذلك تقترح الجمعية أن يعالج المؤتمر موضوع تأسيس لجان فرعية لجمعية رئيسية مركزها القدس أو مكة وغايتها الدفاع عن المقدسات الإسلامية في كل أنحاء الأرض، وتكون هذه اللجان الفرعية كلها مرتبطة تمام الارتباط بالمركز العام.
ثانيًا: لنشر الثقافة الإسلامية:
المسلمون الآن فوضى في ثقافتهم، وهذه الفوضى في الثقافة تؤدي إلى فوضى فكرية وتباين في العقائد والأفكار والمشارب والأخلاق، فإذا دام الحال فسيأتي يوم يتنكر فيه المسلم للمسلم من التنافر والتناكر فلا يفهم أحدهما الآخر، واعتبر ذلك بما تراه بين أبناء المعاهد التي تربي أبناءها تربيةً دينيةً والتي تربي أبناءها تربيةً يُسمونها علمانيةً في البلد الواحد.
فليفكر المؤتمرون في الوسائل التي تؤدي إلى توحيد الثقافة الإسلامية وتقريب مسافة الخلف بين أنواعها، وجعلها مؤسسة على الفكرة الإسلامية ونصيرة لها شاملة للتوفيق بين هذه الفكرة وبين الأفكار الحديثة، وترى جمعية الإخوان أن من الوسائل إلى هذه الغاية:
1- إنشاء جامعة فلسطين: على نحو كلية عليكرة بالهند تجمع بين العلوم العصرية، والعلوم الدينية وترفرف عليها روح الإسلام وتصطبغ بصبغته من احتوائها على الكليات العلمانية والآداب والسياسة والقانون والتجارة والاقتصاد والطب والفلسفة وغير ذلك.
2- إنشاء جامعة أخرى: بمكة على هذا النحو حتى ينجح مشروع جامعة القدس إن شاء الله تعالى.
3- نداء علماء المسلمين: أن يؤلفوا لجانًا فنية لتهذيب الكتب الإسلامية القديمة وتصنيف كتب جديدة تفي بحالة العصر الجديد مع التفكير في مناهج التعليم بأنواعه.
4- نداء أغنياء المسلمين للاكتتاب: في صحيفة عامة يومية إسلامية تصدر في القاهرة ويكون لها مثيلات في الحواضر الإسلامية، تحمل فكرة القادة الإسلامية إلى الشعوب فإن الصحافة الشرقية تقف من الشئون الإسلامية موقفًا لا يرتاح إليه الضمير.
5- العناية بالوعظ والإرشاد: والتفكير في أنجع الوسائل لتخريج الوعاظ، وترى الجمعية أن من أهم الوسائل تربية الوعاظ تربية دينية عملية تكون أشبه بتربية الصوفية المحققين في الجمع بين العلم والعمل، ويكون ذلك بالسعي لدى أولي الأمر في الأقطار الإسلامية لافتتاح أقساط الوعظ وتعديل مناهجه تعديلاً صالحًا.
ثالثًا: لربط الشعوب الشرقية:
لا سلاح للشرق يرهب غاصبيه إلا الاتحاد والتكاتف، وقد أدركت أمم المطامع ذلك، فهي دائمًا تحول دون هذه الوحدة بمختلف الوسائل إما بتسميتها تعصبًا أو بإفهام البسطاء أنها تنافي الوطنية والقومية وإما بمغالطة الناس بأنها فكرة عتيقة يجب التبرؤ منها .. وكل ذلك غير صحيح فهذه أوروبا تنادي بالوحدة وتنشرها بين أممها، وعصبة الأمم صورة مصغرة لذلك ولم يقل أحد في الدنيا إن التفكك والانقسام أفضل من الوحدة والوئام، ولكنها مطامع وأهواء تُلبس الأمر غير حقيقته.
فالوحدة ضرورية لحياة الشرق ضرورة الهواء والماء والغذاء لحياة الشخص، وترى الجمعية أن من الوسائل التي تؤدي إلى ذلك:
1- تقوية رابطة التعارف بين المؤتمرين أنفسهم.
2- تأليف لجان لهذا التعارف في كل بلد فيه أجناس مختلفة من الشرقيين كالقاهرة وبغداد وغيرهما.
3- دعوة زعماء الشعوب الشرقية إلى طرح المطامع وتقدير الموقف الدقيق الذي يحيط بهم في هذه الأيام.
للدفاع عن العقيدة الإسلامية: إن أعداء الإسلام من الملاحدة عقائده وإدخال الشكوك على أبنائه والمبشرين يجدون في تشويهه ويبتكرون الوسائل المختلفة لذلك، ومن ورائهم أغنياؤهم يمدونهم بالغي وفي طغيانهم يعمهون.
ومن واجب المؤتمر التفكير في أنجع الوسائل لدفع عدوانهم ودرء خطرهم: وترى الجمعية أن من الوسائل الناجعة لذلك:
1- أن ينشر أعضاء المؤتمر فكرة تأليف الجان التي تتولى تحذير الناس من دسائسهم والرد عليهم بما يكفهم.
2- أن تشجع الجمعيات الإسلامية التي أرصدت نفسها لهذه الغاية.
3- أن يعني الوعاظ بدراسة هذه الناحية ويحذروا الناس منها.
مشروعات إسلامية أخرى:
1- مشروع سكة الحديد الحجازية.
2- مشروع مكتب الاستعلامات الإسلامي.
تقترح الجمعية أن يفكر المؤتمر في إنقاذ سكة الحديد الحجازية من اليد الأجنبية ويعمل على بدء العمل في تنميتها حتى ينتفع المسلمون بها في أقرب فرصة ممكنة.
وتقترح كذلك أن يدرس المؤتمر مشروع مكتب الاستعلامات الأوروبي ويوقف الناس على مبلغ الفائدة التي تعود على المسلمين من ورائه ثم تجمع الاكتتابات مبدئيًا له وتؤلف اللجان التي تقوم بأداء هذه المهمة.
وختامًا.. فالمؤتمر الإسلامي خطوة واسعة في طريق الإصلاح المنشود للإسلام والمسلمين ترجو الجمعية أن يكون لها أثرها، وأن يتجدد انعقاد المؤتمر بعد مدة معلومة.
ولتثقوا أيها السادة بأن العالم الإسلامي من ورائكم يجود بالنفس والمال في سبيل إعادة مجد الإسلام ووصول الأمم الإسلامية إلى حقوقها المنقوصة مصداقًا لقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112)﴾ (التوبة).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وقد رد سماحة مفتي فلسطين على الإخوان برسالة قال فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم
حضرات السادة الكرام رئيس وأعضاء جمعية الإخوان المسلمين بالإسماعيلية المحترمين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد.. فقد تلي بيانكم في مكتب المؤتمر الإسلامي العام فكان موضع التقدير والاعتبار، وستهتم اللجنة التنفيذية بما جاء فيه كل الاهتمام، وبهذه المناسبة فإنا نشكر لكم ما تبذلون من جهود لإعلاء كلمة الإسلام، ونأمل أن يكون منكم ومن فروع جمعيتكم الموقرة في الديار المصرية أكبر مساعد على تنفيذ مقررات المؤتمر ومشروعاته الطيبة.
وفي الختام نرجو الله أن يوفقنا وإياكم لخير الإسلام والمسلمين.
رئيس المؤتمر
ولقد بعث الإمام البنا الأستاذ عبد الرحمن الساعاتي والأستاذ محمد أسعد الحكيم إلى سوريا وفلسطين ولبنان لنشر الدعوة وتوضيح الفكرة في بلاد الشام، فكانت أول بعثة للإخوان المسلمين في الأقطار الشقيقة، وكان ذلك في 5 من جمادى الأولى 1354هـ الموافق 5 أغسطس 1935م، وكان في صحبتهما الزعيم التونسي الأستاذ الثعالبي، كما اتصلا في هذه الزيارة أيضًا بسماحة مفتي فلسطين الشيخ أمين الحسيني الذي احتفى بهما ورحب بقدومهما.
وفي الحلقة القادمة نستكمل الجهود العملية مع ثورة 1936م والتي اندلعت بقيادة عز الدين القسام.