الإخوان وبعض القضايا الإنسانية والاجتماعية قبل محنة 1948م
مقدمة
لم تكن جماعة الإخوان المسلمين جماعة دعوية فحسب، أو جمعية خيرية فقط، أو حزبا سياسيا انشغل بالسياسة عن قضايا الشعب، بل كان الإخوان جماعة إسلامية شاملة، فهمت الإسلام بشمولة وولجت جميع مناحي الحياة التي أقرها الدين، فكنت ترى رجال الإخوان في محراب الصلاة عبادا، ووسط الساسة سياسيين يفهمون قضايا أمتهم، وعن المخاطر حائط صد بينها وبين الشعب. ورغم ما تعرضوا له من محن على أيدي السلطة الحاكمة إلا ان قضايا مجتمعهم ظلت على رأس أولوياتهم.
وفي هذه الحقية التاريخية التي سبقت المحنة الكبرى للجماعة من عام 1945م حتى عام 1948م كان للإخوان دور في الدفاع عن قضايا المظلومين والمقهورين الذي نسيتهم الأحزاب كما نسيتهم حكومتهم، ففضح الإخوان تقاعس الحكومة عن اهتمامها برعاياها، وبيس ذلك فحسب، بل حملوا على عاتقهم معاونة الناس قدر استطاعتهم، حيث ظل هذا الأمر ديدنهم في كل وقت وفي كل مكان.
ومن هذه القضايا التي اهتموا بها:
قضية الفقر
فى الوقت التى انشغلت فيه الحكومة بتوفير سبل الراحة للأغنياء وتسخير موارد الدولة لمصالحهم تناست فيه سواد وعموم الشعب المصرى الفقير، وتجاهلت مصالحه، فقد كشف الإخوان للحكومة والمجتمع ما يحدث فى حوش أيوب بك والذى يقطنه كثير من الفقراء دون موارد أو خدمات صحية أو بيوت، تظلهم من الحر أو تحميهم من البرد وهذا الحوش يبعد عن ميدان السيدة زينب بعدة أمتار
لكن الفرق كبير حيث العمارات الضخمة والمنشآت الحكومية القريبة من الميدان على العكس من الجانب الآخر فتوجد مساكن أشبه بالقبور يعيش فيها الناس، ولقد عملت مجلة الإخوان على نشر صور الأهالى والمكان ليكون دافعا للحكومة للاهتمام بهم والعناية بخدمتهم، كما ناشدوا رئيس المجلس الأعلى لمكافحة الجهل والقوة والمرض وأعضاء مجلس النواب والشيوخ العناية بهؤلاء الفقراء. (1)
وظل كتاب الإخوان يكتبون عن هذه المحنة في صحفهم فتحت عنوان " نهاية شقاء" وضح الكاتب خلال هذا المقال الآثار المترتبة على الفقر، سواء من ظهور الجرائم وضياع الأعراض وانتهاك الحرمات واستغلال الغنى للفقير تحت ضغط الفقر، مما قد ينتج عنه الحقد والحسد وتكوين دوافع الانتقام أو إرتكاب الجرائم.
كما ناشد الإخوان الحكومة (كانت حكومة صدقي والنقراشي في هذه الفترة) والأغنياء برعاية الفقراء واخراج زكاة اموالهم ومحاولة إيجاد السبل العملية للقضاء على هذه الظاهرة والتى تؤدى إلى زعزعة أمن وإستقرار المجتمع وحتى لا يدفع أيضا الفقراء الثمن من حياتهم. (2)
قضية التشرد
الحقيقة إن ظاهرة أطفال الشوارع والتشرد تكتسب أهميه خاصة بوصفها تعكس خللا واضحا في أجهزة وأساليب التنشئة من خلال مؤسساتها المختلفة، كما تعكس بكل واقعية مشاكل عدم التكيف الاجتماعي والنفسي ومشاكل الأسرة والبيئة.
وفي مصر لم يقتصر التشرد على الأطفال وحسب بل وجدت أيضا الشيخوخة المتشردة – وهم الذين لا يستطعون العمل ولا يقدرون على السعى أو الإنفاق على أنفسهم، وليس لهم مأوى أو مورد يتقزتون منه.
فاعطى الإخوان هذا الأمر أهمية مطالبين بالعناية بكبار السن وتقديم الخدمات والعناية في أخر حياتهم وعدم تركهم أو اهمالهم وتشردهم ولذا كتبت المجلة تحت عنوان "الشيخوخة المشردة" تبين طبيعة حياتهم وظروف معيشتهم.
وحذرت من اهمال هؤلاء أكثر من غيرهم لتعرضهم للأمراض التى لا يستطعون الإنفاق على علاجها فتراهم ملقون على الأرض صرعى المرض وقد بلغ بهم درجة خطيرة وكاد يقضي عليهم، وهؤلاء محتاجون إلى العطف والعناية والرحمة.
كما حذر الإخوان من خطورة انتشار هذه ظاهرة أطفال الشوارع والتى تؤدى إلى وقوع هؤلاء الأطفال المشردين فى يد بعض المجرمين الذين يدربونهم على احتراف الإجرام وتنفيذ مطالبهم وخططهم الاجرامية، هذا غير احترافهم النشل والتسول، ومن ثم طالب الإخوان الحكومة برعايتهم وبناء الملاجىء التى تؤيهم.
فتحت عنوان " أبناء الشوراع وكيف يعيشون" كتبت مجلة الإخوان الأسبوعية أن أعداد المتشردين من أبناء الشوراع يزدادون كل يوم بسبب قسوة الحياة والمجتمع عليهم فتراهم يعيشون عيشة الحيوانات فى الشوارع لا يجدون ما يحميهم من الحر أو يستر جسدهم أو يرد عنهم البر القارص هذا غير تعرضهم لمطاردة البوليس، وطالب صاحب المقال الحكومة بإنقاذهم وتحسين حالهم.
كما أن المجلة هاجمت الآباء الذين يدفعون بأبناءهم إلى التشرد بالرغم من كون هؤلاء الآباء يجلسون عاطلون على المقاهى ويسخرون أبنائهم فى بيع ورق اليانصيب تحت التهديد بل وإنزال العقاب بهم، وتسألت المجلة لماذا أنشئت وزارة الشئون الاجتماعية مادامت لم تقم بدورها فى حماية الأطفال المتشردين. (3)
وفى عموده بعنوان "فى الطريق" كتب الأستاذ عبد الحليم الوشاحى تحت عنوان "الطفولة المشردة" يقول:
- "أهؤلاء الأطفال الذين يتزاحمون على أفاريز الشوارع وزوايا الطرق وينتقلون من ترام لآخر يلبسون الأسمال ويستترون بالخرق التى تظهر ما خفى من أجسامهم الهزيلة، هؤلاء الأطفال يطوفون طول النهار وأكثر الليل على المقاهى والحانات لعلهم يجدون ما يسد رمقهم
- من هؤلاء تكونت عصابات النشل بعد أن وقع هؤلاء المساكين تحت رحمة رؤساء العصابات فيطلقونهم على وسائل النقل المزدحمة فيسلبون الأموال، فهؤلاء الصبية هم الذين يستخدمون فى توزيع المخدرات على مدمينها، هذا غير نبذ الطبقة الغنية لهم، فمن لهؤلاء؟" (4)
دفع الظلم عن الموظفين والعمال والفلاح
دافع الإخوان عن صغار الموظفين والعمال، وعملوا على رفع الظلم عنهم، فتحت عنوان " غريق الدموع" دافع الإخوان عن مشاكل الفلاح، والحياة البائسة التى يحيها، فالكل يتكلم عن مشاكل الفلاح ويخطب وده لكن وقت منفعة يرغبها ولا تحل مشاكله. ولذا طالب الإخوان المسئولين بالعناية بالفلاح وناشدت المجلة الأغنياء برعايتهم قائلة: " ياقوم إن الفلاح يموت ويشقى من أجلكم فهيئوا له ما يحييه حياة سعيدة وأنقذوه من حياته التعسة فهو ينشأ على الجهل ويتربى على الفقر ويعيش على الأمراض".
قضايا الفلاح
كانت قضية الفلاح وهمومه شغل الإخوان فى الدفاع عنه وعن حقوقه عبر صفحات مجلة الإخوان، ففى العدد 123 كتبت تحت عنوان " هؤلاء – متى يتحررون" وفى العدد 125 كتبت تحت عنوان "العدالة الاجتماعية" تطالب بانصاف هؤلاء.
كما تبنى الإخوان قضية كفر البرامون، وما حدث فيها من إضطهاد من أصحاب الأملاك ضد الفلاحين البؤساء حتى أنهم قدموا شهيدا من إخوان القرية لدفاعه عن الفلاحين وقضاياهم، حتى أن بعض العائلات الغنية تربصوا له وقتلوه لدفاعهم عن قضايا الفلاح. (5)
كما أخذ الإخوان على عاتقهم قضية كفر بداوى وما يحدث فيه من اضطهاد العمدة لأهالى الكفر، حيث يعتبر أن أرض القرية اقطاع له ولأبناءه، وطالب الإخوان من مدير الأقليم التدخل لرفع الظلم عن الأهالى، لكنه لم يفعل شىء، وازداد بطش العمدة ضد الأبرياء حتى أنه أغلق المسجد ومنع صلاة الجمعة فيها بالإستعانة بالأمن. ونشرت المجلة صورة البرقية التى رفعها الأهالى إلى كبير الأمناء
والتى جاء فيها:
- نرجو أن ترفعوا إلى مقام مولانا صاحب الجلالة أن رعاياه من كفر بدواى مركز المنصورة يسلمون الخسف وترتكب ضدهم حوداث تعذيب شنيعة دونها حوداث خطاب المعروفة فالمدير ووكيله والحكمدار والمأمور كلهم فى خدمة العمدة لأنه ابن عبد الجليل سمرة باشا
- ففتشت منازلنا وأغلقت دورنا وضربنا وهددنا من رجال الإدارة وتشتيت الموظفين منا فى كل بقاع كل هذا إرضاء لابن العمدة الباشا ولقد تظلمنا للمديرية وللنيابة دون جدوى نرجو التحقيق بمعرفة هيئة محايدة، وقد تظلمنا للديوان قبل ذلك. فإلى من نهرع ان لم ينصفنا الفاروق حفظه الله. إبراهيم حسن إبراهيم. (6)
قضايا العمال
كما تبنى الإخوان مشاكل العمال ودافعوا عن قضيتهم وطالبوا بإنصافهم وتحسين أجورهم وتحديد ساعات عملهم والعناية بهم فى أمراضهم وفتح أبواب العمل أمامهم، وطالبوا الحكومة بعدم التخاذل فى نصرة العمال.
وكتب محمد فتحى عثمان تحت عنوان " خطاب مفتوح" يشكر الأستاذ مختار عبد العليم وكيل مكتب إدارى إخوان الإسكندرية على جهوده فى احتضان قضايا العمال والدفاع عنهم فى دور القضاء، والاتصال بنقابات العمال والتفاهم معهم ونشر قضايا العمال عبر الصحف. (7)
قضايا الموظفين
كما وجه الإخوان جهودهم لكل الموظفين فى المجتمع من مهندسين وأطباء ومدرسين وموظفين وضباط بوليس وغيرهم وناصروا قضاياهم ومطالبهم وحاولوا رفع الظلم الواقع عليهم، فتحت عنوان "الموظفون والغلاء" كتبت المجلة تطالب ولاة الأمور برعاية شئون الموظفين لمواجهة الغلاء.
ولم يقتصر الأمر على ذلك بل ألف الإخوان قسم الموظفين بالمركز العام للإخوان من بين أعضائه لجنة لمكافحة الغلاء برئاسة الأستاذ صالح قدور ويعاونه سكرتير وأعضاء داخل هذه اللجنة، وكانت مهمة هذه اللجنة العمل على خفض أسعار السلع الضرورية والتي يحتاجها الفقراء وصغار الموظفين والتي لا يستطيعون الحصول عليها إلا بشق الأنفس.
وفى هذا الصدد اجتمعت لجنة مكافحة الغلاء بمقرها بالمركز العام للإخوان المسلمين وتدراست المقترحات التى تقدم بها الأعضاء تم تقرر إرسال برقيتين لديوان جلالة الملك ولمعالى وزير التجارة جاء فيهما:
سعادة رئيس الديوان الملكى بالنيابة .. قصر عابدين بمصر.
لجنة مكافحة الغلاء بالمركز العام للإخوان المسلمين تهرع إلى ساحة المليك ليرشد بسامى توجيهاته حكومة جلالته لتعمل جهدها للحد من جشع التجار وتقف فى وجه هذا الغلاء المصطنع الذى ينوء بحمله الموظفون وذوو الدخل المحدود.
معالى وزير التجارة بمصر..
لجنة مكافحة الغلاء بالمركز العام للإخوان المسلمين تتبع باهتمام جهود معاليكم للحد من جشع التجار وتنظيم السوق التى أفلت زمامها -أو كاد- من يد الحكومة وتسأل الله لكم التوفيق فى مهمتكم وترجو أن يظهر أثر هذه الجهود سريعا ليتمكن الموظفون وذوو الدخل المحدود من مسايرة هذه الضائقة الشديدة، وقد حددت اللجنة يوم السبت من كل أسبوع الساعة السابعة مساءا للاجتماع للنظر فى الخطوات العملية التى يمكن اتباعها للحد من الغلاء، وأعلنت أنها ترحب بالمقترحات التى تعينها على أداء مهمتها.
وقد رد وزير التجارة والصناعة على البرقية التى أرسلتها إليه اللجنة – طالبهم فيها بالبدء فورا فى إتخاذ التدابير العاجلة بدلا من إلقاء الأمر بين أيدى اللجان الكثيرة الموجودة في الحكومة. (8)
كما شاركت المجلة المعاناة التى يعيشها العمال فى مصانعهم، وأخذت تفضح عبر الصفحات ما يمارس من ظلم ضد العمال، ففى شركة سوكونى ماكوم فضحت المجلة ما قام به رؤساء الأقسام الأجانب ضد عمال الشركة أثناء رغبتهم في اجراء تصويت للانضمام إلى النقابة، فقد مارسوا كل وسائل الإرهاب ضد العمال، وقاموا بإجراء انتخابات صورية أثناء وقت العمل لتكون تحت سيطرة رؤساء الأقسام، والتصويت ضد الإنضمام إلى النقابة. (9)
الموظفين المنسين
كما تبنت المجلة قضية الموظفين المنسين الذين تركوا عشرات السنين فى درجاتهم دون النظر إليهم بسبب فساد الحكومات والمحسوبية لأنصارهم وذلك لحساب بعض الموظفين أصحاب القرب والذي تربطهم علاقات ومحسوبيات بكبار رجال الوزارة، ولذا ناشدت المجلة المسئولين بالنظر فى درجات ترقياتهم والمساواة بينهم وبين زملائهم. (10)
حيث كان من المعروف في هذه الفترة انتشار المحسوبية في الوظائف فإذا قدمت حكومة جديدة أقالت الموظفين الذين تم تعينهم في الحكومة السابقة أو تجميد ترقيتهم وذلك لحساب أنصارهم حيث ضاعت كثيرا من الجهود.
المراجع
- مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية: العدد 99، السنة الرابعة، 21 جماد أول 1365هـ، 23 أبريل 1946م، صـ12.
- مجلة الإخوان المسلمون: العدد 219، السنة السادسة، 27 ذو الحجة 1367هـ، 30 أكتوبر 1948م، صـ14.
- مجلة الإخوان المسلمون: العدد 129 السنة الرابعة، 13 محرم 1366هـ، 7 ديسمبر 1946م، صـ20.
- مجلة الإخوان المسلمون: العدد 154، السنة الخامسة، 11 رجب 1366هـ، 31 مايو 1947م صـ6.
- مجلة الإخوان المسلمون: العدد 190، السنة السادسة، 2 جماد أول 1367هـ، 13 مارس 1948م، صـ9.
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية: العدد 299، السنة الأولى، 3 جماد ثان 1366هـ، 24 أبريل 1947م، صـ3.
- مجلة الإخوان المسلمون: العدد 192، السنة السادسة، 16 جماد أول 1367هـ، 27 مارس 1948م، صـ8.
- جريدة الإخوان اليومية: العدد 160، السنة الأولى، 18 ذو الحجة 1365هـ، 12 نوفمبر 1946م، صـ2.
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية: العدد 546، السنة الثانية، 30 ربيع أول 1367هـ، 10 فبراير 1948م، صـ4.
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية: العدد 338، السنة الثانية، 20 رجب 1366هـ، 9 يونيو 1947م، صـ4.