الأحزاب الصغيرة والنظام الحزبى فى مصر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الأحزاب الصغيرة والنظام الحزبى فى مصر


مقدمة

تربط الكثير من أدبيات النظم السياسية والتحديث السياسى من ناحية , والتعددية الحزبية من ناحية أخرى . وفى حين نشأت بعض الأحزاب السياسية نشأة برلمانية وذلك كتعبير عن اتجاهات وتيارات نمت داخل البرلمانات , فقد نشأ بعضها الآخر خارج البرلمان , كتعبير عن سياسة راديكالية وأيدلوجية , علمانية منها أو دينية .

أما فى مصر , فكان حال الأحزاب كحالها فى معظم البلدان النامية , بمعنى أنها تأسست أولا , وراحت – فى غالبيتها – تبحث عن تأييد الآخرين , أى أنها نشأت نشأة معاكسة بشكل كامل لنشأة مثيلاتها فى الغرب ,الأمر الذى جعلها أحزاب تفتقر لتأييد تيارات واتجاهات شعبية بعينها . وليس أدل على ذلك من نشأتها بقرار من القيادة السياسية , التى قامت بتحويل المنابر الثلاثة ( الوسط fى , يمتلك فرضها من يمتلكون النفوذ والقوة .

وواقع الأمر , ان كافة هذه الأمور تحتاج الى اصلاح حزبى هيكلى . واذا كان قد ذكر من قبل ضرورة تأخر الاصلاح السياسى الى حين الانتهاء من الاصلاح الاقتصادى , الا أنه يشار بالمقابل الى أن هذا الحديث قد تجاوزته الظروف المحيطة بالواقع المصرى . فالاصلاح الاقتصادى سار منذ بداية التجربة الحزبية الثالثة عام 1976 بخطى متسارعة , فعقب الانفتاح الاقتصادى الذى سبق تلك التجربة عام 1974 , انطلق القطاع الخاص نحو الاستثمار فى معظم المجالات , ثم بدأت مرحلة التثبيت الاقتصادى منذ عام 1991 , والتى واكبها تحرير سعر الصرف وبدء برنامج الخصخصة فى الممتلكات التابعة للمحليات , ثم بدأت منذ عام 1995 مرحلة اعادة الهيكلة , ومن ثم الخصخصة الكاملة لقطاعات واسعة من المؤسسات والهيئات العامة . وعلى هذا الأساس , أصبح من المتاح حاليا طرق أبواب الاصلاح السياسى ( ومن ضمنه الحزبى ) بقوة .

ومما لا شك فيه , أن هناك وسيلتين أساسيتين للاصلاح القانونى , والاصلاح الثقافى . فبالنسبة للاصلاح القانونى , فهو أسهل الطرق لتحقيق الاصلاح , وهو يرمى الى تغيير النصوص , وهو يتوقف على ارادة المشرع الدستورى والقانونى فى تحقيق الاصلاح بعد دراسة الهدف منه , أما الوسيلة الثانية , فهى الاصلاح الثقافى , وهو يحتاج الى وقت طويل , ويعنى تغيير جملة المفاهيم والمبادىء والقيم المستقرة فى ذهن المواطن والراسخة عبر زمن طويل , حول عملية الاصلاح . وفى هذا الصدد يرتبط الاصلاح بمجالات عديدة . منها أخلاقيات الفرد فى علاقته بغيره وبالممتلكات العامة , أى سلوك المواطنين فى الدولة .

ويحتاج منطق الاصلاح الثقافى الى تضافر جهود كافة مؤسسات التنشئة الاجتماعية بدءا من الأسرة ومرورا بامدرسة , وانتهاء بوسائل الاعلام ودور العبادة والأحزاب السياسية .

وتتناول الدراسة موضوع هذا الكتاب , حال قطاع محدد من الاحزاب السياسية فى مصر , وهى الاحزاب الصغيرة تحديدا . وقد عقدت من أجل هذا الموضوع ندوة نظمها مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام , بالتعاون مع مؤسسة كونراد أديناور وذلك يوم 23-24 مارس . وتتناول تلك الدراسة , التى نقحت بعد سماع التعقيبات والمداخلات التى قام بها الباحثون وقادة الرأى والنخبة الحزبية فى مصر , ثمانية موضوعات , تطرقت الى محاولة وضع نموذج نظرى لدراسة الاحزاب السياسية فى البلدان النامية , وقامت تلك الدراسة بدراسة حالة مصر , ثم كان التطرق الى الاحزاب الصغيرة , والازمات الداخلية وكيف تعامل القضاء مع تلك المسألة , وعلاقة الاحزاب الصغيرة بالاحزاب والقوى السياسية الاخرى فى مصر , ثم تختتم تلك الدراسة , بمحاولة وضع تصور عام لنظام حزبى جديد فى مصر .

القسم الأول :نحو نموذج نظرى لمفهوم الاحزاب الصغيرة ( الحالية المصرية )

تعد الاحزاب السياسية احدى أهم وسائل التنمية السياسية , فكما تعتبر المصانع والآلات وتصنيع واستخدام التكنولوجيا وغيرها , وسيلة من وسائل التحديث الاقتصادى , تعتبر الاحزاب السياسية من وسائل التحديث السياسى .

ويتناول هذا القسم الافتتاحى من دراسة الاحزاب السياسية المصرية الصغيرة , التقسيمات المختلفة للنظم الحزبية وموقع الاحزاب الصغيرة فيها , ووظائف الاحزاب فى النظم السياسية للاستدلال من خلالها على مدى تحقيق الاحزاب السياسية الصغيرة تلك الوظائف فى هذه النظم السياسية , والاحزاب الصغيرة فى النظام السياسى المصرى .

وينوه هذا القسم الاستهلالى من الدراسة بداية , الى أن لفظ صغيرة نعتا لبعض الاحزاب السياسية , هو اللفظ الأكثر تعبيرا عما تعنيه الدراسة , وذلك بين ألفاظ أخرى أكثر انتشارا مثل أحزاب أقلية أو أحزاب جديدة أو حديثة . فحزب الأقلية , هو لفظ يشير الى موقع الحزب من السلطة التنفيذية فى الدولة , فان كان ضمنها فهو يشير الى موقع الحزب من السلطة التنفيذية فى الدولة , فان كان ضمنها فهو " حزب الأكثرية " وان كان خارجها فهو من أحزاب الأقلية , وهذه الأحزاب الأخيرة منها ما هو أحزاب صغيرة ومنها ما هو أحزاب كبيرة . أما لفظة جديدة أو حديثة , فهى تشير الى أسلوب العمل من حيث كونه تقليديا أو غير تقليدى , والمعروف أن هذا الأمر لا يرتبط بالضرورة بتحديد ما اذا كان الحزب صغيرا أم كبيرا .

أولا :التقسيمات المختلفة للنظم الحزبية

عددت الأدبيات المهتمة بالنظم السياسية المقارنة عامة , والتنمية خاصة , تقسيمات عديدة للنظم الحزبية , وقد تضمن بعض تلك التقسيمات موقع الاحزاب الصغيرة فى النظم السياسية .

فبداية ترتبط تقسيمات النظم الحزبية بطبيعة النظام السياسى القائم , من حيث كونه ديمقراطيا أو شموليا أو سلطويا .

ففى النظام الديمقراطى , تكون هناك حرية كاملة لتشكيل الاحزاب السياسية على الأقل من الناحية النظرية . حيث تدخل تلك الاحزاب فى شبكة من العلاقات السياسية المتشعبة تحدد لها سلوكيتها , وأهم عناصر تلك الشبكة ايدلوجية الحزب وتنظيمه وتماسكه .

وفى هذا النظام تنتشر الاحزاب الصغيرة والكبيرة على السواء , حتى لو كان النظام السياسى قائما على وجود حزبين كبيرين فقط , حيث تنمو بجواره أحزاب صغيرة محدودة للغاية , كما يتضح فى النموذجين البريطانى والأمريكى .

وفى النظام الشمولى , يسعى الحزب السياسى لممارسة دوره فى ظل الوضع العام القائم عادة على واحدية التنظيم السياسى , حيث يسود نظام الحزب الواحد ( من الناحية الرسمية أو الناحية الفعلية ) , وتعد قيم المسواة وحرية الرأى والتعبير واستقلال السلطة القضائية مجرد شعارات .

ومن ثم تصبح عمليات النقد السياسى فى هذا الصدد , حزءا من المعارضة من داخل التنظيم السياسى , فكل شىء يخضع لما يقننه هذا التنظيم على السلطة , بل ان اعضاء من داخل التنظيم السياسى , فكل شىء يخضع لما يقننه هذا التنظيم على السلطة , بل ان اعضاء تلك السلطة جميعهم أو غالبيتهم من المنتمين الى هذا الحزب .

وبطبيعة الحال , فانه يختفى فى هذا النوع من النظم الاحزاب السياسية الاخرى , سواء كانت كبيرة أو صغيرة .

وحتى بالنسبة للنظم السياسية التى تحولت حديثا للتعددية السياسية , فان الميراث السياسى الشمولى لا زال يشكل أثرا سلبيا على الأداء والممارسة الحزبية .

صحيح ان هناك أحزابا كثيرة ومتعددة الاطياف , الا ان جميعها أو بعضها يتسم بالضعف والهزال الشديدين .

وغالبا ما يكون فى هذه النظم المتحولة حديثا , حزب مهيمن على ساحة العمل الحزبى , الى جانب أحزاب أخرى صغيرة بعضها قوى وبعضها ضعيف .أما النظام السلطوى , فلا توجد أحزاب سياسية على وجه الاطلاق , سواء كانت كبيرة أو صغيرة , وربما يتعرض من يجهر بحتمية وجود الاحزاب السياسية خاصة والرأى الاخر عامة للنفى والاستبعاد .

وبعد ذلك نتيجة منطقية لوضع النظام السياسى ككل , حيث يعتمد النظام السلطوى على حكم الفرد .

وحتى مع التحول الديمقراطى الذى حدث فى بعض الدول , والذى وقع أيضا كما سبق ذكره فى بعض النظم الشمولية ذات التنظيم السياسى الواحد فى السنوات الاخيرة من القرن الماضى , فقد اتسمت الخريطة الحزبية فى هذه الدول بعدم القدرة على ممارسة الاحزاب لانشطتها , اذ ان جميع الاحزاب التى بزغت نتيجة هذا التحول اتسمت بالصغر ومحدودية الفاعلية , باستثناء الاحزاب الحاكمة التى اعتمد معظمها على التنظيم الادارى فى الدولة .

وتتباين تقسيمات النظم الحزبية , على أن أبرزها التقسيم الرباعى التقليدى بين نظم حزب واحد ونظم الحزبين الكبيرين , ونظم التعد الحزبى , والنظم اللاحزبية .

ومن خلال النظامين الثانى والثالث توجد الاحزاب الصغيرة . وهناك التقسيم الذى أتى به جيوفانى سارتورى , والذى قسم النظم الحزبية الى أحزاب تنافسية وأحزاب غير تنافسية .

وفق لهذا التقسيم , تنقسم النظم الحزبية الى نظم حزبية تنافسية وأخرى غير تنافسية , وفى حين يعبر النوع الثانى عن غياب التعددية الحزبية , ووجود واحد , الأمر الذى يجعل هناك نوعا من التحفظ على تسمية نظاما حزبيا , فان النوع الأول , ينقسم بدوره الى أربعة نظم , هى نظم تعددية تحمل درجة عالية من الاستقطاب الحزبى ( حالة فرنسا وايطاليا وإسرائيل) , ونظم تعددية معتدلة أو محدودة ( النرويج والدانمرك وبلجيكا ) , ونظم ثنائية حزبية ( بريطانيا والولايات المتحدة ) , ونظم الحزب الغالب .

ولعل المهم فى هذا التقسيم – من وجهة نظر دراسة الاحزاب الصغيرة – النوع الرابع , والذى يشير الى وجود حزب غالب مع أحزاب أخرى معارضة لكنها تضارعه فى القوة .

ويفضل ديفرجية والموند تسمية هذا النوع بالحزب المسيطر , ويقول كل من لابالمومبارا ووينر الحزب بالمهيمن .

ويختلف مفهوم كل من المهيمن والمسيطر عن مفهوم الغالب , فى ان الأول يتسم بنوع من احتكار للسلطة , ووجود أحزاب صغيرة الى جانب الحزب الكبر , والمنطقة العربية خاصة ( ومنها مصر ) , وان كانت تلك المنطقة تتميز بسيادة نماذج أخرى للتفاعل السياسى بين النخبة والجماهير يقبع على رأسه كل من الجيش والبيروقراطية .

ثانيا :وظائف الاحزاب فى النظم السياسية

تتعدد وظائف الاحزاب فى النظم السياسية المختلفة , وقد عددت الأدبيات لتلك الوظائف , التى اشتملت على التجنيد السياسى , والرقابة على السلطة التنفيذية , والوظيفة التنموية , والاندماج القومى , ودعم الشرعية , والتعبئة .

ففيما يتعلق بالتجنيد السياسى عرف سلجمان التجنيد السياسى بأنه عملية اسناد الأدوار السياسية لأفراد جد . وفى حين يعتمد التجنيد فى النظم التقليدية والاتوقراطية بشكل عام على معيار المحسوبية أو الوارثة .. الخ . فان النظم السياسية الأكثر رقيا وتقدما , تكون هناك ميكانزممات أخرى للتجنيد . وتعد الاحزاب السياسية احدى أهم وسائل التجنيد السياسى للنخبة السياسية فى هذه النظم .

فاضافة الى البرلمانات وغيرها من جماعات المصالح وجماعات الضغط , تعتبر الاحزاب السياسية من أهم وسائل التجنيد , نظرا الى أنها الأداة الأقرب الى ممارسة السلطة .

وبطبيعة الحال , فان قيام الاحزاب بأداء وظيفة التجنيد السياسى للنخبة , يتم فى النظم السياسية البرلمانية والرئاسية على السواء , لكنه يتم بشكل أقل فى النظم الرئاسية التقليدية كالولايات المتحدة , حيث لا تشكل الاحزاب السياسية وسيلة من وسائل التحديث السياسى مقارنة بجماعات المصالح فى المجتمع الأمريكى .

فالسلطة فى النظام البرلمانى فهى مستمدة من البرلمان نفسه , الذى تؤلفه الاحزاب السياسية من خلال الانتخابات .

وتعد الاحزاب البرلمانية فى النظام البرلمانى , من الأدوات الرئيسية للتجنيد السياسى , ففى بريطانيا على سبيل المثال , تؤدى تلك الاحزاب دورا مركزيا , وهو أنها منبت صناع القرار التى تستعين بهم الحكومة فى تشكيلها , والناخبون الحقيقيون لاعضاء مجلس الوزراء هم أنفسهم أصحاب المقاعد الخلفية فى البرلمان أما الوظيفة الثانية للاحزاب السياسية فهى الرقابة على أعمال السطة التنفيذية .

فالاحزاب السياسية وهى تسعى الى الوصول الى السلطة تقوم فى سبيل ذلك بالرقابة على أعمال السلطة التنفيذية , وتعد تلك الوظيفة من أقدم الوظائف التى تقوم بها الاحزاب .

وتهدف تلك الوظيفة الى نقد الاحزاب للسلطة التنفيذية والرقابة على الادارة , واسماع السلطة للمطالب العامة , وطرح البدائل والحلول , التى تتوافق مع أفكارها ومبادئها .

ولعل الهدف الرئيسى من الرقابة الحزبية هى وضع القيود والعقبات على السلطة التنفيذية كى لا تنفرد بالحكم وتصبح سلطة مطلقة .

فهى تهدف الى منع تجاوز الادارة فى ممارسة اختصاصتها بشكل شخصى أو حزبى , ومراقبة الأعمال غير المشروعة على السياسات العامة من قبل الحكومات . فالغرض الأساسى من الرقابة هو ملاحقة المقصرين من أركان الحكم ومحاسبتهم فى تنفيذ السياسات , كما أنها تهدف الى متابعة حالة سوء الادارة فى الانفاق العام , وممارسة السلطة التنفيذية لأية أعمال غير مفوضة للقيام بها .

والواقع أن وظيفة الرقابة الحزبية , مهما بلغت من تطور , فان الدور المتزايد للسلطة التنفيذية فى النظم السياسية اليوم , يطغى على تلك الوظيفة .

فالنمو القائم فى دور الاحزاب فى الوقت الراهن يتخذ شكلا دعائيا , مقارنة بالواقع الذى يشير الى استمرار ضعف الاحزاب , الناتج عن نفاد صبر الرأى العام وشكوكه فى السياسات الحزبية خاصة داخل البرلمانات , مع زيادة التعقيد فى الحكومة الحديثة , والتى تستخدم أناسا ذوى خبرات لا يتوافر لدى الكثير من الاحزاب .

من ناحية أخرى هناك وظيفة تنموية تقوم بها الاحزاب , وتتمثل تلك الوظيفة فى قيام الاحزاب بانعاش الحياة السياسية فى المجتمع , الأمر الذى يدعم عملية الديمقراطية , والاتجاه نحو الاصلاح السياسى والتحول اليمقراطى فى العديد من الأنظمة السياسية .

وقد طرحت العديد من الأدبيات المتخصصة فى دراسة الأحزاب السياسية , مسألة نشأة الاحزاب , ورأى بعض منها أنه اضافة الى نشأة الأحزاب نتيجة لظهور مبدأ الانتخاب العام , وكذلك نتيجة وجود البرلمان , نتيجة وجود المنظمات والجمعيات الفكرية والنقابات , فان هناك الكثير منها قد أنشىء من داخل البرلمان , نتيجة وجود الكتل البرلمانية , التى ما لبث أن شكلت نواة لظهور الأحزاب السياسية وقد تعدى الأمر بعد ذلك التنسيق داخل الكتل البرلمانية حول مواقف محددة مطروحة على جدول الأعمال , الى كيان قائم خارج البرلمان أيضا .

وتتحكم الاحزاب السياسية فى أداء البرلمانات , وفى هذا الصدد , يشير " ميزى " الى أنه بدون الاحزاب السياسية , تصبح المؤسسات التشريعية ضعيفة فى مواجهة السلطة التنفيذية .

على أنه يرى وجود علاقة عكسية بين كل من قوة الاحزاب المشاركة فى البرلمان , أو ضعف قوتها بشكل كبير , كلما أدى ذلك الى ضعف أداء البرلمان .

وتتزايد قوة الهيئة التشريعية فى النظم الشياسية ذات الاحزاب السياسية متوسطة القوة , بحيث تكون تلك القوة الحزبية كافية لدعم المؤسسة التشريعية , دون أن تكون قوية لدرجة تقييدها .

ويمكن تطبيق تلك القاعدة على النظم السياسية الغربية وغير الغربية . فالزيادة فى قوة الحزب ليست بالضرورة أمرا صحيا أو مفيدا لليئة التشريعية , فهى تقود الى خفض أدائها .

أما بالنسبة الى دولة الحزب الواحد , فالآرجح أن تكون الهيئة التشريعية بها مطوعة وملحقة بالسلطة التنفيذية , وهو ما يحدث فى النظم السياسية غير الغربية , والتى تعد الاحزاب السياسية بها جزءا من الادوات الجماهيرية للتعبئة , بغرض تحقيق الانجاز فى مرحلة ما بعد الاستقلال . بل ان البرلمانات نفسها قد تكون وسيلة لنشأة تنظيم سياسى واحد .

اضافة الى ذلك , تؤدى الأحزاب السياسية وظيفة الاندماج القومى . ومما لا شك فيه , ان أداء تلك الوظيفة يعد أمرا فى غاية الأهمية , فى الدول متعددة القوميات والأعراق والاثنيات والتقافات والأديان , خاصة تلك التى تحمل ميراثا من انتهاكات حقوق الانسان , وذلك فى غياب الديمقراطية وحرية الرأى والتعبير .

وتتزايد همية دور الاحزاب فى مجال الاندماج القومى فقط فى خضم ضعف الاحزاب السياسية , وكذلك عدم وجود قيادة كارزمية .

وبطبيعة الحال , تتمثل أحد أبرز أدوار الاحزاب السياسية فى أداء تلك الوظيفة , فى دورها فى عملية التحول الديمقراطى , اذ انه فى تلك المرحلة يسود دور الاحزاب السياسية الى جانب دور كل من الحكومات والقيادة الكارزمية والعسكرية فى التفاوض حول عملية التحول الديمقراطى , وكذلك تلعب الاحزاب دورا فى اندماج القوى الاجتماعية والسياسية بالدولة , خاصة بالنسبة للمعارضة المناوئة للنظام القائم .

ويستمر دور الاحزاب بعد عملية التحول الديمقراطى فى أداء وظيفته فى مجال الاندماج , اذ يبقى دورها اجمالا فى دمج اليمين واليسار المتطرف , والقوى الاقتصادية والمصالح المنظمة ( أصحاب الاعمال والعمال ) حيث تتعامل المجموعات الاقتصادية التى تنتمى للنخبة مع المشرعين وقيادات الاحزاب .

أما فيما يتعلق بدعم الشرعية , فان الاحزاب السياسية تساهم فى دعم الشرعية السياسية للنظام السياسى , وخضوعهم له طراعية , لاعتقادهم بأنه يسعى الى تحقيق أهداف الجماعة .

وفى الدول الديمقراطية العريقة , توجد قواعد محددة يعد التمسك بها التزاما بالشرعية . وفى الدول النامية , لا توجد مثل هذه القواعد , مما يضطر تلك الدول للجوء الى التوليف مصادر متعددة للشرعية .

وتلعب معيير الانجاز والفاعلية والدين والكاوزما والتقاليد والايدلوجية , دورا متميزا كمصادر للشرعية فى النظم السياسية المختلفة , على أن الديمقراطية تعد نوعا دون شك المصدر الأقوى للشرعية فى النظم السياسية المتقدمة أو النامية , فان هناك العديد من الوسائل التى تهدف الى دعم ونقل الشرعية , وتلعب الاحزاب ووسائل أخرى عديدة دورا بارزا فى هذا المضمار , وتتميز الاحزاب ,.

بأنها ليست فقط من وسائل دعم ونقل الشرعية , بل انها فى النظم التى ترفع شعار التحول الديمقراطى ةالاصلاح السياسى فى العالم الثالث تكون هى نفسها مصدرا للشرعية . وفى هذا الشأن , فان الحديث عن علاقة الاحزاب بالشرعية .

وفى هذا الشأن , فان الحديث عن علاقة الاحزاب بالشرعية الديمقراطية , يرتبط بأنها مؤسسات لها قيادات يفترض أنها منتخبة من بين أعضائها , وتستمد الحكومات وجودها من تلك الاحزاب , وهذه الشرعية تتدعم عبر نشاط الاحزاب فيما بين الانتخابات البرلمانية , حيث تراقب الاحزاب سياسات الحكومات ازاء المواطنين .

وعندما تكون الاحزاب السياسية ضعيفة وهشة وغير منظمة , ومنقسمة داخليا , فالارجح أنها تقوض النظام السياسى برمته , ومن ثم لا تكون مصدرا لدعم الشرعية فيه .

فهى لا تتفق فيما بينها على القضايا الحيوية والعامة فى المجتمع , كما أنها لا تمد الدولة بحكومات مستقرة .

وفى هذا الصدد , يمكن ملاحظة عدم الاستقرار المؤسسى الذى ضرب الجمهورية الرابعة فى فرنسا , التى ضمنت نحو عشرة أحزاب سياسية , كانت غالبيتها ضعيفة ومنقسمة , مما عجل بانهيار تلك الجمهورية . أما فيما يتعلق بوظيفة الاحزاب السياسية تجاه مسألة التعبئة , فالملاحظ أن النظم السياسية تسعى لتعبئة التأييد لسياستها من خلال المؤسسات السياسية القائمة , وعلى رأس تلك المؤسسات الاحزاب السياسية . وتعنى تلك الوظيفة , وحشد الدعم والتأييد للسياسات الحكومية من قبل المواطنين .

ويربط البعض بين وظيفة التعبئة وشكل النظام السياسى , من حيث كونه ديمقراطيا أو شموليا أو سلطويا , بما يشير الى اهتمام النظم السياسية السلطوية والشمولية بأداء الاحزاب وغيرها لهذه الوظيفة , مقابل عدم اهتمام النظم الديمقراطية بهذه الوظيفة معتمدة فى ذلك على أمرين :

أولهما , الشفافية التى تحكم تقريبا كافة سلوكيات تلك الاحزاب .
ثانيهما : رفض الاحزاب السياسية المعارضة – خاصة القوية منها – لوظيفة التعبئة والحشد لصالح الاحزاب التى فى السلطة .

على أنه رغم كل ذلك , فان الاتجاه العام هو قيام الاحزاب السياسية بغض النظر عن شكل نظام الحكم الكائنة فيه بأداء تلك الوظيفة , خاصة ازاء نشر القيم والمبادىء ذات الوفاق العام .

غاية ما هناك , أن النظم السياسية فى الدول النامية , تتطلع وهى فى مرحلة التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية , لقيام الاحزاب وغيرها من المؤسسات داخل الدولة بلعب دور فاعل بدرجة كبيرة لحشد التأييد لسياستها الداخلية والخارجية .

على هذا الاساس , تعتبر وظيفة التعبئة بطبيعتها , وظيفة أحادية الاتجاه , بمعنى أنها تتم من قبل الحكومات للمواطنين , وليس العكس .

وقد تلعب الاحزاب فى أداء هذه الوظيفة دور الوسيط , بحكم أنها الأكثر التصاقا واتصالا بجمهور الناخبين خاصة والمواطنين عامة , داخل الدوائر الانتخابية .

ولا يشكل نظام الاحزاب السياسية بأداء وظيفة التعبئة , أتباع طرق محددة سلفا لأدائها . وبمعنى آخر , فان وظيفة التعبئة التى تقوم بها الاحزاب , ليست وظيفة مستقلة , اذ قد تكون جزءا من وظائف أخرى تؤديها الاحزاب , كوظيفة التجنيد أو الاندماج القومى وغيرها . ومما لا شك فيه , ان تلك الوظيفة هى وظيفة سياسية للاحزاب , وهى وظيفة غير مكتوبة عادة , وغير منصوص عليها فى الدساتير والقوانين أو البرامج الحزبية .

ومن الناحية العملية , لا توجد أدبيات نظرية أشارت من خلال ما يملكه من معلومات يستطيع أن يمد بها أعضاءه , وتفسير وتبرير الاحداث فى الدوائر الانتخابية , بما يؤدى معه الى قبول سياسة الحكومة .

ثالثا :معنى الاحزاب الصغيرة فى النظم السياسية

تتعدد المعانى والمؤشرات الدالة على كون الحزب السياسى حزبا كبيرا أم حزبا صغيرا , وتتمحور تلك المؤشرات فى ستة أمور تتعلق بتاريخ نشأة الحزب , وايدلوجيته , وتنظيمه , وحجم انتشاره وتواجده , وتمويله , وعضويته فى البرلمان .

تاريخ نشأة الحزب

يعتبر تاريخ نشأة الاحزاب السياسية , أمرا دالا من الناحية النظرية على طبيعة الحزب السياسى الكائن فى النظام السياسى , فاحزب الذى نشأ منذ مدة طويلة , هو أقرب ما يكون الى الحزب صاحب الخبرة الأكبر , والحزب المنظم ذى الشعبية الكبيرة , الضارب فى أعماق المجتمع السياسى الذى نشأ فيه .

والحزب القائم منذ وقت قصير هو حزب أقرب ما يكون الى تنظيم محدود الخبرة وغير مدرب على العمل السياسى والحزبى , ومن ثم فهو حديث التنظيم وذو شعبية محدودة .

ووفقا لهذا الأمر يعتبر الحزب القديم من حيث النشأة هو حزب كبير , والحزب النشأة هو حزب صغير .

ومما لا شك فيه , ان عامل الزمن أو تاريخ النشأة , وان كان عاملا هاما فى تحديد طبيعة الحزب السياسى المعنى بالدراسة , الا انه لا يمكن الاعتماد عليه وحده فى تحديد ما اذا كان الحزب السياسى صغيرا أم كبيرا .

فبداية , أن معيار الزمن نسبى , بالنسبة لدارسى الاحزاب السياسية أو النسبية لطبيعة النظام السياسى , فبالنسبة للدارسين , فالمدة التى تعد كبيرة ( أو صغيرة ) لدى بعض الدارسين للاحزاب السياسية , لا تعتبر كبيرة ( أو صغيرة ) لدى البعض الآخر من هؤلاء .

وبالنسبة لطبيعة النظام السياسى , فان وضع مدة أو زمن محدد لتحديد طبيعة الحزب من حيث كونه كبيرا أم صغيرا فى نظام سياسى ما , سوف يختلف بالتأكيد عما يمكن أن يكون عليه الحالفى نظام سياسى آخر .

من ناحية أخرى , فان بعض الاحزاب السياسية حديثة النشأة قد ظهرت وكانت فى واقع الأمر أحزابا كبيرة منذ وجودها على ساحة العمل الحزبى .

وعلى العكس من ذلك , هناك أحزاب سياسية قديمة من حيث النشأة ولكنها ظلت محدودة الفاعلية على الساحة الحزبية فى النظم السياسية التى نشأت بها .

وأخيرا , فان الاعتماد على معيار تاريخ النشأة للتفرقة بين الحزب الكبير والحزب الصغير , يتعارض مع كون العديد من الاحزاب السياسية الفاعلة والكبيرة فى المجتمع , والتى نشأت حديثا , كانت امتدادا لاحزاب سياسية كبيرة فى حقب تاريخية منصرمة .

ايدلوجية الحزب

يعتبر الكثيرون ان وجود ايدلوجية للحزب السياسى يشكل أحد أهم الامور – ان لم يكن أهمها على الاطلاق – فى تحديد ما اذا كان حزبا سياسيا , هو حزب صغير أو حزب كبير .

ووفقا لهذا المؤشر , فان الاحزاب التى تملك اطارا فكريا وبرنامجا نظريا واطارا مرجعيا محددا , هى فى واقع الامر أحزاب كبيرة .

وهذه الاحزاب تتسم بتمايز برنامجها عن الاحزاب الاخرى فى المجتمع الذى نشأت فيه , لذلك يصعب اندماجها مع الاحزاب الاخرى فى هذا المجتمع .

وتنتشر هذه الاحزاب على وجه الخصوص فى البلدان التى تكثر فيها الصراعات الطبقية , والاستغلال الاقتصادى .

وعلى العكس من ذلك , فان الاحزاب السياسية التى لاتملك فكرا محددا , تفتقر الى أن تكون أحزابا كبيرة وفاعلية فى بيئاتها .

ولعل أبرز الامثلة على هذا النوع من الاحزاب , هو الاحزاب التى تكون مجرد واجهة لأى انتماء أولى , سواء كان قبيلة أو عشيرة , أو جهة , أو دينا , أو لونا , أو عرقا .. الخ .

أو أحزاب الاشخاص أو الكارزما , التى تعتمد على وجود زعيم على رأسها , هو الذى يحدد خط الحزب وبرنامجه , والذى قد يغيره كيفما يشاء ودون أى رقابة .

وعامة , فان الاحزاب غير الايدلوجية تنتشر فى المجتمعات التى تتزايد فيها الروح الجهوية والمناطقية , والتى ترتفع فيها نسبة الأمية .

وهذه الاحزاب تعبر عن نفسها كأحزاب هامشية محدودة الفاعلية فى الحياة السياسية داخل النظام السياسى المعنى بالدراسة .

وتبرر العلاقة الطردية بين امتلاك الحزب لايديولوجية معينة وطبيعة الحزب , فى اعتبار أن أيدلوجية الحزب هى تعبير عن توجهاته وطموحاته وبرنامجه الذى يسعى الى تطبيق حال وصوله للحكم .

أما افتقاد الحزب لهذا الأمر , فيعد افتقادا لوجود رؤية محددة قابلة للتطبيق فى الواقع العملى .

على أن هذا الامر لا يجب أن يقود الى اعتبار أن كل الاحزاب السياسية التى تملك أيدلوجية هى أحزاب كبيرة , وكل الاحزاب التى تفتقد للايدلوجية هى أحزاب صغيرة .

فبداية , قد تكون الايدلوجيات التى تتبناها الاحزاب السياسية ايدلوجيات تتسم بالتلفيق والاختلاق والتوليف , الامر الذى يجعلها غير متواكبة مع طبيعة البيئة السياسية والاجتماعية القائمة , ومن ثم استحالة تطبقها فى الواقع العملى .

من ناحية ثانية , يعتبر الغموض الايديلوجى فى بعض الاحيان , أسلوبا تلجأ اليه الاحزاب السياسية الكبيرة بغرض جمع العديد من التيارات تحت عباءة الحزب , ومن ثم لا يعد الغياب أو التماهى الايديولوجى دائما دليلا على صغر الحزب السياسى .

من ناحية ثالثة , قد تكون تلك الايديولجيات مستوردة من الخارج , الأمر الذى يجعلها قائمة فى بيئة تتسم بالاختلاف عن البيئة التى أفرختها , وبذلك تفتقد الى الجماهيرية , ويكون الايمان بها قاصرا على محدود من المواطنين .

ولعل أبرز الأمثلة على ذلك الايديولوجيات الأممية , كالماركسية , والتى تتبناها الكثير من الاحزاب السياسية فى بلدان العالم الثالث , تيمنا بالنموذج السوفيتى أو الصينى , القائم نظريا على التخلص من الرأسمالية والتحول الى الإشتراكية , فحكم البروليتاريا , وعمليا على مقاومة بلدان العالم الثالث للاستعمار والامبريالية على الصعيد الخارجى ,وتحقيق العدالة الإجتماعية على الصعيد الداخلى .

أخيرا , قد تبرز بعض الاحزاب فى بعض النظم السياسية على أنها أحزاب كبيرة من حيث الواقع , لكنها لا تملك بالفعل أيديولوجية أو فكرا محددا.

وفى هذا الصدد , يشار الى حالة الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم فى مصر , والذى يعده الكثيرون حزبا كبيرا من زوايا مختلفة , لكنه لم يضع لنفسه اطارا فكريا الا فى مؤتمره العام الذى عقد عام 2002 , أى بعد 24 عاما على نشأته.

تنظيم الحزب

يعتبر الحزب السياسى تنظيما أو مؤسسة تهدف الى الوصول الى السلطة . وعلى هذا الاساس , فان التنظيم هو جزء من هيكل الحزب , وبدون تنظيم لا يصبح الهيكل المؤسس حزبا سياسيا , بل مجرد كيان يفتقد الى التنظيم . على أن المقصود بالتنظيم عند الحديث عن الاحزاب السياسية , ليس وجود التنظيم من عدمه , فوجود الحزب مرتبط بداية بوجود التنظيم , غاية ما هو مقصود أن هذا التنظيم يتسم بالتعقيد , فيصبح الحزب كبيرا , ومن ثم معبرا عن درجة كبيرة من الفاعلية , والقدرة على العمل بين الاحزاب السياسية الاخرى فى النظام السياسى , بما فى ذلك القدرة على الترشيح فى الانتخابات البرلمانية العامة والمحلية , وكذلك الانتخابات البرلمانية العامة والمحلية , وكذلك الانتخابات الرئاسية , أو أنه تنظيم بسيط محدود الأداء والفاعلية , فيصبح الحزب صغيرا , ومن ثم غير قادر على مواكبة الظروف المحيطة به .

ويرتبط تنظيم الحزب السياسى بوجود تنظيمات قاعدية للحزب , وهى تنظيمات ذات طابع جغرافى , وتبدأ من المستوى المحلى وتتصاعد تدريجيا حتى المستوى القومى , ومن ذلك لجان الحزب بالقرية , فالمركز , فالمدينة فالمقاطعة أو القضاء أو المحافظة , وهى عبارة عن لجان محلية وقومية , يرتبط نشاطها بأمور اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية عامة , ومن ذلك لجان الشئون الاقتصادية , والعلاقات الخارجية , والاعلام , والزراعة ,والصناعة .. الخ .

وواقع الامر , ان التنظيم وحده لا يعد أمرا كافيا لاعتبار حزب ما كبيرا أو صغيرا فقد تتعدد التنظيمات السياسية للحزب , لكنها عديمة الفاعلية , وعديمة الاستخدام , نتيجة عدم انعقادها بشكل دورى , أو محدوية تنظيمها لمؤتمرات جماهيرية حاشدة , أو عدم اقامتها أنشطة ثقافية وخدمية , أو ضعف دورة المعلومات بها .

من ناحية أخرى , فان دورية عقد الاجتماعات أو المؤتمرات أو غيرها من الأنشطة لا تعد هى أيضا أمرا كافيا لوصف الحزب بالتعقيد التنظيمى , اذ قد تنعقد تنظيمات الحزب دوريا وتتخذ قرارات وتوصيات , لكنها لا تكون تنظيمات فاعلة وقادرة على تنفيذ تلك القرارات أو التوصيات على المستوى الحزبى , نتيجة للعديد من الامور , منها على سبيا المثال الطابع الاوتوقراطى للحزب , والذى يعطى لقيادته سطوة فى اتخاذ كافة القرارات , دون استشارة المستويات التنظيمية , التى يصبح وجودها مجرد تحصيل حاصل لتأكيد وجود تنظيمات للحزب من حيث الشكل , ومنها على سبيل المثال أيضا , ضعف هياكل المحاسبة والرقابة على قيادات فاسدة ومستبدة .

أما بالنسبة للنتيجة العملية لضعف تنظيمات الحزب , فهى حدوث صراعات داخلية بين الأجنحة التى يتألف منها الحزب , الأمر الذى يؤدى فى الكثير من الأحيان الى انفراط عقدها , خاصة مع اختفاء مؤسس الحزب عن الحياة السياسية , وهو الأمر الذى يتكرر عادة فى الاحزاب السياسية فى البلدان النامية .

حجم انتشار وتواجد الحزب

يعتبر حجم انتشار الحزب السياسى فى البيئة التى يعمل بها , عاملا هاما فى تحديد ما اذا كان هذا الحزب حزبا صغيرا , أم حزبا كبيرا .

وتختلف المؤشرات التى تتحكم فى مدى انتشار الحزب , على أن أهمها على الاطلاق ثلاثة هى : الانتشار الجغرافى والموضوعى , والعضوية , والاعلام .

ففيما يتعلق بالانتشار الجغرافى والموضوعى , فان هناك فروقا جوهرية بين الاحزاب السياسية , وفقا لحجم البيئة التى ينشط فيها الحزب السياسى , وكذلك وفقا للغرض من قيام الحزب .

فبالنسبة لحجم البيئة التى ينشط فيها الحزب , فقد تنتشر الاحزاب السياسية على المستوى القومى فتصبح أحزابا كبيرة , مقارنة بأخرى تنشط على المستوى المحلى فقط كالولاية أو المحافظة أو الاقليم , فتوصف بأنها أحزاب صغيرة .

وبالنسبة للغرض من وجود الحزب , فقد تكون الاحزاب السياسية تهدف لتحقيق غرض محدد كأحزاب حماية البيئة , أو الاتحاد بين أكثر من دولة , أو انفصال اقليم أو تمتعه بالحكم الذاتى , فتصبح أحزابا صغيرة , مقارنة بالاحزاب ذات الأغراض العامة والتى تسعى للوصول الى السلطة لتنفيذ برنامج عام ومتكامل يتضمن أمورا سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية .

من ناحية ثانية , تتباين الاحزاب السياسية فيما يتعلق بحجم العضوية . اذ يصف الكثيرون الاحزاب السياسية محدودة العضوية بأنها أحزاب صغيرة , فى حين توصف الاحزاب السياسية التى تتضخم عضويتها بالاحزاب الكبيرة . وفى بلدان العالم الثالث , عادة ما يؤخذ بحجم العضوية كأحد المؤشرات الهامة ى تحديد حجك وفاعلية الاحزاب السياسية, وفى هذاالصدد , ينظر الى الاحزاب السياسيى الحاكمة فى هذه البلدان على أنها أحزاب ذات عضوية كبيرة , وأحزاب المعارضة بأنها أحزاب ذات عضوية محدودة .

من ناحية ثالثة , تختلف الاحزاب السياسية فيما بينها فيما يتعلق بالاداة الاعلامية التى تملكها .

وعلى هذا الاساس , قد ينظر للاحزاب الكبيرة على أنها تمتلك اعلاما جماهيريا , يتيح لها مدى أكبر من تعريف المواطنين فى النظام السياسى بأنشطتها , أملا فى جذب المزيد من المؤيدين .

ولذلك تسعى الاحزاب الى امتلاك وسائل اعلام كالصحف والاذاعات وقنوات التليفزيون .

ومثلما تتجه الاحزاب السياسية التى تمتلك صحفا الى دورية صدور تلك الصحف , وزيادة الأعداد المطبوعة , وتوزيع تلك الصحف على مناطق شاسعة من الدولة , فان الاحزاب التى تمتلك قنوات تليفزيون تسعى لتغطية بثها لمناطق شاسعة من الدولة , ولسعاعات أطول .

وعلى العطس من كل ذلك فان الاحزاب السياسية التى تفتقد وسائل اعلام عامة , تتسم باصغر , مقارنة بالنوع الأول من الاحزاب .

على أن يؤخذ على مؤشر حجم انتشار الحزب كمحدد لكونه حزبا كبيرا أو صغيرا , هو نسبية الوؤشرات الفرعية سابق الاشارة اليها .

فبالنسبة للعضوية على سبيل المثال , فانه لا يمكن تحديد حجم معين لعضوية الحزب كى يوصف من يتخطاه بأنه حزب كبير , ومن هو دونه بأنه حزب صغير .

وبالنسبة لامتلاك وسائل الاعلام الجماهيرى , الذى يمكن معه أن يوصف نشاطه بأنه كبير , وما دونه صغير , فكافة هذا الأمور نسبية الى حد كبير , وتختلف من نظام سياسى لنظام سياسى آخر , حسب درجة التطور التكنولوجى خاصة والظروف البيئية عامة التى تقوم فيها الاحزاب السياسية .

تمويل الحزب

يعد التمويل من الأمور المهمة فى ادارة الاحزاب السياسية . فمن خلال التمويل تقوم الاحزاب السياسية بدفع رواتب موظفيها , والانفاق عل المقررات المنتشرة فى كافة أقاليم الدولة , والانفاق على الاعلام الجماهيرى , وتمويل الأنشطة الحزبية المختلفة كعقد المؤتمرات وتقديم بعض الخدمات للمواطنين والاعضاء .

على أن أهم ما تهدف اليه الاحزاب السياسية من التمويل , هو قددرتها على تمويل نفقات الدعاية الانتخابية صحيح أن بعض الاحزاب تعتمد فى تلك الدعاية على مرشحى قوائمها من رجال الاعمال والتجار الميسورين , لكن هناك أحزابا أخرى , ترى أن تمويل الدعاية من قبل الحزب لا يجعل المرشح بعد فوزه مستقلا عن الحزب .

وتتعدد مصادر الأحزاب السياسية , على أن أقل تلك المصادر من حيث كم التمويل , هو التمويل عبر سداد الاعضاء لاشتراكات العضوية . ولذلك تعتمد الكثير من الاحزاب على مصادر غير ذاتية , فى عملية التمويل .

وتتباين طبيعة المصار غير الذاتية التى تعتمد عليها الاحزاب السياسية فى تمويلها , وذلك بين جهات داخل الدولة وجهات خارج الدولة .

ففيما يتعلق بالجهات الداخلية , فقد يقوم الحزب بتلقى تبرعات من بعض الجمعيات والمنظمات , والتى تسعى الى أن يتبنى الحزب قضاياها .

على أن أحد مصادر التمويل الداخلية المهمة , يتمثل فيما تقدمه الدولة ذاتها من دعم للاحزاب السياسية .

أما فيما يتعلق بالجهات التى تدعم الاحزاب السياسية من خارج الدولة , فقد تتلقى الاحزاب دعما من بعض الدول أو المنظمات متعددة الجنسيات العاملة بها , وغالبا ما توجه تلك المساعدات لتحقيق أغراض محددة .

ويفرق الكثثيرون بين الاحزاب الفاعلة والكبيرة وبين الاحزاب غير الفاعلة والصغيرة , وفقا لتمويلها , سواء من حيث كم التمويل أو مصادره .

فكلما كان هذا التمويل كبيراو(أو ) كلما كان كان مصدرالتمويل مستقلا عن توجهات وسلوك الحزب , كلما كان الحزب كبيرا وفاعلا فى ساحة العمل السياسى .

وعلى العكس من ذلك , فكلما كان التمويل محدودا و ( أو) كلما كان التمويل من مصادر لها تأثير على توجهات وسلوك الحزب , كلما كان الحزب غير فاعل وصغيرا فى ساحة العمل السياسى .

عل أن ما هو جدير بالذكر أنه فى بلدان العالم الثالث , حديثة العهد بالتعدددية الحزبية , أن العديد من الاحزاب تسعى فى غمرة نضوب مصادر التمويل الدخلى والخارجى على السواء , الى استغلال موارد الدولة .

وفى هذا الصدد تبرز على وجه الخصوص بعض مسالك الاحزاب السياسية الحاكمة , التى تتجه دعما لتمويل أنشطتها التنظيمية , وسعيا لجذب التأييد , وحشد الطاقات , الى استغلال الموارد الادارية التى توفرها الدولة , الامر الذى يساهم فى فاعلية وزيادة حجم هذه الاحزاب فى ساحة العمل الحزبى , مقارنة بالاحزاب غير الحاكمة .

اذ ان الحصول على هذا الدعم يزيد الفجوة بين هذه الاحزاب وأحزاب المعارضة الاخرى , فتصبح الاحزاب الكبيرة أكثر كبرا وتتجه الاحزاب الصغيرة نحو أكثر فأكثر .

وينتقد الاعتماد على مؤشر تمويل الاحزاب السياسية فى تحديد كبر أو صغر الحزب السياسى من عدة جوانب .

فكم التمويل يعبر عن عملية نسبية تتوقف على طبيعة البيئة التى تعمل فيها الاحزاب السياسية فى النظام السياسى , وكذلك طبيعة الموارد المالية للاحزاب السياسية الأخرى , فما يكون كما مناسبا لدى أحزاب سياسية , قد يكون ضئيلا بالنسبة لاحزاب أخرى .

أما فيما يتعلق بمصادر التمويل , فانه باستشناء اشتراكات الاعضاء والدعم الذى تتلقاه الاحزاب السياسية , كما لا يعرف حجم هذا التمويل , خاصة وان بعضه سرى وبعضه عينى , وكل ما يتضح منه عبارة عن مظاهر أو شواهد , وفى بعض الاحيان لا تتعدى أن يكون مجرد تكنات أو شائعات .

عضوية الحزب بالبرلمان

تشكل عضوية الحزب ب البرلمانات على المستوى القومى , أو ب البرلمانات على المستوى المحلى ( مجالس الولايات أو المحليات ) , أمورا مهمة فيما يتعلق بفاعلية الحزب وحجمه على ساحة النشاط السياسى والحزبى فى النظام السياسى .

فالاحزاب السياسية الكبيرة والفاعلة داخل المنظومة الحزبية فى النظام السياسى , هى تلك التى تشارك فى عضوية البرلمانات .

فتلك العضوية تشير الى أنها أحزاب قادرة على خوض الانتخابات البرلمانية , وأنها أحزاب لها برامج تسعى الى تحقيقها خلال وجودها فى البرالمان , ,انا فى سبيل ذلك قامت بالدعاية الانتخابية , وكان لها تمويل كاف استطاعت من خلاله ومن خلال أمور أخرى أن تخرق سكن صناديق الانتخابات وتحصد اصوات الناخبين بشكل يكفى للاشتراك فى عضوية البرلمان .

اضافة الى ذلك , فان هذه الاحزاب , تتمتع بتنظميم لا بأس به مقارنة بغيرها من الاحزاب التى تشترك فى عضوية البرلمان , وأنها تستطيع بالفعل من خلال عضويتها البرلمانية , أن تساهم فى عملية تشريع القوانين سواء من خلال مناقشة مشروعات القوانين التى تقدمها الحكومات أو من خلال تقديم مقترحات القوانين , كماأنها من خلال عضويتها البرلمانية لها القدرة على الرقابة على الوزارة على الميزانية وعلى كافة مناحى السياسة العامة .

وأكثر من ذلك , فقد تكون الاحزاب السياسية المشاركة فى البرلمان من الكبرالذى يمكنها من تشكيل الوزارة , أو المشاركة فى الائتلافات الوزارية , ولربما يكون لها القدرة على اسقاط الوزارات المختلفة .

وفى هذا الصدد يرى جيوفانى سارتورى , وجود ما أسماه بمعيارين لادخال الحزب فى حساب الخريطة الحزبية , وهما أن يكون الحزب مهما كان صغيرا , قادرا على المشاركة بأى شكل فى الحكم من خلال صيغة تآلف حزبى , وأن يكون مؤثرا على التنافس الحزبى ويمكن له أن يغير من نمط التحالفات والصراعات الحزبية فى المجتمع .

وعلى العكس من ذلك , يصف الكثيرون الاحزاب السياسية بأنها أحزاب صغيرة طالما أنها تشارك فى عضوية البرلمانات .

اذ أن عدم مشاركتها فى عضويته يعنى أنها اما أنها شاركت فى الانتخابات البرلمانية ولم تحصل على العد الكافى من الاصوات الذى يؤهلها للانتخابات , واما أنها لم تكن من القوة التى تجعلها تشارك فى الانتخابات فى أى مرة منذ تأسيسها .

وعلى هذا الأساس , فان تلك الاحزاب تكون عادة غير منظمة , وغير قادرة على ادارة حملة انتخابية حقيقية وموازية للاحزاب الأخرى وأنها ليس لديها مرشحون كافون لخوض المعركة الانتخابية , أو أنها ليس لديها وؤية وأنها ليس لديها مرشحون كافون لخوض المعركة الانتخابية , أو أنها ليس لديها رؤية فكربة واضحة وقادرة على اقناع الناخبين للتصويت لمصلحة الحزب , وبطبيعة الحال ليس لديها التمويل الكافى للانتخابات والذى يمكنها – اضافة لأمور أخرى – من احراز بعض المقاعد فى البرلمان .

وبناء على ذلك فان تلك الاحزاب لا يكون فى استطاعتها المشاركة فى عمليتى التشريع والرقابة , ولا تكون عنصرا مؤثرا أو رقميا فاعلا أمام الوزارات المختلفة , وأمام الاحزاب السياسية الأخرى الكبيرة التى تشارك فى عضوية البرلمان . وعلى هذا الاساس , تصبح عضوية الاحزاب فى البرلمان أحد أهم المؤشرات التى يمكن من خلالها تصنيف احزب السياسى بأنه حزب صغير أو كبير .

والواقع أن هذا المؤشر قد تؤخذ عليه بعض المآخذ , منها أن النظام الانتخابى هو المفتاح الاساسى للنظام الحزبى , فهو القادر على تمثيل الاحزاب فى البرلمان .

من ناحية أخرى , يؤخذ على مؤشر العضوية , أنه من الممكن أن يكون هناك حزب كبير مقاطع للانتخابات , وآخر صغير استطاع المشاركة فى عضوية البرلمان , أ و أن عمليات تزوير الانتخابات تسفر عن فوز صغار وهزيمة كبار .

على أن هذه الانتقادات يمكن أن يرد عليها بأن مؤشر النظام الانتخابى مهما بلغ من مرونة , فانه قد لا يستطيع أن يصل بالأحزاب المهمشة والمحدودة الفاعلية الى البرلمان .

أما فيما يتعلق بمقاطعة الاحزاب للانتخابات , فيشار الى أن مؤشر العضوية فى البرلمان لا يرتبط بانتخابات محددة يشارك فيها الحزب , بل بأية انتخابات عاصرها , وبناء على ذلك يعتبر الحزب كبيرا طالما شارك فى عضوية البرلمان ولو لمرة واحدة , ويعتبر الحزب صغيرا طالما لم يستطع أن يشارك فى البلمان ولو لمرة واحدة .

أما بالنسبة الى احتمال تزوير نتائج الانتخابات , بحيث تأتى بالصغار داخل البرلمان وتطيح بالكبار خارجه , فان هذا الامر لا يمكن ضبطه أو التحكم فيه , لأن المفترض هو الموضوعية الكاملة واجراء الانتخابات النزيهة .

اضافة الى ذلك فان مؤشر العضوية فى البرلمانات كحكم فى التفرقة بين الحزب الكبير والحزب الصغير , هو تقريبا المؤشر الثابت الوحيد بين المؤشرات الأخرى سابق الاشارة اليها .

وبمعنى آخر , ان المؤشر عضوية الحزب فى البرلمان هو وحده تقريبا الذى لا نسبية فيه .

وبمعنى آخر , ان هذا المؤشر هو الملاذ الأخير , ان جاز التعبير , فى هذه الدراسة ككل وسط المؤشرات النسبية أو المطاطة الأخرى .

فعند القول أن هذا الحزب منظم , أو له مصدر تمويل , أو حجم انتشاره كبير , أو أنه ذو عضوية ضخمة , أو أنه له تاريخ طويل فى العمل السياسى , فان كافة هذه الأمور تحتمل النسبية .

وعلى العكس , عند القول أن هذا الحزب له عضوية فى البرلمان , وذاك الحزب ليس له أعضاء فى البرلمان , فان هذا الأمر يشكل حقيقة لا خلاف عليها .

وبناء على ذلك , سوف يؤخذ بمؤشر عضوية البرلمان كحكم فى التفرقة بين الحزب فى هذه الدراسة ككل , الكبير والحزب الصغير .

الاحزاب الصغيرة فى النظام السياسى المصرى

وفقا للمؤشر السابق المرتبط بوجود عضوية للاحزاب السياسية ف البرلمان , كى يعتبر هذا الحزب أو ذاك حزبا كبيرا أو حزبا صغيرا فى ساحة العمل الحزبى .

يلاحظ أنه ومن واقع تجربة التعددية الحزبية الثالثة فى مصر والتى بدأت عام 1976 , فان الاحزاب التى شاركت فى عضوية البرلمان من خلال الانتخابات , أو من خلال أعضاء أعلنوا تشكيلهم لتلك الاحزاب عند بداية تأسيسها , وذلك فى الفترة من 1976- 2000 ,هى :

- الحزب الوطني الديمقراطي ( برلمانات 1976 و 1979 و 1984 و 1987 و 1990 و 1995 و 2000 )

- حزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى ( برلمانات 1976 و 1995 و 2000 )
- حزب الأحرار ( برلمانات 1976 و 1979 و 1987 و 1995 و 2000 )
- حزب الوفد الجديد ( برلمانات 1976 و 1984 و 1987 و 1995 و 2000 )
- حزب العمل الإشتراكي ( برلمانات 1976 و 1979 و 1987 )
- الحزب الديمقراطى العربى الناصرى ( برلمانى 1995 و 2000)

وبناء على ذلك , فان الاحزاب السياسية التى تعد صغيرة وفقا للمؤشر السابق وطبقا لبيئة وطبيعة النظام الحزبى فى مصر , هى :

- حزب الأمة

- حزب مصر الفتاة
- حزب العدالة الإجتماعية
- حزب التكافل الإجتماعي
- حزب الشعب الديمقراطي
- حزب الإتحاد الديمقراطي
- حزب الوفاق القومي

"- حزب الجيل الديمقراطي

"- حزب الخضر المصري

"- حزب مصر العربي ( منذ استئناف نشاطه فى أكتوبر 1983 )

"- حزب مصر 2000

وهذه الاحزاب فشلت منذ نشأتها حتى الان فى الحصول على مقعد واحد فى البرلمان فى كل انتخابات شاركت فيها .

فحزب الأمة فشل فى الحصول على أى مقعد بالبرلمان منذ انتخابات 1987 , وكل من حزبى الخضر والاتحاد الديمقراطى فشلا فى تحقيق هذا الهدف منذ انتخابات 1990 , وكذلك مصر الفتاة فشل فى كل من انتخابات 1990 و 2000 , وفشل حزبا العدالة الإجتماعية والتكافل الإجتماعي منذ انتخابات 1995 , وفشل كل من الثانى والثالث فى انتخابات 2000 جدير بالذكر أن حزب الأمة لم يشارك فى انتخابات 1984 , أما حزب مصر العربي فلم يشارك فى انتخابات 2000 , بينما لم يشارك فى انتخابات 1995 كل من حزبى الشعب الديمقراطي ومصر الفتاة . ان النظام الحزبى خاصة والنظام السياسى عامة , قوض الى حد كبير من فرص وجود أحزاب حقيقية فاعلة فى المجتمع , وسعى عوضا عن التمسك الشعبى المتزايد بالديمقراطية , بالاطار الشكلى للديمقراطية , وذلك بخلق أحزاب ورقية , يعلم هو ذاته أنها لا تعبر عن قوى سياسية حقيقية فى الشارع , فهى لا تعبر – كما يدرك وتدرك الغالبية – الا عن أشخاص مؤسسيها , ثم قام بعد تأسيسها بتقييدها , امعانا فى بقائها صغيرة كما سيرد تفصيله , وبمعنى آخر , ان النظام السياسى أمعن فى ابراز نزعة لا تسييسية للنظام الحزبى , سعيا لتهميش ومسخ التجربة الحزبية الوليدة , ولم يكن هذا الأمر مستغربا .

فالنظام السياسى نفسه لا يمكن أن يوجد نظير له بين النظريات التى تصف النظم السياسية بالشمولية أو الديمقراطية , أو الإشتراكية أو الليبرالية , والبرلمنية و الرئاسية , فهو يجمع بين كل هذه الامور .

لقد منع النظام السياسى من خلال جملة من القيود التى فرضها على تأسيس الاحزاب , من قيام القوى السياسية التى اصطلح على تسميتها بالقوى المحجوبة عن الشرعية , من تأسيس أحزاب سياسية .

وبمعنى آخر , ظاهرة الاحزاب السياسية الصغيرة فى مصر , هى فى واقع الامر نبت لما زرعه النظام السسياسى من قيود على بعض القوى السياسية , ونبت لما وضعه من قولنين يسرت – مهما كانت القيود التى وضعتها – من وجود المهمشين .

وقد تلاقت رغبة النظام السياسى , فى وجود الاحزاب كواجهة وكشكل ديمقراطى , مع رغبات نفر من المواطنين الساعين لتأسيس أحزاب سياسية لا تؤدى أبسط الوظائف المتعارف عليها للاحزاب السياسية من تمثيل وتعبير عن المصالح .

فهؤلاء اما أنهم أشخاص لهم مطامح شخصية , أو أنهم فى أحسن الأحوال لديهم أفكار نبيلة لا يؤمن بها سواهم .

اضافة الى كل ما سبق , هناك سبعة أسباب يغلب عليها الطابع الفنى , أدت الى مزيد من تحجيم الاحزاب , وجعلت فى واقع الأمر الأحد عشر حزبا تلقب بأنها أحزاب صغيرة , مقارنة بباقى الاحزاب الستة الأخرى :

1- طبيعة النظام الانتخابى

تختلف الاحزاب السياسية وفقا لطبيعة النظام الانتخابى القائم , فقد يكون هذا النظام مشجعا على ابراز واظهار وجود الاحزاب السياسية فى المجتمع , وقد يكن هذا النظام مفضيا لانزواء هذه الاحزاب .
ومما هو معروف أنه يوجد شكلان بارزان للنظم الانتخابية , نظام الانتخابات بالقوائم النسبية , ونظام الانتخابات الفردى . ويبرز النظام الاول الاحزا ب السياسية القائمة فى النظام السياسى , على اعتبار أن النظام الانتخابى يحظر على غير الاحزاب السياسية التقدم بقائمة من المرشحين لعضوية البرلمانات .
وعلى العكس من ذلك , فان ااحة النظام الفردى لكافة المواطنين المؤهلين للانتخاب للتقدم بالترشيح لعضوية البرلمان , يجعل هناك نوعا من التعتيم على وجود الاحزاب السياسية فى النظام السياسى .
لذلك عادة ما تأخذ النظم السياسية وهى فى مرحلة التحدث السياسى بنظام الانتخابات بالقوائم الحزبية , بمختلف أنواعه , على اعتبار أنه يتيح للاحزاب درجة أكبر من الوجود فى تلك الفترة من تحول النظام السياسى نحو التعددية السياسية .
وفى مصر تم التأرجح بين أكثر من نظام انتخابى واحد فى العقدين الماضيين , وقد أربطت الشروط المحيطة بهذه النظم الجميع بمن فيهم المتخصصون والقانونيون .
فبداية , تم التحول من نظام الانتخاب الفردى عام 1984 الى نظام الانتخاب بالقوائم الحزبية النسبية , وعندئذ ظهر نوع من الزخم النسبى على ساحة العمل الحزبى , اذ شاركت الاحزاب السياسية القائمة فى ذلك الوقت باستثناء حزبى الأحرار ( لم يمثل ) والأمة ( مقاطع ) فى عضوية البرلمان .
صحيح أن حزبى العمل والتجمع شاركا فى هذا البرلمان من خلال التعيين , الا أن هذا الامر كان راجعا لمثالب الكثيرة التى ارتبطت بالاجراءات التى صاحبت نظام الانتخاب بالقوائم , والتى حالت دون تمثي الحزبين بالبرلمان عبر صناديق الانتخاب , من ناحية أخرى , شهدت الساحة الحزبية ابان النتخابات تحالفا غير مسبوق بين حزب الوفد " العلمانى " وجماعة الإخوان المسلمين .
أما فى انتخابات 1987 , حيث كان النظام الانتخابى هو نظام القوائم المطعم بعدد محدود من المقاعد الفردية , والتى زاحمت فيها الاحزاب السياسية المستقلين من المرشحين علة هذه المقاعد , فقد كان الزخم من نوع آخر , اذ تحالف حزبا العمل والأحرار مع جماعة الإخوان المسلمين .
ومثلت كافة الاحزاب السياسية القائمة وقتئذ فى البرلمان باستثناء حزبى الامة والتجمع .
وعقب التحول الة نظام الانتخاب الفردى الذى جرت على ضوئه انتخابات أعوام 1990 و 1995 و 2000 و كانت الساحة الحزبية قد امتلأت عن بكرة أبيها بالأحزاب السياسية , لكن البرلمان لم يكن يمثل سوى عدد محدود للغاية من هذه الاحزاب التى راح القديم منها يراهن على نظام الانتخاب الفردى , محملا نظام القوائم مسئولية انخفاض تمثيله بمجلس الشعب , ومعطيا أولوية متدينة لضمانات نزاهة الانتخابات وشروطها اللوغاريتمية , مقارنة بمنح الأولوية فى مطالب التغيير لعودة نظام الانتخاب الفردى .
على أن هذا الأمر – وكما سبق ذكره – لم ينصف ( وبشكل نسبى ) سوى الاحزاب الرئيسية فى النظام السياسى , اذ بقيت كافة الاحزاب الجديدة خارج ساحة البرلمان .
أما باقى الاحزاب فقد تأرجح تمثيلها . فأحزاب الوفد والعمل والأحرار قاطعت انتخابات 1990 , لكن الوفد شارك فى انتخابات 1995 و2000 ب 6و 7 مقاعد على التوالى , وشارك حزب العمل بعضو واحد فى انتخابات 1995 .
أما حزب الأحرار فقد مثل فى كل من انتخابات 1995 و 2000 بعضو واحد . وبالنسبة لحزب التجمع , فمثل فى البرلمانات الثلاثة ب 5 و 5 و 6 أعضاء على الترتيب .
وعلى هذا الاساس , لم تشارك الاحزاب الصغيرة فى عضوية مجلس الشعب منذ نشأتها , فبعضها فشل فى الحصول على مقاعد , بعضها عجز عن المشاركة بداية , وكان النظام الانتخابى والاجراءات المحيطة به أحد الاسباب الرئيسية وراء ذلك .

2- قيود النظام السياسى

أدت القيود التى يفرضها النظام السياسى على الاحزاب السياسية الى عجز الاحزاب الصغيرة عن الوصول الى عضوية البرلمان , ومن ثم بقاء تلك الاحزاب خارج المنظومة الادراكية للمواطن المصرى , ختاصة ,ان غالبيتها لا يصدر صحفا , الأمر الذى جعل هناك غيابا كاملا لهذه الاحزاب عن ذهن المواطن .
وتتعدد القيود التى يفرضها النظام السياسى فى هذا الشأن , وهذه القيود أدت بالفعل الى وضع العديد من المصاعب أمام حرطة أحزاب المعارضة الفاعلة أو الكبيرة نسبيا فى النظام السياسى .
ومن ثم فان حجم تلك المصاعب أكبر بكثير فى حالة الاحزاب السياسية المعارضة الصغيرة التى تعانى بداية من مصاعب أخرى مرتبطة بأزمات القيادة والتمويل والاعلام .. الخ .
وتنقسم القيود التى تقف فى مواجهة الاحزاب الصغيرة الى قيود قانةنية , وقيود غير قانونية .
ويرتبط النوع الأول من القيود مثل قانون الطوارىء الذى يحظر تنظيم تجمعات ومؤتمرات حزبية الا بعد اتاذ اجراءات محدة كما يرهب القانون الكثيرين عن الانضمام للاحزاب السياسية , والدخول لمقارها , والانغماس فى أنشطتها .
وهناك قانون الاحزاب السياسية , الذى يفرض قيودا وعقوبات تصل الى حد السجن والغرامة على كل حزب يتصل بجهات خارجية دون اذن مسبق من الدولة , بما يشير الى عدم الثقة الكاملة فى الاحزاب , وتجريد صف الوطنية من بعض المواطنين وفقا لأهواء آخرين .
أما النوع الثانى من القيود , فهى قيود غير قانونية , ويرتبط بمنع استفادة الاحزاب السياسية المعارضة من الموارد القومية التى يجب أن تتاح للجميع على قدر من المساواة , دون تفرقة بين حزب حاكم وحزب معارض . وفى هذا الصدد , يبرز على سبيل تلمثال , عدم الظهور الدائم لاحزاب المعرضة فى وسائل الاعلام المملوكة للدولة , سواء فى التلفزيون والاذاعة أو الصحف القومية , وتوظيف مخصصات الادارة المحلي للحزب الوطنى وحده خاصة ابان الانتخابات .
واذا كانت تلك الأمور هى ما تشكو منه أحزاب المعارضة الكبيرة نسبيا , فكيف يكون الحال بالنسبة للاحزاب الصغيرة , والتى لا يعلم المواطن عنها الا أقل القليل .
وان تعمد تجاهل الاعلام وعدم حياد أجهزة الادارة يشل حركة الاحزاب الصغيرة بشكل كامل , خاصة وأنه اذا ما قام الاعلام بجهد محايد فى تعريف المواطن بهذه الاحزاب , فسوف تتحقق الخطوة الأولى , وهى تعريف المواطن بوجود تلك الاحزاب . وهذا الأمر يجب أن يتبعه نشاط تنظيمى وحركى متزايد , وهو ما يقع عل عاتق تلك الاحزاب .

3- مشكلة التنظيم الحزبى

تمتلك كافة الاحزاب السياسية المصرية تنظيما وهيكلا اداريا , عل أن هذا الوضع لا يعدو أن يكون أمرا نظريا , تسطره كافة الاحزاب المعارضة الصغيرة فى أوراق تأسيسها , بغية تمرير عملية التأسيس دون اية معارضة من الجهة الائمة على تأسيس الاحزاب فى مصر , وهى لجنة الاحزاب السياسية المنشأة وفقا لللقانون 40 لعام 1977 , والمشكل غالبيتها من السلطة التنفيذية بحكم الموقع أو التعيين , والتى جعلت نشأة الاحزاب السياسية نشأة بيروقراطية .
وفى هذا الشأن , فان غالبية الاحزاب الصغيرة المشار اليها , هى أحزاب أقرب فى تعاملاتها الداخلية الى النمط العائلى .
اذ ان الكثير من مؤسساتها يتألف بالتعيين , أو بانتخابات يطعن فى نزاهتها آخرون من داخل الحزب , كما أن الكثير من دماء تلك التنظيمات قد اصابها الجمود والتجلط , بحيث لم يعد هناك تصعيد وحراك نخبوى أو تجديد للدماء .
اضافة الى ذلك , فان الكيانات التنظيمية للحزب كالمؤتمر العام القومى , والأمانة العامة , وغيرها من المسميات كالمكتب السياسى .
وأمانات المحافظات , واللجان الموضوعية , لا تنعقد بشكل دورى , وأحيانا كثيرة لا تنعقد على وجه الاطلاق . وليس من المبالغة القول , بأن المستويات العليا من تنظيمات الحزب هى التى تنعقد وفقط عندما تثار مشكلات مرتبطة بأزمة القيادة الحزبية , حيث تقوم قيادة الحزب بحشد التأييد والدعم لشخصها فى مواجهة المعارضة الداخلية بالحزب , والتى عادة ما تكون من الأجيال الشابة , أو من قيادات الصف الثانى الطامحين فى حراك يقودهم لناصية القرار بالحزب .
وعلى أية حال , فقد أدى ضعف الهياكل التنظيمية للاحزاب الصغيرة , وتدهور دورة المعلومات بها , الى المزيد من ترهلها وفقدانها ثقة المواطنين بها , لا سيما مع افتقاد بنيانها الداخلى لكل ما استصرخت به السلطة التنفيذية من شعارات حول تداول السلة فى مؤسسات الدولة والحزب الوطني الديمقراطي الحاكم , والنزاهة ومواجهة الفساد .
والتغلب على هيمنة القيادة على كافة المستويات , والدعوة الى تجديد النخبة على مستوى الوزراء وعلى مستوى الهيئات والمؤسسات العامة , ورفض التعيين فى الكيانات التى يفترض تشكيلها بالانتخاب .

4- أزمة القيادة

تتمثل اجدى مشكلات الاحزاب المصرية الصغيرة فى وجود أزمة قيادة طاحنة داحلها . وترتبط أزمة القيادة بأمر أساسى يسبقها , يتعلق – كما سبق ذكره – بضعف وهشاشة المؤسسات السياسية , وعجزها عن التدخل لوقف أوتوقراطية الزعامة الحزبية , نتيجة لضعفها بسبب عدم دورية انعقادها , أو شلليتها , أو طريقة تشكيلها من عناصر قد تكو معينة من قبل رئيس الحزب .. الخ .
وعلى الرغم من أن تلك المشكلة أو الازمة تتعرض لها بعض الاحزاب المصرية الاخرى , الا أن ما يميز أزمة القيادة فى الاحزاب الصغيرة هى عمومية هذه الازمة بداخلها .
أما فيما يتعلق بلحظة وقوع أزمة القيادة , فهى ترتبط عادة بخروج القيادة الحزبية من الحياة السياسية ( غالبا نتيجة الوفاة ) , تاركة الحزب خلفها دون قيادة بديلة منتخبة من مؤسسات الحزب .
وعادة ما تكون تلك القيادة , هى القيادة التى أسست الحزب . أما الشكل الآخر من أزمة القيادة , فيرجع الى صراع رئيس الحزب نفسه مع قيادات الصف الثانى .
ويتمثل السبب الأكثر شيوعا فى بروز أزمة القيادة داخل الاحزاب المصرية الصغيرة , فى وجود غبن حقيقى أو متصور واقع على قيادات الصف الثانىى , بسبب هيمنة مؤسس أو رئيس الحزب على ناصية القرار بالحزب .
وقد يكون السبب مجرد الرغبة فى الاستيلاء على الدعم السنوى الذى تقدمه الحكومة للاحزاب المصرية , أو الرغبة فى الوجاهة .
وفى جميع الاحوال يكون الصراع المتبادل صراعا على النفوذ وليس على اعمال المبادىء , الأمر الذى يتطلب من قيادات الصف الثانى الغاضبة القفزعلى قيادة الحزب , سواء كانت تلك القيادة على رأس الحزب , أو عقب خروجها من الرئاسة , وذلك قبل أن يقوم الاخرون بذلك .
ويتمثل المظهر العام لأزمة القيادة أوسيناريو أحداثها داخل الاحزاب المصرية الصغيرة , فى وجود الصراع بين أعضاء الحزب الذين ينقسمون بدورهم بين مؤيد لهذا الطرف أو ذاك .
ووفقا لتسلسل الاحداث , فقد تقوم الاطراف المتصارعة بدعوة تنظيمات الحزب للاجتماع , فى محاولة لكسب كل منها لشرعية الوجود على رأس الحزب , الأمر الذى ربما ينتهى الى تدخل لجنة الاحزاب السياسية , وتجميد نشاط الحزب , بعد أن يطلب كل طرف اعتماد انتخابه على رأس الحزب .

5- محدودية القضايا الخلافية والقومية

تتمثل أحد أهم غياب الاحزاب الصغيرة فى المجتمع فى محدودية كل من القضايا الخلافية والقضايا القومية فى المجتمع على السواء اذ انه مع بروز القضايا الخلافية والقومية , تتزايد معه درجة التفاعل السياسى بين أركان العملية السياسية فى المجتمع , الأمر الذى يتزايد معه الزخم المؤدى حتما الى درجات أكب من الحيوية السياسية .
ومما لا شك فيه , أن محدودية كل من القضايا الخلافية والقضايا القومية تؤثر على كل الاحزاب السياسية فى المجتمع , الأمر الذى يجعل تأثير هذه المحدودية يطال الجميع , فتصبح الاحزاب الحاكمة غير مؤثرة بشكل كاف , وتصبح أحزاب المعارضة الرئيسية محدودة التأثير , بينما تتجه الاحزاب الصغيرة الى أن تكون فى الواقع أحزابا عديمة التأثير أو أحزابا مهمشة , يتساوى وجودها مع عدم وجودها .
وينطبق هذا الوضع على الحالة المصرية , فمع بداية تجربة التعددية الحزبية الثالثة عام 1976 , وطوال عقد تقريبا , شغلت ساحة العمل الحزبى ستة أحزاب سياسية وكانت درجة التفاعل السياسى أكبر مما تلاها من فترات , صحيح أن تلك الفترة شهدت نوعا من القيود التى فرضت على الاحزاب السياسية فى نهاية عقد الثمانينات , الا أن تلك الحقبة كانت أكثر زخما مقارنة بعقد التسعينات , ومطلع العقد الأول من القرن الحالى .
ففى الفترة الأولى – وبغض النظر عن الخلاف فى الرأى حول اى من القضايا أيها خلافية وأيها قومية – كانت هناك قضايا خلافية وقومية عديدة بين الاحزاب والقوى السياسية , فعلى الصعيد الداخلى كانت هناك سياسة الانفتاح الاقتصادى , وتطبيق الشريعة الإسلام ية , والاصلاح السياسى .
وعلى الصعيد الخارجى , كانت هناك العلاقات المصرية – الأمريكية وسياسة عدم الانحياز , والصلح المصرى – الإسرائيلى , والعلاقات المصرية – العربية .
وخلال هذه الحقبة تعرضت بعض الاحزاب والقوى السياسية لمطاردات بسبب مواقفها من تلك القضايا , وتآٍلف بعضها فى الانتخابات عام 1984 وعام 1987 , وشكلت محاور حزبية داخل وخارج مجلس الشعب , وتعامل الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم مع أحزاب المعارضة والقوى السياسية كأنداد أو شبه أنداد .
أما خلال الحقبة الثانية , فقد كانت هناك نوع من التمييع والتماهى الايديولوجى والفكرى بين جميع القوى والاحزاب السياسية القائمة , ولذلك شوهد خلال هذه الفترة على سبيل المثال ملاحقة حزب الوفد الليبرالى لعمليات بيع مؤسسات القطاع العام والتأكيد على حقوق العمال فى المؤسسات الى بيعت أو الموضوعة على قائمة المعروضة للبيع , بينما زاد حرص حزبى التجمع والناصرى اليساريين على الاصلاح السياسى , مع سعى الأول الى احداث تغييرات فى أفكاره وهياكله التنظيمية على خلفية انهيار المنظومة الإشتراكية .
فى وسط هذا الترهل اللامحدود بين الاحزاب والقوى السياسية الرئيسية , كان يتوقع أن يزداد تهميش أحزاب المعارضة الصغيرة , الى الدرجة التى أصبح نظر المتهم بالحياة لحزبية المصرية ملتفتا الى أحزاب المعارضة الرئيسية , ما أصابها من شيخوخة ,بسبب أزمتها التى تبدو بلا نهاية , والتى تتفاقم يوما بعد يوم , وكان من الطبيعى فى ظل هذه الاجواء أن تعتبر أحزاب المعارضة الصغيرة نسيا منسيا , فلا يدرى أحد متى تأسست ؟ وما هى أفكارها ؟ ومن هى قيادتها ؟ وكيف تمول ؟ وأين مقراتها ؟ وما عدها ؟ وما هى صحفها ؟ وما شكل علاقتها ببعضها البعض ؟ وما هى علاقتها بلسلطة التنفيذية ؟ وما أسباب تجميد بعضها ؟

6- غياب أو محدودية الثقافة الحزبية

تعتبر الصحافة الحزبية احدى أهم وسائل تعريف الرأى العام بالأحزاب السياسية , فهذه الصحف تنطق وتعبر عن لسان حال أحزابها , الأمر الذى يجعلها ممثلا لتوعية الجماهير بأفكار الحزب , ووسيلة من وسائل التنشئة السياسية والاجتماعية للمواطن العدى عامة والمنتمى الى الحزب فكريا أو تنظيميا .
وقد سادت مقولة منذ بداية التجربة الحزبية فى مصر عام 1976 , تعبر عن الحال المزرى للاحزاب السياسية سوى صحفها , فهو لا يدرى الا بوجود حزب مايو وحزب الاهالى وحزب الشعب .. الخ .
وتعبر تلك المقولة عن أهمية ما تشكله الصحافة الحزبية كوسيلة لتعريف المواطن بالاحزاب , وان كانت تسجن الحزب فى كونه مجرد صحيفة .
واذ كان هذا الوضع الشانك هو حال الاحزاب الكبيرة نسبيا وجميعها يصدر صحفا , فماذا يمكن أن يتخيل الانسان بالنسبة لحال الاحزاب المصرية الصغيرة , وأغلبها لا يصدر صحف .
جدير بالذكر , ان الاحزاب السياسية الصغيرة تتباين فيما يتعلق بعلاقتها بماتصدره من صحف حزبية , فهناك أحزاب لا تصدر صحفا من الأصل , وهى أحزاب الجيل الديمقراطى , والخضر المصرى , ومنها من لا يصدر صحفا بسبب تجميده , وهى حزب مصر الفتاة , وحزب الشعب الديمقراطي , وحزب الوفاق القومي , وحزب مصر العربي , وحزب العدالة الإجتماعية .
أما الاحزاب الصغيرة التى تصدر صحفا , فهى أحزاب الأمة , والتكافل , والاتحاد الديمقراطى , ومصر 2000 ويصدر كل منها صحيفةواحدة .
وتعانى معظم الصحف الحزبية من أزمة كبيرة ترتبط بنقص التمويل , وضيق الكوادر المهنية , ونمطية وبيروقراطية الأداء , وترهل هياكلها الادارية , وزيادة العمالة , وضعف الرقابة الشعبية , وغياب الشفافية , الأمر الذى أدى بالتالى الى تراجع نسب توزيع تلك الصحف , ومن ثم انخفاض عدد القراء .
وبطبيع الحال , لم يكن حال الصحف الأربع التى تصدرها الاحزاب الصغيرة حاليا بأحسن من حال باقى الصحف الحزبية .

7- التمويل المحدود

ترتبط الاحزاب السياسية المصرية الصغيرة بصغر حجم أعضائها , وقد أثر هذا الحجم المحدود على فاعلية وحجم تلك الاحزاب فى الساحة الحزبية المصرية .
ويحصل كل حزب من الاحزاب السياسية المصرية مهما كان حجمه على 50 ألف جنيه من الدولة سنويا , نظير القيام بنشاطه ووظائفه , كما يحصل كل حزب له عضو فى مجلس الشعب أو مجلس الشوي على ألف جنيه سنويا عن كل ممثل له فى أى من المجلسين .
ومما لا شك فيه , ان تلك الأموال لا تمثل الكثير بالنسبة لأحزاب المعارضة , فى ظل محاولاتها القيام بأنشطتها , من اجتماعات , ومؤتمرات , وتقديم نظير للخدمات العامة التى تقدم اليها , وطبع الصحف .. الخ .
ولذلك تسعى بعض الاحزاب للحصول على مصادر أخرى للتمويل , فيعتمد الوفد , الذى يرفض الحصول على مبلغ ال50 ألف جنيه من الدولة , على سبيل المثال على أعضائه بشكل كبير .
أما الحزب الوطني فنتيجة للتداخل الشديد بينه وبين مؤسسات الادارة المحلية , فانه يحصل على تمويله من تلك الادارات .
فى اطار الحديث عن الاحزاب السياسية المصرية الصغيرة يبقى السؤال الى أى حد أدت هذه الاحزاب وظائفها المنوطة بها فى الأدبيات ؟
واقع الأمر أنه من الصعوبة بمكان الحديث عن مدى ما حققته تلك الاحزاب من وظائف فى النظام السياسى المصرى .
فالحزب الوطني الديمقراطي الحاكم , وأحزاب المعارضة الرئيسية فى النظام السياسى المصرى , لا زال أداؤها ضحلا للغاية فى مجال أدائها لوظائف الاحزاب السياسية فى النظم السياسية المختلفة .
فما بالنا بحال الاحزاب المصرية الصغيرة فى هذا الشأن .
- فالتجنيد السياسى , يعد احدى الوظائف المفتقدة للاحزاب السياسية المصرية الصغيرة . فهذه الاحزاب ليس لديها أية كوادر أو أية صفوف ثانية أو ثالثة قابلة للصعود لناصية القرار فى تلك الاحزاب .
فقيادات تلك الاحزاب تتصارع على السلطة داخها , ولا تبقى للشباب أى امكانية للصعود عبر الانتخابات داخل مؤسسات الحزب . فهذه الاحزاب مثلها مثال النظم السياسية الاوتوقراطية , تعتمد ميكانزمات التجنيد السياسى فيها على المحسوبية بشكل أساسى , وذلك على العكس من ميكانزملت التجنيد داخل الاحزاب فى النظم الديمقراطية العريقة , والقائمة على الانتخاب وحرية الرأى التعبير والانجاز .
وعلى هذا الاساس , يتحمل النظام السياسى المصرى بعض المسئولية فى عدم قيام تلك الاحزاب بوظائفها عامة , وبوظيفة التجنيد السياسى خاصة , اذن لماذا تقوم هذه الاحزاب بأداء تلك الوظيفة ؟ وبمعنى آخر , ما هو مصير القيادات التى سيتم تجنيدها للعمل السياسى داخل تلك الاحزاب , فى ظل منافذ العملية السياسية فى النظام برمته ؟
أما فيما يتعلق بوظيفة الرقابة على السلطة التنفيذية , فهذه الاحزاب لا تستطيع على الاطلاق الرقابة على السلطة التنفيذية . فهى بداية لا تملك ما يؤهلها للعضوية فى مجلس الشعب , وهو احدى أهم وسائل الرقابة الحزبية على السلطة التنفيذية .
ومن ثم فانها تفتقد الحد الأدنى المتطلب للرقابة من خلال وسائل الرقابة البرلمانية التى تتيحها لائحة مجلس الشعب .
من ناحي أخرى , فان تلك الاحزاب لا تلك غالبيتها صحفا حزبيا , ومن يمتلك منها صحفا , فانها تكون عادة صحفا محدودة التوزيع , ناهيك عن أنها ضحلة شكلا ومضمونا .
اضافة الى ذلك , فان عدم وجود تنظيم محدد لتلك الاحزاب , يجعل منها كيانات غائبة وأرقاما لا قيمة لها فى ذاكرة القيادة السياسية , ويك مكن تخيل تلك المعضلة على سبيل المثال , عندما تدعى الدولة قيادات الاحزاب السياسية للاستماع لخطاب رسمى أو افتتاح مشروع قومى أو الدعوة لاجتماع رؤساء الاحزاب , ما يمكن أن يلاحظ من صعوبات جملة للبحث عن عنوان أووسيلة اتصال برئيس أو أمين عام هذا الحزب الصغير أوذاك .
وفيما يتعلق بالوظائف التنموية للاحزاب , لا يتوقع من تلك الاحزاب أن تؤدى أية وظائف تنموية فى النظام السياسى المصرى .
بمعنى أنها لم تضف جديدا ولم تكن مؤثرة فى النظام السياسى على الاطلاق . فهذه الاحزاب لا تشجع أو تدعم العمل السياسى فى المجتمع المصرى , وهو الغرض الذى تكونت من أصله , مقابل اللجوء الى وسائل غير سياسية فى عملية التفاعل بين أركان النظام الياسى .
وفى هذا الصدد يلاحظ أن تلك الاحزاب لم تشارك ات مرة فى أية حملة لدعم المشاركة السياسية فى النظام السياسى , بدءا من اصلاح جداول الانتخاب , وتشجيع المواطنين على قيد أسمائهم فى تلك الجداول , كما أن معظمها لم يشارك فى الانتخابات البرلمانية على المستويين القومى أو المحلى , ومن ثم لم ينضم أى منها لعضوية البرلمان .
من ناحية أخرى , فان تلك الاحزاب لم يكن لها جمعيات أو جماعات مصالح تؤازرها وتحملها رسالة تدعو لها ,كما أنها لا تمتلك صحافة قوية , ولا عضوية كبيرة داخل صفوفها كما أنها لا لا تمتلك شعبية أو جماهيرتستطيع أن تحشدها وتعبئها فى الشارع من خلال مسيرات أو احتجاجات ازاء عمل محدد .
وبناء على ما تقدم , فان تلك الاحزاب تفتقر الى وظيفة أن تكون مصدرا لشريعة النظام السياسى . فان كان هذا الأخير يسعى دائما الى أن يربط بين تلك الكيانات الورقية , واتجاهه الشكلى أو الصورى نحو الديمقراطية , فان الواقع العملى يشير الى ان تلك الاحزاب سواء منها الصغيرة أو الكبيرة لم تكن مصدرا للشرعية .
ويرتبط هذا الوضع بحال النظام الحزبى غير المسيس برمته , والقيود المحيطة به على وجه العموم . ومما لاشك فيه أن وجود مصادر بديلة للشرعية كثورة يوليو 1952 وثورة التصحيح 1971 وحرب أكتوبر 1973 , قد ساهم فى أن تصبح الاحزاب السياسية المصرية لا علاقة لها بالشرعية على وجه الاطلاق .
وأخيرا فان الاحزاب المصرية عامة والصغيرة خاصة , ونتيجة لحالها المزرى لم تعد لديها امكانية للقيام بوظيفة التعبئة السياسية للنظام السياسى . فهى غير مستعدة للقيام بهذه الوظيفة , كما أن النظام السياسى , لم يعد هو الآخر يطلب منها القيام بهذا الدور , لادراكها زادراك هذا الأخير بهشاشتها , وضعف شعبيتها .
وختاما لهذا القسم الافتتاحى لتلك الدراسة , يشار الى أن كافة القيود السابقة ترتبط بضعف الممارسة الديمقراطية فى المجتمع المصرى بأسره , ولا يرتبط هذا الأمر بحال المجتمع والدولة فى الوقت الراهن , بل تمتد آثاره لعقود بل وقرون غابرة .
وعلى الرغم من تحمل النظام السياسى القائمة على امتداد الفترة المسئولة فى ما آلت اليه المسيرة الديمقراطية منذئذ وحتى الآن , الا أن هذا الأمر لا ينفى على مستوى التحليل العام لأوضاع المجتمع المصرى بأسره حكاما ومحكومين , مسئولية التكوين الاجتماعى والاقتصادى والي سياسى والثقافى عن هذه النتيجة .
فالديمقراطية ليست مجرد مجموعة من المؤسسات والتنظيمات التى تعمل فى اطار اجتماعى , بل هى تتضمن أكثر من ذلك شروطا ثقافية واجتماعية واقتصادية .
ويقصد بالشروط الثقافية , ضرورة الاعتقاد بالقيم الليبرالية المتعارف عليها , والقائمة على التسامح واحترام حرية الرأى والتعبير , وغيرها من القيم المرتبطة بالطبيعة الانسانية والعلاقات الاجتماعية والسياسية , أما الشروط الاحتماعية والتنمية الاقتصادية .
وكل الأمور ظلت غائبة عن المجتمع المصرى , مما أدى لعدم التوازن بين المؤسسات القائمة والثقافة السياسية والتنظيم الاجتماعى والاقتصادى , ناهيك عن الازمة الفكرية التى تمثلت فى الصراع المستمر حتى الان خاصة بالنسبة للجماعات والقوى السياسية التى ترفض قيام حياة ديمقراطية على النمط المعاصر المتعارف عليه .
لذلك كله , فانه عندما تم استيراد النماذج الغربي للديمقراطية منذ قدوم بونابرت على رأس الحملة الفرنسية , ظلت كل أنماط الثقافة السياسية للمجتمع كما هى دون أى تغيير جوهرى حتى الوقت الحاضر .

القسم الثانى :الاحزاب الصغيرة قبل ثورة يوليو 1952 البرامج والسياسات " هانى عياد "

لم تستقر أدبيات النظم السياسية على صياغة محددة متفق عليها لتعريف مصطلح " الاحزاب الصغيرة " أو الاحزاب الأقلية حسب التعبير الأكثر رواجا وانتشارا فى الدراسات والبحوث السياسية .

وان كانت هناك محاولات لوضع بعض الخطوط والفواصل بين الاحزاب الكبيرة والصغيرة واجتهادات لصياغة عدد من المعايير التى تحد الحزب الصغير , بيد أنها لم تزل محاولات جنينية , واجتهادات فى طور التبلور , ولم تزل المنطقة الرمادية بين الاحزاب الكبيرة وتلك الصغيرة تتسع وتضيق حسب الظروف والأوضاع .

والاحزاب الصغيرة هى – فى الأعم الأغلب – نتاج انشقاقات وقعت فى أحزاب أكبر , أو هى ( أحزاب نوعية ) فيما لو جازت التسمية , مثل أحزاب الخضر , أو هى أحزاب ذات طابع اثنى أو عرقى , ينحص " نفوذها " وتنحسر " جماهيريتها " فى مناطق " الأقليات " التى تمثلها .

( دون أن يعنى ذلك أنها أحزاب عنصرية بالضرورة ) على هذا الاساس , فان مصطلح " الأحزاب الصغيرة " يشير الى تلك الأحزاب محدودة النفوذ فى مجتمعاتها , قليلة العدد فى عضويتها , ضعيف التأثير فى توجهات الأى العام , فضلا عن دوائر صنع القرار ورسم السياسة , وغالبا ما يكون تمثيل هذه الاحزاب فى البرلمان , فيما لو استطاعت أصلا أن تصل اليه , تمثيلا رمزيا أو محدودا .

وفق هذا الوصف تبدو الأحزاب الصغيرة وكأنها تكوينات هامشية , تولد وتحيا وتنزرى دون أن يشعر بها أحد فى المجتمع , ودون أن تترك بصمات تذكر على أى من مناحى الحياة فيه ,بيد أن هذا الانطباع ليس صحيحا دائما , وربما – هنا على وجه التحديد – تكمن واحدة من المفارقات المرتبطة بدور الاحزاب الصغيرة , والتى تتجلى بشكل خاص فى النظم البرلمانية , عندما لا تمنح صناديق الاقتراع أيا من تشكيل الحكومة منفردا , ثم يعز فى الوقت نفسه التحالف مع الحزب أو الاحزاب الكبيرة الأخرى .

هنا تصبح الكلمة شبه الفاصلة أو ما قبل الأخيرة للاحزاب الصغيرة أو أحزاب الأقلية , وتحديدا لمن استطاع منها أن يجد سبيله الى مقاعد البرلمان , حيث تلعب دور ا أكبر مما يمكن أن يتيحه لها حجمها ووزنها المعروف , فى تشكيل الحكومة وصياغة برامجها , متضمنا ما تستطيع هذه الاحزاب فرضه من رؤى ومواقف ومطالب خاصة بها .

وفى مصر ( قبل 1952 ) لم يقف الأمر عند هذه الحدود , بل تجاوزه بعدة خطوات , حيث لجأ القصر , كلما تعثرت الديمقراطية البرلمانية الوليدة , بين سراى الحكم وبين دار المندوب السامى البريطانى الى الاعتماد فى تنفيذ سياسته على الاحزاب الصغيرة أو الاحزاب الأقلية التى تعبر عن مصالح الطبقات الحاكمة من كبار الراسماليين وكبارملاك الأرض .

الاحزاب والجياة الجزبية فى مصر

عرفت مصر التكوينات الحزبية خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر , عندما ظهر الى الوجود عام 1879 الحزب الوطني بزعامة أحمد عرابي ثم كان هناك أيضا الحزب الوطني الجديد بزعامة مصطفى كامل , والذى اتفق على تسميته الحزب الوطني الجديد ربما فى محاولة لتمييزه عن حزب أحمد عرابي , وقد ظهرت الاشارة الأولى لتأسيسه فى الصحافة الفرنسية عقب الخطبة التى ألقاها مصطفى كامل فى باريس فى صيف 1895 وضمنها هجوما شديدا على الاحتلال البريطانى لمصر ثم كان أن اصدر مصطفى كامل فى عام 1900 جريدة اللواء التى بدت وكأنها الاعلان شبه الرسمى الصادر من القاهرة هذه المرة عن قيام الحزب الوطني الجديد بعدما أطلق مؤسسو الجريدة هذا الاسم على أنفسهم .

بيد أن الدكتور يونان لبيب رزق يعتبرأن يوم اعلان تأسيس حزب الأمة فى 20 سبتمبر عام 1907 هو البداية الحقيقية للحياة الحزبية فى مصر , ذلك أن التجارب السابقة , سواء الحزب الوطني الديم بزعامة عرابى أو حزب مصطفى كامل الوطنى الجديد كانت أولا حسب "رزق "أقرب الى كونها تيارات سياسية ضمنت جموع المصريين الرافضين للتدخل الأجنبى ( فى حالة حزب عرابى ) أو المعادين للاحتلال البريطانى , بعدما تحولت أحلام التدخل الى واقع ملموس , ( فى جزب مصطفى كامل ) كما أن التكوينات التى سبقت حزب الأمة كانت – ثانيا – تفتقد الى البناء التنظيمى ( ولعله أقرب ما يكون الى الهيكل الادارى منه الى الهيكل التنظيمى ) الذى توافر بشكل ما فى هذا الأخير , حيث كانت له لجنة ادارية من 25 عضوا , فضلا عن محمود باشا سليمان رئيسا للحزب , وحسن باشا عبد الرازق وعلى باشا شعراوى وكيلين للحزب , وأحمد لطفى السيد سكرتيرا دائما .

وان كان الملاحظ دائما أن الحزب ينشأ حول صحيفة بما فى ذلك حزب الأمة , أول الاحزاب التى ظهرت على الساحة بهيكل تنظيمى ( أو هيكل ادارى للدقة ) والذى تأسس حول صحيفة " الجريدة " التى أصدرها أحمد لطفى السيد , وأصبح بعد سكرتيرا للحزب .

ولم يكد يمضى عام واحد حتى كانت الساحة السياسية المصرية قد امتلأت بالأحزاب , من بينها الأحرار , و الدستورى , والنبلاء , والمصرى , والجمهورى , والاشتراكى المبارك , اضافة بالطبع الى الاحزاب الثلاثة الكبيرة الوطنى ( الجديد ) والأمة والاصلاح على المبادىء الدستورية .

أيا كان الأمر بشأن التاريخ الدقيق لميلاد الحياة الحزبية فى مصر , فانه يمكن القول – دون مبالغة – ان مصر عرفت الحياة الحزبية منذ وقت مبكر قياسا لبدايات ظهور مفهوم الحزب وارتباطه بالتعبير عن مصالح طبقة اجتماعية ( حسبما عكسها البيان الشيوعى الذى صاغه كارل ماركس وفردريك انجلز وصدر عام 1848 ) الأسس العلمية لتشكيل وقيام الاحزاب وهياكلها التنظيمية ( التى صاغها فلاديمير ايلتش لينين خلال الربع الأول من القرن العشرين ) لكن البداية الحزبية فى مصر كانت بداية مختلفة أو متميزة عن مثيلتها فى أوربا , فبينما كانت البداية فى هذه الأخيرة نتاجا طبيعيا لحالة التطور الاجتماعى التى أفضت الى تبلور طبقى واضح , خاصة بعد دخول بلدان أوربا عصر الثورة الصناعية , فكان أن قامت الاحزاب فيها تعبيرا عن صراعات اجتماعية داخلية , ودفاعا عن مصالح طبقية , فان الوضع فى مصر بدا مختلفا الىى حد بعيد , حيث لم تكن هناك بنية اجتماعية ( طبقية ) واضحة , وكانت البلاد – فى المقابل – تقع فى القلب من " أحلام " وأطماع الدول الصناعية ( الاستعمارية ) الكبرى , فكان أن البعد الوطنى احتل موقع الصدارة , متقدما على العامل الاجتماعى ( الطبقى ) فجاءت ولادة الاحزاب استجابة موضوعية لعامل خارجى , أكثر من كونها انعكاسا لواقع داخلى , بمعنى أنها كانت تعبيرا عن الحركة الوطنية فى ىمواجهة الاطماع الاجنبية أو ضد الاحتلال البريطانى , أكثر مما هى تجسيدا لصراع اجتماعى طبقى , خاصة مع ظهور أحزاب مؤيدة للاستعمار .

ثم كانت العلاقة بين الحزب والصحيفة واحدة من أبرز السمات الملفتة لميلاد الحياة الحزبية فى مصر .

فالمعروف – الآن – أن الحزب يتشكل أولا ثم يصدر صحيفته التى تعبر عن سياسته ومواقفه , حتى ان كثيرا من الاحزاب التى ظهرت على الساحة , كانت تجرى داخلها – بعد تشكيلها واعلاناها – نقاشات واسعة حول اسم الجريدة وشكلها ومضمونها , بينما الذى حدث فى بدايات التجربة الحزبية المصرية , وخلال النصف الأول من القرن الماضى , كان عكس ذلك تماما , اذ كانت تصدر أولا ثم يعلن بعض المؤيدين لها والملتفين حولها ميلاد حزبهم , حتى ان كثيرا من الاحزاب كانت معروفة باسم الصحيفة التى تصدر عنها .

حدث هذا – على سبيل المثال – مع الحزب الوطني الجديد ( مصطفى كامل ) الذى ظهر بعد صدور جريدته ( اللواء ) , ومع الأحرار الدستوريين , الذى تشكل بعد بضعة أشهر من صدور جريدته ( السياسية ) . ثالث السمات الملفتة التى رافقت بدايات تجربة الاحزاب المصرية , كانت تلك المتعلقة بالبرامج الحزبية , والتى غابت عن معظم الاحزاب المصرية ( باستثناء الاحزاب الأيدلوجية , والماركسية على وجه التحديد ) , واكتفت الاحزاب بما هو أقرب الى البيانات الانتخابية منها الى البرامج السياسية والاجتماعية – الاقتصادية , واعتمدت بشكل أساسى فى تحديد مواقفها ورسم سياساتها على ما يعلنه رئيس الحزب ويقرره والذى منحته اللوائح الداخلية للاحزاب صلاحيات واسعة .

البناء الاجتماعى

البنية المجتمعية أو التركيب الطبقى للمجتمع – أى مجتمع – تعد بمثابة التربة التى تببت فيها الاحزاب , والحضانة التى تنمو عبرها الحياة الحزبية .

ولا يغير من هذا الأمر شىء ما اذا كانت الاحزاب قد نشأت نتيجة صراع اجتماعى ( طبقى ) داخلى , مثلما هو الحال فى المجتمعات الأوروبية الأكثر تطورا , أو أنها قد ولدت بفعل تحديات خارجية , من الاطماع الاجنبية الا الاحتلال المباشر القائم على أرض الوطن , مثلما هو الحال فى مصر , وان كان الحديث عن البنية الاجتماعية فى البلدان النامية , ومن بينها مصر يبدوأكثر صعوبة وأشد تعقيدا بسبب عدم اكتمال نموها , فضلا عن تعدد وتعايش أنماط انتاج مختلفة فى آن واحد .

وفى كل الأحوال فان الاقتراب من الاحزاب السياسية يفترض كمدخل ضرورى الاقتراب من البنية الاجتماعية ( الطبقية ) للمجتمع , ذلك أن الاحزاب فى التحليل الأخير هى تكوينات أة هيئات سياسية قامت لتدافع عن مصالح اجتماعية محددة لطبقات اجتماعية تكونت , أو هى فى طريقها الى ذلك .

حتى فى الفترات التى تتغلب فيها الاعتبارات الوطنية ( تحديات خارجية ) على العوامل الاجتماعية ( الطبقية ) الداخلية , مثل الحالة المصرية , فان هذه الأخيرة ( العوامل الاجتماعية ) لا تذ وب ولا تتلاشى , عند مواجهة التحدى الخارجى وحماية الوطن , ثم لا تلبث ( العوامل الاجتماعية – الداخلية ) أن تعود الى الواجهة من جديد , حيث أنها دائما جوهر الصراع ومحتواه .

ثم ان نشوء الأحزاب السياسية , وأيا كانت الأسباب المباشرة الدافعة لهذا النشوء , هو تعبير مباشر عن مصالح وتطلعات طبقات أو فئات اجتماعية فى المجتمع .

مصر فى مطلع القرن العشرين

اختلف الباحثون حول شكل ومضمون الخريطة الاجتماعية ( الطبقية ) لمصر المعاصرة , وهو اختلاف لعله يعود الى التباين الطبيعى والمشروع بين اجتهادات متعددة انطلقت منة مدارس فكرية مختلفة وانتماءات مذهبية متباينة .

ان الاختلاف حول تحديد مفهوم الطبق أو تحديد نمط الانتاج الذى عرفته مصر المعاصرة – اذا كان يعكس اختلافا فكريا ايديولوجيا – فانه يؤدى الى تباين , قد تتسع شقته كثيرا فى أدوات ومعايير التحليل , وبما يقود بالضرورة الى نتائج مختلفة ومتضاربة أحيانا .

ثم كانت هناك أيضا الاختلافات حول حدود الملكية التلا تجعل من صاحبها واحدا من أبناء الطبقة العليا , أوتهبط به الى ما دون حدود الشرائح المتوسطة .

و كذلك كان أن بعض الباحثين وضع الذين يملكون 50 فدانا أو أكثر بين صفوف البرجوازية الزراعية الكبيرة ( الطبقة العليا ) , فى حين اعتبر باحثون آخرون أن الذين يملكون أقل من 200 فدان انما يندرجون فى عداد المتوسطة ( الطبقة الوسطى ) .

وفى كل الأحوال , وبقدر ما يبدو مرتبطا بموضوع الأحزاب الصغيرة قبل ثورة 1952 , يمكن التأكيد دون تجاوز أو مغالاة , ان البناء الاجتماعى للمجتمع المصرى خلال النصف الأول من القرن الماضى , قد أخذ شكل هرم رأسه المدبب قد انحسر فى المدن , والعاصمة على وجه الخصوص , ان لم يكن على وجه التحديد , فان القاعدة الفقيرة – الى حد العدم – قد امتدت بطول الوطن من أقصاه الى أقصاه , وتغلغلت فى قراه ونجوعه الأبعد ما تكون عن مركز الحركة واتجاهاتها ربما الى الدرجة التى لا تكاد معها أن تحس بها أو بآثارها .

تكونت قاعدة البناء الاجتماعى من الفلاحين ( فى الريف ) والعمال فى " المدن " , وربما كان ضروريا هنا التوقف قليلا لازالة بعض اللبس العالق بمفهوم الفلاحين والعمال .

فالمعنى الدارج الذى تحمله كلمة " فلاح " يشير الى كل من يعتمد فى معيشته – كليا أو جزئيا – على دخله من الزراعة , بصرف النظر عن مساحة الاراضى التى يملكها وبدون التوقف أمام ما اذا كان المعنى بالتوصيف يزرع أرضه بنفسه أم من خلال آخرين , بينما المقصود هنا بالفلاح هو المعدم الذى لا يملك أرضا ولا يمتهن سوى الزراعة ولا يملك الا أن يبيع قوة عمله بالعمل فى أراضى الغير , وقد أضاف بعض الباحثين الى هؤلاء أصحاب الملكيات الصغيرة جدا ( أقل من فدان ) وهى بدورها لا تكفى لس الرمق فيضطر أصحابها – أيضا – الى بيع قوة عملهم للغير .

هؤلاء وأولئك كانوا يشكلون حتى عام 1952 أكثر من 93 بالمائة من عدد سكان الريف وكانت أحوالهم أكثر سواءا من نظرائهم عمال المدن , حيث انتشر فى أوساطهم الجهل والمرض , اضافة الى الفقر , وربما من هنا ظهر الحديث عن هذا الثالوث اللعين , الفقر والجهل والمرض , وتكفى الاشارة الى أن المواليد فى الريف كان يجرى تسجيلهم فى مكاتب الصحة بعد ولادتهم بفترة قد تصل الى حتى يتجنب ذووهم استخراج تصاريح دفن فى حالة الوفاة التى كانت شائعة .

هذه الكتلة البشرية الضخمة بقيت دائما بعيدة عن كل أشكال العمل العام , فلا الاحزاب اكترثت بهم ولا هم اقربوا منها , وقد ظلوا على الدوام يعانون من الاستغلال والاضطهاد .

لكن المفاجأة أو المفارقة أن الشعور الوطنى العارم الذى تدفق بغزارة فى أحداث ثورة 1919 قد حرك معه هؤلاء الذين اعتقد الكثيرون أنهم فقدوا الروح والحياة مع غياب الوعى وانتشار الفقر والجهل والمرض .

وبنفس القد رأيضا يستدعى الأمر ازالة ما قد يكون أصاب مفهوم العامل من تشوش , حيث أننا نعنى بالعامل , كل من لا يملك أية وسيلة من وسائل الانتاج , وليس له مورد دخل الا ما يحصل عليه من بيع قوة عمله دون غيرها .

ظهر العمال فى المدن أواخر القرن التاسع عشر فى المشروعات الكبيرة والحديثة ( بمقاييس ذلك الوقت ) فى الصناعة ( الغزل والنسيج خاصة ) والنقل ( الترام والسكة الحديد ) , وقد امتدت أصول بعضهم الى الريف , وكان بينهم عدد كبير من أصحاب الحرف الذين تركوا حرفهم وانتقلوا الى الصناعة لاسباب شتى .

اتسم هؤلاء العمال الذين لم يكونوا يملكون سوى قوة عملهم , بدرجة عالية ( نسبيا ) من الوعى من خلال احتكاكهم بالعمال الأجانب , وأسسوا نقاباتهم التى اهتمت أساس بالنضال المطلبى من أجل تحسين ظروف العمل والمعيشة , ثم سرعان ما التحموا بالحركة السياسية , ولعل الحزب الوطني ( مصطفى كامل ) كان أول من التفت اليهم واهتم بهم .

فوق هذه القاعدة كانت هناك الطبقة الوسطى , ( مع التحفظ حول صحة اطلاق توصيف " طبقة " على كل الشرائح الاجتماعية المنضوية بين دفتيها ) وقد امتد جناحها أيضا بين الريف والمدينة .

وسوف نلاحظ أن هذه " الطبقة " تضم خليطا غير متجانس من حيث العلاقة بوسائل الانتاج والثروة والدخل والمستوى التعليمى والمهنى , لا يجمع بينهم سوى أنهم جميعا ارتفعوا قليلا عن مستوى الطبقات الدنيا دون أن يتمكنوا من اللحاق بالطبقة الأعلى .

فى جناحها المدينى , ينضوى بين دفتى هذه " الطبقة " موظفو الحكومة ورجال الادارة والقضاء والضباط والمهنيون من أطباء ومحامين وصحفيين ومهندسين .. وأصحاب الأنشطة التجارية أو الصناعية أو الحرفية , الذين يعملون لحساب أنفسهم ولا تؤهلهم نشاطاتهم للارتقاء اللا أعلى واختراق تخوم الطبقة العليا .

أما فى جانبها الريفى , فقد ضمت " الطبقة " الوسطى ذوى الملكيات المتوسة الذين يملكون ما بين خمسة أفدنة الى 100 فدان ( بعض الباحثين يحلو له أن يضيف الى شرائح هذه " الطبقة " هؤلاء الحائزين على أقل من خمسة أفدنة وأكثر من فدان واحد , على اعتبار أنهم يمثلون قاعدة " الطبقة الوسطى " فى الريف , وقد استمرت اقامة معظمهم فى الريف , ومارس أبناء هذه الشرائح العمل العام فى شكله السلطوى غالبا , حيث حلوا محل كبار الملاك ( الذين هجروا الريف غالبا الى العاصمة ) فى قيادة القرى , فاحتلوا مناصب العمودية والمشيخات .

وقد لعب أبناء هذه الطبقة دورا حيويا فى تحديث المجتمع وتنميته , استنادا الى المهارات الأساسية التى اكتسبوها من التعليم , كما استطاع بعض منهم أن يحتل موقعا متميزا فى الحياة العامة ويكونوا جزءا مهما من النخبة المؤثرة فى الحياة السياسية , ويلاحظ دكتور رؤوف عباس أن عددا كبيرا من الذين أحرزوا شهرة متميزة ومكانة مرموقة فى المجتمع خلال النصف الأول من القرن العشرين , كانوا من أبناء " الطبقة " الوسطى , بعدما استطاعوا اختراق الحاجز الذى يفصلهم عن الطبقة الأعلى .

وفى قمة الهرم الاجتماعى , تتربع الطبقة العليا , أو الطبقة البرجوازية , الأكثر ثراء والأقوى نفوذا , وهى بدورها تنقسم الى جناحين , المدينى أو ما اصطلح على تسميته الرأسمالية ( الصناعية والتجارية ) , والجناح الريفى أوجناح كبار ملاك الأراضى الزراعية .

وربما من المفيد ملاحظة أن الانتقال من الاقطاع الى الرأسمالية حدث فى صورة " تزاوج " فيما لو صحت التسمية , وليس نتيجة صراع .

اذ ان معظم كبار ملاك الراضى الزراعية . والآرجح أن الذى ساعد على هذا الانتقال " السلمى " – أولا – أن معظم أبناء هذه الطبقة , كانوا قد هجروا الريف واستقروافى العاصمة , وهو ما جعلهم فى حالة تماس مع التطور الصناعى والتجارى , ثم كان هناك – ثانيا – بنك مصر وشركاته بمثابة عامل مشجع لآصحاب " رؤوس الأموال الزراعية " على الانخراط فى النشاطات الصناعية والتجارية التى راح يمارسها البنك , اضافة الى ذلك – ثاثا – الأزمة الاقتصادية العالمية الكبرى ( 19291933 ) والتى كانت قد قذفت بالكثيرين من أبناء هذه الطبقة الى المستويات الاجتماعية الأدنى , فانها قد دفعت الآخرين الى التفكير الجدى فى عدم الاعتماد وحسب على زراعة القطن وتجارته .

والحاصل أن الرأسمالية الصناعية فى مصر ولدت من رحم الاقطاع , ولم يكن بغير دلالة فى هذا السياق أن معظم العائلات التى شملتها قرارات التأميم , فى مرحلة الثورة الناصرية , كانت هى نفسها العائلات التى خضعت لقوانين الاصلاح الزراعى والقضاء على الاقطاع .

الجناح المدينى من البرجوازية الكبيرة يضم بين دفتيه رجال الصناعة والتجارة وكبار الممولين , ومعظم أبناء هذا الجناح من كبار ملاك الأراضى الزراعية الذين بدأوا فى الجمع بين زراعة القطن وتجارته , ثم اتسعت نشاطاتهم وراحوا ينسجون علاقات اقتصادية مع شركات بنك مصر ويشترون أسهمها , فانغمسوا رويدا رويدا فى الأنشطة الصناعية والتجارية وأصبح الكثير منهم أعضاء فى مجالس ادارات الكثير من الشركات والغرف التجارية .

أما لجناح الريف فى البرجوازية الكبيرة فهم هؤلاء الذين يملكون أكثر من 100 فدان , وقد هجر أبناء هذا الجناح الريف غالبا واستقراوا فى العاصمة , ولم يعد يربطهم به الا ايراد الأرض يحمله كل موسم " خولى " العزبة وهم غالبا يفتقرون الى التجانس الاجتماعى ليس فقط من حيث الانتماء , اذ كان بينهم أتراك متمصرون , لكن أيضا وأساسا من حيث حجم الثروة , وبالتالى قوة النفوذ , فقد كان بينهم من يملكون أكثر من ثلاثين ألف فدان , وكان هناك بالطبع من يقف عند الحدود الدنيا ( 100 فدان ) هذه الطبقة العليا بجناحيها ( المدينى والريفى ) هى التى لعبت الدور الأكبر والأهم فى تشكيل الاحزاب وقيادة الحركة الوطنية .

الوفد فى الساحة السياسية

ليس ثمة جدال فى أن حزب الوفد هو أحد أشهر وأكبر الأحزاب المصرية – ان لم يكن أشهرها وأكبرها على الاطلاق – وأكثرها تأثيرا فى تاريخ مصر المعاصر .

وقد توقف عدد من المؤرخين أمام ما اعتبروه " الطبيعة المزدوجة " للوفد , بين كونه وكيلا للامة المصرية ومتحدثا باسمها وممثلا لحركتها الوطنية , وبين كونه حزبا سياسيا شأنه شأن الاحزاب الأخرى , يتنافس معها على الوصول الى السلطة عبر صندوق الاقتراع .

أيا كان الأمر , فقد ألقى حزب الوفد بظلال كثيفة على الساحة السياسية والحزبية المصرية , والشاهد -_أولا – أن " الوفد " لم يكن مجرد " حزب أغلبية " بل كان الحزب الوحيد الذى استطاع – وحده دون غيره من الاحزاب – أن يحشد ويحرك الجماهير الشعبية من عمال وفلاحين من أبناء الطبقات الدنيا .

والشاهد – ثانيا , وهو المهم فى هذا السياق – أن عددا من أحزاب الأقلية ( الاحزاب الصغيرة ) التى لعبت دورا مهما فى السياسة المصرية , خرجت من عباءته , حتى أن هناك من المؤرخين من يرى أن " الاحزاب الصغيرة " فى مرحلة ما قبل الثورة اما أنها خرجت من عباءة الوفد , أو أنها نشأت فى أحضان القصر .

تشكلت قيادة حزب الوفد من ممثلى البرجوازية الكبيرة ( بجناحيها الريفى والمدينى ) , ومن الشرائح العليا فى "الطبقة الوسطى " وخاصة من بين أصحاب المهن الحرة .

وعبر تاريخ " الوفد " ( 19181953 ) شهدت النسبة بين وجود , ومن ثم نفوذ ممثلى الطبقتين داخل قيادته تأرجحا بين الزيادة والنقصان , وان كانت قد بقيت معظم الوقت فى صالح البرجوازية الكبيرة , لكن لم يحدث أبدا أن ضم الوفد الى قيادته من يمكن اعتباره منتميا للطبقات الشعبية , أو ممثلا للعنمال والفلاحين .

والحاصل أن المادة 21 من أول قانون صدر للوفد عام 1919 نصت على أن يتحمل كل عضو من أعضاء الوفد نفقات سفره واقامته " ثم اشترطت المادة 22 أن يكون " أعضاء اللجنة المركزية للوفد من ذوى المكانة الرفيعة والغيرة " وهكذا يكون " الوفد " قد وضع أسس توجهته السياسية – الاجتماعية عنما ارسى أولى لبنات تكوينه , فهو " حزب " للاغنياء دون الفقراء , لذوى " المكانة والغيرة " دون " الرعاع " على حد تعبير إسماعيل صدقي الوفدى السابق .

والغريب أن هذا الموقف الصارخ فى وضوحه لم يكن مطلوبا بكل هذه الحدة , اذ المفهوم أن " وكلاء الأمة " سوف يكونون بالقطع من بين هؤلاء القادرين على تحمل نفقات السفر الى بريطانيا ’, ومن بين هؤلاء المهتمين والمهمومين بالعمل الحزبى , ان انخرطوا فى أو حتى اقتربوا من أى تشكيل حزبى , فضلا عن أنه لم يعرف عنهم اهتمامهم بالقضايا العامة .

تشكلت أول قيادة للوفد فى نوفمبر عام 1918 من سبعة أعضاء كانوا جميعا من كبار الملاك الزراعيين , بمن فيهم سعد زغلول نفسه الذى كان قد ارتقى الى مصاف البرجوازية الزراعية الكبيرة منذ دخوله الى الوازرة عام 1918 , حيث بلغت مساحة الأرض التى أصبح يملكها حينئذ 400 فدان .وعندما بدا أن الوفد فى طريقه لأن يصبح ممثلا للامة ووكيلا عنها, ارتأى سعد زغلول توسيع دائرة القيادة حتى يصبح بمقدوره أن يتحدث نيابة عن القيادة الأوسع باسم الأمة , فضم اليها سبعة أعضاء آخرين منهم مصطفى النحاس وحده ينتمى الى " الطبقة " الوسطى , بينما كان الستة الآخرون من البرجوازية الكبيرة , اربعة منهم ينتمون الى البرجوازية الزراعية , أو كبار الملاك , واثنان من الرأسمالية الصناعية – المالية هما إسماعيل صدقي وحافظ عفيفي .

ويمكن القول ان عام 1932 شهد أبرز وأهم خل فى التركيبة الاجتماعية لقيلدة الوفد لصالح " الطبقة " الوسطى , حيث أن الانشقاق الشهير الذى وقع فى صفوف " الوفد " فى أواخر ذلك العام أسفر عن خروج عشرة أعضاء من قيادات الوفد فضلا عن أربعة آخرين غادروا مواقعهم بالاستقالة أو بالوفاة , وهكذا لم يكن ينتهى عام 1932 الا وقيادة " الوفد " لم تعد تضم سوى سبعة أعضاء فقط .

وكان أن قرر مصطفى النحاس ضم 12 عضوا جديدا ليصبح عد أعضاء القيادة الوفدية 19 عضوا , لم يكن من بينهم سوى خمسة أعضاء فقط ينتمون الى البرجوازية الكبيرة ( الزراعية والصناعية – التجارية – المالية ) وبقى الوضع على هذا الحال بضع سنوات الى أن عادت الصراعات تنشب مرة أخرى فى الوفد , فتخرج مجموعة وتدخل أخرى ويعود الميزان فى القيادة ليميل الى جانب ممثلى البرجوازية الكبيرة بجناحيها الزراعى والصناعى – التجارى .

والذى حدث أنه فى عام 1937 بدأت الاتهامات تنهال على مصطفى النحاس وعناصر فى قيادة " الوفد " بالانحراف عن مبادىء سعد زغلول , ثم لم تلبث الاتهامات أن تحولت صراعا , أسفر فى بدايات عام 1938 عن خروج أربعة أعضاء من قيادة الوفد من بين هؤلاء الذين ينتمون الى الشرائح العليا من الطبقة الوسطى ليشكلوا" الهيئة السعدية " وليسارع مصطفى النحاس بضم 16 عضوا جديدا كان من بينهم 12 عضوا من البرجوازية الكبيرة بجناحيها الريفى والمدينى , وليصبح عدد أبناء هذه الطبقة 17 عضوا من أصل 27 عضوا .

ثم ان نواب " الوفد " فى البرلمان ( مجلس النواب ) من الذين ينتمون الى البرجوازية الكبيرة " بجناحيها ) بين أعضاء البرلمان المنتمين الى ذات الطبقة , كانت مرتفعة الى درجة ملفتة , حيث بلغت 84 بالمائة فى برلمان 1924 , ثم 93 بالمائة فى برلمان 1930 , ثم 88 بالمائة فى برلمان 1942 , ثم 71 بالمائة فى برلمان 1952 , وهى نسب لا تختلف كثيرا عن نسبة ذات الطبقة داخل الوفد .

والحاصل أن هذه البنية الاجتماعية للوفد قد انعكست على سياساته ومواقفه , فقد بقى " الوفد " ممثلا أمينا لمصالح البراجوازية الكبيرة ( بجناحيها ) ومدافعا صلبا عنها , حتى أن خروج إسماعيل صدقي وحافظ عفيفي عن الوفد لم يكن خروجا للراسمالية الكبيرة من حزب الاغلبية ,ولم يضع حدا لتمثيل الوفد لمصالح البرجوازية الكبيرة ( بجناحيها ) والدفاع عنها , حيث بقى ممثلوها فى الوفد وفى قيادته خاصة .

والذى حدث أن نضال الوفد الوطنى فقط على الجانب السياس دون غيره , فجعل من الاستقلال ووحدة وادى النيل قضيته المركزية , وأغفل تماما البعد الاجتماعى الذى لم يحظ بأى اهتمام , بل لعل العكس كان هو الصحيح .

, حيث رفض الوفد اعادة توزيع الملكية الزراعية بل ورفض حتى وضع أية قيود أو ضوابط تحد من زيادتها وتوسعها , واكتفى بأسلوب الترميم وسيلة للتامل مع أوضاع الفلاحين وبما يتعارض مع مصالح الملاك أو يهدد ممتلكاتهم , ولم يبق من المضمون الاجتماعى لنضال " حزب الأغلبية " سوى الدعوة الى تحسين الاحوال المعيشية وكفالة ضمانات الرعاية الاجتماعية , والاعتماد على الضرائب طريق لتحقيق العدالة الإجتماعية دون الاقتراب من جوهر " المسألة الاجتماعية " وعلاقات الانتاج أو المساس بهما .

خلاصة الأمر , ان " الوفد " كان حزبا جماهيريا بحكم قدرته على حشد الجاهير الشعبية من أبناء الطبقات الدنيا , وليس – بالقطع – نتيجة توجهاته أو سياساته الاجتماعية الاقتصادية .

الاحزاب الصغيرة .. التوجهات والمواقف

عند الحديث عن الاحزاب الصغيرة فى مرحلة ما قبل ثورة يوليو , يثير حزبا الأحرار الدستوريين والهيئة السعدية , قدرا من الجدل مدى دقة ادراجها فى خزانة الاحزاب الصغيرة .

أصحاب الرأى الرافض , أو حتى المتحفظ على ادراج الحزبين ضمن خانة أحزاب الأقلية ( الصغيرة ) يستندون فى موقفهم على حقيقة أن كلا الحزبين تولى الحكم لفترات طويلة نسبيا ( قياسا للسنوات السبع التى حكم فيها حزب الأغلبية " الوفد " ) , فضلا عن أن كلا الحزبين كان له غالبا عدد معتبر من النواب فى البرلمان .

والأرجح أن تولى السلطة بموجب ارادة ملكية ( بعد اقالة الحزب الأكبر فى أغلب الأحيان ) لا يمكن الاعتداد به مقياسا لحجم الحزب كبيرا كان أم صغيرا , فضلا عن أن كلا الحزبين خرج انشقاقا عن الوفد بأقلية واضحة فى القيادات والقواعد على السواء , بينما بقى " الوفد " حزب الأغلبية الأكبر .

ثم كان التركيب الاجتمااعى ( الطبقى ) للمجتمع المتداخل , قد تجلى بصورة ما فى أحزاب الأقلية , مثلما انعكس على حزب الأغلبية ( الوفد ) .

فخلال النصف الأول من القرن العشرين , كانت الطبقات فى طور التبلور والنمو , وكانت الرأسمالية تتشكل فى رحم الاقطاع وتولد فى أحضانه , وكان الاقطاعيون الذين هجر معظمهم الريف وانتقلوا الى المدينة , والعاصمة تحديدا , هم أنفسهم الذين راحوا يبستثمرون ثرواتهم فى النشاطات الصناعية والتجارية والمالية , ولذلك فانه اذا كان من الصعب توصيف " الوفد " على أنه حزب الاقطاع أو حزب البرجوازية الصناعية – التجارية – المالية , فان الامر بالنسبة للاحزاب الصغيرة ( أحزاب الأقلية ) يبدو أكثر صعوبة , حيث أن نسبة غير قليلة من قيادتها الأبرز كان نشاطها , وبالتالى انتماؤها ومصالحها , قد ارتبط بجناحى البرجوازية ( الريفى والمدينى ) فى آن معا , فضلا عن أن الواقع الاجتماعى ( الطبقى ) السائد فى المجتمع لآنئذ , لم يكن يسمح بالفصل الحاد بين الجناحين , فلم نجد أيا من هذه الاحزاب وقد ارتبط بطبق بعينها وراح يدافع عن مصالحها , بل كان تكوينها على وجه العموم مزيجا من البرجوازية الكبيرة ( بجناحيها ) والشرائح العليا من الطبقة الكتوسة .

حتى أن حزب الهيئة السعدية – مثلا – الذى تأسس عام 1938 انشقاقا عن الوفد وأصبح معروفا بأنه حزب البرجوازية الصناعية الكبيرة , لم يكن له فى برلمان عام 1950 سوى عضوين فقط ينتميان الى هذه الطبقة من بين 45 عضوا يمثلون الطبقة ذاتها نجحوا فى الوصول الة مقاعد البرلمان .

والظاهر أن معظم هذه الاحزاب , لم تنشأ استجابى لضرورة موضوعية , تفرضها التطورات التى طرأت على المجتمع ولا حتى استجابى لتحديات خارجية أو عوامل وطنية ( بالمعنى السياسى للكلمة ) , وانما كان قيامها فى الأعم الأغلب نتيجة خلافات وصراعات شخصية .

وربما يمكن أن نرصد هنا أيضا – كأحد أسباب قيام الاحزاب الصغيرة – توصيف كثير من رجال ورموز البرجوازية الكبيرة بأنهم " انشغلوا بالعمل العام وتأليف الاحزاب " تلك العبارة التى وردت فى معظم الكتابات التى تناولت تاريخ ومسيرة الاحزاب السياسية المصرية فى مرحلة ما قبل ثورة يوليو .

والحاصل أن القصر كان يعتمد فى تنفيذ سياساته على أحزاب الاقلية المعبرة عن مصالح الطقات الحاكمة , كبار الرأسماليين وكبار ملاك الارض , بل كان القصر يتجاورفى أحيان ليست نادرة حدود " الاعتماد " وصولا الى سياسة " الاستخدام " يذكر طارق البشرى أنه بعد اقالة حكومة الوفد فى أكتوبر عام 1944 كلف الملك أحمد ماهر رئيس حزب السعديين ( الهيئة السعدية ) بتأليف وزارة تتمثل فيها كافة أحزاب الأقلية ( السعديون والأحرار الدستوريين والكتلة الوفدية والحزب الوطني ) وكان أول ما عملته الوزارة أن أفرجت عن المعتقلين السياسيين , وكان معظمهم من معارضى الحكم الوفدى .

وكان أن بعض هؤلاء الذين أطلق سراحهم ومنهم علي ماهر ومكرم عبيد قد خرجوا من المعتقلات قبل الاعلان الرسمى عن تشكيل الوزارة وقبل أن يصبح لها بالتالة صلاحية القيام بهذا العمل .

وينقل طارق البشرى عن د. محمد حسين هيكل أن مكرم عبيد حضر من معتقله الى مجلس الوزراء أثناء اجتماع قادة الحزبين ( الهيئة السعدية والأحرار الدستوريين ) لمناقشة تشكيل الوزارة , وسأل : مادام الحاكم العسكرى لم يعين بعد , فمن الذى أمر بالافراج عنا اذن ؟ " ويستطرد د .

هيكل : ان التصوير القانونى الذى تقضى به طبيعة أوضاعنا الدستورية لم يرد بخاطر أحد ساعة دخل علينا مكرم عبيد ويستخلص طارق البشرى من هذه الواقعة أن قرار الافراج قد صدر عن القصر ( الملك ) دون حساب للمسئولية الوزارية أو لما يجب أن يكون حسب تقاليد الحكم .

حزب الأحرار الدستوريين

بعد اندلاع ثورة 1919 وبدء المفاوضات مع بريطانيا , راحت تتبلور فى آفاق الوفد ملامح اختلاف بين أعضائه حول هدف المفاوضات , ففى حين اعتبرت مجموعة حزب الأمة القديم " داخل الوفد ) , ان المفاوضات لا يجب أن تذهب الى أبعد من تنظيم الحماية البريطانية على البلاد , تمسك رجال الوفد بزعامة سعد زغلول بشعار الاستقلال التام وكان أن انشق الوفد قبل أن يستقر الغبار الذى أثارته ثورة 1919 بخروج رجال حزب الأمة القديم .
ورغم المنشقين لم يعلنوا حزبهم الا أنهم قبلوا الحكم حيث أصبح زعيمهم عدلي يكن رئيسا للوزارة فى مارس عام 1921 , وهو الذى سيصبح بعد ذلك بحوالى عام ونصف العان أول رئيس للحزب الجديد .
وكان أن أصدر تصريح 28 فبراير الشهير , بالتزامن مع انتهاء لجنة صياغة الدستور ويواصل المفاوضات مع بريطانيا لاستكمال مقومات الاستقلال وهكذا بدا المناخ مواتيا لاعلان حزب الأحرار الدستوريين فى 30 أكتوبر عام 1922 .
ويعتقد الباحثون فى تاريخ مصر المعاصر , ولعلهم محقون فى ذلك , أن هذا الحزب ليس سوى امتداد لحزب الأمة القديم , سواء من حيث الشخصيات التى ساهمت فى تأسيسه أو من حيث السياسات والمصالح التى تبناها ودافع عنها .

أ‌- التكوين الاجتماعى

يعد حزب الأحرار الدستوريين حزب أصحاب المصالح الذين تجمعوا من بقايا حزب الأمة وكبار الملاك فضلا عن شريحة واسعة من المثقفين الليبراليين , حزب العائلات الكبيرة ( الكبيرة بثرواتها وليس بالضرورة فى عددها ) حيث أن عائلات بأكملها – تقريبا – كانت قد ساهمت فى تكوينه وقيادته طوال فترة وجوده على الساحة السياسية منذ اعلانه عام 1922 وحتى حل الاحزاب عام 1953 وتعود بعض هذه العائلات الى أصول تركية منها عائلية يكن التى جاء منها عدلي يكن الرئيس الأول للحزب , وشقيقه مدحت يكن وكيل الحزب ورئيس الشركة التى تصدر صحيفته ( السياسية ) , والذى شارك فى تأسيس بنك مصر وكان عضوا فى مجلس ادارته قبل أن يصبح رئيسا له , وقد تقلد قبل تأسيس الحزب .
ومنها عائلة محب وعائلة والى كما عرف عن الحزب أنه حزب عائلات لملوم وأباظة ومحمود ( باشا ) سليمان وعبد الرازق وعبد الغفار وخشبه ودوس خله .. وغيرهم .
ولعل اللافت هنا أن هذه العائلات لم تكن متمركزة فى مكان واحد بل انتشرت فى أنحاء البلاد من القاهرة الى الشرقية الى المنوفية الى أسيوط والمنيا والدقهلية والغربية , وهو ما قد يوحى باتساع دائرة الحزب وحجم عضويته الكبير , بيد أن الأمر لم يكن كذلك على وجه الدقة اذ أن هؤلاء لم يكونوا أكثر من جنرالات بلا جيش " على وجه التقريب .
تتابع عاى رئاسة الحزب أربعة رؤسائ كانوا جميعا ( باستثناء الرئيس الثانى عبد العزيز غهمى ) من كبار رموز البرجوازية الزراعية الكبيرة , وهم عدلي يكن ومحمد محمود ود . محمد حسين هيكل فضلا عن أنهم كانوا من رموز المجتمع الثقافية بمن فيهم عبد العزيز فهمي , ولم يختلف الأمر كثيرا مع وكلاء الحزب مدحت يكن وحافظ عفيفي ومحمود عبد الرازق ورشوان محفوظ وعلي عبد الرازق , اللهم , الا أن الثانى بين هؤلاء جمع منذ وقت مبكر بين انتمائه لجناحى البرجوازية الكبيرة المدينى والريفى ( دون أن يعنى ذلك استثناء الآخرين من هذه السمة * حيث كان رئيسا لمجلس ادارة بنك مصر وعضوا فى مجالس ادارة نحو 37 شركة وكسيطرا على العديد من الشركات الأخرى .
ولعل أبرز الشخصيات التى ساهمت فى تأسيس الحزب وظلت تحدد مواقفه وترسم سياساته محمد محمود وحسن عبد الرازق وشقيقه محمود وحسين , والشيخان على ومصطفى عبد الرازق ودسوقى أباظة وأحمد عبد الغفار وسيد خشبه وأحمد محمد خشبه وتوفيق ووهيب دوس ومحمود محفوظ , وهم مكبار رموز البرجوازية الزراعية الكبيرة كما ضم الحزب عددا من رموز البرجوازية المدينية ( الصناعية – التجارية - المالية ) من بنهم مدحت يكن , ويوسف قطاوي أحد مؤسسى لجنة التجارة والصناعة عام 1916 , وأمين يحيى أحد أعضاء ذات اللجنة وابن كبير تجار الأسكندرية , وزكريا مهران عضو مجلس ادارة بنك مصر وعشرات الشركات التابعة له وأحد أبرز وجوه الاقتصاد المصرى , وعلى اسلام صاحب مصانع القوى المحركة والمولدات الكهربائية والنسيج , وحافظ عفيفي رئيس مجلس ادارة بنك مصر وعضو مجلس ادارة نحو 37 سركة , وقد كان صاحب امتياز صحيفة السياسة الناطقة باسم الحزب , فضلا عن عدد آخر من ذوى الشهرة والخبرة فى ادارة الشركات الصناعية منهم محمد البدراوي وسيد خشبة وتوفيق دوس , ويمكن أيضا اضافة إسماعيل صدقي الى هؤلاء وان كان قد استقال من الحزب بسرعة كما ضم الحزب بعض كبار تجار القطن من بينهم عبد العزيز رضوان وعبد المعنم رسلان وعلي النزلاوي .
الوفدأما البرجوازية المتوسطة فلم تكن لها وجود ملموس أون نفوذ مؤثر فى الحزب , رغم أنها وصلت بسرعة الى منصب رئيبس الحزب من خلال عبد العزيز فهمي الرئيس الثانى ( 19251926 ) بيد أن ووقائع ما جرى تؤكد أن فهمى لم يكن مؤثرا فى توجيه سياسة الحزب أو تحديد مواقفه , حيث كان محمد محمود هو الرئيس الفعلى , وكان يقود الحزب مع نخبة من كبار الملاك .
أما بالنسبة الى عبد العزيز فهمي فلم يستند شهرته من أملاكه , وانما أحرزها من عمله بالمحاماة وثقافته الوسعة والدور الوطنى البارز والمهم الذى اضطلع به فى الجمعية التشريعية وخاصة فى اجتماع 13 نوفمبر 1918 الشهير ومع عبد العزيز فهمي كان هناك عدد آخر من رموز البرجوازية المتوسطة من بينهم محمد علي علوبة وصليب سامي وحامد فهمي وكامل البندراوي ود. علي إبراهيم , وإسماعيل زهدي والياس معوض وأحمد حشمت , الا أن نسبة تمثيل أبناء وممثلى هذه الطبقة فى مجلس ادارة الحزب عند تأسيسه لم تزد عن 25 بالمائة , تراجعت عام 1930 الى 17 بالمائة ووصلت أواسط الثلاثينات الى 15 بالمائة فقط .
وكان الحزب شهد فى الأربعينات اتساعا ملموسا فى حجم عضويته من أبناء الشرائح المتوسطة والدنيا فى الطبقة الوسطى وهو ما بدا انعكاسا لما طرأ على المجتمع من متغيرات كثيرة , كان من بينها ظهور تنظيمات سياسية تعتمد فى سياسات الحزب ومواقفه حيث بقيت هذه الفئات والشرائح محاصرة فى المستويات الدنيا للحزب , واستمرت البرجوازية الكبيرة والعائلات ذات الثروة تحكم سيطرتها على الحزب وتحتكر مراكزه القيادية , وهو ما ستظهر آثاره لاحقا عندما يعبر السباب من أبناء الطبقة الوسطى عن استيائهم ويصدرون صحيفة خاصة بهم عام 1945 تزخر بالشكوى من احتكار الشيوخ لمناصب الحزب القيادية واعتماد الوراثة بدلا من الكفاءة مسوغا لاختيار قيادات الحزب .
ثم ان الحزب ضم بين صفوفه أيضا عددا كبيرا من المثقفين وحاملى الشهادات العليا وقد كان معظم هؤلاء من أبناء البجوازية الكبيرة من المثقفين وحاملى الشهادات العليا وقد كان معظم هؤلاء من أبناء البرجوازية الكبيرة بجناحيها ان من حيث حجم الملكية الخاصة بكل منهم أو من حيث الانتماء بالميلاد .
ومن هؤلاء بعض كبار الكتاب مثل أحمد لطفى السيد وعلي عبد الرازق ومحمد علي علوبة وحافظ عفيفي فى مجال السياسة وعلم الاجتماع , وكان أيضا د . محمد حسين هيكل البكرى فى مجال التاريخ والشيخ عبد العزيز البشري وعبد العزيز فهمي وعبد الحميد البكري فى مجال التاريخ والفلسفة والنقد وكانت هناك فئة أخرى من هؤلاء برزت فى مجال الادارة وتولى المناصب العليا وصولا الو منصب رئيس الوزراء الذى تولاه كل من عدلي يكن ومحمد محمود وبعض من تولوا مناصب وزارية سواء قبل تأسيس الحزب أو كدستوريين منهم إسماعيل صدقي ( رغم أنه لم يبق فى الحزب سوى فترة قصيرة وقد تولى المنصب الوزارى قبل تأسيس الحزب ) ومدحت يكن وعبد العزيز فهمي ودسوقى أباظة ورشوان محفوظ وأحمد علي علوبة وعبد الجليل أبو سمرة وعبد المجيد صالح وجعفر والي وعبد التاح يحيى والشيخان على ومصطفى عبد الرازق .
والحاصل أن حزب الأحرار الدستوريين وعلى الرغم من الانتشار الجغرافى الواسع للعائلات والشخصيات التى ساهمت فى تكوينه وقيادته طوال تاريخه , لم يكن سوى مجلس الادارة وحسب .
والشاهد أن الجمعية العمومية , الجهاز الأهم والأكثر حيوية فى الحزب والمنوط به رسم سياسته وتحديد مواقفه لم تنعقد سوى أربع مرات على مدى 31 عاما هى كل عمر الحزب , لينفرد مجلس الادارة بتيسيير شئون الحزب ورسم سياساته واتخاذ قراراته .
كما أن قانون الحزب الذى أفراد مكانا للجان المحافظات لم يوضح شيئا بشأنها سواء من حيث كيفية تشكيلها أو اختصاصاتها فضلا عن أن الحزب لم يكن لديه سجلات للعضوية أو حصر لها , فلم يكن فى الحزب هيئة لها كيان ووجود فعلى سوى مجلس الادارة .
وهكذا فان التكوين الاجتماعى ( الطبقى ) لهذه الهيئة يبدو دون مبالغة أو مغالاة بمثابة البوصلة التى يهتدى بها الحزب فى توجيه مساراته ورسم سياساته وتحديد مواقفه .
عند تأسيس الحزب عام 1922 كان عدد أعضاء مجلس اردارة 30 عضوا منهم 19 عضوا من كبار الملاك . وعندما تولى عبد العزيز فهمي رئاسة الحزب ( 19251926 ) كان قد خرج من المجلس 16 عضوا لأسباب مختلفة لينضم اليه عشرة أعضاء جدد كان منهم تسعة أعضاء من البرجوازية الزراعية الكبيرة ( كبار الملاك ) فارتفع عدد هؤلاء الى 17 عضوا من أصل 26 .
وفى زمن محمد محمود اتسعت عضوية مجلس ادارة الحزب ( عام 1929 ) لتصل الى 36 عضوا كان من بينهم 23 عضوا من ذات الطبقة , طبقة كبار الملاك أو البرجوازية الزراعية الكبيرة , وبعد ذلك بعامين أصبح مجلس الادارة يتكون من 38 عضوا منهم 26 عضوا من البرجوازية الزراعية الكبيرة .
وهكذا بقى كبار الملاك يحكمون سيطرتهم على " بوصلة " الحزب ويتحكمون فى توجيهها , حيث كانت نسبة وجودهم فى مركز صنع القرار 61 واثنين من عشرة بالمائة عبد تأسيسه ثم وصلت عام 1931 الى 68 وأربعة من عشرة بالمائة بينما كانت نسبى وجود البرجوازية المتوسطة فى المجلس تقترب من 25 بالمائة خلال العشرينيات , ثم تراجعت الى 17 بالمائة مع بداية الثلاثينيات لتصل الى أدناها 15 بالمائة فى أواخر الثلاثينيات وكان التراجع دائما لصالح حجم , وبالتالى نفوذ , البرجوازية الكبيرة الزراعية .

ب- البرامج والسياسات

من الصحيح أن تنطلق قراءة مواقف وسياسات " الأحرار " من السمة التى التصقت به منذ تأسيسه حيث عرف عنه أنه حزب البرجوازية الزراعية الكبيرة .
ورغم أن المجتمع المصرى لم يكن قد عرف - فى ذلك الوقت – الفصل الطبقى الواضح , الا أن توصيف الأحرار " بأنه حزب كبار الملاك كان صحيحا الى حد بعيد , دون أن يعنى ذلك أنه احتكر وحده تمثيل هذه الطبقة والدفاع عن مصالحها .
يعود ذلك الى عدد من الاسباب من بينها – أولا – أن العمود الفقرى للحزب مثلته العائلات الكبيرة التى تعود انتماءاتها السياسية الى حزب الأمة القديم , وهو حزب كبار ملاك الزراعيين دون منازع .
ومن بينها – ثانيا – أن البناء الاجتماعى للحزب غلب عليه الطابع الزراعى , حتى ممن لا تعود أصولهم " السياسية " الى حزب الأمة , وكان – ثالثا – أن العائلات الكبيرة التى شكلت الحزب وقادت مسيرته حتى النهاية , كانت معظمها تعود الى أصول زراعية – ريفية , ويغلب طابع البرجوازية الكبيرة الزراعية على معظم أفرادها , فى الأعم الأغلب .
ولعله لم يكن بغير دلالة أن تطلق الصحف على الحكومة التى شكلها محمد محمود الرئيس الثانى للحزب , عام 1929 , " حكومة كبار الأعيان " ولقب " الأعيان " لم يكن مجرد لقب يطلق على الأغنياء , لكنه كان يعنى تحديدا أغنياء الريف , من البرجوازية الزراعية الكبيرة والمتوسطة .
ثم أنه ليس من الحصافة فى شىء أن تتجاهل قراءة مواقف " الأحرار " وسياساته قبوله الاشتراك فى حكومة إسماعيل صدقي التى شكلها عام 1946 على اثر اقلة حكومة النقراشى " السعدية " ولا يبرر هذا الموقف أن صدقى كان عضوا مؤسسا فى الأحرار , ليس فقط لأن الرجل سرعان ما خرج على الحزب , حتى قبل أن يخرج منه , لكن لأن صدقى – على الأقل – خاض معركة شرسة ضد " الأحرار " عندما كان فى الحكم , على رأس حزب الشعب , عام 1930 .
لكن يبدو أن قبول " الأحرار " الاشتراك فى حكومة صدقى ( 1946 ) بأربعة وزراء انما يعود فىالمقام الأول الى توفر حالة من التوافق فى المصالح بين الطرفين , ان لم نقل " تطابق المصالح " .
خلاصة القول أن الأحرار ومثله فى ذلك الاحزاب القائمة آنئذ , لم يكن لديه برنامج مكتمل الأركان والمقومات , وما عرضه كان أقرب الى البيان الانتخابى منه الى البرنامج الحزبى .
ثم كان أن مسافة واسعة فصلت دائما بين السياسات العملية للحزب وبين تضمنه البنامج – البيان ومن مواقف فى المجالات المختلفة , سياسية واقتصادية , وخاصة الاجتماعية . فى قضية الاستقلال رأى " الدستوريون " أنه من الممكن التعامل مع تصريح 28 فبراير باعتباره يمثل بداية مقبولة لحل القضية الوطنية , ثم ذهب الى حد المباهاة بفضل " عدلى " فى صدور التصريح عندما استطاع أن يقنع به " اللنبى " الذى نجح بدوره فى اقناع حكومته به .
ورد فيه أن الحزب يعمل على استكمال الاستقلال الفعلى وانهاء الاحتلال " واذا كانت عبارة " انهاء الاحتلال " تكشف عجز الحزب عن القفز فوق أمر واقع لم يزل قائما , فان مفهوم " استكمال الاستقلال " يعنى أن ثمة خطوات قد تحققت بالفعل على هذا الطريق ( الاستقلال ) ولم يبق سوى " استكمالها " , ولم تكن تلك الخطوات سوى " تصريح 28 فبراير " .
الجانب الآخر من القضية الوطنية , كانت مشكلة أمتيازات الأجانب فى مصر , والتى لم يهتم بها الحزب كثيرا أ, قليلا , فجاء " برنامجهم " خاليا من أية اشارة اليها .
ثم كانت المسألة السودانية , فيما يراه بعض المؤرخين بأنها بمثابة الضلع الثالث فى المثلث الذى يشكل فى مجموعة " القضية الوطنية " حيث ورد برنامج الحزب نص صريح على عدم فصل السودان عن مصر لكن الرنامج ذاته تحدث عن السيادة المصرية على السودان , فاذاما أضيف الى ذلك التزام الأحرار الكامل بتصريح 28 فبراير الذى منح حقوقا خاصة لبريطانيا فى السودان , لكانت النتيجة أن موقف الحزب ازاء المسألة السودانية , يعنى بوضوح , وان كان ضمنيا , أن السودان كيان مستقل , وليس من مصر .
وفى قضية الحريات الديمقراطية , كانت المجموعة التى خرجت من الوفد قد رأت أن الوقت بات مناسبا لاعلان حزبها عندما انتهت لجنة صياغة الدستور من عملها , وكان فى تصورهم أنه يجب أن يكون لهم " شرف " اصدار الدستور , أو على الأقل المساهمة فى ذلك , فكان من الطبيعى أن يولى برنامج الحزب بعد ذلك أهمية خاصة للدستور .
لكن ما حدث أنه ما أن تولى الحزب السلطة حتى قفز على الدستور وتجاوزه وضرب ببنوده عرض الحائط , حيث قررت الحكومة ( حكومة الأحرار عام 1929 ) تعطيل البرلمان وحظر الاجتماعات العامة , ثم استعادت من أرشيف التاريخ الأسود المطبوعات الصادر عام 1881 الأمر الذى ادى الى تغييب معظم صحف المعارضة .
وفى الجانب الاجتماعى , تضمن برنامج الأحرار كلاما كثيرا عن العدالة الإجتماعية , وضرورة تحقيق حالة من التوازن بينها وبين مسألة الحرية الفردية , لأن لم يقدم رؤيته لمفهوم العدالة الإجتماعية التى ينشدها أو كيفية تحقيقها , فضلا عن أنه ذهب الى حد تكريس وتقديس الحرية الفردية فى التملك , وهو ما يعيد التساؤل عما اذا كان ما قدمه " الأحرار " برنامجا جزبيا أو بيانا انتخابيا لا يعتد كثيرا بما يمكن أن يرد فيه متعارضا مع التركيب الاجتماعى الطبقى للحزب ؟ ان النماذج التى يمكن الاستناد اليها من أجل اجابة منطقية على هذا التساؤل كثيرة , من بينها الموقف من قضية التعليم وقضايا العمال والفلاحين .
ففيما يتعلق بقضايا التعليم الأولى مجانيا والزاميا للبنين والبنات فكرة المساواة بين الجنسين وجعل اللغة العربية الأولى هى لغة التدريس , لكن شيئا من ذلك لم يظهر له أثر على أرض الواقع عندما أصبح فى مقدور " الأحرار " تطبيقه من مواقع الحكم .
أما بالنسبة الى قضايا العمال والفلاحين . فالشاهد أن برنامج الأحرار بدا وكأنه قد تبنى بالكامل قضايا العمال بما تضمنه من كلام عما يتعرضون له من استغلال , حد أنه ربط ذلك بنظرية فائض القيمة , وطالب بضرورة صدور التشريعات التى تضمن رفع هذا الاستغلال عن كاهل العمال , ثم جاء وقت التطبيق العملى , فلم يتجاوز الأمر حدود التأمين ضد الشيخوخة والمرض وتحديد ساعات العمل والحد الأدنى للأجور , وهى وان كانت تعد مكاسب فعلية للعمال الا أنها لا تتناسب مع ما ورد فى البرنامج , ثم انه من ناحية أخرى كان تحقيق تلك المكاسب يتزامن غالبا مع ارتفاع وتيرة الصراع بين الدستوريين وبين الوفد بكل ما يحمله ذلك من دلالات , حتى أنه يصعب تجاهل حقيقة أن مشاكل وقضايا العمال قد اختفت تماما فى أوراق الحزب عندما أصبح حاكما فى أواخر العشرينيات, بل ان خطب زعماء الحزب وقادته , خلال فترة الحكم , تضمنت هجوما متكررا على العمال وشكواهم .
ولا يبدو الأمر مختلفا فى كثير أو قليل عندما يأتى دور الفلاحين , ففى برنامج الحزب ثمة حديث طويل عن معاناة الفلاحين وما يتعرضون له من اضطهاد واستغلال , ولا يكاد يخلو عدد من جريدة السياسة التى يصدرها الحزب أو الخطب وتصريحات زعمائه وقادته من كلام عن قضية الفلاح المصرى , حتى انه لا يمكن انكار فضل الحزب , وهو فى المعارضة , فى كشف النقاب عن أن 26 بالمائة من الفلاحين المصريين لا يملكون سهما واحدا من الأرض , كما أن الأحرار كان هو صاحب اقتراح هدم القرى واعادة بنائها بشروط ومواصفات صحية تليق بالحياة الآدمية , فضلا عن الدعوة لتحديد برنامج زمنى للقضاء على الأمية بينهم .
لكن شيئا من كل هذا لم يتحقق عندما انتقل الحزب من صفوف المعارضة الى مقاعد الحكم , بل بدا وكأن قادة الحزب وزعماءه وجريدته قد نسوا جميعا أن الفلاح له قضية , والذى حدث على وجه الدقة كان انتعاش عمليات المضاربة على تجارة القطن , المصدر الأساسى لمعيشة الفلاح , ثم رفض الحزب , وقد كان حاكما , فكرة منح الفلاحين حق الانتخاب , الذى يجب أن يكون قاصرا فقط على من لهم مصلحة .

الحزب الوطني

يتأرجح تاريخ تأسيس الحزب الوطني بين صيف 1895 , عندما تحدثت الصحافة الفرنسية عن حزب زطنى فى مصر بزعامة مصطفى كامل فى أعقاب خطبة كان قد ألقاها فى باريس آنئذ , تضمنت هجوما عنيفا على الاحتلال الانجليزى لمصر , وبين عام 1900 عندما ظهرت جريدة اللواء التى تشكل حولها الحزب الوطني وفى كل الأحوال فقد كان مصطفى كامل زعيما للحزب , ومعه مجموعة من الذين شغلتهم قضية الاحتلال البريطانى لمصر , والذين وضعوا الاستقلال هذفا لهم يسعون لتحقيقه .
ثم أنه أطول الاحزاب المصرية عمرا على الاطلاق , حيث تواصل وجوده على الساحة منذ تأسيسه أواخر القرن التاسع عشر , وحتى قرار حل الأحزاب عام 1953 .
ولو أن المساحة الزمنية لهذه الدراسة وقفت عند عشرينيات القرن الماضى , لما كان للحزب الوطنى مكان فيها , اذ أنه كان منذ تأسيسه وحتى الحرب العالمية الأولى واحدامن أكبر الأحزاب المصرية , ان لم يكن أكبرها على الاطلاق , ولعله ساهم مساهمة جدية وكبيرة فى تشكيل الوجدان المصرى وبلورة أهداف النضال الوطنى المصرى , وفق مفاهيم ذلك الزمان , وما كان متاحا وممكا آنئذ .
والذى حدث أنه عند نشوب الحرب العالمية الأولى , رأت الأحزاب القائمة آنئذ تجميد مفسها , بينما رأى الحزب الوطني منفردا أن يواصل نشاطه وعمله متحديا سلطات الاحتلال , رغم غياب قيادته خارج البلاد , مما عرضه للملاحقة والاضطهاد والتصفية , فكان أن انحسر نشاطه وتقلصت عضويته وتراجع دوره .
ثم حدث أن تفجر الخلاف حادا , فى بداية العقد الثالث من القرن الماضى , بين حافظ رمضان ( الرئيس الثالث للحزب ) وبين علي فهمي كامل ( شقيق زعيم الحزب ومؤسسه مصطفى كامل) , وكان أن انشغل الحزب لسنوات طويلة فى هذا الخلاف , مما أضاف سببا آخر من أسباب تراجعه ( منذ عام 1923 على وجه التقريب ) وانتقاله الى صفوف الاحزاب الصغيرة التى تعنى بها هذه الدراسة .
ثم حدث أن الرئيس حافظ رمضان 1923 , قد بدأ عهده تنظيم صفوف الحزب , وتعديل بعض مواد قانونه الأساسى , بدت من وجهة نظره ضرورية , بعد رحيل القائدين التاريخيين للحزب ( مصطفى كامل ومحمد فريد ) وانحسار دور الحزب على الساحة السياسية والحزبية , ثم لتثبيت أقدامه فى موقع الرئاسة .
لكن اعادة التنظيم لم تترافق – لسوء الحظ – مع اعادة النظر فى البرنامج الذى وضعه مصطفى كامل قبل سنوات طويلة فى عددها وأطول فيما شهدته من متغيرات ومستجدات .

أ-التكوين الاجتماعى

يعتبر الحزب الوطني منذ تأسيسه حزب البرجوازية المتوسطة , رغم أن رئيسه الثانى محمد فريد تعود أصوله الاجتماعية الطبقية الى البرجوازية الكبيرة ذات الأصول التركية , ورغم أن عددا من كبار الملاك والأعيان قد انتموا اليه , الا أن الظاهر أن هؤلاء باستثناء محمد فريد , قد سعوا بانضمامهم الى الحزب , الى تحقيق مصالحهم الخاصة , مستغلين تأييد الخديوى له , اذ ما ان انفصلت الحركة الوطنية , وفيها الحزب الوطني ومؤسسيه كانت أصولهم الاجتماعية تعود الى البرجوازية المتوسطة . درس حافظ رمضان الحقوق فى فرنسا , وعاد الى القاهرة عام 1904 ليعمل بالمحاماة , وانخرط فى صفوف الحزب الوطني عام 1907 ليتولى رئاسته عام 1923 بعد رحيل محمد فريد كان والده يعمل موظفا حكوميا كبيرا فى عهد الخديوى اسماعيل .
أما لجنة الحزب الادارية فكانت فى عام 1921 تتكون من 21 عضوا من بينهم اثنان من كبار الملاك , هما عبد اللطيف الصوفاني ومحمدي أحمد الشريف , وفى عام 1926 انخفض عددأعضائها الى 14 عضوا , وبقى بها اثنان من كبار الملاك هما فكرى أباظة وعبد الحميد سعيد .
وان كانت البرجوازية المتوسطة المثقفة وخاصة المحامون فضلا عن البرجوازية المتوسطة , قد حافظت على أغلبية تمثيلها فى القيادة , الا أن نسبة تمثيل كبار الملاك كان يتجاوزكثيرا نسبة تمثيلهم فى القيادة , ولعل ذلك يعود الى مجموعة من الأسباب من بينها – أولا – أن كبار الملاك كانوا هم الممول الأساسى لنشاط الحزب , وكان من بينها أيضا أن ساحة الحزب بدت شاغرة أمام هؤلاء بعد ابتعاد الزعماء التاريخيين عن الحزب , بسبب الوفاة نتيجة الاحباط الذى سيطر على الكثير منهم – ثالثا – أن كبار الملاك وأعيان الريف كانوا هم الأوفر حظا فى الانتخابات , نتيجة وضعهم الاجتماعى المتميز , قياسا لحال البرجوازية المتوسطة , ولذا كان من الطبيعى أن يكون هؤلاء أصحاب الصوت الأعلى والنفوذ الأقوى فى صفوف الحزب .
وهكذاة الأربعينيات مع د. نور الدين طراف , الرجل الثانى فى الحزب الجديد , من حزب مصر الفتاة وكان معهما أيضا مصطفى مرعي ومحمود الحناوي ومصطفى المنزلاوي , وغيرهم ممن ينتمون جميعا الى الطبقة الوسطى .
كان الحزب الوطني الجديد قاهريا بالأساس ربما أكثر مما هو حزبا مدينيا , فقد بدا – من ناحية – أنه غير مكترث بتوسيع دائرة وجوده , فضلا عن نشاطه الى المحافظات الأخرى , ثم أن قانونه الأساسى – من ناحية أخرى – لم يتضمن أية اشارة الى دور الطلاب والعمال والتى هى قوى مدينية , وهكذا ظل الحزب الوليد يراوح مكانه خمس سنوات قبل أن تظهر عليه بعض علامات النهوض .
فى عام 1949 بدا أن الحزب فى طريقه الى الخروج من حالة المراوحة , وأنه يخطو باتجاه تجاوز كبوته , حيث نجح فى ذلك العام فى ضم 250 عضوا جديدا كان معظمهم من الحرفيين مع نعض الموظفين والطلاب , وان كانوا جميعا قاهريين . وجد الحزب نفسه أسيرا لحالة التناقض الغريب والحاد بين درجة نفوذ وقوة كل من البرجوازيتين الكبيرة والمتوسطة , وبين حجم تمثيل ووجود كل منهما فى قيادة وصفوف الحزب .
والراجح أن هذا التناقض كان السبب الأقوى وراء عجز الحزب عن تجاوز كبوته الساقة ( الملاحقة والتصفية خلال سنوات الحرب العالمية الأولى ) , ثم عن لملمة جروحه التى أصابته جراء مرحلة الخلافات الحادة بين حافظ رمضان وأنصاره من جانب وعلي فهمي كامل ومؤيديه من جانب آخر .
بل لعل هذا التناقض الذى سيطر على الحزب راح يدفعه من جديد – خلال الثلاثينيات من القرن الماضى – الى مزيد من الانهيار والتدهور , ثم أدخله الى دائرة الانقسامات الجهنمية والتى بلغت ذروتها عام 1944 عندما أعلنت اللجنة العليا لشباب الحزب الوطني عن وجودها , ثم سرعان ما انفصلت عن الجسم الأم , والكيان المريض , لتشكل حزبها المستقل باسم الحزب الوطني الجديد , برئاسة فتحي رضوان المنتقل , فى بداي
وبقى الحزب الوطني الجديد مثلما كان الحزب الأم واحدا من التنظيمات المعبرة عن البرجوازية المتوسطة , وان كان قد تجاوز حالة التناقض التى رسمت الحزب الأم الا أنه لم ينجح فى الخروج من الأزمة التى ضربت الحزب منذ الحرب العالمية الأولى وما ترتب عليها .

ب‌- البرامج والسياسات

عندما وضع مصطفى كامل برنامج الحزب الوطني فى السنوات الأولى من القرن العشرين , لم يكن مطروحا عاى ساحة النضال الوطنى سوى القضية الوطنية فى بعدها الأحادى المتمثل فى مجابهة الاحتلال وتحقيق الجلاء , وهو ما بدا متوافقا مع الشعار الذى رفعه مصطفى كامل وتضمنه برنامج الحزب " لا مفاوضات الا بعد الجلاء " ثم ان القضية الاجتماعية لم تكن قد أخذت فى ذلك الوقت موقعها المتقدم على جدول النضال الوطنى .
ربما بسبب عدم تبلور البنية الاجتماعية للمجتمع واكتمال نمو وتكون الطبقات , وربما نتيجة لالتفاف " طبقات " الشعب ,أ وما كان قد ظهر منها آنئذ ,ة بما فى ذلك تلك التى كانت لم تزل فى حالة جنينية , حول مطلب الاستقلال , وما ترتب على ذلك من طغيان القضية الوطنية , بمعناها الأحادى الجانب , وهو المطلب الذى بدا أن مصلحة كل الطبقات تلتقى عنده , وربما لكل هذه الأسباب مجتمعة أو غيرها .
وما حدث أن برنامج الحزب الوطني فى مطلع القرن العشرين جاء خاليا على وجه التقريب من الاشارة الى أية مطالب اجتماعية .
وعندما امتدت يد حافظ رمضان لتعيد تنظيم الحزب – فى بدايات العقد الثالث من القرن الماضى , كان أن عملية اعادة ترتيب البيت لم تطل البرنامج الذى وضعه مصطفى كامل , عند تأسيس الحزب قبل أكثر من عشرين عاما فبقى البرنامج على حاله رغم كل ما شهدته السنوات الملضية من متغيرات اجتماعية وسياسية واقتصادية .
والحاصل أنه فى مجال القضية الوطنية وتحقيق الاستقلال ظل الحزب الوطني متمسكا بذات الشعار الذى رفعه مصطفى كامل فى المحافل الدولية , والتفت حوله الجماهير داخل مصر " لا مفاوضات الا بعد الجلاء " ولئن بدا الوطنى محقا الى حد لأن برنامجه لم ينص صراحة على هدف الجلاء فان الوطنى من جانبه لم يحدد فى برنامجه الوسائل والأدوات الأخرى , الكفيلة بتحقيق الجلاء .
ان شعار " لا مفاوضات الى بعد الجلاء " الذى صاغه مصطفى كامل , ولم تصل اليه يد التعديل أو التطور لاحقا , سوف يقود بالضرورة الى رفض تصريح 28 فبراير 1922 ومعاهدة 1936 التى أعلن الحزب بالفعل رفضه لها , لأنها " لا تحقق كل الطموحات الوطنية " دون أن يحدد من تلك الطموحات ما تحقق نتيجة المعاهدة وان كان قد رفض بشكل خاص المادة 11 من المعاهدة التى منحت بريطانياحقوقا خاصة فى السودان الذى يراه الحزب جزءا من مصر .
لكن عندما ظهر الحزب الوطني الجديد عام 1944 كانت مياها كثيرة قد جرت فى الأنهار , ودفعت بأبناء الطبقتين الوسطى والدنيا الى معترك العمل السياسى والحزبى , وفرضت القضية الاجتماعية نفسها على جداول أعمال العمل السياسى والحزبى , وفرضت القضية الاجتماعية نفسها على جداول أعمال معظم الاحزاب بما فيسها تلك التى كانت تمثل مصالح البرجوازية الكبيرة بجناحيها الريفى والمدينىى , فكان أن ظهرت فى بنامج الحزب الوليد لما تفرضه الظروف الاجتماعية , حماية للثروات القومية من الاستغلال الأجنبى , كما ظهرت الدعوة الى تحديد ساعات العمل , وتأمين العمال , و تأمين العمال ضد المرض والعجز والشيخوخة والبطالة .

جمعية مصر الفتاة ( الحزب الإشتراكي )

هذه منظمة حققت حضورا كبيرا على الساحة السياسية والحزبية بقدر ما أحدثت من صخب وضجيج , بدءا من تحويل الجمعية الى الحزب ( عام 1936 ) بعد ثلاث سنوات تأسيسها , وصولا الى تغيير اسمها بالكامل من " حزب مصر الفتاة " الى " الحزب الإشتراكي " ( عام 1946 ) , والتحول – فكريا – من النقيض الى النقيض , من الاعجاب بالتجربة الفاشية فى ايطاليا واستلهامها , الى الانبهار بانجازات الإشتراكية فى الاتحاد السوفيتى ومحاولة تقلد خطاها .
ثم ان المنظمة ( الجمعية ثم الحزب ) تأرجحت مواقفها خلال سنوات عمرها التى امتدت الى عشرين عاما ( 19331953 ) بين تأييد القصر أحيانا والسخط عليه والعداء له فى أحيان أخرى , وفى كل الأحيان كانت صاحبة الصوت الأعلى فى اعلان مواقفها والتعبير عنها , وكانت " مصر الفتاة " أول منظمة ( ولعلها الأخير ) تجاهر بـتأييدها الصريح لألمانيا وايطاليا فى الحرب العالمية الثانية , ربما لاعجاب أحمد حسين بالتجربة الفاشية الايطالية .
ولعل يبدو جليا الفارق الجوهرى بين موقف حزب يجاهر بتأييده للفاشية , وبين جماهير عادية ربما تكون قد غمرتهم الأمانى بانتصار ألمانيا وايطاليا على انجلترا فى الحرب , وقد عبروا عنه على استحياء غالبا وبأشكال مختلفة عموما . ولئن كانت تلك الأمانى قد وجدت مبررها الاخلاقى فى قاعدة "عدوعدوى صديقى " غير صالحة للتطبيق هنا على وجه التحديد فقد كان مردها أساسا رغبة عارمة اجتاحت معظم المصريين فى أن يروا الجبروت البريطانى وقد انكسر , وعنجهية الامبراطورية التى لا تغرب عن ممتلكاتها الشمس وقد انحسرت .

أ – البناء الاجتماعى

أسس جمعية مصر الفتاة عام 1933 أحمد حسين ومعه 12 عضوا شكلوا مجلس الجهاد الذى سيصبح لاحقا مجلس الادارة , وكان معظمهم ينتمى الى الطبقة الوسطى والبرجوازية الصغيرة , ينتمى أحمد حسين لأسرة لا تمتلك سهما واحدا من الأرض , وكان والده يعمل فى وظيفة كاتب حسابات فى الديوان السلطانى , وقد درس الحقوق ومارس المحاماه وذاع صيته فيها .
أما بقة المؤسسين فقد كان د. مصطفى الوكيل نائب رئيس الجمعية , والذى تعود أصوله الاجتماعية الطبقية الى أسرة من كبار الملاك انهارت أوضاعها الاجتماعية – الاقتصادية فى أزمة 29 – 1933 العالمية الشهيرة , فبقيت بالكاد فى عداد الشرائح العليا من البرجوازية المتوسطة .
تخرج د . الوكيل فى كلية العلوم وحصل على درجة الدكتوراة فى الرياضيات من لندن . وكان بينهم أيضا فتحي رضوان ود. نور الدين طراف , واللذان سينتقلان لاحقا الى الحزب الوطني الجديد , وتعود أصول فتحي رضوان الاجتماعية اى أسرة من البرجوازية المتوسطة الريفية , كان والده مهندس رى وقد ورث فتحى عنه 25 فدانا .
أما د. طراف فتعود أصوله السياسية الى عائلة ساهمت فى تأسيس حزب الأحرار الدستوريين , بينما لم يجد هو شخصيا فى أحزاب البرجوازية الكبيرة ما يتواءم مع مشاعره الوطنية الجياشة , فكان أن ساهم فى تأسيس مصر الفتاة بينما تعود أصوله الاجتماعية الى أسرة من كبار الملاك , لكن ملكيته الخاصة لم تكن تؤهله لأبعد من الانتماء الى الشرائح العليا من البرجوازية المتوسطة . ومن بين المؤسسين أيضا كان أحمد عبد اللطيف موظف ببنك مصر .
ود. عبد الرحمن الصدر طبيب والمحامى كمال صلاح الدين وحمد صبيح الذى ذاع صيته فى عالم الصحافة , وقد استفاد من مجانية التعليم التى طبقها طه حسين , وقد كان والده فى سلك البوليس من ذوى الرتب الدنيا .
لقد كان طابع الانتماء الى البرجوازية المتوسطة , بما فيها من شرائح المثقفين هو الطابع المميز لجمعية مصر الفتاة منذ تأسيسها , وقد بقى هذا الطابع ملازما لها فى مجلس الجهاد الثانى , ومع تحول الجمعية الى حزب , ظهر فى قيادتها عدد أكبر من طلاب الجامعة والدارسين فى الأزهر .
لكن هذا المجلس تميز من ناحية بوجود بعض كبار الملاك كان من بينهم ابراهيم شكرى وعز الدين عبد القادر ومحمد عبد الرحيم , كنما ضم الى صفوفه, من ناحية أخرى , بعض العناصر التى تنتمى الى الطبق الدنيا فى المجتمع لكن هذه العناصر سرعان ما اختفت من قيادةة الحزب فى أواخر الثلاثينيات وأوائل الأربعينيات .
فى عام 1944 فاجأ أحمد حسين الوسط السياسى , بمن فيه أعضاء حزبه , بتغيير اسم الحزب الى حزب مصر الاشتراكى , ثم استقر الاسم لاحقا على الحزب الإشتراكي دون تغيير شىء فى تركيب القيادة الحزبية التى كانت قد تخلصت قبل فترة وجيزة من العناصر الطلابية فأصبحت الغلبة فيها للبرجوازية المتوسطة المدينية حيث ضمت سبعة محامين وخمسة مهندسين وصحفيا وتاجرا .

ت‌- البرامج والسياسات

قبل الحديث عن برامج مصر الفتاة ثم الحزب الإشتراكي يمكن ابداء ملاحظتين – أولا – أننا ازاء منظمة الجمعية ثم الحزب لم تتح لها الظروف أن تجلس على مقاعد الحكم , منفردا أو بالمشاركة مع آخرين , ومن ثم فانه لا توحد امكانية لقياس مدى مصداقية المنظمة وايمان أعضائها بما ارتضوه لأنفسهم من مواقف وسياسات بقيت على مدى عمرها كلاما على ورق .
ثم انه يجب – ثانيا – ملاحظة أن أحمد حسين , زعيم المنظمة طيلة عمرها , قد انفردت وحده بوضع برامجها , ومنح لنفسه – بصفته الرئيس – صلاحيات مطلقة وغير محددة , وصلت الى حد سلطةة حل مجلس الادارة وتشكيله من جديد .
ولعل هذا ما وفر له مقومات البقاء على رأس المنظمة مدى الحياة , ثم جعله قادرا على تحويل الجمعية الى حزب ثم تحويل مصر الفتاة الى الاشتراكى رغم معارضة أغلبية أعضاء مجلس الادارة فى الحالتين .
لكن رغم ذلك فان هناك برنامجا متكاملا جرت صياغة عباراته بصورة مرتبة ومنتقاه , كان كفيلا بابهار كل من يقرؤه وخاصة من الأجيال الشابة وأبناء البرجوازية المتوسطة والصغيرة , قبل أن ينتبه الكثيرون الى أنه فضلا عن العبارات الأقرب الى الشعارات, من نوع أن الحزب يعمل من أجل استعادة مجد مصر .
كانت مصر القتاة من الأحزاب القليلة التى تحدث برنامجها عن الاستقلال بشقيه السياسى والاقتصادى , لأن الاستقلال السياسى لالا معنى له ان لم يترافق بالاعتماد على الذات , وفى هذا الصدد طرح الحزب الإشتراكي فكرة الخطط الخمسية , مقترحا تنفيذ عدد من المشروعات كل خمس سنوات , لأن هه هى الوسيلة المناسبة لتحقيق نهضة مصر وطالب البرنامج بضرورة دعم ومساندة مشروعات طلعت حرب الاقتصادية باعتبارها يمكن أن تضمن تحقيق الاستقلال الاقتصادى , وقد اقترح البرنامج , لتحقيق هذا الهدف , اطلاق مشروع القرش وعندما وضعت الجمعية المشروع فى التنفيذ تحت شعار التعاون وتضامن فى سبيل الاستقلال الاقتصادى كان أن قامت بحصيلة التبرعات مصنعا للطرابيش .
أما الامتيازات التى يتمتع بها الأجانب فى مصر فلم يرد شىء فى البرنامج ربما اكتفاء بفكرة الاستقلال الذى يجب بالضرورة أن يلغى هذه الامتيازات تماما , ذلك أنه عندما سافر وفد من الزب الى لندن عام 1935 , برئاسة أحمد حسين وعضوية فتحي رضوان ومصطفى الوكيل لتقدين مذكرة الى الحكومة البريطانية بشأن المفاوضات والاستقلال , فان المذكرة تضمنت بين ما تضمنته من مطالب الغاء الامتيازات الاجنبية والمحاكم المختلطة .
وفى الضلع الثالث من أضلاع القضية الوطنية والمتعلق بالمسألة السودانية , بدا الحزب متفردا بين الأحزاب المصرية الأخرى فى تشدده , حيث ذهب الى حد فتح مكتب له فى الخرطوم وآخر فى وادى حلفا , ورفع شعار مصر والسودان معا لا يتجزآن ولا ينفصلان , وبعث أحمد حسين رسالة الى الملك فاروق طالبه فيها بانشاء وزارة لشئون السودان الذى رأى فيه الحزب أنه أمل مصر فى حل المشكلة السكانية وطالب بفتح باب الهجرة اليه على اعتبارالامتداد الطبيعى والاستراتيجى لمصر , ولعل الجنوح الدينى , الذى سيتخلى عنه أحمد حسين لاحقا , هو الذى دفعه الى مناشدة الأزهر أن يقوم بدوره الدينى لحماية السودان يين مما رآه الحزب خطرا فى نشاط المبشرين الأوروبيين هناك .
وفى القضية الاجتماعية , دعا برنامج مصر الفتاة الى تحرير أبناء مصر والسودان من الجهل والخوف , ومقاومة الاستبداد الرأسمالى والاجتماعى , مطالبا برفع مستوى الطبقات الدنيا أدبيا وماديا , وتحدث عن أهمية اعمال مبدأ تكافؤ الفرص , وعن مسئولية الدولة فى توفير مقومات الحياة الحرة الكريمة لكل مواطن بدءا من الغذاء والكساء وصولا الى الحقوق السياسية .
ويحسب لأحمد حسين أنه استخدم منذ وقت مبكر مفهوم المواطنة بينما السائد فى ذلك الزمان أن الناس ليسوا أكثر من رعايا جلالة الملك .
كما تحدث برنامج الحزب عن الحقوق السياسية والاجتماعية للمرأة وصولا الى عضوية مجلس النواب , ورفض التذرع بأن دور المرأة كزوجة وأم يحولدون تمتعها بهذه الحقوق .
وأولى برنامج مصر الفتاة اهتماما متميزا بقضايا العمال والفلاحين فدعا الى تحدبد الحد الأدنى للأجور بخمسين قرشا يوميا وهو مبلغ كبير بمقاييس ذلك الزمان واعتبار العطلة الأسبوعية الجمعة عطلة اجبارية مدفوعة الأجر , وألا تزيد ساعات العمل اليومى عن ثمانى ساعات .
كما طالب باصدار التشريعات التى تحمى الفلاح من الاستغلال ةالاستبدابد , وتحدث عن أهمية محو أميته الأبجدية والثقافية , وتطرق الى مساكن الفلاحين التى يجب أن يتوفر فيها الحد الأدنى للحياة الانسانية بدءا بتزويدها بالماء والكهرباء , ودعا الى تحديد الحد الأقصى للملكية الزراعية بخمسين فدانا , وعندما تحول الحزب من مصر الفتاة الى الاشتراكى نص برنامجه على أن تشترى الدولة ما زاد على الخمسين فدانا فضلا عن الأراضى الزراعية التى لا يعمل أصحابها بأنفسهم فى زراعتها , ثم تتولى توزيعها على المعدمين وصغار الملاك الذين تقل ملكيتهم عن خمسة أفدنة . كما اهتم البرنامج كذلك بتأمين العمال والفلاحين ضد المرض والعجز والشيخوخة .
وبصرف النظر عما يمكن أن يراه البعض فى برنامج مصر الفتاة ثم الحزب الإشتراكي ,وخاصة فى شقه الاقتصادى – الاجتماعى , من رومانسية حالمة أحيانا أو تطرف التطبيق من خلال مقاعد الحكم , فان المواقف الأساسية فى البرنامج جاءت متوافقة الى حد بعيد مع الطبيعة الطبقية لعضوية الحزب والتى كانت أقرب الى تمثيل مصالح البرجوازية المتوسطة والفقراء .

حزب الهيئة السعدية

ظهر حزب الهيئة السعدية الى الوجود عام 1938 على اثر الخلاف الحاد الذى تفجر فى الوفد , وراحت معالمةة تتبلور منذ أواخر عام 1937 , ثم انتهى بعد أقل من عام بقيام الهيئة السعدية بزعامة أحمد ماهر أول رئيس للحزب .
يعتبر أحمد ماهر نموذجا لعناصر الشرائح العليا من الطبقة الوسطى الذين استطاعوا الانتقال الى البرجوازية الكبيرة ( الصناعية – التجارية ) فقد ورث عن أبيه 80 فدانا , ومات عام 1945 ةقد انخفضت مساحة ما يمتلكه من الأراضى الزراعية الى 25 فدانا فقط , لكنه كان قد أصبح واحدا من كبار رجال المال والصناعة والتجارة وبما لا يستقيم معه استمرار ادراجه ضمن صفوف البرجوازية المتوسطة حسبما ذهب بعض الباحثين والمؤرخين .
كان والده وكيلا لنظارة الحربية والبحرية عام 1893 . درس ماهر القانون وحصل على درجة الدكتوراه ف الاقتصاد والسياسة واشتغل بالمحاماة ثم مدرسا فى مدرسة التجارة العليا قبل أن يتفرغ نهائيا العمل السياسى .

أ‌- البناء الاجتماعى

تشكلت الهيئة السعدية اساسا من البرجوازية الكبيرة بجناحيها الريفى والمدينى ومن كبار التجار والأعيان , والشرائح العليا فى البرجوازية المتوسطة المدينية وخاصة كبار موظفى الدولة والمحامين والأطباء والمهندسين , ومن يقابلهم من البرجوازية المتوسة الريفية متوسطى الملاك .
وكان أن كبار رجال حزب الهيئة السعدية وأبرز رموزه ينتمون الى البرجوازية الكبيرة بجناحيها فى آن معا : البرجوازية الريفية أو كبار الملاك الزراعيين والبرجوازية الصناعية التجارية والمالية , أو البرجوازية المدينية , ومن بين هؤلاء يمكن رصد أسماء مثل إبراهيم عبد الهادي الرئيس الثالث للحزب وممدوح رياض وسامح موسى وعبد الرحمن فهمى .
ومن أبرز رجا ل الحزب الذين كانوا أكثر اقترابا للبرجوازية المدينية من البرجوازية الريفية كان أحمد ماهر أول رئيس للحزب ومحمد خطاب الذى استقال لاحقا من الحزب وسابا حبشي وسيد مرعي ونجيب اسكندر والسيد مرسي وسليمان بلبع , ومن بين ممثلى كبار الملاك أو البرجوازية الريفية ترد أسماء حامد جودة وعلي أيوب وعبد المجيد الشواربي وسعيد جلال ومحمد المراغي .
ثم كان أن حزب الهيئة السعدية امتدت عضويته الى الطبقة الوسطى التى انتشر رموزها فى مختلف المديريات ( المحافظات ) ومنهم د . حسين حتحوت واسماعيل رمضان وسعد الشناوي وأحمد البربري وعلي عبد الرحمة ورضوان أبو جازية والشيخ عبد الحميد راجح والشيخ شحاته إبراهيم والشيخ عبد الحليم القرضاوي .
كما كان من بين أعضاء الهيئة عدد كبير من كبار موظفى الدولة والضباط وأصحاب المهن الحرة الذين ينتمى معظمهم بالمولد للبرجوازية الكبيرة فى جناحها الريفى غالبا لكن ملكياتهم الخاصة لم تكن تؤهلهم للانتماء لتلك الطبقة , منهم من شغل مناصب وزارية قبل تشكيل الهيئة مثل أحمد ماهر والرئيس الثانى للحزب محمود فهمي النقراشي وكلا الرجلين استطاع لاحقا أن يصعد الى صفوف البرجوازية الكبيرة فى جناحها المدينى ومحمد صفوت ومحمد غالب , وعدد من متوسطى وصغار الموظفين وخاصة موظفو الجمارك والمحاكم والعاملون فى سله التدريس والمحامون .
لكن اللافت للنظر أن العمال والفلاحين لم يكن لهم أى وجود فى تنظيمات الهيئة لا فى مستوياتها العليا ولا الدنيا , اواذا كان صحيحا أن الهيئة كانت أكثر اقتراب الى البرجوازية المدينية الكبيرة والمتوسطة فان اللافت هنا هو الغياب الكامل للعمال بين صففها فضلا عن اهمالها المتعمد لقضاياهم .

ب‌- البرامج والسياسات

يكاد يجمع الباحثون والمهتمون بتاريخ مصر المعاصر على أن الهيئة السعدية كانت حزب الرأسمالية المصرية فى جناحها المدينى .
والراجح أن هذا التصور يعود الى أن رئيسى الحزب الأول أحمد ماهر والثانى محمود فهمي النقراشي , قد ارتبطا بالبرجوازية المدينية الكبيرة فى مقابل ملكية محدودة من الأراضى الزراعية , لم تكن كفيلة للارتقاء بأى منهما الى مصاف كبار ملاك الاراضى الزراعية , ثم جاء الرئيس الثالث للحزب إبراهيم عبد الهادي وقد توارى انتماؤه الأول للبرجوازية الزراعية الكبيرة وراء البنك التجارى المصرى والشركة العقارية المصرية , وغيرهما من المؤسسات المالية والصناعية .
والحاصل أن هذا التصور كان أبعد ما يكون عن الواقع لآسباب موضوعية كثيرة , من بينها – أولا – أن البنية الاجتماعية الطبقية فى مصر خلال النصف الأول من القرن الماضى , وحتى قيام ثورة 23 يوليو , ثانيا وبالتبعية – أن البنية الاجتماعية الطبيقة للحزب ذاته لم تكن قاصرة على رموز وممثلى البرجوازية المدنية .
حيث اشتملت أيضا على كبار الملاك الزراعيين , اضافة الى تلك الرموز التى جمعت بين الملكية الزراعية والنشاط الصناعى التجارى , فضلا عن رموز ليست قليلة من الطبقة الوسطى , ومن بينها – ثالثا – مواقف الحزب التى تبنت مصالح البرجوازية المدينية , ولعل المثال الأشد وضوحا فى هذا الاطار كان الموقف من مشروع القانون الذى تقدم به الى مجلس الشيوخ محمد خطاب عضو الحزب , والقاضى بتنظيم الملكية الزراعية بحيث لا تتجاوز 50 فدانا اافرد , ورغم أن بنود القانون المقترح لم تكن تمس من قريب أو بعيد حقوق الملكية القائمة آنئذ , وانما كانت تسعى الى تنظيمها مستقبلا , فان الهيئة عارضت المشروع بكل ثقلها وهاجمته ورفضته مثلما رفضه مجلس الشيوخ , وكان أن محمد خطاب استقال من الحزب احتجاجا على هذا القانون .
واذ كان مشروع قانون خطاب قد عكس بدرجة ما حالة من الصراع بين جناحى البرجوازية المصرية , خاصة أن خطاب لم يكن من ذوى الملكيات الزراعية الكبير , وانما كان أبناء البرجوازية الكبيرة المدينية , فان موقف الهيئة يجسد حالة التوازن بين الجناحين ويؤكد أن الحزب كان مدافعا أمينا عن مصالحهما معا , وقد كان ذلك ممكنا ومتاحا , وربما ضروريا فى تلك الفترة , ويقوض أسس وصف الهيئة باعتبارها حزب البرجوازية المدينية .
لم تختلف الهيئة عن معظم الاحزاب المصرية , فلم تضع لنفسها برنامجا , وبدت سياساتها مرتبطة بشخص الرئيس , ويرى د . يونان لبيب رزق أن أعضاء الهيئة السعدية لم يروا أية غضاضة فى انفراد زعمائهم بالسياسة العامة للحزب , فضلا عن أنهم لم يعتبروا أنفسهم خارجين على الوفد , بل رأوا أن العكس هو الصحيح , حيث أن الوفد هو الذى خرج على مبادىء سعد , وبالتالى فليس ثمة ضرورة لصياغة برنامج جديد , رغم أنه لم يكن هناك برنامج قديم للوفد , والتى يمكن اعتبارها برنامجا للهيئة , ثم ان قراءة مواقف وسياسات الهيئة لا يجب أن تسقط من اعتبارها – أولا – البنية الاجتماعية للحزب , وحقيقة أن رئيسه الثالث إبراهيم عبد الهادي شغل منصب رئيس الديوان الملكى . فضلا عن موقف الحزب – ثانيا – من حكومة إسماعيل صدقي الملقب اعلاميا بجلاد الشعب أو الطاغية التى شكلها عام 1946 .
والذى حدث أنه عندما صدر الأمر بتشكيل احكومة الجديدة , توجه هذا الأخير الى الهيئة عارضا عليهم الاشتراك فى وزارته , لكنهم اعتذروا عن ذلك فى البداية , لا لشىء الا لأن الوزارة المستقيلة ,أو المقالة , كانت لهم , كما أنهم ما زالوا يحتفظون بالأغلبية فى مجلس النواب الذى جرت انتخاباته عام 1945 تحت اشراف حكومة أحمد ماهر وبرعاية القصر الملكى وقد رأى السعديون أنه مما يسىء لسمعتهم الاشتراك فى وزارة تحت رئاسة من غير حزبهم , لكن إسماعيل صدقي نجح فى الوصول معهم الى حل وسط يقضى بامتناع الهيئة عن التصويت , بعد أن استعاد معهم ذكريات جبهة العداء للوفد التى تشكلت فى فبراير عام 1942 منه ومن أحمد ماهر ومحمد حسين هيكل ومكرم عبيد وحافظ رمضان , ملوحا لهم بخطر الوفد الذى يتهددهم جميعا فيما لو فشل فى تشكيل الحكومة أو تقرر حل مجلس النواب واجراء انتخابات جديدة .
عندما ظهرت الهيئة الى الوجود عام 1938 كانت معاهدة 1936 قد أضيفت أبعادا جديدة على قضية الاستقلال التى تأرجحت طويلا بين الحماية والاستقلال الحقيقى , ودارت بشأنها معارك بين الاحزاب السابقة على الهيئة .
وقد اعتبرت الهيئة فى برنامجها , وقد كان أقرب الى الخطة منه الى البرنامج , أن معاهدة 1936 قد حققت الاستقلال لمصر بالفعل , ولذا اعتبرت أن المطلوب الآن هو صيانة استقلال البلاد وحمايته , وتحاشت الهيئة طرح مفهوم الاستقلال ومعناه , وانحسر اهتمامها فى العمل على توفير أسباب التعاون والاتحاد والتضامن بين المصريين للقيام بأعباء الاستقلال .
كما بدت شديدة الحرص على تنفيذ معاهدة 1936 بدقة , ربما من أجل ارضاء الانجليز .
وكان أحمد ماهر قد أعلن فور تولية الوزارة أكتوبر 1944 أنه يؤيد سياسة التفاهم مع بريطانيا , وسوف ينفذ باخلاص معتهدة 1936 , وان مصر ستواصل تنفيذ ما تتطلبه معاهدة اصداقة والتحالف التى تربطها ببريطانا العظمى .
وان كان يحسب للهيئة السعدية الدعوة اعادة النظر فى المعاهدة , فى المذكرة التى أرسلها أحمد ماهر الى الحكومة البريطانية أواخر عام 1944 , الا أن هذه الدعوة جاءت فى اطار موقف متكامل ( تضمنته المذكرة ) يتضمن فكرة التحالف مع بريطانيا وتنمية القوات المصرية الى الحد الذى يمكنها من صد عدوان المعتدى , حتى تصل اليها امدادات حلفائها وامدادات الأمم المتحدة .
ثم كان أن الموقف كله ذهب أدراج الرياح عندما رفضته الحكومة البريطانية . وارتباطا بقضية الاستقلال , كانت هناك مشكلة الامتيازات التى يحظى بها الأجانب فى مصر .
وقد اكتفت الهيئة بالاشارة فى برنامجها الأقرب الى خطة العمل , الى ضرورة محو كل أثر للاحتلال الأجنبى فيما اعتبره محمد صابر عرب أنه اشارة للامتيازات الأجنبية .
ورغم أن مسألة السودان احتلت موقعا هاما فى حركة ومواقف معظم الاحزاب المصرية ,فان الهيئة لم تعرها الأهمية التى تتناسب مع اهتمام الاحزاب الأ خرى بها , وان كان محمود فهمي النقراشي قد حاول أن يستغل دعوته لحضور مؤتمر سان فرانسيسكو (مارس 1945 ) والاشتراك فى صياغة ميثاق الأمم المتحدة لاعادة النظر فى معاهدة 1936 بما يحقق الجلاء وليس الاستقلال الذى تحقق بالفعل حسب رؤية الهيئة ويكرس وحدة وادى النيل ويبقى على التحالف مع بريطانيا الا أن محاولته فشلت بعد أن رفضتها بريطانيا , التى لاحظت الآن فقط أن حكومة النقراشى ليست حكومة أغلبية .
وفى القضية الاجتماعية تبنت الهيئة مواقف شديدة الجرأة , وان كانت قد بقيت أقرب الى الشعارات التى لم تجد طريقها الى التنفيذ , رغم أن الحزب تولى الحكم غير مرة ولفترات طويلة نسبيا .
اهتمت الهيئة بقضايا الأحوال الشخصية , مثل تشريعات تحد من تعدد الزوجات وتقيد الطلاق الا بمسوغ شرعى , واهتمت بقضايا العمال فدعت الى تأمينهم ضد المرض والبطالة والشيخوخة , وطالبت بتحديد ساعات العمل ووضع حد أدنى للأجور , ونص برنامجها على المساواة بين المصريين أمام القانون , وقيام حكم يستهدف مصلحة البلاد وتطهير أدواته من المفاسد , وتقريب الفوارق بين الطبقات وبما يضمن تحقيق العدالة الإجتماعية , فضلا عن بعض الشعارات العامة مثل تيسير سبل الرزق على الناس , وتنمية الفضائل وحب الوطن .
لكن الهيئة تجاهلت التفاوت الهائل فى الملكية الزراعية , وتنظيم الضرائب بطريقة أكثر عدلا , بل أنها لم تحدد كيفية تحقيق العدالة الإجتماعية التى طالبت بها .
وفى قضية الحريات الديمقراطية , تقلعست حكومة أحمد ماهر التى تشكلت فى أكتوبر 1944 عن الغاء الأحكام العرفية ورفع الرقبة عن الصحف والمطبوعات , بل انها أجرت انتخابات مجلس النواب الجديد فى يناير 1945 فى ظل أحكام الطوارىء .
وعندما اضطرت الى الغاء هذه الأوضاع تحت ضغط ارأى العام فعلت ذلك بالتدريج , فرفعت الرقابة على الصحف وأباحت الاجتماعات العامة ومنعت الاعتقال فى يونيو 1945 , ثم رفعت ما تبقى من الاحكام العرفية نهائيا فى أكتوبر 1945 , وكان قد مضى على وجودها فى الحكم عام كامل .

التنظيمات الماركسية

فى أعقاب انتصار الثورة الروسية , وانبهارا بانموذج الشيوعى ,انتشرت فى مصر الخلايا الشيوعية , وان كانت قد تركزت فى المناطق التى يعمل فيها عمال أجانب .

وفى عام 1920 تأسس الحزب الإشتراكي المصري الذى أخذ على عاتقه الدفاع عن قضايا العمال , ثم تغيير اسمه بعد ذلك بعامين الى الحزب الشيوعي المصري مع ادخال عدد من التعديلات على برنامجه الذى جاء أكثر تشددا واقترابا من الفكر والتوجهات الروسية .

وخلال عام واحد كان الحزب الشيوعي المصري قد استطاع أن يقيم علاقات مع أكثر من عشرين نقابة عمالية , فكان أن استشعر الوفد بالخطر الذى يتهدد مصالح البرجوازية المصرية بجناحيها الريفى والمدينى على السواء , فتعرض الحزب للتصفية على يد حكومة الشعب الوفدية , وانطوت بذلك الصفحة الأولى من تاريخ الحركة الشيوعية المصرية .

ومع بداية أربعينيات القرن الماضى , وراح المجتمع المصرى يعرف من جديد انتشار الخلايا , ثم التنظيمات الماركسية , فيما بدا استجابة موضوعية للمتغيرات العميقة التى أخذت تهز أركانه , وكان من بينها نمو البرجوازية المدينية بشكل لافت , وما ترتب على ذلك من نمو الكبقة العاملة , كما ونوعا , وزيادة حدة الاستغلال الطبقى الواقع على العمال , وازدياد حجم القضية الاجتماعية الى حد أنها فرضت نفسها على برنامج كافة الاحزاب بما فيها تلك التى تمثل مصالح البرجوازية الكبيرة وتدافع عنها , فضلا عن أعداد المثقفين الذين تلقوا دراستهم فى أوروبا وعادوامحملين بأفكار العدالة الإجتماعية وسيطرة الدولة على المرافق العامة , اضافة الى النتائج المترتبة على انتهاء الحرب العالمية الثانية , وخاصة بروز الاتحاد السوفييتى , الذى أصبح قوة دولية استطاعت أن تهزم النازية الألمانية والفاشية الايطالية , وتحقق على الصعيد الداخلى انجازات اجتماعية مبهرة وتقدما علميا وصناعيا هائلا .

والحاصل أنه فى أربعينيات القرن الماضى على ساحة العمل السياسى والحزبى المصرى عدد كبير من التنظيمات الماركسية , انحصرت الخلافات فيما بينها فى الجانب الايديولوجى , مثل طبيعية المرحلة الثورية , ونمط الانتاج السائد والجبهة المنوط بها قيادة نضال الطبقة العاملة , وما اذا كانت جبهة ديمقراطية أم جبهة شعبية ..الخ .

فى حين امتدت خطوط التلاقى بينها من دور العناصر الأجنبية فى تشكيلها , وحتى الموقف من معظم القضايا النضالية المطروحة على جدول أعمال الحركة الوطنية , مرورا ببنائها الاجتماعى .

ومن بين التنظيمات الماركسية التى ظهرت على الساحة العمل السياسى المصرى خلال ما اصطلح على تسميته الحركة الشيوعية الثانية , والتى امتدت حتى حل آخر تنظيماتها فى أواسط الستينات , كانت هناك الحركةالمصرية للتحرر الوطنى و " أسكرا " و" طليعة العمال " .

اتسم البناء الاجتماعى للتنظيمات الماركسية بغلبة البرجوازية المتوسطة , بمختلف شرائحها , مع وجود ملموس للطبقة العاملة , يتفاوت حجمه ووزنه من فصيل الى آخر , فضلالا عن العناصر الأجنبية التى كان لها غالبا فضل التأسيس , ثم راح وجودهم يثير لاحقا مشكلة تبحث عن حل فيما عرف بمهمة تمصير الحركة .

شهد عام 1942 ميلاد الحركة المصرية للتحرر الوطنى , وعلى رأسها هنرى كورييل , وظهور منظمة أسكرا بزعامة هليل شفارتز , ولم يزد مجموع التنظيمين معا على الثلاثين عضوا .

وفى 16 مايو عام 1945 ظهر العدد الأول من مجلة الفجر الجديد لتعلن – ضمنيا – عن تأسيس منظمة طليعة العمال .

ثم كان أن الخلافات العميقة التى ميزت العلاقة بين الحركة المصرية وأسكرا لم تقف حائلا بين اندماج التنظيمين معا وظهور الحركة الديمقراطية للتحرر الوطنى التى عرفت اختصارا باسم "حدتو " .

ورغم أن التنظيمات الماركسية بقيت تعمل تحت الأرض بمعزل عن الشرعية , ورغم أن الخلافات بينها ودوامة الوحدة والانفصال التى جرفتها طويلا , قد أثرت سلب على نشاطها ودورها , ورغم ما تعرضت له من ملاحقة واضطهاد مستمرين , الا أنها أثرت اليحة السياسية المصرية بصورة ملموسة , من حيث أنها – أولا – دفعت بالجسم الأعظم من فقراء المصريين , والعمال خصوصا , الى معترك العملية النضالية , ثم كانت دعوتها ال ضرورة استقلال الطبقة العاملة وبناء تنظيمها المستقل , مؤكدة أن ذلك لا يمكن أن يتحقق الا فى اطار القضية الوطنية المصرية , اذ أن الحركة الماركسية – ثانيا – فرضت القضية الاجتماعية – الاقتصادية بأبعادها الكاملة على جدول النضال الوطنى , وكان من بين ماطرحته فى هذا المجال التركيز على الجوهر الاقتصادى للاستعمار , ثم الدعوة الى استقلال العملة المصرية عن الجنيه الاسترالينى , وانشاء بنك مركزى وطنى , ونقل ملكية المرافق العامة الى الدولة , وتحرير الصناعة المصرية من الفنيين الأجانب , ونقل المؤسسات ذات الامتياز والاحتكار الى الدولة , وتأسيس بنك صناعى وطنى , وقيام الدولة بالمشروعات الصناعية الكبيرة .

أحزاب أخرى

هذه مجموعة من الاحزاب التى ظهرت ثم اختفت دون أت تترك أثرا يذكر فى ساحة العمل السياسى والحزبى , اللهم الا بضعة سطور فى كتب التاريخ المتخصصة قبل أن تمضى فى طريق التحلل والاندثار ثم التلاشى .

حزب الإتحاد

تكون عام 1925 بقرار ملكى , الأمر الذى سوف يعود ليتكرر مرة أخرى بعد ذلك بخمس سنوات مع حزب الشعب , وبما يعزز الاعتقاد بأن الملك فؤاد أدرك أهمية وقيمة العمل المنظم فأراد أن يكون له حزبه الذى يمكن أن يمده بالعناصرالمؤهلة والمدربة , فضلا عن أنها عناصر مخلصة للقصر , وربما أراد الملك أن يقيم مأوى يلجأ اليه المرتدون عن الوفد ويشجع من لم يزل فى مرحلة التفكير فى ذلك .

المهم أن الملك أراد أن يدخل اللعبة السياسية من أوسع أبوابها لكن الظاهر من الأحداث أنه لم يدرك على وجه اليقين أصولها وأحكامها , فأعتقد أن السلطة وحدها كفيلة باقامة تنظيم سياسى , فضلا عن أنها تضمن له العمر والحيوية .

والحاصل أن حسن نشأت رئيس الديوان الملكى سرعان ما التقط الارادة الملكية وراح يعمل على ترجمتها , فكان أن تكون حزب الإتحاد برئاسة يحيى ابراهيم باشا ومعه فى ادارة الجزب نخبة من باشوات وبكوات مصر , كان من بينهم , مثلما توقع الملك أو مثلما أراد , بعض أعضاء من الوفد مثل عبد الحليم البيلي وموسى فؤاد باشا ومحمد سعيد باشا , وبعض عناصر من الأحرار الدستوريين مثل البدراوي عاشور ومدنى حزين وزكريا نامق وحامد العلايلي , وآخرون من ذات الطبقة , طبقة البرجوازية الكبيرة بجناحيها المدينى الريفى .

واذا كان من الطبيعى أن ينجح حزب السلطة فى ضم عناصر من الوفد أو مؤيدى الأحرار حوله .

وكان من بين الذين انضموا لحزب علي ماهر وكيل الحزب ومحمود أبو النصر السكرتير العام أحد الذين سبق وساهموا فى تشكيل حزب الأمة , حزب كبار الأعيان ,وبولس حنا ومصطفى رشيد , وأحمد تيمور .

والراجح أن المندوب السامى البريطانى لم يبتعد كثيرا عن الحقيقة عندما رأى فى أعضاء حزب السلطة أنهم مشهورون بالثروة أكثر مما هم معروفون بالكفاءة والمقدرة الادارية , وأن الهدف من ضمهم ولم يقل انضمامهم الى الحزب أن يكونوا مصدرا لتمويله وليتمكن الحزب من خلال أغنياء الريف منهم أن يتغلغل فى المديريات .

ثم كان أن التجربة سرعان ما ثبت فشلها , ذلك انه رغم الثروة والسلطة والنفوذ فان الحزب السلطوى لم يحرز فى الانتخابات البرلمانية عام 1929 سوى ثلاثة مقاعد فقط .

حزب الشعب

قرر حزب إسماعيل صدقي رئيس الوزراء عام 1930 تشكيل حزب رأى أن يطلق عليه اسم حزب الشعب .

وإسماعيل صدقي الموصوف شعبيا بأنه جلاد الشعب أو الطاغية والذى سوف يطلق على الجماهير الغاضبة فيما بعد وصف الرعاع كان أول وأسرع من انشق عن الوفد وساهم فى تشكيل حزب الأحرار الدستوريين , لكنه لم يستمر طويلا فيه , اذ سرعان ما خرج منه أيضا , ليمارس العمل السياسى من موقع المستقل .

ولكنه يعود مرة أخرى عام 1930 ليدخل لعبة تشكيل الأحزاب , وان كان هذه المرة يفعلها من موقع السلطة , وبما يبرر السؤال لماذا فكر إسماعيل صدقي الآن فى تشكيل حزب .

ولعل السؤال يستمد بعض مشروعيته من تاريخ صدقى نفسه الذى كان رئيسا لاتحاد الصناعات , نقابة الرأسماليين الكبرى وعضو مجلس ادارة نحو 20 شركة , وصاحب تقرير لجنة الصناعة عام 1916 الشهير فى تاريخ التطور الرأسمالى المصرى , وكان وزيرا للداخلية فى وزارة أحمد زيور التى جاءت نتيجة للانقلاب الدستورى الأول بعد ثورة 1919 , ولعله من موقعه هذا كان الرجل الذى أدخل الى التراث المصرى السىء فكرة تزييف الانتخابات ثم حل المجالس النيابية , بعدما أسفرت نتيجة الانتخابات عن انتصار الوفد رغم التزوير , ثم هو صاحب المواقف المتميزة بالعداء شديد الوضوح للحركة الوطنيةبمختلف تياراتها .

والحاصل أنه بينما كانت البلاد تعانى فى عام 1930 من آثار الأزمة الاقتصادية العالمية , جاء إسماعيل صدقي رئيسا للوزراء , حاملا على كتفيه تراثا غنيا من الدفاع المستميت عن مصالح البرجوازية الكبيرة بجانبها المدينى والريفى .

ولعله رأى أن يستعين فى حكمه بحزب , فكان أن قرر تشكيل حزب الشعب لتتكرر مرة ثانية تجربة تكوين حزب مدعوما بقوة السلطة أو سلطة القوة , وعندما يكون إسماعيل صدقي رئيسا للوزراء , لا تعود ثمة فوراق جوهرية بين سلطة القصر وبين سلطة الحكومة .

والذى حدث أن حزب الشعب جاء صورة طبق الأصل من سابقه الاتحاد من حيث البناء الاجتماعى والمصالح التى يدافع عنها , فهو حزب البرجوازية الكبيرة بجناحيها الريفى و المدينى , وبين تهديد قوة السلطة واغراء سلطة القوة , استطاع إسماعيل صدقي أن يضم الى حزبه الوليد عددا من قيادات الأحرار ادستوريين وبعض بقايا الاتحاد وبينما ضم مجلس الادارة 16 عضوا يحملون لقب باشا و21 عضوا يحملون لقب بك , فان الأفندية ظهروا فى جمعية الحزب العمومية حيث كان منهم 17 عضوا مقابل 21 يحملون رتبة باشا , و48 بك .

بيد أن الأهم ان توجيه سياسة الحزب وتحديد مواقفه كانت فى يد صدقى وحده , بل ان عناصر كبار الملاك الذين انضموا للحزب كانوا من العناصر المحافظة وغير اللامعة , بل ان الشخصيات المطيعة , وكانت سمعة بعضهم محل شبهة من الطامعين فى السلطة وأصحاب المصالح فى التقرب منها .

وفى الانتخابات النيابية التى جرت عام 1930 حصل حزب الحكومة على 56 بالمائة من المقاعد , بفضل قوة السلطة , التى انحسرت بخروج إسماعيل صدقي من الوزارة .

حتى حصل حزبه على 6 بالمائة من المقاعد فى الانتخابات التالية مباشرة وكان قد اتحد مع حزب الإتحاد فى محاولة للخروج من الأزمة .

الكتلة الوفدية

هذا حزب لم يتكون بالرغبة المباشرة أو الصريحة لقصر , رغم أنه لم يخفف ارتياحه لما يحدث , ويقال انه كان وراء الستار يحرك الكثير من الاحداث التى ستقود الى انشقاق مكرم عبيد وظهور الكتلة المستقلة .

والذى حدث أن الصراع بين مصطفى النحاس ومكرم عبيد قد وصل الى احدى ذراه بعدما أصدر هذا الأخير الكتاب الأسود متضمنا الكثير من الفضائح المرتبطة بزعيم الوفد بصورة مباشرة .

وخاصة فى الجوانب الماية . وعندما قرر النحاس فى عام 1942 فصل مكرم عبيد وراغب حنا من عضوية الوفد , سارع 17 عضوا من الأعضاء الوفديين فى مجلسى الشيوخ والنواب بالاستقالة من الوفد والالتحاق بمكرم , وكان أن عددا آخر من أعضاء الوفد تتأرجح بين خصومة النحاس شخصيا وبين العلاقات الشخصية المتميزة مع مكرم لتولد بذلك فى عام 1943 الكتلة المستقلة أو الكتلة الوفدية أو الحزب المكرمى حسبما أطلقت عليهم الوثائق البريطانية .

تعود الأصول الاجتماعية لرئيس الكتلة مكرم عبيد الى اسرة من كبار الملاك حيث كان والده يملك 900 فدان فى عشرينيات القرن اماضى وهو مكرم درس القانون فى لندن وباريس وحصل على الدكتوراه عام 1912 . وتنقل فى عدةوظائف من المحاماة الى التدريس فى مدرسة الحقوق العليا .ولم تختلف الأصول الاجتماعية للأعضاء الآخرين عن أصول زعيمهم حيث امتازوا جميعا بالانتماء الى البرجوازية الكبيرة الريفية غالبا والمدينية على وجه العموم .

ومن بين هؤلاء بوزت أسماء السيد سليم وجلال الحمامصى وبعد عامين من ظهورها حققت الكتلة فى الانتخابات البرلمانية عام 1945 11 بالمائة من المقاعد حيث حصلت على 29 مقعدا فى مجلس النواب , وكانت تلك أول وآخر مرة تدخل فيها الكتلة الى البرلمان , اذ سرعان ما تخلل ,اندثر حيث لم يكن يمتلك من مقومات الحزب سوى بريق زعيمه والضحية الى أثارها الكتاب الأسود وهو بريق غير قابل للاستمرار طويلا , وضجة كان من الطبيعى أن تهدأ وتتراجع على الأقل بفعل الأحداث المتلاحقة .

الخلاصة

من العرض السابق يبدو واضحا اننا لم نكن أمام دراسة تاريخية بمعناها العلمى , فلم يكن ذلك هو الهدف والمقصد , بقدر ما استهدف الدراسة القاء بعض الضوء على الواقع السياسى والاجتماعى – الاقتصادى للفترة الزمنية محل الدراسة , والاحزاب الصغيرة التى ظهرت خلالها .

والراجح من قراءة الاحداث أن العوامل التى حكمت قيام التجربة الجزبية فى مصر أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ظلت تلاحق التجربة , تطاردها أحيانا وتحاصرها أحيانا أخرى , حتى انتهت بحل الاحزاب عام 1953 فأولا , كانت مصر أمام تجربة حزبية فرضت نشوءها وقيامها عوامل خارجية , تمثلت فى قوى سرعان ماتحولت أطماعها على الورق الى احتلال مقيم على الأرض .

ثانيا , كانت مصر أمام تجربة حزبية ما أن اشتد عودها حتى وجدت الاحزاب نفسها وكأنها مجرد ظلال لحزب واحد , استطاع أن يفرض وجوده على ساحة العمل السياسى والحزبى .

ثالثا , شهدت الساحة المصرية تراجع دور العوامل الداخلية الصراع الطبقى فى نشأة التجربة الحزبية .

جعل التجربة الجزبية الوليدة ظهرت على الأرض تحمل فى بنيانها مقومات ضعفها وأزمتها وقد كان طبيعيا أن تتجلى كل مقومات الضعف مظاهر الأزمة فى الاحزاب الصغيرة أكثر مما يمكن أن تظهر فى الحزب الكبير, رغم أن هذا الأخير لم ينج منها بدوره .

واشاهد أن الاحتلال الأجنبى الذى كان من النفترض – نظريا – أن يجمع بين الاحزاب الصغير ويزيدها قوة , كان هو العامل الذى لعب دورا عكسيا فى التفريق بينها واحتدام صراعاتها , ليس فقط عندما انقسمت هذه الاحزاب بين مؤيد للاحتلال ومهادن له وبين معارض للاحتلال ومناهض له .

لكن أيضا وهذا هو الاهم لأن قوى هذا المعسكرالأخير توزعت مواقعها وتشتت مواقفها حول مفهوم الاستقلال من القبول بتصريح 28 فبراير ومعاهدة 1936 وحتى شعار الاستقلال التام , ومن القبول بمجرد جلاء القوات العسكرية الاجنبية الى المطالبة بالاستقلال الاقتصادى من جانب ثم كيفية التعامل مع قوى الاحتلال من المفاوضة الى المقاومة من جانب آخر .

والظاهر من متابعة الاحداث التى راحت تتلاحق على المجتمع المصرى أن الصراع الاجتماعى الطبقى الذى لم يكن له دور يذكر فى نشأة الاحزاب راح يلقى بظلاله على سياساتها ومواقفها والنتيجة أن معظم الاحزاب الصغيرة كانت تتصارع على تمثيل ذات القوى الاجتماعبة والدفاع عنمصالحها وهذه القوى هى البرجوازية الكبيرة غالبا والشرائح العليا من البرجوازية المتوسطة أحيانا , بينما كانت هناك قوى اجتماعية أخرى فى المجتمع تكبر حجما وتزداد نفوذا وتتعاظم قوة , وهى الطبقات الأكثر فقرا من العمال والفلاحين والبرجوازية الصغيرة والشرائح الدنيا من البرجوازية المتوسطة , ثم راحت تفرض بقوة قضيتها الاجتماعية ومفهومها الاقتصادى للاستقلال على جدول أعمال الاحزاب وبرامجها .

واذا كانت كل الاحزاب الصغيرة قد سطرت فى برامجها كلاما كثيرا عن قضايا الفقراء ومشاكلهم وأخذت برؤاهم فى عد من القضايا الاجتماعية والسياسية فان التناقض بدا جليا لدى تلك التى وصلت الى السلطة عندما نحت جانبا كل هذا الكلام , واهتمت فقط بالدفاع عن مصالح البرجوازية المتوسطة بعض الاحيان .

وهكذا راحت الأزمة الصغيرة ضمن أزمة المجتمع المصرى كله , تزداد احتداما وتفاقما كلما ازدادت القوى الاجتماعية الوليدة نموا وازدادت قضاياها الاجتماعية الحاجا وبقى الحال هكذا الى أن انتهت التجربة الحزبية برمتها بالحل عام 1952 .

ولعل الدرس الأهم من التجربة الحزبية المصرية الأولى يتمقل فى ضرورة واهمية التعامل مع الحقيقة العلمية القائلة ان الحزب السياسى هو لجنة لادارة مصالح طبقة واحدة فضلا عن الادعاء بان الحزب أى حزب فوق الطبقات فهى محاولة مآلها الفشل وربما تجر فى طريقها الكثير من الويلات والنكسات على المجتمع .

القسم الثالث : برامج الاحزاب السياسية الصغيرة : قراءة مقارنة " عاطف السعداوي "

تكتسب برامج الاحزاب أهمية كبيرة فى عصر انتهت فيه تقريب ظاهرة الاحزاب الأيديولوجية , ففى السابق كان العامل الحاسم فى الانضمام الى الحزب السياسى هو الأيديولوجية التى يتبناها ويدعو اليها هذا الحزب , وعلى هذا الأساس عرفت النظم التعددية أحزاب اليسار وأحزاب اليمين وأحزاب الوسط ومن ثم عرفت اليساريين واليمينين والوسطيين , نسبة الى تلك الاحزاب أما وقد انتهت ظاهرة الاستقطاب الأيديولوجى وما ارتبط بها من مؤسسات فان ما تطرحه الاحزاب فى برامجها أصبح هو العامل الأول للانضمام لحزب ما , وبالتالى قيامه بأهم وظائفه التجنيد السياسى , التنشئة السياسية , تجميع المصالح ... الخ .

وتكتسب برامج الاحزاب أهميتها لسبب آخر , وهو أنه فى ظل نظام سياسى يقوم على التعددية الحزبية , فانه من المتصور أن تسهم الاحزاب المكونة لهذا النظام بدور فعال فى طرح بدائل للسياسات المطروحة بالفعل اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا وفى هذه الحالة تكون البرامج الحزبية هى الاداة المثلى لطرح هذه السياسات البديلة التى تحمل وجهة نظر أصحابها لمعالجة قضايا الوطن .

واذا كان كذلك بالنسبة لكل الاحزاب فانه بالنسبة للاحزاب المصرية الصغيرة يكتسب أهمية اضافية , لأن الاحزاب لم يسبق لها التمثيل فى البرلمان , كما لم يسبق لمعظمها أن خاض حملة انتخابية وطرح لها برنامجا ما , الأمر الذى يجعل برامج هذه الفئة من الاحزاب المتنفس الوحيد لها التعبير عن رؤاها وأطروحاتها .

ومن هنا تأتى هذه القراءة فى برامج الاحزاب المصرية الصغيرة , التى تحاول الوقوف على كيفية معالجة تلك الاحزاب لبعض القضايا الهامة , وما يمكن أن يسفر عن ذلك من نتائج ومقترحات .

وقبل التطرق الى برامج الاخزاب المصرية الصغيرة بالدراسة والتحليل , هناك مجموعة من الملاحظات الأولية تجب الاشارة اليها هى : أولا – أن المقصود بالاحزاب الصغيرة كما سبق ذكره فى القسم الأول من هذه الدراسة , هى تلك الاحزاب المقصودة 11 حزبا هى أحزاب مصر العربي الاشتراكي , الأمة , الشعب الديمقراطي , حزب العدالة الإجتماعية , حزب التكافل , حزب مصر الفتاة الجديد , حزب الخضر المصري , الحزب الإتحادي الديمقراطي , حزب مصر 2000 , حزب الوفاق القومي , حزب الجيل الديمقراطي .

ثانيا – أن هذا القسم من الدراسة سيتناول برامج تلك الاحزاب فقط دون غيرها من بقية وثائق وأوراق الاحزاب مثل البرامج الانتخابية أو البيانات التى تصدرها الاحزاب فى مناسبات معينة , أو أعمال المؤتمرات العامة للاحزاب أو تصريحات كبار الحزبيين ... الخ , الأمر قد يعنى حدوث تعديل فى مواقف تلك الاحزاب من أكثر ايجابية من بعق القضايا والمسائل , سواء بتفصيل وتحديد ما كان عاما غامضا أو بتطوير موقف أكثر ايجابية من قضية ما نتيجة تغير فى الظروف الواقعية المحيطة , وان كان حدوث ذلك التطور بعيدا نسبيا , ويرجع ذلك لسببين :

أولهما , أن معظم هذه الاحزاب لم تتقدم بمرشحين للانتخابات النيابية , وبالتالى لم تطرح برامج انتخابية يمكن أن تحمل تعبيرا أو تعديلا أو تطورا ما , ويرتبط بهذا السبب عدم تمثيل هذه الاحزاب فى مجلس الشعب منذ تأسيسها , الأمر الذى فوت عليها فرصة مراجعة أفكارها أوتطويرها باعتبار أن البرلمان دائما ما يكون ساحة للتعبير عن مواقف القوى الممثلة فيه من قضايا المجتمع أو أى جديد يطرأ على تلك المواقف ,

السبب الثانى , هو قصر عمر معظم هذه الاحزاب , وما عقد من تلك المؤتمرات كان بهدف حسم الصراع على المناصب القيادية داخل الحزب , وليس لطرح فكر جديد أو مراجعة موقف من قضية ما , الأمر الذى يعنى أن الاعتماد على البرامج وحدها لن يسبب مشكلة فى الفهم .

ثالثا – ان مقارنة تلك الاحزاب من خلال برامجها لن يمتد الى كل القضايا التى تناولتها هذه البرامج لصعوبة تحقيق ذلك فى دراسة بهذا الحجم , وانما سيتم الاعتماد على مجموعة من القضايا المختارة والتى يعتبر تناول الحزب لها كاشفا عن رؤية الحزب واستراتيجية , وقد تمت مراعاة أن تكون هذه القضايا المختارة معبرة عن مواقف كل حزب تجاه قضايا الداخل والخارج , لذلك تم الاختيار من قضايا الداخل , تلك القضايا بالاضافة المتعلقة بالاصلاح السياسى والدستورى وقضية اصلاح التعليم وقضية التنمية الاقتصادية , بالاضافة الى أهم قضايا السياسة الخارجية مثل دوائر التحرك الخارجى المصرى وقضية الصراع العربى الإسرائيلى .

رابعا – أن هذه القراءة لا تتضمن تدخلا فى تفسير أو تبرير موقف حزب معين من قضية معينة , لأن ذلك ليس هو هدف هذا القسم من الدراسة , وانما هدفه هم تقديم قراءة مقارنة لبرامج الاحزاب تبرر مساحة الاتفاق ومساحة الاختلاف بين تلك البرامج فى معالجتها للقضايا المجتمعية الهامة , والتعرف على كيفية معالجة هذه الاحزاب لتلك القضايا وما تطرحه من حلول لها .

خامسا – على الرغم من الاقرار بأن هناك أحزابا استحوزت – فى هذا القسم من الدراسة – على مساحة أكبر من غيرها , الا أن سبب ذلك ليس هو التحيز وانما اسهاب بعض الاحزاب فى شرح وجهة نظرها من هذه القضايا بشىء من التفصيل , الأمر الذى استدعى معه ابراز وجهة النظر هذه كاملة حتى لا يحدث اخلال بالمعنى .

وبعد هذه الملاحظات الأولية يمكن التطرق الى قراءة مقارنة لبرامج الاحزاب المصرية الصغيرة موضع الدراسة من خلال ما أتت به برامجها حول القضايا الداخلية والخارجية ثم يختتم هذا الجزء من الدراسة ببعض الاستنتاجات العامة .

القضايا الداخلية

تمثل قضايا السياسة الداخلية محور برامج الاحزاب الصغيرة ئ, وهى مجال التنافس والتمايز الأساسى بين تلك الاحزاب , حيث يسعى كل حزب جاهدا أن يبرر رؤيته للمشاكل الداخلية المتصلة مباشرة بظروف الحياة اليومية , وبرنامجه الخاص لحلها , وأول ما يلفت النظر فى معالجة برامج تلك الاحزاب للقضايا الداخلية هو تشابه مطالبها فيما يتعلق بقايا الديمقراطية التى تتشابه حولها برامج الاحزاب الصغيرة تتمثل فى : الانتخاب المباشر لرئيس الجمهورية ونائبه بين أكثر من مرشح , واطلاق حرية تكوين الاحزاب المباشر لرئيس الجمهورية ونائبه بين أكثر من مرشح , اطلاق حرية تكوين الاحزاب بلا قيود , الغاء القوانين الاستثنائية والغاء حالة الطوارىء والغاء صور الدمج بين أجهزة الدولة والحزب الحاكم , الغاء القوانين المقيدة لحرية الصحافة فى مصر , اعطاء صلاحيات تشريعية ورقابية لمجلس الشوي , انتخاب شيخ الأزهر من هيئة كبار علماء الأزهر .

الاطار العام لنظام الحكم

اتفقت برامج الاحزاب الصغيرة على أن الإسلام يعد مكونا أساسيا للثقافة المصرية والتاريخ المصرى , وعلى أهمية الشريعة الإسلام ية كمصدر رئيسى للتشريع , ويمكن ارجاع هذا الاجماع الى ما نص عليه قانةن الاحزاب السياسية من ضرورة عدم تعارض أى من مبادىء الحزب مع مبادىء الشريعة الإسلام ية وذلك كشرط للسماح بتأسيس الحزب ويمكن تفسير ذلك ايضا بالمد الإسلام ى الذى شمل البلاد منذ السبعينات وتحت ضغط هضا المد – وفى محاولة لاحتوائه – تم تعديل المادة الثانية من الدستور فى عام 980 تنص على أن الشريعة الإسلام ية هى المصدر الرئيسى للتشريع , وبسبب هذا التعديل أصبح من الصعوبة بمكان أن يقوم أى من احزاب البلاد بمعارضة هذاالتطور , خصوصا بعدما تبناه حزب الوفد الذى كان ينتظر منه أن يكون أقوى قلاع العلمانية فى مصر وعلى هذا أوردت جميع الاحزاب – بما فيها الاحزاب ذات التوجهات اليسارية فى برامجها نصا يؤكد على الدور المتميز لللشريعة الإسلام ية كمصدر للتشريعات والقوانين فى البلاد , ولكن على الرغم من هذا الاجماع الا أن هناك أحزابا تجاوزت ذلك الى اعتماد المرجعية الإسلام ية , مثل حزب الأمة الذى يمكن تصنيفه وفقا لبرنامجه حزبا اسلاميا اشتراكيا فيرى الحزب من خلال برنامجه أن نظام الحكم يقوم على دعامت الإسلام والإشتراكية .

وبالتالى يعتبر أكثر الاحزاب صراحة فى التعبيرلا عن رؤيته الخاصة لنظام الحكم , فقد طالب بضرورة تعديل المادة الأولى من الدستور بحيث تنص على أن جمهورية مصر العربية الإسلام ية دولة شعارها العلم والايمان ونظامها اشتراكى ديمقراطى شورى يقوم على تحلف قوى الشعب العاملة فى اطار الوحدم الوطنية والسلام الاجتماعى , والشعب المصرى جزء من الأمة الإسلام ية ويعمل على تحقيق وحدتها الشاملةووفقا لذلك التصور يقترح الحزب تغيير الاسم ارسمى للدولة من جمهورية مصر العربية الى جمهورية مصر العربية الإسلام ية كما يرى ضرورة تغييير مصادر التشريع بحيث تكون الشريعة الإسلام ية هى المصدر الاساسى للتشريع , ومن هنا يطالب بتغيير المادة الثانية من الدستوربحيث تنص على أن الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية , والشريعة الإسلام ية هى المصدر الوحيد للتشريع فى المجتمع والدولة , ويرى ضرورة الحفاظ على استمرار تطبيق النظام الإسلام ى يرى برنامج الحزب أن الإسلام هو عقيدة الأغلبية الساحقة للشعب المصرى .

وبما أن الشعب فى النظام الديمقراطى يجد سنده من الدستور فى اعلاء لارادة الأغلبية الساحقة للشعب المصرى لذا يعلن الحزب أنه سيعمل فور توليه الحكم عل اعلان تطبيق أحكام الشريعة الإسلام ية كنظام سياسى واجتماعى واقتصادى للدولة و المجتمع وعلى احلال قوانين الشريعة الإسلام ية محل القوانين الوضعية , واحلال النظام الإسلام ى محل النظام الوضعى وعلى قيام نظام الدولة الإسلام ية والحضارة الإسلام ية فى مصر كعلاج فورى وحاسم لمشاكلنا ومتاعبنا وآلامنا ومعاناتنا فى جميع المجالات الحيوية وبذلك يصبح تجمعنا اسلاميا واقتصاديا اسلاميا , وسياستنا اسلامية ونظامنا نظاما اسلاميا وحضارتنا حضارة اسلامية ودولتنا دولة اسلامية .

أما الدعامة الثانية التى يقوم عليها الحكم وفقا لبرنامج حزب الأمة فهى الإشتراكية حيث يرى البرنامج ضرورة تعميق نظام الإشتراكية الديمقراطية فى الدولة كدعامة بعد تسمية الدولة باسم جمهورية مصر العربية الإسلام ية , وتطبيق أحكام وحدود الشريعة الإسلام ية كنظام للمجتمع والدولة .

أما فيما يتعلق بحزب مصر العربي الإشتراكي فهو ينحو أيضا منحخى اسلاميا من خلال ايمانه بأن تقنين الشريعة الإسلام ية قد بات مطلبا شعبيا أجمع عليه العلماء والحكماء والعارفون بدينهم وشريعتهم والسياسيون المثقفون ويرى بالتالى ضرورة تطبيق مبادىء الشورى الملزمة للحكم ولذلك يرى أن مبادىء الشريعة الغراء والقطعية الثبوت والدلالة والتى لا اجتهاد فيها أضحت قاعدة دستورية لا يجوز بأى حا من الاحوال أن تحيد التشريعات عنها ومن هنا يرى أن الواجب يحتم ويقتضى سرعة اعادة النظر فى التشريعات القائمة والغاء النصوص التى تخالف أحكاما شرعية مستمدة من أدلة قاطعة الثبوت والدلالة ومن هنا يرى الحزب ضرورة الغاء القوانين التى تسمح بالتصريح لأندية الميسر بالفنادق الكبرى بمزاولة هذا النشاط الاجرامى الهدام واصدار تشريع بتحويل الملاهى الليلية التى تمثل بؤر اشعاع للفساد الى أماكن للمتعة الحلال والترفيه البرىء .

أما من حيث استراتيجية التنمية الاقتصادية فيؤمن الحزب بازدواجية الملكية , أى الملكية العامة والخاصة وكلتاهما فى نفس القدر من الأهمية لتحملا معا مسئولية التنمية الاقتصادية.

أما بالنسبة الى حزب الشعب فهو يتبنى النظام الاشتراكى بشكل صريح , حيث يحدد فلسفته فى اشتراكية تعاونية ديمقراطية ويرى ضرورة المحافظة على المكاسب الإشتراكية والحريات الديمقراطية ومفلهيمها ويؤكد تمسكه بأن جمهورية مصر العربية الإشتراكية الديمقراطية دولة أفريقية الموقع ,اسلامية الديانة , عربية اللغة , وأن الشريعة الإسلام ية هى مصدرها الرئيسى للتشريع , كما يؤكد برنامج الحزب أنه يعمل على المحافظة على تحالف قوى الشعب العاملة منعا لوقوع أى صراع طبقى يعوق ويحطم حركة التقدم الحضارى .

أما حزب مصر 2000 , فلم يتبن صراحة مذهبا بعينه , وان كان يتضح من خلال خطابه ميله الى النظام الاشتراكى , حيث يؤكد برنامجه فى المقومات الاساسية للحزب أن حزبا يؤمن بضرورة وجود قطاع عام قوى الى جانب قطاع خاص قوى , كذلك فانه يجب العمل على اصلاح جميع السلبيات التى يعانى منها القطاع العام وعدم التخلى عنه بصورة كاملة , واعتباره قطاعا خاصا مملوكا للدولة , وان الوقت لم يحن بعد للانتقال كليا الى اقتصاديات السوق الكاملة , وذلك الى ان يتحقق التوازن الكامل بين الدخول والاسعار , والى أن يتمكن الشعب من ممارسة دوره الكامل فى الرقابة وتحقيق المنافسة الشريف بين أنشطة القطاع الخاص عن طريق ربات البيوت وحماية المستهلك والتعاونيات وغيرها .

اضافة الى ذلك يؤكد برنامج الحزب على أن الشريعة الإسلام ية هى المصدر الأساسى للتشريع .

كذلك لم يتعرض يتعرض حزب الوفاق القومي لشكل نظام الحكم , وان كان يتضح من خلال خطابه ميله أيضا الى النظام الاشتراكى – حيث يستخدم مصطلح المنظمات الشعبية , قاصدا بها المجتمع المدنى , كما يؤكد ضرورة اسهام النقابات ةالاتحادات العمالية فى قرار التحولات الكبرى التى تؤثر فى سوق العمل سواء فيما يتعلق بعلاقات أو أدوات الانتاج , اضافة الى حقها فى اقتراح التشريعات المنظمة لعلاقات العمال مع الادارة وحقوق العمال بصفة عامة , كما يؤكد فى موضع آخر أن الحياة الديمقراطيق السليمة التى ننشدها يجب ألا تخضع لسيطرة رأسمالية أو سيطرة من أى نوع .

على الجانب الآخر تتبنى أحزاب الخضر والاتحاد الديمقراطى بشكل صريح نظام الحكم القائم على اقتصادياتت السوق , حيث يقول برنامج حزب الخضر " يهدف الحزب الى تهيئة الظروف اللازمة لتحقيق تفاعل القوى الطبيعية للسوق وتوفير مناخ المنافسة العادلة والحد من تدخل الدولة فى التسعير الا عند الضرورة لصالح المستهلك كما يؤكد على الدور الرئيس للقطاع الخاص فى تحقيق التنمية بما يتوافر لديه من موارد مالية كبيرة وخبرة ومرونة وانتشار" .ٍ

أما برنامج الحزب الإتحادي الديمقراطي فيرى أن تدعيم سياسة الانفتاح الاقتصادى سوف تجعل مصر تستفيد من مواردها بشكل جيد كما يرى أن استثمار موارد أخرى غير تلك الموجودة لا يأتى بصورة كافية الا فى ظل الحرية الاقتصادية بتشجيع أصحاب الاموال العرب والاجانب للحضور الى مصر بأموال كافية لاستثمارها , وهو ما يؤدى الى دفع عجلة التنمية , ويرى أن الاقتصاد ا لحر يدفع أصحاب الاعمال الى تكريس كل امكانياتهم وجهودهم وأوقاتهم بتأثير الحافز الفردى للانتاج .

ويرى أيضا أنه اذا كان قد استقر الرأى بأن صالح مصر يفرض علينا أن نأخذ بسياسة الانفتاح الاقتصادى كمنهج أساسى واستراتيجية ثابتة متميزة أىى أن نرعى ونحمى هذا الاتجاه فلا سماح بأى قرارات أو سياسات تنفيذية تتعارض مع هذا الخط الاستراتيجى الاساسى ويؤكد الاتحادى على ذلك بقوله ان نجاحنا فى هذا علاج المشكلة الاقتصادية والانطلاق بمصر فى مدارج التقدم سوف يكون يسيرا عندما بزداد اليقين بفهم ومعرفة أن سياسة الانفتاح والاقتصاد الحر هى سبيلنا لادارة الشئون الاقتصادية وتدفع استراتيجيتنا للتنمية على هذا الاساس ةنضع المناهج والسياسات التى تتمشى مع هذه الاستراتيجية بصورة تكفل تحقيق التنمية والرخاء لمصر لذلك كله يدين الاتحادى بشدة الفترة الناصرية والقرارات التى اتخذتها مثل التأميم ومصادرة الاموال ويقدم اعتذاره لكل أجنبى أو مصرى تضرر من تلك الفترة , فى حين يمتدح عصرى السادات ومبارك باعتبار أن حرية التعبير ظهرت جلية فى هذي العصرين .

قضايا النظام السياسى

تجمع كل الاحزاب الصغيرة على أن شكل الحكم فى مصر يجب أن يكون جمهوريا , ويرجع ذلك الى ما سطره قانون الاحزاب نفسه , والذى لا يعطى الشرعية قيام أة حزب يدعو لغير ذلك .

كما تتفق معظم هذه الاحزاب فى الموقف من بعض قضايا اصلاح النظام السياسى ومؤسسات الحكم وذلك كما يلى :

أ- تتفق برامج معظم الاحزاب الصغيرة على ضرورة تعديل المواد الخاصة بمنصب رئيس الجمهورية فى الدستور , بحيث تنص على انتخابه هو ونائبه من بين أكثر من مرشح بدلا من نظام الاستفتاء المعمول به حاليا .

وفى هذا الشأن يرى الامة عى سبيل المثال ضرورة تعديل النادة 77 من الدستور بحيث يكون اختيار رئيس الجمهورية بالانتخاب السرى المباشر بدلا من الاستفتاء , كذلك يؤكد حزب الوفاق الومى على مبدأ الانتخاب المباشر لرئيس الجمهورية ونائبه .
ولكن نقطة الاختلاف بين تلك الاحزاب تمثلت فى عدد الفترات التى لا يجب أن يتجاوزها رئيس الدولة فى الحكم ,ففى الوقت الذى ترى فيه برامج بعض الاحزاب ألا تزيد مدة الرئاسة عن دورتين فان هناك أحزابا لا ترى مانعا من بقاء الوضع الحالى على ماهو عليه بمعنى بقاء الرئيس فى منصبه لمدد أخرى .
فحزب الأمة لا يرى مانعا من انتخاب رئيس الجمهورية لمدد أخرى كل مدة خمس سنوات , ونفس الموقف تبناه كل من حزب العدالة الإجتماعية والحزب الإتحادي الديمقراطي , حيث يرى كل منهما ضرورة أن يكون رئيس الجمهورية ونائبه منتخبين انتخابا مباشرا , وأجازا تمديد الرئاسة لمدد أخرى , وهذه الدعوة لابقاء الوضع على ما هو عليه تبدو عريبة , لأنها تصدر من أحزاب سياسية يفترض – ولو نظريا –انها تسعى لتداول السلطة .
أما الاحزاب التى أكدت على ضرورة تحديد عدد فترات الحكم , فكانت حزبى الخضر ومصر العربي الاشتراكي , وفيما يتعلق بحزب الخضر فانه يرى ضرورة تحديد مدة الرئاسة لفترة واحدة فقط لافساح امجال لعناصر صالحة جديدة لنفس الغرض بنفس الشروط لكنه لا يحدد عدد سنوات فترة الرئاسة .
كذلك حزب مصر العربي الإشتراكي الذى ينفرد برؤية خاصة فيما يتعلق بطريقة انتخاب رئيس الجمهورية , حيث يرى جواز ترشيح رئيس الجمهورية لفترة رئاسة جديدة تالية للفترة التى قضاها فى الحكم , على أن يجوز ترشيحه بعد ذلك لفترة واحدة فقط , أى أن يقضى رئيس الجمهورية فترتين على الاقصى فى منصبه بشرط ألا يكونا متتاليتين , ولم يوضح برنامج الحزب الحكمة من وراء هذا الشرط وان كان يبدو أنه رغبة فى تجديد الدماء , مع اعطاء الشعب الحق ف اعادة الرئيس السابق بعد تأكده من فشل سلفه وتمايز أسلوبه الرئاسى .
ويرى الحزب ضرورة أت يتخلى الرئيس المنتخب عن صفته احزبية اذا كان منتميا لأحد الاحزاب والايمارس أة نشاط حزبى طوال مدة رئاسته , ويبدو أن هذا الموقف حكم يقينيا وجود تأثير كبير للجمع بين المنصبين على الانتخابات البرلمانية خاصة . ومجمل الاداء الحزبى عامة .
ويرى الحزب أن مدة الرئاسة خمس سنوات ميلادية يجوزتجديدها لفترة واحدة غير متتالية فى انتخاب عام مباشر وسرى , ويرى أن لكل مصرى تتوافر فيه شروط الترشيح لعضوية مجلس الشعب أن يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية , ويرى أنه يجوز لرئيس الجمهورية أثناء مدة رئاسته أن يزاول أى عمل آخر خلاف مهام منصبه , ويحظر عليه أن يباشر عملا مهنيا أو تجاريا أو صناعيا أو مادياأو استثماريا أو أن يشترى هو أو أحد المذكورين شيئا , أو ان يتربح هو وأولاده أو زوجته من أعمال الدولة , وان يقدم عند توليه منصبه وعند تركه اقرارا تفصيليا , يودعه الامانة العامة لمجلس الشعب , ويحق لأى جهة قضائية أو رقابية الاطلاع عليه , وهكذا يبدو أن هذا الموقف حكمه أيضا الخشية من أن يستغل المنصب فى التربح .
أما حزبا الفتاة الجديدة , ومصر 2000 فقد تطرقا – على عكس الاحزاب الصغيرة السابقة – الى طريقة اختيار رئيس الجمهورية ونائبه , فحزب مصر الفتاة الجديد دعا لتبنى نظام رئاسى برلمانى مختلطا , ويقترح فى هذا النظام دارالمشورة قوامها عدة شخصيات قضائية بارزة يرأسها رئيس محكمة النقض , ومهمتها فحص أوراق ترشيح رئيس الجمهورية ونائبه وتقرير قبولها من عدمه .
وحسب برنامج الحزب , فان الرئيس ونائبه ينتخبان على مرحلتين تشبه نسبيا فى الوقت المعاصر ما يحدث فى النظام الايرانى .
المرحلة الاولى تتم بواسطة أهل الرأى والمشورة , والمرحلة الثانية تتم بواسطة الناخبين .
كما تمارس دار المشورة الاشراف على الانتخابات فى كل المستويات , ويتولى رئيسها منصب رئيس الدولة فى حالة وفاة أو عجز رئيس الجمهورية , كما يطالب الحزب بالتشديد على امتناع رئيس الجمهورية وأقاربه حتى الدرجة الثالثة من ممارسة أى نشاط حزبى من أى نوع , وحصر المجالات التى يسمح فيها لرئيس الجمهورية بالجوء اللى الاستفتاء .
وبالنسبة لحزب مصر 2000 فقد قدم رؤية متكاملة وتفصيلية لمنصب رئيس الجمهورية من حيث طريقة اختياره , فترات حكمه , شروط شغله مهامه , حقوقه وواجباته , يرى أن شغل هذا المنصب يجب أن يكون بالانتخاب الحر المباشر من جميع المصريين المتمتعين بحقوقهم السياسية فى داخل مصر وخارجها , وان من حق كل مصرى تنطبق عليه الشروط ,التقدم لترشيح نفسه لهدا المنصب الى رئيس الهيئة التشريعية .
وأن يفتح باب الترشيح قبل انتهاء الرئاسة بستة أشهر ويغلق بعد شهر واحد من فتحه , وتجرى عمليم الاقتراع قبل ثلاثة أشهر من انتهاء فترة الرئاسة القائمة , ويجرى التصويت فى الخارج من المصريين عن طريق السفارات والقنصليات , ويرى برنامج الحزب , أن اليمين الدستورية للرئيس يجب أن تتضمن أنه رئيس لكل المصريين وأنه قام بتجميد عضويته الحزبية اذا كان منتميا لأى حزب طيلة مدة توليه لهذا المنصب , ويؤكد البرنامج على اشتراط تخلى رئيس الجمهورية عن صفته الحزبية طيلة مدة رئاسته , وذلك باعتباره القائد الاعلى للقوات المسلحة والرئيس الاعلى للشرطة , ورئيس المجلس الاعلى للقضاء وكل هذه الهيئات محظور على منتسبيها الانضمام لاى حزب من الاحزاب كما أن تجميد الرئيس لعضويته الحزبية هو تأكيد لدوره كراع للتوازن بين جميع القوى السياسية فى البلاد واتاحة الفرصة النتساوية أمامها جميعا ليمكن تأدية دورها فى النهضة الوطنية فى جميع المجالات وفيما يتعلق بمدة فترة الرئاسة , يرى برنامج الحزب أن مدة الرئاسة ست سنوات ميلادية من لحظة تسلم الرئيس الجديد مهام منصبه , وويرى مصر 2000 كما ذكر مصر العربي أيضا , أنه يجوز تجديد الرئاسة الا لفترة واحدة تالية الا أنه يمكن لأى رئيس سابق التقدم للترشيح مرة أخرى بعد انقضاء فترة رئاسة كاملة لخلف له وأخيرا يرى مصر 2000 من خلال برنامجه أنه اذا أدين رئيس الجمهورية فى جريمة جنائية أو مخلة بالشرف , أو فى اتهامه بالخيانة العظمى يعفى من منصبه مع عدم الاخلال بالعقوبات الأخرى , وذلك بعد اجراء محاكمته أمام لجنة خاصة يشكلها رئيس الهيئة التشريعية .
على هذا الاساس يتبين أنه باستثناء حزب مصر 2000 لم تتعرض أى من الاحزاب موضع الدراسة الى السلطات المنوط لرئيس الجمهورية سلطات واسعة فى كافة المجالات تنفيذية وتشريعية وقضائية بالاضافة الى العديد من السلطات الاستثنائية , وكافة هذه الامور كان يفترض معها أن تدلى الاحزاب السياسية المعنية بالدراسة برأيها فيها كما حدث لحزب مصر 2000 .

ت‌- الحكومة

لم يتعرض سوى عدد قليل من الاحزاب الصغيرة للشكل بالسطة التشريعية الذى يجب أن تكون عليه الحكومة والمهام التى يجب أن تؤديها , وطبيعة علاقتها بالسلطة التشريعية , فحزب الأمة يرى فى برنامجه أن الحكومة التى تتولى السلطة التنفيذية , يجب أن تحوز على ثقة مجلس الشعب , وأن تكون مسؤولية أمامه ,و لكن البرنامج لا يقرر بمبدأ المسؤولية الجماعية للحكومة أمام مجلس الشعب , حيث يرى أن سحب الثقة من أحد الوزراء تتعين معه استقالته وليس استقالة الحكومة .
أما حزب العدالة الإجتماعية , فاقتصرت رؤيته على مدة تعيين الوزير ومهامه , فيرى مدة تعيين الوزير عن خمس سنوات على أن يكون لكل وزارة جهاز فنى يضم جميع وكلاء الوزارة , يكفل سير العمل فى الوزارة على الوجه الأكمل عند تولى شئونها وزير جديد , يمكن أن يستثنى من ذلك الوزراء فى اعطاء فرص لدم جديد قادر على العطاء ولدية أفكار جديدة مما يعود بالنفع على المجتمع .
أما حزب مصر 2000 فيرى أن تشكيل الحكومة يجب أن يسند الى رئيس الحزب الفائز بالأغلبية فى انتخابات مجلس النواب , ويرى أنه يمكن لرئيس الوزراء اختيار وزير أو أكثر من غير حزب الاغلبية طالما لديه كفاءة , ويرى أيضا ضرورة تعديل المادة 154 من الدستور الخاصة بشروط الوزير ,ليضيف اليها أن يكون من أبوين مصريين ويتطرق لمهام الوزير , ويرى برنامج الحزب أن هناك ثمانى وظائف يجب موافقة ما أسماه مجلس الشيوخ على من يشغلها , وهى القائد العام للشرطة , القائد العام للدفاع المدنى , رئيس جهاز المخابرات العامة , مفتى الجمهورية , رئيس الجهاز المركزى , رئيس هيئة الرقابة الادارية , المدعى العام الاشتراكى . أما الأحزاب المتبقية , فلم تتعرض لشكل الحكومة أوة مهامها على الاطلاق .
ومن هنا فان هذه الجزئية فى حاجة الى معالجة أكثر ايجابية فى برامج الاحزاب , لا سيما فيما يتعلق بطبيعة العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية , وضرورة أن تكون الحكومة مسئولة أمام البرلمان وامكانية سحب الثقة منها واستقالة الوزارة اذا ما تم ذلك , فالوضع الحالى والذى ينظمه دستور 1971 فى مادته 127 يضع شروطا اجرائية صعبة التحقق لكى يقر مجلس الشعب مسئولية رئيس مجلس الوزراء , حيث يشترط أن يتم ذلك بناء على طلب عشرة أعضاء بمجلس الشعب , ويصدرالقرار بأغلبية أعضاء المجلس بعد استجواب موجه الى الحكومة وبعد ثلاثة ايام على الأقل من تقديم الطلب , وفى حالة تقرير المسئولية يعد المجلس تقريرا الى رئيس الجمهورية متضمنا عناصر الموضوع وما انتهى اليه من رأى فى هذا الشأن وأسبابه , ولرئيس الجمهورية أن يرد التقرير للمجلس , فاذا أقره ثانية جاز له أن يعرض موضوع النزاع بين المجلس والحكومة على الاستفتاء الشعبى , فاذا جاءت نتيجة الاستفتاء مؤيدة للحكومة اعتبر المجلس منحلا , واذا كانت النتيجة الموافقة على قرار المجلس تتم استقالة الوزارة وهذه الخطوات تشكل بلا شك شروطا معقدة وصعبة التحقيق , كما تفضى لسحب البساط من تحت أقدام الشعب بالعودة لمن منح له صفة التمثيل بداية , وذلك كله على عكس ما هو معمول به فى كل الدساتير التى تأخذ بنظام المسئولية الوزارية وهذا الأمر تم تجاهله تماما من قبل الاحزاب محل الدراسة .

ج-السلطة التشريعية

لا تتعرض أحزاب الإتحادي الديمقراطي , والوفاق الإجتماعي , ومصر العربي الاشتراكي , و[[الجيل الديمقراطى للسلطة التشريعية وكيفية تكوينها وطريقة عملها أو لعلاقتها مع بقية السلطات , أما الاحزاب التى تطرقت اى السلطة التشريعية فهى أحزاب الأمة , الخضر , الشعب , العدالة , واقتصرت فى تناولها على نقطة واحدة أجمعت عليها , وهى ضرورة أن تكون السلطة التشريعية من مجلسين , وذلك باسناد مهام تشريعية ورقابية واضحة لمجلس الشوي ليكون المجلس الثانى للسلطة التشيعية بعد مجلس الشعب , فى حين أهملت نقاط جوهرية مثل طريقة انتخاب أعضاء مجلس الشعب وآليات عمله , وضرورة توسيع دوره الرقابى على أعمال الحكومة , وضرورة زيادة دوره فى اقتراح القوانين , بدلا من أن يترك المهمة كاملة للحكومة .. وغير ذلك من الاصلاحات التى تقوى من دور السلطة التشريعية , وتجعلها ندا للسلطة التنفيذية ورقيبا عليها وليس تابعا لها .
أما حزب مصر 2000 , فقد انفرد باقتراح شكل جديد للسلطة التشريعية ومهامها وعلاقتها بالسلطة التنفيذية , فقد أطلق على السلطة التشريعية مسمى الهيئة التشريعية واقترح أن تتكون من مجلسين هما مجلس النواب ومجلس الشيوخ ,وهما نفس مسمى مجلسى برلمان الحقبة الملكية قيل ثورة 1952 وفيما يتعلق بمجلس النواب يرى برنامج الحزب أنه يقوم على أساس التمثيل النسبى لعدد السكان , فيمثل النائب 120 ألفا من السكان , ويتم انتخاب الاعضاء بطريقة الانتخاب الفردى , ويشرف على الانتخابات فى كل دائرة , لجنة من رجال القضاء بالاضافة الى عضوين عن كل مجلس من مجالس الأحياء والقرى , ويرى أن مدة المجلس 4 سنوات ميلادية .
وتأثر على ما يبدو بقضية تغيب أعضاء مجلس الشعب عن حضور جلساته , ألقى برنامج الحزب الضوء على تلك المشكلة , محاولا ايجاد حلول لها , فيرى ضرورة أن ينص القانون على مواظبة العضو على حضور جلساته لا يتجاوز العضو , والا فقد عضويته وأعيد انتخاب غيره , ويرى أيضا ضرورة أن يقوم مجلس النواب باسقاط عضوية أى عضو يحكم القضاء المختص بعدم صحة عضويته ويعاد انتخاب غيره .
كما يرى أن الحصانة يحكم القضاء المختص بعدم صحة عضويته ويعاد انتخاب غيره , كما يرى أن الحصانة يجب ألا تكون حائلا بين العضو وبين محاكمته فى حالة ارتكابه جريمة , أو فى توقيع غرامة عليه , وتحظر عليه عضوية مجلس النواب اذا تكررت مخالفته , وتوقع عليه قبل ذلك عقوبة من المجلس من توجيه الانذار أو اللوم , باعتباره ممثلا للشعب وقدوة يجب أن تحذى فى الالتزام بالقانون , كما يرى الحزب ضرورة استخدام اللوحات الاليكترونية عند التصويت لاظهار عدد الموافقين والرافضين والممتنعين .
أما مجلس الشيوخ , فيرى برنامج الحزب أن أهميته تنبع من أنه يتكون من عناصر الخبرة والكفاءة , نظرا لما قد يشوب تشكيل مجلس النواب من نقص فى توافر كفاءات معينة نظرا لقيامه على الانتخاب المباشر , لذلك يرى تشكيل مجلس الشيوخ من كل من محافظى المحافظات , رؤساء الجامعات ونوابهم لشئون الفروع , نقباء النقابات المهنية , رؤساء الاحزاب القائمة , رؤساء المؤسسات القومية المتخصصة , رئيس اتحاد المستثمرين ونائبيه , رئيس المؤسسة العامة للاذاعة , رئيس المؤسسة العامة للتليفزيون , شيخ الأزهر , رؤساء الاتحادات العامة للنقابات العمالية والزراعية , رئيسة الاتحاد النسائى وعضوتين منتخبتين من الاتحاد , عضو منتخب عن العمال والفلاحين عن كل محافظة , ونظرا لأن هذا التشكيل محصور العدد , فان الحزب يرى أنه سيكون سهلا للجنة المشرفة على الانتخابات أن تحدد توافر نسبة 50 بالمائة عمالا وفلاحين قبل اعلان قرارات التشكيل , واذا تبين أن هذه النسبة لم تستكمل بعد , فانه يجرى استكمالها بالانتخاب الحر المباشر بواقع عضو عن كل محافظة من المحافظات الأقل فى عدد السكان حسب الترتيب التنازلى .
وبالاضافة الى ما سبق , يقترح برنامج الحزب أن يشتمل تشكيل مجلس الشيوخ 11 شخصا بحكم وظائفهم , هم رئيس المخابرات العامة , بابا الأقباط , مفتى الجمهورية , ورئيس القائد العام للشرطة , رئيس البنك المركزي , رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات , ورئيس الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء , ورئيس الرقابة الادارية , ورؤساء محاكم الدستورية العليا , والنقض ومجلس الدولة بحيث لا يكون لهؤلاء الأعضاء حق التصويت .
ويرى برنامج الحزب أن مدة مجلس الشيوخ 6 سنوات ميلادية , ويمارس صلاحيات التصديق على المعاهدات الدولية , وتثبيت تعيين بعض كبار موظفى الدولة , وتجميد النشاط الحزبى لأى حزب يهدد الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى أو أى صحيفة لا تلتزم بأخلاقيات وتقاليد ومبادىء المجتمع أو الشرائع السماوية أو تدعو للتطرف , وذلك بناء على طلب رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء , أو ثلث أعضاء مجلس النواب , أو ثلث أعضاء مجلس الشيوخ, ويشترط موافقة مجلس الشيوخ , على أى مشروع قانون , ليصبح قانونا بعد توقيع رئيس الجمهورية .
وأخيرا يقترح برنامج حزب مصر 2000 , انشاء رئاسة للهيئة التشريعية تشكل من أكبر أعضاء مجلس الشيوخ سنا ( بخلاف رئيسه ووكيله ) رئيسا, ومن أصغر أعضاء مجلس الشيوخ سنا ( بخلاف رئيس ووكيل ) سكرتيرا عاما , ويعاونهما رؤساء اللجان المتخصصة فىى المجلسين , وتمثل وظيفة هذه الهيئة فى التنسيق بين أعمال المجلسين لتحقيق التعاون التام بينهما , وتلقى وتحويل مشروعات القوانين بين المجلسين والجهات التنفيذية المختلفة .
ولكن على الرغم من هذا التصور والشكل الجديد للسلطة التشريعية الذى يطرحه برنامج حزب مصر 2000 , الا أنه يتبنى فى طرحه بعض موروثات النظام التشريعى القائم مثل نسبة ال50 بالمائة عمالا وفلاحين , على الرغم من أن من الأفضل أن يترك للشعب سلطة اختيار ممثلة دون تحديدهم مسبقا بصفات بعينها من فئات أو عمال وفلاحين , كما يؤكد الدكتور ابراهيم شحاته فى كتابة – وصيتى لبلادى – أن التجربة العملية أثبتت أن أقدر النواب على الدفاع عن مصالح العمال والفلاحين لم يكونوا باضرورة عمالا وفلاحين , كما أن الواقع العملى أتى بتوسيع كبير فى تعريف العامل والفلاح بحيث أصبح رؤساء شركات القطاع العام يرشحون أحيانا تحت وصف " عمال " وبعض ملاك الأراضى الزراعية الذين لا يزرعون الأرض بأنفسهم يرشحون تحت وصف فلاحين .

قضية الاصلاح الدستورى

تباينت مواقف الأحزاب الصغيرة فى النظر الى دستور 1971 , ما بين مؤيد لاستمرار العمل بهذا الدستور , وما بين مطالب بتعديل جزئى لبعض المواد لا سيما الخاصة برئيس الجمهورية والمتعلقة بالحقوق والحريات , وما بين أحزاب تدعو الى تغيير الدستور برمته , والبحث عن دستور جديد يتلاءم ومتطلبات المرحلة الراهنة التى تختلف بلا شك عن متطلبات المرحلة التى وضع فيها الدستور الحالى .

وهناك أخيرا أحزاب مثل حزبى الوفاق القومى , والجيل الديمقراطى لم يتطرق برنامجها لهذا الموضوع على الاطلاق .

ففيما يتعلق بالاحزاب التى تطالب بتعديل الدستور , فهناك حزب الأمة الذى لا يرى فى برنامجه داعيا لتغيير الدستور , وانما يرى فقط تغيير بعض المواد المتعلقة بنظام الحكم نظرا للتطورات التى جرت على المجتمع المصرى منذ صدور الدستور , بما يجعل هذه النصوص الدستورية لا تتماشى مع مقتضى الحال ومتطلبات العصر ووحى الساعة الذى يطالب به الجماهير فى كل مكان بضرورة تطبيقه أحكام الشريعة الإسلام ية كنظام للمجتمع والدولة .

ومن هنا يطالب الحزب بتعديل المادتين 1, 2 من الدستور , وقد سبقت الاشارة الى التعديل المقترح لهاتين المادتين .

أما فيما يتعلق بالاحزاب التى تطالب بتغيير الدستور , فهناك الحزب الإتحادي , الذى يرى ضرورة تغيير الدستور برمته , لأنمه يرى انقضاء فترة طويلة منذ صدور الدستور الحالى , وهذه الفترة فيها متغيرات كثيرة يحسن معها أن يقوم الشعب بصياغة دستوره من جديد .

ويضع الحزب مجموعة من المبادىء والقواعد التى يرى أن الدستور الجديد يجب أن يأخذها , من قبيل وضع قواعد تكفل الفصل بين السلطات بما يكفل الاحترام المتبادل , ضرورة الانتخاب المباشر لرئيس الجمهورية ونائبه وأعضاء المجالس النيابية , حرية الافراد فى اصدار الصحف والمجلات , وتكوين الاحزاب السياسية , ضرورة تنظيم العلاقة بين السلطة التنفيذية والقوات المسلحة والشرطة بشكل يفعل من سيطرة السلطةالتنفيذية على هذين الجهازين ضرورة أن ينص الدستور الجديد على أن مصر دولة اسلامية , وان يكفل كافة الحقوق لغير المسلمين .

كذلك يرى برنامج حزب مصر العربي الإشتراكي , ان الدستور الحالى لم يعد صالحا لمواكبة المتغيارت التى استجدت على حياتنا وعلى العالم من حولنا , ومن هنا يرى ضرورة الشروع فورا فى الاصلاح الدستورى كمنطلق حضارى صحيح وسليم لاحداث التغيير والتجديد فى حياتنا .

ولكن برنامج الحزب يشترط لتغيير الدستور , أن تسبقه خطوة أولى تتمثل فى ادخال تعديلات جذرية فى قانون ممارسة الحقوق السياسية فيما يتعلق بقيد كل من بلغ 18 عاما تلقائيا فى الجداول الانتخابية , والاشراف القضائى الكامل على العملية الانتخابية منذ بدايتها حتى نهايتها , ويرى الحزب أن هذه التعديلات تمثل البداية الصحيحة للاصلاح الدستورى باعتبارها تطمئن المواطن على احترام الدولة لصوته الانتخابى .

وفيما يتعلق بأهم ملامح الدستور الجديد , فيرى برنامج مصر العربي انها تتمثل فى الغاء القوانين المقيدة لحقوق وحريات المواطن المصرى , ووضع الضوابط على احالات التى يجيز قيها اعلان حالة الطوارىء على سبيل الحصر ,والنص على حرية تأسيس الاحزاب السياسية , وتولى القضاء الاشراف على الانتخابات , والأخذ بالنظام البرلماني فى الحكم , واعطاء مجلس الشوي صلاحية التشريع والرقابة على أعمال الحكومة , واعادة هيئة كبار علماء المسلمين ,وتنقية القوانين المعمول بها من كل ما يخلف الشريعة الإسلام ية , وتقرير حرية اصدار الصحف والمجلات ومحطات الاذاعة والتليفزيون , والتأكيد على مجانية التعليم فى مرحلة التعليم الاساسى واستقلال الجامعات .

أما حزب مصر 2000 فانه يرى أن الدستور الجديد الذى يطالب بوضعه , يجب أن يتضمن حرية تكوين الاحزاب السياسية دون قيود , والسماح باصدار الصحف والمجلات دون رقابة , وضرورة تخلى رئيس الجمهورية عن منصبه الحزبى وتجميد نشاطه , والنص على الغاء كافة الصور الاستثنائية للقضاء والغاء محاكم القيم والأحزاب , والنص على عدم فرض حالة الطوارىء الا فى حالة الحرب , وتوفير الضمانات لانتخابات حرة نزيهة , وحرية التنظيمات النقابية والتعاونية والطلابية , وضرورة أن تكون جميع القيادات بالانتخاب الحر المباشر , وحق الهيئة التشريعية فى سحب الثقة من الحكومة ومحاسبة المسئولين , حق المواطنين فى التظاهر , وتحريم حجب المعلومات , وان يكون هناك دورا للشرطة فى تحقيق التوازن بين أمن الوطن والمواطن , والتأكيد على دور الدولة فى حماية المصريين فى الخارج .

على الجانب الآخر , تطالب أحزاب الشعب الديمقراطي والعدالة الإجتماعية باحترام الدستور القائم, والتمسك به ¸فينص برنامج حزب الشعب الديمقراطي على أن الالتزام الكامل بنصوص مواد الدستور وبجميع القوانين والقرارات الجمهورية والقرارات الوزارية واللوائح والتعليمات والأوامر الادارية التى تصدرها الجهات المختصة .

حتى عندما يطالب الحزب بتهديل بعض المواد غير المؤثرة فى الدستور , فانه يطال بتعديلها استنادا للمادة 189 من الدستور القائم مثل المواد رقم 89 الخاصة بضرورة تفرغ أعضاء مجلس الشعب لعضوية المجلس , ويرى ضرورة تعديلها بحيث توجب على العضو أن يستقيل من وظيفته قبل أن يقدم أوراق ترشيحه , وألا يجوز له أن يعود الى عمله مرة ثانية , كذلك المادة 136 الخاصة بجواز حل الشعب من قبل رئيس الجمهورية فى حالة الضرورة , فيطالب بتعديلها بحيث تتضمن تفصيلا ببيان حالة الضرورة التى يجوز لرئيس الجمهورية عندما حل المجلس , كذلك يطالب بتعديل المواد الخاصة بمجلس الشوي بحيث يتحول الى مجلس تشريعى . نفس الموقف يتبناه حزب العدالة الإجتماعية الذى يرى أن احترام الدستور والدفاع عنه واجب وطنى مقدس ويرى أن أهم مظاهر احترام الدستور العمل على تنقيته من الغموض أو العيوب التى تشوب بعض مواده ونصوصه بطلب تعديلها وفقا للمادة 189 من الدستور .

اصلاح النظام التعليمى

لا يكاد يخلو برنامج أى حزب من الاحزاب الصغيرة من وجهة نظر معينة فى موضوع اصلاح التعليم باعتباره القاعدة الاستراتيجية لدعم كيان المجتمع ورفع شأنه , وغالبا ما تتضمن وجهات النظر هذه جديدا بشأن اصلاح النظام التعليمى باستثناء برنامج الحزب الإتحادي الذى لم يتحدث عن التعليم الا فى اطار الحديث عن أزمة البطالة , وحزب الوفاق القومي الذى لم تتضمن رؤيته للسياسة التعليمية أى جديد سوى التأكيد على ما جاء ف الدستور من أن التعليم حق تكفله الدولة للجميع وبالمجان فى جميع مراحله , وأن محو الأمية واجب وطنى , أما بقية الاحزاب فقد قدمت أطروحات جديدة لاصلاح النظام التعليمى , وان حرصت كلها على بعض مداخل هذا الاصلاح مثل تحسين الحالة المادية والعلمية للمدرس والتأكيد على استقلال الجامعات , وضرورة تعديل المناهج التعليمية بما يتناسب مع العصر .

فحزب الأمة يرى أن السياسة التعليمية يجب أن تقوم على عدة ركائز أهمها الاستيعاب الفورى لجميع الناشئين , مع مراعاة انهاء فترة التعليم الاعدادى بتعليم حرفة ما للحياة , والنهوض بالتعليم الفنى عن طريق ربطه بمواقع العمل, والقضاء على الأمية من خلال انشاء وزارة لها مدتها 5 سنوات للقضاء عليها , ورفع مستوى المعلم علميا وماديا واشتراكه فى وضع البرامج والمناهج التعليمية وتعديلها وتطوريرها , وجعل التربية الدينية الإسلام ية مادة أساسية الزامية فى جميع المراحل , واحترام الاستقلال الفكرى والعلمى للجامعات , ومنح أساتذة الجامعة الحصانة الجامعية , وتمكين طلابها من حرية النقاش والتعبير .

أما حزب العدالة الإجتماعية , فيقدم منظورا جديدا لاصلاح النظام التعليمى من خلال العودة لنظام الالزام فى صورة أكثر جدية وصارمة , وأن يكون التعليم بالمجان حتى نهاية المرحلة الاعدادية , أما فى الثانوية العامة فلا يحصل على المجانية الا من يحصل على 75 بالمائة أو أكثر من الدرجات , أما من لم يحل على هذه النسبة فانه مخير بين الحصول على الثانوية العامة على نفقته أو الاتجاه الى التعليم الفنى .

كما يدعو الحزب الى تطبيق مفهوم جديد فى التعليم يطلق عليه نظام التلمذة الصناعية المتطورة من خلال تدريب الطلاب على حرف مختلفة بما يؤدى الى جعلى المدارس مصادر للانتاج , كما يطالب الحزب بالاهتمام الأدبى والمادى بأعضاء هيئة التدريس وضرورة اعادة النظر فى المناهج الدراسية فى مختلف مراحل التعليم , كما يرى الحزب التوسع فى الكليات والمعاهد الفنية العليا والمتوسطة التى يتخرج منها الفنيون فى المجالات الأساسية التى تخدم المجتمع وأخيرا يطالب برنامج العادالة الاجتماعية بضرورة تعريب العلوم من خلال تشكيل لجان عملية لترجمة المراجع الأجنبية للغة العربية .

ولا يقف حزب الشعب بعيدا عن هذا الطرح , حيث يرى ضرورة اعداد المعلم اعدادا جيدا , وضرورة التوسع فى التعليم الفنى , المتوسط والعالى بجميع أنواعه , وتضييق نطاق التعليم الثانوى العام , كما يدعو الى مشاركة الشعب فى انشاء المدارس التعاونية , وضرورة اعادة اليوم الدراسى الكامل تدريجيا , وتحديد عدد التلاميذ فى كل فصل بحيث لا يزيد عددهم عن 32 تلميذا من ناحية أخرى يطالب الشعب بالتوسع فى نشر التعليم الدينى واقرار الدين مادة رسوب ونجاح فى جميع المراحل , كما يطالب بالحد من اشاء الجامعات ضمانا لتخريج أجيال قادرة على تحمل المسئولية .

أما حزب مصر العربي الإشتراكي , فيرى أن المدخل المناسب لاصلاح التعليم هو اصلاح المدرس والمدرسة . المدرس بحسن اختياره علما ونفسا وخلقا وبتأمينه وأسرته ماديا واجتماعيا , والمدرسة بحسن تجهيزها صحيا ونفسيا وعلميا , ويرى أيضا ضرورة الحد الى أقل درجة من تعدد جنسيات المدارس ومسمياتها بالغاء المدارس والمؤسسات التى اتخذت من العملية التعليمية تجارة بدعوى تعليم اللغات , والقضاء على تدهور المقررات الدراسية .

وفيما يتعلق بالتعليم الجامعى , يرى الحزب اتاحة فرصة متكافئة لجميع أبناء مصر الراغبين فى الالتحاق بالجامعات والمعاهد العليا عن طريق الغاء شرط الحصول على الثانوية العامة فى نفس عام التقدم الى التعليم العالى , ويقترح برنامج الحزب نظاما قد يبدو عريبا , وهو ألا يتم قبول الطالب فى الجامعات أو المعاهد , الا اذا كان قد أدى الخدمة العسكرية أو أعفى منها نهائيا لعدم اللياقة الطبية , أى أنه يقترح أداء الخدمة العسكرية قبل الالتحاق بالجامعة , ويرى أن مدة الخدمة العسكرية لحملة الثانوية العامة سنتان .

كما يقترح برنامج مصر العربي قيام الحكومة باقراض كل ملتحق بالجامعات أو المعاهد قرضا حسنا يتحدد وفق متطلبات الدراسة بها , حتى يمكنه دفع نفقات التعليم العالى على أن يسدد هذا القرض الحسن بعد التخرج على أقساط مدتها عشر سنوات ويرى أيضا ضرورة انشاء كليات تتخصص فى الدراسات العليا والبحث العلمى , ويقترح ربط مناهج الجامعات الاقليمية بمشاكل أقاليمها , ويرى ضرورة توحيد الزى الجامعى للطلبة والطالبات وأخيرا يقترح الحزب انشاء جامعة مصرية عربية بمصر تضم كليات متخصصة فى غير ما هو متوافر حاليا بالجامعات المصرية من أجل تلبية احتياجات التنمية للوطن العربى كله . أما استراتيجية النهوض بالتعليم كما يراها برنامج حزب مصر 2000 فانها تقوم على عدة عناصر أهمها مرونة النظام التعليمى من حيث قدرته على الاستجابة السريعة لأى تغيير يعترى توزيع الكثافة السكانية , ومرونة أساليب التعليم فى الاستجابة للاختلاف بين الطلاب فى البنية والتنشئة والمرحلة العمرية ومتوسط الذكاء وحساسية النظام التعليمى للاستجابة بصورة سريعة لاحتياجات السوق من الموارد البشرية والتخصصات المطلوبة , ومرونة عدد سنوات الدراسة , وأوقات الدراسة وامكانية ترك التعليم لبعض الوقت لممارسة العمل والعودة مرة ثانية عندما تسمح الظروف , كما يرى أيضا ضرورة تخلى الكتاب المدرسى عن الطابع التلقينى , وضرورة وضع نهاية للتكدس الطلابى بالمدارس والجامعات وتغيير نظام الامتحانات , وتعظيم موارد التعليم من خلال فرض حزبية قومية للانفاق على تطوير وتحديث التعليم , ورفع نصيب ميزانية الطالب فى التعليم الأساسى , وضرورة اعادة النظر فى سياسة القبول بالتعليم الجامعى وأن تربط كل من نوعيات التعليم العالى وفوق المتوسط بنظيرتها من نوعيات التعليم الثانوى العام .

وتطوير نظام اعدد المعلم ومد سنوات الدراسة فى كليات التربية الى خمس سنوات , وضرورة تعريب العلوم , والاهتمام بالتوعية السياسية للشباب فى المرحلة الجامعية , وعودة نظام الكتاتيب واعتمادها كأساس للتعليم فى مرحلته الأولى بحيث تكون تحت اشراف الأزهر , كما يطالب الحزب أخيرا بضرورة تطوير التعليم الأزهرى من حيث المناهج والمقررات والجمع فيه بين الأصالة والمعاصرة والتقريب بينه وبين التعليم العام .

أما حزب الخضر , فيتبنى نفس موقف حزب العدالة الإجتماعية من حيث الدعوة لقصر مجانية التعليم على المرحلس الاساسية , على أن تكون بعد ذلك على أساس درجات التفوق لكل طالب , ويرى أيضا ضرورة تنسيق المسألة التعليمية على أساس الاحتياجات الفعلية للمجتمع من الطاقات المتنوعة , والعناية بالتعليم الفنى الجامعى وربطه بمصادر الانتاج القومى , والقضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية , وضرورة ان يضع كل اقليم سياسته التعليمية التنظيمية والادراية الخاصة به فى اطار قومى بما يتناسب مع البيئة ويخدم أهدافها , ويدعو الحزب أخيرا الى تشكيل مجلس أعلى لمحو الأمية ,وأن يكون هناك دور للجيش والشرطة فة ذلك , باعتبار أن الأمية تمثل أكبر معوقات التنمية .

القضايا الاقتصادية

قبل استعراض ما تضمنته برامج الاحزاب الاحزاب الصغيرة فيما يتعلق ببعض القضايا الاقتصادية المهمة , يمكن استباق شرح الرؤية الاقتصادية لكل حزب بالقاء نظرة على مواقف هذه البرامج من قضية استراتيجية التنمية بوجه عام , أى موقف كل حزب من طبيعة النظام الاقتصادى – الاجتماعى الة يستهدف اقامته فى البلاد , وقد تعرض هذا القسم من الدراسة لهذه القضية بشكل عام من قبل فى الجزء الخاص برؤية تلك الاحزاب للاطار العام للنظام السياسى , ويسعى هذا الجزء لاستكمال هذه الرؤية تفصيليا .

وفى هذا الصدد يعتبر برنامج الاتحادى الديمقراطى , أكثر وضوحا فى هذا المجال فقد تضمن أن نجاحا فى علاج المشكلة الاقتصادية والانطلاق فى مدارج التقدم يكون يسيرا عندما يزداد اليقين بفهم ومعرفة أن سياسة الانفتاح والاقتصاد الحر هى سبيلنا لادراة الشئون الاقتصادية , فنضع استراتيجيتنا للتنمية على هذا الأساس ونضع المناهج والسياسات التىى تتماشى مع هذه الاستراتيجية بصورة تكفل تحقيق التنمية والرخاء لمصر . وعلى هذا الأساس يتبنى الاتحاد الديمقراطى صراحة سياسة الانفتاح الاقتصادى أو اقتصاديات السوق , فهو يدعو الى ضرورة تشجيع جذب رؤوس الأموال الأجنبية الى مصر وضرورة تهيئة المناخ الداخلى فى الدولة ليكون أكثر قدرة على جذب المستثمرين الأجانب للحضور بأموالهم والاستثمار فى مصر , بما يؤدى اليه ذلك من اكتساب خبرات جديدة فى النواحى الاقتصادية المختلفة , سواء فى الصناعة أو الزراعة والسياحة وخلافها بما يكفل لنا اقتناء مشاريع وأساليب انتاجية متنوعة جديدة ومعها أحدث ما تم التوصل اليه من أساليب مبتكرة ومتطورة للانتاج , ولا شك أن زيادة المعرفة الفنية لمصر سوف يؤدى فى حد ذاته الى تحقيق التقدم ومن هنا يرى الحزب ضرورة أن تساعد وسائل الاعلام على الاستثمار ويجب تطهيرها من روح العداء والتجريم نحو الأغنياء , ويرى أيضا ضرورة تفعيل دور الأجهزة الحكومية فى الرقابة على النقد الأجنبى , لأن ذلك سوف يزيد فى الكميات المعروضة من العملات الأجنبية بما ييسر للمصانع استيراد احتياجتها .

كما يرى برنامج الحزب ضرورة تمهيد الطريق أمامكل من يرغب فى اقامة مشروع صناعى بمصر بتبسيط اجراءات الحصول على الترخيص اللازم , ووضع مجموعة من الحوافز لدفع الافراد نحو انشاء المشروعات الصناعية .

نفس المنحى يتخذه حزب الخضر , حيث يؤكد برنامجه على أهمية الاستثمارات الأجنبية والعربية , ويرى ضرورة مراجعة سياسات الانفتاح الاقتصادى بحيث نتخلص من الانفتاح الاشتراكى المسرف وآثاره السلبية , والعمل على توحيد قوانين الشركات العامة والاستثمار الانتاجى لنضمن التساوى فى مزاياها بين الجميع, مصريين وغير مصريين , ويرى برنامج الحزب أيضا ضرورة تحقيق التوازن بين نشاط كل من القطاعين العام والخاص , مع تحديد مجال عمل كل منهما , على أن يدار القطاع العام على أسس اقتصادية ,وان ينظر فى أسباب خسارة بعض وحدات القطاع العام , ووضع العلاج لها حتى لا تكون وحداته الخاسرة عبئا على ميزانية الدولة , وعلى أن ترفع الدولة يدها عن المشروعات التى يمكن للقطاع الخاص ادراتها , وتكتفى الدولة بملكية المشروعات الصناعية التى تحتاج لرأس مال كبير , أ, المشروعات الاستراتيجية للدولة مثل المصانع الحربية والصناعية الثقيلة .

وعن العلاقات الاقتصادية الدولية , يرى برنامج حزب الخضر أنه نظرا لأن التعاون الاقتصادى بين دول العالم المختلفة أصبح أمرا لا فكاك منه مما يستدعى ضرورة أن توثق مصر مع الدول العربية والصديقة كمخرج للاسراع بالعملية التنموية العلمية منجهة وتحقيق نوع من التكامل الاقتصادى بينها من جهة أخرى , واعطاء أولوية خاصة للتعاون والتكامل مع السودان , وتدعيم وتقوية وتنفيذ فكرة السوق العربية المشتركة , وزيادة تشجيع استثمار رأس المال العربى والأجنبى الصديق , وزيادة تعاون مصر اقتصاديا مع الدول الافريقية ثم دول البحر المتوسط نظرا للتشابه معها .

هذا ويقترح حزب الخضر استراتيجية اصلاح اقتصادى شاملة تؤثر على تحسين طرق الانتاج وتخطيط وترشيد الاستهلاك ودعم الصادرات , وزيادة التجارة الداخلية واصلاح القطاع العام وتشجيع القطاع الخاص , ودعم استقرار ومرونة السياسة الزراعى وتطوير أساليب الرى الزراعى , ودعم الصناعة الوطنية , ودعم بنوك التنمية الصناعية .

أما حزب العدالة الإجتماعية , فيؤكد برنامجه أنه لا يتحيز لأى مذهب اجتماعى لذاته أو نظرية اقتصادية من تلك التى تتقاسم العالم , ويرى أن الاصلاح الحقيقى يستمد مبادئه من احتياجات المجتمع , ويرى أن أساس الاقتصاد القومى هو العمل على رفع المستوى الاجتماعى للعامل والفلاح ليكون ركنا من أركان نهضة البلاد . ويتبنى العدالة الإجتماعية خطة لزيادة الثروة القومية بالنهوض بالزراعة والصناعة والتجارة باستغلال الموارد الطبيعية بأنواعها على أسس من البحث العلمى , فيرى بالنسبة للزراعة ضرورة وضع حد أدنى للملكية الصغيرة , والتوسع فى المساحات المزروعة توسعا أفقيا , وانشاء صناعات زراعية وفرض رقابة جادة على الجمعيات التعاونية لتحقيق وفرة الانتاج وتخفيض مصاريف الزراعة .

ويرى بالنسبى للصناعة ضرورة تشجيع اقامة المصانع وتوزيعها فى أنحاء البلاد على أسس اجتماعية واقتصادية , وحماية الصناعة الوطنية الناشة من المنافسة الأجنبية مع ضمان جودتها وتحسينها , ويشير العدالة الإجتماعية الى ضرورة تعديل قوانين العمل والعمال بحيث تتفادى كل ما يسىء الى العلاقة بين العمال وأصحاب العمل وبالنسبة للتجارة يرى العدالة الإجتماعية ضرورة انعاش التجارة السيمة , وفيما يتعلق بسياسة الدعم , يتبنى حزب العدالة نفس موقف حزب الخضر بالغاء الدعم الفعلى الذى كانت تقدمه الدولة لبعض السلع , واستبداله بحصر محتاجى الدعم وأصحاب الدخول المحدودة , ورفع دخولهم بمنح اعانات شهرية لهم .

أما حزب الشعب الديمقراطي فانه يتبنى موقفا يتشابه كثيرا مع موقف حزب الخضر من حيث الدعوة لاستمرارية تصحيح الانفتاح الاتصادى , وتحويله من انفتاح استهلاكى الى انفتاح انتاجى يعمل على اقامة مشروعات انتاجية , تؤدى الى زيادة الدخل القومى وزيادة معدلات التنمية تبعا لذلك , كما يدعو الحزب الى زيادة الدخل القومى وزيادة معدلات التنمة تبعا لذلك , كما يدعو الحزب الى زيادة وتكثيف مشاركة رأس المال الأجنبى لرأس المال الوطنى وفى تمويل واقامة المشروعات والصناعات الانتاجية .

من ناحية أخرى , يرى حزب الشعب ضرورة منع استيراد السلع والمواد التى يوجد مثيل لها من الانتاج الوطنى , وخفض سعر الفائدة على قورض المشروعات الانتاجية , كما يدعو الحزب الى اتباع مجموعة من الاجراءات من شأنها دفع الاقتصاد , فيرى مثلا محاربة تهريب النقد والمعادن الثمينة , ومحاربة اتهرب من دفع الضرائب , واعادة النظر فى التسعير الجبرى وتثبيت الأسعار ومنع حرية رفعها بالقطاع العام وضرورة تنمية الثروة السمكية والحيوانية , و اقامة السدود المائية وتكثيف الكشف عن المياه الجوفية واقامة التجمعات الزراعية الصناعية التعاونية , ومعالجة الأثار الجانبية للسد العالى , وهوفى هذه النقطة يتفق مع الحزب الإتحادي الذى يؤكد بدوره على ضرورة دراسة مانجم عن السد العالى من حرمان مصر من طمى النيل المفيد للتربة .

أما حزب الأمة فانه يرى أن الاتجاه الى الصناعة على حساب الزراعة كان أحد أخطاء الماضى القريب , لأن ذلك أضعف من انتاجية الأرض الزراعية وأدى الى هجرة أبناء القرى الى المدن بحثا عن العمل السهل والدخل الأكبر مما أدى لأزمة فى الخدمات والاسكان واهمال الزراعة ... الخ .

ومن هنا فان الاستراتيجية الاقتصادية للحزب تقوم على فكرة العودة الى الزراعة برفع مستوى الانتاج الزراعى عن طريق تدعيم وتحسين شبكات الصرف وترشيد استخدام مياه الرى وتوفير الأسمدة وتعويض المزارعين عن نقص الطمى والاستمرار فى استصلاح الأراضى وتمليكها للمواطنين , وانشاء وزارة للتصنبع الزراعى والانتناج الحيوانى تشرف على الصناعات الزراعية القائمة , وتحقيق الأمن العذائى للمواطنين .

أما الصناعات التى تدعو الأمة الى الاهتمام بها فهى الصناعات الحرفية والبيئية والمنزلية التى يمكن أن يعمل بها ملايين الناس , ويمكن أن تصل بنا الى زيادة ملموسة فى دخل الفرد والأسرة ةالدخل القومى أما بقية الصناعات فلم يرد لها ذكر فى برنامج الحزب .

وبالنسبة الى حزب الوفاق القومي فلم تتضمن رؤيته الاقتصادية سوى التأكيد على بعض المواقف والثوابت اذ يرى أن النهضة الاقتصادية لن تحدث الا بالاعتماد على النفس لكى تحدث تنمية مستقلة غير خاضعة لشروط منظمات دولية كصندوق النقد الدولى سىء السمعة أو قروض أجنبية تحد من استقلالنا الوطنى ويرى أن أهم دعائءم الاقتصاد هى الزراعة والصناعة والتجارة .

فبالنسبة للزراعة يرى الوفاق القومى ضرورة تيسير الانتاج الزراعى فى اتجاه الاكتفاء الغذائى الذاتى , أى التركيز على زراعة المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح والأرز , وتخصيص نسبة من الضرائب التى تفرض على الأطيان الزراعية لاستصلاح الأراضى لتتسع الرقعة الزراعية وضرورة تسارع خطوات التكامل الاقتصادى العربى فى مجال الزراعة وتعظيم دور التعاونيات الزراعية بحيث تسهم اسهاما مباشرا فى تطوير أساليب الزراعة .

أما فيما يتعلق يالصناعة , فيتخذ حزب الوفاق موقفا أقراب لحزب مصر 2000 , حيث يرى فى العولمة خطرا يهدد الاقتصاد الوطنى , ويرى ضرورة أن تسيطر مصر والدول العربية عى المواد الخام فى أراضيها واقامة صناعات عليها , وضرورة اخضاع الصناعات التى تمس حياة المواطن مباشرة وأمنه القومى لسلطة الدولة وسيطرتها مثل صناعة الغذاء والدواء والصناعات الحربية والصناعات الثقيلة وصناعات أدوات الانتاج , وأهمية التكامل بين الدول العربية واقامة أوثق العلاقات الاقتصادية مع الدول الافريقية خاصة دول حوض نهر النيل ( الاندوجو ) , حتى يمكن مواجهة مخططات ومؤامرات الشركات متعددة الجنسية , ونفس الرؤية بالنسبة للتجارة , حيث يرى ضرورة أن يكون التبادل التجارى عربيا عربيا , ثم عربيا أفريقيا وأن يعطى هذا النوع من التبادل حوافز حتى تسهل حركته ويشجع نشوء علاقات تجارية متوازية بين هذه الدول سعيا لاقامة أسواق عربية أفريقية مشتركة .

كما يرى ضرورة انشاء اتحادات ومنظمات عربية أفريقية لرعاية التبادل التجارى بين أعضاء هذه المنظمات , ويقع على عاتق هذه الاتحادات التجارية مسئولية مباشرة فى دراسة الاتفاقات التجارية العالمية وتقديم المشورة للدول العربية والافريقية عن أهمية الارتباط أو التعامل مع هذه الاتفاقات .

وعلى الصعيد الداخلى يرى الوفاق القومى ضرورة الاهتمام بشبكة الطرق والمواصلات لتسهيل التبادل التجار وضرورة سن القوانين اللازمة لمنع الاحتكار ولمقارربة وتشجيع جمعيات حماية المستهلك واعطائها سلطة ضبطية قضائية لصالح المواطنين .

أما حزب مصر الفتاة الجديد , فيتبنى مشروع النيل الجديد كمدخل لمعالجة مختلف القضايا من بطالة واسكان ومواصلات لكونه سيحدث نهضة زراعية وصناعية وتجارية شاملة , والنيل المقترح يمتد من شمال السد العالى بعد منطقة التوربينات الى الصحراء الغربية , ثم يعود مجددا الى المجرى الرئيسى فى هيئة نصف دائرة ليضيف الى المساحة المنزرعة أربعة ملايين فدان جديدة .

من ناحية أخرى يقترح مصر الفتاة الغاء الخدمة العسكرية للقائمين على استصلاح الاراضى لغرض الزراعة ويقترح ايضا استحداث وظيفة ملحق صناعى بالسفارات المصرية بالخارج للتعرف عل أحدث ماتوصل اليه العلم والتكنولوجيا , وانشاء مجلس أعلى للانتاج وجهاز استشارى لوزارة الهجرة المغتربين قبل الغائها ولكل منهم وظيفة خاصة به .

ونفس الموقف تقريبا يتبناه حزب الجيل الديمقراطي , الذى يؤثر على تميز برنامجه بدعوته الى استراتيجية مصرية جديدة تجاه النيل نهرا وحوضا ودولا , وتحقيق التكامل بينهم فى المجالات المختلفة . وأخيرا فانه فى ظل الاستراتيجية الشاملةالتى وضعها حزب مصر 2000 لمواجهة العولمة وتأثيراتها التى يراها سلبية , يرى برنامج الحزب أن اتفاقية الجات قد وضعت بمعرفة الدول الكبرى المتقدمة أقتصاديا لمصلحتها الخاصة , دون أدنى مصلحة للدول النامية والواعدة بالنمو , ومن هنا يضع مصر 2000 استراتيجية عامة لمواجهة تداعيات الجات , وهذه الاستراتيجية تقوم على سبيل المثال على العمل على زيادة نضيب مصر من حركة التجارة الدولية , وتشجيع المؤسسات المختلفة للدخول فى عصر التجارة الالكترونية لأهميتها فى تطوير الاقتصاد , واستبدال قوالب الادارة النامية لانشاء تكتل قوى يقف أمام التطورات العالمية ومؤتمرات الدول المتقدمة , وضرورة انتهاج مبدأ المعاملة بالمثل وخاصة بالنسبة للظواهر المصاحبة لاتفاقيات الجات مثل قضايا الاغراق .

قضايا السياسة الخارجية

اختلف موضع السياسة الخارجية فى برامج الحزب من حزب الى آخر , كذلك اختلف الحجم الذى أفرده لها كل حزب فى برنامجه ,عامة فان قضايا السياسة الخارجية جاءت كنقطة أخيرة فى برنامج عدد كبير من تلك الاحزاب , كما أن الحجم الذى اتخذته قضايا السياسة الخارجية , من تلك البرامج قد اختلف أيضا , فقد تماثلت أحزاب الأمة , والشعب ومصر الفتاة , والإتحادي الديمقراطي , ومصر العربي الاشتراكي , والعدالة الإجتماعية , والخضر , فى ان السياسة الخارجية لم تأخذ حيزا كبيرا فى برامجها .

فبرنامج الاتحادى يفرد لها صفحتين من بين 39 صفحة هى صفحات برنامجه , أما حزب الأمة أفرد لها 3 صفحات من بين 61 صفحة , وحزب الخضر أفرد لتلك القضايا 4 صقحات من بين 89 صفحة , أى أقل من 9 بالمائو من حجم البرنامج , كذلك حزب العدالة الإجتماعية الذى أفرد لها أقل نت صفحتين من بين 72 صفحة , أى أقل من 2 ثمانية من عشرة بالمائة أما حزب مصر 2000 فقد أفسح لها 21 صفحة من بين 115 صفحة هى حجم ببرنامجه أى 18 واثنان من عشرة بالمائة من حجم ذلك البرنامج .

بذلك الترتيب وهذه الأهمية , ناقشت الاحزاب المصرية الصغيرة فى برامجها مختلف قضايا السياسة الخارجية المصرية , وقد سبق هذا التناول أن حدد كل حزب مفهومه للسياسة الخارجية وما يطرحه من أهداف رئيسية لها .

وعند النظر الى مضمون رؤية كل حزب من تلك الاحزاب لقضايا السياسة الخارجية المثارة فى برامجها , يتضح أن هناك مساحة اتفاق واسعة بينها بصدد الجزء الأكبر من تلك القضايا , فجميعها يؤكد على عروبة مصر وضرورة توحيد الصف العربى وجميعها يتمسك بالحق الفلسطينى , وهى لا تختلف تقريبا فى حديثها حول الدائرة الافريقية والإسلام ية وتأييد السلام كهدف استراتيجى .

أما مساحة الاختلاف بين تلك الاحزاب حول قضايا السياسة الخارجية , فتبدو ضئيلة وتدور أساسا حول الموقف من امتلاك مصر لأسلحة الدمار الشامل , ونوع الوحدة العربية المطلوبة , أى أنه فى المحصلة الأخيرة يمكن القول بأن مساحة الاتفاق بين الأحزاب العربية المطلوبة , أى أنهفى المحصلة الأخيرة يمكن القول بأن مساحة الاتفاق بين الاحزاب المصرية حول القضايا السياسة الخارجية أكبر بكثير من مساحة الاختلاف فيما بينها , ويستعرض هذا الجزء من الدراسة كيفية اقتراب تلك الاحزاب من أهم قضيتين فى قضايا السياسة الخارجية وهما قضية دوائر الانتماء المصرى , وقضية الصراع العربى الإسرائيلى .

دوائر السياسة الخارجية وأولوية التحرك العربى

ثمة اتفاق فى برامج الاحزاب بشأن هوية مصر كمجتمع عربى اسلامى ينتمى الى أفريقيا والعالم الثالث بالجغرافيا والتاريخ والحضارة , كما أن كل الاحزاب تعطى للدائرة العربية المكانة العظمى والأولوية الأولى فى سياسة مصر الخارجية كدائرة هوية وانتماء ومصير , وان تميز فى ذلك حزب الوفاق القومي , والذى يوجه خطابه ليس للشعب المصرى فقط وانما للجماهير العربية أيضا .

هذا الاتفاق لا يمنع اختلاف تصورات تلك الاحزاب نسبيا بشأن كيفية التعامل المصرى مع قضايا الدائرة العربية واهتماماتها , وفى اطار ذلك تميز كل من حزب الشعب الديمقراطي والحزب الإتحادي باعطاء أهمية قصوى لقضية العلاقات الخاصة بين مصر والسودان , تلاهما حزب الجيل وحزب مصر الفتاة ثم حزب الخضر , اذ تمثل علاقة مصر بالسودان الركيزة الاستراتيجية الأولى فى تصور الاحزاب الثلاثة للسياسة الخارجية المصرية .

فحزب الشعب يرى أن السودان هو الامتداد الاستراتيجى الطبيعى لمصر نحو جنوب وشرق وغرب القارة الافريقية , وان مصر هى الامتداد الاستراتيجى الطبيعى للسودان نحو الساحل الشمالى للقارة , الأمر الذى يؤكد وحدة المصير خاصة وأن مياه النيل الواردة من منابعها والمتدفقة نحو شمال القارة هى عصب الحياة فى كلا البلدين , الأمر الذى يوجب اتمام تنفيذ التكامل بينهما وصولا الى تحقيق وحدتهما الشاملة وقيام دولة مصر والسودان الكبرى " مصرودان " محافظة على كيانهما الممتد .

ولحين اتمام هذه الوحدة يرى الحزب ضرورة اشتراك السودان يين بحزي الشعب الديمقراطي والاحزاب الأخرى كأعضاء منتسبين بصفة مؤقتة , على أن يحولوا الى أعضاء عاماين عقب اتمام الوحدة الشاملة وقيام دولة " مصرودان " على أ، يعامل المصريون فى السودان نفس المعاملة .

أما حزب الإتحادي الديمقراطي فانه يضع الدعوة والعمل لتحقيق الوحدة مع أبناء الجنوب بالسودان ضمن أهدافه الأربعة الرئيسية ويعتبر الحزب نفسه الجناح الآخر لوحدة مصر والسودان بعد الحزب الإتحادي الديمقراطي فى السودان , ويعتبر رالايمان بوحدة مصروالسودان الشرط الأساسى للانضمام للحزب من لا يجد فى نفسه رغبة أكيدة فى العمل من أجل الوحدة مع السودان واستعدادا للتضحية والكفاح فى هذا السبيل فلا مرحبا به بين صفوفنا " .

أما برنامج حزب الجيل , فقد تميز عن الاحزاب الثلاثة السابقة فى أنه البرنامج الوحيد من بين جميع برامج الاحزاب الذى يدعو الى اقامة المثلث الذهبى الوحدوى ( مصر والسودان وليبيا ) ويرى الحزب أن اقامة وحدة مصرية ليبية سودانية هى اللبنة الأولى لتحقيق الوحدة العربية , فبرنامج الحزب يؤكد على أن السودان جزء من مصر , ولذا فان الوحدة بين شمال الوادى وجنوبه راسخة فى أذهان كل المصريين ,وبضم ليبيا اليهما تكون هناك موارد وامكانيات ضخمة تؤهلهم لتكوين دولة عظمى كفيلة بأن تكون سلة غذاء العالم العربى , واقتراح تسمية تلك الدولة ب" الولايات العربية المتحدة " .

أخيرا يأتى حزب الخضر الذى يرى أن العلاقة بين مصر والسودان علاقة مصير باعتبار السودان يمثل العمق الاستراتيجى لأمن مصر فضلا عن الروابط المختلفة , ولكنه لا يدعى الى الوحدة وانما يدعو فقط الى ضرورة توثيق العلاقة وتنميتها والعمل على زيادة التبادل فى القطر الشقيق وتطوير امكانياته الانتاجية بالاشتراك فى استثمارها لصالح القطرين كذلك يؤكد الخضر على دور مصرى فى انهاء النزاع بين أثيوبيا والسودان وانهاء تمرد الجنوب وتأكيد وحدة أراضى السودان .

أما بقية الأحزاب فعلى الرغم من اجماعها على أهمية وحيوية الدائرة العربية وقضاياها للسياسة الخارجية المصرية , الا أن أهم قضايا هذا الاجماع – وهى قضية الوحدة العربية , لم يكن لها تصور واحد فى كل تلك الاحزاب , فبعضها يؤكد على أهمية تحقيق تلك الوحدة بشكل تدريجى , بينما تفصل مجموعة ثالثة صورا للتعاون العربى لا تصل الى مرحلة الوحدة , فى حين تدعو مجموعة أخيرة الى وحدة عربية أفريقية , ولا يشذ عن قاعدة الاجماع هذه سوى حزب الإتحادي الديمقراطي الذى لم يرد أى ذكر لموضوع الوحدة العربية أوالتعاون العربى فى برنامجه , بل أنه يجعل الدائرة العربية هى الدائرة الثالثة فى أولويات السياسة الخارجية المصرية بعد الدائرتين الإسلام ية والافريقية .

وفيما يتعلق بأكثر الاحزاب تأكيدا على أهمية موضوع الوحدة العربية فهو حزب الوفاق القومي ذو الاتجاه الناصرى الواضح فهذا الحزب لا يرى أمام الأمة العربية سوى طريق الوحدة لمواجهة الأخطار المحيطة بها وهو يضع لذلك استراتيجية لوحدة تدريجية , يرى أن مرحلتها الأولى تتمثل فى صدور قرار عربى واحد تجاه كل قضية محلية أو عالمية , أما المرحلة الثانية فهى مرحلة التضامن العربى فى مواجهة الأخطار الخارجية والكوارث المحلية , ثم تأتى مرحلة التكامل الاقتصادى بما يؤدى لانشاء سوق عربية مشتركة تكون بديلة عن المعاهدات الدولية الجائرة , ثم تكون بعد ذلك مرحلة الاتحاد بين الدول العربية بتكوين اتحادات عربية عامة لكل مجالات النشاط الانسانى والنقابى .

ويرى الحزب أن هذا التدرج فى اتجاه الوحدة الشاملة ليس برنامجا ضمنيا وليس من الضرورى التسلسل فى خطوات تنفيذه فقد تتداخل المراحل بعضها ببعض , أو قد تسرع بعض الدول العربية ذات النظم السياسية والاجتماعية المتقاربة أو المتشابهة فى اختصار المراحل للوحدة العربية الكاملة .

ويتبنى حزب مصر الفتاة استراتيجية مشابهة لاستراتيجية حزب الوفاق القومي فى تحقيق الوحدة العربية تدريجيا ,حيث يرى برنامج الحزب الحاجة الى مرحلتين ضروريتين لوحدة الأمة العربية : المرحلة الأولى انتقالية ,وهى مرحلة التكامل الاقتصادى والسياسى مع المجموعة العربية بدعم جامعة الدول العربية وتشكيل مستوى قيادى بها يمثل مؤتمر القمة من الملوك والرؤساء العرب , ودعا الحزب الى انشاء ما يسميه الدينار العربى الموحد , وهو عملة عربية قابلة للصرف الى كل العملات العربية , كما دعا الحزب الى انشاء سوق عربية مشتركة بحيث لا يجوز لأى دولة عربية استيراد سلعة أجنبية اذا كانت احدى الدول العربية تنتج بديلا لها .

أما المرحلة الثانية كما يراها الحزب , فانها مرحلة الوحدة العربية التى يرى انها المرحلة النهائية التى تقتنى مرحلة التكامل ووجود نظام اللولايات العربية المتحدة .

أما حزب مصر 2000 فعلى الرغم من اعلانه أنه يؤمن ايمانا كاملا بالوحدة العربية التى يراها أملا يراود أحلام وأمانى كل عربى مخلص خاصة فى عصر أصبحت تسعى فيه الدول الى التكتل , الا أنه يرى أن وحدة عربية اندماجية كاملة أصبح الآن أملا بعيد المنال فى ظل أمتنا العربية , ولكنه عوضا عن ذلك يضع استراتيجية شاملة متكاملة الأبعاد لمشروع عربى نهضوى يواجه به العرب التحديات الجديدة فيرى ضرورة تحقيق تكامل اقتصادى عربى , واقامة منطقة تجارة عربية حرة وتحقيق اكتفاء ذاتى عرب من السلع الاستراتيجية وانشاء شركات بترولية عرية وتفعيل دور صندوق النقد العربى , وتعظيم دور المدخلات العربية فى البنوك الوطنية وضرورة فصل العلاقات الاقتصادية بين الدول العربية عن العلاقات السياسية واعتماد نظام واحد وانشاء جامعة عربية مفتوحة للتعليم العالى , وضرورة العمل العسكرى العربى المشترك , والموقف العربى الموحد من القضايا المختلفة , وتفعيل دور جامعة الدول العربية فى حل النزاعات العربية , وانشاء محكمة عدل عربية وعقد القمة العربية مرة كل ست شهور .

ويرى حزب العدالة الإجتماعية رورة التركيز على قيام اتحاد عربى فعلى وليس شكليا كما هو موجود الآن فى جامعة الدول العربية , ولكن برنامج الحزب لم يحدد شكل هذا التحالف الفعلى ولا أساليب تحقيقه , وأشار فقط الى ضرورة أن ينشىء هذا الاتحاد سوقا عربية مشتركة وجيشا عربيا موحدا تحت قيادة مشتركة لحماية الدول العربية من أى غزو خارجى .

أما حزب الأمة فانه يرى أن تضامن الدول العربية ضرورة قصوى لتحقيق مصالحها والدفاع عن أراضيها وتحرير الأراضى العربية المحتلة وقيام دولة فلسطين العربية , هذا التضامن هو سبيلها لدعم قوتها سياسيا واقتصاديا وعسكريا , ولكنه ايضا لم يحدد ما هو المقصود بهذا التضامن ولاآليات تحقيقه أو الشكل الذى يجب أن يكون عليه .

أما بقية الاحزاب فلا تصل تصوراتها للتعاون العربى الى حد الوحدة الشاملة وانما تدعو فقط الى تعاون عربى فى المجالات المختلفة مع المحافظة على قرار وسيادة كل دولة , فيرى حزب الشعب ضرورة العمل على اعادة التضامن والوفاق بين الدول العربية مع المحافظة على استقلال كل دولة فى اتخاذ وتنفيذ ما تراه قرارات وأعمال , تحقيقا لمصالحها العليا ومحافظة على سلامة أراضيها ونظمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية .

وبدلا من ذلك يسعى حزب الشعب الى تنمية وتقوية الروابط بين دول وشعوب حوض نهر النيل حتى يمكن الشروع فى تنفيذ التكامل بينها بعد اتمام التكامل بين مصر والسودان , وصولا لتحقيق الوحدة الشاملة لجميع دول حوض النيل وقيام وادى النيل العظمى , كما يسعى الحزب لتحقيق وحدة الشعوب الافريقية , عن طريق تنمية وتقوية مختلف الروابط والصلات بينها وذلك بانشاء الاتحادات الافريقية لمختلف طوائف وشعوب القارة .

كذلك حزب الخضر الذى يؤكد على ضرورة السعى المستمر للدبلوماسية المصرية لتنمية وتوثيق وتأكيد العلاقات المصرية العربية , باعتبارها علاقات مصر وتاريخ مصاح مشتركة ويدعو الخضر الى ايجاد تجمعات عربية تعكس تلط المصالح كالسوق العربية المشتركة والصناديق العربية المشتركة , ولكن فى اطار احتفاظ كل دولة بسيادتها على أراضيها , ويدعو الخضر الى تعاون بين الدول العربية والدول الافريقية من أجل استثمار الثروات الافريقية الدفين .

وهذه الدعوة للتعاون العربى الافريقى تتفق معه فيها أحزاب أخرى مثل الوفاق الذى يدعو لاتحاد عربى أفريقى بعد تحقيق الوحدة العربية , وحزب مصر 2000 وحزب مصر الفتاة .

قضية الصراع العربى الإسرائيلى

تحتل قضية الصراع العربى الإسرائيلى مكانةمتقدمةة فى تصورات كل الاحزاب للسياسة الخارجية المصرية , ولكن الحديث عن تلك القضية فى برامج تلك القضية فى برامج تلك الاحزاب كان غالبا فى اطار العموميات المتمثلة فى هدف السلام العربى – الإسرائيلى , واتقاقيتى كامب ديفيد ومعاهدة السلام مع إسرائيل , مبادىء عملية توحيد الصف العربى فى مواجهة إسرائيل والقضية الفلسطينية فى عموميتها , وكافة تلك الأمور تدل على افتقاد تلك الاحزاب لرؤية ايديولوجية أو استراتيجية متكاملة وتفصيلية فى هذه القضية من قضايا السياسة الخارجية , فمثلا كل ما جاء ذكره عن القضية فى برنامج حزب الشعب جاء فى بندين فقط وبصيغة مقتضبة البند 31 يقوم حزب الشعب الديمقراطي ليعمل – سلميا – على حل القضية الفلسطينية طبقا لارادة الفلسطينيين أنفسهم المتحدة , والبند 32 يقوم حزب الشعب الديمقراطي ليعمل سلميا – على تحرير الأراضى العربية المحتلة .

أما حزب العدالة الإجتماعية فلم يرد فى برنامجه أى شىء على الاطلاق عن تلك القضية , لا فى مبادئه وأهدافه ولا فى الجزء الخاص بالسياسة الخارجية , أما حزب مصر العربي الإشتراكي , فعلى الرغم مما يدعيه من يتبنى وجهة نظر خاصة فى الصراع العربى الصهيونى تنبع من الواقع الراهن , الا أن وجهة النظر الخاصة هذه يتضح أنها أحد الشعارات التى ارتبطت بالصراع العربى الإسرائيلى منذ بدايته التمسك بفلسطين التاريخية والجغرافية كوطن مغتصب يجب أن يعود كاملا لأصحابه الشعب الفلسطينى العربى .

واستمر برنامج الحزب .. فما خصصه من صفحات لهذه القضية , يشرح خطورة العدو الصهيونى وما يمكن أن يسببه من تهديد للأمن القومى وكيف يمكن أن يتصور هذا الصراع مستقبلا , دون أن يتطرق للاستراتيجية والأدوات التى يمكن أن يحقق بها الحزب وجهة نظره الخاصة باستعادة فلسطين كاملة فى يوم ما .

أما معالجة حزب الأمة لهذه القضية فقد جاءت فى موضعين فى برنامج الحزب تحمل شعارات غارقة فى العمومية , ومن ذلك اشارته الى وجوب العمل على تحقيق التوازن فى التعامل مع الدول العظمى بغرض التوصل لتحرير الأراضى العربية المحتلة واقامة سلام عادل فى المنطقة .

أما الحزب الإتحادي فقد أكد احترامه لاتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام واشارته الى أنه يؤكد على احترامه لما تعهد به رئيسنا السابق فى هذه المعاهدة من نبذ الحرب بين مصر وإسرائيل , وان تصبح المفاوضات هى النهج الذى تسير عليه الدولتان لحل الخلافات بينهما ,وان الحزب ليأمل أن تتمكن الدولة مع سائر الأطراف الأخرى من حل مشكلة فلسطين حلا نهائيا لينعم الشرق الأوسط بمستقبل أمن يوفر الاستقرار اللازم لتنمية ورفاهية شعوب المنطقة .

وفيما يتعلق بحزب الخضر , فهو يرى أن حل نزاع الشرق الأوسط لن يكون الا عن طريق حل سياسى عادل مع ترك ونبذ الاعتماد على القوة تماما والاتجاه الى بحث فعلى لسلام الشرق الأوسط , فى اطار دولى جماعى يحقق توازن المصالح المشروعة بين دول المنطقة كلها , وان هذا الحل لن يتم الا بقيام دولة للفلسطينيين على أرضهم وغير ذلك اهدار للسلام العالمى .

أما حزب الوفاق القومي , فيأخذ منحى مختلفا حيث يحدد رؤيته فى تلك القضية فى عدة نقاط هى السعى للسلام القائم على العدل الحق المشروع فى تحرير الأراضى المحتلة , ودعم حركات التحرر الوطنى , والعمل على تفعيل اتفاقية الدفاع العربى المشترك ووضعها موضع التنفيذ , وامتلاك كل أنواع الأسلحة بما فيها أسلحة الردع لأمتنا ولن يستقر السلام الا بامتلاكنا سلاح الردع الاستراتيجى , الذى يمنع قيام الحروب بيننا وبين الكيان الصهيونى ما لم يوقع على اتفاقية عدم انتشار الأسلحة النووية , والقضاء على ما لدى العدو من السلاح النووى .

ويشترك مع حزب الوفاق فى الدعوة لامتلاك أسلحة الدمار الشامل كل من حزب الجيل الديمقراطي وحزب مصر الفتاة .

فالأول حذر من مخاطر التسلح الإسرائيلى على الأمن المصرى , واكد على ضرورة الانتباه لذلك من خلال تنمية قدراتنا المسلحة .

أما الثانى فقد اعتبر الدعوةة لنزع أسلحة الدمار الشامل من المنطقة ضرورة لمواجهة الصهيونية ,كذلك حزب مصر 2000 الذى كان الحزب الوحيد من بين تلك الاحزاب الذى بلور موقفا محددا وتفصيليا لقضية الصراع العربى الإسرائيلى , وحدد الخطوات الواجب اتباعها فلسطينيا ومصريا وعربيا ودوليا ازاء هذه القضية , حيث يرى برنامج الحزب أن وحدة الشعب الفلسطينى ضرورة , لذا يرى دعوةة جميع القوى والفصائل الفلسطينية لعقد مؤتمر وطنى فلسطينى شامل فى مقر الجامعة العربية لمناقشة المستقبل والمصير ووضع الاستراتيجيات الموحدة لمواجهة التعنت الإسرائيلى , ويرى أن على الدول العربية أن تقوم بحملة سياسية واعلامية على أوسع نطاق كى يمارس مجلس الأمن مسئولياته بفرض العقوبات المنصوص عليها فى الفصل السابع من الميثاق حتى تعود الحكومة الإسرائيلية لرشدها وتفى بالتزامها , وأنه لابد من اقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة بدلا من الاعتراف بدولة فلسطينية صورية بهدف اجهاض القضية الفلسطينية .

ان الأزمة تحتم على كل النظم العربية أن تخرج من فخ الراعى والرعية , فلا راعى للسلام العربى الا المقاومة العربية , وتثبيت السكان الفلسطينيين على الأرض , وبالذات فى القدس الشرقية ومقاومة محاولات الاستيطان الإسرائيلى بشراء الأراضى والمبانى الفلسطينية التى باعها أهلها نتيجة للقهر الإسرائيلى .

ويرى برنامج الحزب أيضا ان انعقاد مؤتمر دولى لانقاذ السلام لابد أن يسبقه انعقاد مؤتمر قمة عربى ناجح فليس من المنطقى أن نجعل دول العالم تتفق على برنامج لانقاذ السلام دون أن نتفق فيما بيننا على هذا البرنامج , وليس من المعقول أن نطلب الى هذه الدول أن تتضامن معنا قبل أن نتضامن مع أنفسنا , ويلفت الحزب نظر الدبلوماسية المصرية الى أن إسرائيل تنظر الى السلام مع مصر باعتباره عنصر تحييد للقوة المصرية وفرصة لاطلاق يدها فى التعامل مع باقى الاطراف العربية , كما يلفت النظر الى أن الرهان على التناقضات الداخلية فى إسرائيل والمتغيرات الدولية لن يقرر مستقبل القضية , وانما الذى سيقرر ذلك هو التطورات التى تحدث داخل الوطن العربى , وما تحدده دوله من قرارات ومدى التقارب فيما بينها , لذا يرى أن السلام الذى تعتبره خيارا استراتيجيا لا يمكن أن يقوم على مجرد النيات الطيبة لأطرافه ولكنه يقوم على قدرة الاطراف على حمايته , ومعنى ذلك أن التزامنا بالسلام , لابد وأن يتم من منطلق القوة وليس الضعف .

ومن هنا يدعو الحزب الى تحديث القدرات العسكرية للجيوش العربية , كما يدعو الى امتلاك السلاح النووى وأسلحة الدمار الشامل , حتى لا تظل إسرائيل وحدها فى قلب العالم العربى الحائزة لأسلحة نووية تستعلى بها على جيرانها ولن تعرف المنطقة سلاما شاملا الا اذا كان قائما على العدالة والمساواة فى امتلاك القوة النووية أو فى الخلاص منها نهائيا .

ويدعو الحزب الى العودة لاستخدام سلاح المقاطعة كوسيلة للضغط على إسرائيل , بما فى مقاطعة المؤسسات والشركات التى تسهم فى تكريس الاحتلال الإسرائيلى للاراضى العربية , كما يدعو لبذل مزيد من الجهد لدى أوساط الكونجرس الأمريكى والشعب الأمريكى لكشف المزاعم الإسرائيلية الباطلة فى تبرير رفضها لاعادة الأراضى الفلسطينية , الأمر الذى يتطلب رصد المبالغ اللازمة لتحقيق هذا الهدف من خلال أجهزة الاعلام والمعلومات الأمريكية , وأخيرا الى تعديم العلاقات مع القوة المؤثرة فى المنطقة كتركيا وايران , وفض النزاعات العربية وتحقيق المصالحة العربية بين كافة الدول العربية .

النتائج العامة لدراسة برامج الاحزاب المصرية الصغيرة

بعد الانتهاء من هذه القراءة فى برامج الاحزاب موضع الدراسة وموقفها تجاه قضايا الداخل والخارج و فان هناك مجموعة من النتائج التى تم استخلاصها من هذه القراءة .

1- لا تحمل اطروحات معظم تلك الاحزاب خلال معالجتها للقضايا موضع الدراسة وجهة نظر خاصة , أو رؤية مغايرة للاطروحات القائمة على الساحة الحزبية , كما أنه لا يتجلى فى تلك الأطروحات , وأى فكر مختلف وانما كان الحديث عن تلك القضايافى اطار العموميات واعادة لطرح بعض الشعارات الموجودة , وتأكيدا على بعض المسلمات , بما لا يعبر عن امتلاك هذه الاحزاب لرؤية أيديولوجية أو استراتيجية متكاملة وتفصيلية للقضايا التى تم تناولها فى هذا القسم من الدراسة وغيرها من القضايا وخاصة القضايا المتعلقة بالحقوق والحريات العامة , والتى عولجت فى برامج تلك الاحزاب بشعارات عامة من قبل ضرورة المساواة بين المواطنين فى الحقوق والواجبات وأن الشعب هو مصدر السلطات ,وسيادة القانون ..الخ .

ولا يكاد يستثنى من هذه القاعدة سوى حزب مصر 2000 , الذى طرح استراتيجية متكاملة وتفصيلية لكل القضايا التى تناولها برنامجه , وحملت هذه الاستراتيجية وجهة نظر جديدة تماما عن الاطروحات السائدة .

منها اقتراح تقسيم ادارى جديد لمحافظات مصر , واعادة تخطيط محافظات الدلتا بحيث تحصل كل محافظة على جزء من النيل وجزء من الصحراء , واقتراح هيئة استراتيجية لمواجهة آثار العولمة واستراتيجية للحفاظ على مياه النيل واستراتيجية جديدة لتحقيق الوحدة العربية ... الخ . الأمر الذى جعل برنامج هذا الحزب بمثابة ورقة عمل للمستقبل .

2- ان قضايا السياسة الداخلية تمثل محور الاهتمام الأساسى لبرنامج جميع الاحزاب الصغيرة موضع الدراسة , وتستحوذ تلك القضايا على مساحة الاهتمام الأساسية لدرجة تقترب منها للسيطرة على برنامج الحزب بأكمله , وقد تم التطرق لأسباب ذلك .

وبالمقابل لا تحظى قضايا السياسة الخارجية بالقدر نفسه من الاهتمام ولا يعنى هذا بطبيعة الحال أن الاحزاب تتجاهل القضايا الخارجية , وانما يعنى أولا أن هذه القضايا لا تحتل الأولوية فى قائمة برامجها , ويعنى ثانيا أن هناك فرقا بين أن تتضمن برامج الاحزاب مطالبها فيما يتعلق بالسياسة الخارجية , وبين أن تكون هذه المطالب بالفعل برنامج الحزب , ويعنى ثالثا , أن بعض مطالب الاحزاب فى مجال السياسة الخارجية سوف تطرح فى الغالب كامتداد للقضايا الداخلية .

من ناحية أخرى يمكن تفسير احتلال قضايا السياسة الخارجية موضعا متأخرا فى برامج الاحزاب بسببين , الأمل هو أن هذه الاحزاب ما تزال فى بداية تجربة العمل الحزبى ,وانها فى حاجة الى التركيز على القضايا القادرة على كفالة قنوات اتصال مؤثرة مع الرأى المحلى , وهى بالأساس قضايا السياسة الداخلية , مما يجعل من المنطقى أن يكون الوزن النسبى للسياسة الخارجية فى برامج تلك الاحزاب وزنا محدودا .

السبب الثانى , هو أن مجال المناورة المتاح أمام هذه الاحزاب فى مجال السياسة الخارجية أصبح محدودا الى حد كبير .

فخلال عصر السادات كان التمييز بين السياسة الخارجية الرسمية وبين ما تطرحه أحزاب المعارضة واضحا , سواء فيما يتعلق بالعلاقات المصرية – العربية , أو العلاقات مع إسرائيل أو مع القوتين الأعظم , أما فى عهد مبارك , فان المطالب المطروحة لأحزاب المعارضة , وبالذات فيما يتعلق بالدائرة العربية , أو النظرة الى إسرائيل هى الى حد ما نفس توجهات الرئاسة المصرية .

3- أن أول ما يلفت النظر فى معالجة برامج الاحزاب موضع الدراسة للقضايا الداخلية , هو تشابه مطالبها فيما يتعلق بقضايا الديمقراطية والاصلاح السياسى والدستورى الى درجة تكاد تصل الى حد الاجماع فى بعض القضايا مثل انتخاب رئيس الجمهورية , وحرية تكوين الاحزاب وحرية اصدار الصحف , والغاء قانون النظر عن الخلافات المتعددة فيما بينها فى العديد من القضايا – الى أن توافر المناخ الديمقراطى الملائم والغاء القيود المفروضة على ممارسة العمل السياسى يمثل دعما لكل هذه الاحزاب وحرية فى الحركة وضمانا لممارسة نشاطها بدون مضايقات وتوسيع التأييد الشعبى لها , وأن يشذ عن هذا الاجماع حزب الجيل الديمقراطي الذى لم يتعرض برنامجه بأى شكل من الأشكال لأى مطالب للاصلاح السياسى والدستورى عند تعرضه لقضايا السياسة الداخلية .

معتبرا أن أهم الأوضاع التى بحاجة الى اصلاح هو الوضع الاقتصادى العام , الذى تدهور ويحتاج الى اصلاح حذرى وعاجل .

ومن هنا يعتبر الحزب أنه من الضرورى البدء بالاصلاح الاقتصادى , ويعتبر ذلك هو مطلب الحزب الأول فى المجال الداخلى , ومن ثم يمحور رؤيته للسياسة الداخلية حول مجموعة من العناصر تدور كلها حول الاقتصاد المصرى .

4- أن برامج معظم هذه الاحزاب قد تجاوزها الزمن بكثير , ولم تع تتلاءم مع متطلبات العصر الجديد الذى نعيشه , و من ثم فان هذه البرامج فى حاجة الى المراجعة والتعديل والتنقيح بما يجعلها تستجيب للتحديات الجديدة المطروحة , فليس من المعقول أن تتجاهل كافة برامج هذه الاحزاب دور المجتمع المدنى خاصة الجمعيات الأهلية وغيرها من المنظمات غير الحكومية فى دعم الديمقراطية , كما أنه من غير المعقول أن يتحدث برنامج أحد هذه الاحزاب عن عدم الانحياز والعلاقات مع المعسكرين الشرقى والغربى , وعن المقاطعة العربية لمصر باعتبارها أمورا لا تزال قائمة , ومن هنا فان الحاجة ماسة وضرورية لأن يشكل كل حزب من تلك الاحزاب المعنية , لجنة خاصة تعكف على دراسة برنامج الحزب وتنقيحه من كل ما تجاوزه الزمن وتضمينه رؤى يعيشها المواطن , على أن يخصص بعد ذلك مؤتمر عام لكل حزب لمناقشة ما انتهت اليه لجنة تطوير البرنامج واعتماده كبرنامج جديد للحزب , وأول الاحزاب المدعوة الى مراجعة برنامجها هو حزب الأمة , تليه أحزاب مصر العربي الاشتراكي , ومصر الفتاة والشعب , والاتحادى والعدالة الإجتماعية والخضر المصرى .

ولعل ما يدعو الى ضرورة مراجعة وتعديل برامج تلك الاحزاب بالاضافة الى خلوها من مطالب ومبادرات حقيقية للاصلاح , هو ما يشوب تلك البرامج من تناقض فى بعض الاحيان , ومن التعرض لمسائل أصبحت فى عداد التاريخ , فلا يعقل أن بتحدث برنامج حزب عن العلاقة مع المعسكرين الشرقى والغربى , وعن المقاطعة العربية لمصر باعتبارها أمورا لا تزال قائمة .

كما أن هناك العديد من المفارقات والتناقضات التى تذخر بها برامج الاحزاب ومنها ما هو مثير للسخرية , فليس من المعقول مثلا أن ينص برنامج حزب الخضر فى المقومات الدستورية والسياسية التى يؤمن بها الحزب على ضرورة سيادة القانون عن طريق الرقابة على دستورية القوانين واللوائح من خلال المحكمة الدستورية العليا , فى حين ينص برنامج الحزب فى الجزء الخاص برؤيته للاصلاح القضائى على احالة الرقابة دستورية القوانين الى احدى هيءى محكمة النقض واعادة سائر اختصاصات المحكمة الدستورية وقانون المحكمة الدستورية العليا , حيث يرى برنامج الخضر أنه لا مبرر لقيام هذه المحكمة فى دولة موحدة .

ومن تلك المفارقات أيضا أن تكون فلسفة حزب الشعب الديمقراطي هى اشتراكية تعاونية ديمقراطية , وان يكون أحد أهدافه العشرة هو المحافظة على المكاسب الإشتراكية , وفى حين أنه يدعو الى تعديم سياسة الانفتاح الاقتصادى وتحويله من انفتاح استهلاكى الى انفتاح انتاجى , كذلك حزب مصر العربي الإشتراكي الذى يدل على غير ذلك أما آخر هذه المفارقات فهو ما اختتم به حزب الأمة برنامجه , ففى بيان البرنامج للفارق بين حزب الأمة وبقية الاحزاب , أكد أن حزب الأمة هو حزب الله والانضمام اليه والعمل فيه لتحقيق أغراضه عبادة نتقرب بها الى الله تعالى .

ان القيام بمهمة المراجعة هذه يتطلب وجود كوادر محترفة ومدربة على صياغة الأفكار والبرامج وخطوط العمل المستندة الى معيشة الواقع والى بحوث علمية حقيقية تجريها مراكز بحوث متطورة ترتبط بهذه الاحزاب , فالهروب الشائع فى تلك الاحزاب اى الماضى والشعارات الأيديولوجية يعود فى كثير منه الى غياب تلك الاحزاب عن الحاضر والمستقبل .

4- ان تلك الاحزاب مطالبة بمراجعة لوائحها الداخلية , واعادة تنظيم هياكلها حتى تؤخذ مطالبها فى الاصلاح – فى حال طرحها – بمأخذ الجد .

بمعنى آخر فانه من غير المستساغ أن تطالب تلك الاحزاب بما تفتقده هى . وتفصيلا يمكن القول أن معظم اللوائح الداخلية للاحزاب لا تتضمن تحديدا مباشرا لكيفية صنع القرار الحزبى , وبسبب هذا الغموض أتيح لرؤساء الاحزاب القيام بدور أساسى يصل أحيانا الى حد الانفراد بارادة الحزب , وساعد على ذلك تمتع رؤساء الاحزاب بصلاحيات واسعة للغاية بمقتضى تلك اللوائح نفسها , رغم تباين الصياغات المستخدمة فيها لبيان تحديد تلك الصلاحيات , فى حين تحد تلك اللوائح من دور المستويات التنظيمية الأخرى فى عملية صنع القرار . بالاضافة الى ذلك فان تلك اللوائح لا تحدد طريقة محاسبة رئيس الحزب أو عزله أو سحب الثقة منه أو مدة رئاسته بعدد معين من الدورات وعدد معين من السنين , كما أن معظم تلك اللوائح تجعل من التعيين وليس الانتخاب الوسيلة الوحيدة لتشكيل المستويات التنظيمية فى الحزب .

وقد أدى هذا الوضع الى تفاقم الأزمات الداخلية واشتداد الصراع على رئاسة معظم تلط الاحزاب , وانتهى الأمر بتجميد عضوية زهاء سبعة من تلك الاحزاب بقرار من لجنة شئون الاحزاب بالاضافة لحزبين آخرين هما حزبا العمل والأحرار وبالتالى فان تلك الاحزاب مطالبة باعادة النظر فى لوائحها الداخلية , بحيث تنص على عدم جواز بقاء رئيس الحزب فى منصبه لأكثر من دورتين مثلا , وكذلك الأمر فيما يتعلق ببقية المناصب القيادية , والنص على ضرورة أن تكون كل تشكيلات الحزب بالانتخاب وليس بالتعيين , وأن تكون هناك صلاحيات محددة لكل مستوى تنظيمى فى الحزب , كما أنه من الضرورى وضع آلية محددة لمحاسبة ورقابة كل مسئولى الحزب بما فى ذلك رئيسه , وهذا هو الاسلوب الوحيد للحفاظ على تلك الاحزاب من خطر انفجارها من الداخل , والحد من خلافاتها التى تتلقفها الحكومة للقضاء على تلك الاحزاب من خلال الترويج لرأى مؤداه أن هذا هو حال أحزاب المعارضة التى تحمل مطالب الديمقراطية وحقوق الانسان للمجتمع والدولة . ولعل التجربة الرائدة التى قادها حزب التجمع بمراجعة لائحته الداخلية بحيث تنص على عدم جواز بقاء أى مسئول حزبى فى منصبه كثر من مدتين , يمكن أن تكون تجربة تحتذى فى هذا المجال .

5- ان الاحزاب المصرية الصغيرة مطالبة بتحديث أدائها السياسى بحيث تخلق لها قواعد جماهيرية تتجاوز بها ما تعانيه من أوجه قصور ونقص .

اذ لا يكفى أن تتضمن برامج تلك الاحزاب مطالب معينة للاصلاح , ولا يكفى أن تكون لوائحها وأنظمتها الأساسية متسقة مع هذه المطالب , وانما لابد من عمل جاد ومقنع لتحقيق ما تؤمن به من أفكار ورؤى , فالأفكار العظيمة على مدى التاريخ لم تتحقق من تلقاء ذاتها وبمجرد طرحها وانما جهاد من قبل القائمين عليها ضد قوى عاتية تقف دائما ضد ما قد يهدد مكانها ومكانتها , ومن هنا فان تلك الاحزاب مطالبة بأن تخوض معارك صعبة فى ظل مناخ سياسى رافض لكل ما هو اصلاحى .

ان الفجوة بين المواقف والسلوكيات لدى أحزاب المعرضة الصغيرة يتجلى فى غياب الاحزاب موضع الدراسة عن كل مبادرات الاصلاح السياسى التى طرحتها قوى وطنية فى السنوات الأخيرة , واقتصار تلك المبادرات على أحزاب المعرضة الرئيسية وبعض القوى اسياسية الأخرى , والمفارقة هنا هى أنه فى حين غابت تلك الاحزاب عن المشاركة فى مثل هذه المبادرات على الرغم من المشروعية القانونية التى تتمتع بها , الا أن قوى سياسية أخرى محظورة قانونا وبالتالى لا تتمتع بهامش الحركة المتاح لتلك الاحزاب – الا أنها شاركت بفاعلية فى صياغة مثل تلك المبادرات , مثل جماعة الإخوان المسلمين والحزب الشيوعي المصري .

أنه بدون مراجعة البرامج واللوائح الداخلية وتطوير الأداء فى الاحزاب السياسية لن تستطيع هذه الاحزاب أن تقوم بوظائفها كحلقة اتصال بين المواطنين والحكومة , وادارة الصراع فى المجتمع بالطرق السلمية , وبلورة توجهات فئات اجتماعية وجماعات سياسية مختلفة والتعبير عن مصالحها من خلال القنوات السياسية الشرعية وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية والتأثير فى الرأى العام والتجنيد السياسى .

هذا بالاضافة الى أن عدم قيام تلك الاحزاب بالمراجعات المطلوبة لن يمكنها من لعب أهم الأدوار , وهو طرح بدائل للسياسات القائمة .

وبالتالى فان قدرة النظام السياسى على طرح وتنفيذ سياسات عامة رشيدة وفعالة مرهونة فقط – فى حالة غياب تلك المراجعة – برؤية وادارة المسئولين الحكوميين , طالما أن الرؤى الناقدة أو المصححة الآتية من أحزاب المعارضة تظل محدودة فى تأثيرها أو فعاليتها .

6- لا شك أن طبيعة النظام الحزبى القائم – والذى يمكن أن نسميه نظام حزب واحد فى قالب تعددى – يتحمل جزءا مهما من مسؤولية الجمود الفكرى الذى صبغ برامج تلك الاحزاب , الأمر الى يعنى ضرورة تصحيح الاختلال فى العلاقة بين الحزب الحاكم وأحزاب المعرضة .

ويكمن جوهر الاختلال فى احتكار الحزب الوطني للحكم , واحتكار بقية الاحزاب المعارضة دون أمل حقيقى فى المشاركة فى الحكم , فأحزاب المعرضة تمارس السياسة وليس رصيد سوى قدرتها كأحزاب على تعبئة وحشد الجماهير أما الحزب الوطني فرصيده بالأساس أنه يحكم بالفعل , ومن هنا فالتنافس السياسى يتم فعليا بين أحزاب وحكومة وبالتالى لابد وان يكون التنافس الصحيح هو بين أحزاب وأحزاب ويمكن أن يتم ذلك من خلال عدة أساليب , مثل الفصل بين رئاسة الدولة ورئاسة الحزب الوطني والفصل بين امكانيات الحزب الحاكم وامكانيات الدولة والحد من نفوذ السلطة التنفيذية فى الانتخابات , والغاء القيود المفروضة على عمل الاحزاب والغاء حالة الطوارىء ... الخ .

واذا تم ذلك فانه يمكن أن يكون هناك نظام حزبى تعددى تنافسى أكثر قوة وأكثر فاعلية وأكثر قدرة على خلق أحزاب تتفاعل مع الواقع وقضاياه .

القسم الرابع :الأحزاب المصرية الصغيرة وأزمتها الداخلية " حسين عبد الرازق "

يتناول هذا القسم من دراسة الاحزاب المصرية الصغيرة عمليات الانشقاق والخلاف داخل تلك الاحزاب وكذلك تشريح أزمة الحياة الحزبية فى مصر .

الانشقاقات داخل الاحزاب المصرية الصغيرة

يتناول هذا الجزء الانشقاق داخل سبعة من الاحزاب المصرية الصغيرة هى أحزاب مصر الفتاة والعدالة الاجتماعية , والخضر ومصر العربي والشعب الديمقراطي والتكافل الاجتماعي والوفاق القومي .

حزب مصر الفتاة

نشأ حزب مصر الفتاة اثر انشقاق عدد من قيادات حزب العمل بزعامة المهندس ابراهيم شكرى وتنتمى هذه القيادات لحزب مصر الفتاة قبل الثورة ومنهم علي الدين صالح ومحمود المليجي وابراهيم زيدان وعباس المصرى , الذين شاركوا فى تأسيس حزب العمل الإشتراكي عام 1978 , كامتداد أو اعادة تأسيس لحزب مصر الفتاة بزعامة أحمد حسين .

وانسحب معهم من حزب العمل الفنان حمدي أحمد الذى لمع فى المسرح والسينما والتليفزيون وانتخب لعضوية مجلس الشعب عن دائرة بولاق وشرع هؤلاء فى تأسيس حزب جديد فى إبريل 1988 يحمل اسم حزبهم مصر الفتاة .

وبداية ,أصدر علي الدين صالح وكيل المؤسسين ومحمود المليجي بيانا أعلنا فيه أن الحزب يهدف الى احياء مبادىء مصر الفتاة واتهم حزب العمل بالانحراف عن هذه المبادىء ومهادنة الحكومة .

وأضاف أن من مبادىء الحزب تطبيق الشريعة الإسلام ية واحياء القيم الأخلاق للتصدى لموجة الفساد التى تعم المجتمع , والسعى لحل مشكلة الاسكان باتخاذ اجراءات فعالة , والاهتمام بالزراعة واستصلاح الصحراء وتنظيم عمل المرأة للحفاظ على تماسك الأسرة بحيث لا تخرج للعمل الا فى حالة الضرورة .

وقد أشار علي الدين صالح الى تميز برنامج حزب مصر الفتاة عن بقية الاحزاب المعارضة بمشروع النيل الجديد والذى يقوم على شق مجرى لهذا النيل فى شمال السد العالى خارجا من المجرى الأصلى عائدا اليه بعد مساحة 3 ملايين فدان بالصحراء الغربية وهى فكرة أولية شبيهة بما يجرى حاليا فى توشكى وانشاء قناة الشيخ زايد جنوب السد العالى .

وتقدم علي الدين صالح كوكيل للمؤسسين بأوراق الحزب الى لجنة شئون الاحزاب السياسية , واعترضت اللجنة على طلب التأسيس فى 20 أغسطس 1988 لتشابه برنامج الحزب مع أحزاب قائمة .

ولكن دائرة شئون الأحزاب بالمحكمة الادارية العليا ألغت قرار لجنة شئون الاحزاب السياسية فى 4 إبريل 1990 ووافقت على قيام حزب مصر الفتاة وحزبين آخرين هما حزب الخضر وحزب الإتحاد الديمقراطي وقد اصبح علي الدين صالح رئيسا للحزب , وكان قد استقال من حزب العمل عام 1986 وانضم الى مؤسسى الحزب الجمهورى الذى تقدم بأوراق تاسيسه فى بداية عام 1988 المهندس سامى مبارك ورفضت لجنة تأسيسه , ومن ثم بدأ علي الدين صالح فى تأسيس حزب مصر الفتاة .

وقد بدأت الخلافات فى حزب مصر الفتاة على توزيع المناصب القيادية .

فعقب اختيار طاحون نائبا لرئيس الحزب إبريل 1990 قدم حمدي أحمد استقالته معلنا اعتراضه على اختيار طاحون نائبا للرئيس .

وقال ان الاختيار تم بصورة انفرادية دكتاتورية , وأن نائب الرئيس هو أحد أصحاب شركات توظيف الأموال .

وبعد أيام قليلة قدم طاحون استقالته من الحزب .

وتلاه ابراهيم زيدان نائب رئيس الحزب . الذى استقال مع ثلاثة آخرين من قيادات الحزب .

وبعد أقل من 4 اسابيع قدم حسام الدين حسين كامل الأمين العام للحزب وأمين التنظيم بحزب مصر الفتاة استقالته من الحزب ومعه 25 عضوا من الحزب .

وذكر أن سبب استقالته يرجع ال اعتراضه على اسلوب ادارة الحزب واصدارالقرارات المتعارضة وعدم الالتزام بمبادىء الحزب , واجبار الأعضاء على التبرع للحصول على مراكز قيادية بالحزب .

ونشرت احدى الصحف أن أعضاء الحزب فى السيدة زينب ومصر الجديدة والعجوزة وباب الشعرية وحلوان وشبرا والمعادى وامبابة وحدائق القبة وبولاق والهرم تقدموا باستقالات مسببة من الحزب .

ونقلت عن حسام الدين حسين كامل أن حزب مصر الفتاة أصبح الآن بلا لجنة واحدة منظمة .. وان مقره أصبح مغلقا منذ قرابة شهر ونصف كما تم العدول عن فكرة اصدار جريدة الحزب بعد أن طلب المشرف على اصدارها مائة ألف جنيه لتمويلها .

وأضافت تلك الصحيفة أن الأعضاء تقدموا باستقالاتهم لأسباب كثيرة منها : افتقاد الديمقراطية داخل الحزب , واجبار الأعضاءعلى التبرع أو اقراض الحزب , والا يحرم العضو من عضوية اللجان حتى وان كان من رأى الأعضاء انتخابه .

كما أن رئيس الحزب يشترط على أمناء اللجان دفع تبرع مقداره 500 جنيه لكل منهم , ويشترط على كل من يريد أن يحمل عضوية المجلس القيادى دفع تبرع خمسة آلاف جنيه .

وفى سبتمبر 1990 واجه الحزب أزمة من نوع آخر , كان محورها مبارك نائب رئيس الحزب وأمين لجنة الصناعة , والذى انضم لحزب مصر الفتاة فى مايو 1990 بعد سلسلة الاستقالات لنواب الرئيس .

وقد بدأ سامى مبارك عمله السياسى فى الوفد وكون الحز ب الجمهورى ومعه علي الدين صالح وعندما رفضت لجنة شئون الاحزاب السياسية تأسيس الحزب أعلن اعتزاله العمل السياسى عام 1987 . وقد قاد سامى مبارك بمعاونة 6 من أعضاء المجلس القيادى فى الحزب ما أسماه حركة تصحيح لمسار الحزب , أطاح خلالها برئيس الحزب علي الدين صالح .

وكان قد تقدم باستقالته من حزب مصر الفتاة وهو تحت التأسيس بسبب ما اعتبره محاولة وكيل مؤسسى الحزب .

علي الدين صالح جمع الأموال سواء عن طريق القروض من الأعضاء والتى وصلت الى 32 ألف جنيه وضعها فى حساب خاص باسمه فى أحد البنوك , أو عن طريق استجداء المنح والهبات من بعض الجهات الخارجية مما دفعه الى تقديم استقالته , التى عاد بعدها استجابة الى رغبة قيادات الحزب فى تطهير حزبهم .

وعقد 29 عضوا من أعضاء الحزب بينهم 4 أعضاء من مؤسسيه مؤتمرا بمقر مؤقت للحزب فى مصر الجديدة وحضرته القيادات التى سبق لهم تقديم استقالاتهم مثل حمدي أحمد وإبراهيم زيدان وتم انتخابهم فى هذا الاجتماع نائبين للرئيس , وانتخب سامي مبارك رئيسا وحسام الدين كامل المستقيل أيضا أمينا عاما وكمال عبد الحميد أمينا مساعدا وأمينا للتنظيم .

أما بالنسبة لتنظيمات الحزب , فقد عقدت الجمعية العمومية للحزب وحضرها 93 بالمائة من المؤسسين و300 من أعضاء الحزب .

وقررت تأكيد رئاسة علي الدين صالح للحزب وتأكيد شرعية المجلس القيادى والموافقة على التعديلات التى أدخلت على اللائحة والبرنامج العام المقدم للجنة شئون الاحزاب فى إبريل 1990 أما مجموعة سامي مبارك فقد تقدمت ببلاغ المدعى العام الاشتراكى تتهم فيه علي الدين صالح بتزوير توقيعات المؤسسين , وقرروا رفع دعوى قضائية تتهمه بالتلاعب فى أموال وتبرعات الحزب .

وعلى هذا الأساس فشل الانقلاب الذى سمى نفسه بحركة التصحيح وبأ علي الدين صالح فى استكمال النشاط الحزبى بالتقدم الى الى المجلس الأعلى للصحافة فى أول مايو بطلب اصدار صحيفة تحمل اسم الحزب , ولم يرد المجلس خلال المدة القانونية فأصبح حق الحزب فى اصدارالجريدة قائما بحكم القانون ولكن أجهزة الأمن منعت طبع العدد الأول عن طريق التنبيه على المطابع برفض طبعه وصدرت مثر الفتاة بعد ذلك ورأس تحريرها مصطفى بكري ونجحت الجريدة فى جذب انتباه الرأى العام ال الحزب ولكن مواقفها أثارت خلافات من نوع جديد داخل الحزب ففى يناير 1991 أدى موقف الحزب المؤيد لصدام حسين بعد غزوه للكويت لاستقاله 6 من قيادات الحزب احتجاجا على ما نشرته الصحيفة من تطاول على سياسة مصر تجاه أحداث أزمة الخليج بأسلوب لا يتماشى مع حزب مصرى تجاه قياداته وتم احتواء الأزمة بعد اجتماع بأعضاء الحزب فى الأسكندرية بحضور اللواء عبد الله رشدي وأحمد عز الدين ومحمد سليمان عضوى المجلس القيادى اللذين أصدرا بيانا جاء فيه أنه تم فى الاجتماع المنعقد بمقر حزب مصر الفتاة بتاريخ الثلاثاء 29 يناير 1991 وحضور السادة الأعضاء القياديين بالحزب أن أوضح علي الدين صالح رئيس الحزب سياسة الحزب العامة تجاه مشكلة حرب الخليج والتى تتماشى مع حزب مصر الفتاة فى برنامجه المعلن فى الجلسة مع القيادات المختلفة لذلك فاننا نؤيد سيادته فى ايضاح هذه الأمور كما يسعدنا أن نقدم لسيادتكم الشكر مع سحب استقالاتنا متمنين كل التوفيق فى رسالة الحزب تجاه مصرنا الحبيبة والأمة العربية .

من ناحية أخرى جرت فى مطلع عام 1992 محاولة انشقاق اخرى وقد تم ذلك بقيادة حسام الدين كامل المنشق على الحزب للاستيلاء على مقرالحزب فى الدقى بعد كسر باب المقر واقتحام 25 شخصا للمقر وقالوا أنهم قد فوجئواا بتنازل سامى مبارك رئيس اجبهة المعارضة لعى الدين صالح عن كافة القضايا المرفوعة ضد علي الدين صالح ووصول الأمر أقصاه بتطاول جريدة الحزب على القيادة السياسية التى نؤيدها تأييدا كاملا , وبالتالى عقدوا اجتماعا بقيادة المستشار حسام الدين كامل رئيس المجلس القيادى واتخذوا قرارات مصيرية بالاستيلاء على المقر الرئيسى للحزب وبعد ساعتين من اقتحام المقر حضر حسام الدين وأذاع بيانا بأسباب حركتهم وأعلن التشكيلات الجديدة للحزب ولم تدم سيطرة المنشقين على مقر الحزب طويلا فسرعان ما تقدم أنصار علي الدين صالح بعد ساعات لطرد المحتلين وهو ما تحقق لهم بعد معركة بالأيدى .

وقد قامت مايو بشن حملة ضد حزب مصر الفتاة حيث أشارت الى أنه تم اتخاذ احتياطات أمنية مشددة لنجاح مؤتمر الحزب فى 8 مايو بالأسكندرية ونشرت على لسان د.عبده السيد الذى وصفته بالذراع اليمنى لعلي الدين صالح الذى انقلب عليه وانضم الى اللواء عبد الله رشدى كثيرا من الاتهامات لعلي الدين صالح من بينها تلقى الحزب والجريدة لدعم من ليبيا وحزب البعث العراقى والفاسى ومحاولة ابتزاز السعودية لتدفع لهم .

وشنت فى نفس العدد حملة غير مسبوقة وبألفاظ يعاقب عليها القانون ضد رئيس تحريرصحيفة مصر الفتاة . وعقد هذا المؤتمر بالفعل , وحضره كما قالت جريدة الجمهورية فى اليوم التالى 2500 عضو من أعضاء الحزب , واختير اللواء عبد الله رشدى رئيسا للحزب , وألقى بعد انتخابه كلمة كال فيها الاتهامات لقيادة الحزب , حيث اتهم علي الدين صالح بالاستيلاء على مبلغ 100 ألف دولار كانت مخصصة لدعم جريدة الحزب من دولة عربية وايداع المبلغ فى بنك الاستثمار العربى .

وقالت الجمهورية فى مقدمة الخبر علمت الجمهورية أن لجنة الاحزاب سوف تجتمع خلال الأيام القليلة القادمة لاقرار الوضع الجديد واعتماد محضر اجتماع 8 مايو بالأسكندرية وتعيين عبد الله رشدى رئيسا لحزب مصر الفتاة خلفا لعلي الدين صالح الذى أسقطه أعضاء حزبه فى الاجتماع الطارىء الذى عقد بعد ظهر أمس بالأسكندرية وكان واضحا من هذا الخبر أن أجهزة الدولة لم تكن بعيدة عن ترتيب هذا المؤتمر .

ورد علي الدين صالح بأن هؤلاء جميعا ليسوا أعضاء فى الحزب , وأن الذى تولى الاعداد لهذا المؤتمر خمسة من المفصولين لأسباب أخلاقية ويقف خلفهم رئيس مجلس ادارة احدى المؤسسات الصحفية القومية وجهاز مباحث أمن الدولة برئاسة اللواء يحيى تعلب مفتش أمن الدولة بالأسكندرية , ولفت النظر الى التصريح الذى أدلى به د. أحمد سلامة فى جريدة المساء حول اجتماع لجنة الاحزاب .

وتأكد موقف السلطة التنفيذية المناوىء لمصر الفتاة فى أمرين , أولهما , التهديد باغلاق صحيفة الحزب بعد نشرها عدة مقالات تدعو لتدويل الأماكن المقدسة بالسعودية , وقد تم ذلك بناء على طلب السفير السعودى بالقاهرة , تشبها بما قام به ازاء صحيفة صوت العرب من قبل .

ثانيهما , قيام لجنة شئون الاحزاب السياسية بعقد اجتماع فى 22 مايو 1922 للتدخل فى النزاعات داخل الحزب , وقد قررت اللجنة الاعتداد بما تم فى المؤتمر العام لحزب مصر الفتاة الجديد المنعقد فى 8 مايو 1922 , والتعامل مع عبد الله رشدي محمد ماهر باعتباره رئيسا للحزب .

ولم يكن هذا القرار هو نهاية المطاف , اذ تقدم عبد الله رشدى ببلاغ للنائب العام ضد علي الدين صالح ومصطفى بكري , بتهمة قيام الحزب بازادراء نظام الحكم والحض على كراهيته والتشهير به , وسأل المحقق عما دار فى الندوة التى أقامها الحزب للتعليق على خطاب رئيس الجمهورية فى عيد العمال , وحول مالية الحزب .

أما فيما يتعلق بموقف أحزاب المعارضة , فقد حدث تطور هام فى اصدار بيان يفيد عدم اعترافها بقرار لجنة الاحزاب , والاشارة الى أن ملاحقة اللجنةللحزب تستهدف الموقف الوطنى والقومى له .

وفى يوم 30 يونيو 1992 قضت محكمة القضا الادارى برئاسة المستشار طارق البشرى بوقف تنفيذ قرار لجنة شئون الاجزاب السياسية وقالت فى حيثياتها أن ما قامت به لجنة الاحزاب يخرج عن اختصاصها , لكونها نصبت نفسها حكما بين طرفين متنازعين داخل الحزب وتدخلت فى أمر يخرج عن سلطاتها , ويفصل فيه الحزب نفسه وفقا للائحة الداخلية .

وقد لجأ عبد الله رشدى للاستشكال فى الحكم أمام قاضى الأمور المستعجلة , رغم أن قضاء مجلس الدولة لا يعرف الاستشكال فى أحكامه .

وساندته لجنة شئون الاحزاب السياسية عندماأرسل مصطفى كمال حلمي رسالة الى مؤسسة الاهرام لمنع طبع صحيفة مصر الفتاة التى كان علي الدين صالح فى سبيله لاستئناف اصدارها .

واستند خطاب رئيس لجنة شئون الاحزاب السياسية الى المادة 312 من قانون المرافعات التى تنص على أن الاستشكال فى الحكم يوقف التنفيذ متجاهلا عن عمدالقانون الخاص بمجلس الدولة .

وفى 14 يناير 1993 , قررت محكمة القضاء الإداري رفض الاستشكالات التى توقف تنفيذ الحكم الصادر فى 30 يونيو 1922 وأمرت بتنفيذه وأدانت عرقلة السلطات تنفيذه وأكدت بطلان قرارلجنة الاحزاب بتنصيب عبد الله رشدى رئيسا للحزب من تاريخ صدوره فى 23 مايو 1992 , واعتبرت عبد الله رشدى غاصبا للسلطة بقرار باطل وأن رئاسة علي الدين صالح للحزب سارية دون انقطاع من تاريخ تأسيس الحزب فى إبريل 1990 .

ومع ذلك لم يستطع علي الدين صالح وقيادة الحزب العودة لممارسة نشاطها فقد ظهر شخص جديد غير معروف هو الوصيف عبد الوصيف وادعى أنه عقد مؤتمرا طارئا لحزب مصر الفتاة فى 28 نوفمبر 1992 وقرر انتخابه رئيسا للحزب وسحب الثقة من عبد الله رشدي, ولجأ للاستشكال فى حكم محكمة القضاء الإداري وقام بابلاغ لجنة الاحزاب التى عقدت اجتماعها فى 31 يناير 1993 , قررت عدم الاعتداد بأى من المتنازعين حول رئاسة حزب مصر الفتاة وبالتالى تجميد الحزب ووقف اصدار صحفه وبررت قرارها بان محكمة القضاء الإداري حرصت فى حكمها على ابراز أن قضاءها لا يعنى أن رئاسة الحزب معقودة لشخص بعينه وان المرجع فى حل النزاع حول هذه الرئاسة هو التراضى أو التقاضى وبناء على ما تقدم فان مقتضى الحكم هو عدم الاعتداد بأى من الطرفين المتنازعين علي الدين صالح وعبد الله رشدى حول رئاسة حزب مصر الفتاة الجديد حتى يفض الأمر ويحسم النزاع بالتراضى بينهما أو بحكم قضائى من المحكمة المختصة ويصدق ذلك أيضا بالنسبة الى الوصيف عبد الله الوصيف أو غيره ممن قد ينازع فى رئاسة الحزب وتأسيسا على ذلك كله قررت اللجنة تنفيذا للحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بوقف تنفيذ قرارها الصادر بجلستها 22 مايو 1992 لكن مع عدم الاعتداد بأى من المتنازعين حول رئاسة حزب مصر الفتاة الجديد حتى يتم الفصل فى النزاع بينهم رضاء أو قضاء ورغم وفاة علي الدين صالح فى فبراير 1996 استمر الصراع على رئاسة الحزب .

حزب العدالة الإجتماعية

كانت أزمة حزب العدالة الإجتماعية تكرارا للأزمات والانشقاقات التى واجهها حزب مصر الفتاة وان تميز العدالة الإجتماعية بممارسات من نوع خاص قادت رئيسه وعددا من قادته الى المحاكمة الجنائية . ويبدأ موضوع حزب العدالة الإجتماعية عندما تقدم د. محمد عبد العال فى 16 أغسطس 1992 الى رئيس لجنة شئون الاحزاب السياسية بطلب الموافقة على تأسيس حزب سياسى جديد باسم حزب العدالة الإجتماعية بصفته وكيلا للمؤسسين 178 عضوا وفى 10 ديسمبر 1992 قررت اللجنة الاعتراض على قيام الحزب على أساس أن برنامج الحزب وأساليبه تفتقد شرط التميز الظاهر الذى عنته المادة الرابعة من القانون رقم 40 لسنة 1977 ولجأ وكيل المؤسسين الى محكمة الاحزاب فى مجلس الدولة التى انتهت فى 6 يونيو 1993 الى أن البرنامج قد تضمن سياسات وأساليب تميزه عن غيره ومن تقرر الغاء قرار لجنة شئون الاحزاب السياسية وبالتالى تأسيس حزب العدالة الإجتماعية.

ومع بدء الحزب لنشاطه والاستعداد لاصدار صحيفة الوطن العربى نشرت الصحف على التوالى أخبار الحزب التى اثارت تساؤلات لدى الرأى العام فنشرت احدى الصحف خبرا يقول ان رئيس حزب العدالة الإجتماعية الجديد يقوم بتسويق جريدة حزبه التى لم تصدر بعد لبعض الدول العربية الخليجية , وأنه يبدو أنه نجح فى عقد صفقة لبيع خمسة آلاف نسخة من الجريدة لدولة الكويت الجدير بالذكر أن الدكتور محمد عبد العال رئيس الحزب أسس لجنة للدفاع عن أسرى الكويت لدى العراق .

وكان حزب العدالة الإجتماعية قد سعى لمغازلة الحكومة منذ نشأته اذ طلب سحب تراخيص الاحزاب الممولة من الخارج على الرغم من رفض الاحزاب السياسية المعارضة وصاية المجي الأعلى للصحافة للسيطرة على الصحف الحزبية واتخذ الحزب مواقف مؤيدة للحكومة ومتعارضة مع مواقف أحزاب المعرضة مثل تأييده لاحالة المدنيين للمحاكم العسكرية وتعديل قانون العقوبات والاجراءات الجنائية القانون 93 لسنة 1995 الذى اشتهر باسم قانون اغتيال حرية الصحافة .

على أن حزب العدالة تلقى ضربة قوية عندما وافق مجلس الشوي عام 1996 على رفع الحصانة البرلمانية عن د. محمد عبد العال رئيس حزب العدالة لارتكابه جرائم وعندما قرر مجلس نقابة الصحفيين احالته الى لجنة التأديب لخروجه على تقاليد وآداب المهنة ورتكابه بعض المخالفات والتجاوزات التى تتنافى مع ميثاق الشرف الصحفى .

وقد بدأت الخلافات داخل الحزب تطفو على السطح فى أكتوبر 1996 حيث ذكر أن حزب العدالة الإجتماعية عقد مؤتمره العام الأول لانتخاب رئيس الحزب وذلك على متن احدى البواخر السياحية فى النيل وتكمن المفاجأة فى غياب كل الأعضاء المؤسسين باستثناء عضوين فقط الى جانب رئيس الحزب اضافة الى ذلك ذكر أن جمهور الحاضرين للمؤتمر والذين لم يتعد عددهم ماة مشارك قد جاءوا من محافظاتهم بناء على دعوة الجريدة – الوطن العربى – لعقد اجتماع موسع لمراسلى الجريدة بالمحافظات وفى الاجتماع تم توزيع استمارات عضوية عليهم وبالتالى استطاع محمد عبد العال رئيس الحزب أن يعقد المؤتمر العام للحزب وقد انتهى المؤتمر الذى لم يناقش فيه شىء الى اعلان اعادة انتخاب محمد عبد العال رئيسا للحزب وأعضاء الهيئة العليا للحزب للمرة الثانية .

وحدثت أول محاولة انشقاقية للحزب عام 1998 عندما عقد عبد الرشيد أحمد السيد مؤتمرا لحزب العدالة الإجتماعية فى 15 إبريل 1998 وقرر المؤتمر عزل د. محمد عبد العال من رئاسة الحزب وفصله من الحزب وانتخاب عبد الرشيد أحمد السيد رئيسا للحزب واعادة تشكيل الأمانة العامة وذلك عقب صراع بين قيادات الحزب حول السياسات التى يمارسها وتوجهات الجريدة التى يصدرها والتى أثارت العديد من الانتقادات وقد طالب المؤتمر محمد عبد العال بتسليم مقار الحزب واصوله الادارية والعقارية للهيئة العليا الجديدة للحزب والتى تم اختيارها بالانتخاب الحر فى المؤتمر .

ويشرح عبد الرشيد أحمد عبد الرشيد الذى كان يشغل موقع أمين شباب الحزب أسباب هذا التغيير قائلا وصلنا الى وضع لا يشعر فيه أى عضو بالفخر ولا يستطيع أن يجهر بأنه عضو به وأصبحت العضوية كأنها سبة بعدما أصبحت حريدة الحزب الوطن العربى فى ظل قيادة عبد العال رائدة وقائدة ونموذجا للصحف الصفراء التى يرفضها جميع الاعلاميين فى العالم كما أصبح الحزب حزبا للابتزاز والانحراف والفساد وأعلن أعضاء المؤتمر فى بيان لهم اعتذارهم للرأى العام لما أصابه مم ضرر بالغ بسبب استخدام صحيفة الحزب لأسلوب الصحافة الصفراء كما أعلنوا اعتذارهم للعديد من شخصيات المجتمع وفئاته السياسية والفنية والعامة واتهموا د. محمد عبد العال بالدكتاتورية .

وقد ابلغ عبد الرشيد أحمد عبد الرشيد رئيس لجنة الاحزاب بقرارات مؤتمره وقررت لجنة شئون الاحزاب فى 26 إبريل 1998 عدم الاعتداد بأى من المتنازعين حول رئاسة حزب العدالة الإجتماعية , وهما د. محمد عبد العال وعبد الرشيد أحمد , حتى يتم حسم النزاع رضاء أو قضاء ووقف اصدار جريدة الوطن العربى الناطقة باسم الحزب لحين حسم النزاع واختيار رئيس للحزب .

وواكب هذه التطورات موافقة مجلس الشوي على رفع الحصانة عن د. محمد عبد العال فى أربع قضايا اتهم فيها بارتكاب حريمة القذف والسب القضية رقم 3 لسنة 1998 لنشره رسوما وعبارات اعتبرها أصحاب الشكوى السادة أحمد بهجت ومحمود عبد العزيز سبا وقذفا فى صحيفة الوطن العربي والقضية رقم 4 لسنة 1998 والمرفوعة من المستشار محمد موسى رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشعب . .. الخ .

وقبل صدور قرارلجنة شئون الاحزاب السياسية بتجميد الحزب صدرت نسختان مختلفتان من صحيفة الوطن العربى . الأولى عن د. محمد عبد العال التى اتهمت طاهر البريرى صاحب محلات مصر والسودان ود. أيمن نور عضو مجلس الشعب عن حزب الوفد ورجل الأعمال أحمد بهجت , بأنهم وراء محاولة الانقلاب أما النسخة الثانية للصحيفة فكانت لعبد الرشيد أحمد وتضمنت مقالا بعنوان هاتك الأعراض وقالت الصحيفة أن عبد العال فصل تأديبيا من كلية الطب واتهم فى قضايا اغتصاب وسرقة واحتيال وتزوير وابتزاز وتصدر الجريدة عنوان يقول سقوط الطاغية محمد عبد العال ومانشيت آخر بتأييد ومبايعة الرئيس حسنى مبارك فى محاولة منهما لاستمالة الرئيس للقادة الجدد للحزب , وردت صحيفة عبد العال بخبر يعلوه صورة الرئيس وتحت عنوان مبارك الشخصية الأولى فى أمريكا .

وفى مايو 1998 تلقى النائب العام مذكرة من مجلس نقابة الصحفيين تشير الى أن النقابة تلقت العديد من الشكاوى ضد محمد عبد العال رئيس حزب العدالة الإجتماعية لانتحاله صفة صحفى التى لا تتوافر فيه بعد شطب اسمه من جدول نقابة الصحفيين وبالتالى ينطبق عليه الحظر المنصوص عليه فى القانون رقم 76 لعام 1970 الخاص بنقابة الصحفيين وكان النائب العام المستشار رجاء العربى قد وافق على احالة محمد عبد العال وأربعة آخرين الى محكمة جنح قصر النيل لاتهامهم بالسب والقذف بطريق النشر فى حق أحد رجال الأعمال ورئيس البنك الأهلي وقام عبد الرشيد أحمد برفع عدد من القضايا ..

الأولى أمام محكمة القضاء الإداري والثانية أمام محكمة شئون الاحزاب السياسية ضد عدم الاعتداد به رئيسا للحزب والثالثة أمام محكمة عابدين وطالب جهاز الكسب غير المشروع بمساءلة د. محمد عبد العال عن مصدر ثروته من أموال وعقارات فهو ليس له مصدر رزق معروف لى منذ تخرجه من الجامعة وخروجه من حارة برعى بالسيدة زينب فمن أين له كل هذه الفيلات وما هى وظيفته الآن ومن أين ينفق ؟

وبالمقابل قام د. محمد عبد العال برفع مجموعة من القضايا .. وطبقا للاعلان الذى تم تسليمه على يد محضر الى كل من ابراهيم نافع رئيس مجلس ادارة مؤسسة الاهرام وابراهيم سعادة رئيس مجلس ادارة مؤسسة أخبار اليوم وصفوت الشريف وزير الاعلام فقد صدر حكم فى 26 أكتوبر 1998 ببطلان جميع القرارات الصادرة عن المؤتمر الذى عقده عبد الرشيد أحمد فى 15 إبريل 1998 وازامه بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماه الدعوى رقم 12280 – 98 مدنى كلى جنوب القاهرة وحكم آخر الدعوى رقم 2245 مدنى كلى الجيزة بتاريخ 28 فبراير 99 بصحة اجراءات المؤتمر العام الثالث للحزب بتاريخ 24 إبريل 1998 بحبس عبد الرشيد أحمد ثلاث سنوات بتهمة اختلاس مبلغ ثمانين ألف جنيه من أموال حزب العدالة الإجتماعية وحكم رابع الجنحةرقم 2445 – 98 يقضى بحبس عبد الرشيد أحمد ستة أشهر بتهمة انتحال صفة رئيس حزب العدالة الإجتماعية وقررت لجنة شئون الاحزاب السياسية الاعتراف بمحمد عبد العال رئيسا لحزب العدالة الإجتماعية على أن عبد العال ما كاد ينتهى من مشكلات عبد الرشيد حتى جرت محاولة أخرى للانقلاب عليه قام بها محمد حامد عوض الذى أبلغ شئون الاحزاب السياسية بعقد المؤتمر الرابع للحزب بحضور 265 عضوا الذى قرر فصل د. محمد عبد العال من رئاسة وعضوية الحزب , وانتخاب عوض رئيسا للحزب لم يقدر لها النجاح .

ورغم كل ذلك لم تنته مشاكل حزب العدالة الإجتماعية , اذ تقدم عبد الرشيد أحمد ببلاغ ضد عبد العال ذكر فيه لأن الأخير خطفه واحتجزه فى مقر صحيفة الحزب بمنطقة المهندسين وقام بمساعدة زوجته وبعض العاملين فى الصحيفة بالاعتداء عليه وتجريده من ملابسه , ثم أحضروا سيدة وصوروه معها .. وان المعتدين أجبروه على توقيع وثيقة زواج من تلك السيدة التى يجهلها , ثم اعتدوا عليه مجددا وصوروه بكاميرا فيديو معها فى أوضاع مخلة بالآداب .. وان عبد العال ومساعديه أجبروه على توقيع اقرار بأنه تواطأ مع وزير الداخلية السابق السيد حسن الألفى وبعض رجال الأعمال فى تنطيم مؤتمر عام للحزب عام 1998 تم خلاله عزل عبد العال , واعلان عبد الرشيد أحمد رئيسا للحزب .. واستمعت النيابى الى أقوال محمد عبد العال الذى نفى كل ما قاله منافسه اياه بأنه فيلم خيالى .

وأحال المحامى العام لنيابة أمن الدولة المستشار هشام بدوى , كلا من محمد عبد العال رئيس حزب العدالة الإجتماعية ورئيس تحرير صحيفة الوطن العربي وخمسة من معاونيه هم رأفت إبراهيم سلامة وأحمد مختار زكي ومحمود الغلبان ومحمد مرسي وسيد محمد عبد الجواد من بينهم صحفيان بتهمة الاستيلاء على أموال الدولة بغير وجه حق والرشوة , حيث قام د. عبد العال بنشر عدة مقالات منقولة من النشرات الخاصة بالصندوق الاجتماعى للتنمية , وبعد ذلك طالب مدير عام التعاون الدولى والاعلام بالصندوق الاجتماعى بمبلغ 90 ألف جنيه مقابل نشر هذه المقالات , وأن المتهم أحمد مختار زكي سهل لعبد العال الحصول على المال العام حيث أصدر شكيا بالمبلغ الذى قدمه الصندوق الاجتماعى لرئيس تحرير جريدة الوطن العربى بزعم أنه مقابل اعلانات , وأن محمد مرسى صاحب شركة مصر والسودان للاغذية قدم رشوة 30 ألف جنيه للدكتور محمد عبد العال مقابل وقف الحملة الصحفية التى تنوى الصحيفة نشرها ضده , وأن صاحب محلات التوحيد والنور رجب السويركي قدم رشوة قدرها 50 ألف جنيه لوقف حملة كانت الصحيفة تنشرها وتشكك فيها فى مصدر ثروة السويركي , وأنه يتاجر فى الممنوعات ويبيع سلعا مغشوشة وقدررت محكمة أمن الدولة العليا يوم 28 نوفمبر 2002 منع د. محمد عبد العال من السفر وادراج اسمه على قوائم الممنوعين من مغادرة البلاد , وأدرجت اسماء جميع المتهمين فى قضية الرشوة والابتزاز المنظورة أمام المحكمة فى قوائم الممنوعين من السفر .

حزب الخضر

بدأت فكرة اشاء حزب الخضر عام 1987 وقد جاءت فكرة تأسيس هذا الحزب كما يقول حسن رجب بعد كارثة تشيرنوبل فى الاتحاد السوفيتى وامتداد الاشعاع النووى الى أوربا فى ذلك الوقت كانت هناك شحنة من اللبن الملوث بالاشعاع مصدرة الى مصر لكن الحزب الخضر الألمانى تصدى للقطار المحمل بهذا اللبن , فأجبر الحكومة على اعدام هذه الشحنة .

من ناحية أخرى , نصح بعض أعضاء جماعة البيئة فى مصر بتكوين حزب سياسى لأنهم فشلوا كجماعة فى عملى أى شىء من هنا تحولت الفكرة الى حزب وقد كان كل الأعضاء الذين انضموا اليه لم يكن لهم نشاط حزبى سابق .. وغلب عليهم صفة أساتذة الجامعات والعلماء والطلبة وهؤلاء ليست لديهم قدرة مالية لذلك بدأ الحزب نشاطه بمبلغ بسيط عن طريق الاشتراكات وقدم الدكتور حسن رجب القرية الفرعونية كمقر لاجتماعاته .

وفى عام 1988 تقدم الحزب الى لجنة شئون الاحزاب السياسية بأسماء المؤسسين 118 مؤسسا منهم 59 من العمال والفلاحين و59 من الفئات يتقدمهم د. حسن رجب وحسن رجب وكمال كيرة الوكيل الشرفى ومحمد عبد الحميد نونو الوكيل التنفيذى للمؤسسين ود. بهاء الدين بكري . وكما جرى العمل , اعترضت لجنة شئون الاحزاب على قيام الحزب وفى 14 إبريل 1990 قررت محكمة الاحزاب الغاء قرار اللجنة , وقضت بتأسيس حزب الخضر .

وتولى د. حسن رجب رئاسة الحزب وخلفه حسن رجب الذى استقال بدوره , ليحل محله كمال كيرة الأمين العام للحزب فى 29 سبتمبر 1993 ويصبح محمد عبد الحميد نونو أمين التنظيم أمينا عاما للحزب وواجه الحزب من البداية أزمة مالية أدت الى تأجيل اصار صحيفته الخضر .

وفى يناير 1994 انتقل الحزب الى مقر جديد فى شارع وادى النيل بميت عقبة وأعلن أن عضوية الحزب فى تزايد مستمر وتجاوزت العشرة آلآف عضو , وأن الحزب أصبح قادرا على تغطية نفقات أنشطته من خلال رفع الاشتراك الى عشرة جنيهات سنويا , وهو الأمر الذى سيمكن الحزب من اصدار جريدته فى الشهر القادم .

كما سيشهد نشاطه حزبه انطلاقة كبيرة على ساحة العمل الحزبى فى ضوء قيادته الجديدة وقد جاء كل ذلك بالرغم أن كمال كيرة كان قد أعلن قبل وقت قصير أن حزبه يعانى من ضعف العضوية الا تزيد على حد تعبيره حينئذ عن 500 عضو.وكان المهندس عادل شلش أحد الأعضاء المؤسسين للحزب قد أعلن فى ذلك الوقت صراحة أن الحزب يتلقى مساعدات وأموالا ضخمة من أحزاب خارجية تحمل نفس الاسم , وأن الحزب الذى استأجر قصرا ضخما بالدقى وسيصدر جريدته , كان عاجزا عن دفع مرتب السعاه , وأنكر أن تكون حصيلة الاشتراكات كافية لسداد المصروفات الضخمة فى الوقت الذى طلب فيه الحزب تعيين عدد كبير من الموظفين والاداريين بمرتبات خيالية وكان هذابداية الأزمة الداخلية لحزب الخضر .

انفجر بين الأمين العام للحزب عبد الحميد نونو ورئيس الحزب كمال كيرة , وعلى صفحات الجرائد , حيث اتهم نونو رئيس الحزب بارتكاب عدة تجاوزات ادارية ومالية , اضافة الى اتخاذ عدة اجراءات مالية دون الرجوع الى أمين الحزب وبدون عرضها على المكتب التنفيذى أو على الهيئةالعليا , وهو أسلوب دكتاتورى اتسمت به سياسة كمال كيرة , حتى أصبح مسيطرا على كافة شئون الحزب , وكان أحد أهم الأمور اتفاقه وحده مع جريدة الأهرام لاصدار جريدة الحزب , وكذلك اختيار محمود سامى رئيسا لتحرير جريدة الحزب الخضر وانفاقه على تلك الجريدة أكثر من 200 ألف جنيه من ناحية أخرى , قام كمال كيرة بشراء سيارة دوجان لخدمة رئيس الحزب بمبلغ 150 ألف جنيه دون اطلاع نونو على طريقة الشراء باعتباره أى نونو – مسئولا اداريا وماليا بالحزب , كما قام بتعيين ابنه وكيلا للاعلانات بالجريدة وأعلن عبد الحميد نونو أنه أقام دعوتين قضائيتين ضد رئيس الحزب احداهما أمام محكمة الجيزة الابتدائية الدائرة الثامنةة تنظر يوم 22 أكتوبر 1994 يطلب فيها تعين خبير على الحزب , وعمل كشف حساب للحزب والثانية أمام محكمة الجيزة الابتدائية الدائرة الأولى تنظر يوم 2 أكتوبر القادم يطلب فيها فرض الحراسة على حزب الخضر .

أما بالنسبة الى كمال كيرة , فقد سعى الى التهدئة , بأن أكد على تفضيل بحث نقاط الخلاف داخل الحزب من خلال الهيئة العليا بدلا من اللجوء للقضاء ..وأشار الى أن الهيئة العليا للحزب بحثت الاتهامات المنسوبة فى هذا الشأن ولم يتأكد لها ذلك .

من ناحية ثامية , تردد تدخل الملياردير د. إبراهيم كامل فى الصراع الداخلى بالحزب حيث دعا كامل بعض أعضاء الهيئة ومن بينهم كمال كيرة الذى اعتذر فى اللحظة الأخيرة وعبد الحميد نونو لحفل عشاء بمنزله بالجيزة يوم 3 ديسمبر 1994 , وفى نهايى الحفل طلب نونو و7 من أعضاء امكتب التنفيذى ضم اباهيم كامل لعضوية الحزب , وعلق كمال كيرة على ذلك بأن حزب الخضر يرحب بجميع الأعضاء الجدد , ولكنه يرفض أن يسطو أى من هؤلاء الأعضاء الجدد على الحزب .

ولن يسمح بأ، يشترى الحزب أو يؤجر مفروشا .. واتهم نونو وبعض أعضاء الهيئة العليا بتدبير مؤامرة ضد الحزب . وتطورت الخلافات ةعقد الحزب مؤتمرا عاما قرر سحب الثقة من كمال كيرة وانتخاب د. بهاء بكرى رئيسا للحزب , وكل من إبراهيم الكيلاني ود. وفاء أحمد عبد الله نائبين وعبد الحميد نونو أمينا عاما . وأرسل بهاء بكرى خطابا الى د. مصطفى كمال حلمي رئيس مجلس الشوي ورئيس لجنة شئون الاحزاب يبلغه فيها أنه ما زال رئيسا للحزب , وفى هذا الشأن يقول د. بهاء الدين بكري – وهو أستاذ التخطيط البيئى وايكولوجيا العمران بكلية الهندسة جامعة القاهرة – خلال السنوات الخمس الماضية لم يشهد الحزب سوى مهاترات ومناقشات لم تخرج عن نطاق الأربعة جدران حتى كدنا نفقد مصداقيتنا وفقدنا تواجدنا فى الشارع السياسى المصرى .. وقررت الهيئة العليا للحزب برئاسة كمال كيرة الدعوة لعقد مؤتمر عام تحدد له يوم الجمعة 24 نوفمبر 1995 .. وتم افتتاح الترشيح للمناصب ابتداء من رئيس الحزب ونائبى الرئيس وحتى الأمين العام وأمين الشئون المالية .. وفوجئنا قبل انعقاد المؤتمر بيومين بورقة معلقة على باب المقر موقعة من كمال كيرة تقول انه بناء على قرار مباحث أمن الدولة واتصال الضابط الفلانى تم تأجيل انعقاد المؤتمر العام للظروف الأمنية التى تمر بها البلاد , وسيقوم الحزب بتحديد موعد آخر .

وعندما علمنا بأمر هذه الورقة ذهبت أنا ومحمد عبد الحميد نونو الأمين العام للحزب الى مباحث أمن الدولة وقابلنا المسئولين الذين قالوا لنا بالحرف الواحد , نحن جهاز قومى لا دخل لنا بالانتخابات فى الاحزاب السياسية ,وأى كلام غير هذا محض افتراء وكذب .. اذهبوا واعقدوا مؤتمركم وقت ما تشاءون .

وبالفعل أخطرنا قسم الدقى والجهات المسئولة بانعقاد المؤتمر فى موعده بشكله المرسوم برئاسة د. حسن رجب الرئيس الشرفى لحزب ومؤسسه وصاحب فكرته ..ولأول مرة لم تتخذ لجنة شئون الاحزاب السياسية أى قرار وظل كمال كيرة هو الرئيس الفعلى للحزب وفى مارس 1996 توفى د. كمال كيرة وقررت الهيئة العليا للحزب جناح كمال كيرة اختيار اللواء طبيب عبد المنعم الأعصر نائبه رئيسا للحزب والمهندس محمد رفعت نجيب نائبا للرئيس ودعا الأعصر الفصائل المتصارعة الى تنقية الأجواء ولم شمل الحزب لدفع الحزب الى الأمام فى الساحة السياسية وبعد 48 ساعة أعلن أن الجمعية العمومية الأولى لحزب الخضر صدقت على أعمال المؤتمر العام الذى عقد فى 24 نوفمبر 1995 والذى انتخب د.بهاء الدين بكري . وقد ازداد الموقف تعقيدا بدخول نونو حلبى الصراع بشكل مباشر اذ قام بجمع توقيعات 30 عضوا فى الهيئة العليا للحزب من 45 عضوا وأعلن عزمه على عقد المؤتمر العام وتنصيب نفسه رئيسا لحزب الخضر واتخذ د. يهاء بكرى قرارا بفصل عبد الحميد نونو من موقعه كأمين عام ومن عضوية الحزب وكان نونو قد خاطب لجنة شئون الاحزاب مطالبا بوقف نشاط الحزب.

وكان المتصارعون الثلاثة قد توصلوا قبل ذلك الى اتفاق ينص على تداول رئاسة الحزب بحيث يتولى كل واحد منهم الرئاسة لمدة عام ثم يتركها لآخر , وتم ارسال الوثيقة الموقعة من الرؤساء الثلاثة الى مجلس الشوي ولجنة شئون الاحزاب السياسية وبمقتضى الاتفاق تولى بكرى رئاسة الحزب اعتبارا من 26 إبريل 1998 واللواء عبد المنعم الأعصر نائبا وعبد الحميد نونو أمينا عاما على أن يتولى الأعصر الرئاسة فى السنة الثانية يليه نونو .

وجاء قرار د. بهاء بكرى بفصل نون لتحالف الأخير مع الأعصر ويطلبا تنحية بكرى وتولى الأعصر الرئاسة فى إبريل 1999 ولكن سرعان ما تقدم عبد الحميد نونو بمذكرة تتهم بكرى بخرق الاتفاق على تداول السلطة فى الحزب وتتهم الأعصر بفصل أعضاء أصليين من الهيئة العليا للضر واستبدالهم بأعضاء آخرين من خارج الحزب وأنه تمادى فى انفاق أموال الحزب فى غير أغراض الحزب ودون شرعية قانونية وأن كلا من بكرى والأعصر تجاهلا دعوة الهيئة العليا الأصلية لاعتماد مصروفاتهما .

وقد طالب عدد من أعضاء الحزب لجنة شئون الأحزاب السياسية بتقديم ميعاد دعوة المؤتمر العام للحزب والمقرر له إبريل 2000 ودون انتظار لصدور أى قرار من اللجنة , عقد الأعضاء الذين أرسلوا المذكرة , اجتماعا وقرروا فصل اللواء عبد المنعم الأعصر رئيس الحزب فى السنة الثانية ونائبه بكرى من عضوية الحزب بسبب تجميدها لنشط الحزب لمدة سنتين اضافة الى اهدار أموال الحزب كما تم انتخاب د. مهندس سمير طاهر لحزب الخضر المصري .

وفى 20 إبريل عقد المؤتمر العام للحزب وانتخب عبد المنعم الأعصر رئيسا للحزب ورغم أن لجنة الاحزاب لم تتدخل فى هذه الخلافات فقد تم تجميد الحزب عمليا .

حزب مصر

يعد حزب مصر من أقدم الاحزاب المصرية ,ولكنه يعتبر حزبا صغيرا نتيجة تجريده من أعضائه وممتلكاته عام 1978 , ثم تجميد نشاطه حتى مطلع الثمانينات , ومنذئذ لم يمثل هذا الحزب فى مجلس الشعب .

وتبدأ مشكلة حزب مصر فى 22 يوليو 1978 عندما أعلن الرئيس السادات أنه قرر انشاء حزب برئاسة الحزب الوطني الديمقراطي .

وسارعت أغلبية أعضاء مجلس الشعب من أعضاء حزب مصر للانضمام الى حزب الرئيس 250 من 308 نائبا من بينهم معظم الوزراء وأعضاء المكتب السياسى أمام هذا الموقف دعا الفريق سعد الدين الشريف السكرتير العام المساعد لحزب الى اجتماع الهيئة التأسيسية للحزب فى 3 أغسطس وبالفعل حضر الاجتماع 20 عضوا من أعضاء مجلس الشعب والوزراء وثلاثة من أعضاء المكتب السياسى , وبلغ عدد المجتمعين 27 عضوا كان منهم المهندس عبد العظيم أبو العطا وزير الرى والمهندس أحمد سلطان نائب رئيس الوزراء ووزير الكهرباء وعقد الاجتماع برئاسة ممدوح سالم رئيس الوزراء ورئيس الحزب فى مقر الحزب بالزمالك .

وأكدوا فى الاجتماع تمسك حزب مصر بوجوده فى الحياةالسياسية الى جانب الحزب الوطني الديمقراطي , وعقب القاء ممدوح سالم لكلمته , عقدت الهيئة التأسيسية اجتماعا برئاسة المهندس عبد العظيم أبو العطا وتم انتخاب هيئة مكتب الحزب من د. مهندس عبد العظيم أبو العطا سكرتيرا عاما , مهندس عيسى شاهين وزير الصناعة أمينا عاما , الفريق سعد الدين الشريف أمينا للصندوق , جمال ربيع سكرتيرا عاما مساعدا , ممدوح فوده أمينا للشباب .

وفوجئت القيادة الجديدة للحزب بالصحف تنشر خبرا يوم 22 سبتمبر 1978 أن المكتب السياسى لحزب مصر قد أصدر قرارا بدمج الحزب فى الحزب الوطني الديمقراطي فور انشائه وأصدر الحزب – ردا على ذلك – بيانا وقعه د. مهندس عبد العظيم أبو العطا وهيئة المكتب وجاء فيه نشرت الصحف بتاريخ 22 سبتمبر 1978 الجمعة أن المكتب السياسى لحزب مصر قد قرر الاندماج فى الحزب الوطني الديمقراطي .

وقد نما الى علمى أن الذين أعدوا هذا البيان مجموعة من الزملاء القدامى الذين تركوا حزب مصر وانضموا للحزب الجديد والذين انطبق عليهم قرار الهيئة التأسيسية التى عقدت برئاسة رئيس الحزب فى 31 أغسطس الماضى وقررت قبول استقالة كل من انضم الى أحزاب أخرى وشكلت السكرتارية العامة الجديدة .

وفى هذا الشأن أوضح الآتى : أن ما حدث هو مؤامرة بكل أبعادها ضد النظام الديمقراطى والحياة السياسية فى مصر .. من اخوة كانوا للأسف الشديد قيادات فى حزب مصر ,ثم انضموا الى الحزب الجديد , ولما وجدوا السفينة لا زالت مفرودة الشراع , عادوا جميعا ليخرقوها , ويقضوا على حركتنا السياسية مع الجماهير .

ان الهدف من وراء هذا التصرف , هو هدف ذاتى لا صلة له بمصلحة الجماهير فى هذه المرحلة الدقيقة من حياتنا السياسية فالاستيلاء على أموال الحزب وصحافته ومقاره ومنقولاته هو غاية يسعون اليها .. اليوم امكانيات فى يد حزب تخفف من أثقاله .. وتمكنه من أن ينطلق نحو دعم الديمقراطية فى مصر .

ان الذين بقوا فى حزب مصر وتمسكوا بمواقعهم يقفون شاهدا حيا وتاريخيا على أن بعض الذين احترفوا السياسة فى كل العهود , ومع كل الأنظمة قد ارتكبوا عملا من شأنه افساد الحياة السياسية والقضاء على المظهر الديمقراطى للحكم فى مصر .

ثم اختتم البيان بقوله , ان هناك تحديا للذين أصدروا هذا الخبر أن ينشروا أسماءهم ليعلم الناس أنهم أعضاء فى الحزب الوطني , وأن فعلتهم هذه معناها أن بعض أعضاء الحزب الوطني قد اجتمعوا لحل حزب مصر , وهى وصمة لن يغفرها التاريخ لهم , وان لم ينشروا أسماءهم فسننشرها , بل وسنكشف أبعاد وأطراف المؤامرة وأسبابها ودواعيها , والمشتركين فيها , ولدينا كل الأدلة عليها وسنضعها أمام الجماهير فى الوقت المناسب .

وامتنعت كل الصحف عن نشر هذا البيان ولم ينشر الا فى النشرة الداخلية لحزب التجمع ليحفظ هذا البيان الذى يؤرخ للحظة هامة فى تاريخ الحياة الحزبة والسياسية المصرية .

واستولى الحزب الوطني الديمقراطي على كل مقار وأموال وصحف حزب مصر واعتقل الرئيس السادات السكرتير العام د. مهندس عبد العظيم أبو العطا فى حملة سبتمبر 1981 , حيث سقط شهيدا فى سجن ملحق مزرعة طرة عقب اصابته بأزمة قلبية لم يتسنى انقاذه منها لعدم وجود الحقنة الضرورية فى مثل هذه الحالة , وضرورة صدور قرار من خارج السجن بشرائها من الخارج .

وتوفى أيضا عيسى شاهين أمين التنظيم وخاض جمال ربيع السكرتير العام معركة قضائية مشهودة لاستعادة شرعية حزب مصر .

وفى أكتوبر 1983 قرر حزب مصر العربي الإشتراكي استئناف نشاطه السياسى من جديد واخطار لجنة شئون الاحزاب السياسية بهذا القرار وقال جمال ربيع أنه أخطر د. صبحى عبد الحكيم رئيس اللجنة بهذا القرار وسلمه اخطارا شخصيا كما بعث باخطار مسجل بعلم وصول .. أن قرار دمج حزب مصر العربي الإشتراكي فى الحزب الوطني أصدره د. فؤاد محيي الدين سكرتير عام حزب مصر سابقا وأمين عام الحزب الوطني حاليا , وهو قرار باطل وليس له سند قانونى لأن الهيئة التأسيسية لحزب مصر فصلت قبل ذلك 21 عضوا من أعضاء المكتب السياسى من ضمنهم د. فؤاد محيي الدين .

وأصدرت الدائرة التاسعة بمحكمة جنوب القاهرة فى 30 إبريل 1985 برئاسة المستشار محمد عبد الغفار حكمها بانعدام دمج حزب مصر العربي الاشتركى فى الحزب الوطني الديمقراطي الصادر فى 21 سبتمبر 1978 وقد جاء هذا الحكم الأخير بعد أن أصدرت محكمة القضاء الإداري من 3 إبريل 1984 حكما بعدم اختصاصها , وأحالت القضية الى محكمة القاهرة الابتدائية , حيث قيدت الدعوة تحت رقم 4896 لسنة 1984 .

واستأنف الحزب الوطني الحكم , وأصدرت محكمة استئناف القاهرة برئاسة المستشار حسن منيس حكمها عام 1991 برفض محكمة استئناف الحزب الوطني , وتأكيد الحكم السابق , شرعية وجود حزب مصر ليستأنف نشاطه بع 13 عاما من التجميد .

وجرت أول محاولة لتجميد حزب مصر عندما نشر بيان صادر عن علي حسين عاصي سكرتير حزب مصر فى الأسكندرية ,زعم فيه أن الهيئة العليا للحزب وقياداته وممثلين عن المحافظات عقدوا اجتماعا خلال الأسابيع الماضية لبحث حالة الحزب وذلك بعد انتهاء صلاحيات رئيس الحزب السابق فى 20 نوفمبر 1994 وقررت انتخاب علي حسين عاصي رئيسا للحزب , والحفاظ على مصالحه وأمواله مع كافة الأجهزة المختصة , وهو الممثل القانونى الوحيد للحزب أمام القضاء وأجهزة الرقابة وتكليفه باعداد بلاغ للنائب العام ضد رئيس الحزب السابق جمال ربيع الذى انتهت صلاحياته بشأن المالية الجسيمة التى ارتكبها وأدت الى الحاق أضرار بالغة أثرت عل وجوده فى الساحة السياسية وكانت المحاولة من السذاجة والضعف بحيث انتهت الى الفشل .

وأقام جمال ربيع دعوى أمام القضاء لتنفيذ الحكم الصادر صالحه , باستعادة مقرات حزب مصر التى استولى عليها الحزب الوطني الديمقراطي , وطالب محكمة القضاء الإداري أن تلزم الحزب الوطني ومجلس الشوي بتسليم مقار الحزب الوطني بالقاهرة والمحافظاتت التى انتزعها من حزب مصر , بمافيها مقاره فى مبنى الاتحاد الاشتراكى .

وتكررت اللعبة بعد أن اتفق جمال ربيع مع أيمن نور عضو مجلس الشعب عن الوفد سابقا على الانضمام لحزب مصر وتولى موقع نائب الرئيس والعمل على تكوين هية برلمانية للحزب , وتوفير التمويل اللازم لاعادة اصدار صحيفة الحزب .

فقام نائب رئيس الحزب وسكرتيره العام وحيد فخري الأقصري بالاطاحة بجمال ربيع وتكررت الاتهامات التقليدية من أن سياسات جمال ربيع وممارساته أدت الى انهيار دعائم ومقومات حزب مصر العربي الإشتراكي منذ عودته للشرعية .. وتوقف جريدة مصر الناطقة بلسان الحزب عن الصدور بقرار من المجلس الأعلى للصحافة , لعدم صدورها منتظمة ,كما تم الغاء تراخيص جميع الصحف الاقليمية للحزب , واستفحلت المخالفات المالية للحزب والجريدة .

وعقد الأقصرى ما أسماه مؤتمرا عاما للحزب يوم 25 أكتوبر 2001 حيث انتخب رئيسا للحزب واحتفت صحيفة مايو – صحيفة الحزب الوطني – بالانقلاب تحت عناوين القصرى يطيح بربيع .. والمؤتمر العام اختاره للحزب – ابلاغ النيابة بمخالفات رئيس الحزب السابق وتجاوزاته .

وفى نفس اليوم أصدرت لجنة شئون الاحزاب السياسية 29 أكتوبر 2001 قرارها بعدم الاعتداء بأى من المتنازعين حول رئاسة حزب مصر العربي الإشتراكي السيدين جمال ربيع ووحيد فخري الأقصري الى أن يتم حسم النزاع بينهما رضاء أو قضاء مع ما يترتب على ذلك من آثار .. اى تجميد حزب مصر .

ولم تفلح محاولة أيمن نور للالتفاف على هذا القرار فعقب حفل افطار أقامه لقيادات حزب مصر اختير جمال ربيع زعيما للحزب وأيمن نور رئيسا تنفيذيا للحزب وتم توزيع اللائحة ونسخ جريدة الحزب التى قام أيمن نور بطباعتها .

وفى مطلع عام 2002 توفى جمال ربيع. وانحصر الخلاف بين وحيد الأقصري وأيمن نور.فأرسل وحيد الأقصرى خطابا الى د.مصطفى كمال حلمي رئيس لجنة شئون الاحزاب السياسية أكد فيها تحقق شرط حسم النزاع على رئاسة حزب مصر الصادر من لجنة الاحزاب فى أكتوبر 2001 وذلك بوفاة جمال ربيع واصدر بيانا هاجم فيه اعلان أيمن نور نفسه رئيسا لحزب مصر وقال أن جمال ربيع أرسل خطابا مسجلا بعلم وصول الى رئيس لجنة شئون الاحزاب برقن 1583 بريد القصر العينى بتاريخ 12 ديسمبر 2001 يخطره فيه بما يفيد تعرضه لخديعة دعوته من أيمن نور على مائدة افطار رمضانية بدار الأوبرا , ثم فوجىء بأن أيمن نور يشيع فى الأوساط السياسية أنه اصبح رئيسا للحزب بموجب قرارات المؤتمر المزعوم .

حزب الشعب الديمقراطي

تقدم حزب الشعب الديمقراطي بأوراق تأسيسه الى لجنة شئون الاحزاب فى مارس 1990 وكما هو معتاد رفضت اللجنة قيام الحزب ومن تم التقدم بطعن أمام المحكمة الادارية العليا محكمة الاحزاب التى اصدرت حكمها بالموافقة على تأسيس الحزب فى 23 مارس 1992 .

واعترف المهندس أنور عفيفي وكيل المؤسسين ورئيس الحزب , والذى يعمل فى مجال المقاولات أن تجربة حزب الشعب الديمقراطي هى أول تحربة له فى العمل السياسى فلم يسبق لع العمل فى السياسة من قبل وردا على ما تردد من اتهامات سبقت تشكيل الحزب , والتى تؤكد أن الحزب من صناعة نائب مجلس الشعب أبو الفضل الجيزاوي لتصفية حساباته مع الحزبيين الذين يختصهم دائما قال المهندس عفيفى أن أبوالفضل هو الذى صاغ الاطار الفكرى للحزب .. كما أننا استفدنا من خبرته فى صياغة برنامج الحزب .. ومن يقول أن الحزب صيغة الجيزاوى فهو مخطىء ورفض رئيس حزب الشعب الديمقراطي فكرة تحالف المعارضة وقال مستنكرا تحالف لمصلحة من ؟ ومع من ولماذا ولأى هدف ؟ .. ولم تمض أيام على قيام الحزب من 22 مارس 1992 , حتى بدأ الصراع الداخلى بين أبو الفضل الجيزاوي وأنور عفيفي اذ اعتبر الجيزاوى نفسه رئيس الحزب , وبدأ فى ممارسة مهامه بالفعل باعتبار أنه صاحب فكرة انشائه وهو الذى قام بصياغة برنامجه والدفاع عنه أمام المحاكم , وقال لقد كان عفيفى واجهة للحزب , أتيت به وجعلته فى الصورة حتى أحصل على الحكم القضائى بقيام الحزب , لأننى شعرت أن وجودى كوكيل للمؤسسين سيضعف فرص قيام الحزب ,, ان أنور عفيفي أصبح الآن لا صفة له .. هو فى ذمة التاريخ .

لقد كان وكيلا للمؤسسين , فمن حقه احكم القضائى , وبعدها تنقطع صلته تماما بالحزب , ولو كان أحد المؤسسين , فمن حقه أن يرشح نفسه , ولكنه لن يتمكن من ترشيح نفسه , لأنه ببساطة ليس مؤسسا للحزب .. ولن أسمح له أن يعيد تجربة الصباحى أوعلي الدين صالح فالأول جعل الحزب عائليا له ولابنه ولزوجة ابنه , والثانى راس الحزب بالتزوير .

وأنا أقول لأنور عفيفي الحزب ليس دكانا أو مقهى حت أجعلك تجلس على مقاعدها .. سأدعو جميع المؤسسين وعددهم 90 فردا الى اجتماع فى مكتبى يوم 9 إبريل القام , لانتخاب مجلس مؤقت لادارة أمور الحزب يتكون من 30 شخصا وأنا أبشر أنور عفيفي بأنه لن يكون من بين هؤلاء ال30 لأن المجلس لن يدخله سوى المؤسسين وسيتولى المجلس ادارة أمور الحزب لمدة ثلاثة أشهر ويفتح باب العضوية للراغبين ثم يدعو لجمعية عموميةلانتخاب الرئيس .. هذا المجلس سيجعلنى المتحدث الرسمى باسم الحزب وممثل فى داخل المجلس الى تناول كوب من شاى بمكتبى , وسأعرض عليهم البرنامج والانضمام للحزب ,حتى أستطيع تكوين هيئة برلمانية محترمة للحزب داخل المجلس , وأتوقع أن ينضم للحزب 10 أعضاء على الأقل وأضاف الجيزاوى المؤسسين كلهم أنا اللى جايبهم وأنور لم يحضر سوى 2 فقط , سأجمعهم وهم الذين سينتخبون مجلس الادارة وسأرشح نفسى لرئاسة الحزب بعد انتهاء مدة الثلاثة أشهر , لأننى الأحق ولدى خبرة واسعة وامكانيات كبيرة .

ووصف أنور عفيفي محاولة أبوالفضل الجيزاوى بأنها سرقة علنية للحزب .. ومهمة الجيزاوى قد انتهت بعد أن تم توكيله للترافع أمام محكمة الاحزاب وليس له صفة قانونية للتحدث باسم الحزب , واضاف الى ذلك ,قام عفيفى بالغاء توكيل الجيزاوى الخاص بالترافع عن قضايا الحزب أمام القضاء , وقدم مذكرة رسمية بصفته الى لجنة شئون الاحزاب السياسية للتعامل معه فقط باعتباره وكيل المؤسسين وعقدت جمعية المؤسسين الذين دعاهم أبو الفضل وانتخبت محمود الصاوي رئيسا للحزب , وتم ابلاغ لجنة الاحزاب بذلك وقررت لجنة الاحزاب عدم الاعتداد برئاسة أى من السيدين محمود الصاوي أو أنور عفيفي كرئيس لحزب الشعب الديمقراطي ولجأ الطرفان الى محكمة القضاء الإداري وظهر طرف ثالث ادعى عقده لجمعية عمومية طارئة فى 15 أغسطس 1995 قررت عزل المتنازعين واختياره رئيسا للحزب وهو محمد سعد محمد حسب الله وتوصل أبو الفضل الجيزاوي ومحمود الصاوي وأنور عفيفي لاتفاق يتولى أنور عفيفي بموجبه رئاسة الحزب ومحمود الصاوي نائبا للرئيس , واستانف الحزب نشاطه واصدر جريدته التى تولى رئاسة تحريرها أحمد جبيلى الصحف بجريدة الأحرار , وفوجىء الجميع بجبيلى يعلن عقده مؤتمرا عاما للحزب واختياره رئيسا له ورفضت لجنة شئون الاحزاب السياسية مؤتمرا عاما للحزب واختياره رئيسا له ورفضت لجنة شئون الاحزاب السياسية الاعتداد بأى من المتنازعين حول رئاسة حزب الشعب الديمقراطي .. حتى يتم حسم هذا النزاع رضاء أو قضاء وأخطرت أحمد الجبيلى أنه لا يجوز اصدار صحف باسم الحزب يتم حسم هذا النزاع وهكذا تم تجميد الحزب منذ عام 1999 وحتى الآن .

حزب التكافل الإجتماعي

بدأ حزب التكافل الإجتماعي بحكم اصدرته محكمة الاحزاب فى 5 فبراير 1995 وتولى رئاسة الحزب د. أسامة شلتوت الاستاذ المتفرغ بجامعة القاهرة ,وقائد لواء الصواريخ بحرب أكتوبر 1973 .

وتعرض الحزب لمحاولة انشقاق من عبده المغربى الذى يقول عنه محمد عصام عبد الرازق أمين عام حزب التكافل يبلغ عمره 27 عاما لم يحصل حتى الآن على بكالوريوس التجارة من جامعة الأزهر , وظل فى الفرقة الرابعة وحدها 5 سنوات ومع ذلك ظل الحزب يرعاه ماديا ومعنويا وجعله يشغل منصب مقرر الاعلام بالحزب .

وكان المغربى قد لجأ الى رفع دعوى أمام مجلس الدولة ضد كل من رئيس لجنة شئون الاحزاب السياسية ورئيس الجهاز المركزى للمحاسبات , وقال فى دعواه ان د. أسامة شلتوت قام بتعيين أقاربه فى المناصب القيادية بالحزب زوجته نائبا لرئيس الحزب وأمينة المرأة , وشقيقها أمينا عاما للحزب , وصهره أمينا مساعدا للحزب , وابنه أمين صندوق لحزب , وابنه الآخر أمينا لشباب الحزب , حتى سائقه الخاص قام بتعيينه أمينا لعمال الحزب , ليظل هو وأسرته مسيطرين على الحزب دون مناقشة لميزانيته والشئون التنظيمية والسياسية وقال عبده المغربى أنه عقد مؤتمرا للحزب بعد أن ظل الحزب تحت رئاسة شلتوت مدة 8 سنوات دون أن يدعو لعقد المؤتمر ورد أمين عام الحزب أن المدعى عقد اجتماعا غير شرعى مع عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة لا تربطهم أى صلة بالحزب مدعيا أنه انتخب من قبلهم رئيسا للحزب وعلاوة على ذلك فان من اجتمع بهم هم ممن ليس لهم صفة بالحزب , تنكروا له بعد هذا الاجتماع واتهم الأمين العام لحزب التكافل الإجتماعي الصحفى صلاح بديوي بأنه المحرك الرئيسى لهه الأحداث حيث أراد أن يحتفظ برئاسة تحرير جريدة التكافل ليتمتع بعضوية المجلس الأعلى للصحافة , لاحراج القضاء المصرى والرأى العام حال الحكم عليه فى قضية د. يوسف والى مع صحيفة الشعب لسان حال حزب العمل على اعتباره عضوا بالمجلس الأعلى للصحافة وتم حبسه وهنا تجدر الاشارة الى أن صلاح بديوي كان مراقبا على المؤتمر المزعوم تشاركه فى ذلك زوجته هدى امام والتى تساند صلاح بديوي فى حملته ضد جريدة التكافل.. ونشير الى أن صلاح بديوي كان يشغل منصب رئيس تحرير التكافل بجانب عمله محررا بجريدة الشعب وبعد صدور الحكم عليه فى قضية الشعب – والى قدم استقالته الى الدكتور أسامة شلتوت , وقد رأى الحزب ارجاء الاستقالة سببا فى زيادة محنته .

حزب الوفاق القومي

يعد حزب الوفاق القومي , أحد الاحزاب القليلة التى خرجت الى الوجود بقرار من لجنة شئون الاحزاب اسياسية 2 مارس 2000 دون حاجة للجوء الى محكمة الاحزاب .

ويعترف الوفاق القومى فى برنامجه بانتمائه الناصرى اذ يتخذ من المشروع الحضارى لثورة 23 يوليو مرتكزا فكريا وطريقا الى غد افضل لمصر والأمة العربية ومن بين 94 مؤسسا هناك عدد من القيادات السياسيةالناصرية المعروفة مثل أحمد شهيب أحد الضباط الأحرار ورئيس الحزب ومحمد عقل عضو مجلس الشعب السابق وأمين عام الحزب وعادل بطران أمين التنظيم وعطيه سليمان المحامى , وحسن بديع المتحدث الاعلامى باسم الحزب ورئيس تحرير جريدة الحزب .

وقد بدأ الانشقاق فى الحزب بعد عام وثلاثة أشهر من نشأته فقد أرسل ثمانية من الأعضاء المؤسسين لحزب الوفاق القومي مذكرة الى رئيس الاحزاب السياسية د. مصطفى كمال حلمي يتهمون فيها أحمد شهيب رئيس الحزب بمخالفته لبرنامج الحزب وبتحالفه مع قوى سياسية محظورة الإخوان المسلمون .

وأرسل د. رفعت العجرودي أمين الشئون العربية بالحزب الى لجنة شئون الاحزاب السياسية مذكرة يتهم فيها قيادة الحزب بارتكاب عدة مخالفات منها انفراد رئيس الحزب والأمين العام بالعمل دون الرجوع الى الأمانة العامة مما يعد أمرا مخالفا للنظام الأساسى للحزب حيث تقول المادة 4 يقوم العمل والادارة الحزبية على أسلوب ديمقراطى فى كل مستوياته وهذا لم يحدث خلال العام المنصرم من عمر الحزب .. والأمثلة على ذلك كثيرة منها اصدار جريدة الحزب دون اعتماد ميزانيتها فى الأمانة العامة , وتعطيل استكمال هيكل الحزب , وانكماش الحزب على مؤسسيه واصدار رئيس الحزب قرارا اداريا بتعيين نائب لرئيس الحزب وهو مركز غير موجود بالنظام الأساسى ,فضلا عن أن هذا النائب ليس مؤسسا أو عضوا بالحزب , وعدم اجتماع الأمانة العامة سوى مرتين خلال عام بالمخالفة للائحة التى تقرر اجتماع الأمانة العامة مرة كل شهر على الأقل اضافة الى ذلك هناك مخالفات على المستوى المالى اذ لم تبلغ قيادة الحزب الأمانة العامة بالموارد المالية للحزب كما أن هناك مخالفات على المستوى الاعلامى تتمثل فى اصدار جريدة بدون قرار من الأمانة العامة وبدون وضع سياسة اعلامية لها والمراقب لهذه الجريدة يجد أنها غير معبرة عن أهداف الحزب وسيطر على الجريدة تيار آخر .

وتكرارا لسيناريو الانشقاق نظم رفعت العجرودي مؤتمرا اختاره رئيسا للحزب وأعلن أن 22 من أعضاء الأمانةالعامة البلغ عددهم 34 يؤيدونه ووقعوا معه المذكرة التى تقدم بها للجنة شئون الاحزاب السياسية وكما يقول العجرودى أنه عقد مؤتمر عام للحزب فى 10 أغسطس 2001 تقرر خلاله سحب الثقة من أحمد شهيب كرئيس للحزب ومحمد عقل كأمين عام وانتخابه رئيسا كما قرر المؤتمر وقف اصدار جريدة القرار وفى 19 أغسطس أصدرت لجنة شئون الاحزاب قرارها المعروف عدم الاعتداد بأى من المتنازعين حول رئاسة حزب الوفاق القومي بين السيدين أحمد شهيب ورفعت العجرودي مع ما يترتب على ذلك منآثار وذلك حتى يتم حسم النزاع بالتراضى أو التقاضى .

وقبل أن يصدر قرار لجنة شئون الاحزاب تم مصادرة العدد 27 من جريدة الحزب القرار ويقول بيان صادر عن الأمانة العامة للحزب أن المصادرة كانت بسبب ما تضمنه من موضوعات صحفية تناولت هموم الناس ومستقبل الحياة السياسية فى مصر وموقع نائب رئيس الجمهورية الشاغر منذ 21 عاما وموقف الوزراء المكروهين شعبيا والجاثمين فوق صدر الشعب المصرى منذ سنوات طويلة دون أمل فى تغييرهم أو ازاحتهم عن مواقعهم الوزارية .

ويؤكد حزب الوفاق القومي أن قرار الدولة ممثلة فى أجهزة الأمن بمصادرة جريدة القرار داخل مطابع مؤسسة صحيفة قومية هى دار التعاون عمل يكشف عبث ما يسمى بالممارسة الديمقراطية , ويظهر العجز الفاضح للحكم وحزبه المتسلط على مصالح الشعب الوطنية فى مواجهة أى انتقادات أو آراء موضوعية أو أفكار تناقش مستقبل العمل السياسى ومستقبل الحكم فى مصر .

وقبل ذلك كان محمود زاهر من الإخوان المسلمين قد كتب مقالا يقول هو عنه فى المؤتمر الصحفى الذى عقده المؤتمر يوم 27 أغسطس 2001 كنت أتساءل فى المقال عن عدم وجود نائب لرئيس الجمهورية وقد عددت ايجابيات ذلك الاجراء المطلوب بصرف النظر عن سر تداول السلطة فى مصر أما المحور الثانى فى المقال فقد تناول منهاج المرأة فى مصر تحت مسمى المجلس القومى للمرأة وهو محور أيضا لا يعجب النظام حساسة أثارت النظام وهى ما ذكرت حول الشرط الرابع لنائب الرئيس وهو الصفة العسكرية من حقى أن أساءل هلى الرئيس قادر على تعيين نائب رئيس أم غير قادر ؟ وهل هوقادرعلى فصل الوزراء المرفوضين أو غير قادر ؟ .

أما رفعت الهجرودى فقد ذكر أن تفجر النزاع جاء فى ضوء رفضه التحالف الإسلامى الجديد الذى كان متوقعا خلال الأيام المقبلة ان الرئيس السابق أحمد شهيب وآخرين عقدوا صفقة مع جماعة الإخوان المسلمين خلال مأدبة عشاء حضرها المرشد العام للجماعة مصطفى مشهور ونائبه المستشار مأمون الهضيبي بوساطة أطراف انضمت الى الحزب أخيرا , وحصلت على مواقع قيادية فيه .

هذه القيادات عقدت العزم على التحالف مع حزب العمل , والإخوان المسلمين أما صحيفة القرار فقد بدأت فى الأشهر الأخيرة تنشر البيانات التنظيمية الصادرة عن قيادات حزب العمل وغاب عنها المفهوم الناصرى تماما .

الطريف أن أحمد شهيب عرف بقرار لجنة شئون الاحزاب من الصحف فسارع بعقد اجتماع لعدد من أعضاء الحزب وأصدروا بيانا يرفض القرار ويعلن التمسك بشهيب ويقرر فصل 6 من الأعضاء المنشقين على رأسهم العجرودى كما قرروا اقامة دعوى قضائية .

أزمة الحياة الحزبية

يتضح من هذا الاستعراض لخلافات سبعة من الاحزاب , والتى أدت بصورة أو أخرى لتجميد نشاطها , وجود أكثر من خلل فى الحياة الحزبية والسياسية فى مصر .

ففى ظل القيود المفروضة على قيام الاحزاب السياسية طبقا لقانون الاحزاب رقم 40 لسنة 1977 وتعديلاته القرار بقانون رقم 36 لسنة 1979 ووجود شروط مغالى فيها لتكوين الاحزاب , شلت التجربة الحزبية الوليدة .

فبداية هناك اشتراط عدم تعارض مقومات الحزب أو مبادئه أو أهدافه أو برامجه أو سياساته أو أساليبه فى ممارسة نشاطه مع مبادىء الشريعة الإسلام ية باعتبارها مصدرا رئيسيا للتشريع , ومبادىء ثورتى يوليو 1952 و15 مايو 1971 , والحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى والنظام الاشتراكى والمكاسب الإشتراكية , وتميز برنامج الحزب وسياساته أو أساليبه فى تحقيق هذا البرنامج تميزا ظاهرا , وعدم قيام الحزب فى مباءئه أو برنامجه أو ف مباشرة نشاطه أو اختيار قياداته أة أعضائه على أساس طبقى أو طائفى أو فئوى أو جغرافى , عدم انتماء أى من مؤسسى أو قيادات الحزب أو ارتباطه أو تعاونه مع أحزاب أو تنظيمات أو جماعات معادية أو مناهضة للمبادىء المنصوص عليها فى البند أو لا من هذه المادة , وحرمان كل من تسبب فى افساد الحياةالسياسية قبل ثورة 23 يوليو 1952 فى المشاركة فى العمل الحزبى واذاأضيف لكل هذه القيود انفراد لجنة شئون الاحزاب السياسية الحكوميةوالتى تتكون من رئيس مجلس الشوي ووزير العدل ووزير المالية لشئون مجلسى الشعب والشورى ووزير الداخلية وثلاثة من غير المنتمن الى أى حزب سياسى من بين رؤساء الهيئات القضائية السابقين أو نوابهم ويصدر قرار باختيارهم من رئيس الجمهورية رئيس الحزب الحاكم باصدار الترخيص بقيام الاحزاب لاتضح حجم القيود الواقعة على عاتق العمل الحزبى .

فى ظل هذه القيود حرمت تيارات فكرية وسياسية أساسية منن حق تكوين الاحزاب مثل تيار الإسلام السياسى والتيار الشيوعى , بينما قامت أحزاب سياسية لا وجود لها فى الواقع ومما يلفت النظر فى كثير م هذه الاحزاب أن مؤسسيها وقادتها مجهولون من الرأى العام المصرى , ومن المشتغلين بالعمل السياسى , وكثير منهم لم يمارس أى عمل سياسى , أو عملا عاما قبل رئاسته لهذا الحزب السياسى . وهناك أكثر من تفسير لهذه الازمات الداخلية للاحزاب .

فهناك بداية القطيعة المؤسسية التى أعقبت انقطاع الحياة الحزبية فى مصر منذ عام 1952 وحتىى منتصف السبعينيات , وقد اثرت تلك القطيعة على تقاليد التكوينات الحزبية حتى اليوم من ناحية أخرى , هناك ارتباط بين جماهيرية الحزب وبين تكوينه المؤسسى , فكلما اتسعت عضوية الحزب واستمر هذه الاتساع كلما فرض ذلك نفسه على التكوينات التنظيمية والمؤسسية , وكلما ضاقت العضوية كلما كان الاعتبار الشخصى أقوى فى العلاقات والاختيارات وبمعنى آخر , فان الطريقة التى نشأت بها الاحزاب المصرية جعلتها أحزابا شخصية , بمعنى التفات مجموعة من الناس حول شخص بعينه – مما يؤدى الى وجود الزعيم وغياب البرنامج . اضافة الى ذلك , يرجع البعض أزمات الاحزاب الى غياب القضايا الحقيقية فى هذه الاحزاب , الطريقة التى قامت بها , وعدم خوضها معارك حقيقية تجعل الناس تلتف حولها وتنضجها .

ومما لاشك فيه , أن مواجهة ذلك لن يحدث الا اذا تحولت هذه الاحزاب الى مؤسسات سياسية وجماهيرية راسخة تعطى للجماهير القدوة وتتفاعل مع مشاكلهم , وأن تكون اللوائح الداخلية محصلة حوار جماعى ديمقراطى , تكتسب وضوحها وتحديدها من التزام جميع مستويات الحزب بها , وان تم مراجعتها بشكل مستمر على أن تضمن فى كل الاحوال تحديدا دقيقا لصلاحيات مختلف القيادات .. وبطبيع الحال فان هذا المناخ الفوضوى يؤثر سبا على المشاركة فى العمل الحزبى,فالفساد والفوضى والعنف الذى يمارسه البلطجية فى مجالات عامة كثيرة مث بعض النقابات والاحزاب والنوادى , وذلك من قبل من يحتلون مواقع قيادية , تغرس اليأس فى قلوب وعقول الأغلبية الصامتة فاذا كانت النخبة تمارس هذا النوع من النشاط العصابى داخل الاحزاب والنقابات والجمعيات , فمن يود أن يشارك فى نشاطات المؤسسات الا اذا كان قد فقد عقله ؟

ان رؤية المواطن العاد لطبيعة العمل الحزبى فى مصر تجعله يتراجع عن المشاركة , فهناك غياب كامل للحوار داخل الاحزاب التى فشلت فى الخروج الى الشارع وتعودت العمل بنفس المنهلج الحكومى .

كما أن القوى السياسية لم تنضج حتى الآن , فلا تقبل بالرأى اآخر وترفض خطاب الآخرين فيصبح عضو الحزب واقعا بين قهر الحكومة وقهر المعارضة .. ولدى أحزاب المعارضة ترسانة من عبارات التخوين للآخرين حتى داخل التيار الواحد , الأمر الذى ينتهى بتدمير أو تعطيل الحزب ..وواقع الأمر , ان الخلل فى البناء الحزبى لا ينفى دور السلطة فى تفشى هذه الظاهرة فقانون الاحزاب يتحمل جزءا أساسيا فى بروز هذه المشكلة .. ففى الدول المتقدمة اذاحدث خلاف فكرى داخل حزب من الاحزاب يمكن أن يحدث انشقاق وتخرج مجموعة تكون حزبا جديدا , وعلى الشعب أن يكون الحكم فى فرز الاحزاب السياسية التى تسعى لتحقيق مصالحها , أما فى مصر فالقيد على حرية تأسيس الاحزاب أدى الى احتقان مكتوم داخل الاحزاب ..

هذا الاحتقان يأتى عليه وقت ينفجر , فتستثمر الحكومة هذه الانفجار لتسارع بتجميد الحزب خاصة اذا كان له مواقف معرضة حقيقية , وأسلوبها واضح حيث تنصر طرفا على آخر بوسائل ادارية , وقمعية اضافة الى ذلك , يمكن رصد ظاهرة جديرة بالملاحظة , لا توجد الا فى الاحزاب المصرية , وهى حدوث الانشقاق والانقسام الحزبى بترتيب مع أجهزة الأمن أو قوى خارجية فى جهاز الدولة أو الحزب الحاكم ولذلك كله فان من المهم اشاعة الديمقراطية فى المجتمع , بحيث يصبح من حق أصحاب أى اجتهاد معين تشكيل حزب سياسى بمجرد الاخطار ودون قيود , وكذلك اشاعة الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية بحيث لا يدفع الذين يؤمنون بخط سياسى أة موقف معين مخالفا لرأى القيادة للخروج من الحزب ولا تستطيع اقلية أن تفرض ارادتها عل الحزب ان الدور الذى تلعبه لجنة الاحزاب , والذى يجعلها سريعة التدخل وسريعة الاقرار بتجميدالحزب الى أن يحل الخلاف بالتراضى , هذا الدور يقوض التجربة الديمقراطية فى مصر .

فمنذ صدور قانون الاحزاب عام 1977 , اتسم بأنه يهدف لسيطرة الدولة على الحياة الحزبية , وأن لجنة الاحزاب وهى لجنة حكومية فى تكوينها ,هى أبرز أدوات الحكومة للتدخل والسيطرة على الحياة السياسية وبمعنى آخر , فان لجنة الاحزاب المنصوص عليها فى المادة 8 من هذا القانون تجعل من تعدد الاحزاب فى مصر مجرد مسألة صورية , لأن مستقبل الاحزاب منذ ميلادها على يد هذه اللجنة والتى توافق على قيام أى حزب أو تعترض على تأسيسه .. وهذه الجنة لا يمكن بحسب انتماء أغلبيتها – رئيسها وثلاثة من أعضائها – الى الحكومة أن تكون محايدة .. وقد تصدى د. محمد حلمي مراد عام 1992 لقيام لجنة شئون الاحزاب السياسية بتجميد الاحزاب , وقف صدور صحفها فى حالة وجود تنازع حقيقى أو مفتعل على الرئاسة , عندما صدر قرارها اخاص بحزب مصر الفتاة .

يقول الدكتور محمد حلمي مراد باطل دستوريا وقانونيا لمخالفته الواجب للتعددية الحزبية , ولحرية الصحافة التى ينص عليها الدستور , وخروجه على قانون الاحزاب السياسية نفسه , الذى صدر عن النظام القائم , وبصرف النظر عما يشوبه من عورات دستورية على النحو الذى سنبينه بعد قليل , ويعتبر هذا القرار سابقة خطيرة تهدد الحياة الحزبية , واستقلال الصحافة فى مصر , اذ ما أسهل أن تدس أجهزة الدولة بعض العناصر فى حزب من الاحزاب , ثم تفتعل شقاقا وتجمع أفرادا من هنا وهناك لاقامة مؤتمر يعزل قيادات هذا الحزب وتعين آخرين بدلا منهم , ثم تسيطر على جريدة الحزب وممتلكاته .

ولعل ما حدث بالنسبة لحزب مصر الفتاة هو تهديد وانذار موجه الى أحزاب المعارضة الأخرى , اذا ما اتخذ بالنسبة له اليوم يمكن أن يصطنع مثله بالنسبة لغيره غدا وقد حدث ما تنبأ به د. حلمي مراد لحزب العمل نفسه والذى كان د. حلمي مراد نائبا لرئيسه , فقد تم تجميد الحزب بحجة وجود صراع على الرئاسة فيه عام 2000 فاذا انتقلنا الى اختصاصات لجنة شئون الاحزاب نجد أن قانون الاحزاب السياسية قد حددها فى أمرين , الأم رالأول , النظر فى الطلبات الخاصة بتأسيس الاحزاب المادة 7 .

الأمر الثانى , التقدم بطلب الى دائرة شئون الاحزاب بالمحكمة الادارية العليا لحل الحزب الذى يثبت من تقرير المدعى العام الاشتراكى – بعد التحقيق الذى يجريه – تخلف وزوال شرط من الشروط الخاصة بتأسيس الاحزاب المنصوص عليها فى المادة الرابعة من القانون , والتى تقول فى هذا الشأن ما يلى ويجوز للجنة شئون الاحزاب لمقتضيات المصلحة القومية وقف اصدار صحف الحزب أو نشاطه أو أى قرار مخالف اتخذه الحزب , وذلك فى هذه الحالة .

أى فى حالة تخلف أوزوال شرط من شروط تأسيس الاحزاب الواردة فى المادة الرابعة من قانون الاحزاب السياسية وهذه الحالة .. غير متوافرة فى الخلاف الذى وقع داخل حزب مصر الفتاة والذى استند اليه فى اتخاذ القرار بالباطل فان أحدا لم ينازع فى تخلف أو زوال أى شرط من شروط تأسيس الاحزاب الواردة فى المادة الرابعة من قانون الاحزاب وانما الخلاف القائم يدور حول شخص رئيس الحزب الحالى , ومدى صحة الاجتماع الذى عقد فى مدينة الأسكندرية من عدد من الاشخاص يقال انهم من أعضائه وانتخابهم لشخص آخر يحل محله كرئيس للحزب وهو خلاف داخلى لا تختص لجنة شئون الاحزاب به لكنه أمر يحكمه النظام الداخلى للحزب , ويختص القضاء العادى بالفصل فيه .وقد توالت فى الفترة الأخيرة الأحكام القضائية التى تؤكد أن لجنة شئون الاحزاب لا اختصاص لها فى الصراعات على رئاسة الحزب , وتعديل اللائحة الداخلية , ومنها حكمان صدرا أخيرا .

الأو ل, حكم المحكمة الادارية العليا الخاص بحزب العمل والصادر يوم 4 يناير 2003 , والذى جاء فى حيثياته ان لجنة شئون الاحزاب ليس لها الحق فى التدخل فى الشئون الداخلية للاحزاب , بما فيها النزاعات التى تنشأ داخل الاحزاب على رئاستها أو مشروعية ما تعقده الاحزاب من مؤتمرات , وأكدت المحكمة أن هذا الشأن خاص بالأحزاب , تبت فيه رضاء أو قضاء , وأن جنة شئون الاحزاب ليس من حقها أن تعتد بأحد المتصارعين على رئاسة الحزب , ولا أن تجمد نشاطه بدعوى أن هناك خلافا على رئاسته , وأن هذا نزاع مدنى يختص به القضاء وحده دون سواه .

الثانى , حكم محكمة القضاء الإداري فى القضية الخاصة بتعديل لائحة النظام الأساسى لحزب الوفد والصادر فى 31 ديسمبر 2002 وجاء فى حيثيات الحكم .. ومن حيث أن مفاد ما تقدم أن مصر قد اختارت بارادة شعبية أفرغت فى التعديل الوارد على الدستور , العدول عن التنظيم السياسى الواحد الذى ظل سنوات عديدة مهيمنا على مجالات العمل السياسى الى التعدد الحزبى التى تستهدف تعميق الديمقراطية وارساء دعائمها ,ومظهر التعدد الحزبى وجوهره هو حرية الاحزاب السياسية واستقلالها حال مباشرة دورها السياسى والاجتماعى على وجه يمكنها من الاتصال بالجماهير عن طريق ما تقدمه من برامج ومبادىء وآراء تتفق أو تختلف مع النظام السياسى الحاكم , وطالما كان ذلك فى اطار المحافظة على المبادىء والقيم العليا للمجتمع ومن حيث أن سبيل قيام التعددية الحزبية باعتبارهاالمظهر الأسمى للتعددية يتحقق بأمرين :

أولهما تماسك البناء الداخلى للاحزاب السياسية بما يصدر عنها من برامج وسياسات تعبر عن الرؤية الذاتية للحزب السياسى , وكوادر وقيادات تقوم على تحقيق أهدافه وآماله فى الوصول الى الحكم , والاستمرار فيه .

وثانيهما الحد من تدخل الأجهزة والمؤسسات الحكومية فى شئون الاحزاب السياسية ولا خلاف على أن دستورية النظام الحاكم لشئون الاحزاب يتحقق بتضاؤل السلطات الممنوحة للادارة أوغل يدها عن التدخل فى شئون الاحزاب ومن حيث أن جل تشكيل لجنة شئون الاحزاب ينتمى الى أحد الاحزاب السياسية , الحزب القائم على سدة الحكم , وهو ما يفترض توحدا بينهم كأعضاء فى حزب واحد فى الرؤية السياسية يتفق أو يختلف عن الاحزاب الأخرى فان تحديد اختصاص هذه اللجنة وتصنيفه يضحى اعمالا صحيحا للمبدأ الدستورى المقرر للتعددية السياسية كمنهج للحياة السياسية فى مصر , ولا جدال فى أن الحد من سلطة لجنة شئون الاحزاب يؤدى الا اتساع مساحة الممارسة السياسية بها ومن ثم قدرتها دون تدخل من اللجنة فى سبر غور خلافاتها ونزاعاتها الداخلية داخل الحزب السياسى ذاته أو اللجزء الى القضاء بحيدته وبعده عن الهوى السياسى قادر ولا ريب على حسم الخلاف انتصارا للمبادىء الدستورية واعمالا لقواعد الشرعية .. ومن المؤكد أن مشكلة الحياة الحزبية لا تتركز فقط فيما يسمى بالأحزاب الصغيرة فهناك مشاكل تحيط بالحياة الحزبية كلها , والحاة السياسية عامة ويكفى أن هناك حزبين رئيسين مجمدان عمليا الأحرار والعمل .

ولا تخلو الاحزاب الأخرى من مشاكل وتعانى جميعها من تحديد اقامتها فى المقر والصحيفة , والحصار المفروض عليها بقانون الاحزاب وعديد من القوانين المقيدة للحرية , والنقص الواضح فى الديمقراطية واستحالة تداول السلطة فى ظل تدخل السلطة التنفيذية فى انتخابات مجلس الشعب والمجالس التمثيلية عامة لضمان فوز الحزب الحاكم بالأغلبية المطلقة بل والكاسحة 90 بالمائة من مقاعد مجلس الشعب عامة واحتكاره لأجهزة الاعلام والصحافة القومية واستمرار حالة الطوارىء معلنة منذ 6 أكتوبر 1981 وحتى 31 مايو 2006 على الأقل ان لم يتم مد العمل بها ثلاث سنوات أخرى , والتدخل فى العمل النقابى فى ظل القانون 100 لسنة 1993 وفى الاتحادات الطلابية والمنظمات غير الحكومية القانون 84 لسنة 2002 .

ولا يمكن معالجة مشاكل الاحزاب الصغيرة خاصة , والحياة الحزبية والسياسية عامة دون اصلاح سياسى شامل , وقد طرحت سعة أحزاب سياسية حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدويحزب الوفدحزب الأحرارحزب العمل – الحزب العربى الديمقراطى الناصرى – الإخوان المسلمونالحزب الشيوعي المصري برنامجا متكاملا للاصلاح السياسى والدستورى الديمقراطى فى 10 ديسمبر 1997 , بعد مؤتمر عقدته يومى 8, 9 ديسمبر 1997 , وطرح خلاله 27 بحثا قدمتها الاحزاب وباحثون فى مركز المساعدة القانونية لحقوق الانسان , ومركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان , ومركز البحوث العربية , ومركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام , ومركزيافا , وعدد من أساتذة الجامعات وفقهاء القانون .

ويقوم البرنامج على عدد من الأسس فى مقدمتها :

- اطلاق حرية التنظيمات السياسية والنقابية والجمعيات الأهلية , وذلك عن طريق الغاء قانون الاحزاب 40 لسنة 1977 , واطلاق حرية تشكيل الاحزاب لكافة القوى والتيارات السياسية بمجرد الاخطار , على أسس ديموقراطية تضمن أن يكون الحزب مفتوحا لجميع المصريين بلا تمييز , واعتبار حق المواطنة مناطا للحقوق والواجبات , وأن يلزم بقواعد العمل الديموقراطى فى اطار دستور يضعه الشعب ويقره ديمقراطيا , وقبول مبدأ تداول السلطة من خلال الانتخابات العامة والتعددية الحزبية الآن وفى المستقبل , وان ينشىء تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية .
وتختص المحكمة الدستورية دون غيرها بالفصل فى أى منازعة حول التزام الحزب بهذه المبادىء , والغاء كافة صور الدمج بين مؤسسات وأجهزة الدولة وتنظيمات حزب الحكومة , بما يضمن أن تكون الدولة لكل المصريين وليس لحزب واحد, وحماية حق الانتماء والنشاط الحزبى لكافة الواطنين وضمان عدم التعرض للاضطهاد أو التمييز بسبب النشاط الحزبى أو النقابى أو النشاط العام , والغاء الحظر القائم حاليا على ممارسة العمل السياسى فى الجامعات والمدارس والمصانع , واطلاق الحرية كاملة للتنظيمات النقابية – المهنية والعمالية – والجمعيات التعاونية لمباشرة نشاطها طبقا للوائح تضعهابنفسها , وانتخاب مجالس ادارتها دون تدخل من الاجهزة الادارية , وتأكيد استقلال الحركة النقابية والتعاونية والطلابية بالغاء القانون 100 لسنة 1993 , وتأكيد حرية الحركة العمالية فى بناء تنظيماتها والغاء القيود على تشكيل ونشاط الجمعيات الأهلية والاجتماعيةوالثقافية والشبابية , بما يضمن رفع أيدى الاجهزة الأمنية والادارية عن هذه الجمعيات والغاء القانون الحالى والعودة الى مواد القانون المدنى التى ألغيت بالقرار الجمهورى رقم 384 لسنة 1956.
- ضمان الحريات والحقوق الأساسية للمواطنين , وحرية تكوين الجمعيات , والتعدد الحزبى , وحق التظاهر والاضراب السلميين دون قيود وشروط مانعة , والحق فى الحرية والأمان الشخصى وسلامة الجسد والغاء كافة التشريعات التى تنتقص من هذه الحقوق .
- الغاء حالة الطوارىء القائمة , وتعديل قانون الطوارىء بحيث يقتصر جواز اعلان حالة الطوارىء فى حالة الحرب الفعلية والكوارث العامة فقط , ولفترة محدودة لا يتم تجديدها الا بشروط دقيقة , وتحديد سلطات المحاكم العسكرية فى ظل الطوارىء , بحيث لا يتم تجميد الدستور فى ظلها وانتهاك الحريات العامة والحقوق الأساسية للمواطنين .
- توفير الضمانات حرية ونزاهة الانتخابات , واعادة الحق للمواطنين فى التعبير عن ارادتهم عبر صندوق الانتخابات , ذلك بتوفير ضمانات حقيقية واصدار قانون جديد لمباشرة الحقوق السياسية .. وتولى لجنة قضائية مستقلة غير قابلة للعزل الاشراف الكامل على ادارة الانتخابات والاستفتاءات بمجرد صدور قرار دعوة الناخبين , وتخضع لها كافة الأجهزة التنفيذية والمحلية والأمنية التى تتصل أعمالها بالانتخابات , بحيث تشمل مرحلة الترشيح والتصويت والفرز واعلان النتائج .
-تحرير أجهزة الاعلام والصحافة من السيطرة الحكومية والاحتكار , وذلك عن طريق اطلاق حرية تملك وسائل الاعلام الاذاعة والتليفزيون لتصبح جهازا اعلاميا قوميا مستقلا عن الدولة تمثل فى ادارته التيارات الفكرية والسياسية والحزبية .. وطلاق حرية تملك واصدار الصحف دون ترخيص للمصريين , مع حظر مشاركة غير المصريين فى تملك واضصدار الصحف , واعادة النظر فى تملك الدلوة للمؤسسات الصحفية القومية وتعديل قانون تنظيم الصحافة وقانون العقوبات بالغاء العقوبات المقيدة للحريات فى سائر الجرائم التى تقع بواسطة النشر فى الصحف .
- ضرورة تعديل الدستور بعد فترة انتقالية تطلق فيها الحريات طبقا لما سبق بيانه , ليصبح دستورا ديمقراطيا يجعل الأمة مصدرا حقيقيا للسلطة , ويركز السلطة التنفيذية فى مجلس وزراء يكون مسئولا أمام مجلس نيابى منتخب انتخابا حرا نزيها .. بما فى ذلك تعديل نظام انتخاب رئيس الجمهورية ونوابه ليصبح بالاقتراع الحر المباشر بين اكثر من مرشح , تحديد وتقليص السلطات المطلقة الممنوحة لرئيس الجمهورية فى الدستور , والغاء نظام المدعى الاشتراكى الوارد فى المادة 179 من الدستور .
فالاصلاح السياسى الشامل هو الطريق لقيام حياة حزبية صحيحة ومعالجة نواقصها وعيوبها وخلافتها .

القسم الخامس :موقف لجنة شئون الاحزاب من طلبات تأسيس الاحزاب الصغيرة ... دراسة لبعض الحالات " رضا محمد هلال "

أضحى حق انشاء وتأسيس الاحزاب السياسية من الحقوق الدستورية فى أغلب الدول النامية , استنادا الى حق تكوين الجمعيات والتنظيمات السياسية وحق الانتخاب , كما أصبح هذا الحق احدى الضرورات لأنظمة الحكم التى تسلك مسار التحول الديمقراطى , وتؤكد دساتيرها على حرية الفكر وحرية الاجتماع .

ومع اتفاق غالبية الدول على النص فى انظمتها ودساتيرها على التعددية الحزبية , الا أنها تباينت فى أساليب وطرق تأسيس الاحزاب السياسية .

ففى بعض النظم تنشأ الاحزاب دون نص صريح فى القانون , وفى البعض الآخر يتم السماح بالتأسيس بناء على نص فى القانون .

وتنضم مصر الى مصاف النوع الثانى , حيث ينظم القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الاحزاب السياسية انشاء هذه الاحزاب حيث أوكل الى لجنة سميت ب لجنة شئون الاحزاب اختصاص الموافقة أو الاعتراض على طلبات تأسيس الاحزاب السياسية , وبعد التأكد من استيفائها للشروط والضوابط التى يحددها الدستور وقانون الاحزاب السياسية .

ويسعى هذا القسم من دراسة الاحزاب السياسية الصغيرة فى مصر الى محاولة التعرف على النظم المتعددة لتكوين وتأسيس الاحزاب السياسية , بالاضافة الى رصد المواقف أو الثوابت التى اعتمدتها لجنة شئون الاحزاب الجديدة وذلك فى الفترة من عام 1994 وحتى عام 2002 وقد تم اعتماد العام 1994 كبداية هنا , نظرا لاستقرار مواد القانون رقم 40 لسنة 1977 على شكلها الحالى , بعد حكمم المحكمة الدستورية بعض تلك المواد , ودستورية القانون بصفة عامة ومواد تشكيل لجنة شئون الاحزاب والشروط والضوابط التى يتعين توافرها فى برنامج أى حزب سياسى جديد بصفة خاصة . ولمعالجة كافة العناصر والأبعاد السابقة سيتم تقسيم هذا القسم الى قسمين فرعيين هما :

أساليب تشكيل الحزب السياسى

خصصت بعض الدول أحكاما دستورية للحديث عن أهمية الاحزاب السياسية ودورها فى تكوين ارادة عامة فى البلاد , بل لعل بعض الدول ذهبت الى أكثر منذلك , بالحث على انشاء أحزاب سياسية باعتبارها مؤسسات لابد منها لضمان الحياة الديمقراطية , من خلال حق كل فرد فى الانتساب والخروج من أى حزب سياسى ويلاحظ أن الدساتير العالمية لم تتخذ موقفا موحدا ازاء هذا الموضوع , بل كانت مواقفها مختلفة نتيجة الظروف السياسية العامة التى عاشتها كل دولة من ناحية والظروف الخاصة التى كانت مهيمنة على النظام السياسى وواضعى الدستور أو معدليه من ناحية أخرى وبمراجعة بعض النصوص الدستورية المختلفة ومعالجتها لانشاء الاحزاب السياسية , سواء بالنص عليها صراحة أو ضمنا أو عدم الاشارة اليها يتضح ما يلى :

1 - أن الدساتير فى الدول المختلفة قد أولت اهتماما كبيرابالأحزاب السياسية واعتبرتها جزءا من النظام السياسي , وقد تباينت هذه الدساتير فى نصوصها المتعددة عبر نمطين :

أ- نمط خال من أية قيود أو شروط مسبقة , وهو نمط يعكس فى مضمونه الحرية الكاملة فى انشاء الاحزاب السياسية وممارسة أنشطتها , بعيدة عم أى قيود أو ضغوط تحد من هذه الحرية .
ت‌- نمط ورد مقرونا بشروط وقيود تعد بمثابة انتقاص صريح من حرية الاحزاب سواء وردت هذه الشروط على مرحلة انشائها أو على مرحلة مباشرتها لأنشطتها , وقد استغلت بعض الدول هذه القيود للوقوف أمام انشاء فى حزب سياسى فيها أو الغائه ان وجد .

2 - ان بعض الدساتير جاءت معبرة عن تجربة حزبية مريرة خاضتها دولها ونظمها السياسية , ولعل أبرز الأمثلة على ذلك كل من الدستور الفرنسى والقانون الأساسى الألمانى الحاليين واللذين حرصا على رسم الاطار العام لمسار الاحزاب السياسية ضد أى انحراف ينعكس بدوره على النظام السياسى القائم , وبذلك يتم تلافى ما عاصرته الأنظمة السابقة من تدهور وضعف .

وقد أخذت مصر بالرقابة السياسية والقضائية على انشاء ونشاط الاحزاب , حيث جعلتها من اختصاص لجنة شئون الاحزاب السياسية والمحكمة الادارية العليا , وفقا لنص المادة الثامنة من القانون رقم 40 لسنة 1977 .

3 - ان صمت بعض الدساتير عن اجازة الاحزاب أو تحريمها , لا يعنى بالضرورة أن الاحزاب السياسية غير مشروعة , بل يترك ذلك لتقاليد الدولةوقوانينها العادية , مثال ذلك كل من الدستور اللبنانى واليابانى, حيث يلاحظ أن كلا النظامين السياسيين مسرح لتعدد حزبى بارز .

وقد خبرت الحياة السياسية المصرية طوال تاريخها السياسى الحديث , الذى يمتد من عام 1882 وحتى الآن , عدة أشكال ونظم لتكين الاحزاب السياسية , تراوحت بين انشاء وتكوين هذه الاحزاب دون نص صريح من الدستور , أو بناء على نص فى الدستور أو القانون فقبل عام 1952 , قامت معظم الاحزاب السياسية فى مصر قبل صدور دستور سنة 1923 واستمرت قائمة بعده , كما نشأت أحزاب أخرى بعد صدور هذه الدستور , دون أن يجادل أحد فى حق تكوين الجمعيات شامل لها بجميع أنواعها وبينها الاحزاب السياسية , وانه حق متفرع كذلك عن حرية الاجتماع وحرية ابداء الرأى , وحق الترشيح وحق الانتخاب للمجالس النيابية , وهى حقوق قررها دستوراسنة 1923 وسنة 1930 .

أما الشكل الثانى فهو السماح بانشاء وتكوين الاحزاب السياسية وفق مواد دستورية وقوانين تنظم اجراءات الموافقة لهذه الاحزاب وشروطها وضوابط ممارسة الاحزاب لوظائفها وهو الشكل الذى شهدته مصر بدءا من عام 1952 فبعد قيام ثورة 23 يوليو سنة 1952 واعلان مبادئها الستة المعروفة وبينها اقامة حياة ديمقراطية سليمة , صدر فى سبتمبر 1952 المرسوم بقانون رقم 179 لسنة 1952 بتنظيم الاحزاب السياسية وقد استهدف هذا المرسوم اتاحة الفرصة للاحزاب السياسية القائمة لتنظيم نفسها وتطهير صفو فها بما يزيل عيوب تعددها وتفتتها عمن غيرها من الاحزاب التى نشأت قبل المرسوم بقانون رقم 179 لسنة 1952 .

وكان من أهم نصوص هذا القانون , أنه من أجل أن ينشأ أى حزب فى مصر فانه يكفى اخطار وزير الداخلية, على أن يشفع الاخطار بنسخة م نظام الحزب وبيان بأعضائه المؤسسين وموارده المالية وكان لوزير الداخلية حق الاعتراض على تكوين الحزب أو اعادة تكوينه أو على انضمام عضو أو أكثر اليه أو على بقائهم فيه ولمحكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة أن تحكم فى النزاع الذى ينشب بين وزير الداخلية والحزب المنشأ .

ولم يدم هذا الوضع طويلا , حيث أصدر القائد العام للقوات المسلحة بصفته رئيسا للثورة وفى يناير سنة 1953 اعلانا دستوريا , انتهى فيه الى اعلان فترة انتقال لمدة ثلاث سنوات يتم فيها حل الاحزاب السياسية اعتبارا من ذها التاريخ ومصادرة جميع أموالها لصالح الشعب وذلك كله حتى تتمكن الثورة من اقامة حكم ديمقراطى دستورى سليم .

واستمر هذا الوضع قائما حتى صدر دستور 1971 بعد موافقة الشعب عليه فى الاستفتاء العام فى 11من سبتمبر 1971 والذى أفرد الباب الثالث منه للحريات والحقوق والواجبات العامة , وتضمن النص على حرية الرأى وحرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الاعلام , حق المواطنين فى الاجتماعات العامة والمواكب الشعبية , وبينما أقر حق المواطنين فى تكوين الجمعيات على الوجه المبين فى القانون , حظر فى ذات الوقت انشاء جمعيات يكون نشاطها معاديا لنظام المجتمع أو سريا أو ذا طابع عسكرى وبعد تطوير نظام المنابر , طالبت اللجنة البرلمانية المشكلة لرد على بيان الحكومة بمجلس الشعب فى تقرير لهاا فى 23 من ديسمبر سنة 1976 باعداد تشريع للاحزاب السياسية لأنه قد صار ضروريا أن يصدر مجلس الشعب قانونا بتنظيم قيام الاحزاب وأسلوب اعلانها والضوابط الموضوعية التى تصاحب قيامها .

ففى عام 1977 شهدت الساحة السياسية فى مصر عدة أحداث داخلية وخارجية دفعت الرئيس الراحل أنور السادات الى اعادة السعى لتقديم تشريع خاص بنظام الاحزاب السياسية فعلى المستوى الداخلى وقعت أحداث 18 و19 يناير 1977 والتى طالبت فيها الجماهير الغاضبة باقالة عدد من المسئولين عن رفع أسعار بعض السلع الحيوية والضرورية , واستخدمت هذه الجماهير الوسائل العنيفة فى التعبير عن مطالبها مما سبب ضيقاشديدا للقيادة السياسية أما على المستوى الخارجى فقد قام الرئيس السادات بزيارة القدس فى ذات العام لبدء محادثات السلام مع إسرائيل المضى قدما فى اصدار قانون للاحزاب بحيث يمكن من خلاله احتواء القوى المعارضة داخل هياكل شرعية يسهل السيطرة عليها .

وبناء على ما سلف كره صدر فى 2 يوليو القانون رقم 1977 بتنظيم الاحزاب السياسية , والذى أصبح نافذا اعتبارا من 7 يوليو سنة 1977 ونص فى المادة 30 منه على أن تستمر قائمة التنظيمات الثلاثة وهى : حزب مصر العربي الإشتراكي , حزب الأحرار الاشتراكى , حزب التجمع الوطنى التقدمى .

وتجدر الاشارة الى أن القانون السابق قد أدخلت عليه عدة تعديلات بالقوانين رقم 33 لسنة 1978 وأخيرا 36 لسنة 79 , و 144 لسنة 1980, و 31 لسنة 1981 , و108 لسنة 1992 , وأخيرا القانون رقم 221 لسنة 1994 .

والملاحظ على التعديلات السابقة أن غالبيتها قد شكل قيدا اضافيا من جانب السلطة التنفيذية على حرية تشكيل الاحزاب , أما البعض الآخر من التعديلات فقد جاء ليصحح عدم دستورية بعض نصوص القانون .

أما فيما يتعلق بمراد القانون , فقد نصت المادة الأولى منه على أن للمصريين حق تكوين الاحزاب السياسية ولكل مصرى الحق فى الانتماء لأى حزب سياسى وذلك طبقا لأحكام هذا القانون .

ونصت المادة الثانية على تعريف الحزب السياسى بأنه كل جماعة منظمة تؤسس طبقا لأحكام هذا القانون , وتقوم على مبادىء وأهداف مشتركة وتعمل بالوسائل السياسية الديمقراطية لتحقيق برامج محددة تتعلق بالشئون الاقتصادية والاجتماعية للدولة , وذلك عن طريق المشاركة فى مسؤوليات الحكم .

وحددت المادة الثالثة دور الاحزاب السياسية , بالنص على أن تسهم الاحزاب السياسية التى تؤسس طبقا لأحكام القانون فى تحقيق التقدم السياسى والاجتماعى ةالاقتصادى للوطن على أساس الوحدة الوطنية , وتحالف قوى الشعب العاملة والسلام الاجتماعى والإشتراكية الديمقراطية والحفاظ على مكاسب العمال والفلاحين , وذلك كله على الوجه المبين بالدستور .

وتعمل هذه الاحزاب باعتبارها تنظيمات وطنية وشعبية وديمقراطية تقوم بتجميع المواطنين وتمثيلهم سياسيا . وفصل القانون المذكور الأحكام الخاصة بشروط تأسيس الاحزاب السياسية واستمرارها وانقضائها , وأنشأ لجنة خاصة لشئون الاحزاب تقدم اليها طلبات تأسيس الاحزاب , ولها حق الاعتراض عليها بقرار مسبب اذا كان قيامها يتعارض مع أحكام القانون .

ومن حيث المبادىء والأسس التى تستند اللجنة اليها فى أعمالها , فقد نص القانون على أنه يشترط لتكوين أو استمرار أى حزب سياسى ما يلى : - عدم تعارض مقومات الحزب أو مبادؤه أو أهدافه أوبرامجه أو سياساته أو أساليبه فى ممارسة نشاطه مع مبادىء الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الرئيسى للتشريع .

ومبادىء ثورتى 23 يوليو 1952 و15 مايو سنة 1971 والحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى والنظام الاشتراكى الديمقراطى والمكاسب الإشتراكية

- تميز برنامج الحزب وسياساته أو أساليبه فى تحقيق هذا لبرنامج تميزا ظاهرا عن الاحزاب الأخرى .
- عدم قيام الحزب فى مبادئه أو برامجه أو فى مباشرة نشاطه أو اختيار قياداته أو أعضائه على أساس يتعارض مع أحكام القانون رقم 33 لسنة 1987 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعى .
- عدم انطواء الحزب على اقامةأى تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية .
- وجوب تقديم اخطار كتابى الى رئيس لجنة شئون الاحزاب السياسية عن تأسيس الحزب , موقعا من خمسين عضوا من أعضائه المؤسسين , ومصدقا رسميا على توقيعاتهم , على أن يكون نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين , ويرفق بهذا الاخطار جميع المستندات المتعلقة بالحزب .
- تشكل لجنة شئون الاحزاب السياسية من كل من  : رئيس مجلس الشوي رئيسا , ووزير العدل , ووزير الداخلية , ووزير الدولة لشئون مجلس الشعب , وثلاثة من غير المنتمين الى أى حزب سياسى أو من بين رؤساء الهيئات القضائية السابقين أو نوابهم أو وكلائهم .

وتختص اللجنة بالنظر فى المسائل المنصوص عليها فى القانون , وبفحص ودراسة اخطارات تأسيس الاحزاب السياسية طبقا لأحكامه .

وللجنة فى سبيل مباشرة اختصاصاتها , طلب المستندات والأوراق والبيانات والايضاحات التى ترى لزومها من ذوى الشأن فى المواعيد التى تحددها لذلك , ولها أن تطلب أية مستندات أو أوراق أو بيانات أو معلومات من أية جهة رسمية أو عامة , وأن تجرى ما تراه من البحوث بنفسها أو بلجنة فرعية منها , وان تكلف من تراه من الجهات الرسمية باجراء أى تحقيق أو بحث أودراسة لأزمة للتوصل الى الحقيقة فيما هو معروض عليها .

ويجب أن يصدر قرار اللجنة بالموافقة على تأسيس الحزب , مسببا بعد سماع الايضاحات اللازمة من ذوى الشأن .

وبمقتضى ما تقدم من نصوص قانون الاحزاب , فان مهمة اللجنة وسلطاتها ازاء الاحزاب المزمع تأسيسها تتحدد فى ضوء المبادىء الدستورية والقانونية سالفة البيان , والتى قررت أن تكوين الاحزاب حق عام للمصريين ولهم حرية تكوين الاحزاب والانتماء اليها , بحيث جعل الشارع مسئولية كل جماعة فى تكوين الحزب السياسى الذى ترتضيه منحصرة فى التقدم باخطار اللجنة المذكورة , وهى فى طريق مرورها الطبيعى الى ممارسة مهامها على الساحة السياسية كما جعل مهمة اللجنة محصورة فى بحث أوراق الحزب وهو تحت التأسيس , والتأكيد من مدى توافر الشروط التى حددها الدستور , والتى ورد تفصيلها فى القانون فى حقه , وعليها فى هذه الحالة ترك سبيل مسيرته السياسية الطبيعية نحو أهدافه التى حددها برنامجه الذى تتوافر فيه الشروط الواردة فى القانون وعلى اللجنة الاعتؤاض على قيام الحزب قانونا اذا ما تخلف فى حقه شرط أو أكثر من الشروط الت اقتضاها الدستور والقانون , وفى هذه الحالة فان عليها أن تصدر قرارها مسببا بعد سماع الايضاحات اللازمة من ذوى الشأن وقد حتم المشروع سماع ذوى الشأن حرصا على تحقيق دفاعهم وايضاح مواقفهم وتوجهاتهم أمام اللجنة , لتبصيرها بأهداف وأغراض مؤسسى الحزب وبرنامجه كما حرص المشرع على تسبيب قرار اللجنة , باعتبارها تتصرف فى اطار سلطة مقيدة بنص الدستور وأحكام القانون فى مجال حرية من الحريات وحق من الحقوق العامة للمصريين , الذى يعد أحد أركان النظام العام الدستورى والسياسى للبلاد ويخضع ما تقرره اللجنة للرقابة القضائية من المحكمة الادارية العليا التى شكلها المشرع بالتشكيل المتميز , الذى يكفل لها اعمال هذه الرقابة على مدى سلامة قرار اللجنة ومطابقته لأحكام الدستور والقانون .

وقد حرصت نصوص القانون على تأكيد هذا المعنى , عندما عبر المشرع فى المادة السابعة عن الطلب المقدم بتأسيس الحزب بأنه اخطار , أى بلاغ عن نية جماعة منظمة فى ممارسة حقوقها الدستورية على الوجه الذى يكفله الدستور والقانون , كما عبر المشرع عن سلطة اللجنة عند البت فى اخطار التأسيس مستبعدا بحق عبارات الموافقة أو الرفض غير المبرر , حرصا على التأكيد على أن مهمة هذه اللجنة هى بالأساس أو الرفض غير المبرر , حرصا عل التأكيد على أن مهمة هذه اللجنة هى بالأساس فحص أوراق الحزب والتحقق من توافر الشروط فى الدستور والقانون أو الاعتراض عليها وفى هذه الحالة الأخيرة يتعين على اللجنة أن تصدر قرارها بالاعتراض مسببا , فاللجنة تباشر سلطة مقيدة لا يسمح لها أن تقف حائلا فى سبيل ولوج أى حزب الى ميدان السياسة , الا اذا كان لديها من الأسباب الحقيقية والجوهرية وفقا لما ورد بنص الدستور والقانون ما يبرر – اعلاء للشرعية واحتراما لأحكام الدستور والمصالح القومية العليا السياسية والديمقراطية الشرعية للأمة – عدم السماح لمؤسسى الحزب باقامته .

طلبات تأسيس الاحزاب ورأى اللجنة فيها على ضوء أحكام القانون

قامت لجنة شئون الاحزاب فى الفترة من عام 1977 وحتى أوائل ديسمبر 2002 بفحص ما يربو على 49 طلبا لتأسيس أحزاب سياسية جديدة , اعترضت اللجنة على حوالى 90 بالمائة من هذه الطلبات ,ووافقت على قلة زهيدة منها .

وسيحاول هذا القسم من الدراسة فحص برامج بعض الاحزاب التى اعترضت اللجنة على تأسيسها وكذلك عرض أوجه وحيثيات اعتراض اللجنة , وذلك فى الفترة من 1994 وحتى 2002 ونظرا لصعوبة تقديم وعرض ملخص جميع برامج الاحزاب , فستقوم الدراسة بتصنيف هذه البرامج حسب التوجهات السياسية والايدلوجية التى تتبناها هذه الاحزاب والاهداف التى تسعى لتحقيقها فى حال موافقة لجنة شئون الاحزاب على تأسيسها والقضايا التى تدعى الدفاع عنها , ووفق هذا المعيار يمكن تقسيم هذه الاحزاب الى : الاحزاب ذات التوجه الإسلامى , الاحزاب ذات التوجه القومى , والاحزاب ذات التوجه الداخلى أو المحلى , والاحزاب الفئوية أو أحزاب القضايا .

الاحزاب ذات التوجه الإسلامى

يقصد بهذا النوع من الاحزاب مجموعة الاحزاب التى تتبنى مطالب وتوجهات ذات طابع اسلامى من قبيل تطبيق الشريعة الإسلامية , وأن يكون للمؤسسات الدينية دور فى الحياة السياسية سواء من حيث اختيار وكلاء الأمة ( أعضاء المجلس التشريعى) وكذلك انشاء مؤسسات ذات طابع دينى بديلا عن المؤسسات القائمة للخروج بالأمة من أزمتها , علاوة على وجود رؤية حاكمة لأنصار هذا التوجه من الاحزاب مفادها الانطلاق الى مجال أوسع من الدول لتحقيق رؤيتهم وبرنامجهم السياسى , وفى هذه الحالة ستكون مصر مجرد حلقة فى اطار أوسع العالم العربى والإسلامى .

وقد قدم وفق هذا التوجه أربعة طلبات لتأسيس أحزاب جديدة هى : حزبا الوسط والوسط المصري ويمثلان التيار المنشق عن الإخوان المسلمين , وحزبا الشريعة والإصلاح واللذان يعبران عن رغبة وطموح أفراد الجماعات الإسلامية وتنظيم الجهاد فى رفض مسلك التغيير بالعنف والاتجاه للعمل من داخل المؤسسات الشرعية للنظام السياسى ومما لا شك فيه , أن تلك الاحزاب وضعت برامج محددة وقد رفضت لجنة الاحزاب تأسيس تلك الاحزاب .

حزبا الوسط والوسط المصري

تقدم أعضاء ناشطون كانوا فى السابق من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين من أبرزهم :المهندس أبو العلا ماضي والمحامى عصام سلطان والدكتور محمد عبد اللطيف والدكتور مهندس صلاح عبد الكريم وآخرون فى يناير 1996 بطلب الى لجنة شئون الاحزاب لتأسيس حزب سياسى يحمل اسم الوسط وقد هدف المؤسسون من انشاء هذا الحزب الى توصيل رسالة محددة وهى وضع الحكومة فى مصر أمام اختبار حقيقى , تثبت فيه أنها غير مؤمنة أساسا بفكرة التعددية الحزبية , وأنها لن تسمح لقوة سياسية معينة وهى القوة الإسلامية لأن تعبر عن نفسها

( أولا ) برنامج حزب الوسط : ينقسم برنامج حزب الوسط الى البنود والعناصر التالية :

1- فى المرجعية العامة : تقوم رؤية الحزب على المبادىء والمقومات الأساسية الآتية : أن المرجعية الحضارية هى الاطار الذى لا يجوز الخروج عليه , ومنه تستمد كل الرؤى والبامج والأنظمة , وان الهوية المصرية جزء من كل هو الهويتين العربية والإسلامية , واعادة احياء دور الأمة باعتبارها مصدرا للسلطة ومعبرا أصيلا عن الشريعة وحاميا دائما لها , وبذلك يحل الحزب محل الدولة , ويعتبر أن الدستور هو دستور الأمة وليس دستور الدولة , ويطالب الحزب وفق هذا المنحنى بتغيير نظام الدولة الى نظام الأمة .
2 –فى الشريعة الإسلامية : يرى المؤسسون لحزب الوسط انه انطلاقا من ان الدستور المصري قد تتضمن في مادته الثانية النص على ان مبادىء الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع بالاضافة الى افتراض ان المرجعية الإسلامية العامة في مصر محل اتفاق المصريين جميعا بحكم التاريخ البالغ اربعة عشر قرنا وبضع سنين فأنه من أهم واجبات الحزب تنشيط عملية وضع نص المادة الثانية من الدستور موضع التطبيق بالنسبة لغير المسلم فالقاعدة الإسلامية ان يترك ومايدين حين تطبق عليه شريعته في الزواج والطلاق وتطبق عليه الشريعة الإسلام ية فيما لايتعارض مع العقيدة .
المبادىء الاساسية للنظام السياسي: لم يتضمن البرنامج موقف حزب الوسط من النظام السياسي الحالي في مصر ،سواء من حيث الشرعية وهل يمثل هذا النظام النظام المبتغى من وجهة نظره أم لا ؟ وانما رسم معالم ووضع اشتراطات للنظام السياسي الأمثل من وجهة نظره ،وذلك من خلال صياغته لاهم المبادئ والاسس التي ينطوي ويقوم عليها هذا النظام ، ومن ومن اهم هذه المبادئ : التعددية ،والأمة مصدر السلطات ،وتوكيل لا تمثيل ،وتطوير العمل الأهلي ، واستقلال المؤسسات الدينية عن الدولة .
الأزمة الحضارية في المجتمع المصري : يرجع حزب الوسط تدنى وتدهور الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الرا هنة في مصر، الى انها تمر بأزمة حضارية شاملة ، تتمثل أبرز مظاهرها في تصدع منظومة القيم في المجتمع ،والتي ادت بدورها الى بروز ظواهر لم يعرفها مجتمعنا من قبل مثل الاعتداء عاى المحارم جسديا وجنسيا ،وشيوع المال العام وصور الفساد الاداري والوظيفي ، مما يستدعي تقوية دور المؤسسات الدينية والاجتماعية وتطوير رسالة أجهزة الثقافة والاعلام والفن ،وأن يكون التعليم مجالا للتعددية المعبرة عن الامة ، فيأتي تعبيرا عن ٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍالقائمين عليه ،ويسمح بظهور مناهج وأساليب تعبر عن الثوابت الوطنية ،وأن يكون للأمة دورها في تحديد القواعد والأسس التي يجب ان يتضمنها النظام التعليمي محافظة على التماسك الاجتماع والثقافي لعموم الأمة . ٍ
5- العلاقات الخارجية والأمن القومى : ينطلق الحزب فى تعامله مع الوضع الدولى الجديد , من اعتقاد مؤسسيه الراسخ بامكان المساهمة فى التأثير فيه , وفى تشكيل ما قد يتمخض عنه من نظام دولى ويتميز الحزب برؤية غير تقليديةللوضع الدولى تتضمن تحديدا متميزا لحقيقة الوضع الراهن , تصحبهل جملة أسس توجه تعامل الحزب معه ومن أبرز هذه الأسس , التعايش السلمى بين أعضاء المجتمع الدولى واحترام المواثيق الدولية والمعاهدات ومبادىء القانون الدولى , وضرورة قيام الأمة بصيانة أمنها القومى وتنفيذ المشروع الحضارى المتميز للأمة وعلى المستوى الاقليمى يذهب الحزب الى ضرورة توحيد الأمة , وتحقيق تكاملها باعتباره شرطا أساسيا لنهضتها ومطلبا رئيسيا لشعوبها , وذلك من خلال البدء باقامة اتحاد تعاونى اقتصادى عربى اسلامى , واعمال مبدأ تحرير فلسطين وانتماء القدس العربى والإسلامى , وذلك من خلال تفعيل الانتفاضة مرة أخرى ومواجهة عملية الاستيطان المستمرة ,والرفض الشعبى لخطوات التطبيع الثقافى والرسمى مع المحتل الصهيونى .

ثانيا _ موقف لجنة الاحزاب من برنامج الحزب والتقدم بأوراق حزب الوسط المصري: عقب تقدم المهندس أبوالعلا ماضي– وكيل المؤسسين – بأوراق تأسيس حزب الوسط الى لجنة شئون الاحزاب أصدرت اللجنة عقب دراستها لبرنامج وأهداف الحزب الجديد المزمع انشاؤه قرارها فى مايو 1996 بالاعتراض على تأسيس الحزب , دون الاستماع لمؤسسى الحزب , وهو ما يخالف صحيح قانون الأحزاب , مما لجأ ازاءه المؤسسون الى دائرة الاحزاب السياسية فى المحكمة الادلرية العليا للطعن فى قرار اللجنة , ولكن المحكمة رفضت الطعن فى مايو عام 1998 , وأيدت قرار اللجنة فى رفض طلب تأسيس حزب الوسط .

ويمكن اجمال أسباب رفض لجنة شئون الاحزاب لطلب تأسيس حزب الوسط فيما يلى :

1- تعارض فكر وبرنامج الحزب مع الدستور , حيث تضمن برنامج الحزب أن الأمة هى مصدر السلطات , والدستور هو دستورها وليس دستور الدولة .
2- ينطوى برنامج الحزب على خلل باشتراطات قانون الاحزاب السياسية الذى يؤكد على ضرورة محافظة أى حزب سياسى على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى , وحيث أن برنامج حزب الوسط يطالب بتغيير نظام الدولة الى نظام الأمة , فانه قد يخالف شرطا جوهريا من شروط التأسيس والموافقة على انشاء أحزاب سياسية جديدة .
3- تثير مبادىء الحزب النعرات الطائفية والفرقة , وتعرض البلاد لخطر كبير خاصة مع تأكيده على تطبيق الشريعة الإسلامية على الجميع , وفى كل القضايا والمجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية , فيما عدا ممارسة الشعائر الدينية .
4- اشتمال برنامج الحزب على مشاركة المؤسسات الدينية مع المؤسسات الأخرى فى اختيار وكلاء الأمة , مما يعنى اقحام رجال الدين بصفتهم فى أمور السياسة , وخلق دور لهم فى العمل السياسى , واعطاءهم الحق والسلطة فى ادارة شئون الحكم بوصفهم أعضاء المؤسسة الدينية التى يمثلونها سواء أكانت اسلامية أو مسيحية , وبالتالى فان هذا الحق وفق ما ينادى به برنامجه قد أصبح حزبا دينيا وطائفيا , وهو نوع من الاحزاب التى حظر قانون الاحزاب السياسية تأسيسها .

عقب اعتراض لجنة الاحزاب السياسية على طلب المهندس أبو العلا ماضى تأسيس حزب الوسط, وتأييد دائرة الاحزاب السياسية بالمحكمة الادارية العليا لقرار لجنة الاحزاب السياسيةورفض الطعن من مؤسس حزب الوسط , لجأ أبو العلا ماضي وزملاؤه الى الأوساط السياسية بتقديم طلب جديد الى لجنة شئون الاحزاب لتأسيس حزب آخر , تحت اسم الوسط المصرى وقد تم ذلك بعد يومين فقط من صدور حكم دائرة الاحزاب السياسية فى المحكمة الادارية العليا برفض تأسيس حزب الوسط .

ويلاحظ على طلب حزب الوسط المصري أنه قد تضمن نفس البرنامج السياسى لحزب الوسط كما عرض سلفا , بالاضافة الى تضمن قائمة المؤسسين لنفس الأسماء والأعضاء التى تضمنتها قائمةالمؤسسين لحزب الوسط واجتمعت لجنة شئون الاحزاب فى سبتمبر 1998 لبحث طلب تاسيس حزب الوسط المصرى , واستمعت فى اجتماعها لشرح من المهندس أبو العلا ماضي, حول برنامج الحزب وأهدافه ونظامه الأساسى ,سة 21 سبتمبر 1998 أصدرت لجنة شئون الاحزاب قراراها بالاعتراض على طلب تأسيس الحزب , على أساس أن برنامج الحزب وسياساته وأساليبه مطبقة فعلا أو يجرى العمل على تطبيقها , وأنها وردت فى برنامج الاحزاب الأخرى القائمة , ولا يوجد بصمة واحدة وظاهرة يمكن أن تميزه تمييزا ظاهرا عن الاحزاب القائمة على الساحة السياسية وفيما يتعلق بفكرة تمثيل الأمة واختيار وكلائها فان هذا الفكر – وفق رأى لجنة شئون الاحزاب – يتناقض مع الدستور القائم الذى كفل للمواطن حقه فى الانتخابات والترشيح وابداء الرأى فى الاستفتاء ,كما يتعارض مع أحكام قانون الاحزاب السياسية الذى يشترط لتأسيس أى حزب الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى والنظام الاشتراكى الديمقراطى , وعدم قيام الحزب فى مبادئه أو فى برامجه ومباشرة نشاطه واختيار أعضائه على أساس طبقى أو طائفى أو فئوى أو جغرافى .

واضافت اللجنة الى ذلك بأن برنامج الحزب يكاد يتطابق فى مجموعه وعباراته وسياسياته وأساليبه مع برنامج حزب الوسط , الذى سبق الاعتراض على تأسيسه من جانب اللجنة .

وذكرت لجنة شئون الاحزاب أيضا أن برنامج الحزب لم يأت بجديد فى تطبيق الشريعة الإسلامية , فقد نصت المادة الثانية من الدستور على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع , ويتم الالتزام بهذا المبدأ فيما يصدر من تشريعات , فى ظل رقابة المحكمة الدستورية العليا , أما عما ينادى به الحزب من تطبيق الشريعة الإسلامية على غير المسلم , بما يتعارض مع العقيدة كأمور الزواج والطلاق , حيث تطبق عليه الشريعة الخاصة به , فان ذلك مطبق فعلا – فى رأى اللجنة – حيث تكفلت المادة 46 من الدستور بالنص على حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية , وهو ما وقر فى ضمير الأمة منذ دخول الإسلام البلاد , ونصت المادة 41 من الدستور على أن المواطنين لدى القانون سواء , وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة ولا يتميز بينهم فى ذلك , بسبب الجنس أو الأصل أواللغة أوالدين أوالعقيدة .

ب- حزب الشريعة ( تيار الجهاد الإسلامي )

تقدم المحامى ممدوح إسماعيل فى الثامن من أكتوبر 1999 بطلب الى لجنة شئون الاحزاب , للحصول على موافقتها لتأسيس حزب الشريعة وحول سبب تقدم حركة وتنظيم الجهاد بطلب لتأسيس حزب سياسى رغم تحريمه للعمل الحزبى , أرجع ممدوح إسماعيل أسبابه لمل يلى : أن الجماعات الإسلامية قررت انشاء وتكوين حزب يستند الى المرجعية الإسلامية فى اطار استراتيجية تهدف للوصول للجماهير , والخروج من خندق الارهاب الذى تحاول الحكومة وضع هذه الجماعات فيه , وقد لجأت الجماعات الإسلامية لهذه الخطوة بعد أن تأكدت أنه لا بديل أمامها للعمل فى السياسة سوى النشاط الحزب , خصوصا أن الدولة قيدت كل قنوات الاتصال بالجماهير بالعديد من القوانين المشبوهة وفى تصريحاته للصحف كشف ممدوح إسماعيل عن انشاء حزب سياسى للجماعات الإسلامية , سيكون أحد أسباب تكريس حالة الهدوء التى تتمتع بها البلاد , كما أنه سيساهم فى استيعاب الآلاف من شباب الإسلاميين الذين لجأوا الى العنف لفترة بعد ما سدت فى وجوههم كل المنافذ . وقد ضمت لائحة مؤسسى حزب الشريعة أصوليين كانوا يعتبرون من غلاة المتشددين ممن اتهموا فى قضية اغتيال الرئيس الراحل السادات وفى قضية عنف أخرى .

أولا – برنامج حزب الشريعة

وينقسم برنامج حزب الشريعة الى خمسة أقسام رئيسية هى :

1- المبادىء العامة : تنطلق الفلسفة الحاكمة للرؤية السياسية لحزب الشريعة من ثلاثة مبادىء , تدور حولها حركة الحزب وأفكاره وهى : الايمان بالشريعة الإسلامية , والايمان بالتعددية فى اطار النسق الإسلامى الحضارى , ومحورية دور الأمة فى النهضة السياسية والحضارية , ومركزية مبدأ الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى كافة الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية الداخلية والخارجية , وفق الفهم الإسلامى والدستورى والقانونى الصحيح .
2- قضايا المجتمع المصرى : ينطلق فى ذلك من رؤية اسلامية واضحة , تؤمن بأن النهضة الحقيقية للأمة العربية والإسلام ية تبدأ من مصر , التى هى بمثابة الجهاز العصبى للأمة من هذا المنظور , فان لحزب الشريعة موقفه الحاسم من القضايا التالية : الأزمة الاقتصادية , والعنف السياسى والاجتماعى , والعمل النقابى , والتعليم , والثقافة والاعلام والسياحة .
4- العلاقات الخارجية : ينطلق حزب الشريعة فى نظرته للسيلسة الخارجية من منظور اسلامى مصرى يراعى مصالح الأمة ولا يتصادم معها , ويرى أن هذه السياسة لابد أن تعى أبعاد الصراع الدولى والتطورات الدولية امحيطة بنا وموقفنا من هذا الصراع الكونى الحاصل حولنا , والمسمى تارة وفق الحزب بالنظام العالمى الجديد وتارة بالعولمة , وحين يصل الى منطقتنا يترجم عى أنه السوق الشرق أوسطية .ذات الاهداف الإسرائيلية الواضحة , فى الاستغلال السياسى والاقتصادى لثرواتنا ومصالحنا ويرى الحزب أن العلاقات الخارجية فى ظل هذه التحديات وفى اطار هذه الصورة العامة التى رسمها للغرب تتطلب منطقا اسلاميا واعيا بكل المتغيرات ,وملسما بها , ومتفاعلا معها من أجل نهضة مصر والأمة وبحثا عن عودة كاملة لفلسطين .
ولمواجهة الكيان الصهيونى والتصدى له بكافة السبل المتاحة والشرعية , وضع الحزب برنامجا دقيقا وشاملا من أبرز عناصره جبهة شعبية مصرية موحدة من كافة القوى والتيارات لمشروعات التسوية والتطبيع والتفاوض , والتوقيع على ميثاق شرف للصحفيين والكتاب والباحثين يكون بمثابة وثيقة ملزمة ضد عمليات الاختراق والتطبيع , والتصدى لعمليات تهويد القدس , والتوعية بالحقوق الفلسطينية والعربية , ومقاطعة المنتجات والمصنوعات الإسرائيلية , وتشجيع دراسة التراث الفلسطينى العربى – الإسلامى .

ثانيا – موقف لجنة شئون الاحزاب من طلب تأسيس حزب الشريعة

اجتمعت لجنة شئون الاحزاب فى أوائل عام 2000 للبت فى الطلب المقدم لتأسيس حزب الشريعة , واستمعت اللجنة أثناء اجتماعاتها الى عرض شفهى من وكيل المؤسسين حول برنامج وأهداف وقائمة المؤسسين للحزب وعقب المداولة بين أعضاء اللجنة أصدرت اللجنة قرارها بالاعتراض على الطلب المقدم من ممدوح إسماعيل وكيل المؤسسين بتأسيس حزب الشريعة وقدمت اللجنة عددا من الأسباب لرفض تاسيس هذا الحزب منها : ان الفكرة والمبدأ الأساسى للحزب هو تطبيق الشريعة الإسلام ية وفى هذا الشأن لم يأت الحزب بجديد , حيث ان المادة الثانية من الدستور قد حسمت المرجعية العامة للدولة , ونصت على أن الشريعة الإسلام ية هى المصدر الرئيسى للتشريع , وهو مبدأ يجرى العمل على تطبيقه ومراعاته حتى من قبل النص على ذلك فى الدستور , كما أن هناك لجانا عديدة مشكلة لمراجعة القوانين الأخرى لتغييرها واستبدالها بقوانين تتمشى مع الشريعة الإسلام ية كالقانون التجارى , هذا فضلا عن أن هذه الأفكار قد وردت فى برنامج الاحزاب الأخرى كالأمة ( ص 4 ) وحزب مصر الفتاة ( ص 62 ) وحزب مصر العربي الإشتراكي ( ص 90 و 91 ) وحزب الأحرار الاشتراكيين ( ص 1 ) وحزب التكافل الإجتماعي ( ص 9 ) وحزب الوفد ( ص 11 ) وحزب الخضر ( ص 5 ) .
وعن فكرة الحزب عن الايمان بالتعددية السياسية وبحق التعبير والحريات العامة , فقد ردت اللجنة على ذلك بالقول بأن المواد أرقام (4) و(47) (207) و(208) من الدستور قد نظمت استخدام هذه الحريات , كما تضمنت برنامج الاحزاب الأخرى هذا الفكر ومنها : أحزاب مصر العربي الاشتراكي والوطنى الديمقراطي والتجمع والوفد والديمقراطى الناصرى هذه المبادىء والحقوق والحريات العامة , ومن ثم فان برنامج الحزب لم يأت بجديد فى هذه الناحية . وعن المبدأ الذى ركز عليه الحزب وهو اعادة الاعتبار لدور الأمة والوحدة الوطنية بين عناصرها وتطبيق الشريعة الإسلامية على المسلمين والمسيحيين , فانه فان يتناقض ويتعارض مع الدستور الذى جعلى الدولة ومؤسساتها هى مصدر السلطات , وان الذى يقوم بالسلطة التشريعية هو مجلس الشعب الذى ينتخب أعضاؤه بالانتخاب العام المباشر من المواطنين .
وأما بشأن الجزء الثانى فى برنامج الحزب والذى كتب تحت عنوان فى قضايا المجتمع المصرى فان ما أورده برنامج الحزب لا يتضمن جديدا , حيث أن هذه القضايا تحظى باهتمام الحكومة , وأضافت اللجنة بأن هذه القضايا تعرضت لها برامج الاحزاب الأخرى , ومنها أحزاب العدالة والاتحادى الديمقراطى والأحرار الاشتراكيين والناصري والوفد ومصر الفتاة والتكافل الاجتماعي والشعب الاشتراكي .
ومن حيث الجزء الثالث الوارد فى برنامج الحزب عن العلاقات الخارجية , والجزء الرابع المعنون ب " مواجهة قضية الصراع العربى الإسرائيلى " فقد قالت اللجنة بان ما ورد فى برنامج الحزب فى هذا الشأن لم يخرج عن كونه عبارات انشائية لا تحمل جديدا ولا تضيف مستحدثا , حيث تضمنت برامج الاحزاب الأخرى نفس الأفكار , علاوة على ترديد العديد من الجمعيات والتنظيمات الأهلية والتقابات لهذه الأفكار والمبادىء العامة , فى التعامل مع الكيان الإسرائيلى .
وخلصت اللجنة من كل ما سلف الى أن برنامج حزب الشريعة تحت التأسيس لا يتضمن اضافة جديدة للعمل السياسى تميزه تميزا ظاهرا عن الاحزاب الأخرى , ومن ثم يكون فاقدا لشرط التميز الظاهر بالمفهوم الذى عناه المشروع فى المادة الرابعة من قانون الاحزاب السياسية , بالاضافة الى قيام الحزب عى أساس دينى , وهو ما يخالف أجكام الدستور المصرى الصادر فى 1971 , والذى يحظر انشاء أحزاب سياسية على أساس دينى . وقررت اللجنة بناء على ما سبق الاعتراض على تأسيس الحزب , ولم يكن هذا القرار مفاجئا لوكيل المؤسسين وزملائه , حيث توقعوا هذا القرار أثناء طرحهم لوثائقه .

ث‌- حزب الإصلاح

تقدم جمال سلطان وكيلا عن مؤسسى حزب الإصلاح فى أواخر عام 1999 بطلب للجنة شئون الاحزاب للحصول على موافقة اللجنة لممارسة الحزب العمل السياسى فى اطار قناة شرعية وأرجع جمال سلطان تأسيس الحزب الى جملة من الأسباب , كان ضمنها أن مصر لم تعرف حزبا سياسيا اسلاميا طوال تاريخها , بالاضافة الى تلقيه اشارات من قيادات الجهاد والجماعة داخل السجون ومن قيادات الجماعات فى الخارج , بالاستفادة من الوجود القوى للحالة الإسلام ية وترجمتها لفعل سياسى اسلامى .

أولا – برنامج حزب الإصلاح

قدم حزب الإصلاح برنامجا أكثر اكتمالا واحكاما من برنامج حزب الشريعة , فقد جاء برنامج الحزب ليضمن فى سطوره الأولى ما يشبه الاعتذار عن ممارسة العنف , والتأكيد على أن تلك المرحلة هى جزء من الماضى الذى لا يجب العودة اليه .
وقد تضمن برنامج حزب الإصلاح مواقفه وراؤه لنحو 13 قضية أساسية بدأها بالتأكيد على المرجعية الأولى للشريعة , ثم على ضرورة اصلاح الحياة الدينية وأحوال الأزهر وعلماء الدين , بحيث يكون علماء هذه الشريعة , أصحاب حصانى قانونية وأن تكون لهم سلطة فى حدود اختصاصاتهم الدينية , مكملة لسلطات الثلاث وأسوة بالسلطة الرابعة الصحافة وفى هذا الاطار , فقد رأى البرنامج أنه من الطبيعى أن يتمتع الأزهر بالاستقلالية , وأن يكون اختيار شيخ الأزهر بالانتخاب الحر بين علمائه , وليس بالتعيين من قبل السلطة التنفيذية , حتى لا يكون الحزب الحاكم وصاية وسطوة على مرجعية الشريعة فى المجتمع .
واعتبر البرنامج أن من أولى الفرائض العامة التى يوجبها علينا احترام الدستور والعمل به , أن نبذل كل جهد من أجل مجاهدة مظهر من مظاهر تبديل أوتغير شرع الله , والدعوة الى تنقية القوانين من كل ما يخالف الشريعة الإسلامية ثم تنقل البرنامج بدءا من البند الثالث الى الحديث عن قضايا حقوق الانسان والحريات العامة , واتخذ موقفا متقدما فى اتجاه الاعتراف ببعض قواعد الديمقراطية والتعددية الحزبية حتى لو كانت تعددية مقيدة , وهو بلا شك تطور كبير ومحمود , خاصة حين يأتى من أحد أبرز مدارس العنف الدينى فى مصر , والتى كانت حتى العقد الماضى تكفر تقريبا بالديمقراطية وتجربة التعددية الحزبية فى البلاد .
وقد أشار برنامج الحزب الى اعلائه لقيم حقوق الانسان بمقهومها الواسع من خلال ثوابت الفطرة الانسانية , وثوابت الشريعة الالهية , والتأكيد عليها طبقا للدستور والمواثيق الدولية , وتحريم كل ما من شأنه أن يمثل اعتداء على هذه الحقوق , وملاحقة كل من يقترف اثم اهدار حقوق الانسان جنائيا وقضائيا , أيا كان موقعه أو منصبه .
وقد اعترف برنامج حزب الإصلاح بحرية الرأى والتعبير , ولكن وفقا لأحكام الشريعة , كما أقر مبدأ الالتزام برأى الأغلبية , ولكن فيما لا يخالف الشريعة الإسلامية مخالفة قطعية , فلا طاعة فى معصية ولا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق , كما أكد أيضا على حرية تأسيس الروابط والمنظمات والجمعيات السياسية (الاحزاب ) والثقافية والعلمية والاجتماعية , ويحظر ما كان نشاطه معاديا لعقيدة المجتمع , أو مخالفا بأى وجه من الوجوه لأحكام الشريعة القطعية , أو تقاليد المجتمع وموروثاته الخلقية والاجتماعية .

ثانيا – موقف لجنة شئون الاحزاب من طلب تأسيس حزب الإصلاح

استمعت لجنة شئون الاحزاب فى مارس 2000 الى شرح وتوضيح من جمال سلطان وكيل المؤسسين , حول أهداف وبرنامج حزب الإصلاح .
وبعد عدة جلسات اعترضت اللجنة على الطلب المقدم من جمال سلطان لتأسيس حزب الإصلاح , وساقت عدة أسباب لذلك الرفض من بينها : تعارض مبادىء وأفكار الحزب مع مواد الدستور الحالى والصادر فى عام 1971 , بالاضافة اى اخلال الحزب بالشروط التى وضعها قانون الاحزاب السياسية لتأسيس أحزاب جديدة , ومن أبرز هذه الشروط : ألا يقوم الحزب على أساس دينى أو طائفى يتعارض مع مواد الدستور علاوة على ما سبق , فان برنامج الحزب – وفق رأى اللجنة – لم تتحقق فيه صفة التميز عن برامج الاحزاب السياسية القائمة حاليا .
ولم تخرج تفصيلات وحيثيات قرار اللجنة تجاه تأسيس حزب الإصلاح عن تلك التفصيلات والحيثيات , التى عرضتها أثناء رفضها لتأسيس الاحزاب ذات التوجه الإسلامى عموما ومنها أحزاب : الوسط والوسط المصرى والشريعة مما يؤكد أن المبرر الأكثر شيوعا فى رفض تأسيس أحزاب اسلامية هو عدم تميز برنامج الحزب , الى جانب اعتبار بعض البرامج مخالفة للدستور .

الاحزاب ذات التوجه القومى

رفعت بعض الاحزاب تحت تأسي شعارات ومبادىء تؤكد على حتمية الوحدة والتكامل الاقتصادى العربى , باعتبارها مدخلا وظيفيا لتحقيق وحدة سياسية أشمل تضم الدول العربية , فى كيان سياسى موحد على غرار تجربة الاتحاد الأوروبى وقد جاءت بعض هذه الاحزاب نتيجة انشقاق بعض القيادات عن أحزاب الناصرى والعمل والأحرار , وشكلت مشروعا حزبيا جديدا أخذ مسمسى : الكرامة ,والطليعة العربية, والتحالف الشعبي القومي الديمقراطي , والنهضة .

وعلى الرغم من وجود نقاط اتفاق عامة بين أحزاب هذا التوجه , الا أنها تباينت فيما بينها حول قضايا الشأن المصرى , فبعضها يطالب بتجميد وانهاء عمليات الخصخصة , وبعضها ينادى بمراعاة الجانب الاجتماعى أثناء تنفيذ برنامج خصخصة الشركات والمصانع المملوكة للقطاع العام .

وفى حين اتفق الجميع من أحزاب هذا التوجه على رفض أن يكون الدين عنصر تميز لمواطن على آخر , أو عنصرا حاكما للنظام السياسى فى مصر , الا أنم اختلفوا فى تناول قضية السلام والصراع العربى الإسرائيلى , وقضية التحول الديمقراطى فى مصر وأدوات تحقيقها .

ومما لا شك فيه , ان تلك الاحزاب وضعت برامج محددة وقد رفضت لجنة الاحزاب تأسيس تلك الاحزاب .

حزب الطليعة العربية

تقدم محمد محمود البدرشيني الى لجنة شئون الاحزاب بمجلس الشوي فى عام 1993 بطلب لتأسيس حزب الطليعة العربي , وأرفق بطلبه نسخة من برنامج الحزب وقائمةالأعضاء المؤسسين . أولا – برنامج حزب الطليعة العربية

قسم حزب الطليعة العربية برنامجه الى ثلاث أبواب تحدث الباب الأول عن النظام السياسى , والباب الثانى عن النظام الاقتصادى , والثالث عن النظام الاجتماعى , وانتهى البرنامج ببيان عن أوجه التميز فىهذا البرنامج فبالنسبة للنظام السياسى : تضمن البرنامج عدم تجاوز تولى رئيس الجمهورية فترتين للرئاسة , وتخليه عن رئاسة أى حزب , وعدم الجمع بين عضوية المجالس التشريعية والوظائف الحكومية واستكمال الصفة التشريعية لمجلس الشوي , ورفع القيود عن الاحزاب , وحرية تأسيس الاحزاب .

وفى الباب الثانى , يرى الحزب تجنيب المواطن المصرى سلبيات مرحلة التحول الاقتصادى , بحيث يستهدف التحول : تحقيق العدالة الإجتماعية , وتوسيع مظلة التأمينات وادخال التأمين ضد البطالة , وتغليب الملكية الجماعية والتعاونية عى الملكية الفردية , وتحرير العملية الاستثمارية من كافة القيود , واقتحام مواطن الفساد والابقاء على الدعم للفئلت غير القادرة .

وفى الباب الثالث الخاص بالنظام الاجتماعى , يؤكد برنامج الحزب على أهمية دور المواطن الفرد , و الاهتمام بدور المرأة , واعمال التشريعات الخاصة بحماية الأسرة والطفولة .

وفى مجال التعليم ذهب الحزب الى ضرورة توجيه مخصصات التعليم لتنمية المعرفة العلمية وضرورةرعاية الدولة للمتفوقين من غير القادرين وأن تنهض المؤسسات الصناعية بدورها فى تبنى وتعزيز منشآت التعليم التخصصى .

وفى الشئون الدولية يرى الحزب ضرورة نزع الأسلحة الذرية والنووية , والتأكيد على الهوية العربية والافريقية لمصر وحتمية تحقيق التكامل الاقتصادى العربى مع اقامة سوق عربية مشتركة , وتوسيع دور جامعة الدول العربية كأداة لتحقيق التكامل العربى والنظر فى تكوين جيش عربى موحدا .

وانتهى الحزب فى برنامجه الى توضيح أوجه التميز فى برنامجه , وهى تشريعيا : الغاء تشريع التفويض ودوليا : تحقيق السلام العادل وحتمية التكامل العربى وداخليا : حرية تشكيل الاحزاب , ورفض أن يكون الدين عنصر تميز لمواطن على آخر , وحماية المواطن من سلبيات التحول الاقتصادى .

ثانيا – موقف لجنة شئون الاحزاب من طلب تأسيس حزب الطليعة العربية

عقب استماع اللجنة لشرح من محمد البدرشينى وتدارسها لبرنامج الحزب وقائمة المؤسسين قررت فى 9 أكتوبر 1994 الاعتراض على تأسيس هذا الحزب , وكان السبب الذى قام عليه اعتراض لجنة شئون الاحزاب يتلخص فى عدم تميز برنامج الحزب وسياساته تميزا ظاهرا عن برامج الاحزاب الأخرى , وبالتالى افتقاره الى ملامح الشخصية الحزبية المتميزة التى تشكل اضافة جادة للعمل السياسى , حيث برنامج الحزب يقوم على مبادىء عامة وسياسات مشابهة لبرامج أحزاب قائمة أو أنه يتبنى شعارات وأفكارا منصوصا عليها فى الدستور وفى التشريعات القائمة .

حزب التحالف الشعبي القومي الديمقراطي

تقدم الدكتور فوزى خليل محمد غزال وكيل المؤسسين عن حزب التحالف الشعبي القومي الديمقراطي فى 10 أكتوبر 1995 بطلب الى رئيس مجلس الشوي بصفته رئيسا للجنة شئون الاحزاب السياسية للموافقة على تأسيس هذا الحزب , وأرفق بطلبه برنامج الحزب ولائحة نظامه الأساسى وتوكيلات عن 64 عضوا من المؤسسين منهم 24 فئات و40 من العمال والفلاحين .

أولا – برنامج حزب التحالف الشعبي القومي الديمقراطي

تضمن برنامج حزب التحالف القومى الديمقراطى مقدمة ركز فيها على الممارسة الديمقراطية الكاملة القائمة على مبدأ السيادة الشعبية اضافة الى سبعة أبوب .
اختص الباب الأول منها باختيار القيادات والهيئة التنفيذية وعلى قمتها رئيس الجمهورية واعادة التقسيم الادارى لمحافظات الجمهورية لمواجهة الزيادة المطردة فى اعداد السكان واستجابة للتغيرات الاجتماعية . وخصص برنامج الحزب الباب الثانى منه للمؤسسات القومية المتخصصة وهى : المؤسسة القومية للتعليم والثقافة والبحث العلمى والقوى العاملة , والمؤسسة القومية للنقل والمواصلات , والمؤسسة القومية للصحة ... وغيرها , وحدد البرنامج مهام ووظائف واختصصات كل مؤسسة على حدة .
وتناول برنامج الحزب فى الباب الثالث الهيئة التشريعية , التى يرى أنها تتكون من مجلسين هما : مجلس النواب الذى ينتخب أعضاؤه بالاقتراع السرى المباشر , ومجلس الشيوخ الذى يتم تعيين أعضائه من الشخصيات العامة. وركز برنامج الحزب فى الباب الرابع منه على تقديم تصوراته وحلوله لعدد من القضايا مثا : التعليم , والأمية , والزراعة واستصلاح الأراضى , والتجارة , والصحة , والبيئة , والصحة والعلاج , والعمالة الحرفية .
كما خصص برنامج الحزب الباب الخامس لسبل تحقيق الوحدة العربية , التى تتضمن دعم الصلات بين التنظيمات الشعبية والاتحادات والنقابات فى جميع البلاد العربية , وانشاء السوق العربية المشتركة ورفع القيود أمام انتقال البضائع والأفراد وتشكيل لجان برلمانية عربية متخصصة .
أما الباب السادس فقد تناول السياسة الخارجية , حيث أورد برنامج الحزب عددا من الضوابط والثوابت التى ينبغى مراعاتها فى السياسة الخارجية المصرية .
وأخيرا , أفرد الباب السابع لنقاط ختمامية , تؤكد على حق المواطنين فى الاضراب والتظاهر السلمى المنظم للتعبير عن الرأى ويكون لجميع الاحزاب حقوق متساوية فى العمل الجماهيرى وفى جميع وسائل الاعلام ثانيا – موقف لجنة شئون الاحزاب من طلب تأسيس حزب التحالف الشعبى القومى الديمقراطى اعمالا لنص المادة الثامنة من قانون نظام الاحزاب رقم 40 لسنة 1977 والمعدل بقانون رقم 221 لسنة 1994 قام رئيس لجنة شئون الاحزاب بعرض طلب التأسيس على اللجنة بجلستها المنعقدة فى 8 فبراير 1996 حيث استمعت اللجنة لملاحظات مقدم الطلب أعقبها صدور قراراها فى اجتماعها المعقود بتاريخ 14 فبراير 1996 بالاعتراض على الطلب المقدم فى هذا الشأن .
وأقامت اللجنة قرارها على أساس أن الحزب غير جدير بالانضمام الى حلبة النضال السياسى مع بقية الاحزاب القائمة ,اذ ان برنامج الحزب يفتقر الى ملامح الشخصية الحزبية المتميزة وأنه فيما عرض بالنسبة لنظام الحكم يعد مخالفا للقواعد الدستورية المقررة , وأنه فى باقى ما عرض من أمور واقتراحات افتقر الى أى تميز يمكن معه أن يشكل اضافة جادة للعمل السياسى , وفى العديد مما ورد به يعتبر ترديدا لبرامج وخطط قائمة أو يجرى تنفيذها لسبق طرحها من جانب أحزاب سابقة , بل ان الأمر وصل فى هذا الخصوص الى القول بأن ما ورد برنامج الحزب من مقترحات سبق أن أوردها برنامج الحزب الوطني الديمقراطي .
وأضافت لجنة الاحزاب بأن الحزب لم تتوفر فيح الشروط التى تطلبها المادة الثانية والبند ثانيا من المادة الرابعة من القانون رقم 4 لسنة 1977 بنظام الاحزاب السياسية , لما لبث من أن برنامجه يتشابه فيما ورد عن قضية التعليم مع برامج أحزاب الوطنى ,, والعمل الاشتراكى , والوفد الجديد والعدالة الإجتماعية ومصر العربي الاشتراكي , والأمة . واختتمت اللجنة تقريرها بأنه ترتيبا على ما سلف , فانها تقرر الاعتراض على الطلب المقدم من وكيل مؤسسى الحزب المذكور .

حزب النهضة

قدم نبيل عبد العليم السيد فوده بصفته وكيلا عن طالبى تأسيس حزب النهضة فى 6 يونيه 1993 بطلب الى رئيس مجلس الشوي بصفته رئيس لجنة شئون الاحزاب للموافقة على تأسيس الحزب وأرفق بطلبه بيانا بأسماء المؤسسين له ومهنهم ومحال اقامتهم , وبلغ عدد المؤسسين 70 مؤسسا منهم 25 فئات و45 عمالا , كما أرفق بطلبه برنامج الحزب والائحة الداخلية له .

أولا – برنامج حزب النهضة

يمكن ابراز أوجه التميز فى برنامج حزب النهضة عن غيره من الاحزاب فيما يلى :

1- الاهتمام باعداد الفرد كأساس للتنمية البشرية .
2- تحديد وظيفة الدولة وقصرها فى اضيق الحدود على أداء الوظائف السيادية التقليدية المتعارف عليها , مما يحد من الانفاق العام من ناحية , ويفسح الطريق أمام الابداعات الفردية من ناحية أخرى .
3- اقتصاد السوق : تبنى البرنامج فكرة عدم خضوع القرارات الاقتصادية وتوظيفها لخدمة أغراض سياسية أو اجتماعية , وألزم الافراد بدفع الثمن الحقيقى لتكلفة السلع والخدمات , وطالب بالغاء الدعم نهائيا , ورفع الحد الأدنى للأجور وجعل الحد الأقصى للضرائب 20 بالمائة .
4- وفى المجال السياسى والحريات العامة: طرح الحزب فكرة المحلفين للأخذ بها فى النظام القضائى المصرى , وطالب باعادة النظر فى نظام السجون والعقوبات السالبة للحرية , والغاء قانون الاحزاب السياسية والسماح بانشاء الاحزاب دون قيود .
5- فى المجال الاجتماعى : طرح الحزب بعض الافكار المميزة له ,منها مشاركة مجالس الآباء فى العملية التعليمية , وتخصيص نسبة من الأرباح لتحقيق التقدم والبحث العلمى , كما أفراد فصلا خاصا للقاهرة كعاصمة لتطويرها والنهوض بها .

ثانيا – موقف لجنة شئون الاحزاب من طلب تأسيس حزب النهضة

عرض طلب تاسيس حزب النهضة على لجنة الاحزاب بجلساتها المؤرخة فى 16-6- 1993 ,18-7-1993 , 15-6-1993 , 28-9-1993-, وبجلسة 10-10-1993 أصدرت اللجنة قرارها المطعون فيه بالاعتراض على الطلب المقدم من نبيل عبد العليم فوده بتاسيس حزب باسم حزب النهضة .
وأقامت اللجنة قرارها على أنه بمراجعة برنامج الحزب , تبين لها أنه يفتقر الى شرط التميز الظاهر يتضمن جديدا , أو أن برنامجه ليس نابعا من فكر جديد , واما أنه يقوم على فهم خاطىء للاوضاع الدستورية أو القانونية القائمة بالفعل , بل تتضمن بعض فقراته مخالفة لمبادىء ثورة 23 يوليو , وأن البعض الآخر انما هو شعارات ومبادىء عامة دون أن يتبين منها كيفية تنفيذ هذا البرنامج . وفصلت اللجنة فى تقريرها حيثيات الاعتراض حسب التسلسل الوارد ببرنامج الحزب , من آراء فى مجالات الاصلاح السياسى والاقتصادى والقضائى والاجتماعى .
ورأت اللجنة , أنه لكل ما تقدم فان برنامج الحزب بوضعه الحالى يفتقر من وجهة نظر اللجنة الى التميز الظاهر , كما أنه ينطوى على مخالفة لبعض مبادىء ثورة 23 يوليو , ومن ثم يكون غير جدير بالانتماء الى حلبة النظام السياسى مع باقى الاحزاب القائمة , ولذلك قررت اللجنة الاعتراض على الطلب المقدم من نبيل عبد العليم السيد فوده بتأسيس حزب سياسى .

الاحزاب ذات التوجه الداخلى أو المحلى

يقصد بهذا النوع من الاحزاب ذلك الذى يغلب عليه تناول القضايا والهموم المصرية على كافة ما عداها , سواء عربية أواسلامية , وتركز تلك الاحزاب على طرح الحلول انطلاقا من رؤية مصرية , تأخذ فى حسابها التجارب السياسية والاقتصادية الأخرى , وتجىء معظم طلبات تأسيس هذا النوع من الاحزاب غالبا من أشخاص لا ينتمون الى أى حزب سياسى موجود على الساحة , أو كانوا أعضاء فى أحزاب تنتمى الى خط الوسط وانشقوا عنها مثل : الوطنى والتجمع والعمل ... وغيرها , ومن أبرز أحزاب هذا النوع كل من الحزب الجماهيري الديمقراطي المصري ,والحزب الدستوري , وحزب السادات .

وقد رفضت لجنة الاحزاب السياسية بعد قراءة برامج هذه الاحزاب طلب تاسيسها .

الحزب الجماهيري الديمقراطي المصري

قدم عادل عبد الحليم والى بصفته وكيلا عن طالبى تأسيس حزب باسم الحزب الجماهيري الديمقراطي المصري طلبا بتاريخ 4 مايو 1994 الى رئيس لجنة شئون الاحزاب السياسية يطلب فيه الموافقة على تأسيس هذا الحزب , وأرفق بالطلب قائمة بأسماء الأعضاء المؤسسين البالغ عددهم 66 عضوا منه 35 من العمال والفلاحين و 31 عضوا من الفئات , بالاضافة الى كتاب يضم أهداف الحزب ومبادئه وبرنامجه ولائحة نظامه الأساسى .

أولا – برنامج الحزب الجماهيري الديمقراطي المصري

بلاطلاع على برنامج الحزب الجماهيري الديمقراطي المصري تبين أنه يتضمن مقدمة وخمسة أبواب : تناول الباب الأول الاطار الفكرى , وجاء فيه أن الشريعة الإسلام ية الغراء مصدر هداية ونور وحب وتعاون , كما يؤمن مؤسسو الحزب بأن حرية الانسان هى أكبر حوافزه على العمل والانتاج , ويرفع الحزب – تحت التأسيس – شعار ( كلنا مصريون وطنيون نعمل من أجل بناء مصر ) وأن الاهداف الأساسية للحزب ترتكز على الانسان المصرى .
ضم الباب الثانى من برنامج الحزب ( أهداف الحزب ونقاط التمتيز الظاهر عن الاحزاب الأخرى ) ففى نظام الدولة يرى الحزب تعديل المادة 76 من الدستور , لتصبح الاجراءات الخاصة بترشيح رئيس الجمهورية من المؤسسة العسكرية .
كما يرى الحزب أن مشكلة البطالة يمكن حلها عن طريق السماح للشباب الراغبين فى استخراج تراخيص قيادة مهنية , وتكريم العمل اليدوى , وكلها حلول غير تقليدية تجعل الحزب يتميز تميزا ظاهرا لم يسبق اليه أى حزب آخر كما يضع الحزب خطة للقضاء على ظاهرة التطرف والارهاب , من خلال الحوار , ورفع المستوى الفكرى والثقافى للشباب , والعودة الى المعسكرات الصيفية وتشغيل شباب الجامعات .
واختتم الحزب الباب الثانى من برنامجه ببحث قانونى عن التمايز , استعرض فيه فقرات من بعض أحكام المحكمة الادارية العليا , دائرة الاحزاب , ورأى الحزب أن برنامجه حقق التميز على النحو الذى قصده قانون الاحزاب .
ويستعرض الباب الثالث فى برنامج الحزب المقومات الأساسية له , فهو يؤمن برفض الارهاب , وبحرية تكوين الاحزاب دون قيد ولا شرط عدا ما تقوم على أساس دينى , وباستكمال الديمقراطية وبحرية الشعب فى ممارسته لحقوقه السياسية .
كما يرى الحزب أن التنمية الاقتصادية هى التى تعززأوضاعنا الوطنية القومية والدولية , ويؤمن الحزب بالتخطيط العلمى السليم وبدور القرية المصرية , والنهوض بها , ومنع الهجرة من الريف الى الحضر وباعادة البناء والتعاون الدولى .
ويشتمل الباب الرابع الذى يجىء تحت عنوان استراتيجية السياسات العامة لبرامج الحزب على أنه يجب أن تلتزم الحكومة بمبدأ سيادة القانون .
ويختتم الحزب برنامجه بالسياسة الاقتصادية , حيث يضع عناصر جديدة لاستراتيجية الاصلاح الاقتصادى ( ص 87 حتى 96 ) وعن السياسة الزراعية , يضع الحزب خطة زراعية أسماها المشروع القومى للحزب الجماهيرى الديمقراطى المصرى .

ثانيا – موقف لجنة شئون الاحزاب من طلب تأسيس الحزب الجماهيري الديمقراطي المصري

بعد عرض طلب تاسيس الحزب الجماهيرى الديمقراطى الجديد على لجنة شئون الاحزاب السياسية بتاريخ 11- 5- 1994 , وبجلسة 24 – 8- 1994 اصدرت اللجنة قرارها بالاعتراض على الطلب المقدم من عادل عبد الحليم حسن والى بتأسيس حزب باسم الحزب الجماهيري الديمقراطي المصري , وذلك لأن الحزب تحت التأسيس لم يقدم فى برنامجه أى جديد موضوعى يكسبه ملامح الشخصية الحزبية المتميزة , التى تشكل اضافة جديدة وجادة للعمل السياسى , أو تميزه تميزا ظاهرا عن برامج الاحزاب القائمة بالاضافةالى عدم اتسامه بالتحديد واغراقه فىالخبال , وعدم حفاظه على المكاسب الإشتراكية , ومخالفة القانون رقم 33 لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخية والسلام الاجتماعى , الأمر الذى يتنافى مع أحكام المادتين الثالثة والرابعة ( أولا , وثانيا, ثالثا ) من القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الاحزاب السياسية , مما يتعين معه عدم اجازة عمله فى الساحة السياسية . واستندت لجنة الاحزاب فى قرارها , بعد أن تدارست مبادىء وأهداف وبرنامج الحزب , وفى ضوء النصوص القانونية والمبادىء التى أرستها الأحكام القضائية – على أن :
1- ما يدعو اليه الحزب فى شأن اختيار رئيس الجمهورية ونائبه ورئيس الوزراء أمر يخالف النظام العام للمجتمع المصرى , الذى ينأى بالقوات المسلحة والشرطة والقضاء عن معركة السياسة .
2- أن ما يدعو اليه الحزب من الغاء ما نصت عليه المادة 87 م الدستور , من تقرير نسبة 50 بالمائة على الأقل للعمال والفلاحين فى المؤسسات التشريعية والمحلية يخالف صراحة نصوصا دستورية وقانونية .
3- أن برنامج الحزب عن السياسة الاقتصادية , لا يعدو أن يكون تقريرات عامة , او مقتطفات منقولة عن مقالات وبحوث اقتصادية مطروحة فى الساحة فى مرحلة التحول الاقتصادى , التى يجتازها المجتمع المصرى .
3- ان كل ما يدعو اليه الحزب فى مجالات الثقافة والاعلام والسياحة والشئون الدينية والاجتماعية , وغيرها من الأموركانشاء المكتبات واصدار كتيبات بأسعار معقولة , وتسهيل استقبال السائحين والاهتمام بالمرشدين السياحيين , والاهتمام بتدريب رجال الوعظ والارشاد ورعاية المعوقين , واعادة النظر فى قانون الضمان الاجتماعى , كل ذلك أمور قائمة فعلا وتوليها حكومة الحزب الوطني رعاية كاملة .

الحزب الدستوري

قدم وحيد محمد خالد غازي عن نفسه وبصفته وكيلا عن طالبى تأسيس الحزب الدستوري طلبا الى رئيس لجنة شئون الاحزاب السياسية للموافقة على تأسيس الحزب الدستوري وأرفق بطلبه قائمة بأسماء مؤسسى الحزب وعددهم 63 شخصا منهم 40 من العمال والفلاحين 23 من الفئات , كما أرفق بطلبه كتيبا بمبادىء الحزب وبرامجه وأساليب ولائحة نظامه الداخلى .

أولا – برنامج الحزب الدستوري

باستقراء برنامج الحزب الدستوري تبين أنه يقوم على مبادىء عامة تتمثل فى ايمان الحزب الدستوري بالفرد باعتباره الركيزة الأساسية للمجتمع , لذا يتعين على الدولة أن تهيىء له كل وسائل الانطلاق لتحقيق حريته الفكرية والسياسية والاقتصادية فى حدود الدستور والقانون , ويكون من حقه المطالبة بتعديل ما يراه من نظام وقوانين عن طريق القنوات الشرعية , كما يؤمن الحزب بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى ,وان يكون الحوار هو أساس العمل السياسى ,وان الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى كما يأخذ بمبدأ الفص بين الدين والدولة , فالدين لله والوطن للجميع .
ثم حدد البرنامج عشرة مبادىء يقوم عليها وهى : ضمان الحريات العامة ,وتوزيع وتداول السلطة , والاسراع بخطوات الخصخصة وتحديث الخدمات العامة المقدمة للمواطنين , والقضاء على ظاهرتى البطالة والتسول , وتشجيع اندماج مصر فى النظام العالمى الجديد بمؤسساته المتعددة .

ثانيا – موقف لجنة شئون الاحزاب من طلب تاسيس الحزب الدستوري

عرض طلب تاسيس الحزب الجمهورى على لجنة شئون الاحزاب السياسية فى 24 أغسطس 1994 , واستمر نظره بجلسات تالية حيث استمعت اللجنة الى وكيل المؤسسين وحيد غازي , الذى شرح مبادىء الحزب وبرنامجه لتحقيق هذه المبادىء وأوجه تميزها عن برنامج الاحزاب القائمة ,وبجلسة 8 ديسمبر 1994 , أصدرت اللجنة قرارها بالاعتراض على الطلب المقدم من وحيد غازي لتأسيس الحزب الدستوري . وأقامت اللجنة قرارها على أساس أنه قد تبين لها من دراسة برنامج الحزب طالب التأسيس , أنه بفتقد لشرط التميز الظاهر الذى عنته المادة الرابعة من القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الاحزاب السياسية .
وااستندت اللجنة الى الأمور التالية للتدليل علىافتقاد برنامج الحزب لشرط التميز .
فبداية رأت اللجنة , ان برنامج الحزب كما هو موضح فى المبادىء العشرة سالفة البيان , لم يطرح فكرا متميزا ظاهرا عما ورد فى برنامج الاحزاب القائمة,وانما هو ترديد لبعض المبادىء الواردة فى الدستور أو فى برامج الاحزاب الأخرى .
فمثلا بالنسبة لما ورد فة المبدأ الأول والذى يتعلق بالحريات العامة وهى : حرة الرأى والعقيدة والتملك والديمقراطية وسيادة القانون , وحماية الملكية الخاصة , وعدم المساس بها عن طريق الحراسة أوالتأميم , وحق الفرد فى اللجوء الى قاضيه الطبيعى , فقد تكفل الدستور بتضمين هذه المبادىء ضمن المواد الخاصة به , واعتبرها من مقومات المجتمع التى يقوم عليها وتلتزم بها كافة السلطات فىالدولة , بالاضافة الى أن كل ما تقدم ورد النص عليه ضمن برامج بعض الاحزاب القائمة .
وبناء على ذك , فان الحزب لم يأت بجديد عما ورد فى برامج الاحزاب الأخرى القائمة على الساحةالسياسية , وهذا الأمر يسرى على سائر البنود الأخرى المتعلقة بالسياسة الخارجية والزراعية والثروة الحيوانية والتأمينات الاجتماعية والتعليم والشباب , ومعالجة ظاهرتى البطالة والتسول , اذ لايوجد فى سياسة الحزب وأهدافه السمة البارزة التى يمكن أن تحدد له شخصية متميزة ومنفردة عن غيره من الاحزاب فى هذه الاهداف والمبادىء أو فى كيفية ووسائل القضاء عليها بمعالجتها .

حزب السادات

قدم محمد محمود عبد الوهاب فى يوم 8 أكتوبر 1995 بصفته وكيلا عن مؤسسى حزب سياسى باسم حزب السادات طلبا الى السيد الدكتور رئيس لجنة شئون الاحزاب السياسية , يطلب فيه الموافقة على تأسيس هذا الحزب , وأرفق بطلبه برنامج الحزب ولائحة نظامه الأساسى وكشفا بأسماء الأعضاء المؤسسين البالغ عددهم 73 عضوا منهم 23 من الفئات و50 من العمال والفلاحين وبالعودة الى برنامج الحزب الذى تقدم به وكيل المؤسسين تبين أنه استهل البرنامج بمقدمة أشار فيها الى مؤثرات العمل الوطنى الخالص لله وللوطن والذى بدأ فيما نادت به ثورة 1919 .

أولا – برنامج حزب السادات

تناول برنامج الحزب الأمور التالية :

1- الشئون الخارجية : يدعو الحزب الى تدعيم جامعة الدول العربية وتوثيق الروابط بين شعوبها , والتضامن معها فى استكمال حقوقها الشرعية , وانشاء محكمة العدل العربية وتحقيق الوحدة بين شعبى مصر والسودان باعتبار وادى النيل وطنا مشتركا , مع بذل الجهد لتحقيق أهداف ميثاق الأمم المتحدة فى قرار السلام العادل , لجميع شعوب المنطقة , استعادة واحة جغبوب وردها لى أرض الوطن عن طريق المفاوضات والتحكيم الدولى .
2- الدفاع : يرى الحزب ضرورة زيادة حجم القوات المسلحة الدفاعيم لصون استقلال الوطن وسلامة أراضيه , وتمكين البلاد من المساهمة فى الحفاظ على الأمن الاقليمى والسلام العالمى .
3- الشئون الداخلية : يطالب الحزب باعادة بناء الدولة على أساس العدل والحق والحرية , وذلك باحترام كرامة الفرد , وكفالة حرية الرأى , وتوطيد الحكم الديمقراطى , والدعوة الى تعبئة عامة تشمل صفوة المفكرين من أبناء الوطن للعمل على تحقيق الأهداف القومية , واستقرار الحكم الدستورى ,وتكوين رأى عام حر مستنير لرسم معالم الغد , وذلك بتقرير حرية نقل الأعضاء الصحيحة ونشر الحقائق على الشعب واشاعة روح الشورى فى البلاد وتعديل طريقة الانتخاب .
4- الشئون الاقتصادية : يدعو الحزب الى قيام ديمقراطية اجتماعية واقتصادية , ويتمثل ذلك فى أن يكون الاقتصاد القومى قائما على تحقيق رفاهية الفلاح والعامل ورفع مستواهما , وزيادة الثروة القومية فى مجال الزراعة والصناعة والتجارة , واستغلال الموارد الطبيعية على أساس البحوث العلمية والنظم الفنية.
5- الشئون الاجتماعية : عرض الحزب هذا البند ما أسماه المجتمع المصرى , مطالبا باقامة مجتمع على أساس الدين والأخلاق والوطنية , مبديا تصوراته بالنسبة للركائز التى تقوم عليها .
واختتم الحزب برنامجه بما يراه بالنسبة لنظام الحكم بأن يكون ذلك النظام الذى أعلن يوم 18 يونيو 1953, وهو النظام الجمهورى الذى يقوم على الشرعية الدستورية وليست الشرعية الثورية , وطالب الحزب بمزيد من الحريات والمحافظة على السلام الاجتماعى والوحدة الوطنية وكل مكاسب الشعب المصرى , وأن تكون مبادىء الشريعة الإسلام ية هى المصدر الرئيسى للتشريع .
6- ثانيا - موقف لجنة شئون الاحزاب من طلب تأسيس حزب السادات على لجنة الاحزاب فى 21 أكتوبر 1995 , وتم نظره على مدى عدة جلسات , ثم أصدرت اللجنة قرارها فى 8 فبراير 1996 بالاعتراض على تأسيس هذا الحزب , استنادا الى افتقاره الى ملامح الشخصية الحزبية المتميزة التى تشكل اضافة جادة للعمل السياسى , وتميزه عن برامج الاحزاب القائمة , فبرنامجه وفق تقرير اللجنة يتناول مجالات مطروحة سلفا من قبل أحزاب أخرى , او ترديدا لبرامج وخطط قائمة يجرى تنفيذها فعلا , وفضلا عن ذلك , فقد اعتمد فى شرح برنامجه على صياغات لفظية وعبارات انشائية , وذلك يجعله غير جدير بالانتماء الى حلبة النضال السياسى مع بقى الاحزاب القائمة , لعدم توافر الشروط التى تتطلبها المادة الثانية والبند ثانيا من المادة الرابعة من القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الاحزاب السياسية وتناولت اللجنة فى تقريرها لالاعتراض على تكوين الحزب , كافة الموضوعات التى تناولها برنامجه , وقامت بالرد عليها تفصيلا , وكان مرد اعتراضها , اما لأن ما يطالب به الحزب تقوم الحكومة بتطبيقه فعلا , ضمن سياستها أو لأنه دخل ضمن برامج أحزاب قائمة ,أو لأنه لا يضيف جديدا للساحة السياسية أو النهج الاجتماعى , أو لأن الدستور والقوانين تكلفت بتنظيم تلك المسائل .

الاحزاب الفئوية أو احزاب القضايا

يقصد بهذا النوع من الاحزاب , تلك الاحزاب التى تدافع عن قضية أو مشكلة معينة تتبناها شريحة محددة من المواطنين وتقدم الاحزاب من خلال طرحها لهذه القضية تصوراتها ورؤاها للتعامل معها , ومن خلال هذه التصورات والرؤى تنطلق الى وضع استراتيجية على مستوى الدولة للتعامل والتفاعل مع هذه القضية , ومن أبرز هذه الاحزاب : حزب السلام , وحزب حماية المستهلك , وحزب السلام والتنمية , وحزب المصريين المغتربين , وحزب السلام المصري , وحزب شباب مصر , وحزب الوحدة الوطنية , و[[حزب الأمل]] , وحزب الحياة , وحزب النيل ,وحزب 6 أكتوبر .. وغيرها , وتبنى تأسيس هذا النمط من الاحزاب فى الغالب أفراد لا ينتظمون فى أى حزب من الاحزاب القائمة, ولم يمارسواأى نشاط سياسى بأى شكل من الأشكال , سواء بالترشيح لعضوية أى من المجالس التشريعية أوالتنفيذية , وانما اتجهوا الى ميدان العمل الأهلى والاجتماعى , وكون بعضهم جمعيات ومنظمات غير حكومية , وشارك البعض فى احدى الجمعيات أو المنظمات القائمة , وتوصلوا الى قناعة مادها ضرورة تحويل مبادىء وأسس هذه الجمعيات والمؤسسات الى برامج أحزاب سياسية تفتقدها الساحة الحزبية فى مصر .

وخلصت لجنة شئون الاحزاب السياسية فى تقاريرها عن طلبات تأسيس هذه الاحزاب اللا الاعتراض على طلبات تاسيس هذه الاحزا ب, نظرا لافتقار برامجها الى الملامح الشخصية الحزبية المتميزة التى تشكل اضافة جادة للعمل السياسى , وتميزها تميزا ظاهرا عن برامج الاحزاب الأخرى , كما أنها اعتمدت فىالكثير من برامجها على صياغات لفظية وعبارات انشائية , وذلك كله أنه ليس من المستساغ قانونا وفق رأى لجنة شئون الاحزاب أن ينشأ حزب سياسى له برنامج يشمل جميع مناحى المجتمع من سياسية و اجتماعية واقتصادية وثقافية , فى الوقت الذى يدعى أنه يكفى أن يكون هدفه حماية المستهلك أو تحقيق الوحدة الوطنية أو الدفاع عن طموحات وآمال فئة الشباب ... وفقط , والقول بأن ذلك الهدف هو مدخله الى الحياة السياسية والنزول الى حلبة النضال فى المجتمع , ناهيك عن أن بعض هذه الاحزاب يهدف الى العمل الاجتماعى , مما ينفى عنه الصفة السياسية , ويضمه الى مصاف الجمعيات والمؤسسات الأهلية .

عالج هذا القسم من الدراسة انشاء وتكوين واجراءات تأسيس الاحزاب السياسية فى النظم السياسية المتعددة , وكانت علة رفض معظم الاحزاب ترجع الى عدم تميز برامجها عن برامج الاحزاب القائمة , وقد أقرت المحكمة الدستورية العليا فى جلستها 7-5-1988 فى القضية رقن 44 لسنة 7 قضائية دستورية – منشور بمجموعة أحكام المحكمة الدستورية العليا , الجزء الرابع صفحة 98- دستورية المادة الرابعة من قانون الاحزاب الخاصة بشرط تميز برنامج الحزب وسياساته أو أساليبه تميزا ظاهرا عن غيره من برامج الاحزاب الأخرى القائمة .

وكانت لجنة شئون الاحزاب واعمالا لنصوص ومواد القانون رقم 40 لسن 1977 بنظام الاحزاب السياسية قامت بفحص جميع الطلبات المقدمة اليها لتأسيس الاحزاب السياسية , واستمعت لايضاحات من وكيل المؤسسين بكل حزب فى الفترة من 1994 وحتى ديسمبر 2002 ثم أصدرت قراراتها بالاعتراض على طلبات التأسيس – عدا الطلب المقدم من أحمد شهيب بتأسيس حزب الوفاق القومي – جميعا استنادا الى عدم تميز البرنامج عن برامج الاحزاب القائمة , كذلك تعارض برامج بعض الاحزاب ومنها الاحزاب ذات التوجه الإسلامى تحديدا مع مواد الدستور وقانون الاحزاب ,فضلا عن ذلك , فقد اعتمدت بعض الاحزاب فى شرح برامجها على صياغات لفظية وعبارات انشائية وذلك كله يجعلها – من وجهة نظر اللجنة – غير جديرة بالانتماء الى حلبة النضال السياسى مع باقى الاحزاب القائمة لعدم توافر الشروط التى تتطلبها المادة الثانية والبند ثانيا من المادة الرابعة من القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الاحزاب السياسية .

وقد واجهت لجنة شئون الاحزاب العديد من الانتقادات من قبل المتخصصين أو من قبل مؤسسى الاحزاب تحت التأسيس , ومن أبرز هذه الانتقادات أن التشكيل الحالى للجنة يجعلها أقرب ما تكون الى هيئة حكومية , ولا يصح أن تكون الحكومة التى يفترض أنها تمثل حزبا معينا هى صاحبة الحق فى البت فى طلبات تأسيس أحزاب جديدة تهدف الى منافسة هذا الحزب , فاللجنة تتكون من ثلاثة وزراء هم : العدل والداخلية والدولة لشئون مجلسى الشعب والشورى , هم بحكم عضويتهم فى المحكمة أعضاء فى الحزب الوطني الحاكم , ويرأس اجتماعات اللجنة رئيس مجلس الشوي الذى يتحتم أن يكون من الحزب الحاكم , ورأيه هو الذى يرجح اذا حدث خلاف بين أعضاء اللجنة وانقسموا بالتساوى .

ويقترح فى هذا الصدد , اعادة النظر فى تشكيل هذه اللجنة بحيث تكون برئاسة رئيس محكمة النقض , على أن يصير اعضاؤها من فئتين : الأولى رجال قانون ترشحهم الاحزاب اسياسية القائمة أو المجلس الأعلى من فئتين : الفئة الأولى رجال قانون ترشحهم الاحزاب السياسية القائمة أو المجلس الأعلى للجامعات , أما الفئة الثانية فتضم ثلاثة من رؤساء الهيئات القضائية السابقين أو نوابهم على أن يتم انتخابهم كل عامين بواسطة الجمعية العمومية لنادى القضاء .

اضافة الى ذلك , فان انقضاء أربعة أشهر على تقديم طلب لتأسيس حزب دون اصدار قرار من اللجنة بالبت فيه , يعتبر بمثابة قرار بالاعتراض على هذا التأسيس – يعد مناقضا لتجارب عدد من الدول فى انشاء الاحزاب , وكذلك مخالفا لما استقر عليه العرف من أن الانقضاء سبب للموافقة وليس للاعتراض .

لذا يتحتم تعديل نص المادة بحيث تنص على أن يكون انقضاء هذه الفترة بمثابة قرار بالموافقة على تأسيس الحزب .

وأخيرا , وفيما يتعلق باجراء الطعن على قرار اللجنة ,فان تنظيم وقصر الطعن فى قرار لجنة شئون الاحزاب يتم أمام دائرة الاحزاب السياسية بالمحكمة الادارية العليا ,و هذا الأمر يفضى الى انتقاص لحق المواطنين فى الحصول على درجتين من التقاضى أمام المحكمة الادارية .

ففى القضاء الادارى يكفل القانون للمواطنين حق الطعن على القرارات الادارية فى مرحلتين , الأولى أمام محكمة القضاء الإداري , ثم الثانية أمام المحكمة الادارية العليا , أما فى قضايا تأسيس الاحزاب فانه قد قصر حق الطعن على مرحلة وحيدة وهى أمام المحكمة الادارية العليا لذلك كله يستلزم تعديل القانون بحيث يمكن لمؤسسى الاحزاب التمتع بنفس الحقوق الممنوحة لباقى المواطنين فى الطعن على القرارات الادارية .

القسم السادس :دور القضاء المصرى فى تكوين الاحزاب السياسية " أحمد عبد الحفيظ "

واجه قانون الاحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977 منذ صدوره اعتراضات كثيرة بعدم الدستورية بوضوح على أساس فلسفة التنظيم السياسى الواحد , الممثل لتحالف قوى الشعب العامل .

ولا يتسع المجال فى هذا السياق للتعرض للجدل الذى ثار وقتها وانتصر فيه الجانب المؤيد لصدور القانون , على اعتبار أن حق تكوين الاحزاب ليس الا فرعا من حقوق تكوين الجمعيات والرأى والتعبير والاجتماع والتى كفلها الدستور , ولا يوجب للخوض فى هذا الجدل , خصوصا بعد أن قام المشرع بتعديل الدستور فعلا عام 1980, واستبدل المادة الخامسة السابقة التى كانت تقيم النظام السياسى على تحالف قوى الشعب العامل ممثلا فى التنظيم السياسى الوحيد وقتها , وهو الاتحاد الاشتراكى العربى , بمادة جديدة تقرر أنه يقوم النظام السياسى فى جمهورية مصر العربية على أساس تعدد الاحزاب , وذلك فى اطار المقومات الأساسية للمجتمع المنصوص عليها فى هذا الدستور , وينظم القانون الاحزاب السياسية .

لكن وبعيدا عن هذا الجدل , لابد من تسجيل أن القانون قد جاء مليئا بالقيود الشديدة على قيام الاحزاب وسياستها واستمرارها , وهو الأمر الذى وان كان منسجما مع نص المادة الخامسة من الدستور قبل تعديلها , فانه أصبح يتنافر معها تماما بعد التعديا .

ان هذا التعديل قد أوحد أساسا دستوريا كبيرا لتعدد الاحزاب , يفوق فى قوته الأساس الدستورى لهذا التعدد فى دول عريقة فى الديمقراطية , مثل فرنسا وألمانيا , حيث لم ينشر الدستور الفرنسى الحالى الصادر عام 1958 الى الاحزاب الا بطريقة جزئية وعارضة , ولم يصدر للاحزاب أى تنظيم تشريعى حتى عام 1988 , بينما ابتدع الدستور الألمانى فكرة دستورية الحزب حين ألزم الاحزاب بمراعاة أسس النظام الديمقراطى الحر , وصولا الى منع اشيوعيين والنازيين من تكوين أحزاب شرعية وبرغم ذلك , فان الاحزاب فى فرنسا وألمانيا لا تستلزم أى شرط أو قيود لنشأتها , فلتنشأ بمجرد اعلان أصحابها عنها كأصل عام .

ولعل فى هذه المقارنة – رغم محدوديتها – ما يؤكد على ان الجانب القانونى لا يعدو أن يكون جانبا واحدا فقط – يكا يكون شكلانيا صرفا – فى ظاهرة وجود الاحزاب وفاعليتها ودورها فى تركيبةالنظام السياسى وديناميكيته مما يمكن التماسه فى جوانب متعددة أخرى – ربما أهم من الجوانب القانونية الصرفة – تتمثل فى عمليات التطور والتقسيم الاجتماعى والمؤسسى , وبروز التعددية الحقيقية بمختلف مستوياتها وعلى جميع الأصعدة , وقيام المجتمع على توازن قوى شبه متكافىء بين مختلف الفصائل الاجتماعية والأفكار والأيدلوجيات المطروحة , واتفاقها المشترك على القبول بصندوق الانتخاب الحر كمعيار وحيد للمفاضلة فيما بينها .

ان هذه العمليات الاجتماعية هى الأرضية والأساس الذى يجعل للنص القانون – مكتوبا كان أ وعرفيا – فاعلية حقيقية ولا يحيله الىمجرد نص لا صلة له بالواقع الذى يعمل فيه وكأنه منتج غريب أو مولود ميت لا يمنك أن ينتج بدوره الا كيانات ميتة أو جامدة فى أحسن الأحوال .

وفى مصر , فبرغم هذا الأساس الدستورى المتين فان القانون يحمل أشد القيود , بل ان القيود ازدادت بالتعديلات المتوالية التى أدخلت على القانون فى ظل النص الدستورى المعدل .

ويكفى فى بيان مدى وطأة القيود المعدلة أن القانون قد ناط النظر فى اخطارات تأسيس الاحزاب بلجنة يرأسها رئيس مجلس الشوي وتضم وزراء العدل والداخلية والدولة لشئون مجلسى الشعب والشورى وثلاثة من غير أعضاء الاحزاب السياسية من رؤساء الهيئات القضائية السابقين أ, نوابهم أو وكلائهم , وتصدر قرارات هذه اللجنة بالأغلبية , ويكفى لسلامة اجتماعها أن يحضرها خمسة أعضاء على أن يكون بينهم رئيسا والوزراء , أى يكفى حضور واحد فقط من الثلاثة الآخرين المفترض أنهم منن كبار رجال القانون المحايدين .

ثم ان القانون – وقت صدوره – كان يترك الطعن على قرارات هذه اللجنة للقواعد العامة أمام القاضى الطبيعى وهو محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة , والتى يجوز الطعن على أحكامها أمام المحكمة الادارية العليا ,لكنه عاد وسحب الاختصاص بالطعن من قاضيه الطبيعى وناطه بتشكيل خاص للدائرة الأولى للمحكمة الادارية العليا هو تشكيلها الأصلى برئاسة رئيس مجلس الدولة ,مضافا اليه عدد مماثل من الشخصيات العامة التى يصدر بها قرار من وزير العدل , من كشوف معدة سلفا لديه بموافقة المجلس الأعلى للهيئات القضائية , ثم ان القانون جعل أحكام هذه المحكمة التى اصطلح على تسميتها محكمة الاحزاب نهائية وغير قابلة للطعن ورغم مسلوىء القانون خصوصا بعدما أدخل عليه تعديلات متتالية , فقد استطاع القضاء المصرى – من خلال المحاكم المختلفة – أن يترك بصمات واضحة على قانون الاحزاب , وهوأمر ساهمت فيه محكمة الاحزاب نفسها رغم تشكيلها المعيب فهما وتأويلا وتطبيقا , وهو أمر ساهمت فيه محكمة الاحزاب نفسها رغم تشكيلها المعيب الأمر الذى يندرج – فى مجمله – فى جانب الآثار الايجابية المباشرة لقضاء المصرى على تفاصيل العملية السياسية فى مصر , وهو ما يضاف الى تأثيرات ايجابية أخرى وان كانت غير مباشرة قدمتها أحكام القضاء المصرى بمختلف فروعه , وأسهمت جميعا فى ازالة العديد من القيود القانونية , التى طالما كبلت الحياة السياسية المصرية .

ولا يرى مجال هذا التفصيل فى الآثار الايجابية المباشرة وغير المباشرة للأحكام القضائية على تفاصيل العملية السياسية , الا أنه يجب لفت الانتباه الى أن مجمل هذه التأثيرات لا يمكن أن تمتد للتأثير على طبيعة النظام السياسى , ولو بقدر محدود اذ أن القضاء هو آخر مكان يصلح لاحداث مثل هذا التأثير , ويرجع ذلك الى رغبة النخبة السياسيةفى الهروب من المواجهة الحقيقية للأمور , والدليل على ذلك أن بعض الأحكام القضائية يمكن توظيفها لاعادة انتاج ذات الظواهر السلبية داخل النظام السياسى فتوظف أحكام القضاء – مثلا – بعدم دستورية الانتخاب أو بعدم صحة انتخاب بعض أعضائه عاى نحو يعطى للسلطة التنفيذية مزيدا من السطوة على أعضاء البرلمان من خلال ابتزازهم بامكانية حل البرلمان كله , او اسقاط عضوية الأعضاء الذين قضى ببطلان انتخابهم , وفى الحالتين يتم اعادة الانتخاب لاسقاط من لا ترغب الحكومة فى استمرارعضويته فى البرلمان .

والآن يثور تساؤل حول ماهية الطبيعة القانونية لكل من لجنة الاحزاب السياسية ومحكمة الاحزاب , فى سياق تحديد موقف القضاء المصرى من الاحزاب .

لقد طعن الكثيرون لدى محكمة الاحزاب على دستورية لجنة الاحزاب السياسية , باعتبارها لجنة غير محايدة , تتكون أغلبيتها من عناصر حكومية , بل انه يصح اجتماعها طبقا لنص المادة بحضور رئيسها وأربعة أعضاء يلزم أن يكون منهم الوزراء .

وقد حسمت محكمة الاحزاب هذا الجدل بتحديدها لطبيعة هذه اللجنة , حيث رفضت الطعون الموجهة بعدم دستوريتها ,مقررة بحق اللجنة بحسب تكوينها واختصاصتها وسلطاتها فى البحث والتقصى هى لجنة ادارية ,وان يصدر منها من قرارات بالاعتراض على تأسيس الحزب لا يعدوفى حقيقة تكييفه الصحيح أن يكون قرارا اداريا , خاضعا لرقابة السلطة القضائية , ومن ثم لا يسرى بشأن أعضاء هذه اللجنة ما هو مقرر بشأن القضاء من أحكام قانونية , تتعلق بالحيدة والتنحى والمنع من المشاركة فى الحكم , وباعتبار أن من أسباب الطعن على القرار الادارى عموما عيب الانحراف بالسلطة . وهكذا تكون محكمة ؤ الاحزاب قد حسمت لجنة الاحزاب , التى ناط بها القانون الاختصاص بنظر اخطارات تاسيس لها فهذه اللجنة هى لجن ادارية بحتة تصد رقرارات ادارية تخضع لرقابة القضاء .

أما فيما يتعلق بطبيعة محكمة الاحزاب ,فانه يدور جدل حقيقى حول تلك الطبيعة بسبب التشكيل الخاص لها من الدائرة الأولى من المحكمة الادارية العليا باضافة عدد مماثل لعدد أعضائها – سبعة أعضاء – يصدر باختيارهم قرار من وزير العدل , مع موافقة المجلس الأعلى للهيئات القضائية من الكشوف الخاصة بالشخصيات العامة المنظمة , وفق حكم المادة 28 من قانون القيم من العيب والمادة الأخيرة تجعل تنظيم هذه الكشوف من سلطة وزير العدل بموافقة المجلس الأعلى للهيئات القضائية .

وعلى هذا الأساس فان تشكيل المحكمة يخرج عن ضوابط القضاء الطبيعى وفقا للمعايير الدولية , ولمكا يقرره الفقه والقضاء المصريان حتى برغم أنها محكمة دائمة ومنظمة بقانون وسابقة على وقوع النزاع وعلى ذلك فانها لا تمثل ضمانا حقيقيا ما دامت ضمانات الكفاءة والحيدة اللازمة لأعضائها محل تساؤل , بسبب الشخصيات العامة التى تدخل فى تشكيلها بواسطة وزير العدل وهو ما يجعل العنصر الآخر من عناصر القضاء الطبيعى وهو ضمانات حق الدفاع موضع تساؤل أيضا .

وقد أكدت مداولات مؤتمر العدالة الأول – والوحيد حتى الآن – الذى عقده نادى قضاة مصر عام 1986 نفس الشروط , خصوصا شرط أن يكون اقضاة أخصائيين وغير قابلين للعزل ومتفرغين للعمل القضائى ولذلك رأى جانب من الفقه خروجها عن ضوابط القضاء الطبيعى بل وأن الشارع خرج على المادة 68 من الدستور بفرض هذه المحكمة الخاصة على المواطنين ومنعهم من الالتجاء لقاضيهم الطبيعى .

فضلا عن ذلك فان مسألة استقلال القضاء ليست عملية مجردة أو أمرا يجرى فى الفراغ ,فالقضاءهوأحدى سلطات الدولة , أى أحد أجنحة النظام السياسى بها ,يعمل على استقرار هذا لنظام وتحقيق أهدافه من خلال التطبيق المحايد للقوانين ,التى يشرعها هذا النظامويقوم عليها بنيانه.

وفى هذا الاطارفان القاضى الطبيعى لا يجد نفسه بداخل هذه التشكيلات للمحاكم الخاصة بمثل ما يجدنفسه داخل تشكيلات المحاكم الخاصة بسؤال محدد فحواه أنه لا يمكن للشارع أن يلجأ لمثل هذه التشكيلات الخاصة , اذا كان بقاء الموضوع المطروح داخل سلطة القضاء الطبيعى يحقق أهداف النظام السياسى من تنظيم هذا الأمر .

ان الاجابة على مسألة وضعية محكمة الاحزاب بصدق وتجرد من قبل أى قاض يفهم وظيفة السلطة القضائية داخل النظام السياسى هذا , لابد وأن تتضمن أنها محكمة غير محايدة حتى لو كان تشكليها متخصصاومتفرغا للعمل القضائى .

بقى التنويه الى أن محكمة القضاء الإداري , قد أكدت فى أحد أحكامها على خروج محكمة لاحزاب عن حدود القضاء الطبيعى . ومع ذلك فيجب التذكير بأن المحكمة الدستورية العليا قد سبق أن قضت بدستورية كل من القضاء العسكرى ومحاكم أمن الدولة طوارىء ومحكمة القيم بدرجتيها, واعتبرت تلك المحاكم هى القاضى الطبيعى فى كل ما ناطه بها القانون المنظم لها من اختصاص .

وعليه فانه لو عرض أمر محكمة الاحزاب على المحكمة الدستورية العليا ,فسوف تقضى بدستوريتها , وأنها القاضى الطبيعى فيما تختص به , وذلك من باب أولى باعتبار أن الشخصيات العامة التى تضم لتشكيل المحكمة تأتى من ذات المصدر الذى تأتى منه الشخصيات العامة المنضمة لمحكمة القيم , بل انه فى حال محكمة الاحزاب فان هذه الشخصيات تنضم الى تشكيل ثابت ومحدد من أهم دوائر القضاء الطبيع , وهو الدائرة الأولى للمحكمة الادلرية العليا برئاسة رئيس مجلس الدولة , وهى الأمور غير المتوافرة لدوائر محكمة القيم بدرجتيها .

وهذا الرأى يتوافق مع ما تواضعت عليه المحكمة الدستورية العليا من معايير للقضاء الطبيعى , ارتكازا على المعايير القانونية التى تتثمل فى وجود نص قانونى ينشىء المحكمة ويؤمن ديومتها بحيث يسبق وجودها وجود النزاعات التى تطرح عليها , فالمحكمة الدستورية لا تهتم كثيرا بمعايير التخصص الفنى الدقيق , والتفرغ للعمل القضائى كمعايير للقضاء الطبيعى , وعلى العكس فان المحكمة اعتبرت ان انضمام الشخصيات العامة كمحكمة القيم يعتبر اعمالا للمادة 170 من الدستور , التى تنص على أنه يسهم الشعب فى اقامة العدالة على الوجه وفى الحدود المبينة فى القانون .

وفى واقع الأمر , انه لم يصدر حتى الآن قانون يبين كيفية اسهام الشعب فى اقامة العدالة , بل انه من غير الواضح أن الطريقة التى يجرى بها اختيار الشخصيات العامة فى كل من محكمة القيم بدرجتيها ومحكمة الاحزاب , تتضمن أى اسهام من الشعب فى اقامة العدالة .

بقى التأكيد أن الضوابط المحكمة الدستورية للقضاء الطبيعى كانت محل انتقاد من جانب معتبر من رجال الفقه والقضاء , كما أن محكمة الاحزاب نفسها قد رفضت دفعا أبديا أمامها بعدم دستورية تشكيلها , واستندت الى معايير المحكمة الدستورية العليا فى هذا الشأن, واضافت أن الشخصيات العامة المنضمة لها ينطبق عليهم أحكام قانون المرافعات الخاصة بالقضاة , من حيث ضمانات الحيدة والنزاهة ... الخ .

وعليه فسوف يتناول البحث ما أرسته محكمة الاحزاب من مبادىء فى خصوص الغاء أو تأييد قرارات لجنة الاحزاب بانشاء الاحزاب , علما بأنه لم يسبق لأى حزب نشأ بناء على حكم محكمة الاحزاب أن مثل فى البرلمان بأى عضو فيما عذا الحزب الديمقراطى العربى الناصري (ضياء داوود) .

أما بقية الاحزاب التى مثلت فى البرلمان فى أى دورة من الدورات منذ صدور القانون , فقد نشأت بموافقة لجنة الاحزاب السياسية , وهى أحزاب الوطني الديمقراطي , والوفد , والعمل الاشتراكى , أما أحزاب مصر العربي الاشتراكي والتجمع والأحرار , فقد نشأت كمنابر للاتحاد الاشتراكى تحولت لأحزاب بقرار من رئيس الجمهورية .

أخيرا فان الطعون التى وجهت ضد دستورية العديد من مواد قانون الاحزاب السياسية والقوانين الأخرى المتصلة به , قد أتاحت للمحكمة الدستورية العليا أن تدلى بدلوها فى هذا الشأن.

وتعتبر سلطة المحكمة الدستورية العليا سلطة تتصل بحياة النص القانونى نفسه , اذ يترتب على قضائها بعدم دستورية أى نص قانونى انهاء وجوده نهائيا منذ تاريخ صدوره كأصل عام .

وهذه السلطة بهذه المثابة تتقدم بأثارها سلطة محكمة الاحزاب فى بيان موقف القضاء المصرى من الاحزاب السياسية , لذلك رؤى أن يبدأ هذا القسم بالحديث عن موقف المحكمة الدستورية فى الجزء الأول منه , ثم يخصص الجزء الثانى منه لموقف محكمة الاحزاب , أما الجزء الثالث , فسوف يتطرق لمحكمة القضاء الإداري .

أولا : موقف القضاء الدستورى من قانون الاحزاب

اصطلع القضاء الدستورى ممثلا فى المحكمة الدستورية العليا فى تحديث الحياة الدستورية – فى جوانبها القانونية – من خلال أحكامه العديدة التى تعددت وتواترت خصوصا فى السنوات العشر الأخيرة , وذلك كله رغم الكثير من القيود والعوائق القانونية التى تنتمى من حيث الواقع الى نظم الحكم القائمة على الحزب الواحد , بالمخالفة لنظم الحكم الليبرالية القائمة على كفالة الحريات الفردية والعامة وتعدد الاحزاب .

وفيما يتعلق بقانون الاحزاب , فقد وضعت المادة الرابعة من هذا القانون الشروط التى يلزم توافرها لتأسيس أو استمرار أى حزب سياسى , وبعض هذه الشروط شروط طبيعية أو دستورية حتى لو كانت مبالغا فيها أو متعسفة , مثل عدم تعارض مقومات الحزب ومبادئه وأهدافه وبرامجه .. الخ مع مبادىء الشريعة الإسلامية وثورتى يوليو 1952 ومايو 1971 والحفاظ على الوحدة الاجتماعية والسلام الاجتماعى والنظام الاشتراكى الديمقراطى والمكاسب الإشتراكية , وعدم انطواء وسائل الحزب على تشكيلات عسكرية , أو شبه عسكرية , أو قيامه كفرع لحزب أو تنظيم سياسى فى الخارج أو ارتباطه أو تعاونه مع أحزاب أو قوى أو جماعات أو منظمات سياسية معادية , وعدم انتماء أى من مؤسسيه لمثل هذه التشكيلات المذكورة , وألا يترتب على قيامه اعادة تكوين أى حزب من أحزاب ما قبل ثورة 1952 , وعلانية أهداف ومبادىء وتنظيمات وسياسات الحزب ووسائله وأساليبه وقيادته وعضويته . ولذلك فان جميع مشروعات الاحزاب استوفت هذه الشروط , وبالتالى لم يرد فى أى من قرارات لجنة الاحزاب بالاعتراض على تأسيس الاحزاب ما يفيد عدم التزام أو حزب بالشروط السابقة .

انما كانت ا- لمشكلة فى الشروط الأخرى التى قررتها بعض فقرات المادة الرابعة , والتى تتمثل فيما يلى :

1- تميز برنامج الحزب وسياساته فى تحقيق هذا البرنامج تميزا ظاهرا عن الاحزاب الأخرى .
2- عدم قيام الحزب فى مبادئه أو برامجه أو اختيار قياداته وأعضائه على أساس يتعارض مع أحكام القانون رقم 33 لسنة 1978 , بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعى .. الخ .
3-عدم انتماء أى من مؤسسى أو قيادات الحزب أو ارتباطه أو تعاونه مع أحزاب أو تنظيمات أو جماعات معادية أو مناهضة للمبادىء المنصوص عليها فى البند أولا من هذه المادة , أو فى المادة 3 من هذا القانون , أو فى المادة الأولى من القانون رقم 33 لسنة 1978 المشار اليه , أو المبادىء التى وافق عليها الشعب فى الاستفتاء على معاهدة السلام واعادة تنظيم الدولة بتاريخ 20 إبريل 1979 .
4- ألا يكون من بين مؤسسى الحزب أو قياداته من تقوم أدلة جدية على قيامه بالدعوة أو المشاركة فى الدعوة الى التحبيذ أو الترويح بأى طريقة من طرق العلانية , لمبادىء أواتجاهات أو أعمال تتعارض مع المبادىء المنصوص عليها فى البند السابق .

ويتبين من الفقرات السابقة , ارتباط شروط تأسيس واستمرار الاحزاب بنصوص أخرى هى أحكام القانون رقم 33 لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعى , والمبادىء التى وردت فى الاستفتاء على معاهدة السلام مع إسرائيل واعادة تنظيم الدولة بتاريخ 20 إبريل 1979 .

وقد استجابت المحكمة الدستورية لبعض هذه المطاعن ولم تستجب لبعضها على النحو الآتى :

1- كانت المادة الرابعة من القانون رقم 33 لسنة 78 المذكور قد نصت على أنه لا يجوز الانتماء للاحزاب السياسية أو مباشرة الحقوق أوالأنشطة السياسة لكل من تسبب فى افساد الحياة السياسية قبل ثورة يوليو 1952 , سواء كان ذلك بالاشتراك فى تقلد المناصب الوزارية منتميا الى الاحزاب السياسية التى تولت الحكم قبل 23 يوليو 1952 , أو الاشتراك فى قيادة الاحزاب وادارتها , وذلك كله فيما عدا الحزب الوطني والحزب الإشتراكي حزب مصر الفتاة .
ويعتبر اشتراكا فى قيادة الحزب وادارته , وتولى مناصب الرئيس , أو وكلائه , أوالسكرتير العام أو السكرتير العام المساعد , أو أمين الصندوق , أو عضوية الهيئة العليا للحزب .
ويخطر المدعى العام الاشتراكى مجلس الشعب وذوى الشأن , خلال خمسة عشر يوما من تاريخ العمل بهذا القانون , ببيان بأسماء من ينطبق عليهم حكم الفقرة الأولى .. الخ .

وقد أقام محمد فؤاد سراج الدين وابراهيم فرج دعوى ضد الاخطار الذى تلقاه كل منهما من المدعى الاشتراكى , اعمالا لحكم المادة السابقة أمام محكمة القضاء الإداري , التى أحالت الأوراق للمحكمة الدستورية العليا , فقضت المحكمة بعد دسترية المادة المذكورة , وأرسلت فى ذلك مبدأين هامين :

أ‌- أن تعديل المادة الخامسة من الدستور بما يجعل النظام السياسى قائما على أساس تعدد الاحزاب بدلا من التنظيم السياسى الواحد كما كان قبل التعديل , قد انطوى على تعديل احدى ركائز النظام السياسى تعميقا للنظام الديمقراطى , الذى أقام عليه الدستور البنيان السياسى للدولة بما نص عليه فى المادة الأولى منه وردده فى كثير من المواد الأخرى ,,كما أن هذا التعديل جاء منطلقا من حقيقة أن الديمقراطية تقوم أصلا على الحرية , وانها تتطلب لضمان انفاذها تعددا حزبيا بل تحتمه كضرورة لازمة لتكوين الارادة الشعبية , وتحديد السياسة القومية تحديدا حرا واعيا .
وهو تعديل لا يلزم الاحزاب الا بالمقومات والمبادىء الأساسية للمجتمع , بما يعنى عدم التزام الاحزاب الا بالأحكام المنصوص عليها فى الدستور , مما يعنى أن الدستور قد كفل حرية تكوين الاحزاب بما يستتبع حتما ضمان حق الانضمام اليها لأنه من خلال هذا الحق يتشكل البنيان الطبيعى للحزب وتتأكد شرعية وجوده فى الحياة السياسية , وبالتالى فان الحرمان منه يشكل اعتداء على حق كفله الدستور .
ب- أن الحرمان المطلق الذى نصت عليه المادة المطعون عليها , ينطوى على اهدار لأصل الحقوق والأنشطة السياسية التى كفلها الدستور فى مادتيه 5 و 62 .
3- أقام ضياء الدين داوود دعوى دستورية ضد القانون سابق اليه الاشارة , فيما يخص مادته التى تمنع عددا من المحكوم عليهم فى بعض القضايا من بينها القضية رقم 1 لسنة 1971 مدعى اشتراكى – والتى كان من المحكوم عليهم فيها – من ممارسة حقوقهم السياسية , ومنها حق الترشيح والانتخاب والانضمام للاحزاب .
وقد حكمت المحكمة الدستورية العليا بعدم الدستورية , واستندت المحكمة فى ذلك الى مخالفة البند المذكور لحكم المادتين 66, 187 من الدستور , فيما نصتل عليه من أنه لا جريمة ولا عقوبة الا بناء على قانون ,ولا توقع العقوبة الا بحكم قضائى , ولا عقاب الا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون وأنه لا تسرى أحكام القوانين الا على ما يقع من تاريخ العمل بها , ولا يترتب عليها أثر فيما وقع قبله .. الخ .
وأن النص المذكور يعاقب على أفعال وقعت قبله . على هذا الأساس فانه ولئن كان الحكمان السابقان يخصان القانون رقم 33 لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعى , الا أنه كان لهما أبعد الأثر فى تحرير قانون الاحزاب السياسية من شرطين من أقسى شروطه كانتا كفيلتين بابعاد عدد كبير من رموز العمل الوطنى فى البلاد عن الاشتراك فى تأسيس أو قيادة أو عضوية الاحزاب السياسية , على الرغم من تاريخهم السابق فى النضال والعمل السياسى قبل ثورة يوليو 1952 وبعدها .
4- هناك شرطان قاسيان بشأن تأسيس الاحزاب , أحدهما شرط البند ثانيا من المادة الرابعة من القانون , وهو الذى يخص برنامج الحزب وسياساته أو أساليبه فى تحقيق هذا البرنامج تميزا ظاهرا عن الاحزاب الأخرى .
والثانى , يخص ما انطوى عليه البند سابعا من المادة المذكورة , من اشتراط ألا يكون بين مؤسسى الحزب وقياداته من تقوم أدلة جدلية على قيامه بالدعوة أو المشاركة فى الدعوة أو التحبيذ أو الترويج بأى طريقة من طرق العلانية لمبادىء أو اتجاهات أو أعمال تتعارض مع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل , التى وافق عليها الشعب فى استفتاء 20 إبريل 1979 .
وقد عرضت لهما المحكمة الدستورية العليا عند نظرها للقضية رقم 44 لسنة 7 ق دستورية المرفوعة من كمال أحمد محمد وكيل مؤسسى الحزب الناصري تحالف قوى شعب العامل .
وقد قضت المحكمة بعدم دستورية البند سابعا على سند من أن الدساتير المصرية منذ عام 1923 حرصت على تقرير الحقوق والحريات العامة فى صلبها سموا بها على القوانين العادية , وقيدا على المشروع العادى فى ما يشرعه من قواعد وأحكام بحيث لا يجوز له أن ينتقض من هذه الحريات , أو الحقوق أو يقيدها ومنها حرية الرأى التى هى ركيزة الحكم الديمقراطى والسيادة الشعبية وما تستلزمه من أن يكون للشعب نوابه المنتخبون وأحزابه السياسية ونقاباته الذين يمارسون رقابة فعالة على السلطة الحاكمة , وأن حرية الرأى هى الأصل الذى تتفرع عنه كثير من الحقوق والحريات , وأنها ضرورة لمباشرة الحقوق السياسية , ومنها حق تكوين الاحزاب والانضمام اليها .
وابداء الرأى فى الاستفتاء , حتى أن قانون الاحزاب وقد صدر قبل تعديل الدستور قد استند الى ما يكفله الدستور من حرية الرأى باعتبار حرية تكوين الاحزاب فرضا عليها , وأن حرية الرأى جاءت فى الدستور عامة مطلقة تشمل كافة الأمور خصوصا السياسية منها , وضمنها المعاهدات الدولية , التى وان كانت تلتزم بها الدولة الموقعة عليها , الا أنها لا تحوز حصانة تمنع من نقدها ومناقشتها , وأن الدستور كفل للمواطنين حقوقا عامة جعل ممارستها واجبا وطنيا , منها حق ابداء الرأى فى الاستفتاء وطالما أن الرأى يحتمل القبول أو الرفض , فان النص يكون قد أقر للمواطن بحريته الكاملة فى الموافقة أو عدم الموافقة على ما يجرى عليه الاستفتاء .. فلا يجوز أن يكون استعمال المواطن لحرية عامة أخرى كفلها الدستور .. وأن النص المطعون عليه يكون قد أخذ جزءا من المواطنين بآرائهم , التى تتعارض مع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل وحرمهم حرمانا مطلقا ومؤيدامن حق تكوين الاحزاب السياسية بالمخالفة للمادتين 5 , 47 من الدستور .
وبذلك فان الحكم الدستورى قد أزال قيدا آخر من قيود القانون , أدى بالفعل لحرمان عدد من رموز الحياة السياسية والبرلمانية والقضائية المصرية من حق تكوين حزب الجبهة الوطنية , الذى قضت محكمة الاحزاب برفضه , على سند من هذا النص قبل الغائه دستوريا , كما سيتضح فى الجزء الثانى من هذا القسم من الدراسة .
5- خرجت المحكمة الدستورية العليا عن منهها السابق فى تخفيف قيود قانون الاحزاب , حين قضت فى ذات الحكم عالية , بدستورية البند ثانيا من المادة الرابعة والخاص بضرورة تميز برامج الاحزاب , وتراجعت بذلك حتى عن الموقف المتقدم الذى سجلته محكمة الاحزاب نفسها فى خصوص هذا البند حين أحالته للمحكمة الدستورية العليا , والذى سيعرض له فى الجزء الثانى من هذا القسم .
وقد جاء قضاء المحكمة الدستورية العليا بدستورية البند المذكور على أساس أن الاحزاب السياسية وهى جماعات منظمة تعنى أساسا بالعمل بالوسائل الديمقراطية للحصول على ثقة الناخبين , بقصد المشاركة فى مسؤوليات الحكم لتحقيق برامجها التى تستهدف تحقيق التقدم السياسى والاجتماعى والاقتصادى للبلاد , وهى أهداف وغايات كبيرة تتعلق بصالح الوطن والمواطنين , تتلاقى عندها الاحزاب السياسية الوطنية جميعا أو تتحاذى فى بعض مناحيها , الأمر الذى يجعل التشابه والتقارب بين الاحزاب السياسية فى هذه الأهداف أمرا واردا , ومن ثم لم يشترط قانون الاحزاب أن يقع التمايز فى المبادىء والأهداف كشرط لتأسيس الحزب أو استمراره , بل جاء الشرط مقصورا على برنامج الحزب وسياساته أو الأساليب التى يسعى بها لتحقيق مبادئه وأهدافه , ضمانا للجدية حتى يكون للحزب قاعدة جماهيرية حقيقية تسانده وأن يكون فى وجود الحزب اضافة جديدة للعمل السياسى ببرامج وسياسات متميزة عن الاحزاب الأخرى , مما يدخل فى نطاق التنظيم التشريعى الذى عهد به الدستور الى القانون , وقد ورد فى القانون عاما مجردا , ينطبق على سائر الاحزاب السياسية , دون أن يميز فى مجال تطبيقه بين حزب وآخر , الأمر الذى يتحقق به مبدأ تكافؤ الفرص ومبدأ المساواة لدى القانون , كما قررهما الستور .

واذا كان الشق القانونى من هذا الحكم والمتمثل فى عدم الاخلال بمبدأى المساواة وتكافؤ الفرص صحيحا ولا غبار عليه , الا أنه يظل نظرا للأفكار السياسية التى أوردها الحكم وأقام عليها قضاءه القانونى من حيث تعريفه للاحزاب السياسية ومهامها , وما تتشابه فيه من أهداف وغايات عامة , وأنها تستهدف الحصول على ثقة الناخبين مما كان مؤداه فى الحقيقة أن هؤلاء الناخبين هم المرجع الحقيقى فى تقدير جدية هذه الاحزاب , وما تقدمه من اسهام جديد فى العمل الوطنى , فيعطون لها ثقتهم هذه أو يمنعونها عنها وهو الأمر الذى اعتسفه النص القانونى وناط تقديره بلجنة ادارية هى لجنة الاحزاب , حتى وان خضعت لرقابه قضائية ممثلة فى محكمة خاصة هى محكمة الاحزاب , الأمر الذى يتعارض مع نص المادة الخامسة من الدستور فيما قررته من اقامة النظام السياسى للبلاد على تعدد الاحزاب , ويخرج عن النطاق التنظيمى الذى تركته هذه المادة للقانون . هذا فضلا عن ما وجهه العديد من الفقهاء ورجال القانون لهذا البند من نقد ليس أقله أهمية وجود الاشخاص القادرين على تنفيذ أى برنامج حزبى , ويمنحهم الناس ثقتهم على أساس هذه القدرة التى قد لا تتوافر لمجموعة أخرى من الأشخاص الذين يدعون لبرنامج مشابه , بل يقرر البعض أن هذا النص يتيح لأى حزب سابق أن يضمن برنامجه أكبر مجموعة من المبادىء والأفكار , فيكون ذلك حائلا دون قيام أى حزب آخر بدعوى عدم وجود التمايز المطلوب .

وواقع الأمر , أنه يمكن اعتبار أن هذا الحكم قد جسد اتجاها سياسيا بحتا للمحكمة , وأنه من سوء الحظ أن هذا البند عرض على المحكمة فيما يخص الحزب الناصري بالذات , والذى لم تكن الظروف السياسية تسمح بوجوده فى ذلك الوقت , من هنا فان المحكمة قد جنحت توصلا الى القضاء بدستورية هذا البند – الى ترديد عبارات تحتاج الى ضبط قانونى بل ولغوى ,فضلا عن أنها تجسد اتجاهات عائية لا يمكن الوصول اليها الا بنشأة الحزب نفسه .

فهذه النشأة هى التى سوف تكشف عن مدى مصداقية الحزب وحجم ما يمثل من اضافة للعمل الوطنى , وهو ما لا يمكن معرفته باعاقة تكوين الحزب بدعوى عدم تمايز برنامجه عن برامج الاحزاب التى سبقته .

فضلا عن ذلك فان اقتصار النظر على الاحزاب باعتبارها أحزاب برامج فقط هو نظر غير سليم ,ويتعارض مع تاريخ نشأة الاحزاب وتطويرها , حيث نشأت الاحزاب فى مختلف بلاد العالم كأحزاب أفكار ومبادىء عامة .

بل ان تاريخ الاحزاب المصرية نفسه يشير الى أنها نشأت كأحزاب أفكار – لا برامج – مثل الاصلاح على الطريقة الدستورية , أو الاستقلال التام فى المرحلة الحزبية الأولى قبل ثورة يوليو 1952 , أو يمين ويسار ووسط على النحو الذى بدأت به تجربتنا الحزبية المعاصرة اعتبارا من عام 1976 .

وهكذا يتبين وجود آثار جوهرية أحدثها تدخل المحكمة الدستورية العليا فىقانون الاحزاب , وما ترتب عليها من التخفيف من قيود هذا القانون ,والغاء حرمان فئات كبيرة من المواطنين من حقهم فى المشاركة فى تأسيس الاحزاب وقيادتها .

موقف محكمة الاحزاب

أناط قانون الاحزاب الاختصاص بالطعن على قرارات لجنة الاحزاب بالاعتراض على تأسيس أى حزب , بتشكيل خاص للدائرة الأولى للمحكمة الادارية العليا , فضم الى تشكيلها عددا مساويا من الشخصيات العامة التى يعيناه وزير العدل من كشوف خاصة , معدة لهذه الشخصيات . ومن خلال هذه السلطة تصدت المحكمة لجمع الطعون التى رفعت اليها فى هذا الشأن , وقد بلغ عدد الطعون التى قبلتها المحكمة وقضت فيها بالغاء اعتراض لجنة الاحزاب وبالتالى قيام الحزب , ثمانية طعون بينما بلغ عدد الطعون المرفوضة والتى أيدت فيها حكمين أحدهما بالموافقة على انشاء حزب الأمة , والثانى يرفض انشاء حزب الجبهة الوطنية فى 25 يونيو 1983 وحتى رفض قيام حزب الأمل بتاريخ 6 مارس 1999 وقد لحق بهم أيضا منذ ذلك التاريخ عدة أحكام أخرى صدرت برفض تأسيس سبعة أحزاب على الأقل كان آخرها حتى نهاية مارس 2002 , رفض حزب حركة الكرامة 9 مارس 2002 .

الأحكام ذات الصبغة السياسية

وعلى امتداد هذه الفترة يمكن القول ان موقف المحكمة مال عموما الى التخفيف من قيود قانون الاحزاب , الا أنه اتسم ببعض التناقض , وجنح أحيانا الى أحكام ذات صبغة سياسية واضحة , كما أن المحكمة تطرقت فى أحكامها الى أمور تخص اللجنة وعملها بشكل مباشر وناقشت باستفاضة أمورا ترتبط بتمايز برامج الاحزاب .

أ – شهدت جلسة المحكمة الادارية العليا بتشكيلها الخاص محكمة الاحزاب صدور أول حكمين فى قضايا الطعون على قرارات لجنة الاحزاب بالاعتراض على قيام أحزاب سياسية .
وفى أول الحكمين أصدرت المحكمة قرارها برفض الطعن وتأييد اعتراض لجنة الاحزاب على تأسيس حزب الجبهة الوطنية الذى كان قد تقدم به وكيل مؤسسى الحزب ممتاز نصار , الشخصية العامة المعروفة , ورئيس نادى القضاة , ونائب رئيس محكمة النقض الأسبق , والنائب البرلمانى المرموق وقد كان من مؤسسى هذا الحزب نائب سابق لرئيس الجمهورية هو ذات الوقت عضو فى الهيئة التأسيسية لتنظيم الضباط الأحرار الذى قام بثورة يوليو 1952 وعضو بارز بمجلس قيادة هذه الثورة كمال الدين حسين , فضلا عن أبو الفضل الجيزاوي أحد الضباط الأحرار , وكان هناك أيضا عضوان بارزان فى مجلس الشعب فى ذلك الوقت بالاضافى الى برلمانيين متميزين أيضا هما محمود القاضي ومحمود زينهم وجميعهم من الشخصيات العامة المرموقة فى ذلك الوقت , بالاضافة لآخرين من المؤسسين من هذه النخبة المتميزة .
وقد رفضت المحكمة الطعن وأيدت الاعتراض عاى تأسيس الحزب , وأخذت بالسبب الرئيسى الذى أخذت به لجنة الاحزاب , وهو أن بعض مؤسسى الحزب قامت الأدلة على قيامهم بالدعوة والمشاركة فىالدعوة أو الترويج والتحبيذ لمبادىء أو اتجاهات أو أعمال تتعارض مع مبادىء الاستفتاء على معاهدة السلام , واعتمدت المحكمة على مستندات الجهة الادارية , والتى تضمنت توقيع بعض المؤسسين حتى قبل توقيع المعاهدة – على بيانات مطولة تتضمن نقدا وتشكيكا فى جميع بنوده , وتنسب اليها آثارا سيئة فى شتى المجالات , وأنهم استمروا بعد الاستفتاء عليها فى ذات منهجهم فى اصدار البيانات والأحاديث الصحفية فى الداخل وفى الصحف والمجلات الأجنبية التى قدمت الجهة الادارية نسخا منها بل وصل بهم الأمر الى خلق جبهة وصفت بأنها تولدت عن هذه البيانات , وهى الأفعال التى رأت المحكمة أنها تندرج تحت البند سابعا من المادة الرابعة من القانون .
مما يكفى بذاته للاعتراض على تأسيس الحزب حيث تخلف شرط من شروط التأسيس التى ينبغى أن تتوافر كاملة , ومما لا موجب معه لمناقشة باقى أسباب الطعن . وقد لاقى هذا الحكم نقدا شديدا ورآه أحد نواب رئيس مجلس الدولة غير مقبول واعتبر آخرون أن كل ما قدمته الجهة الادارية من أوراق قبلت بها المحكمة لم يكن يخرج عن حدود التعبير السلمى عن الرأى وطبقا للمادة 47 من الدستور .
وتندر هذا البعض بالقول ما اذا لو كان هؤلاء قد لجأوا الى أساليب أخرى , مثل المظاهرات العنيفة التى تعتدى على الممتلكات العامة .
ولم تمر سنوات معدودة,الا وتراجعت المحكمة نفسها للمحكمة الدستورية العليا التى قضت بعدم دستوريته .
ب- أصدرت محكمة الاحزاب حكما آخر بذات الجلسة التى أصدرت فيها قرارها بتأييد قرار محكمة الاحزاب بشأن حزب الجبهة الوطنية ,وقد أكد موقفها فى هذا الحكم أيضا الدواعى السياسية الخالصة فى اصدار أحكامها .
فقد نظرت المحكمة قرارها بالغاء القرار الضمنى للجنة الاحزاب بالاعتراض على تأسيس حزب الأمة الذى تقدم به أحمد الصباحى , والذى دافعت الحكومات عن قرار اللجنة بشأنه بأسباب كان منه أن قائمة المؤسسين تحوى تجمعات أسرية ليس لهم ماض أو تاريخ فى العمل السياسى النظيف , وأن عشرة من طالبى التأسيس من الفئات البلغ عددهم 26 عضوا مؤسسا هم من أبناء الطاعن – وكيل المؤسسن – وأسرته , الأمر الذى يقطع بعدم جدية الحزب ,وعدم فاعليته فى دفع مسيرة مصر نحو الحرية والرخاء والاستقرار .
وقالت المحكمة أنه ليس ثمة مانعا فى قانون الاحزاب يحول دون وجود تجمعات أسرية فى الاحزاب , خصوصا فى مرحلىة التأسيس التى تدعو بطبيعتها الى تجميع وحشد المقربين , ولا تقبل من الحكومة النعى على الأعضاء المؤسسين بأنه ليس لهم ماض أو تاريخ فى العمل السياسى النظيف , ذلك أنه منذ قيام ثورة يوليو 1952 وما شرعته من حل الاحزاب السياسية , انحصر النشاط السياسى فى التنظيمات الخاضعة لسلطان الدولة , الى أن صدر قانون الاحزاب وشرع للمصريين حق تكوين الاحزاب السياسية , ولكل مصرى الحق فى الانتماء لأى حزب سياسى , واستمر العمل السياسى كله يجرى على محاور المبادىء المبينة فى الدستور , وفى قانون الاحزاب وقانون حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعى , واستفتاء معاهدة السلام فى 20 إبريل 1979 .
و لذلك فالأصل فى مؤسسى الاحزاب ألا يكون لهم ماض فى العمل السياسى , ويكون ذلك حجة فى قبول الحزب وليس فى رفضه , وأن حزب الأمة يلتزم بمبادىء الشريعة وثورتى يوليو ومايو , والحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى والنظام الاشتراكى الديمقراطى , ولا يتعارض مع القانون ومبادىء الاستفتاء على معاهدة السلام وملحقاتها بين مصر وإسرائيل , والاتفاق التكميلى الخاص باقامة الحكم الذاتى الكامل فى الضفة الغربية وقطاع غزة , والموقع عليها فى واشنطن فى 26 مارس 1979 , واعادة تنظيم الدولة بتاريخ 20 إبريل 1979 وبذلك توافرت فى حقه جميع الشروط لقيامه .
وهكذا تبين المقارنة بين هذه الأسباب لقبول حزب الأمة وهذا حال مؤسسيه , بتلك التى قررتها المحكمة فى حكمها بتأييد الاعتراض على حزب الجبهة الوطنية وهذا شأن رجاله .
ج- تتجلى الأسباب السياسية المحضة فى أحكام المحكمة , بتأييد قرار لجنة الاحزاب بالاعتراض على تأسيس الحزب الناصري المحاولة الأولى بواسطة كمال أحمد حيث قررت أن النظرية الناصرية التى يعتنقها الطاعن تتعارض مع الدستور , ومبادىء ثورة يوليو 1952 , فى اقامة الديمقراطية السليمة , وذلك بالغائها للاحزاب السياسية واعتمادها مبدأ التنظيم السياسى الواحد , وجعل الانضمام اليه اجباريا وشرطا لتولى بعض الوظائف العامة المهمة , وانعدام حرية الرأى داخله وخارجه وعدم الايمان بتعدد الاحزاب وانعدام القيادة الجماعية , وفرض القرارات الاستثنائية , وتعقب ما سمى بفلول الرجعية والانتهازية وتصفية الاقطاع , وكثرة موانع التقاضى وتطهير الادارة الحكومية وجهات القضاء , وافنقاد سيادة الدستور والقانون والعزل السياسى لفئات من الشعب عن ممارسة حقوقها السياسية وهيمنة مراكز القوى .
وأنه لذلك يتعين قياس برنامج الحزب على أصل النظرية المقتبس منها , ومنه ايمان الحزب باستحالة الديمقراطية السليمة دون تحقيق الأهداف الأخرى المتصلة بتعبير النظام الاجتماعى والاقتصادى , كما أن الحزب يرى أن شكل الديمقراطية أمر مختلف عليه حسب ظروف الزمان والمكان , بذلك ينكر شكل تعدد الاحزاب , وبذلك يكون فى أهدافه العودة الى النظام الشمولى الذى ساد الفترة الناصرية .
وأن ما أشار اليه الحزب من العلاج الثورة للتناقضات غير العدائية بين فئات الشعب , يعنى العودة للاجراءات الاستثنائية , وما رآه من حل التناقضات العدائية بتجريد الرجعية من كل أدواتها يعنى التسلط والقهر , ويتعارض مع السلام الاجتماعى ويؤدى الى تفتيت الوحدة الوطنية ... الخ .
ويعنى ذلك أن هدف الحزب هو اعادة المشروعية الثورية , بتغيير النظام فى المجتمع لصالح احدى فئاته فقط , مما يتعارض مع مبادىء سيادة الدستور والقانون وما ورد بوثيقة اعلان الدستور .
اضافة الى ذلك , أيد الحكم ما رأته لجنة الاحزاب فى معرض اعتراضها على تأسيس الحزب , من قيامه على النظام الشمولى الذى لا يؤمن بالديمقراطية وتعدد الاحزاب , بدليل أنه يميل لوثائق ثورة 1952 منذ قيامه حتى بيان 30 مارس 1968 بما يتعارض مع النظام السياسى , كما حده الدستور .
وقد كان هذا الحكم أيضا موضع اعتراض جانب كبير من الفقه , بل كان مخالفا لرأى هيئة مفوضى الدولة نفسها ,حيث رأى هؤلاء أن هذا الحكم اعتنق منهج التأثيم الغائى للحزب , و هو يكاد يتطابق مع حكم المحكمة الدستورية الاتحادية الألمانية فى حكمها الشهير بحل الحزب الشيوعى الألمانى .
وهو منهج معارض لمفهوم الديمقراطية السليمة وتعدد الاحزاب , فضلا عن تعسف المحكمة الظاهر فى استنتاج أمور رأتها من برنامج الحزب , لا يمكن أن تستنتج من هذا البرنامج أو يؤدى هذا البرنامج اليها .
خ‌- ان الأسباب السياسية لرفض حزب الصحوة الإسلامية اختلفت تماما عن المنهج السابق للمحكمة , حيث ربطت المحكمة ربطا واضحا وجليا بين مبادىء الحزب والنصوص الدستورية التى خالفها دون اضافة أة تعسف فى الاستنتاج والتحليل , حيث أن نصوص برنامج الحزب قد انطوت على مخالفة لأحكام الدستور , حين أطلقت مدة رئاسة الدولة طول حياة الامام وقسمت وظائف الوزراء الى وزراء تفويض تحرم على غير المسلمين ووزراء تنفيذ تجوز لهم .
كما قصر البرنامج شغل وظائف التعليم ورئاسة مدارس الاناث على امسلمين , وأسقط واجب التجنيد عن غير المسلمين مقابل الجزية , والغى الضرائب وقسم دول العالم الى دار سلام ودار حرب وميز فى الحقوق والواجبات بين المسلمين وغير المسلمين , وأطلق حق الملكية , وأجاز تلقى هبات وتبرعات للحزب من الخارج , وكلها أمور تتعارض كما قررت المحكمة بحق مع المبادىء الأساسية التى قان عليها بنان الدستور , ومبادىء ثورتى يوليو 1952 ومايو 1971 .
ه- ان الاسباب السياسية القائمة على الاستنتاج البحت الذى تختلف فيه الآراء , سوف تعود الى حكمى المحكمة بتاريخ 9 مايو 1998 ثم 5 يونيو 1999 واللذان يخصان حزب الوسط , ثم حزب الوسط المصري , اللذين أسسهما مجموعة من المنتمين للتيارالإسلامى السياسى كان وكيلها فى الحالين هو أبو العلا ماضي .
وقد استندت لجنة الاحزاب فى اعتراضها على كلا المشروعين , على انعدام تمايز البرنامج عن الاحزاب الموجودة , وان أيا من البرنامجين لم يأن بجديد يشكل اضافة للعمل السياسى .
لكن محكمة الاحزاب أضافت لأسباب اللجنة قولها أنه فيما يتعلق بفكرة الحقوق العامة , وتصور برنامج الحزب أنها حقوق المجموع وحقوق الناس , فان هذا التصور يتعارض مع الدستور وتنظيمه لهذه الحقوق والحريات العامة على التفصيل المبين فيه , والذى لم يتضمن أنها حقوق المجموع أو حقوق الناس , وأن وثيقة اعلان الدستور تضمنت أن كرامة الفرد انعكاس لكرامة الوطن , ذلك أن الفرد هو حجر الأساس فى بناء الوطن , وبقدر قيمة الفرد وعمله وكرامته تكون قيمة الوطن وهيبته , ومن ثم فان أساس هذه الفكرة يتناقض مع الدستور , كذلك الشريعة الإسلامية , فلا يعنى النص فى الدستور على أنها المصدر الأساسى للتشريع أنه ليست هناك مصادر أخرى للتشريع , يمكن الركون اليها , ولو كانت نتاج حضارات أخرى مستمدة من غير الإسلام . الأمر الى يتبين منه أن ما ينادى به الحزب يناقض الدستور .
ولسنا ندرى من أين استنتجت المحكمة هذه الاستنتاجات , فطبقا لما أورده الحكم نفسه عما قررته لجنة الأحزاب عن البرنامج فان الحزب استهله بطرح التصور الذى يدعو الى فكرة الوسط كرؤية حضارية , وأن البرنامج يسعى لوضع المادة الثانية من الدستور موضع التنفيذ بحيث تكون الشريعة الإسلامية تطلعا لحية أفضل عن طريق الاجتهادات , التى لا تصيب حركة المجتمع بالشلل والجمود , وتعوقه عن حركة التقدم المنشود .
أما فكرة الحزب عن الحريات والحقوق العامة , فقد قررت اللجنة أن الحزب ركز على مبادىء أن الشعب هو مصدر السلطات , بحث لا يجوز لفرد أو فئة أن تزعم حقا فى تولى السلطة أو الاستقرار فيها الا اذا كان ذلك مستمدا من ارادة حرة صحيحة , مع احترام مبدأ تداول السلطة وحرية اقامة الشعائر الدينية لجميع الأديان المعترف بها , وحرية الرأى والعقيدة ووسائل الاعلام .. الخ .
وهو ما رأت اللجنة أنه كان لا جديد فيه يتميز عن برنامج الاحزاب الأخرى . وهذا الذى قررته الاحزاب عن البرنامج هو ما ردده المؤسسون أنفسهم فى مذكرة دغاعهم الختامية أمام المحكمة , على نحو ما أورده الحكمة أيضا , مما لا نظنه يحتمل هذا التفسير والتأويل , الذى قررته المحكمة وانتهت به الى تناقضه مع مبادىء الدستور .
أما بالنسبة لحزب الوسط المصري, فقد رأت اللجنة أن ما أتى به الحزب بخصوص تطبيق الشريعة الإسلامية ليس فيه جديد , اما ما اقترحه الحزب من اختيار الأمة لوكلائها وليس ممثليها عن طريق المؤسسات فمؤداه حرمان غير المنتمين اليها من حقوق المواطنة , بما يتعارض مع الدستور , مبدأ أن الأمة مصدر السلطات , وتصبح الوحدة السياسية مجرد مجموعة من الأشخاص تربطهم روابط النشاط أو الحرفة أو المهنة , وهو ما سعت اليه النظم الديكتاتورية لتأكيد حكم الفرد والقضاء على مبدأ الاقتراع العام .
كما أن منح المؤسسات الدينية الحق فى اختيار وكلاء الأمة يؤدى الى اقحام الدين فى أمور السياسة والحكم , مما يخلق الفرقة بين المواطنين.اضافة الى ذلك , فان ما ذكره الحزب من اعتبار النائب وكيلا عن الناخبين وجواز عزله يرتد بالنظام الانتخابى الى الوراء .
وقد وافقت المحكمة على سائر ما قررته اللجنة فى هذا الشأن , وأضافت أن بعض الأفكار التى ينادى بها الحزب تنطوى على مخالفة أحكام الدستور وقانون الاحزاب السياسية , وذلك فى مناداته بتغيير نظام الدولة الى نظام الأمة , فالأمة فى برنامج الحزب هى صاحب السلطة الأول والأصيل والوحيد , والدولة ليست مصدرا للسلطة , وهى جهاز توكل له سلطات من الأمة بما يتعارض مع النظام الديمقراطى الاشتراكى فى المادة 1 من الدستور , ومع المادة الثالثة التى تقرر أن السيادة للشعب وحدة , كما أن فكرة انتخاب وكلاء الأمة تتعارض مع حقوق الانتخاب ومبدأى امساواة وتكافؤ الفرص فى الدستور .
ولا شك أن هذا المنهج من المحكمة قد عاد بها الى التأويلات السياسية والقانونية المتعسفة , التى لا تستقيم مع النظريات القانونية وتحسم الخلاف حولها لصالح اجتهاد واحد , ينسب الى نصوص الدستور بغير مسوغ حقيقى , كما ينطوى على فهم الدستور وكأنه مجموعة نصوص تفصيلية ينبغى الخضوع لها بغير نقاش , رغم أن الدستور نفسه ينظم طريقة تغيير أحكامه .
فضلا عن أن لجنة الاحزاب والمحكمة نفسها قد أجازت قيام أحزاب تدعو الى تغيير بعض مواد الدستور على ما سنعرض له لاحقا .

و- تخلت محكمة الاحزاب عن الاسباب السياسية بكافة مدلولاتها السابقة , واقتصرت على القول بعدم تميز برنامج حزب حركة الكرامة عن الاحزاب الأخرى , وذلك فى معرض حكمها بتأييد الاعتراض على تأسيسه .

وهو حزب تقدم بتأسيسه مجموعة من المعروفين بانتمائهم للتيار الناصرى , ومعهم أفراد من المعروفين بانتمائهم لتيارات سياسية أخرى .

لعل النماذج المتقدمة من الأحكام , بالاضافة لما قدم من نقد حول قضاء المحكمة الدستورية , بدستورية الشرط الخامس بضرورة تمايز برنامج الحزب عن الاحزاب الموجودة قبله , أن يشير الى ما تقصده بمصطلح الأحكام ذات الصبغة السياسية الذى اتخذ عنوانا لهذا البند من القسم , فهى تلك الأحكام التى تقوم على أسباب سياسية بحتة لا يمكن قبولها قانونا , ويكفى أن المحكمة أعتبرت أن الحزب الناصري يتعارض مع الستور لقيامه على النظام الشمولى , بينما كان الدستور نفسه كما ورد فى مناقشات لجان وضعه وفى ديباجته تجسيدا أو تقنينا لمبادىء النظام الناصرى فى مصر . وهو ما لم يتغير منه شىء حتى بعد تعديل الدستور – جزئيا – عام 1980 .

ورغم أن الحكم برفض قيام حزب الصحوة الإسلامية لا ينتمى الى هذه الطائفة من الأحكام فقد أدرج ضمن العنوان , للتشابه الذى لا تخطوه العين بينه وبين سائر الاحزاب المدرجة فى البند , من حيث أن مؤسسى كل منها هم مجموعة سياسية تتكون من شخصيات عامة فى الغالب معروفة الميول والأفكار السياسية سلفا , أما حكم حزب الأمة فقد أدرج فى البند للمقارنة التى تعين كثيرا على فهم المقصود .

وعامة فقد كانت المبادىء المتقدمة هى المبادىء الأبرز فى تناول محكمة الاحزاب للجوانب السياسية فيما يختص بتأسيس الاحزاب .

أحكام تخص لجنة الاحزاب

قررت محكمة الاحزاب فى العديد من أحكامها , أن طبيعةلجنة الاحزاب هى لجنة ادارية , بحتة تصدر قرارت ادارية شكلا وموضوعا تخضع للرقابة القضائية من خلال الطعن عليها بدعوى الالغاء , وهى أحكام تعنى أن قرارات اللجنة تخضع للالغاء , واذا لحق بها أى عيب من العيوب , مثل عيوب القانون فهما وتطبيقا وتأويلا وعيوب الاختصاص ومشروعيةالمحل والسبب والمصلحة العامة .. الخ . ولا شك أن فى هذا المنهج تحجيم لسلطة لجنة الاحزاب , ورد لها الى مجال اللجان الادارية البحتة لا تتعداه .

والواقع أن اجراءات الخصومة أمام القضاء الادارى تتم من حيث الاعلان والتعجيل والسقوط .. الخ , لكن دون الأحكام المماثلة فى قانون المرافعات التى تتضمن تدخلا واسعا فى هذه الاجراءات , وتحمله بالتالى مسئولية التقاعس عن اتمامها .

من ناحية أخرى , اعتبرت المحكمة أن المواعيد الاجرائية التى حددها قانون الاحزاب للجنة لمباشرة عملها , نظر الاخطارات المقدمة اليها بتأسيس الاحزاب واصدار قرارتها فى شأنها , مواعيد وجوبية ملزمة قانونا , وبالتالى فان عدم التزام اللجنة بها يعد قرارا ضمنيا بالاعتراض يفتح أمام كل ذى شأن باب الطعن بالالغاء أمام المحكمة .

أما فيما يتعلق بالطعن , فقد أباحت المحكمة أن يكون الطعن على قرارات اللجنة من أى مؤسس , أو أى من المؤسسين مجتمعين أو منفردين .

ذلك أنه قد حدث أثناء نظر الطعن المقام من وكيل مؤسسى حزب الوسط أمام المحكمة , أن قام عدد من طالبى تأسيس الحزب بالغاء توكيلهم له مما جعل العدد النهائى لطالبى التأسيس يقل عن خمسين , وهو العدد المشترط قانونا لصحة طلب التأسيس .

زقد دفعت الحكومة بعدم قبول الدعوى لانتفاء كامل الصفة بعد الغاء التوكيلات امذكورة , لكن المحكمة ردت الدفع بأن قانون مجلس الدلة يوجب قبول الطعون المرفوعة من أى ذى صفة ومصلحة , الأمر الذى يوجب تفسير عبارة طابى التأسيس الواردة فى قانون الاحزاب الذين يحق لهم الطعن بالغاء قرارات لجنة الاحزاب بانهم طالبوالتأسيس الذين وردت أسماؤهم مرفقة بالأخطار مجتمعين أو منفردين .

وأعلمت المحكمة نفس المفهوم , فرفضت طلبات الانضمام للطاعن المقدمة من أشخاص لم ترد أسماؤهم فى اخطار التأسيس , لانتفاء صفتهم ومصلحتهم فى الطعن . علما بأن المحكمة اشترطت أن يكون نصاب المؤسسين مكتملا عند نظر الطلب فى لجنة الاحزاب والا فقد الاخطار أحد الشروط المتطلبة لتأسيس الحزب .

غير أن المحكمة عادت وفسرت حكم المادة 8 من القانون , والتى تقرر فى فقرتها الأولى أن للجنة طب المستندات والأوراق والايضاحات التى ترى لزومها من ذوى الشأن , وقررت فقرتها الثانية بأنه يجب أن يصدر قرار الجنة بالاعتراض على تأسيس الحزب مسببا بعد سماع الايضاحات اللازمة من ذوى الشأن عادت المحكمة وفسرت هذه المادة بما يخالف منهجها فى تفسير نصوص القانون تفسيرا واسعا لصالح طابى تأسيس الاحزاب , ذلك أن المحكمة قررت أنهه من حق اللجنة ألا ترى لزوما لسماع الايضاحات , وأن القانون لم يرتب جزاء لعدم سماع الايضاحات المذكورة فى حين أنه لا بطلان الا بنص .

وفى واقع الأمر , أن نص المادة 8 يتسع لالزام اللجنة بسماع ايضاحات ذوى الشأن قبل اصدار قراراها بالاعتراض , أما ما قررته اللجنة بشأن أنه لا بطلان الا بنص .

فهو يتعارض مع طبيعة دعوى الالغاء واتساعها لعيوب القرار الادارى كافة , بما فيها العيوب الشكلية أو الاجرائية .

على أن اغفال ما هو جوهرى منها أو مقرر لمصلحة المخاطبين به أو يمثل ضماناتللافراد تجاه الادارة هى أمور توجب الغاء القرار .

فالحق أن سماع ايضاحات ذوى الشأن قبل اصدار الاعتراض يعتبر اجراء لصالح طالبى التأسيس , وأحد ضماناتهم , بدليل أن نص المادة قد أوجب هذا الاجراء بالذات قبل صدور قرار الاعتراض دون الأمرين الآخرين فى الفقرة , وهما طلب المستندات والأوراق .

وعلى العموم فان هذا التفسير هو الذىينسجم مع قواعد التفسير الضيق لقيود قانون الاحزاب وحصرها فى أضيق نطاق ممكن , وهو المنهج الذى اتبعته المحكمة باعتبار أن الأصل المستمد من أحكام الدستور هو حرية تكوين الاحزاب .. مما يتعين معه تفسير القيود التى سنها التشريع المنظم للاحزاب باعتبارها تنظيما للأصل يلتزم باطار هذا الأصل , ولا يخرج عن الحدود المقررة له فى الأصل الذى يستند اليه سواء بالتوسعة أو الانتقاص .

كذلك فان المحكمة فى معرض تأييدها لقرار الاعتراض على تأسيس حزب الوسط , قد رفضت الدفع بأن القرار قد شابه عيب الانحراف بالسلطة , بدلالة القبض على بعض مؤسسى الحزب قبل اصدار القرار لاتهامهم بتأسيس حزب غير مشروع والنشر عن ذلك فى الصحف , بأن على مدعى هذا الأمر اثباته وأن الأوراق قد أجدبت عن دليل يؤكده . كذلك أكدت لجنة الاحزاب أن تضيف اسبابا للاعتراض أثناء نظر الطعن أمام المحكمة . ومن مجموع ما تقدم يكون قد تم استيفاء عرض المبادىء الجوهرية التى حددت بها المحكمة طبيعة وحدود سلطة لجنة الاحزاب وفقا للقانون .

الأحكام التى تخص تميز برامج الاحزاب

ان أبرز الأحكام الموضوعية التى أصدرتها محكمة الاحزاب فيما يخص التخفيف من القيود الشديدة لقانون الاحزاب , كان يتعلق بالشرط الوارد بالبند ثانيا من المادة الرابعة سابقة الاشارة ,والذى ينص على تميز برنامج الحزب وسياساته أو أساليبه فى تحقيق هذا البرنامج تميزا ظاهرا عن الاحزاب الأخرى .

وقد انتهت محكمة الاحزاب الى موقف شديد الوضوح الى جانب حرية تكوين الاحزاب , حين قدرت أن الشروط التى وضعها القانون لاقامة الاحزاب هى الافاضة والشمول على نحو يجعل الأساسيات والأساليب والبرامج والمبادىء التى تقوم عليها الاحزاب السياسية ترد من معين واحد ومن نبع محدد , الأمر الذى يجعل التشابه بين مبادئها وبرامجها وأساليبها أمرا واردا , وبالتالى يعنى اشتراط التمايز الظاهر بين هذه المبادىء والبرامج والأساليب هو أمر جد عسير , يخرج بهذا الشرط عن دائرة التنظيم الى مجال التقييد, وينطوى على تعارض واضح مع مبدأ تكافؤ الفرص بيم المواطنين ويخل بالمساواة بينهم فى الحقوق والواجبات على نحو يعارض المادتين 8 , 40 من الدستور , لما ينطوى عليه من اباحة تأسيس الاحزاب السياسية للبعض وحظر ذلك على البعض الآخر , ولا يسوغ الرد بأنه ما دام حزبا قائما على ذات الأسس والمبادىء التى يؤمن بها طالبو التأسيس , فانه يمكن لهؤلاء الانخراط تحت لواء هذا الحزب ,ذلك أنه بفرض التسليم باعتناق هؤلاء لذات الأسس والمبادىء والأهداف , فانهم قد لا يؤمنون بقدرة وكفاءة القائمين على الحزب على تحقيقها .

وعلى هذا الأساس قامت محكمة الاحزاب باحالة الأمر الى المحكمة الدستورية العليا , لكن الأخيرة قضت بدستورية هذا الشرط كما سبقت الاشارة فى الجزء الأول من هذا القسم . وعلى الرغم من هذا القضاء الدستورى الملزم , فان محكمة الاحزاب استمرت على منهجها , فابتدعت تفسيرا للتميز المقصود يعنى اختلاف البرامج والسياسات عت تلك التى يقوم عليها حزب آخر , وليس عن كل برامج وسياسات وأساليب الاحزاب الأخرى مجتمعة , وانما يكون التميز عن كل حزب على استقلال ,فلا يكون هناك حزبان متماثلان , والقول بغير ذلك يخرج عن دائرة التنظيم الى دائرة المنع والتقييد ,لأن الاحزاب ترتبط بشروط عامة أوردها كل من الدستور والقانون وألزمها بها على نحو يجعل التميز المطلوب محصورا فى غيرها فالتميز لا يعنى الاختلاف التام أو التباين المطلق فى جميع المناحى , لكنه التميز الظاهر فقط بما يكفى معه الاختلاف ولو جزئيا ما دام بارزا على نحو يفرق الحزب عن سواه , ويميزه عن غيره فى البرامج والسياسات والأساليب , فلا يكون مسخا من أحدهما , ومؤدى ذلك أن وجود اختلاف أو تباين ظاهر فى هذا البرنامج وفيها رسم لتحقيقه من أساليب وسياسات بما يتم له ذاتيته وتميزه عن سواه , هو كفيل بتوافر هذا الشرط .

وواقع الأمر , أن المحكمة برغم جهدها المشكور هذا فى التأوي والتفسير فانها أعملت معيارها هذا بشكل متناقض فى مواجهة تتابع قرارات لجنة الاحزاب برفض تأسيس الاحزاب على النحو الذى أشير اليه فى بداية هذا الجزء من القسم . لقد كان افتقاد التميز فى برنامج الحزب عن الاحزاب الموجودة ,هو القاسم المشترك الأعظم فى قرارات لجنة الاحزاب بالاعتراض على تأسيس أى حزب ممن تقدموا اليها منذ عام 1979 حتى اليوم عدا حزب الوفاق القومي , الذى وافقت عليه اللجنة منذ عامين, ثم عادت وجمدت نشاطه لاحقا – وكانت الجنة ترى دائما فى أى برنامج أنه لا يضيف جديدا , وأنه ينطوى على مجرد مبادىء و أفكار عامة دون خطة لتنفيذها ولا قدرة على تمويلها , أو أنه ينطوى على أفكار وسياست تقوم الدولة بتطبيقها بالفعل أو أفكار ومبادىء نص عليها الدستور والقوانين السارية , أو أنها أفكار وسياسات موجودة فى برامج معظم الاحزاب الأخرى الموجودة فى الساحة.

أما محكمة الاحزاب فقد سارت فى بعض الأحيان مخالفى لهذا الرأى :

أ‌- عرضت المحكمة لتقرير بيان تميز برنامج حزب الأمة فى عبارة عامة واحدة , قررت فيها أن الدراسة الدقيقة لبرنامج الحزب تفيد هذاالتميز .
ب- اعتبرت المحكمة أن برنامج حزب مصر الفتاة متميز , وأنه تضمن جديدا من مهمات الأمور , مثل مشروع النيل وان كان مرهقا ما دام ليس مستحيلا اطلاقا , ومثل الآمال المرجوة على الصعيد العربى والأفريقى ولو كانت طموحة , أو مثل الدعائم المنشودة على الصعيد الوطنى داخليا وخارجيا بجميع مجالاته وبوسائل مختلفة .
ج- رأت المحكمة أن برنامج حزب الخضر المصري تميز بأنه اتخذ من فكرة التوازن البيئى أساسا تدور حوله كافة سياساته , بحيث انعكست هذه الفكرة على برنامج الحزب كله وسياساته وأساليبه ,وهو أمر لم يسبق اليه أى حزب آخر .
د‌- وجدت المحكمة أن الحزب الإتحادي الديمقراطي أقام برنامجه على تحقيق هدف الوحدة بين شطرى وادى النيل مصر والسودان , بما يتحقق به تميز البرنامج فى دعاماته الأساسية عن الاحزاب الأخرى , وبما يتميز عن هدف الوحدة العربية أو الوحدة الإسلام ية ويكفى سببا للتميز ومدعاة للتفرد .
ه- لاحظت المحكمة أن برنامج حزب الشعب الديمقراطي تميز بارتكازه على تعميق المفاهيم الديمقراطية , وتوجيه قدرات الشباب العاطلة نحو اقتحام الأراضى الصحراوية , وامكانية توفير المياه بأقل التكاليف . وجذب رؤوس الأموال المصرية المهاجرة من جديد , ورفع الوعى لدى الشباب لبناء مساكنه ومصانعه بيده .
و- ذكرت المحكمة أن الحزب الناصري ضياء داوود تميز بما قدمه عن انشاء الدولة العربية الواحدة ,وجعل المشروع القومى مناط دعوته السياسية ومحورها الذى يتجمع حوله حزئيات البرنامج وتفاصيله .
ز- رأت المحكمة أن حزب العدالة الإجتماعية تميز بما رآه من ضرور ة عرض كافة التشريعات على مجلس الدولة , للموافقة عليها قبل اصدارها ويكون رأيه فيها ملزما , وفكرة انشاء النيابة أمام كافة المحاكم على اختلاف درجاتها وهدم احالة رجال القضاء الى المعاش .
ل- لاحظت المحكمة تميز حزب التكافل بما تعرض له من أمهات المسائل التى يراها فى الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة , بما يجعل الانتماء له عن بصيرة ويقين , ومن ذلك دعوته للتكافل مع شعوب وادى النيل من خلال رابطة مستمرة بين شعوبها وليس بين الحكومات , وأن الاتحاد السياسى بين هذه الدول يتمثل فى توحيد أولوية علاقات هذه الدول بالدول الأخرى , والسماح بالتنقل دون تأشيرات للأفراد , وكذلك مشروع توحيد الضريبة , ونقل العاصمة الى غرب الدلتا .. الخ , وعدم السماح للمصريين بايداع أموالهم فى بنوك أجنبية , وحق توفير ضروريات الغذاء والعيش الضرورى لكل أسرة كأحد حقوق التكافل , وأن يحصل المصرى على الحد الأقصى للرعاية الصحية وانشاء مدن غرب كل عاصمة فى الصحراء , وانشاء مزارع للثروة الحيوانية خارج الأرض الزراعية بقرب الأراضى المراد استصلاحها , والأبعاد التى حددها للنشاط الاعلامى .

ومقابل كل ذلك فقد رفضت المحكمة طعن بعض الاحزاب تحت التأسيس , بسبب برامجها وذلك على النحو التالى :

أ – رفضت المحكمة برنامج حزب الحضارة الجديدة , على أساس أنه قد شيد على النهضات التطبيقية العظمى التى يكفى منها فى الوقت الحاضر النهضتان العسكرية والاقتصادية , ولكن ما قدمه يدور حول دراسات اقتصادية وعسكرية انتهى منها الى مجرد تصورات وأمانى ,دون أن يبين كيفية ووسائل التحقيق , ومن ثم الضرب صفحا بظروف المجتمع وموارده وعلاقاته الدولية ومشكلاته الواقعية وقضاياه القومية , فلا تثريب على لجنة الأحزاب اذا اعترضت على تأسيسه لمخالفته لقانون الاحزاب .
ب‌- رأت المحكمة أن الحزب الإشتراكي المصري لم يقدم جديدا فى اختيار اللامركزية الادارية , التى خلط بينها وبين الحكم المحلى , وأن انشاء القضاء الشعبى فى الأحياء أمر موجود فى محكمة القيم والأحزاب وانتاج رغيف خبز كامل المصرية زراعة وصناعة بما يغنى عن استيراد القمح مطلب جماهيرى تسعى اليه الاحزاب القائمة , وتلك التى تطالب بالتوسع الزراعى .
أما دعوة الحزب لمنع البناء للتمليك فى غير المدن الجديدة ,فينطوى على منع الملاك من حرية التصرف فى أملاكهم الخاصة , ودعوة الحزب لسيطرة الدولة على المصارف , هو الأمر القائم فعلا طبقا لقانون البنوك , وأن منع النشاط السياسى فى النقابات والأندية والمؤسسات الاجتماعية هو أمر تضمنته بالفعل نصوص الدستور .
اعتبرت المحكمة أن مطالبة حزب العدالة بانشاء بنك للشباب , يقوم على تحصيل اشتراكات شهرية بدءا من السنة الأولى من أعمارهم , ويقدم للمشتركين قروضا حسنة تساعدهم على الزواج , وتوفر لهم فرص عمل انتاجية وخدمية فى كافة الميادين , واقامة كومنولث عربى اسلامى أفريقى , و ما تضمنه من الاهتمام بالنشء والشباب والتربيةالمصرية والدينية والوطنية , وما اعاده من نقاط فى برنامج الحزب الإشتراكي المصري , كل ذلك لا جديد فيه ولا تميز مثل الاقتراحات بانشاء بنك لقمح , وانشاء محكمة ادارية عربية , و جامعة للشعوب العربية الإسلامية .
ذ‌- ذكرت المحكمة أن حزب السلام ومثله أحزاب الدستورى المصرى والسلام الاجتماعى والوحدة الوطنية والسادات افتقدوا التميز , وأن برامجهم تضمنت أفكارا سبقت اليها أحزاب قائمة , أو الحكومة توليها اهتماما , أو أنها مجرد أمانى أو تصورات لا تطابق حقيقة الواقع , أو أقوال مرسلة لا تتضمن وسائل تنفيذها .
ه- اعتبرت المحكمة أن الحزب الجماهيري الديمقراطي المصري فى دعوته لتحديث نظام التجنيد الاجبارى , وتشكيل مجالس لادراة الكوارث وللاعلام ومركز وثائقى لزعماء مصر , ولجان لمواجهة الارهاب ومعسكرات عمل للشباب لمواجهة الارهاب والبطالة وشركات لاستصلاح الأراضى وتوفير المياه , كل ذلك لا جديد فيه مثله مثل ما يقرره برنامج الحزب المصرى الجمهورى منمشروع قومى للنهوض بالقرية والتوسع الزراعى , بواسطة كتائب من المجندين فى القوات المسلحة , واعتبار السياحة ركيزة للنهضة الشاملة ومد المظلة التأمينية للقطاعات المحرومة منها ووقف الدعم المالى للاحزاب بعد ثلاث سنوات من انشائها , وتحويل مجلس الشوي الى مجلس شيوخ , واشتراك أساتذة الاجتماع والتربية فى مراجعة برامج التليفزيون وأفلام السنما قبل عرضها على الجمهور .
وهكذا تبين من خلال تلك الاطالة مدى التناقض فى تطبيق المحكمة لمعيار التميز , كما حددته المحكمة , وما ترتب على ذلك من تأييد الاعتراض على تأسيس بعض الاحزاب , فى حين أن برامجها تنطوى على نقاط تفصيلية يمكن أن تعتبر تميزا مثلما اعتبرت المحكمة بالنسبة لأحزاب أخرى ألغت قرار الاعتراض على تأسيسها .
وبمقارنة ذلك بالأحكام ذات الطبيعة السياسية التى وردت فى البند أولا من هذا القسم , يمكن أن يزيد التأكيد على توجهات محكمة الاحزاب وأسلوبها فى معالجة هذا الشرط واختلاف تطبيقاتها لهذا المعيار .

أحكام موضوعية أخرى

أبدعت المحكمة فى اطار منهجها فى تخفيف وطأة القانون تأويلات أخرى منها :

أ‌- أن وجود 25 مؤسسا من العمال والفلاحين يكفى لتحقيق النصاب المطلوب فى اخطار تأسيس الحزب , اذا زاد عدد المؤسسين عن الخمسين عضوا الذين يمثلونالحد الأدنى للعدد المطلوب للتأسيس.
ب‌- ان الواقع الاتهامات فى حق أى من المؤسسين والتى تفقدهم الشروط المتطلبة فى المادة الرابعة من القانون ,ينبغى أن تكون وقائع ثابتة يقوم عليها دليل واضح ولا يكفى فيها الاتهامات التى توجهها النيابة , ما داموا لم يقدموا للمحاكمة سواء الجنائية أو التأديبية ولم تصدر فى حقهم أحكام .
ج‌- ان الحزب الذى يدعو لوحدة مصر مع دولة عربية أخرى لا يعد فرعا للحزب القائم فى تلك الدولة , ولا يخالف قانون الاحزاب .
د- ان الاحزاب ليست مكلفة بتقديم الدراسات والأبحاث التى تؤكد صحة وامكانية تنفيذ برامجها , لأن ذلك فوق طاقتها وامكانتها وانما على لجنة الاحزاب أن تقدم الأبحاث والدراسات التى تؤكد عدم امكانية تنفيذ هذهالبرامج اذا اعترضت على تأسيسها لهذا السبب .
ه- انه لا يوجد فى الدستور ما يمنع وجود مؤسسات غير رسمية للتعليم بمصاريف فى أى من مراحله , بحيث يكون ورود مثل هذه الأفكار فى برنامج أى حزب مخالفا للدستور .
وبذلك يكون قد تم الانتهاء من ايضاح جميع المبادىء التى قررتها محكمة الاحزاب لتحديد موقفها من نشأة وتأسيس الاحزاب .

موقف محكمة القضاء الإداري

لم يقدم لمحكمة اقضاء الادارى التصدى بقوة لقانون الاحزاب السياسية فلم تستغرق القترة التى ينط بها الاختصاص بالطعون فى قرارات لجنة الاحزاب الا مدة وجيزة فى بداية التجربة لم تشهد أية طعون على قرارات اللجنة المذكورة , لكن محكمة الاحزاب تصدت لذلك وأيدتها المحكمة الادارية العليا لبيان حدود اختصاص محكمة الاحزابولجنة الاحزاب وطبيعة كل منهما , كما تصدت بشكل غير مباشر لبعض نصوص قانون الاحزاب , فكان أبرز ما قررته فى الأمور السابقة المبادىء التالية :

1- كانت المادة 4 من قانون حماية الجهة الداخلية والسلام الاجتماعى تمنع الانتماء للاحزاب السياسية امن تسبب فى افساد احياة السياسية فى مصر قبل ثورة يوليو 1952 من خلال الاشتراك فى ادارة الاحزاب , وذلك باكتساب عضوية الهيئة العليا للحزب , وأما ما هو أعلى من ذلك من مواقع وقد طعن المرحوم الأستاذ عبد الفتاح حسن الوزير الوفدى الأسبق ضد القرار الصادر بحرمانه من حقوقه السياسية على أساس القانون , واستجابت محكمة القضاء الإداري , فرفضت أن تجعل مناط الحرمان هو مجرد المشاركة فى ادارة الاحزاب , كماقررت المادة , بل أن يثبت التسبب الفعلى فى افساد الحياة السياسية , فاذا لم يثبت على شخص معين ارتكاب هذا الافساد فلا يخضع لحكم المادة .
2- كان حزب الوفد قد أخطر لجنة الاحزاب بحل نفسه يوم 2- 6-1978 لكنه لم يخطر اجتماع الجمعية العمومية , ومن حضر من أعضائها وصوت على القرار .
وحين أراد الحزب استئناف نشاطه عام 1983 رفضت لجنة الاحزاب فطعن على قرارها أما محكمة القضاء الإداري .
فقضت بوقف تنفيذ قرارات لجنة الاحزاب ضد حزب الوفد وأكدت أن قيام الحزب لا يستند الى ترخيص السلطة , وانما هو حق مستمد من الدستور والقانون , وأن قرار الحل من صلاحيات الحزب وحده لا شأن للجنة الاحزاب به , ولا يتعين عليها أن تتمسك به على نحو يتعارض مع الواقع أو بمعزل عن الظروف التى أحاطت بصدوره أو بأسلوب لا يتفق مع حسن النية , وأنه يتعين احترام نظام الحزب الداخلى والنزول على كافة أحكامه المتعلقة بحل الحزب .
3- ألغت المحكمة قرار إتحاد الإذاعة والتليفزيون لكل حزب , لشرح برامجه أثناء فترة الانتخابات , باعتبارها غير كافية لشرح هذه البرامج , الأمر الذى يتناقض مع حرية تكوين الاحزاب فى الدستور والقانون وحريات الرأى والتعبير وأهداف اتحاد الاذاعة والتليفزيون كما حددها قانونه .
4- أن اختصاص محكمة الاحزاب فى شؤون الاحزاب هو اختصاص استثنائى يلتزم الحدود التى قررها القانون ,واستثناها من سلطة محكمة القضاء الإداري , أما بقية الأمور التى لم ترد فى القانون فتظل خاضعة للأصل العام الذى يحكمها وتختص محكمة القضاء الإداري بنظرها .
5- أنه لا اختصاص للجنة الاحزاب بالصراعات الداخلية فى الحزب , أو القرارات التى يصدرها بشأن تغيير رئيسه أو حل للحزب أو ادماجه فى حزب آخر أو أى تعديل فى النظام الداخلى للحزب , وكل ما لها فى ذلك أن القانون أوجب على الأحزاب أن تخطر رئيس لجنة شؤون الاحزاب بهذه القرارات فقط , وعلى اللجنة أن تتلقى هذه الاخطارات وتتعامل معها دون تدخل فى فحواها , وليس لها بالتالى أن تحسم الصراع على رئاسة الحزب أو تعتمد أيا من الأشخاص المتصارعين الرئاسة أو لا تعتمد أيا منهم اطلاقا , بل يجب ترك الأمر لحزب حتى يتم حسم الصراع اتفاقا أو قضاء ورفضت المحكمة بناء على ذلك , ما قررته اللجنة من عدم الاعتداد بأى من السيدين محمود الصاوي وادوارعفيفى كرئيس لحزب الشعب اليمقراطى .

خاتمة

قدم هذا القسم من الدراسة المبادىء التى استقر عليها القضاء فيما يخص تحديد موقفه من الأحزاب السياسية نشأة ووجودا وحلا .

والمؤكد أن التجربة الحزبية المصرية ما تزال تحتاج الى المزيد من التحرير والتطوير سواء على مستوى النصوص القانونية أوالرقابة القضائية أو الواقع السياسى والاجتماعى – أى البيئة – التى تتحرك فيها الاحزاب .

وقد لوحظ خلال هذا القسم من الدراسة كيف أنه برغم جهود القضاء فى التخفيف من وطأة القيود الواردة فى القانون على حريةوحركة الاحزاب , الا أن النصوص القانونية ما زالت تقف حائلا أمام الاجتهادات القضائية بل انه غموض النصوص وتعميقها ,فان ثمة اضطرابا قضائيا فى أعمال المعايير – حتى القضائية – وتطبيقها على الواقع الحزبى .

ولعل البحث يكون قد قدم اسهاما فى الطريق الطويل الى الحرية .

القسم السابع :الاحزاب الصغيرة فى مصر وعلاقاتها بالأحزاب والقوى السياسية الأخرى " د. سعد أبو عامود "

ظاهرة الاحزاب المصرية الصغيرة ليست ظاهرو جديدة على الحياة السياسية المصرية , فمنذ أن عرفت مصر الاحزاب فى مطلع القرن العشرين ظهرت هذه الاحزاب الى جانب الاحزاب الكبيرة التى استقطبت أعدادا كبير من المواطنين .

وتكررت هذه الظاهرة خلال العهد الليبرالى فىالفترة من 19231952 , ثم عادت لتبرز من جديد مع التجربة الحزبية الثانية التى بدأت عام 1976 , وقد وصل عدد هذه الاحزاب ختى الآن الى أحد عشر حزبا قانونيا , هذا بالاضافة الى بعض التكوينات الحزبية غير القانونية كالإخوان المسلمين والحزب الشيوعي المصري , وقد حددت الدراسة الحزب الصغير استنادا الى معيار التمثيل فى مجلس الشعب , ومن ثم فكل الاحزاب غير المتمثلة أوالتى لم يسبق لها التمثيل فى مجلس الشعب هى من الاحزاب الصغيرة وتستهدف هذه الدراسة التعرف على علاقة هذه الاحزاب بالاحزاب والقوى السياسية الأخرى فى الحياة السياسية المصرية , وذلك منأجل التعرف على أعباد واتجاهات هذه الاحزاب فى هذا الصدد , مع الأخذ فى الاعتبار موقف الاحزاب المصرية الرئيسية من الاحزاب الصغيرة وقد تحددت خطة هذا القسم من الدراسة على النحو التالى :

أولا : تأصيل ظاهرة الاحزاب الصغيرة فىالحياة السياسية المصرية , وعلاقة تلك الاحزاب الكبيرة , وذلك منذ بدء الحياة الحزبية وحتى عام 1952 .

ثانيا : الاحزاب السياسية الضغيرة فى الواقع السياسى المصرى فى ظل التعددية الحزبية التالية 1976 .

ثالثا : ملامح العلاقة بين الاحزاب الصغيرة والاحزاب والقوى السياسية الصغرى فى الحياة المصرية المعاصرة .

رابعا : نحو رؤية مستقبلية للعلاقة بين الاحزاب المصرية الصغيرة والاحزاب والقوى السياسية الأخرى .

تأصيل ظاهرة الاحزاب الصغيرة فى الحياة السياسية المصرية

عرفت مصر ظاهرة الاحزاب الصغيرة منذ التجربة الحزبية الأولى والتى بدأت عام 1907 واستمرت حتى الحرب العالمية الأولي , كما شهدت المرحلة الليبرالية التى امتدت من عام 1923 وحتى عام 1952 نفس الظاهرة , ثم تكررت هذه الظاهرة فى سياق التجربة المعاصرة والتى بدأت عام 1976 ولا زالت مستمرة حتى الآن .

الاحزاب الصغيرة فى التجربة الحزبية الأولى

تعددت الآراء التى قدمها الباحثون بصدد الأسباب التى أدت الى ظهور الاحزاب الصغيرة فى اطار التجربة الحزبية الأولى , وفى هذا الصدد يذكر الباحثين أن هذه الظاهرة قد جاءت كرد فعل لبعض القوى الاجتماعية والعناصر التقليدية وانصاف المصريين لدعوة الحزب الوطني الذى أسسه مصطفى كامل والتى نظروا اليها على أنها دعوة متطرفة وفى هذا يقول الباحث " " ان طبقة الملاك وجدت فى دعوتها القومية الدستورية فى ظل دعوة جريدة اللواء المتطرفة ,ما يدفعها لأن تعبر عن ذاتها سياسيا من خلال تنظيم حزب جديد هو حزب الأمة ,ذلك فى الوقت المناسب لذلك , وهو سياسة الوفاق بين انجلترا والقصر , وكان من الطبيعى أن تتهيأ نفس الفرص للعناصر التقليدية الأخرى وانصاف المصريين فى التعبير عن ذاتيتهم سياسيا فى استجابات تتراوح بين اليمين واليسار لهذه الحركة القومية الدستورية المتطرفة , وتجلى ذلك فى عدد من الاحزا ب السياسية الصغرى مثلت فى حقيقتها استجابات توافقية مختلفة مع الاحتلال والقوى السياسية المتصارعة وتجسدت فى جماعات سياسية تدعو للمبادىء الديمقراطية , وفى ارتباها ببعض الشخصيات المصرية بنوع من الولاء , من خلال ولائها لمصالحها الذاتية ولاء ومستجيبا لهدف شاءه الاحتلال والقصر " ومن هذه الاحزاب ما كان يمينيا مثل الحزب الوطني الذى شكله حافظ عوض , وهو غير الحزب الوطني الذى شكله مصطفى كامل .

وقد نشرت وثيقة هذا الحزب لأول مرة فى جريدة المؤيد بعددها الصادر فى 26 أغسطس 1907 , وقد رأى مؤسس هذا الحزب أن على الأمة المصرية أن تتفق فى مساعيها مع أولياء الأمور من الانجليز لأن مصالح انجلترا ومصر واحدة , وأخذ برنامج الحزب المعلن بالدعوة الى التدرج للوصول الى الاستقلال , وقد أطلق البعض اسم حزب الأحرار على هذا الحزب لتميزه عن الحزب الوطني لمصطفى كامل , خاصة وأن هذا الحزب يمثل الصورة العكسية لحزب مصطفى كامل .

ومن هذه الاحزاب الصغيرة اليمينية حزب النبلاء , والذى جاء كرد فعل لبقايا الارستقراطية التركية على الهجوم الذى شنه محمد فريد فلا عام 1908 على الخديوى بمثابة الرأس للارستقراطية التركية , فقد كان من الطبيعى أن يهب منها من يدافع عنه , فرئيس الحزب هو حسن حلمي زاده بن على حلمى باشا العضو الوطنى , و الذى كان من رجال الحكومة التركية ونائي الحزب هو محمود طاهر حقي ذو الأصول التركية ولم يقم هذا الحزب وفقا لاجماع آراء المؤرخين بأى دور علمى فى الواقع السياسى .

ومن هذه الاحزاب الصغيرة اليمينية الحزب الدستوري الذى أسسه ادريس بك راغب , والذى جمع فى برنامجه بين الولاء لكل سلطة فى البلاد سواء كانت الخديوية أو الدولة العثمانية أو سلطات الاحتلال . ويرى د. رفاعى أن هذا الحزب نشأ ليسد الفراغ فى اليمين , بين حزب الإصلاح على المبادىء الدستورية المؤي لسلطة الخديوى , وحزب الأحرار فى تأييده لبقاء الاحتلال , و يأتى بعد ذلك الحزب المصري الذى جاء نتيجة لسيطرة الاتجاه الإسلامى على قيادة الحزب الوطني بعد وفاة مصطفى كامل , الأمر الذى أثار مخاوف الأقباط , فأخذوا فى الانسحاب منه , واعلنوا قيام الحزب المصرى ممثلا للأقباط ومشكلا من كبار أعيان الصعيد ويذكر د. يونان لبيب رزق أن أخنوخ فانوس المحامى نشر 1908 , وأن الاتجاه المصرى قد ظهر بوضوح فى برنامجه كما يتضح الاتجاه العلمانى فى هذا المشروع على أساس أنه البديل للاتجاه الدينى الذى تبناه الحزب الوطني , أما الاعتدال فيبدو فى الرغبة فى ايجا رابطة من نوع ما مع انجلترا .

أما الاحزاب اليسارية التى ظهرت خلال هذه الفترة فأبرزها الحزب الجمهوري الذى دعا اليه محمد غانم وقد تكونت أساسا من مجموعة من المثقفين الذين تأثروا بالثقافة الفرنسية وقد أطلقوا شعار الثورةالفرنسية على حزبهم وهو الحرية والاخاء والمساواة , وكانت له رؤية حول تدرج الأمة السياسى الذى يبدأ بنيل الدستور , فالاستقلال التام فاعلان الجمهورية , كما شهدت هذه الفترة ظهور ارهاصات الفكر الاشتراكى من خلال أفكارر شلبى شميل ونقولا حداد التى نشراها فى جريدة الأخبار , وتبلور عمليا فى تأسيس الحزب الإشتراكي المبارك الذى أسسه د. حسن جمال الدين , والذى لم ينظر الى الإشتراكية كبرنامج عمل لمعالجة مشاكل المجتمع المصرى , وانما اتخذها من زاوية انسانية بمحاولة تناول المشكلة بدوافع الرحمةلا بدوافع العلاج الجذرى , كما ظهر فى عام 1909 حزب العمال , والذى أسسه محمدي أحمد الحسن ليكون معبرا عن الطبقةالعاملة من مصريين وأجانب .

ويمثل هذا الاتجاه اليسارى رؤية جديدة للمثقفين المصريين أو لشريحة منهم , للعلاج السياسى والاجتماعى لمشكلات المجتمع المصرى , و ان كانت البيئة الاجتماعية لم تكن مهيأة لتقبل هذا الاتجاه بالقدر املائم .

ومن خلال هذا العرض المتقدم , يمكن القول بأن الاحزاب الصغيرة قد نشأت فى تلك الفترة للعديد من الأسباب منها :

أ‌- رؤية بعض فئات المجتمع المصرى أن الحزب الوطني الى أسسه مصطفى كامل يتبنى اتجاها متطرفا بصدد القضية الوطنية , لا يتلاءم وواقع تلك الفترة أو رأى البعض من هذه الفئات , أن هذا الاتجاه سيلحق أضرارا بمصالحهم الذاتية , ومن ثم اتجهوا الى تشكيل أحزاب تعبر عن هذه المصالح .
ب‌- العلاقة بين القوى السياسية الرئيسية فى ذلك الوقت وهو الخديوى القصر والانجليز والحركة الوطنية , هذه العلاقة التى اتخذت أشكالا مختلفة ما بين تقارب بين الخديوى والحركة الوطنية فى توافق حول معاداة الاحتلال ,وما بين وفاق فى مرحلة ثالثة بين الانجليز والخديوى , هذا التذبذب فى العلاقة بين القوى السياسية الرئيسية , أدى الى ظهور أحزاب سياسية صغيرة كرد فعل للتطورات التى شهدتها هذه العلاقة .
ح‌- التوجه الدينى للحزب الوطنى بعد وفاة مصطفى كامل أدى الى انشقاقات من داخل الحزب الوطني لأسباب مختلفة , عبرت هذه الانشقاقات عن نفسها فى شكل أحزاب صغيرة .الا أن الملاحظ أن هذه الاحزاب لم تكن لها فعالية فى الحياة السياسية المصرية , وفى هذا الصدد يذكر جاكوب لاندو : " تن هذه الاحزاب قامت على التبعية الشخصية لزعمائها , فان ماتوا أو اختفوا ,ماتت واختفت أحزابهم .
أما البرامج السياسية لهذه الاحزاب , فقد كانت صورة للاختلافات فيما بينها , وكانوا يشتركون فى النظرة الى موضوع واحد وهو التعليم , وكانوا أقل اهتماما بالمسائل الداخلية واختلفت نظرتهم فى الريف , ومن ثم تمركزوا فى المدن , ووجهوا جهودهم المكثفة نحو الاحتلال , وكان شكل الاختلاف بين حزب وآخر يتمثل نحو مناقشة موضوع الاحتلال ودرجات المقاومة التى أعلنوها أو أيدوها .

الاحزاب السياسيةالصغيرة فى الحقبة الليبرالية 19231952

شهدت هذه الفترة ظهور مجموعة من الاحزاب الصغيرة , صحيح أن بعض تلك الاحزاب تولى الحكم وكان لها أعضاء فىالبرلمان , الا أن الواقع يجعل تلك الاحزاب أحزابا صغيرة , لأنها احتلت كل مقاعدها بالبرلمان من خلال التزوير الفاضح للانتخابات فى مواجهة الوفد , وعامة فقد انتشرت ظاهرة الاحزاب الصغيرة فى تلك الفترة لأسباب عديدة أهمها الصراع بين القصر وحزب الوفد على وجه التحديد الذى كان يمثل حزب الأغلبية , الأمر الذى دفع القصر الى تشجيع بعض أنصاره لتشكيل أحزاب عرفت باسم أحزاب القصر كحزب الإتحاد وحزب الشعب , و هى أحزاب لعبت دورا سلبيا مؤثرا على مسار التطور الديمقراطى فى البلاد .

ويذكر د. علي الدين هلال أن هذه الاحزاب أنشئت بدعم وتأييد من الملك , ولم يقدر لها أن تتمتع بثقة الشعب , وانما استمرت أداة طيعة فى يد السراى فحزب الإتحاد الذى أعلن عن انشائه فى يوم 10يناير 1925 كان الهدف من انشائه أن يكون أداة القصر فى حكم البلاد وذلك للدفاع عن مصالح الملك وتنفيذ سياساته بعد استقالة وزارةالوفد والدعوة لانتخابات جديدة لعب فيها صدقى باشا كوزير للداخلية دورا هاما فى تزييف ارادة الشعب , أما حزب الشعب فقد تأسس برئاسة إسماعيل صدقي باشا فى 17 نوفمبر 1930 و وفى عام 1933 تولى رئاسته عبد الفتاح يحيى باشا , وفسر صدقى باشا انشاء الحزب بخروج قادة حزب الأحرار الدستوريين عن مبادئه , ومن ثم فهو يرى أن هذا الحزب يقوم على المبادىء الحقة لحزب الأحرار الدستوريين , ولكن الحقيقة وراء تكوين هذا الحزب تعود الى ظروف الجديد وتجول الأحرار الدستوريين الى المعارضة والتنسيق مع الوفد .

أما المصدر الثانى لقيام الاحزاب الصغيرة خلال هذه الفترة فيجع الى الانشقاقات التى حدثت من داخل حزب الوفد ,ومنها حزب الهيئة السعدية الذى تكون فى 4 يناير سنة 1938 كنتيجة لانشقاق محمود فهمي النقراشي وأحمد ماهر عن حزب الوفد , الكتلة الوفدية التى تكونت لانشقاق مكرد عبيد وعدد من النواب والشيوخ المتضامنين معه عن حزب الوفد لأنهمرأوا أن مصطفى النحاس زعيم الوفد آنذاك قد خرج عن مبادىء الوفد السامية , وكان ذلك فى عام 1943 ويرى د. يونان لبيب رزق أن السبب فى هذه الانشقاقات يرجع الى النوازع الشخصية والخلاف بين المنشقين وزعامة حزب الوفد ويرى أنها كانت تشرذما للوفد أكثر منها انشقاقات فى صفوفه , بدليل أن المبادىء الأساسية للاحزاب المنشقة والوسائل التى اصطنعتها لتحقيق المبادىء هى نفس مبادىء الوفد .

وهناك مجموعة أخرى من الاحزاب الصغيرة التى نشأت خلال هذه الفترة والتى أطلق عليها د. على الدين هلال أحزاب الرفض السياسى والاجتماعى وبينها حزب مصر الفتاة 1937 والذى تحول الى الحزب الوطني الإسلام ى عام 1941, ثم عاد الى التسمية بمصر الفتاة حتى عام 1949 , عندما تغير الى حزب مصر الاشتراكى حيث لعب دورا هاما فى نشر الأفكار الثورية والداعية الى التغيير .

كما شهدت هذه الفترة ظهور بعض الاحزاب اليسارية مثل الحزب الإشتراكي الذى تأسس عام 1921 وفى الثلاثينيات استمرت التيارات الماركسية فى الظهور دون أن تتبلور فى صورة حزب حتى عام 1950 الذى شهد تكون الحزب اليشيوعى المصرى .

والواقع أن الاحزاب الصغيرة قد لعبت أدورا عديدة فى سياق الحياة السياسية المصرية , فى تلك الفترة ,فبعض هذه الاحزاب شارك فى تشكيل الحكومات الائتلافية وبعضها فاز فى الانتخابات فى اطار دعم ومساندة القصر وتزوير الانتخابات وبعضها أسهم بشكل أو بآخر فى اخراج الوفد واضعافه كحزب للأغلبية أما أحزاب الرفض الاجتماعى والسياسى الصغيرة فكانت أداة هامة لنشر الوعى بحقيقة الظروف الاجتماعية الصعبة التى كان يعيشها المجتمع المصرى آنذاك .

الا أن هذه الاحزاب تشترك فى سمة معينة , وهى أنها لم تلق التأييد الشعبى الكافى لكى تقوم بدور فاعل فى الحياة السياسية المصرية ومن ثم فقد كانت معوقا للتطور الديمقراطى الذى كان يمكن أن يحدث اذا ما سارت الأمور فى نهجها الطبيعى .

الاحزاب السياسية الصغيرة فى الواقع السياسى المصرى فى ظل التعددية الحزبية الثالثة عام 1976

افرزت التجربة الحزبية الثالثة فى مصر عام 1976 , مجموعة من الاحزاب السياسية الصغيرة , ووفقا للمعيار الذى حددته الدراسة للحزب الصغير , و هو أن يكون خارج مجلس الشعب , فان الاحزاب الصغيرة يصل الى أحد عشر حزبا أنشىء جميعها أبان حكم الرئيس مبارك , باستثناء حزب مصر العربي , الذى اعتبر حزبا فى البداية الى أن أعلن الرئيس السادات عن تشكيل الحزب الوطني الديمقراطي , فانتقلت الغالبية من أعضاء حزب مصر العربي الإشتراكي الى الحزب الوطني الديمقراطي , ولم يبق بالحزب الا عدد محدود من الأعضاء الذين شاركوا فى تأسيسه , ولم يظهر لهذا الحزب أى نشاط فعلى الا فى مشاركة فى انتخابات مجلس الشعب عام 1995 .

أما فيما يتعلق بالجيل الثانى من الاحزاب , فقد ارتبط بعودة النشاط الحزبى , بعد وفاة الرئيس السادات وتولى الرئيس مبارك المسؤولية عام 1981 وقد شهدت هذه الفترة انفراجا سياسيا واضحا مقارنة بالمرحلة السابقة و وهو ما أدى الى ظهور عدد من الاحزاب منها حزب الأمة عام 1983 , التكافل الاجتماعى عام 1995 حزب الوفاق عام 2000 , حزب الجيل الديمقراطي عام 2002 , حزب مصر 2000 , عام 2001 , حزب الشعب الديمقراطي عام 1992 , وأحزاب الخضر والاتحادي الديمقراطي ومصر الفتاة عام 1990 , حزب العدالة الإجتماعية 1993 .

والملاحظة العامة على تلك الاحزاب , أن غالبيتها لم يشارك فى الانتخابات البرلمانية , وأن من شارك منها لم يحصل على أى مقاعد فى مجلس الشعب .

واذا ما حاولنا أن نحدد أهم الملامح الأيديولوجية والفكرية لهذه الاحزاب , ذلك بهدف التعرف على مواقعها , على خريطة الحياة السياسية المصرية , وذلك استنادا الى برامجها المعلنة ووثائقها السياسية المتاحة , يمكن أن نشير الى ما يلى :

1- حزب الأمة : حزب ذو توجه اسلامى معتدل , وهو ما يتضح من خلال برنامجه الانتخابى لعام 1995 فقد أشار البرنامج الى ضرورة اقامة حلف عسكرى عربى اسلامى من سائر الدول العربية والإسلام ية مقره مصر و ومهمته الدفاع عن أطرافه ومن مقترحات الحزب للاصلاح الاقتصادى ,الغاء التعامل الربوى مع التوسع فى انشاء البنوك الإسلامية , وعلى المستوى الاجتماعى يدعو الحزب الى ايجاد وزارة تجمع الزكاة وتنفقها فى مصاريفها الشرعية والواقع أن هذا التوجه بدا واضحا منذ ظهزر الحزب عام 1983 وكان له تأثير الحزب غير قائم فى واقع الحياة السياسية المصرية .
2- حزب مصر الفتاة الجديد : تضمن البرنامج التأسيسى لمصر الفتاة العديد من الأفكار الجديدة سواء على الصعيد الاقتصادى أو الاجتماعى أو السياسى وكذلك على مستوى السياسة الخارجية , الا ان الاتجاه الاشتراكى بدا واضحا فى بعض هذه الأفكار على , فهو يقترح انشاء مجلس أعلى للانتاج يهيمن على انتاج الدولة من القطاعين العام والخاص فى اطار توجهها القائم على محورية دور القطاع العام .
وعلى المستوى الاجتماعى , يدعو برنامج الحزب الى انشاء صندوق خاص لدعم الخدمات الصحية المناسبة والمجانية لغير القادرين , يتم تمويله من مصادر متعددة , ولم يتخل الحزب عن فكرته القديمة من تنظيم الشباب فى فرق وجماعات , حيث أشار الى توزيع الشباب على ثلاث فرق , الأولى خضراء للبيئة , والثانية فكرية للدعوة ,و الثالثة للاغاثة .
3- الحزب الإتحادي الديمقراطي : هو الحزب الوحيد الذى يعلن فى مقدمة برنامجه عن تبنيه لفصل السياسة عنالدين , ومن ثم فهو حزب علمانى واضح الاتجاه , وهو يدعو الى الاسراع ببيع القطاع العام والتوسع فى انشاء المناطق الحرة , وجذب الاستثمارات الأجنبية ويدعو الى قصر مجانية التعليم على التعليم الأساسى والثانوى الفنى , وعلى المستوى الخارجى يتبنى الحزب قضية وحدة مصر والسودان , ومن هذه الوحدة اشتق جانبا من اسمه .
4- حزب الخضر : يتكون برنامج الخضر من قسمين الأول يتعلق بالبنية التى هى محور اهتمامه الأساسى , والثانى يختلط فيه الداخل بالخارج , وتمتزج فيه القضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية , وان كانت تتضح من خلال الجزء الثانى هوية الحزب الاقتصادية , وهى ذات طبيعة رأسمالية تشجع الاستثمارات الأجنبية والوطنية وتتيح الفرصة الواسعة للقطاع الخاص للدخول فى كافة المجالات .
5- حزب العدالة الإجتماعية : تناول حزب العدالة الإجتماعية العديد من القضايا الاجتماعية فى برنامجه الانتخابى لعام 1995 كقضية الارهاب , أطفال الشوارع , يعطى انطباعا خاطئا بتفشى هذا المرض فى المجتمع المصرى , كما يناقش قضايا الادمان والتدخين , وتنظيم الأسرة ولا يرد لقضايا السياسة الخارجية والأمن القومى أى ذكر فى برنامج الحزب .
6- حزب التكافل الإجتماعي : يؤكد التكافل فر برنامجه على ارتباطه بالشريعة الإسلامية فى المبنى والمعنى معا , ومنها يستقى اسمه الذى هو تكافل على حق لا على الباطل , وهو بهذا الارتباط يعلن عن وجهته الإسلامية .
7- حزب الوفاق القومي : يعتبر الوفاق القومى هو حزبا قومى الاتجاه ويقول رئيس الحزب أحمد شهيب , ان الحزب يؤمن ايمانا يقينا بأن الأمة العربية أمة واحدة جغرافيا وتاريخيا ودينيا , لغويا وثقافيا وان الحادث الآن لأمتنا العربية من تجزئة وخلافات هو من عمل الاستعمار , وفقا لمخطط موضوع لاستنزاف طاقات أمتنا العربية العظيمة , ومن ثم فكل مبادىء حزبنا تقوم على الأساس القومى العربى , فالتنمية هى تنمية عربية شاملة , والأمن هو أمننا القومى العربى .
8- حزب مصر 2000 : يقوم برنامج مصر 2000 على أساس مواجهة لآثار العولمة , ومشكلة المياه فى القرن الحادى والعشرين خاصة فى منطقة الشرق الأوسط وبين دول حوض النيل , خاصة بعد تغلغل إسرائيل للوقيعة بين دول حوض النيل ويدعو برنامج الحزب الى هيكل جديد للمشاركة الشعبية بدءا من مجلس حكماء الشارع أو الحارة , ويضم تصورا جديدا للهيئة التشريعية التى ينادى بأن تكون مجلسين , مجلس النواب الذى يتم انتخابه بالطريق الحر المباشر , ومجلس شيوخ ويتم تشكيله بصورة جديدة تماما , يتوافر فيها عنصرا الكفاءة والارادة الشعبية وبحيث يكون مرآة معبرة عن الائتلاف السياسى والاجتماعى والثقافى الوطنى بكل تياراته ومكوناته واتجاهاته .
9- حزب الجيل الديمقراطي : مؤسس الجيل الديمقراطى هو ناجي عبد الفتاح الشهابي , وكان عضوا فى حزب العمل وتولى مواقع قيادية فى حزب العمل حتى وصل الى منصب الأمين العام المساعد للحزب لمدة سنوات , ويقول أن حزب الجيل الديمقراطي هو امتداد لحزب العمل وليس بديلا عنه .
ووفقا لتصريحات محمد عثمان الأمين المساعد للحزب فان برنامج الحزب يتميز عن برنامج الاحزاب الأخرى بأنه يدعو الى اقامة المثلث الذهبى الحدودى بين مصر والسودان وليبيا , والاستفادة من مياه النيل .
ويؤكد برنامج الحزب على الوحدة الوطنية , وعلى أن مصر جزء من الأمة العربية والإسلامية وأن السوق العربية المشتركة هى القاطرة التى تؤدى الى الوحدة العربية والحزب يؤمن بالديمقراطية ويرى أن الاتجاه الديمقراطى بمعناه السياسى والاقتصادى والثقافى العام أصبح ضرورة أساسية لمصر ولمستقبل أجيالها .
10- حزب الشعب الديمقراطي : تأسس الشعب الديمقراطي عام 1992 ووفقا لأنور عفيفي رئيس الحزب فان لهذا الحزب أهدافا سامية تختلف عن أهداف ومبادىء الاحزاب الأخرى , ومن أهم هذه الاهداف القضاء على الأمية وزيادة الرقعة الزراعية من خلال الاهتمام ببحيرة ناصر . وبالرغم من أن الحزب تأسس عام 1992 الا أنه لم يشارك فى أية انتخابات أجريت خلال هذه الفترة كما لم يمارس نشاطا ملحوظا فى الشارع السياسى المصرى .

من خلال العرض المتقدم يمكن الاشارة الى ما يلى :

1- تعدد التوجهات الفكرية السياسية للاحزاب الصغرة , فهناك حزبان لهما توجه اسلامى هما حزب الأمة وحزب التكافل الإجتماعي , و حزبان يمثلان امتداد لفكر مصر الفتاة الأول هو حزب مصر الفتاة الجديد الذى تأثر بالتوجه الاشتراكى والثانى هو حزب الجيل ويعبر عن التوجه العروبى الإسلامى المعتدل للقوى السياسية المرتبطة بحركة مصر الفتاة والتى مارست نشاطا من قبل من خلال حزب العمل الإشتراكي .
كما أن هناك حزبا ذا توجه علمانى واضح يقوم على الدعوة صراحة الى الفصل بين الدين والسياسة , وهو الحزب الإتحادي الديمقراطي كذلك يعبر حزب الوفاق القومي عن الاتجاه القومى العربى الناصرى , ويوجدحزبان يمثلان الأفكار السياسية الجديدة كحزب الخضر وحزب مصر 2000 وأخيرا هناك حزبان دون هوية فكرية واضحة هما حزب العدالة الإجتماعية وحزب الشعب الديمقراطي .
2- أن هناك ظاهرة مشتركة بين هذه الاحزاب وهى ظاهرة الانشقاقات فى صفوف هذه الاحزاب , وهذه الظاهرة ناتجة عن الصراع على رئاسة الحزب الأمر ,الأمر الذى أدى الى تجميد أنشطتها بالرغم من حداثة نشأة بعضها , والتى قررت لجنة شئون الاحزاب السياسية تجميد نشاط بعضها , وعدم الاعتداد بأى من المتنازعين على رئاسة الحزب , ومنها حزب مصر الفتاة الجديد , وحزب الوفاق القومي والحزب الإتحادي الديمقراطي . وحزب العدالة الإجتماعية اضافة الى حزبى العمل والأحرار .
3- قلة عدد أعضاء هذه الاحزاب , وضعف قاعدتها الجماهيرية , وضعف مشاركتها أو عدم مشاركة بعضها فى الانتخابات البرلمانية وانتخابات المجالس الشعبية المحلية , اما لعدم توافر الموارد المالية والبشرية واما لحداثة نشأتها .
4- تمركز هذه الاحزاب حول شخصية معينة أو عدة شخصيات ومن ثم فالطابع الشخصى لا زال يمثل سمة رئيسية لهذه الاحزاب , الأمر الذى يفسر الى جانب عوامل أخرى ظاهرة الانشقاقات الحزبية من داخل هذه الاحزاب .
5- بعض هذه الاحزاب له صلة واضحة بأحزاب اخرى قائمة أو مجمدة فحزب الجيل الديمقراطي له صلة بحزب العمل , وحزب الوفاق القومي له صلة بالحزب الناصري .
6- لا توجد أحزاب صغيرة تعبر عن الاتجاه الشيوعى , وربما يرجع هذا الى تراجع وانحسار الايديولوجية الماركسية والإشتراكية فى السنوات الأخيرة .
7- الأغلب الأعم من هذه الاحزاب يركز نشاطه على العاصمة من استثناءات محدودة حيث حاولت الانتقال الى المحافظات , الا أن مردود هذه المحاولات لا زال محدودا .

ملامح العلاقة بين الاحزاب الصغيرة والاحزاب والقوى السياسية الأخرى فى الحياة المصرية المعاصرة

يمكن ايضاح جوانب العلاقة بين الاحزاب المصرية الصغيرة والاحزاب والقوى السياسية الأخرى , من خلال دراسة علاقة هذه الاحزاب بالحزب الوطني الديمقراطي بوصفه الحزب الحاكم وحزب الأغلبية , وعلاقة هذه الاحزاب بالاحزاب الأخرى الممثلة فى مجلس الشعب , اضافة الى علاقتها بالقوى السياسية الأخرى التى ليس لها حزب فرعى قائم كالإخوان المسلمين .

علاقة الاحزاب الصغيرة بالحزب الوطني الديمقراطي

تراوحت العلاقة بين الاحزاب الصغيرة والحزب الوطني الديمقراطي بين المعارضة الواضحة للحزب الوطنى وعدم المعرضة , وكانت أوضح صور هذه المعارضة من حزب مصر العربي الإشتراكي الذى كان التنظيم الأم الذى انبثق منه الحزب الوطني , فقد طالب حزب مصر باستعادة المقرات التى يرى أن الحزب الوطني قد استولى عليها , كما أنه رأى أن تولى رئيس الجمهورية رئاسة الحزب الوطني قد أعطى هذا الأخير ميزة نسبية على الاحزاب الأخرى لا يمكن أن يتوافر أى قدر ممكن منها لأى حزب آخر , ومن طالب الحزب بالفصل بين منصب رئيس الحزب الحاكم ومنصب رئيس الجمهورية , من خلال تخلى رئيس الجمهورية عن صفته الحزبية خلال مدة رئاسته .

وفى ذات السياق آثار حزب الشعب الديمقراطي قضية أسلوب انتخاب رئيس الجمهورية , فطالب بأن تكون بالانتخاب الحر المباشر , وكان ذلك خلال انتخابات الرئاسة عام 1993 , الا أنه عاد منذ عام 1999 ليؤكد مبايعته للرئيس مبارك فى انتخابات الرئاسة عام 1999 رئيسا لمصر مدى الحياة , واكد فى بيان له وقوف الحزب خلف قيادة الرئيس مبارك واستمرار الديمقراطية والتنمية من أجل مصر.

أما صور عدم المعارضة , فقد مثل ابرزها الحزب الإتحادي الديمقراطي الذى اعلن عن رغبته فى التنسيق مع الحزب الوطني قبل انتخابان 1995 , وقد ارسل رئيس الحزب خطابا لأمين عام الحزب الوطني الديمقراطي , أكد فيه ايمان الحزب بكل التوجهات والسياسات التى ينتهجها الحزب الحاكم تجاه مختلف القضايا واتفاق رؤية الحزب مع كل ما يتخذه الحزب الحاكم من قرارات , الا أن هذه الدعوة ربما لم تلق الاستجابة المأمولةمن الحزب الوطني , فقد أعرب رئيس الحزب الإتحادي الديمقراطي عن أمله فىأن يسفر المؤتمر العام للحزب الوطنى عن تغيير واضح فى مفهوم حزب الأغلبية تجاه الاحزاب المصرية الأخرى, وأضاف بأن الاعتقاد السائد بأن كل الاحزاب معارضة مادام الحزب اوطنى فى السلطة أمر مغلوط فكل الاحزاب مشاركة وكلها تتحمل مسئولية العمل السياسى ونتائجه باعتبارها جزءا من النظام , وأن استمرار حرص بعض قيادات الحزب الوطني على تهميش دور الاحزاب الأخرى يعنى أن الوقت قد حان لكى تتوغل داخل الحزب قيادات جديدة بفكر ومفهوم جديد لكى يتسع لكل أبناء الوطن.

والواقع أن رؤية الحزب الإتحادي الديمقراطي التى عبر عنها رئيس الحزب تثير التساؤلات عن الاسباب التى دعته الى تبنى هذا الاتجاه بمعنى هل يرجع هذا الى اليأس وعدم القدرة على التحرك السياسى بعيدا عن الحزب الحاكم ؟ وان كان الأمر كذلك فما جدوى استمرار الحزب ولماذا لا ينضم الى صفوف الحزب الوطني الديمقراطي ان كان برنامجه يتطابق مع برامج وسياسات هذا الحزب .

وان كانت النماذج السابقة توضح وجود معارضة قوية للحزب الوطنى الديمقراطى من جانب أحد الاحزاب الصغيرة وهو حزب مصر العربي الإشتراكي , والتأييد التام كما هو حال الحزب الإتحادي الديمقراطي فثمة مواقف أخرى لبعض الاحزاب الصغيرة تقع فى الوسط , وقد تجلى ذلك فى ترحيب عدد من الأحزاب الصغيرة بدعوة الرئيس مبارك الى اجراء حوار وطنى عام 1994 تشارك فيه كل القوى السياسية والاحزاب وشكلت لجانا لوضع أوراق للحوار ومن أبرز الاحزاب الصغيرة التى اتخذت هذا الموقف حزب الخضر الذى اعلن فى بيان له و ترحيبه بفتح الباب أمام الجميع للمشاركة فى هذا الحوار , وشكل لجنة للاعداد للحوار الوطنى , وطالب أعضاء احزب باعطاء قضية ابيئة أولوية فى هذا الحوار .

الا أن موقف الحزب الوطني الديمقراطي من الاحزاب الصغيرة يستدعى المزيد من التأمل , فقد تبنى موقف الاستبعاد والتهميش لهذه الاحزاب , بالرغم من اتخاذ بعض هذه الاحزاب مواقف جادة للتنسيق مع الحزب , فبعد انتهاء أعمال الحوار الوطنى , بادر رئيس الخضر باللقاء مع د. مصطفى كمال حلمي رئيس مجلسالشورى وتم فى فى هذا اللقاء مناقشة توصيات الحوار الوطنى , واقترح رئيس حزب الخضر عقد لقاءات متبادلة من أجل التشاور والتنسيق بين كافة الاحزاب السياسية والحزب الوطني الديمقراطي , لمناقشة بعض الأفكار والقضايا الهامة , خاصة ما يتعلق بأسلوب اجراء الانتخابات البرلمانية , الا أن هذه الدعوة لم تترجم الى واقع عملى ملموس فهل يرجع ذلك الى شعور الحزب بالقوة والسيطرة ومن ثم فهو ليس بحاجة الى اعطاء هذه الاحزاب أى مساحة ملائمة للحوار , أم أن هذا الموقف يقوم على أساس ضعف هذه الاحزاب وعدم قدرتها على التأثير السياسى وأنها تريد أن تخلق دورا لها من خلال الحزب الوطني الديمقراطي , وأيا كان التفسير لموقف الحزب الوطني من هذه الاحزاب الصغيرة , فان المحصلة النهائية للتفاعلات بين الاحزاب الصغيرة والحزب الوطني , لم تؤد الى نتائج عملية تساهم فى زيادة قوة الحياة الحزبية المصرية .

علاقة الاحزاب الصغيرة بالاحزاب السياسية الأخرى

يمكن القول بأن علاقة الاحزاب الصغيرة بالاحزاب السياسية الأخرى قد أخذت عدة اتجاهات أهمها ما يلى :

أ‌- اتجاه يقوم على اساس رفض الدخول فى تكتلات هذه الاحزاب , وقد وضح هذا فى عدة مواقف منها عدم مشاركة معظم الاحزاب الصغيرة فى أعمال اللجنة التى تشكلت من حزب الوفد والتجمع والعمل والناصرى من أجل التطوير الديمقراطى فى عام 1998 ورفض بعض الاحزاب الصغيرة الدخول فى تكتلات حزبية وقد كان موقف حزب التكافل من أوضح الموافق فى هذا الشأن حيث أشار رئيس الحزب الى أنه ضد التكتلات الحزبية القائمة , مهما تكن دوافعها مشيرا الى اللقاءات الدائمةالتى تشهدها الساحة الحزبية بين أقطاب أحزاب الوفد والتجمع والناصري والعمل وذكرأن هذا التكتل نابع من ايمان أكيد لديهم بأن وجودهم على الساحة السياسية أصبح مهددا , وأن عناصر الضعف قد ضربت بشدة فى قواعد هذه الاحزاب حتى أصبحت مهددة بالانهيار وأضاف بأن الاحزاب القومية هى التى تؤثر فى المجتمع , تسعى لنشر رؤيتها وأفكارها فى الأوساط الجماهيرية شريطة أن تكون تلك الأفكار والرؤى مقبولة لدى المواطنين , وذكر أن ما يردده البعض من قادة الاحزاب على أن برامجهم السياسية هى السبيل الوحيد لحل مشكلات المجتمع أمرغير دقيق لأنها تبعد بشكل أو بآخر عن اهتمامات المواطنين .
ب- اتجاه يقوم على أساس أن الحزب امتداد لحزب آخر وليس بديلا عنه , ويعبر عن هذا الموقف حزب الجيل الديمقراطي الذى يرأسه أحد أقطاب حزب العمل السابقين , فقد أكد ناجى الشهابى أن الحزب امتداد لحزب العمل وليس بديلا عنه , فمكان حزب العمل ما زال شاغرا فى الشارع السياسى ونتمنى من الله ان يوفق المجاهد ابراهيم شكرى فى ازالة الأسباب التى أدت الى ايقاف نشاط الحزب لكى يعود ويمارس دوره فى الحياة السياسية والحزبية فى مصر , واضاف اننا اختلفنا مع بعض قيادات حزب العمل الذين خرجوا على برنامج الحزب الأصلى , وحاولوا تغيير صفة الحزب بصفة أخرى غير التى تم تأسيسه على أساسها , والآن يمكن لأعضاء حزب العمل الانضمام لحزب الجيل تأهلا بهم تحت راية وبرنامج حزب الجيل , شرية أن تنتهى أزمة حزب العمل , حتى لا يقال أننا نفرغ حزب العمل من قياداته .
ج- اتجاه ثالث يقوم على أساس الانشقاق عن حزب آخر واقامة حزب آخر بديى خاصة وأن الحزب الأول يعانى من الصراعات الداخلية , ونموذج حزب الوفاق القومي أقرب الى هذا الاتجاه اذ ضم فريقا من الناصريين من خارج الحزب الناصري , بالاضافة الى عدد من اعضاء الحزب الناصري الذبن اختلفوا مع قيادة الحزب , كذلك يعد حزب مصر الفتاة الجديد نموذجا آخر فى هذا الشأن , اذ أنه ضم قريقا من أنصار حركة مصر الفتاة القديمة الذين رأوا أن حزب العمل لم يعد يعبر تعبيرا دقيقا عن حركتهم .

اتجاه رابع يقوم على أساس امكانية التنسيق مع الاحزاب السياسية الأخرى بشأن بعض القضايا الهامة والعامة دون الوصول الى مرحلى التحالف وذلك من خلال عقد المؤتمرات والندوات التى تناقش قضايا عامة معينة تشارك فيها الاحزاب السياسية الممثلة فى مجلس الشعب , ويقدم كل من حزب الخضر وحزب الشعب الديمقراطي نموذجين فى هذا الاتجاه فلقد عقد حزب الشعب الديمقراطي على سبيل المثال مؤتمرا لمناقشة قضيةالمياهشارك فيه ممثلون عن حزب الوفد الجديد وحزب العمل .

من ناحية أخرى , دعا رئيس حزب الشعب الديمقراطي الى حوار بين المعارضة والحزب الحاكم منتقدا عدم دعوة بعض الاحزاب فى المشاركة فى مؤتمر الاحزاب والقوى السياسية والذى اقتصر على الوفد الجديد والتجمع والعمل والناصرى والأحرار تحت شعار الاحزاب الرئيسية متسائلا : هلى هناك ما يسمى أحزابا رئيسية وأحزابا صغيرة فى قانون الاحزاب .

ان كانت هذه هى اتجاهات علاقة الاحزاب الصغيرة بالاحزاب السياسية الأخرى , فان واقع الممارسة يوضح أن الاحزاب الأخرى التى أطلقت على نفسها اصطلاح الاحزاب الرئيسية تميل الى استبعاد وتهميش الاحزاب الصغيرة , باعتبار أنها ليست ذات وزن فى احياة السياسية ولعل استبعاد الاحزاب الصغيرة من مؤتمر الاحزاب والقوى السياسية السابق الاشارة اليه يعد نموذجا واضحا فى هذا الشأن وهو يعبر عن النقاء قفى موقفها مع موقف الحزب الوطني الديمقراطي السابق ايضاحه .

علاقة الاحزاب الصغيرة بالقوى السياسية المحجوبة عن الشريعة

ترتبط العلاقة بين الاحزاب الصغيرة والقوى السياسية المحجوبة عن الشرعية بالعلاقة مع كل من الإخوان المسلمين والشيوعيين .

ففيما يتعق بالإخوان المسلمين , فان حزب الأمة يقدم نموذجا فريدا فى محاولته للاتصال بالاخوان و فلقد سعى رئيس الحزب الى الاتفاق مع قوة سياسية حقيقية تكون بدون حزب لتسكن حزبه , ووقع اختياره على الإخوان المسلمين , والتقى مع السيد عمر التلمسانى الذى اعتذر عن القبول , وأكثر من ذلك ما حدث من تحالف الاخوان مع الوفد فى انتخابات 1984 , واصدر أحمد الصباحى رئيس حزب الأمة بيانا بعد الانتخابات فى 7 يوليو 1984 جاء فيه لقد جرت بيننا وبين الإخوان المسلمين اتصالات ومشاورات قبل الانتخابات انطلاقا من أن حزب الأمة هو الأقرب الى فكرهم ومبادئهم ولكننا لم نتفق وكانت الانتخابات من بين الأسباب التى جعلتهم يديرون ظهرهم لحزب الأمة,رغم ذلك فان باب الحزب مفتوح للاخوان المسلمين وممثليهم كأفراد .

وقد تكررت محاولات الحزب مع الإخوان المسلمين فى انتخابات 1987 و 1990 , الا أن الاخوان فضلوا التحالف مع حزبى العمل والأحرار فى هذه الانتخابات ولم يكن لحزب الأمة أى موضع من تحالفات وتحرك الإخوان المسلمين السياسى بعد ذلك , ويبدو أن الصباحى قد يئس من العمل فى هذا الاتجاه , فتوقفت محاولاته فى هذا الشأن بعد ذلك .

أما الاحزاب السياسية الأخرى , خاصة الاحزاب ذات التوجه الإسلام ى كحزب التكافل الإجتماعي الذى يؤكد فى برنامجه ارتباطه بالشريعة الإسلام ية فى المبنى والمعنى , فانه لم يتجه الى التحالف مع الإخوان المسلمين ويبدو أنه يحاول رؤية نموذج أخر للحزب الملتزم بالتقاليد والمبادىء الإسلام ية بعيدا عن تيار الإخوان المسلمين كما يلاحظ اتجاه الحزب الى عدم التورط فىممارسات تؤدى الى الحاق الضرر به وفقا لتصريحات رئيس الحزب .

والملاحظ أن بعض الاحزاب الصغيرة قد عالجت فى برامجها القضية الدينية ونظرت الى الإسلام كأحد المكونات الرئيسية لثقافة الأمة تلا أنها لم تتجه صوب التحالف أوالاتصال بالإخوان المسلمين وربما يرجع ذلك الى تورط بعض التيارات الإسلامية فى أعمال العنف التىوقعت خلال الفترة من 1992 وحتى 1995لا الأمر الذى ألحق أضرارا بالغة بالإخوان المسلمين بوصفهم التيار الأصيل الذى خرجت من عباءته معظم التيارات الإسلامية اللاحقة .

أما بالنسبة للشيوعيين فلم تحدث محاولات ذات شأن من جانب الاحزاب الصغيرة للتحالف مع الحزب الشيوعى الذى لم يحظ بالاعتراف القانونى حتى الآن وان كان هذا لم يمنع من مشاركة بعض الشيوعيين كأفراد فى بعض الندوات والمؤتمرات التى عقدتها هذه الاحزاب .

رؤية بعض الاحزاب الصغيرة للعلاقة مع القوى السياسية الأخرى

قدمت بعض الاحزاب الصغيرة أفكارا تتعلق بعلاقتها مع القوى السياسية الأخرى ومن ذلك ما أشار اليه حزب الخضر فى حملته الانتخابية عام 1990 بضرورة التقاء مختلف التوجهات والقوى السياسية حول هدف واحد , وان كان الحزب قد جعل الحفاظ على البيئة هو هذا الهدف الا أن جوهر الفكرة يدور جول أهمية تقوية أوجه الالتقاء بين القوى السياسية فى الواقع السياسى المصرى يؤكد هذا اهتمام الحزب بالحوار الوطنى عام 19941995 , وحرصه على اجراء مشاورات من أجل وضع ما توصل اليه هذا الحوار موضع التطبيق .

ويعبر حزب الجيل الديمقراطي عن رؤية مشابهة حيث يدعو الى تقديم رؤية حزبية جديدة للممارسة السياسة من خلال الحوار المستمر بين الاحزاب السياسية المصرية بما فيها الحزب الحاكم , باعتبار أن الاحزاب هى جزء من النظام السياسى ويرفض رئيس حزب مصر 2000 وصف حزبه أو غيره بالاحزاب الصغيرة ويرى أن كل الاحزاب لها دور فى الحياة السياسية وأن الاحزاب التى ليس لها تمثيل فى مجلس الشعب اليوم سوف يكون لها فى الغد كما يرفض وصف الاحزاب بأحزاب المعرضة ويرى أن كل هذه الاحزاب تعمل من أجل مصر ومصالحها ومن ثم فهذه الرؤية تعنى ضرورة افساح المجال للاحزاب المصرية كى تعمل من أجل تحقيق المصالح المصرية ولا يجب استبعادها أو تهميشها .

أما الحزب الإتحادي الديمقراطي فقد أعلن أنه سيقوم باتصالات مع بقية الاحزاب المصرية من أجل تنسيق المواقف تجاه القضايا محل الاتفاق فيما بينها وهو ما لم يتحقق علميا الا أن هذا الاعلان بحد ذاته يوضح رؤية الحزب للعلاقة الممكنة مع القوى السياسية الأخرى . ولا شك أن الواقع السياسى يوضح أن ثمة فجوة بين هذه الرؤى التى طرحتها الأحزاب الصغيرة وامكانية تنفيذها على أرض الواقع وهو ما يرجع الى ضعف هذه الاحزاب أولا وتشابك القوى السياسية الأخرى فى امكانية أن يؤدى التنسيق معها لنتيجة ايجابية بالنسبة لها .

نحو رؤية لمستقبل العلاقة بين الاحزاب المصرية الصغيرة والاحزاب والقوى السياسية الأخرى

تتوقف العلاقة بين الاحزاب الصغيرة والاحزاب والقوى السياسية الأخرى فى مصر على عدة اعتبارات أهمها ما يلى :

1- التفاعلات بين الاحزاب الصغيرة والاحزاب والقوى السياسية المصرية بين الاحزا بالرئيسية , والتى تقوم على أساس الاقرار الضمنى من جانب أحزاب أحزاب الوفد الجديد والتجمع والأحرار والناصرى بأن الحزب الوطني الديمقراطي هو الحزب المسيطر , وهو يلعب دورا محوريا فى الحياة السياسية , وان هذه الاحزاب تقوم بدور محدود فى اطار هذه الصياغة وواقع الأمر , أن استمرار هذا الاحزاب تقوم بدور محدود فى اطار هذه الصياغة وواقع الأمر أن استمرار هذا الوضع يعنى استمرار استبعاد وتهميش الاحزاب الصغيرة فى سياق الحياة السياسية المعاصرة فى مصر باعتبار أنها محدودة القوة والتأثير .
2- التفاعلات القائمة من داخل الاحزاب الرئيسية ذاتها حيث تشهد الساحة الحزبية صراعات داخلية بعضها معلن كما هو الحال بالنسبة ااناصرى والأحرار وبعضها غير معلن كما هو الحال فى حزب الوفد الجديد فنجاح هذه الاحزاب فى احتواء صراعاتها الداخلية سوف يؤدى الى تقوية موقعها فى اطار الحياة السياسية المصرية ويجعل مهمة الاحزاب الصغيرة لزيادة قدرتها على المشاركة الفعالة فى الحياة السياسية تعتمد فى الأساس على مدى قدرتها على بقاء اطارها التنظيمى وقواعدها الشعبية أما اخفاق الاحزاب الرئيسية فى احتواء صراعاتها الداخلية فمن شأنه احداث انشقاقات من داخلها واضعافها الأمر الذى قد يساعد على صعود بعض الاحزاب الصغيرة لتحل محلها كبديل لها فى نطاق الصيغة القائمة الآن .
3- مدى قدرة الاحزاب الصغيرة على بناء قواعدها الشعبية وتكوين أرضية سياسية فى الحياة السياسية فاذا ما نجحت هذه الاحزاب أو بعضها فى التوصل الى ذلك وتقديم خطاب سياسى جماهيرى جاذب لعناصر جديدة من القوى السياسية المصرية فان هذه الاحزاب التى توفق فى ذلك الاتجاه يمنكن أن تتحول الى قوة سياسية مؤثرة وتخرج من دائرة الاحزاب الصغيرة .
4- امكانية حدوث تحالفات بين الاحزاب الصغيرة بما يؤدى الى توفير موارد وامكانات ملائمة للعمل الحزبى المشترك وهو ما يؤدى الى احتمال زيادة قدرتها على التأثير فى الواقع السياسى المصرى .
5- امكانية حدوث اندماجات بين الاحزاب الصغيرة والاحزاب الرئيسية فالاحزاب المعبرة عن فكر مصر الفتاة القديم تندمج معا , وكذلك الحال بالنسبة للاحزاب ذات التوجه القومى العربى , أو الاحزاب ذات الطابع اليسارى كما يمكن أن نتصور حدوث اندماجات فى صفوف القوى الليبرالية فى اطار حزب الوفد الجديد .
6- هناك معضلة يعتقد استمرارها فى المرحلة المقبلة , وهى معضلة التيار الإسلامى حيث أن قانون الاحزاب يحظر اقامة أحزاب على أساس دينى أو طائفى ويحظر استخدام العنف أو وجود تكوينات مسلحة للاحزاب السياسية وكلها أمور تبقى التيار الإسلامى بفصائله المختلفة خارج نطاق اللعبى السياسية بالرغم من توافر قاعدة جماهيرية لهذا التيار لا يمكن تجاهلا , وهذه المعضلة قد تجعل بعض عناصر هذا التيار تنخرط فى بعض الاحزاب الصغيرة الا أن هذا الانخراط يواجه عدة اشكاليات أهمها أن الاحزاب الصغيرة لا تقبل هذا الانخراط الا فى اطار مبادئها والتى قد لا تتلاقى بالضرورة مع مبادىء التيار الإسلامى كما أن الاحزاب الصغيرة سوف تحرص على عدم اتاحة الفرصة لهذه العناصر على السيطرة على المواقع القيادية فيها وذلك من خلال الاسترشاد بالتجربة السلبية لحزب العمل المجمد نشاطه حتى الآن .
والواقع أن حل معضلة التيار الإسلامى تتطلب مراجعة شاملة من جانب القوى الممثلة لهذا التيار خاصة الإخوان المسلمين لتجربتها السايسية خلال المرحلة الماضية مع الأخذ فى الاعتبار الظروف الموضوعية الجديدة القائمة فى الواقع السياسى المصرى بما فيها الحزب الوطني الديمقراطي من أجل القائمة فى الواقع السياسى المصرى بما فيها الحزب الوطني الديمقراطي من أجل التوصل الى صياغة جديدة ملائمة للعمل الحزبى فى عصر جديد ملىء بالمتغيرات السريعة والمتلاحقة .

وعلى ضوء الاعتبارات السابقة يمكن تقديم السيناريوهات التالية لمستقبل العلاقة بين الاحزاب الصغيرة والاحزاب والقوى السياسية الأخرى فى مصر :

1- سيناريو اندماج الاحزاب الصغيرة فى الاحزاب الرئيسية .

يقوم هذا السيناريو على أساس أن المعطيات الراهنة توضح انكماش حجم تمثيل بعض الاحزاب الرئيسية فى مجلس الشعب وانكماش حجم العضوية فيها اضافة الى أن أيا من الاحزاب الصغيرة القائمة لم يبرز له نشاط سياسى ذو ثقل كما أن بعض الاحزاب الصغيرة هى امتداد أو انشقاق من أحزاب أخرى قائمة .

ومن ثم فقد يمثل الاندماج أحد البدائل المتاحة أمام بعض الاحزاب الرئيسية وكذلك أمام بعض الاحزاب الصغيرة من أجل الحفاظ على الامتياز فى سياق الحياة السياسية كما أن الاندماج قد يمثل حلا لبعض المشكلات التى تواجه بعض الاحزاب كحزب العمل على سبيل المثال كما أن هذا البديل قد يؤدى الى اعادة رسم خريطة الاحزاب السياسية المصرية بحيث يكون عددها أقل وفعاليتها أكبر .

2- سيناريو التحالف بين الاحزاب الصغيرة

يقوم هذا الطرح على أساس أن تكوين تحالف بين مجموعتين من هذه الاحزاب بينهما سوف يمثل حلا لمشكلى ضعف الموارد التى تواجه هذه الاحزاب وسوف يساعدها على بناء قواعدها التنظيمية ويؤدى الى امكانية مشاركتها فى اى انتخابات نيابية قادمة بقوائم مشتركة خاصة وأن بعضها واجه فى انتخابات سابقة مشكلة عدم توافر العدد الملائم من المرشحين الأمر الذى أدى الى ضعف مشاركتها فى الانتخابات ويعطى هذا السيناريو فى حالة تحققه وزنا أكبر لهذه الاحزاب فى المعادلة السياسية كما أنه قد ساعدها على الحصول على عدد من المقاعد داخل مجلس الشعب الأمر الذى يعطيها دفعة قوية فى حال تحقق هذا السيناريو .

3- سيناريو التآكل والتحلل .

يشير هذا البديل الى استمرار ضعف الاحزاب الصغيرة وعدم قدرتها على ممارسة نشاط سياسى مؤثر , مع استمرار استبعادها وتهميشها من جانب الاحزاب الرئيسية , يؤدى الى تآكل هذه الاحزاب وتحللها , خاصة فى ظل ما تعانيه بعض هذه الاحزاب من صراعات داخلية .

4- سيناريو تغيير المعادلة السياسية القائمة .

يرمى هذا الاحتمال الى امكانية اتجاه النظان السياسى الى تغيير المعادلة السياسية الحزبية القائمة على وجود حزب مسيطر , بما يؤدى الى مشاركة أوسع الاحزاب السياسية الأخرى , الأمر الذى يتيح الفرصة للاحزاب الصغيرة للقيام بدور أوسع فى سباق الحياة السياسية والحزبية .

هذه سيناريوهات أربعة حول مستقبل العلاقة بين الاحزاب الصغيرة والاحزاب والقوى السياسية الأخرى فى مصر , فى ظل اعتبارات الواقع السياسى الراهن .

القسم الثامن :نحو نظام حزبى جديد " د. نجوى ابراهيم محمود ."

أجمع المحللون السياسيون على أن ركودا قد أصاب الحياة السياسية والعمل الحزبى فى مصر فلقد أفرزت الساحة سبعة عشر حزبا حتى منتصف عام 2003 معظمها ليس له رصيد جماهيرى ولا تواجد له فى الشارع السياسى أحد الاحزاب السياسية بوقف نشاطه وبطلب صدور حكم بحله من المحكمة الادارية العليا .

كما تجمدت خمسة أحزاب أخرى , وهى حزب مصر العربي الإشتراكي , الأحرار الاشتراكيين , مصر الفتاة , الشعب الديمقراطي , وحتى الوفاق القومى الوليد لم يسلم من الخلاف بسبب النزاع حول رئاسة الحزب وأصبحت معظم الاحزاب الأخرى مجرد منابر اعلامية من خلال صحيفة ومن خلال تواجد محدود غير مؤثر فى الحياة السياسية .

ومع افتراض أن الاحزاب المتواجدة حاليا تتوافر فيها الاركان والشروط الضرورية لتكوين حزب سياسى فما هى الأسباب الحقيقية فى أزمة الاحزاب السياسية فى مصر ؟ هل هى القيود القانونية والادارية والضغوط الأمنية المحيطة بها ؟ أم أن ذلك يعود الى قصور فى أداء الاحزاب نفسها ؟ وبمعنى آخر من هو المسئول عن قصور الأداء الحزبى , هل هى الدولة أم الاحزاب أم الاثنان مع ؟ .

ويهدف هذا القسم الختامى من دراسة الاحزاب الصغيرة فى مصر الى تحديد الاسباب الحقيقية التى تعوق النظام الحزبى فى مصر , واستشراف كيفية تفعيل هذا النظام دعما للمسار الديمقراطى وحرصا على شرعية النظام السياسى .

النظم الحزبية والاستقرار السياسى

ان الاحزاب فى دول العالم الثالث تختلف بشكل أو آخر وبدرجات متفاوتة عن المعنى الحقيقى للحزب السياسى فمعظمها أحزاب ضعيفة هزيلة الأيديولوجية وهشة التنظيم الى حد أنها توصف بأنها مجرد تجمعات فضفاضة للتكتلات الشخصية وبأنها مجرد أدوات لذوى النفوذ والنخب الصغيرة .

لذلك فالاحزاب – كجماعات رسمية – هى أقل فى أهميتها من جماعات رسمية أخرى مثل الجيش والبيروقراطية ومع ذلك فان استقرار النظم السياسية فى دول العالم الثالث يرتبط الى حد كبير بقوة أحزابها السياسية .

وفى ضوء هذا , ومن زاوية التنمية السياسية , فان أحد التحديات الهامة التى تواجه هذه النظم السياسية هى كيفية تهيئة المناخ لنظامها الحزبى للتطور والتكيف , وتدعيم قدرته على استيعاب القوى الاجتماعية والتغيرات الاجتماعية التى يولدها التحديث والأهم من ذلك ايجاد الأطر الدستورية والقانونية التى تحفز العمل الحزبى وفى حالة التعددية الحزبية صبح عدد الاحزاب مهما فقط من زاوية تأثيرها على قدرة النظام على توفير القنوات المؤسسية الضرورية للاستقرار السياسى .

أن الاحزاب السياسية فى دول العالم الثالث تناط بها وظائف ومهام تفوق الوظائف التقليدية للاحزاب السياسية بشكل عام وتتأثر قدرة المجتمعات على مواجهة أعباء التحديث وأزمات التنمية السياسية الى حد بعيد بأنواع الاحزاب القائمة فيها ومدى فاعليتها .. فالاحزاب السياسية فى المجتمع الآخذ بالتحديث تصبح بالتدريج أكثر وعيا بنفسها كمجموعات وبمصالحها ومطالبها فى علاقتها بالقيادات وبغيرها من الجماعت كما أن الاحزاب هى أدوات للتنشئة السياسية تمارس من خلالها تأثيراتها على قضايا التنمية السياسية وأهمها الشرعية والمشاركة وكل ذلك بأطر الثقافة السياسية السائدة .

1- الاحزاب والشرعية

ان الاحزاب كانت دائما أداة هامة بل وناجحة بشكل عام فى توطيد أركان السلطة القومية الشرعية , فهى أدوات لكسب التأييد الشعبى وهذا يفسر لجوء الحكومات السلطوية لتنظيم حزب سياسى على أن أحد المؤشرات الهامة ذات الدلالة فى التعريف على مدى شرعية النظام تتمثل فى ملاحظة عملية الخلافة فى النظام السياسى أى كيفية انتقال القيادة من شخص لآخر , وأيضا – وذلك هو الأمر الأكثر صعوبة – من حزب لآخر .

أن عملية الخلافة تمثل اختبارالقضية الشرعية , لأن السلطة عندما تتداول يصبح على الأفراد فى النظام السياسى أن يقرروا ما اذا كان ولاؤهم للاشخاص الذين كانوا فى السلطة أم لنظام الحكم نفسه ؟

وفى حين تقدم الأمم المتقدمة ذات النظام الحزبى المستقر أمثلة متعددة للانتقال السلمى للسلطة من حزب الى آخر , فان تلك النقطة على وجه التحديد تمثل أحد المؤشرات المهمة على أزمة النظم الحزبية فى البلاد المتخلفة بشكل عام وواقع الأمر , ان اغفال بعض القيادات السياسية لهذه الحقيقية والسماح بتعدد الاحزاب فقط من أجل اعطاء المظهر الشكلى للتعددية الحزبية , هو أمر قد ينذر بعواقب وخيمة فى شكل حركات عنيفة تبرر وجودها بأنه ضرورى لايقاف اللعبة الديمقراطية الزائفة والنخبة الحاكمة فى كثير من دول العالم الثالث لا تزال تصر على تجاهل هذه الحقيقة رغم بداهتها فبدون امكانية حقيقية لتداول السلطة بطريقة سليمة وقانونية , والاصرار على بقاء طرق التغيير فى السلطة محصورة فى أساليب الانقلابات العسكرية أو وفاة رئيس الدولة أو امكانية حدوث ثورة , لا يمكن الحديث عن تعددية سياسية حقيقية وان تزيد مبادرات التعددية المقيدة عن كونها أساليب متكررة لاحتواء المطالب الشعبية المتزايدة مع استمرار الدولةفى تضخيم سلطاتها وأجهزتها على حساب المجتمع المدنى وتكويناته .

2- الاحزاب والمشاركة

لا شك أن الاحزاب السياسية تقدم الاطار الأكثر ملاءمة لتحقيق المشاركة السياسية على أن مجرد وجود النظام الحزبى لا يضمن بذاته تحقيق المشاركة السياسية فبعض النظم الحزبية تتجه للحد من المشاركة للحفاظ على مكاسب الطبقة المسيطرة وامتيازاتها الاقتصادية ومكانتها الاجتماعية,والاحزاب كآلية للمشاركة السياسية تتأثر بعدد من المتغيرات .

أ‌- اطار سياسى ديمقراطى

هناك أركن أساسية يقوم عليها الاطار الديمقراطى مثل احترام الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين وخاصة حق اعتناق الرأى والتعبير عنه والمساءلة والشفافية وحرية واستقلالية المنظمات السياسية والنقابية وحرية اصدار الصحف والتزام أجهزة الاعلام الجماهيرية بالتنوع فى الرأى ووجود نظام انتخابى سليم .

ب‌- وجود مجتمع مدنى فاعل

يصعب على المواطنين المساهمة بنشاط فى الحياة السياسية فى غيبة منظمات المجتمع المدنى كالنقابات العماليةوالمهنية والجمعيات الثقافية والاجتماعية لأن هذه المنظمات على قدر كاف من الحيوية والفاعلية فان المشاركة السياسية ستكون محدودة ولن تحقق الهدف المطلوب منها .

وفى كثير من دول العالم الثالث , تكون هذه المنظمات صوريةوشكلية ومحاصرة بالعديد من القيود القانونية التى تحول دون قدرتها على التأثير لذلك لابد من ازالة هذه القيود وتمكين هذه المنظمات من القيام بدورها .

ث‌- ثقافة تعددية

تلعب الثقافة السياسية السائدة فى المجتمع دورا مؤثرا , ويتجلى ذلك فيما اذا كانت القيم التى تجسدها هذه الثقافة تؤكد المساواة بين المواطنين , وتشجع على العمل الجماعى والمواقف الايجابية والتسامح , وتعترف بالآخر وتقبل الحوار والاقناع كوسيلة لحسم الخلاف ومن المهم تعديل الاطار الثقافى الموروث اذا لم يكن يخدم عملية المشاركة ويتطلب احداث تغيير فى البيئة الثقافية والمعنوية للنظام السياسى فترة زمنية طويلة نسبيا , ومؤسسات المجتمع المدنى لها دورها فى تغيير الثقافة السياسية من خلال الممارسة الديمقارطية والتنشئة السياسية والاعدادية لقيادات شابه .

والاشكالية هى كيف تستطيع مؤسسات المجتمع المدنى الاضطلاع بهذا الدوب فى الوقت الذى تفتقد ممارسات الكثير منها للمعايير والقيم التى تشكل جوهر التحول الديمقراطى .

وتجدر الاشارة الى أن هناك نوعين للمشاركة السياسية من خلال الاحزاب :

(أولا) – المشاركة بالانتماء الحزبى المحدود : وهنا يسمح النظام السياسى للجماعات المختلفة بتنظيم أحزابها الخاصة مع حرمانها من الوصول الى السلطة ,والحد بالتالى من مشاركتها فى النظام وفى ظل الانتماء الحزبى المحدود يظهر ما يسميه لا بالوكمبارا ووينر بالاحزاب المغتربة , وهى تلك الاحزاب التى لا يسمح لها بالمشاركة الفعلية فى الحكم وتتجه شعارات الحزب الى زرع احساس الولاء للحزب أو لطبقة اجتماعية أو جماعة دينية أكثر منه للامة أو للنظام الحاكم .
(ثانيا) الانتماء الحزبى الكامل : يقصد به منح الافراد والجماعات حقوق المشاركة السياسية الكاملة , اما لأنه لا ينظر لتوسيع المشاركة كتهديد خطير لبقاء النظام أو لأنه يعتبر الالتزام بالمشاركة نفسه من القوة بحيث يطغى على أى تهديدات يتعرض لها النظام

ثانيا –معالم التجربة الحزبيةفى مصر

ان مراجعة الخريطة الحزبية فى مصر تكشف عن عدد من الحقائق وهى :

1- عمق التفاوت فى القدرة التنافسية بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة , وترجيح الكفة لصالح الأول لعدة أسباب تتعلق بالتداخل بين الحزب الحاكم وأجهزة الدولة , ورئاسة القيادة السياسية للحزب الحاكم , والسيطرة على وسائل الاتصال الجماهيرى ,والانفراد بوضع القوانين الانتخابية والقوانين المنظمة للدعاية الانتخابية , واحتلال الحزب الوطني لمركز النظام الانتخابى ( بين اليمين واليسار ) بما يشير الى قدرته على فرض التوازنات والتحكم فيها من خلال توزيع الأدوار والتحالفات والقدرة التنافسية تتوقف جزئيا على هذه التوازنات .
ويعزز من قدرة الحزب الوطني التنافسية , الانقسام الاجتماعى الى مرشحين الأولى تملك وتستفيد من الوضع القائم , أخرى مسحوقة وترغب فىالتغيير , وفى ظل الاستقطاب الحزبى يمثل الحزب الوطني الشريحة الأولى وتمثل المعارضة الشريحة الثانية. وهذا الشعور أدى الى تقاعس الشريحة الثانيةعن التصويت وافتقادها الأمل فى احداث التغيير المطلوب عن طريق الانتخابات .
2- هناك ضعف فى القدرة التنافسية للاحزاب الصغيرة التى لا تملك أغبها صحفا حزبية , وتفتقر لقنوات الاتصال الفاعلة مع الراى العام , لذلك فهى ترشح عددا محددوا من المرشحين فى الانتخابات , وتقتصر على عدد محدود من الدوائر فى تلك الانتخابات وعادة لا ينجح أحد من مرشحيها فى الانتخابات , ويزيد من ضعف هذه الاحزاب أمور كثيرة تتعلق بأن أغلب هذه الاحزاب ليس لها رصيد أو تاريخ سياسى أو وطنى , وهى من المؤهلات المهمة لخوض العمل الحزبى والسياسى .
اضافة الى ذلك هناك تزايد فى حدة التوتر الداخلى والخلاف على الرئاسة وحدوث انشقاقات فى أكثر من حزب من ناحية أخرى , فان غالبية الاحزاب تقدم برامج تتميز بضعف المصداقية وصعوبة التنفيذ وحتى أحزاب المعارضة الأكبر حجما والتى استطاعت أن تحقق تمثيلا لها داخل البرلمان , تقلص وجودها بشكل ملحوظ من 57 نائبا عام 1984 الى 17 نائبا فقط عام 2000 فى مجلس الشعب , ناهيك عن انعكاس هذا الوجود المحدود على ضعف مستوى أدائها الرقابى والتشريعى .
ولقد كشفت احدى الدراسات التى تناولت باتحليل الانتخابات الأخيرة عام 2000 عن مؤشرات تدل على تصاعد أزمة الاحزاب السياسية , حيث لم توفق فى تحقيق تواصل مع الجماهير أو طرح رؤية أو برنامج يجتذبهم ويعمل على تحسين واقعهم الاقتصادى والاجتماعى ينطبق هذا على الحزب ا لحاكم الذى شهد هبوطا حادا فى عدد ممثليه وينطبق أيضا على أحزاب المعارضة وشهدت هذه الانتخابات سقوط العديد من رموز الاحزاب ومرشحيهم بل ةفشل بعض رؤساء الاحزاب فىاقناع أبناء دوائرهم بقدرتهم على تمثيلهم فى تلك الانتخابات وأبرز ما كان واضحا فى تحركات مرشحى الأحزاب هو اتجاه كل مرشح الى بناء تحالفاته وتربيطاته الانتخابيى بعديا عن مرشح الحزب الآخر فىالدائرة وهذه الظاهرة كانت واضحة بالنسبة لمعظم الاحزاب باستثناء حزب التجمع .

وقد كان هذا الوضع مؤشرا على حقيقتين :

أ‌- أن أعضاء الاحزاب لم يعودوا فى حالى انتماء حزبى عن قناعة , حيث انهم يترددوا فى خلع الرداء الحزبى فى أقرب فرصة .
ب‌- أن التصويت كان يتم على أساس شخصية بحتة , وبعيدا عن الانتماء الحزبى لذا نجحت الأغلبيى العظمى من أعضاء المجلس تحت راية المستقلين وبعيدا عن مظلة الاحزاب .
3- ان ازدياد ظاهرة المستقلين جاءت تأكيدا ومؤشرا على زيادة الاقتناع بعد فاعلية الانتماء الحزبى , وعكست الأزمة العميقة التى تعيشها الاحزاب السياسية المصرية جدير بالذكر أن المستقلين فى انتخابات 2000 ضموا تيارات سياسية متنوعة ,فهناك التكتل الأكبر ويشمل المنشقين عن الحزب الوطني والمستبعدين من قوائمه رغم تكوينهم السياسى والمهم أن ظاهرة المستقلين قدمت بديلا سياسيا وحيدا أمام القوى المحجوبة عن الشريعة , التى لم يبق منها سوى التيار الإسلامى وبعض ما تبقى من الشيوعيين الذين لم ينخرطوا فى حزب التجمع .
والدور المتصاعد لظاهرة المستقلين لم يعبر فقط عن الغياب شبه الكالم للاحزاب السياسية ولكنه عبر أيضا عن غياب قيمة المؤسسة فى الحياة العامة فى مصر , بمعنى غياب الاطار السياسى الذى يوجه حركة الغالبية الساحقة من المرشحين .

تفعيل النظام الحزبى

حاولت العديد من الدوائر العلمية والبحثية تحليل أسباب فشل الحزبى وجموده ,ومنها من يرى حتمية تغيير الأطر السياسية والدستورية والتشريعية , ورؤى أخرى ترى ضرورة قيام الاحزاب بمراجعة اساليب الممارسة وآليات العمل داخلها دون اغفال ضروروة الاصلاح السياسى الشامل .

1- تغير الأطر السياسية والدستورية والتشريعية

أ‌- اصلاح دستورى أولا

ان محاولة الاصلاح الشامل فى أوضاع أى دولة لابد أن تثير البحث فى طريقة ممارسة السلطة فى هذه الدولة والدستور هو المرشح الرسمى لشئون الحكم لذلك فان الحديث عن الاصلاح لا يتم بغير البحث فى موضوع الدستور , وما اذا كان الدستور القائم اطارا مناسبا لهذا الاصلاح , أم يتعين تغييره كجزء من عملية الاصلاح ذاتها ومع التطور السريع فى الأوضاع المادية والسياسية مما يجعله غير مناسب للاوضاع الجديدة فى الدولة , وبالتالى عبئا على استقرارها ومصدرا للتوتر الاجتماعى والسياسى فيها .

والدستور فى حقيقة الأمر هو بمثابة أهم عقد اجتماعى بين الشعب والسلطات العامة فى الدولة , وانه لا يحقق الغرض منه الا اذا أسهم فى بناء الثقة المتبادلة بين هذه الأطراف عن طريق المشاركة الحقيقية من جانب الشعب .

وقد تعرض الدستور المصرى لموضوع الاحزاب السياسية فة مادة واحدة هى المادة الخامسة والتى تنص على أن يقوم النظام السياسى فى جمهورية مصر العربية على أساس تعدد حزبى , وذلك فى اطار المقومات والمبادىء الأساسية للمجتمع المصرى المنصوص عليها فى الدستور وينظم القانون الاحزاب السياسية .

وفى حين أكدت معظم القوى المعارضة والوطنية عدم ملاءمة الدستور الذى صدر عام 1971 وتعديلاته المحدودة 1980 مع التعددية الحزبية وامكانية تداول السلطة أثبتت مؤشرات أحد البحوث الميدانية التى أجراها المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية , ضرورة تغيير النظام الدستورى الملىء بالتناقضات والذى يكشف عن وجود اختلال هيكلى فى التوازن بين السلطات الدستورية , فالبنية الأساسية للنظام السياسى المصرى قائمة على عدم التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لصالح الأخيرة وهو ما يتطلب مراجعة هيكل توزيع السلطات فى ضوء علاقته بالحياة الحزبية وأثبتت نتيجة الاستطلاع أن حوالى 89 و 6 من عشرة بالمائة من العينة يرون ضرورة تعديل الدستور أو بعض بنوده لكى يتفق مع التعددية السياسية .

ب‌- ضرورة ايجاد اطار قانونى ديمقراطى

هناك عدد من القوانين التى تحول دون ازدهار التعددية ونضجها , وعلى رأس تلك القوانين قانون الاحزاب السياسية , والقوانين المرتبطة بالنظام الانتخابى :

( أولا ) الاحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977

وضع قانون الاحزاب السياسية قانون 40 لسنة 1977 ضوابط لانشاء الاحزاب , وضوابط أخرى لممارسة الحزبية قيدت من نشأة الاحزاب وأثرت سلبا على تمثيل كافة القوى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية من خلال هذه التنظيمات .

ولقد تعددت الآراء بشأن تقييم القانون والرأى الغالب أن القانون يلعب دورا كبيرا فى تعويق العمل الحزبى , أما الرأى الآخر فيرى أن المشكلة الحقيقية ليست فى هذا القانون ولكن فى وجود أخرى منها غاب المنافسة الحقيقية بين الاحزاب السياسية .

وقبل أن نتناول وجهتى النظر ,لابد من الاشارة الى الظروف التى أحاطت باصدار هذا القانون والتعديلات التى أدخلت عليه لأنها قد ساهمت فى احاطة العمل الحزبى بالقيود منذ نشأته وحتى اليوم .

فلقد صدر هذا القانون بين واقعتين احداهما داخلية وهى الانتفاضة الشعبية فى 18 , 19 يناير 1977 , والثانية خارجية وهى سفر الرئيس السادات الى القدس فى نوفمبر 1977 لذلك فالبعض يرى أن دوافع اصدار قانون الاحزاب كان ضغطا داخليا بعد الانتفاضة الشعبية فى يناير 1977 , وتطلعا لابهار الخارج والغرب على وجه الخصوص بنظام الحكم الديمقراطى القائم فى مصر على التعددية الحزبية أن هذه الخلفية هامة لفهم المأزق الذى تعانيه هذه التجربة خاصة أنه السبب الرئيسى الذى حكم حركة التعددية وأبقى عليها مقيدة حتى اليوم .

وكان بعض المستقلين والمعارضين لقانون الاحزاب قد لاحظوا أن نصوص الدستور وبناءه وأهدافه لم تسمح بأى تعددية حزبية أثناء مناقشة مشروع قانون الاحزاب وأكدوا على عدم دستورية القانون وضرورة تعديا الدستور أولا وهى المعارضات التى انتهت بانسحابهم بعد أن انحازت الأغلبية لاصدار القانون الحالى .

وقد كان القانون 40 لسنة 1977 الذى صدر فى 2 يوليوقد أدخلت عليه عدة تعديلات بالقانون رقم 33-78 , 36-79 , 144-80 , 30 – 81- , 156-81, 108-92 , والقانون رقم 221-94 , وزادت تلك التعديلات من القيود التى فرضت على التجربة الحزبية خاصةفى المرحلةالأولى ,اذ جاءت عقب أحداث سياسية شهدتها البلاد , وكان الهف من هذه التعديلات هو الحد من المعارضة .

والرأى الذى يعارض قانون الاحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977 – من حيث المبدأ – يرى ان جميع الدول الديمقراطية يكون تأسيس الاحزاب فيها بالاخطار وكان هذا الأمر هو ذاته المعمول به قبل ثورة 1952 , حيث كان التأسيس يتم بالاخطار فقط .

من ناحية أخرى , فان المشروع ليس مطلق اليد فى وضع القوانين المتصلة بهذه الموضوعات بحيث يقيد من جوهرها ومن ممارستها بما يخل بالروح الديمقراطية للنظام وقد ذكر هذا فى عدد من المواثيق الدولية منه العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية الذى صدقت عليه مصر والمنشور بالجريدة الرسمية وبدأ العمل به اعتبارا من 14 إبريل 1982 .

أما فيما يتعلق بنصوص القانون رقم 40 لسنة 1977 فلقد تركزت معظم الانتقادات حول بعض النقاط . فبداية ان لجنة الاحزاب السياسية بتشكيلها المنصوص عليه فى القانون تدين بالولاء للسلطة التنفيذية , كما أنها تضم قيادات الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم .

اضافة الى ذلك هناك القيود التى أوردتها المادة الرابعة , والتى تشترط لتأسيس واستمرار أى حزب سياسى على عدم تعارض مقوماته وأهدافه مع الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى , والنظام الاشتراكى الديمقراطى والمكاسب الإشتراكية وهذه العبارة فضفاضة ويصعب أن تخضع للضبط القانونى السليم , وهو ما يترك الباب مفتوحا على مصراعيه أمام السلطة لمنع تكوين الحزب أو القضاء عليه بحجة أنه لم يلتزم بالمبادىء المشار اليها أن هذه القيود بالاضافة الى عدم دستوريتها فانها لا يمكنها أن تقف أمام التطور وما يحدث من مراجعة لمبادىء ثورة 23 يوليو و15 مايو , فلقد تحولت مصر الى الليبرالية الاقتصادية والسياسية , ومبادىء 23 يوليو فى طريقها للتعديل فهل يتصور أن يظل هناك نص يحرم أحد الاحزاب لمجرد أنه لا يتفق ومبادىء يولية ؟ من ناحية أخرى فان حظر تكوين الاحزاب على أساس طبقى أو فئوى لا يمكن فهمه , اذ أن الاحزاب أصلها ظواهر اجتماعية تقوم على تجمع الفئات الاجتماعية أو الطبقات أصحاب المصالح الواحدة المادة الثالثة .

اضافة الى ذلك , فان تشكيل محكمة الاحزاب من عناصر غير قضائية ونوع الرقابة الذى تمارسه هذه المحكمة طبقا لقانون الاحزاب يقطع بالطبيعة السياسية الصرفة لهذه الرقابة حيث تقتضى ممارستها تحليل برامج الاحزاب وأهدافها وأساليبها وصولا لتطبيق القانون عليها , و كلها مسائل سياسية بحته لا يمكن ضبطها قانونا المادة الثامنة .

وأخيرا وليس آخرا منحت الجنة صلاحيات واسعة , منها نشاط أى حزب اذا كان هناك خروج عن قيم المجتمع أو ارتكب أفعالا تهدد الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى وهى عبارات مطاطة غير محددة ولقد أثر القانون وسلطات لجنة الاحزاب سلبا على الحياة الحزبية حيث جعل المرور للحياة السياسية والبرلمانية للاحزاب من خلال هذه اللجنة التى أقرت عددا محدودا جدا من الاحزاب كما تسببت فى بقاء قوى سياسية واجتماعية خارج اطار الشرعية , ومن أهمها القوى الإسلامية التى لجأت الى قنوات أخرى للتعبير عن نفسها الاندماج مع أحزاب أخرى أو ممارسة نشاطها من خلال نقابات مهنية لذلك فلقد ذهب 87بالمائة من العينة فى استطلاع الرأى سابق الاشارة اليه الى المناداة بضرورة تغيير قانون الاحزاب كما رأى بعض المتخصصين أن القانون الحالى يشوب كثيرا من أحكامه عدم الدستورية , وأن المحكمة الدستورية العليا قررت عدم دستورية بعض أحكامه كأحكام العزل السياسى كما اجهدت المحكمة العليا الادارية للتخفيف من حدة بعض الاحكام الأخرى شرط برامج الاحزاب .

وفى المقابل , هناك رأى آخر يرى أن تعديل هذا القانون لن يحل أزمة الاحزاب السياسية , لأن بعض الدول الديمقراطية الكبرى يتسابق فيها حزبان أو ثلاثة , وقوتها تكمن فى قلة عددها وتميز برامجها وقدرتها على التنافس لذلك فان كثرة الاحزاب لا تحل المشكلة واطلاق حرية تأسيسها لن يرفع من كفاءتها بل أن كثرة الاحزاب يمكن أن تزيد الشقاق والصراع , وهذا الرأى لا ينفى أهمية ضرورة تفسير منهج لجنة شئون الاحزاب الرافض لتأسيس الاحزاب , خاصة وأن المنهج قد استقر منذ عام 1978 ولم يشذ عنه سوى الموافقة الأخيرة على حزب الوفاق القومي الذى يعتبر الآن حزبا مجمدا نتيجة للخلاف على رئاسته فهل المشكلة فى منهج اللجنة أم فى طلبات التأسيس غير مستوفاة الشروط ؟ ويرى أصحاب هذا الرأى ان اصدار قانون تنظيم الاحزاب وما تضمنه من شروط مباح متى عهد الدستور الى القانون هذا التنظيم لذلك فان المشكلة الأساسية هى غياب المنافسة الحقيقية بين الاحزاب السياسية وبأنها لن تتحقق الا باصلاح النظام الانتخابى .

(ثانيا) اصلاح النظام الانتخابى .

ان قضية النظام الانتخابى لا تنفصل عن قضية الاصلاح السياسى الشامل وتكمن مدى فاعلية النظام الانتخابى فى اتاحة الفرصة أمام جميع التيارات السياسية الفاعلة فى المجتمع على قدم المساواة وتوسيع قاعدة المشاركة , وذلك عن طريق اتاحة مناخ انتخابى حر يفرز نتيجة تعبر عن حقيقة الشارع المصرى , و ارادة المواطنين بغير تسلط أو سيطرة وحتى الآن هاك جدل واسع حول الشكل الأفضل للنظام الانتخابى فى مصر فالنظام الانتخابى قد أفرز نوبا كانوا مادة للهجوم والنقد والسخرية الشديدة والاشكالية ليست فى تحديد ماهية النظام الانتخابى هل هو انتخاب فردى أو بالقائمة ولكن الأهم هو توفير الضمانات والشفافية فى المناخ الذى تتم فيه العملية الانتخابية لأن ذلك هوالمؤشر الحقيقى على وجود الديمقراطية فالعملية الانتخابية هى تنظيم عملية التداول السلمى للسلطة السياسية وهى أداة من أدوات توسيع نطاق المشاركة السياسية فى المجتمع , سواء من خلال الترشيح أو التصويت أو من خلال الحملات الانتخابية كما أنها ثالثا بمثابة أداة لاكتشاف مدى قدرة وفاعلية القوى السياسية المختلفة فى المجتمع , ومن ثم فهى مؤشر على تحديد واقع خريطة القوى السياسية فى المجتمع ومدى تطابقها أو عدم تطابقها مع الاطار الرسمى للممارسة السياسية وعما اذا كان هذا الاطار يحتاج الى نوع من التعديل أو التطوير .

ومن قبل لم تنجح الانتخابات فى تدعيم التطور الديمقراطى بصفة عامة اذ أنها لم تنجح فى تعزيز العمل الحزبى بل على العكس فقد تراجع دور المؤسسة الحزبية الى حد كبير الى درجة أفقدت المواطن ثقته فى الحياة الحزبية حيث كانت العملية الانتخابية أداة من أدوات استعراض قوة الحزب المسيطر وابراز ضعف الاحزاب الصغيرة التى لم تستطع توفير العدد اللازم من المرشحين فى معظم الدوائر وأصبحت الاحزاب المعارضة مهمومة بالبحث عن وسيلة لوصول عدد من أعضائها الى مجلسى الشعب والشورى والمجالس المحلية سواء من خلال القيام ببعض التحالفات والتربيطات الانتخابية أو توظيف العصبية القبلية أو التوصل الى اتفاق مع الحزب الوطني لاخلاء دائرة معينة لأحد مرشحى الحزب .

وقد تفاءل البعض بقرار الرئيس مبارك بالقانون رقم 167 لسنة 2000 والذى نص على أن يمتد اشراف الهيئات القضائية الى جميع لجان الاقتراع بما فيها اللجان الفرعية بحيث لا يقتصر على اللجان العامة كما كان من قبل , آملا فى أن يعطى دفعة هامة للتطور الديمقراطى عن طريق توفير المصداقية والنزاهة فى ادارة العملية الانتخابية .لذلك فالبعض يفسر تواضع نسبة المعارضة الحزبية أو عدم حدوث تغيير ملموس فى وزنها النسبى داخل المجلس بعد الانتخابات الأخيرة بأنه جاء نتيجة مشكلاتها الداخلية وخاصة على المستوى التنظيمى , والتى تفسر الى حد كبير ضعف أدائها لذلك فلا فائدة من اصلاح النظام الانتخابى بدون اصلاح هياكل وممارسات الاحزاب

2- قصور فى هياكل وممارسات الاحزاب .

ان الشرط الجوهرى لتحويل الحزب الى قوة سياسية وجماهيرية مؤثرة هو نجاحهة فى امتلاك أداة تنظيمية فعالة تنقل أهدافه السياسية فالتنظيم الحزبى هو الاطار الذى يتم من خلاله التغلغل فى صفوف الجماهير وهناك مجموعة من الشروط الضرورية فى التنظيم الحزبى حتى ينجح فى تحقيق جماهيرية الحزب , وترتبط تلك الشروط ببناء تنظيمى مستقر مرتبط بمواقع التجمع الجماهيرى وعضوية حزبية واسعة حسب التوجهات الاجتماعية للحزب , و كادر قيادى يضم فعاليات متنوعة وقواعد محددة للعلاقات الداخلية تنظم عضوية الحزب , وموارد مالية كافية لممارسة نشاط سياسى وجماهيرى .

ولما كانت الأمور التنظيمية هى حلقة الوصل بين فكر الحزب وبين القاعدة الجماهيرية فان المشكلات التنظيمية لم تكن مسألة داخلية تخص الحياة الداخلية للحزب بل أثرت بشدة فى نشاطه الجماهيرى مما أدى الى حدوث أزمة حادة نتيجة عجز هذه الاحزاب عن التأثير فى الوضع السياسى القائم لعدم قدرتها على تعبئة القوى الجماهيرية .

ويمكن رصد المشكلات التنظيمية التى لعبت دورا فى تفاقم الأزمة على النحو التالى :

أ‌- ضعف قدرة الاحزاب على التغلغل وسط الجماهير , حيث يتضح من متابعة الحركة التنظيمية للاحزاب عجز معظمها عن استكمال المستوى القاعدى وهو هام ليجاد صلة منتظمة بالجماهير ولقد أهملت معظم الاحزاب المقرات كمواقع للاتصال الجماهيرى حيث أغلقت ولم تستخدم الا أثناء الاجتماعات الحزبية التى تعقد شهريا أو أسبوعيا كما أن هذه المقار تفتقد للتشعب الاقليمى حيث تتركز فىالمدن الكبرى مما أدى الى تراجع واضح فى العضوية والتى تأثرت أيضا بالضغوط الأمنية والشعور بعدم جدوى الانتماء الحزبى .
ب‌- ضعف اعداد قيادات جديدة اذ أنه مع اختفاء الرموز القيادية التاريخية أصبح هناك تهديد للوجود الفعلى لهذه الاحزاب اذا لم تنجح فى حل هذه المشكلة فالصراعات التى تتولد داخل الاحزاب لملء الفراغ تصيب العلاقات الداخلية بتوتر شديد اذا لم يتم احتواؤه فانه يؤدى الى شل حركة الحزب .
ج‌- ضعف الموارد المالية ويعد هذا الضعف هو أحد القيود المهمة على الممارسة الحزبية حيث يحظر القانون على الأحزاب أن تمارس نشاطا اقتصاديا وتجاريا الا فى مجال النشر والطباعة وما لم يحدث تعديل فىالقانون يسمح للاحزاب بممارسة نشاط تجارى تمول خلاله أنشطتها الجماهيرية فان هذه الاحزاب ستظل عاجزة عن النمو وعن القيام بوظائفها على النحو الأكمل .
خ‌- عدم وضوح الأساس الاجتماعى والطبقى بمعنى هلامية الشريحة الاجتماعية التى يعبر عنها أى حزب من الاحزاب المصرية ويعد هذا الأمر أحد جوانب أزمة الاحزاب المصرية فهى مؤسسات سياسية لا تستند أو ترتبط بتيارات اجتماعية وثقافية فاعلة فى حين أن التيارات الفاعلة فى المجتمع لا تمتلك مؤسساتها التى تعبر عنها وأهمها التيار الإسلامى الذى لم ينجح حتى الآن فى تشكيل حزب له , بالرغم من تكرار محاولاته حزب الشريعة , الصحوة , والوسط وكلها باءت بالفشل لأسباب سياسية هذه المحاولات مستمرة بالرغم من اعتراض رموز جماعة الإخوان المسلمين أمثال الهضيبى ومصطفى مشهور التى أعلنت رفضها للاحزاب أنها تخالف الشريعة الإسلامية ويبدو أنهم قد تأثروا برؤية حسن البنا للقضية الحزبية وبأن النظام الحزبى ليس شرطا لممارسة السياسة .
الممارسات الحزبية غيرالديمقراطية وهو الأمر الذى يرتبط بغياب ديمقراطية التنظيم ويؤدى ذلك الى فقد الحزب مصداقيته لدى الجماهير ولدى السلطة فطافة برامج الاحزاب السياسية تجعل الديمقراطية مطلبا رئيسيا لها فى حين أن لوائحها تحقق الممارسة الديمقراطية نظريا والنظام الأساسى لكل حزب سياسى يتضمن توزيعا معينا للسلطة والاختصاص لا يعبر عن الواقع فى معظمالاحوال , وهناك عدة مؤشرات يمكن الاستناد عليها لتقييم مدى اتفاق الممارسات الحزبية مع الديمقراطية من أهمها تحقيق ديمقراطية التنظيم الحزبى ذاته بمعنى أن ممارسة السلطة داخل الحزب تستند نظريا على الانتخاب وتداول السلطة وحرية الرأى وحرية الاختلاف فى حين أن معظم الاحزاب تعتمد على أسلوب الاختيار أو التعيين من أعلى فى مختلف المستويات التنظيمية.
وادارة الخلافات والصراعات داخل الاحزاب ما زال يشوبها الكثير من القصور كما أن الاحزاب لم تقدم نموذجا لعملية صنع القرار يختلف عن النموذج السلطوى فى النظام السياسى المصرى رغم مطالبة أحزاب المعارضة صنع القرار على مستوى الحكم .

3- محدودية التنسيق بين الاحزاب

تكمن أهمية التنسيق بين الاحزاب فى امكانية قيام أحزاب المعارضة بممارسة ضغط مؤثر على الحكومة ولكن هذا التنسيق عادة ما يقتصر على قضايا محدودة ونتيجة لأن لغة الحوار بين الاحزاب فى أحيان كثيرة تفتقر للحد الأدنى من ديمقراطية الحوار فقد فشلت تلك الأحزاب فى خلق جبهة واحدة متماسكة .
وواقع الأمر أن لجوء الاحزاب الصغيرة الى التحالف أو الائتلاف مع غيرها من الاحزاب والقوى السياسية بغرض مواجهة الاغلبية الحاكمة يجعلها تدرك حجمها الحقيقى وبالنسبة للاحزاب الصغيرة التى تلجأ للتحالف مع الجماعت السرية أو المحظورة النشاط أوالائتلاف مع غيرها من الاحزاب المعارضة المنافسة , فهى تفقد هويتها , و لا تكون زيادة حجمها الا محاولة لتفجيرها ذاتيا لأن الجهات المحظورة النشاط تلجأ الى الاحزاب الصغيرة لتمارس من خلالها نشاطها وليس لاقتناعها ببرامجها لذلك فان التحالف لابد وأن يضم أحزابا متجانسة ذات توجه سياسى واحد .

استشراف كيفية تفعيل النظام الحزبى فى مصر

يضع صموئيل هنتيجتون ثلاثة معايير لقياس القوة المؤسسية للاحزاب :

1- قدرة الحزب على البقاء والاستمرار بعد غياب الزعيم الذى أنشأه أو الشخصية الكاريزمية التى أوصلته الى القوة السياسية وبمعنى آخر فان الاحزاب الضعيفة ترتبط فقط بوجود قادتها المنشئين لها .
2- مدى ارتباط الحزب بالتنظيمات الاجتماعية والاقتصادية الموجودة مثل نقابات العمالواتحادات الفلاحين وباقى المجتمع المدى .
3- درجة توحد العناصر النشيطة سياسيا والساعية الى السلطة مع الحزب والمدى الذى تذهب اليه فى رؤية الحزب كوسيلة لغايات أخرى .

وفى الواقع فان الحزب كمؤسسة سياسية يمكن أت تقاس قوته بمدى قابليته لتطور والتكيف وقدرته على استيعاب القوى الاجتماعية والتغيرات السياسية وقيامه بوظائفه وسعيه لتحقيق الهدف من وجوده وهو محاولة الوصول الى السلطة أو التأثير عليها وفى حالة تواجده فى خارج الحكم تكون مهمته الأساسية هى الرقابة على الحكومة وطرح بدائل للسياسات العامة وقبل الخوض فى عمية تفعيل النظام الحزبى يمكن ابداء ملاحظتين :

1- دور الاحزاب الصغيرة

من الخطأ الاعتقاد بأن الاحزاب الكبرى وحدها هى المؤثرة فى الحياة الحزبية السياسية فوجود الاحزاب الصغرى أمر ضرورى وهذه الاحزاب حتى وان لم تصل الى الحكم فان لها دورا هاما تمثل حركة الاحتجاج على السياسة القائمة وهى تلفت نظر الاحزاب الكبرى الى الحاجة الى اجراء اصلاحات اقتصادية واجتماعية .

2- امكانية حكومة ائتلافية والاستفادة من التجربة الحزبية الأوروبية

من سمات النظام التعددى فى أوروبا طبيعة الاحزاب نفسها فقد تختلف من حيث العضوية أو تتراوح بين أحزاب قوامها عدة مئات وأحزاب تضم فى عضويتها الملايين الا أن أهم سمات النظام الأوروربى هو أنه قلما يملك حزب واحد يستمد أعضاءه من المجلس التشريعى ويصبح مسئولا أمامه فلا تستطيع الوزارة بغير أغلبية برلمانية أن تحصل على التشريعات المطلوبة بتمريرها فىالبرلمان لذلك فان عملية تشكيل الحكومة تقتضى أن يشرك رئيس الوزراء فى وزارته زعماء الاحزاب الذين يتعهد أنصارهم فى البرلمان بتأييد برنامج الحكومة عند الاقتراع ومن ثم فان الوزارة الأوروربية تمثل على ما جرى به العرف ائتلافا من ممثلى عدة أحزاب سياسية وأهداف الديمقراطية يمكن أن تتحقق بشكل فعالى فى النظام التعددى فالوزارات الائتلافية يمكن أن تتمتع بالاستقرار اذا كان هناك قدر جوهرى من الاجماع الشعبى بشأن المبادىء الأساسية للنظام الاقتصادى والاجتماعى وهذا هو حال الدول الاسكندنافية فهل يمكن الاستفادة من التجربة الأوروبية ؟

لا شك أن التطلع الى تفعيل النظام الحزبى يجب أن يشمل مواجهة جادة مع واقع الحياة الحزبية ومعاملة صادقة مع مواطن العلة ولا يمكن ضمان التطور الديمقراطى بغير اعادة النظر فى مجمل الأطر القانونية والدستورية حتى تتسق مع قواعد النظام الديمقراطى بما فى ذلك من الغاء لقانون الطوارىء وكافة القوانين المقيدة للحريات ان ضمان حرية تكوين الاحزاب السياسية وضمان فاعليتها يشكلان ركنا أساسيا فى بناء الديمقراطية كما أن التعددية تعنى احترام مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية والدينية والأيديولوجية كشرط أساسى لممارسة الديمقراطية التى توفر لجميع فئات المجتمع امكانيات المشاركة والتعددية السياسية تنصرف بالاساس الى توفير امكانية فعلية لتداول السلطة و للتناوب فى الحكم أى استبدال فئة حاكمة بأخرى بالأدوات السلمية القانونية .

وواقع الأمر أن هناك رؤية تشاؤمية بشأن امكانية تداول ووصول أحزاب المعارضة الى الحكم نتيجة لعدة أسباب منه : علاقة الحزب الوطني بالجهاز الادارى للدولة واتساع سلطة ونفوذ الحزب الوطني وضعف أحزاب المعرضة وعدم تعبيرها عن الجماهير وعدم التمثيل الحزبى للقوى الوطنية المحجوبة عن الشرعية اضافة الى ذلك هناك السياسة المصرية والتى تجعل الجماهير فى موضع سلبى ازاء الحياة السياسية ككل وأخيرا هناك رئاسة القيادةالعليا للحزب الوطنى .

وكانت احدى الدراسات الميدانية قد أشارت الى صعوبة وصول أحزاب المعارضة للحكم , ورأت أن عدم امكانية تحقيق تداول سلمى للسلطة يدفع بأحزاب المعارضة الى التركيز على المعارك السياسية مع الحكومة والحزب المهيمن .

وحتى يكون هناك طرح جاد لامكانية تداول السلطةلابد من اعادة النظر فى جميع النقاط المشار اليها ويجب أن ينظر للاصلاح الحزبى كجزء لا يتجزأ من الاصلاح السياسى الشامل على أن يشمل النقاط التالية :

1- اعادة النظر فى القانون رقم 40 لسنة 1977
ان النظام الحزبى يجب أن يعبر عن كافة القوى الاجتماعية والسياسية ولا يحرمها من حقوقها الدستورية على أن قانون الاحزاب بوضعه الراهن يحول دون ذلك , لذلك فهناك عدد من المقترحات منها .
أ‌- الغاء لجنة شئون الاحزاب السياسية تلك اللجنة شبه الحكومية المتسلطة على الحياة الحزبية والاكتفاء بنظام الاخطار السابق مع تقرير حق الحكومة فى الاعتراض على تأسيس الحزب الجديد أما القضاء الادارى بمجلس الدولة كذلك ضرورة سحب التعديلات التى اقحمت على قانون الاحزاب السياسيى رقم 40 لسنة 1977 بالقانون رقم 36 فى 30 مايو 1979 , والتى أدت الى اتساع صلاحيات لجنة شئون الاحزاب السياسية لتشمل وقف نشاط الاحزاب وصحفها وقفا مشمولا بالنفاذ المعجل .
ب‌- التخفيف من الشروط التى تعوق قيام الاحزاب الجديدة والاكتفاء كحد أقصى بتلك الشروط التى كانت واردة فى القانون قبل تعديلة فى 30 مايو 1979 .
ح‌- عدم حرمان المواطنين من حق دستورى يسمح لهم بتكوين الاحزاب أو الانضمام اليها الا فى حالات محددة فى المرسوم بقانون رقم 179 لسنة 1952 مثل من حكم عليه فى جرائم مخلة بالشرف والأمانة ومن تقرر قضائيا وضع أموالهم تحت الحراسة بسبب استغلال النفوذ أو حصولهم على كسب غير مشروع الخ ..
خ‌- الغاء القيود الواردة على اصدار الصحف الحزبية كالشروط المنصوص عليها فى القرار بقانون رقم 36 لسنة 1979 والقيود الجديدة على اصدار الصحف الحزبية عام 1995 بعدم السماح باصدار صحف حزبية جديدة الا اذا كانت تكلفة اصدارها مودعة فى البنوك مقدما وضرورة توفير هيكل من الصحفيين .
2- العملية الانتخابية

تتعدد الاجراءات والأمور الكفيلة باصلاح النظام الحزبى فى مصر فبداية هناك ضرورة تحقيق الاستقلال الكامل لسلطة القضائية مع استمرار اشراف القضاء على الانتخابات كضمان لنزاهة وشفافية العملية الانتخابية وتعديل النظام الانتخابى بما يحقق التعبير عن جميع القوى السياسية والاجتماعية وتوسيع قاعدة المشاركة وعدم الجوء الى خيار مقاطعة الانتخابات الا فى الحالات القصوى وبذل كل ما هو ممكن لضمان التواجد المؤثر على الساحة السياسية .

من ناحية أخرى يجب ضمان حقوق متساوية لمختلف القوى السياسية للدعاية الانتخابية فى الاذاعة والتليفزيون واتاحة الفرصة لأحزاب المعارضة لدخول الانتخابات كجبهة واحدة . وبالنسبة لعملية الاقتراع فان هناك أهمية لاجراء التصويت بالبطاقة الشخصية وتوفير البطاقات الانتخابية على مدار العام وتوقيع غرامة مالية على المواطن الذى يتخلف عن التصويت .

3- اصلاح الهياكل التنظيمية والممارسة الحزبية .

يشكل اصلاح الهياكل التنظيمية والممارسة الحزبية أحد أهم ألمور الدافعة للارتقاء بالممارسة الحزبية وهناك آليات كبيرة تهدف الى تحقيق هذا الاصلاح فبداية يتحتم الاهتمام باستكمال البناء التنظيمى للاحزاب من المستوى المركزى الى المستوى القاعدى وتنفيذ سياسة متكاملة لاعداد القيادات والاهتمام بصفة خاصة بتمثيل عناصر شابة بين القيادات الحزبية والاستفادة من المقرات الحزبية كمواقع للاتصال الجماهيرى .

من ناحيى أخرى يجب الاهتمام بمصداقية وموضوعية الصحافة الحزبية والبعد عن أساليب الصحافة الصفراء والاهتمام بواقعية البرامج الحزبية وقابليتها للتنفيذ وتعبيرها عن شرائح اجتماعية محددة وتفاعل القيادات الحزبية مع مشاكل الجماهير والاستجابة لمصالحها .

اضافة الى ذلك فان التناقض بين مطلب الديمقراطية والممارسات غير الديمقراطية يشكل أحد مصادر التناقض بين مطلب الديمقراطية والممارسات غير الديمقراطية يشكل أحد مصادر ضعف فاعلية المؤسسات الحزبية لذلك لابد من حل الخلافات داخل كل حزب عن طريق ديمقراطى والعمل على تعميق الممارسة الديمقراطية داخل الاحزاب بتعديل لوائح الحزب وقواعد انتخاب رئيس الحزب وأسلوب اتخاذ القرارت .

وأخيرا هناك ضرورة لدعم وتطوير الحوار الوطنى بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة لمواجهة قضايا التنمية والديمقراطية فى مصر .

ان قوة النظام السياسى وشرعيته يدعمها نظام حزبى سليم فى اطار ديمقراطى يوفر المناخ والضمانات للمنافسة الحقيقية والمصداقية فى امكانية تداول السلطة ولعل محاولة مواجهة المشكلات التنظيمية الداخلية , ومعالجة أسباب الضعف الداخلى يعظم من قوة الاحزاب ويقوى من موقفها التنافسى والتفاوضى وهذا يؤدى فى النهاية الى نجاحها فى مواجهة وتصفية القيود القانونية والادارية والضغوط الأمنية التى تحول دون نموها وتطورها ولابد من اعادة الثقة فى النظام الحزبى وضمان تعبيره الحقيقى عن القاعدة العريضة ويبدو أن بعض الاحزاب السياسية قد استوعبت هذا المفهوم نسبيا فالحزب الوطني أعلن عن تطوير برنامجه وأسلوب الممارسة الحزبية فى مؤتمره القومى العام سبتمبر 2002 وحزب الوفد استطاع بأسلوب ديمقراطى اختيار قيادته الجديدة بعد وفاة قيادته التاريخية كما أعلن خالد محيى الدين رئيس حزب التجمع أنه لن يرشح نفسه مرة أخرى لرئاسة الحزب ليترك الفرصة أمام قيادة جديدة وبذلك فهو يقدم نموذجا رائدا للتجربة الحزبية فى الحث على تداول السلطة .

والفرصة متاحة أمام باقى الاحزاب صغيرها وكبيرها لاعادة النظر فى جدوى وجودها وليس أمامهم سوى خيارين اما اثبات وجودها المؤثر فى الساحة السياسية والحزبية واما ترك مكانها لمن هو أصلح وأجدر .