مقدمة موقع التجارب النيابية الإسلامية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٧:٥١، ١٣ نوفمبر ٢٠١١ بواسطة Ahmed s (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مقدمة موقع التجارب النيابية الإسلامية

بقلم: فتحي يكن

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين, ومن أرسله ربه رحمة للعالمين, وبعد:

فإستجابة لطلب الكثيرين, الذين يتابعون التجارب النيابية الإسلامية عن قرب وعن بعد..

واستفادة من هذه التجارب, التي تعتبر حديثة على ساحة العمل الإسلامي, وتحت (قبة البرلمانات) أو (مجالس الشعب) أو (مجالس الأمة)..

وتحقيقاً للنقد الذاتي الموضوعي, الهادف الى الإرتقاء بالأداء النيابي الإسلامي الى المستوى اللآئق والفاعل والمتميز..

لكل هذا وغيره.. وجدت من المصلحة والضرورة القيام بخطوة على طريق تقييم التجارب النيابية الإسلامية بمجمل ما لها وما عليها.. إضافة الى ما يؤدي الى تأصيلها وتجذيرها, والإنتقال بها من (حالة الآداء الفردي) الى (حالة الآداء الجماعي), ومن (حالة الممارسة العفوية) الى (حالة الممارسة النوعية), ومن صعيد (مناقشة) المشاريع الى صعيد (تقديم) المشاريع التي من شأنها أن تخدم الهدف النيابي.

وتنتقل بالمشروع النيابي الى حيز التطبيق..

وسأقد في هذا الموقع عدداً من الموضوعات المتعلقة بالفقه السياسي والنيابي.. مروراً بالعملية الإنتخابية (سياساتها ووسائلها وآليتها ونتائجها)..

وقبل أن اختم هذه المقدمة, اتمنى على النواب الإسلاميين جميعاً أ يكتبوا تجاربهم, إغناء لهذا المسار وتأصيلاً وتفعيلاً لدوره, وتحقيقاً لتميزه..

أسأل الله تعالى: السداد في التفكير والتصور, كما في العمل والممارسة, كما أسأله تعالى أن يجنبنا منزلقات هذا المسار وشوائبه, وعلى الله قصد السبيل, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

لماذا مشاركة الإسلاميين في المجالس التشريعية؟

د.فتحي يكن

ان قرار الإسلاميين, دخول المجالس التشريعية, ووصول نواب الحركة الإسلامية إلى (البرلمان) غدا أمراً بديهياً, ارتفع في حكمه الشرعي من مستوى (الجواز) إلى مستوى (الوجوب).

قديماً – وفي ظل ظروف غير هذه الظروف – كان هناك شبه تحفظ حوا شرعية المشاركة في المجالس التشريعية (في الدول ذات الأنظمة الوضعية) فضلاً, عن ان الظروف التي احاطت بالساحة الإسلامية كانت صعبة ومعيقة, وهذا ما جعل بعض تك المحاولات تفشل كلياً في بعض الأقطار, وتنجح نسبياً في أقطار أخرى.

ولكن, بالرغم من تغير الظروف السياسية والأمنية بشكل عام, واتساع رقعة المد الإسلامي, فقد بقي موضوع (مشروعية المشاركة) قائماً ولفترة قريبة.

هذا بصرف النظر عن وجود فئات لا تزال تعتبر المشاركة في هذه الجالس عملاً غير شرعي...

وعلى أية حال, وبالرغم من اجماع الاسلاميين على (جواز المشاركة) فقد خضعت الخطوة, وخضع قرار المشاركة في لبنان, لدراسة شرعية متأنية قبل الإقدام عليها عام 1992م.


مبررات شرعية تبعية

لن أعرض هنا للدراسة التي أصدرتها (الجماعة الإسلامية في لبنان) والتي ضمنتها رأيها الشرعي في الإنتخابات النيابية, وإنما سأتناول عدداً من النقاط والمبررات الشرعية التبعية والتي ترتفع بمجموعها بحكم المشاركة من درجة الجواز إلى درجة الوجوب...

المبرر الأول: اعتبار العمل النيابي, اسلوباً من اساليب (الحسبة) ومنبراً من منابر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وبخاصة ان كان الاعتماد في الحسبة على (التغير باللسان) وليس بالقوة...

والمعروف أن الحسبة واجب شرعي عيني, يمكن أن يكون باليد وله شروطه, ويمكن أن يكون بالكلمة وله شروطه, كما يمكن أن يكون بالقلب, وهذا الذي لا يعذر المسلم بتركه...

المبرر الثاني: إن المشاركة في المجالس النيابية لا يلزم بقبول أي موقف تشريعي أو سياسي يخالف الشرع, فللنائب أن يعارض وله أن يقدم البديل, وأن ينتقد أو يقاطع وينسحب... وهذا يعني أن الأصل في الممارسة (الإباحة) وجوازها وعدم جوازها إنما يتعلق بالموقف والممارسة...

فإذا كانت الممارسة شرعية وبقصد تسديد السياسات وترشيد القوانين وإصلاح النظام بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية, فيصبح القيام بذلك واجباً, وعدم القيام به مع القدرة والإستطاعة هروباً من المسؤولية وترك هذه المواقع لمن أن يسخروها لمحاربة الإسلام والمسلمين, وأن يستلبوا حقوق الضعفاء والمحرومين من أي ملة كانوا, لأن مقاصد الشرع تحقيق العدالة والمساواة, ورفع الظلم والقهر والتسلط عن عباد الله أجمعين, مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم (الخلق كلهم عيال الله, احبهم إليه أنفعهم لعياله).

المبرر الثالث: ان المشاركة في المجلس النيابي, باب من أبواب الدعوة إلى الإسلام, وعرض أفكاره ومبادئه, من خلال المناقشة والحوار والاحتكاك بالآخرين... بل هي منبر من أقوى المنابر الدعوية وأعملها وأشملها وأفعلها, في إيصال الصوت الإسلامي إلى كل كل الناس على مختلف طوائفهم ومذاهبهم ومواقعهم العلمية والسياسية والنقابية والمهنية... إنها فرصة لعرض المشروع الإسلامي من جوانبه المتعددة ومفرداته المختلفة...

المبرر الرابع: ان المشاركة النيابية من شأنها توفير الكثير من الفرص لتحقيق مصالح الناس, ودرء المفاسد عنهم... ان من شأنها تحقيق الإنماء المتوازن والإعمار المتوازن وتكافؤ الفرص امام الجميع...

والخلاصة... ان مشاركة الإسلاميين في المجالس التشريعية – وفي كل الأحوال – بات ضرورة ملحة تفرضها إعتبارات متعددة منها:

·الانتقال بالطرح الإسلامي من المستوى النظري التجريدي إلى المستوى العملي التجريبي...

·تعريف الغير بالمشروع الإسلامي, بأصالته ونقائه ومرونته وخصائصه المختلفة, وبخاصة بعد ما أصابه من تشويه مفتعل ودخيل, ومن خلال ممارسات شاذة وغير صائبة, وغبية وغير حكيمة ولا ذكية...

·الانتقال بالحركة الإسلامية من إطار (الشريحة التنظيمية) إلى إطار الحالة الجماهيرية, وبالتالي تطوير (الطرح) و (الخطاب) و (الممارسة) تطويراً نوعياً وكمياً, من شأنه أن ينتقل بها من قيادة (النخبة) إلى قيادة (الامة).

·تعبئة الفراغ الذي خلفه سقوط التيارات اليسارية المختلفة, والتي كانت وإلى فترة ليست ببعيدة مصادرة للقرار السياسي بإسم المسلمين...

·تحقيق حالة الإنسجام مع (المد الإسلامي) التنامي في كل مكان, والذي يتهيأ لأخذ دوره على كل صعيد, وليقوم بطرح السلام كبديل حضاري وتشريعي وحيد للبشرية برمتها...

انه لم يعد مقبولاً, أن تبقى الساحة الإسلامية بعيدة عما يجري.. وغير عابئة أو مشاركة أو صانعة لما يجب أن يجري, أو لما يمكن أن يجري.

ان كل ذلك.. يفرض على الحركة الإسلامية: تطوير نفسها, وتأهيل (كوادرها وأفرادها) فضلاً عن قياداتها ومؤسساتها المختلفة لتكون في مستوى العصر وأسلمة العصر...


درء المفاسد

ومقابل كل ذلك.. فإن المشاركة النيابية الإسلامية يمكن ان تدرأ الكثير من المفاسد.. فعلى سبيل المثال يمكن ان يحقق الاداء النيابي التالي:

·ما يمكن تقويمه من سياسات تربوية من شأنها ان تنعكس إيجاباً على تكوين أجيال مسلحة بالعلم والإيمان والأخلاق..

·ما يمكن تقويمه من سياسات إعلامية من شأنها ان تنتقل بوسائل الإعلام من حالة التخريب إلى حالة البناء..

·ما يمكن تقويمه من سياسات إقتصادية من شأنها ان تحقق الكفاية والرفاه والعيش الكريم, وبخاصة في نطاق الضرورات الثلاث: (التعليمية) و (الطبية) و (الغذائية).. إضافة إلى ما يمكن إستحداثه من مؤسسات مصرفية (غير ربوية) تدفع الحرج الشرعي عن المسلمين والمتورعين عن التعاطي الربوي..

·ما يمكن تقويمه من سياسات مسلكية – من خلال تقديم مشاريع قوانين – من شأنها الحد من التداعيات الأخلاقية, وكبح جماح ظواهر العهر والفجور, وتعاطي (المخدرات, وكافة الإدمانات الكحولية والتبغية), ومن خلال تحصين الأجيال ودفعها لتمسك بالقيم الدينية والمكارم الأخلاقية.

·ما يمكن تقويمه من سياسات بيئية من شأنها التخفيف من الأخطار الناجمة عن تخلف اساليب التخلص من النفايات, ودخان المصانع, والسيارات, وغبار المقالع, إضافة إلى المخاطر الناجمة عن شركات ومستودعات الغاز والنفط المتجاوزة لأبسط قواعد المحافظة على الاعتبارات البيئية والصحية والأمنية..

·ما يمكن تحقيقه في (المجال السياسي) من مواجه للمشاريع التقسيمية والتطبيعية والأستسلامية, التي لا تفتأ تمارسها إسرائيل, كما تمارسها الدول الكبرى بشكل وبآخر..

·الإرتقاء بالحس الوطني والجهادي الذي من شأنه ان يوفر حداً مقبولاً في مواجهة مشاريع (التغريب), والهيمنة والتسلط) التي يمارسها النظام الدولي وقوى الإستكبار في العالم.


البرلمان المصري الجديدأسير" الوطني" و"الإخوان"

مجلس الشعب المصري

لا يشبه المشهد السياسي المصري شيئاً مما كان عليه قبل خمسة أسابيع، لدى بدء الانتخابات التشريعية، التي اختتمت آخر معاركها الدموية امس الاول، بقتلى وجرحى، وأغلبية مريحة للحزب الوطني الحاكم.

ثمة تحولات طالت خريطة القوى السياسية، سواء عبر إنتاج تركيبة برلمانية لم يعرف المجلس نظيراً لها منذ تجربة <<التعددية السياسية>> التي دشنها الرئيس السابق أنور السادات بالمنابر الثلاثة اليمين والوسط

واليسار العام 1976، وعبر تحريك مياه طال ركودها في أحزاب المعارضة الرسمية، التي تضربها خلافات حادة بين قيادات باتت منفصلة عن واقع يومي ومجتمع يتغير، ما ينذر بأن فترة ما بعد الانتخابات، ستكون حبلى بانقسامات وانشقاقات، وربما ظهور أحزاب جديدة.

ويبدو حزب الوفد الليبرالي أكثر حزب مرشح لأن يشهد تغييرات قوية.

وبحسب قيادييه، أمام رئيس الحزب نعمان جمعة خياران، <<الرحيل أو التغيير>>.

وفي حسابات الربح والخسارة، بدا أن الحزب الوطني الحاكم وجماعة الاخوان المسلمين، هما الرابحان الأكبران في المعركة الانتخابية.

ف<<الوطني>> حصد أغلبيته المريحة، وبلغ نصيبه 331 مقعداً (حوالى 73 في المئة)، وذلك بعد انضمام أعضائه السابقين الذين ترشحوا كمستقلين، حين رفض الحزب ترشحيهم على قوائمه.

ومن دونهم، ما كانت لتزيد حصته النيابية عن 145 مرشحا فائزا، من أصل 444 وضعهم الحزب على قوائمه.

وبالتالي، سجل الحزب تراجعا عن الانتخابات الماضية عام 2000، حين فاز 38 في المئة من مرشحيه، مقابل 33 في المئة في الانتخابات الاخيرة، على الرغم من أنه سيحتفظ بهيمنته على البرلمان، وإن أشار بعض المراقبين إلى أن كتلة المستقلين التي انضمت الى الحزب وحفظت له أغلبيته التي تؤهله لتمرير التشريعات من دون عرقلة المعارضة، ستظل <<كتلة قلقة>>، لا سيما أن هناك تقارير أفادت بأن بعضاً من هؤلاء المستقلين، رهنوا عودتهم بحدوث تغييرات هيكلية في قيادات الحزب.

وبالتالي، هناك احتمال أن ينشق هؤلاء عن الحزب، في حال عدم تلبية مطالبهم.

ولا يبدو الحال داخل صفوف الحزب الوطني أفضل منه داخل المعارضة.

فهناك كلام كثير وانتقادات حادة، وما هو أشبه بالحملة الصحافية المنظمة التي يوجهها بعض الكتاب المحسوبين على تيار جمال مبارك داخل الحزب، ضد من يسمونهم ب<<عواجيز الحزب الوطني>>، الذين أثبتوا فشلاً ذريعاً في إدارة الانتخابات.

ويُحمل هؤلاء مسؤولية ما حل بمشروع جمال مبارك الإصلاحي من انتكاسة، بالاضافة الى فقدان الثقة، لا سيما من قطاعات واسعة من النخبة، وحتى ممن جندهم جمال مبارك في لجنة السياسات بحجة تحقيق الإصلاح من الداخل.

وهناك حديث صريح عن ضرورة تنحية أسماء، مثل الأمين العام للحزب صفوت الشريف، والأمين العام للتنظيم كمال الشاذلي، ورئيس مجلس الشعب فتحي سرور.

وكلها أسماء يعتبر الإصلاحيون أنها باتت عبئا على الحزب.

جماعة الإخوان، التي رفعت عدد مقاعدها بانتهاء الجولة الأخيرة إلى 88 مقعداً (حوالى 20 في المئة)، على الرغم من الحرب القاسية التي شنت ضد كوادرها وعناصرها الانتخابية، حققت ما وصف ب<<أكبر إنجاز برلماني وسياسي للجماعة>> منذ نشأتها العام 1928.

وليس في الأمر مبالغة، فالاداء الانتخابي ل<<الإخوان>> الذي أنتج حضوراً مهماً في البرلمان، دحض محظورية الجماعة القانونية، واضفى عليها شرعية سياسية مدعومة بتصويت شعبي واضح.

لكن هذا <<الزحف الاخواني>> على البرلمان، سيظل قاصراً عن المشاركة في تمرير القوانين، وسيقتصر دوره على المعارضة من دون القدرة على اتخاذ قرار، لكونه حتى مع قوى المعارضة الأخرى، لم يصل الى الثلث المعطل.

غير أنه سيكون بإمكان كتلة <<الإخوان>>، أن تطالب بسحب الثقة من الحكومة، فلائحة البرلمان تعطي الحق ل10 في المئة من الأعضاء، بتقديم طلب سحب الثقة.

كما سيحاول <<الإخوان>> أيضا التنافس على رئاسة اللجان البرلمانية، التي يبلغ عددها 19 لجنة، بعدما كانت حكراً على أعضاء الوطني.

هذا <<النصر>> الاخواني سوف يفرض على الجماعة التحدي الأكبر في التعاطي مع بقية تشكيلات المعارضة السياسية، من دون فخر أو تباه وضرورة أن تحرص الجماعة على طمأنة قطاعات في المجتمع أفزعها هذا النجاح الانتخابي المفاجئ.

وقد بدا أن هناك توجهاً بهذا المعنى، حيث وجه عضو مكتب الإرشاد في الجماعة عبد المنعم أبو الفتوح، ما وصفه ب<<رسالة الإخوان المسلمين لأقباط مصر>>.

وهي مقالة حملت عبارات تطمينية ودعت الأقباط الى عدم الاستماع <<لمن يريد عزلكم وراء الأسوار ليحجب صوتكم ويعلو صوته>>، مضيفاً أن <<الإخوان>> طيلة تاريخهم لم يعرف عنهم الإساءة للأقباط.

وتأتي هذه الرسالة في وقت اشتد الجدل حول <<الغياب القبطي>> الواضح من صفوف المجلس، حيث لا يوجد سوى قبطي واحد، هو وزير المال يوسف بطرس غالي.

وتعالت دعوات بضرورة أن يتم تعويض الأقباط عبر تعيين أحد وكلاء البرلمان من الشخصيات القبطية، كما أن الرئيس حسني مبارك يحق له تعيين عشرة أعضاء، وعادة ما يكون من بينهم شخصيات قبطية.

وكما الغياب القبطي، فإن الحضور المتواضع لأحزاب المعارضة المدنية داخل البرلمان (الوفد ستة مقاعد والتجمع مقعدان وبقية أركان الجبهة الوطنية للتغيير أربعة مقاعد أخرى)، على الرغم من فوز المرشح الناصري حمدين صباحي، كان لافتاً.

والغياب الواضح لرموز اليسار مثل البدري فرغلي وأبو العز الحريري وخالد محيي الدين، الذين كانوا المدافعين عن المسألة الاجتماعية وقضايا الفقر والبطالة والخصخصة، أثار تخوفات من احتمال تراجع اهتمام المجلس بالقضايا الاجتماعية، في بلد يقع 40 في المئة من سكانه تحت خط فقر مدقع.

بالاضافة الى ان خصوم <<الإخوان>>، يدفعون بأنه لا فرق بين رؤية جماعة الإخوان و<<الوطني>> الاجتماعية والاقتصادية.

وأثارت نتائج الانتخابات، ربما قبل أن تنتهي، حالة من الجدل الحاد حول التركيبة البرلمانية الجديدة وتأثيرها على الحياة السياسية في مصر.

ونسي أو تناسى كثيرون أن البرلمان بحالته تلك، لا يمتلك من الصلاحيات ما يؤهله لأن يلعب دوراً حاسماً في صنع القرار السياسي.

فالرئيس بحكم صلاحياته، ما زال بإمكانه الدعوة الى حل البرلمان عبر استفتاء شعبي نتيجته معروفة سلفاً.

لكن النقاش الحاد الذي طال التركيبة البرلمانية الجديدة، اعتبر أن اللعبة السياسية ستكون أسيرة الصراع بين <<الإخوان>> و<<الوطني>> على قضايا الإصلاح السياسي، وهو أمر يختزل العملية السياسية برمتها، ويتجاهل الثقل السياسي لجماعات خارج أطر الحزبية، مثل الجماعات الحقوقية والقضاة وحركات الاحتجاج السياسي، وهي كلها جماعات أثبتت فعاليتها في تحريك الجمود السياسي في البلاد.

وتنتظر البرلمان الجديد حزمة ثقيلة من التشريعات المهمة، منها قانون سلطة القضاء وقوانين النشر وتعديل صلاحيات الرئيس وزيادة صلاحيات البرلمان ورئاسة الوزارة.

ويعتقد بعض المراقبين أن وجود <<الإخوان>> بهذا الثقل، من شأنه أن يمنح الحزب الوطني غطاءً مهماً لتمرير ما يريد من قوانين فوق رؤوس <<الإخوان>>، وربما تكون قضية تقنين سيناريو التوريث، أحد هذه القوانين.

وتعليقاً على نتائج الانتخابات، قال نائب المتحدث باسم الخارجية الأميركية آدم اريلي، ان عملية الانتخاب كانت <<معيبة>> لكن نتائجها إيجابية، بما أنها <<تمثل توسعا لتمثيل المعارضة والمرشحين المستقلين في البرلمان المصري، ونعتقد ان ذلك سيكون له أثر ملموس على الحياة السياسية في مصر>>، كما أن ذلك يدل على أن <<التعددية والديمقراطية خطت خطوة الى الأمام في مصر>>.

وفيما عبّر عن انزعاج واشنطن من <<حوادث العنف العديدة والمنتشرة والتحرش والترهيب>>، شدد اريلي على أن بلاده <<ستحترم القانون المصري>> ولن تتعامل مع الجماعة المحظورة، غير أن <<مرشحيها انتخبوا كمستقلين، وبالتالي لن تكون هناك توصية أميركية بعدم التعامل معهم>>.

(أف ب + رويترز)


مصر : البداية الأولى في عام 1942م

لماذا يشترك "الإخوان المسلمون" في الانتخابات ؟

بقلم: الامام الشهيد حسن البنا

كتب الإمام الشهيد حسن البنا مقالاً رائعاً نشرته مجلةالإخوان المسلمون في عددها الصادر في 18/11/1363هـ الموافق 4/11/1944م، يجيب فيه على التساؤل الذي ما زال مطروحاً عند البعض إلى الآن وهو: لماذا يشترك "الإخوان المسلمون" في الانتخابات؟

يقول حسن البنا: "الإخوان المسلمون" كما عرف الناس، وكما أعلنوا عن أنفسهم مراراً، جمعية للخدمة العامة، ودعوة إصلاحية تجديدية تقوم على قواعد الإسلام وتعاليمه.

فأما أنهم جمعية للخدمة العامة، فذلك هو الواضح من ممارستهم في شعبهم لأنواع هذه الخدمة، من ثقافة، وبر، وإحسان، ورياضة، وإصلاح بين الناس، وإقامة للمنشآت، ما بين مساجد، ومعاهد، ومشافي، وملاجئ في حدود طاقتهم ومقدرتهم.

وأما أنهم دعوة إصلاحية، فذلك أن لب فكرتهم وصميمها أن يعود المجتمع المصري والمجتمعات الإسلامية كلها إلى تعاليم الإسلام وقواعده التي وضعها في كل شؤون الحياة العملية للناس.

وعماد الدعوة لتنجح وتظهر، تبليغ واضح دائم يقرع بها أسماع الناس، ويصل بها إلى قلوبهم وألبابهم، وتلك مرحلة يظن "الإخوان المسلمون" أنهم وصلوا بها في المحيط الشعبي إلى حد ما من النجاح ملموس، مشهود، وبقي عليهم بعد ذلك أن يصلوا بهذه الدعوة الكريمة إلى المحيط الرسمي، وأقرب طريق إليه "منبر البرلمان" فكان لزماً على الإخوان أن يزجوا بخطبائهم ودعاتهم إلى هذا المنبر، لتعلو من فوقه كلمة دعوتهم، وتصل إلى آذان ممثلي الأمة في هذا النطاق الرسمي الحدود، بعد أن انتشرت فوصلت إلى الأمة نفسها في نطاقها الشعبي العام، ولهذا قرر مكتب الإرشاد أن يشترك الإخوان في انتخابات مجلس النواب.

وإذن فهو موقف طبيعي لا غبار عليه، فليس منبر البرلمان وقفاً على أصوات دعاة السياسة الحزبية على اختلاف ألوانها، ولكنه منبر الأمة تسمع من فوقه كل فكرة صالحة، ويصدر عنه كل توجيه سليم، يعبر عن رغبات الشعب، أو يؤدي إلى توجيهه توجيهاً صالحاً نافعاً.

فوائد جليلة: وسيفيد الإخوان من هذه الخطوة فوائد جليلة.. سيفيدون على أسوأ الفروض انتهاز هذه الفرصة لنشر الدعوة في هذا المحيط الذي تعترك فيه الفكر، وتشتجر فيه الآراء، وما كان لدعوة الحق الكريم أن يخفت صوتها في وقت تعلو فيه كل الأصوات، ويختلط فيه الحابل بالنابل، ولا قيام للباطل إلا في غفلة الحق.

وسيفيدون بعد ذلك أن يفهم الناس أن دعوتهم لا تقف عند حدود الوعظ والخطابة، ولكنها تحاول أن تشق طريقها إلى المنابر والمجتمعات الرسمية، وأن على المؤمنين بهذه الدعوة أن يهيئوا أنفسهم لهذا الميدان، وأن يستعدوا لخوض غماره.

وسيفيدون إرشاد الناس في هذا المظهر الكريم من مظاهر التنافس الفاضل الشريف في هذا الميدان، ستقوم دعاية الإخوان على المبادئ والأهداف، وسيرى الناس أمامهم لوناً فريداً جديداً من ألوان الدعاية الانتخابية البريئة المطهرة تستمد من قول الله تبارك وتعالى:(يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون)، هذه فوائد مقطوع بها مهما كانت النتيجة الانتخابية، وسيفيد الإخوان بعد ذلك – إذا قدر لهم النجاح – وهو المأمول إن شاء الله، هذه الصفة الرسمية لدعوتهم، وهذا التسجيل الرسمي لنجاحهم في وصولها إلى آذان الشعب ومداركه.

ودعايتهم وفكرتهم التي اختلطت بصميم نفوسهم وأرواحهم، وعدتهم إيمان أنصارهم بأحقية الفكرة بأن تقود الأمة وتهدي الناس سواء السبيل.

ويتساءل فريق من الناس فيقولون: أليس معنى هذا الاشتراك أن الإخوان سيخرجون من حيزهم الديني إلى حيز سياسي، فيصبحون هيئة سياسية بعد أن كانوا هيئة دينية؟

ونقول لهؤلاء إن الإسلام لا يعترف بهذا التفريق بين الأوضاع في حياة الأمة الواحدة، فالهيئة الدينية الإسلامية، مطالبة بأن تعلن رأي الإسلام في كل مناحي الحياة، والطريق البرلماني هو أقرب الطرق وأفضلها لهذا لإعلان، ولا يخرجها هذا عن صفتها ولا يلونها بغير لونها.


معركة انتخابية مثالية

وتقول طائفة ثالثة: أليس هذا التنافس مما يكسب الإخوان أعداء ومنافسين، والدعوة أحوج ما تكون إلى مصادقة الجميع وتأييد الجميع؟ ..

وذلك كلام طيب جميل، ونحن أحرص ما نكون على أن تظفر الدعوة بهذا الموضع من القلوب، وستكون المعركة الانتخابية الإخوانية معركة مثالية في البعد عن المثالب الشخصية، أو إثارة الأحقاد والحزازات، فإذا فهم الناس هذا المعنى، وبادلونا إياه، فسندخل أصدقاء، ونخرج أصدقاء، وإذا لم يفهموه ولم يقدروه فهم الملومون، وليست الدعوة ولا أصحاب الدعوة بمكلفين بأن يتجنبوا طرائق نجاحها خشية الناس، واله أحق أن نخشاه.

ويوجه بعض المتسائلين سؤالاً جميلاً، فيقولون: وماذا تصنعون في اليمين الدستورية إذا نجحتم، وفيها النص على احترام الدستور إذا نجحتم، وفيها النص على احترام الدستور، وأنتم معشر الإخوان تهتفون من كل قوبكم "القرآن دستورنا؟"

والجواب على ذلك واضح مستبين، فالدستور المصري بروحه وأهدافه العامة من حيث الشورى وتقرير سلطة الأمة، وكفالة الحريات، لا يتناقض مع القرآن، ولا يصطدم بقواعده وتعاليمه، وبخاصة وقد نص به على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام، وإذا كان فيه من المواد ما يحتاج إلى تعديل أو نضوج، فقد نص الدستور نفسه على أن ذلك التعديل والنضوج من حق النواب بطريقة قانونية مرسومة، وتكون النيابة الرلمانية حينئذ هي الوسيلة المثلى لتحقيق هتاف الإخوان.

وبعد.. فقد اختار مكتب الإرشاد العام هذا وجوهه، وهو مع ذلك يرقب سير الأمور عن كثب، وسيرسم للإخوان طريق اشتراكهم في هذه الانتخابات على ضوء ما سيرى من ظروف وملابسات، وسيكون رائدة في ذلك الحكمة التامة، ومراعاة الظروف العامة والخاصة، وأن يكتسب للدعوة أعظم الفوائد بأقل التضحيات، والأمر بيد الله، وهو حسبنا ونعم الوكيل.


تجربة "الإخوان المسلمون" تحت قبة البرلمان المصري

خاضت الحركة الإسلامية في مصر التجربة البرلمانية في وقت مبكر نسبياً، ففي قرار المؤتمر السادس لـ "الإخوان المسلمون" المنعقد في ذي الحجة 1361هـ - 1942م أعلنت الجماعة أن الدعوة "وصلت في المحيط الشعبي إلى حد من النجاح ملموس ومشهود، وبقي عليها بعد ذلك أن تصل إلى المحيط الرسمي"، وبالتالي كان قرار المشاركة في انتخابات عام 1942م، لكن الظروف السياسية التي كانت تمر بها مصر أثناء الاحتلال البريطاني وأثناء الحرب العالمية الثانية، حالت دون فوز الإخوان أو حتى قبول ترشيح مرشدهم الشيخ حسن البنا في دائرة الاسماعيلية، ثم شارك الإخوان مرة أخرى في انتخابات البرلمان "مجلس الأمة" 44/1945م، لكن التزوير في هذه المرة كان فاضحاً، مما أدى إلى سقوط حسن البنا بعد تدخل الانكليز..

ولم تذكر لنا المراجع، هل وصل نواب من الإخوان إلى مجلس الأمة في تلك الفترة أم لا، ثم دخلت الجماعة بعد ذلك في أزمات مع السلطة انتهت بمقتل المرشد العام في فبراير 1949م، ودخولها في صراع غير متكافئ أبعدها تماماً عن العملية السياسية حتى السبعينيات.

وفي أعقاب خروج بعض قيادات الإخوان من السجون يبن عامي 71-1975م، وتولي الأستاذ عمر التلمساني قيادة الحركة، استطاع بأسلوبه الهادئ والدؤوب والعملي، أن يلملم صفوف الإخوان من جديد، وأن يعبر جسر المحنة مع الواقع والسلطة، حتى نجح في أواخر السبعينيات في أن يصل إلى قلوب وأسماع الناس، وإلى مواقع كثيرة للتأثير الجماهيري، خصوصاً داخل الجامعات المصرية التي كانت تغص آنذاك – وإلى الآن – بالشباب الواعد، المهيأ والمتفاعل، والمتشوق للعمل الإسلامي، وتطبيق الشريعة، ولم يكد عقد السبعينيات ينتهي حتى كانت حركة "الإخوان المسلمون" قد امتلكت قاعدة جماهيرية شبابية لا بأس بها، حتى إن الرئيس السادات انقلب يهاجمها في خطبة الأخيرة بشكل دائم، وسرعان ما اعتقل قيادات الجماعة ورموزها وعلى رأسهم عمر التلمساني في أحداث سبتمبر الشهيرة في عام 1981م، وقبيل اغتياله بشهر واحد.


بداية التفكير في خوض الانتخابات

بعد أن خرج عمر التلمسانيالمرشد العام الثالث لـ "الإخوان المسلمون" من المعتقل اتجهت نيته إلى الدخول في العمل العام والمشاركة في الحياة السياسية حتى يبعد الجماعة عن شبهة العمل السري، إلى فرض الأمر الواقع، ونجح في إقناع قيادات الحركة وأفرادها بأهمية خوض الانتخابات التي جرت في 27 مايو 1984م، وتم التنسيق مع حزب الوفد الجديد، الوليد يسعى إلى الاستفادة من الانتشار الجماهيري الذي بدا واضحاً للإخوان، بينما وجدت الجماعة فيه الإطار القانوني لخوض الانتخابات التي جرت لأول مرة وفق نظام القوائم الحزبية.

الدكتور سعد الدين ابراهيم – أستاذ الاجتماع بالجامعة الأميركية والمتخصص في الصحوة الإسلامية – كتب مقالاً في صحيفةالجمهورية، في ذلك الوقت وصف فيه قرار الإخوان بالمشاركة في الانتخابات بأنه أخطر قرارات الحركة منذ اغتيال مؤسسها حسن البنا، مؤكداً أن هذه المشاركة دفعت إلى اعتبار الحركة "واحدة من أخطر القوى السياسية في مصر الآن وأكثرها تأثيراً"، وبالرغم من القيود التي فرضها حزب الوفد على وضع أفراد الإخوان في القوائم، والضغوط التي مارستها السلطة بشكل مباشر أو غير مباشر، فقد نجح 9 من قيادات الجماعة في الوصول إلى مجلس الشعب في انتخابات عام 1984م، إلا أن حصاد الخبرة الانتخابية والبرلمانية كان كبيراً، مما مهد لنجاح الحركة في التحالف مع حزبي العمل

والأحرارفي انتخابات ابريل 1987م، والتحرر من القيود المفروضة عليها في ترتيب القوائم بعد الصورة الضخمة التي ظهرت بها في انتخابات 1984م، وبالتالي نجاحها في الفوز بـ 36 مقعداً كان يمكن أن تتضاعف لو أن الحكومة نفذت الأحكام القضائية النهائية التي صدرت لصالح المعارضة بشكل عام، وحصلت الحركة على أكثر من مليون صوت انتخابي من بين حوالي ستة ملايين شاركوا في انتخابات 1987م، مما دفع اللواء زكي بدر – وزير الداخلية – وقتها إلى الاعتراف بأن الإخوان كانوا "الأكثر تنظيماً، والأقدر دعاية".

وكان قرار جماعة الإخوان برفض المشاركة في الانتخابات البرلمانية دورة 90 – 1995م، حافزاً لبقية أحزاب المعارضة الرئيسية (الوفدالعملالأحرار) للامتناع عن المشاركة كذلك، بينما كان إعلانها بالمشاركة في هذه الدورة (19952000) حافزاً أيضاً لمشاركة أحزاب المعارضة.


"الإسلام هو الحل"

شعار "الإسلام هو الحل" كان له مفعول السحر في نفوس أبناء الشعب المصري أثناء انتخابات 1984م، وبقوة أكثر في انتخابات 1987م، ولم تدخل الحركة في تفاصيل كثيرة حول هذا الشعار لكنها في 1987م أعلنت عن برنامج "التحالف الإسلامي" من عشر نقاط، يتناول الحريات، والديمقراطية، وتطبيق الشريعة الإسلامية، والإصلاح الإقتصادي، والإهتمام بالشباب، وإيجاد حلول عملية لمشاكل الشعب، ركزت الجماعة على العموميات، وعلى أن نوابها هم نواب عن الأمة، لكنها وجدت من الصعوبة تجاهل مصالح أبناء الشعب الخاصة في مختلف الدوائر، حيث اعتاد الناس الذهاب إلى نائب الدائرة لتزكية طلب أو للبحث عن عمل أو لاستخراج رخصة.. الخ، خصوصاً وأن الأوضاع الاقتصادية الضاغطة، تجعل من تجاهل هذه المصالح أمراً شاقاً.


أسلوب ممارسة الإخوان للعمل البرلماني

يقول الأستاذ أحمد سيف الإسلام حسن البنا – الذي كان عضواً بارزاً في الهيئة البرلمانية لـ "الإخوان المسلمون" (87 – 90) عن أسلوب ممارسة الإخوان للعمل البرلماني:

(حرصنا منذ البداية على المشاركة بعضو أو أكثر في كل لجان المجلس، حتى نتمكن من معرفة ما يجري في الكواليس، ونشارك في الحديث في كل الموضوعات المطروحة، ونحاول التأثير قدر الاستطاعة في الموضوعات المطروحة، خصوصاً في المجالات الأساسية مثل التعليم والإعلام وتطبيق الشريعة، والحريات العامة، وغيرها، وقامت سياستنا على امتداح المواقف الجيدة للحكومة إلى الدرجة التي قال فيها الأستاذ إيهاب مقلد – وكيل مجلس الشعب – "أشهد أنه لأول مرة ترى مصر هذه المعارضة الموضوعية الوطنية الجادة الحريصة على مصلحة الوطن أولاً وأخيراً").

ويضيف سيف الإسلام:

(كنا دعاة إلى الإسلام قبل أن نكون نواباً معارضين، وبالتالي كان تأثيرنا الفكري والمعنوي يفوق عددنا بشكل كبير، فقد كان عددنا يمثل حوالي 8% فقط من تعداد المجلس).

وقد نجح "الإخوان المسلمون" في التأثير المباشر وغير المباشر في كثير من قرارات ومواقف النواب داخل البرلمان، لكن أبرز نجاحاتهم على الإطلاق – كما يقول النائب السابق مختار نوح – كانت في انتزاع قرار من رئيس المجلس "الدكتور رفعت المحجوب وقتها" بأنه "لن يصدر قانون يخالف الشريعة الإسلامية، وأن أي قرار أو قانون لا بد من التأكد من عدم مصادمته للشريعة قبل إقراره"، أيضاً نجحوا في طرح قضايا لم يكن من الممكن طرحها على أعلى منبر سياسي مثل قضايا الحريات، والمعتقلين، والأمن، وأوضاع الدعوة الإسلامية، ومواجهة الفساد.. الخ.


الحديث في كل المجالات

تحدث نواب الإخوان في القضايا الرئيسية، مثل سياسة التعليم ودورها في مستقبل الأمة، والحريات السياسية والعامة، وحق المواطن في خدمة صحية أفضل، كما تناولوا السياسة الخارجية والعلاقات المصرية – العربية، ودور مصر في المنطقة، والموقف من العدو الصهيوني، والعلاقات مع أميركا، بالإضافة إلى قوانين تطبيق الشريعة، وأوضاع الإعلام..

ولم يكن هناك إهمال للقضايا التي تخص الدوائر الانتخابية مثل إصلاح المرافق العامة، والتيسير على المواطنين، وحماية الحقوق، وتوفير حياة كريمة لأبناء الشعب، وكان نواب الحكومة أو بقية الأحزاب الأخرى يندهشون من حسن إعداد نائب الإخوان للموضوع الذي يتحدث فيه، والاقتراحات العملية البناءة التي يقدمها، حتى وصل الأمر بأن يتقدم الدكتور أحمد فتحي سرور "وزير التعليم وقتها، ورئيس البرلمان الحالي"، بالشكر إلى النائب الإخواني مختار نوح على حسن عرضه لاستجوابه المدعم بالوثائق والمستندات، ويتعهد أمام المجلس بالاستفادة من كل الملاحظات والآراء التي طرحها السيد المستجوب، ولم يسع المجلس إلا التصفيق بحرارة للطرفين، وشكل ذلك درجة عالية من الممارسة البرلمانية الهادفة، مما دفع الآخرين للاستفادة من هذا الأسلوب.

وبرغم التعتيم الإعلامي والتضييق العام، إلى الدرجة التي دعا فيها بعض صحفيّ الحكومة إلى منع عرض تقرير من مجلس الشعب في التلفزيون تحت زعم أن النواب يتحدثون لكي يصورهم التلفزيون، لكن الهدف كان واضحاً، وهو منع الإخوان من الظهور على الشاشة الصغيرة، لما لذلك من تأثير واضح على آراء ومواقف جماهير الشعب، برغم ذلك فقد نجح نواب الإخوان في لفت نظر الرأي العام لآرائهم والموضوعات التي يطرحونها.


إضافات الممارسة البرلمانية للإخوان

ولكن ماذا أضافت الممارسة البرلمانية لأبناء الحركة، وللحركة بشكل عام؟ يقول الأستاذ محمد مهدي عاكف- عضو البرلمان السابق عن الإخوان: "بالنسبة للإخوان فقد أتاحت الممارسة البرلمانية لها عدة أمور:

أولاً: تبني قضية الإسلام والدفاع عنه باسم الشعب، وهو الهدف الأسمى للجماعة.

ثانياً: رد الاعتبار لها باعتبارها أكبر حركة وطنية إسلامية محرومة من الغطاء القانوني، والحديث عنها وعن أهدافها أمام ممثلي الأمة، وإزالة الحواجز التي صنعتها الحكومات بينها وبين الناس.

ثالثاً: اكتساب الحركة لخبرات ومهارات كانت بعيدة عنها، والوصول إلى موقع التأثير والتفاعل، ومحاولة التعامل مع القيادات السياسية بعيداً عن التقارير الأمنية المزيفة.

رابعاً: دخول الجماعة في مؤسسات الدولة الحديثة، ومعرفة كيفية إدارتها وقيادتها.

أما على مستوى الأفراد، فقد عمقت لديهم الفهم للعمل السياسي المنضبط بضوابط الشرع، وقدمت لهم رؤية أوسع للاحتكاك بمختلف فئات الشعب والوصول إلى مواقع وأماكن تجمعات لم يكن ممكناً الوصول إليها بدون الانتخابات.

"جماعة الإخوان المسلمون" تستعد الآن بشكل قوي لخوض الانتخابات القادمة المقرر إجراؤها في نهاية نوفمبر القادم وأوائل ديسمبر، ويعلق مصدر مسؤول بالحركة بقوله: "سوف تكون هذه الانتخابات محصلة لسائر الخبرات والمواقف التي اكتسبتها الحركة طوال العشر سنوات الماضية، ونأمل أن يتاح قدر من الحريات ليقول الشعب المصري كلمته".


التجربة البرلمانية للحركة الإسلامية في تركيا

تجربة الإسلاميين البرلمانية في تركيا تختلف – دون شك – عن تجارب باقي الاسلاميين في مختلف الدول التي أتاحت لهم حرية العمل السياسي، إذ إن تجربة إسلامي تركيا بدأت منذ السماح بتعدد الأحزاب قبل نهاية الأربعينيات، وإن كانوا مختبئين في عباءات الحزب الديمقراطي بزعامة عدنان مندريس لصعوبة الإعلان عن هويتهم بشكل واضح في بلد علماني يرفض توظيف الدين في السياسة، ثم انتقلوا بعد إغلاق الحزب عام 1961م إلى حزب العدالة بزعامة سليمان دميريل، إلا أنهم قرروا التبلور في حزب إسلامي واضح المعالم بناء على نصيحة الشيخ النقشبندي محمد زاهد كوتكو، وكذلك بدعم من الطريقة القادرية، فتم تشكيل حزب النظام الوطني في 26 يناير 1970م، ليكون أول حزب يعلن رغبته في أسلمة الحياة في تركيا، ويدعو لسوق إسلامية مشتركة بدلاً من السوق الأوروبية، ويعارض النظام الربوي، ويركز على القيم الإسلامية للتنمية الوطنية.

المؤتمر الأوحد للنظام: وعقد "حزب النظام الوطني" أول مؤتمر عام له في 8 فبراير 1970م ليكون بذلك أول صوت إسلامي مميز منذ إعلان العلمانية في تركيا، وكان شعاره التوحيد، وتبنى حملة إعادة الأخلاق، ونادى بإقامة الصناعات الثقيلة الوطنية في تركيا، وقال نجم الدين أربكان – زعيم الحزب عند تأسيسه-: (إن من المؤسسين السلاطين العظام محمد الفاتح، وبايزيد، ومراد، وملكشاه..الخ) في إشارة إلى رغبة الحزب في استعادة مجد الخلافة العثمانية، وإحياء معانيها ثانية.

وبجانب أربكان الذي اختير نائباً مستقلاً عن "قونية" في 2 سبتمبر 1969م بعد أن استقال من حزب العدالة مع حسن أقصاي وحسام الدين أقمومجو، وسعودي رشاد صاروخان، وهم من الأسماء المعروفة في حزب العدالة كإسلاميين لسنوات، وإن كانت جماعة النورجانيين ظلت داخل حزب العدالة تدعمه بالنواب، وبالأصوات رغم أنها كتلة إسلامية هامة، ولذلك فإن بعض ممارسات نواب العدالة تدخل في إطار التجربة الإسلامية، وإن كان يصعب رصدها مثل تجربة السلامة والرفاه.

ومؤسسو حزب النظام هم: نجم الدين أربكان – نائب قونية، وأحمد توفيق باكسو – سناتور قهرمان مرعش السابق، أحمد حيدر أقصاي – محامي من أضنة، وسليمان عارف أمره – نائب أخيمان السابق، وأكرم أوجالي – نائب جومش خانه السابق، وحسن أقصاي – نائب أضنه السابق، وفهمي شمال أوغلي – نائب قيصري السابق، ثم انتقل نائبان من العدالة، ولم يكونا من المؤسسين هما: حسام الدين أقمومجو – نائب أسبرطة، وحسين عباس – نائب طوقاط، ليصبح بذلك عدد نواب حزب النظام الوطني 3 نواب.

وأعلن أربكان أن يتركيا 3 طرق:

الأول اليسار نهايته الشيوعية، ويمثله حزب الشعب الجمهوري.

الثاني الماسونية، ويوجد فيه حزب العدالة.

الثالث هو حزب النظام ويمثل الحق واليمين.

وقال: إنه يدعو الله أن يكون موعد إقامة الصلاة في جامع "أيا صوفيا" المغلق عام 1973م "تاريخ اجراء الانتخابات العامة"، ولم يحتمل العسكر بروز حزب النظام كصوت إسلامي، فجاءت ضربة 12 مارس 1970م، وكان ذلك انقلاب عسكري، وإن كان الحكم ظل مدنياً، وبقرار من المحكمة الدستورية أغلق حزب النظام تحت زعم عمل دعاية للشريعة، تم رصدها في 3 كتب، أصدرها جناح شباب أزمير المرتبط بالحزب، وبسبب الشعارات التي ترددت في المؤتمر العام، وسافر أربكان إلى سويسرا.


مرحلة حزب السلامة

بعد 17 شهراً من إغلاق حزب النظام، تم تأسيس حزب السلامة الوطني في 11 أكتوبر 1972م، بزعامة سليمان عارف أمره، إذ كان من الصعب تولية نجم الدين أربكان، خاصة وأن الحزب كان مقدم على انتخابات عام 1973م، وكان أربكان من المؤسسين، ومعه إسماعيل مفتي أوغلي، وفهمي جمعة أوغلي، وأوغوزخان أصيل تورك، وأحمد توفيق باكسو، وحسام الدين أقمومجو.

ونجح الحزب في التجربة الأولى تحت زعامةسليمان عارف أمره، بالحصول على مليون و265 ألف صوت، أي بنسبة 11.8% من أصوات انتخابات عام 1973م ليحصل على 48 مقعداً بمجلس الشعب التركي ليبدأ دور أربكان ثانية، إذ قرر سليمان عارف أمره ترك موقعه لأربكان. وكانت نتائج انتخابات 14 أكتوبر 1973 كما يلي: الشعب الجمهوري 185 مقعداً، والعدالة 149 مقعداً، والسلامة 48 مقعداً،و الديمقراطية 45، والأمن الجمهوري 13 والحركة القومية3، والوحدة التركي مقعداً، والمستقلون 6 مقاعد، وبالتالي كان على بولنت أجاويد – زعيم الشعب الجمهوري – البحث عن حزب للائتلاف معه لتشكيل الحكومة، وفي النهاية تحالف مع السلامة ليشارك الإسلاميون لأول مرة في الحكم.

ومما يدل على أن فوز السلامة لم يرح النظام، فإن الرئيس فخري كرتورك كلف رؤساء الأحزاب بتشكيل الحكومة، واستثنى أربكان، رغم أن حزبه كان صاحب أغلبية المقاعد الثالث في مجلس الشعب التركي.


المشاركة في الحكم

ورغم اختلاف طريقي السلامة والشعب الجمهوري، إلا أن خوف بولند أجاويد من قيام الرئيس بحل مجلس الشعب وعمل انتخابات جديدة، ورغبة أربكان في تفويت الفرصة على كورتورك لمحاصرة السلامة بعد أن عرف حجم قوته في التجربو الأولى، قرر الاثنان عمل حكومة ائتلافية في 26 يناير 1974م، حصلت في الأول من فبراير على ثقة مجلس الشعب، وتولى فيها أربكان منصب نائب رئيس الوزراء، ووزارة الدولة للقطاع الاقتصادي، وكذلك حصل حزب السلامة على وزارة الدولة لشؤون الديانة والأوقاف، بالإضافة إلى وزارات الصناعة، والزراعة، والتجارة، أي الوزارات الاقتصادية، ورفض الشعب الجمهوري اسناد وزارة التعليم للسلامة.


المعارضة من الداخل

ولم يعف التحالف مع الشعب الجمهوري نواب السلامة عن أداء دورهم، ولذلك فإنهم عارضوا قانون العفو العام الذي كان قد وعد به أجاويد في برنامجه الانتخابي، وضمنه البروتوكول الحكومي، مما أدى إلى سقوط القانون بسبب المواد 141 – 142 – 146 إذ رفض الإسلاميون العفو العام عن الشيوعيين واليساريين، ونجح بذلك حزب السلامة مع جناح النورجانيين في حزب العدالة في عرقلة إصدار قانون العفو العام، علاوة على قيامهم بدور مهم في إصدار الكثير من القرارات والقوانين الاقتصادية التي دعمت بدون شك حملة التصنيع الوطني الثقيل الذي تبناه حزبي النظام والسلامة، بعد عدنان مندريس، والذي تبناها فيما بعد تورغوت أوزال رئيس الوزراء والجمهورية السابق، أحد أعضاء السلامة.

ومن القرارات الهامة التي اتخذها السلامة، وأجبر حزب الشعب عليها قرار دخول قبرص لحماية المسلمين الأتراك من المذابح التي كانوا يتعرضون لها على أيدي القبارصة اليونانيين، وبسبب موقف أجاويد انهار التحالف رغم النصر الذي جنته الحكومة في قبرص، إذ وافق أجاويد على وقف إطلاق النار، ورفض الاستيلاء على الجزيرة تماماً وأبقى مرعش خالية، ورفض استمرار العمليات، وتحدث عن الحل الفيدرالي، مما أدى إلى مواجهة السلامة له، خاصة وأن أربكان كان صاحب إصدار قرار الدخول.


تجربة الحكم الثانية

وبعد انهيار التحالف، أعاد رئيس الجمهورية تكليف أجاويد وباقي رؤساء الأحزاب عدا أربكان لتشكيل حكومة ولكنهم فشلوا جميعاً، إلى أن تولى دميريل المهمة ثانية، ونجح في تشكيل حكومة جبهة قومية، شارك فيها مع العدالة كل من: حزب السلامة، وحزب الحركة القومية، وهي الحكومة التي أقيمت في أبريل 1975م، وسقطت بسبب انسحاب 12 نائباً من حزب العدالة.

وقاد أربكان في تلك الفترة حملة التنمية المعنوية، أو الصناعات الثقيلة، إذ نجح في إقامة 70 مصنعاً خلال سنتين، و300 مدرسة دينية للأئمة والخطباء، و10 معاهد إسلامية عليا، علاوة على 3000 مدرسة قرآنية، وبذلك حقق إمكانية تعليم ديني لنصف مليون رغم القوانين، وتم توقيع الكثير من القرارات وصدور القوانين الاقتصادية.

كما لا يمكن إنكار دور الجناح الاسلامي في حزب العدالة، إذ ساهم في جعل التعليم الديني رسمياً، وساهم في افتتاح مدارس الأئمة والخطباء أيضاً.


تراجع واستمرار في الحكم

وفي انتخابات 1977م، تراجعت شعبية حزب السلامة، وأياً كانت المبررات التي تساق، فإن السبب الأول يرجع لغضب قاعدة الحزب الانتخابية لتحالفه مع الشعب الجمهوري، ولذلك حصل على نسبة 8.6% أي مليون و270 ألف صوت من عدد الناخبين المشاركين لتهبط مقاعده إلى 24 مقعداً، بينما حصل الشعب الجمهوري على 213، مما يعني احتياجه لحزب آخر، والعدالة حصل على 183 مقعداً، والحركة القومية على 16، والأمن الجمهوري 3، والديمقرطية على مقعد، وحاول أجاويد تشكيل حكومة أقلية فشلت في الحصول على الثقة، مما اضطره إلى تشكيل ائتلاف مع السلامة والحركة القومية، وحصلت تلك الحكومة على الثقة في أغسطس 1977م، وظلت في الحكم حتى نهاية 1977م، وهكذا شارك حزب السلامة لمدة 4 سنوات في حكومات مشتركة مع الحزبين الرئيسيين الجمهوري والعدالة.


السلامة في المعارضة

في 20 أكتوبر 1979، أجريت انتخابات تكميلية، وكان أجاويد الأكثر خسارة في الأصوات، فاستقالت حكومته، وشكل دميريل حكومة في 12 نوفمبر 1979م، لم يدخلها السلامة هذه المرة، وقام بدور معارضة قوي، وكان أفضل ما قام به هو تقديم خير الدين أركمان، وزير الخارجية لاستجواب قبل انقلاب 1980 م بأسبوع، بسبب عدم قيامه بقطع العلاقات مع "إسرائيل" وقبل المجلس الاستجواب ليكون أركمان بذلك أول وزير تركي يسقط في استجواب منذ 60 عاماً، ثم جاء مؤتمر قونية رداً على الممارسات الاسرائيلية في القدس، دعا فيه حزب السلامة كافة زعماء الأحزاب التركية وسفراء الدول الإسلامية، إلا أن رفع الأذان أثناء عزف "مارش الاستقلال" السلام الوطني، وعدم قيام الناس، علاوة على تحطيم حوانيت الخمور، ورفع شعارات الشريعة قادمة، "إما الشريعة وإما الموت"، وقال أربكان في كلمته: (إن اسطنبول ستفتح من جديد)، ووجه كلامه للحاضرين قائلاً: (استعدوا لتكونوا جيش الفاتح الجديد) كان مبرراً لضرب حزب السلامة.


اعتقال أربكان وحل السلامة

وفي سبتمبر 1980م، قامكنعان إيفرت بانقلابه العسكري، واعتقل أربكان، وأركان حزبه، وأغلقه مع الأحزاب الأخرى، إلا أنه لم تقام دعوى قضائية إلا ضد السلامة، والحركة القومية، وكان العقيد حمدي سفينش هو القاضي الذي يحاكم أعضاء السلامة، وأفرج عنهم، وبعد ذلك أصبح عضواً في حزب الرفاه عام 1993م، الذي كان بديلاً لحزب السلامة.


عصر حزب الرفاه

وبعد قرار عودة الحياة الحزبية ثانية بعد انقلاب إيفرن، تقدم علي تركمان بطلب لوزارة الداخلية التركية في 19 يوليو 1983 لتشكيل حزب الرفاه الذي راعى هذه المرة أن يكون برنامجه الاسلامي أكثر غموضاً من برنامجي النظام والسلامة، وبعد إعادة الحقوق السياسية لأربكان ورفاقه الـ 17 عادوا جميعاً للالتحاق بحزب الرفاه امتداد النظام والسلامة يوم 25 سبتمبر 1987، وفي 11 أكتوبر من نفس العام عقد الحزب مؤتمره العام الثاني، وتم اختيار نجم الدين أربكان رئيساً للحزب، وكان هو المرشح الوحيد.

إلا أن الحزب هذه المرة لم ينجح مثل المرة السابقة، إذ لم يستطع الحصول على أكثر من 7.2% في انتخابات 29 نوفمبر البرلمانية الذي فاز فيها حزب الوطن الأم للمرة الثانية، والذي لم يخل هو أيضاً من جناح إسلامي يمثله محمد كتشجيلر – عضو السلامة السابق، وكذلك حسني دوغان، بل وزعيمه تورغوت أوزال – مرشح حزب السلامة السابق في انتخابات 1974م في أزمير، وإن كان لم يحقق نجاحاً آنذاك، ويعود فشل الرفاه إلى خوف الناس من عودة العسكر، إذ فهموا الدرس، فبعد إعلان حزب النظام جاءت ضربة مارس، وبعد تنامي قوة حزب السلامة وقدرته على الأداء البرلماني الرفيع الذي أحرج كافة الأحزاب التركية جاءت ضربة سبتمبر، وعلاوة على تشتيت الأصوات الإسلامية بين الأحزاب الثلاثة: الوطن الأم، والطريق القويم (العدالة سابقاً)، والرفاه.

وفي انتخابات 1989 المحلية كانت نسبة الحزب من الصوات 9.8% ارتفعت إلى 16.9% في الانتخابات البرلمانية عام 1991م عندما تحالف معه حزبي الحركة القومية والإصلاح الديمقراطي "الملة" وكانت نسبة الرفاه وحده 11.8%، ليعود هذه المرة إلى مجلس الشعب التركي بـ 40 نائباً، استقال منهمحسن مزراجي لانقاذ الحزب في الانتخابات المحلية مارس 1994م، بسبب تناوله لأتاتورك بشكل أثار ثائرة العلمانيين، ونجح الرفاه في تلك الانتخابات بشكل كبير، إذ حصل على 5 مليون و340 ألف و 969 صوتاً، بنسبة 19% ليفوز بذلك برئاسة البلديات العامة في 6 مدن كبرى، منها اسطنبول 13 مليون نسمة، وأنقرة 5 ملايين

نسمة، و22 مركزاً، و92 ناحية، و207 بلدة، وأرجع المراقبون ذلك النجاح إلى الأداء البرلماني الرفيع لنواب الرفاه في مجلس الشعب، خاصة وهو في صفوف المعارضة وضد الحزبين المتنافسين تاريخياً الطريق القويم "العدالة سابقاً" والاشتراكي الشعبي الديمقراطي "الشعب الجمهوري سابقاً، وحالياً منذ فبراير 1995"


تطور الرفاه

وعموماً فإن أهم تطور حدث في حزب الرفاه هو تحوله من حزب كوادر ضيقة إلى حزب كتلة غير قاصر على الإسلاميين فقط، بل أصبح لكل الشعب التركي، وهو ما أعلنه أربكان في المؤتمر العام الرابع للحزب يوم 10 أكتوبر 1993م، إذ التحق بع عشرات الضباط السابقين والقضاة، وأعضاء من أحزاب أخرى، وعلويون، ومسيحيون، وبدأ الخطاب السياسي للرفاه يأخذ منحى جديداً، فهو دائم الحث على احترام حقوق الانسان، وحرية الفكر، ولا يقتصر في تركيزه على الأخذ من الإسلام فقط، مثلما طالب مؤخراً نجم الدين أربكان بتطبيق الدستور السويسري في تركيا، لأنه يحمل كما يعتقد روح الإسلام.


دور معارض مميز

وعلى الرغم أن عدد نواب الرفاه 38 حالياً، إلا أنهم يقومون بدور كبير في المعارضة، ولديهم تحالفاً سرياً مع النواب الإسلاميين في حزبي الوطن، والطريق في القضايا ذات الصبغة الإسلامية، ونجح ذلك التحالف في عرقلة التغييرات الدستورية التي يحاول بها الشعب الجمهوري زيادة العلمنة والتضييق على الإسلاميين، لذلك لم تلب الإصلاحات الدستورية المطالب الغربية، كما يعارضون انضمام تركيا إلى الوحدة الجمركية، ويعلنون أسباب معارضتهم بشكل علمي ومفصل، مما أدى إلى تنامي الرفض الشعبي لدخول الوحدة، ويركز الرفاه في رفضه على المبررات الاقتصادية، مما يقوي حجته ومنطقه، وأصبح برنامج الحزب المعروف باسم النظام العادل هو طوق النجاة للشعب التركي من الأزمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي يعيش فيها بسبب أخطاء أحزاب:

الوطن الأم، والطريق القويم، والشعب الجمهوري، إذ إن النظام العادل يتضمن نظاماً اقتصادياً، وقانونياً، وإدارياً، وأخلاقياً، وعلمياً، تم وضعه بعد مداولات ومشاورات مع 150 أكاديمياً.


النظام العادل

ولا شك أن نجاح الرفاه في عمل برنامج محدد المعالم، وليس تقديمه لكلام فقط، أو رفعه لشعارات ساهم في تنامي شعبيته للدرجة التي تحاول فيها القوى العلمانية من خلال النصح الأميركي التوحد لمواجهة الرفاه خشية فوزه في الانتخابات المقبلة، وفقاً لما تشير إليه استطلاعات الرأي العام.

وعموماً فإن تجربة النظام، والسلامة والرفاه، جديرة بالدراسة والبحث لأنها ستكون مفيدة لجميع الأنظمة التي تتشدق بالديمقراطية وللحركة الإسلامية نفسها، وستعود بالنفع على الجميع، فالإسلاميون الأتراك اشتركوا في حكم تركيا العلمانية في السبعينيات، وقادوا حملة التصنيع الثقيل، ولم يكن هناك أي مخاوف غير مبررة من الإسلاميين، ذلك الرعب الذي تنامى بشكل غير منطقي بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران، وهو ما أدى إلى وضع العقبات أمام السلامة في تركيا، حيث وضع الجيش التركي حامي المبادئ الغربية أيدي الديمقراطية في كلبشات الديكتاتورية العسكرية، ولم تغضب أوروبا أو الولايات المتحدة من أجل الديمقراطية آنذاك، إذ كان سيستفيد منها الإسلاميون الذي تشير كافة المؤشرات في تركيا عبر الأقنية الديمقراطية.


التجربة الانتخابية الأولى للجماعة الإسلامية في لبنان 1972

في العام 1972 خاضت الجماعة الإسلامية في لبنان تجربتها الانتخابية النيابية الأولى، كان مرشحها في تلك الفترة المحامي الأستاذ محمد علي ضناوي، الذي خاض المعركة منفرداً.

ولاعتبارات كثيرة سجلت في ملف التجربة لم يحقق مرشح الجماعة الفوز إذ حصل على ما يقرب من 4000 صوت.

يكن: لماذا العودة الى الدوائر الصغرى ؟

أهو انتصار أم انتحار ؟؟

أدلى النائب السابق الداعية الدكتور فتحي يكن بالتصريح التالى تعليقا على توافق الرئاسات الثلاث على اعتماد الدائرة الصغرى في الانتخابات القادمة :

عجيب أن يتوافق الرؤساء الثلاثة على العودة الى الوراء،الى قانون عام 1960 بكل ما يعنيه ذلك وما يخلفه من تداعيات في الحياة الوطنية والسياسية،وما يخلفه من آثار سلبية في الساحة الاقليمية !!

·هل هو نمط جديد من التحدي لما يسمى " معارضة " وقذف الكرة الى ملعبها ، في حين أن سلبيات هذا التحدى سيحصده كل لبنان ونظامه ومؤسساته ومستقبله وأمنه واستقراره ؟؟

·هل هو استجابة للنهج التقسيمي، واضفاء الشرعية القانونية عليه، والتشجيع على الفرز الطائفي الانعزالي الذي يعود بلبنان عقودا الى الوراء ، والذي لا يستفيد منه الا العدو الصهيوني ؟؟

·هل هو خطوة على طريق تعطيل أو اضعاف الدور التشريعي للمجلس النيابي من خلال التمثيل الفردي والشخصي والزعامي الذي عادة ما تفرزه الدوائرالصغرى، حيث تغيب التحالفات المؤسسية الحضارية والمشاريع السياسية الجماعية ؟؟

·أم ترى هو الخوف على الزعامات التقليدية من أن تضيع وتفشل وتسقط حيال الاقتراع عليها وطرحها في الدوائر الكبرى ؟؟

أخيرا وفي كل الأحوال أستطيع أن أجزم بأن كل ما سيحدثه هكذا قانون رجعي وهكذا توجه كيدي ، لن يكون بحال في مصلحة لبنان دولة وشعبا ومؤسسات !!

يكن :


الخيار الحضاري في اعتماد الدائرة الواحدة مع النسبية والمساواة والنزاهة

أودع مكتب النائب السابق الداعية الدكتور فتحي يكن وزارة الداخلية الدراسة التالية حول الخيارات المطروحة لتعديل قانون الانتخاب في لبنان :

إن إعادة النظر في قانون الانتخابات النيابية لجهة تطويره وتحديثه يعتبر من القضايا الهامة والدقيقة، والتي تفرض دراسة متأنية وبعيدة النظر، ومتحررة من أسر الاعتبارات الزعامية والفئوية والاقطاعية والطائفية والمذهبية..

إن تعديل قانون الانتخابات – بشكل سليم – يعتبر خطوة من الخطوات النوعية على طريق تحديث النظام اللبناني، وإسقاط القوانين والسياسات التي كانت – وعبر تاريخ هذا البلد – مفصّلة على مقاس زعامات معينة يتوارثها الأحفاد عن الآباء والأجداد؟ وكأن لبنان ملك لهذه العائلة أو تلك، وأرث لهذا الفريق أو ذاك؟

إن النجاح في وضع قانون انتخابات يحقق التوازن والتكامل والتنوع والانصهار الوطني والمصلحة العامة، يمكن أن يكون خطوة على طريق إلغاء الطائفية السياسية، والنظام الطائفي والمذهبي، وصولاً إلى إقامة نظام سياسي عصري وحضاري.. كما أن الاخفاق في وضع هذا القانون من شأنه أن يكرس الطائفية والمذهبية والعائلية ويعيد لبنان إلى الوراء على كل صعيد؟


الخيارات المطروحة

هنالك أكثر من خيار ومشروع لتعديل قانون الانتخابات النيابية.. فما هي هذه الخيارات، وما هي سلبياتها وايجابياتها؟

أولاً: خيار الدائرة الواحدة

إن جعل لبنان (دائرة انتخابية واحدة) من شانه فتح المناطق اللبنانية على بعضها البعض، ويؤدي إلى الاحتكاك الايجابي والتفاعل البناء بين اللبنانيين على مختلف طوائفهم ومذاهبهم ومشاربهم.. كما أن من شأنه اختزال ظواهر الترشيح الفردي والعائلي، ليحل محل ذلك الترشيح على أساس تحالفات واسعة وكبيرة، ووفق مشاريع قطرية تعالج القضايا المختلفة من نظرة شمولية ووطنية، تتعدى المحلية والمناطقية.

وهذا بدوره سيؤدي إلى خلق تغيير جذري في تشكيلة المجلس النيابي كما في دوره وأدائه.. كما من شأنه أن يخرج (المعركة الانتخابية) من دائرة الصراع المصلحي الخاص، إلى دائرة التنافس الانمائي والاعماري والتصحيحي العام..

ثانياً: خيار دائرة المحافظة

أما اعتماد خيار المحافظة كذائرة انتخابية، فهذا ما نصت عليه (وثيقة الوفاق الوطني)، وجاءت بما يلي:

(تجري الانتخابات النيابية وفقاً لقانون انتخاب جديد على أساس المحافظة، يراعي القواعد التي تضمن العيش المشترك بين اللبنانيين، وتؤمن صحة التمثيل السياسي لشتى فئات الشعب وأجياله وفعالية ذلك التمثيل) فقرة .

ولقد جرى تنفيذ هذا الخيار في انتخابات عام 1992.. ويعتبر هذا الخيار أقل نوعية من الخيار الأول (خيار الدائرة الواحدة) لكونه يبقي على رواسب الحياة والواقع السياسي ويراعي اعتباراتهما، وكمرحلة انتقالية وتحضيرية لاعتماد الخيار الأول.

ثالثاً: خيار تقسيم المحافظات أو القضاء

إن التفكير في اعتماد (تقسيم المحافظات) إلى أكثر من دائرة انتخابية، أو العودة إلى اعتماد القضاء كدائرة انتخابية، يعتبر عودة إلى الوراء، واصراراً على إبقاء النظام السياسي أسير الاعتبارات الزعامية والعائلية والاقطاعية، والتي تعتبر سبب بلائه وشقائه؟

والمشروع قد يؤدي الى تقسيم المحافظات الحالية إلى دوائر انتخابية على النحو التالي:

  1. محافظة بيروت: دائرة واحدة.
  2. محافظة الجبل: دائرة كسروان وجبيل والمتن الشمالي، ودائرة المتن الجنوبي والمتن الاعلى وعاليه والشوف.
  3. محافظة الشمال: دائرة طرابلس وعكار والضنية، دائرة بشري وزغرتا والكورة والبترون.
  4. محافظة البقاع: دائرة زحلة والبقاع الغربي، ودائرة بعلبك والهرمل ودير الاحمر.
  5. محافظة الجنوب: دائرة صيدا وجزين والزهراني، ودائرة صور والنبطية وحاصبيا.

والملاحظ من هذا المشروع أنه يراعي الاعتبارات الطائفية في تقسيم الدوائر الانتخابية.

وهنالك مشاريع تقسيم للمحافظات تعتمد خلط الأوراق الطائفية وهي معاكسة تماماً للمشروع السابق ذكره..

رابعا : خيار التمثيل النسبي

يضاف إلى ما تقدم من خيارات، خيار نوعي يتمثل في اعتماد التمثيل النسبي سواء في الدائرة الواحدة أو في دائرة المحافظة، بحيث يجري التصويت لكتل أو لوائح مرشحين ائتلافية لكل منها برنامج سياسي ونظام محددان، على أن تفوز كل كتلة أو لائحة بعدد من المقاعد معادل للنسبة التي تنالها من أصوات المقترعين.


التجربة النيابية الإسلامية الأولى في لبنان

الدكتور فتحي يكن

الجماعة الإسلامية في لبنان

عشرون عاماً من مسيرة العمل الإسلامي

الرائد من 1972م.

وحتى 1992م.

الشيخفتحي يكن

·تأسست الجماعة الإسلامية عام 1964م.

·خاضت الجماعة الإسلامية الانتخابات النيابية الأولى سنة 1972م بأطروحات إسلامية وطنية, ثم وقعت الحرب الأهلية.

·فماذا قدمت الجماعة الإسلامية للناس خلال الفترة الماضية وبقدرتها الذاتية المحدودة ؟

أولاً: تصدت الجماعة الإسلامية للهجمة التي أرادت أن تجعل لبنان قاعدة مساندة للدولة العبرية فتم التصدي لذلك عن طريق مجمع طرابلس الإسلامي ثم التجمع الإسلامي الذي كان لهما دور بارز في إفشال هذا المخطط.

ثانياً: شاركت في اللقاء الوطني الذي أسقط حكومة الرفاعي العسكرية ووقعت على وثيقة الشرف التي تعاهد المشاركون فيها على إسقاط هذه الحكومة مهما بلغت هذه التضحيات.

ثالثاً: كان لها الدور البارز في المحافظة على هوية لبنان العربية من خلال مشاركتها الواسعة أثناء الأحداث مع القوى الوطنية والإسلامية...

رابعاً: كانت حائلاً دون تفجير الكثير من الصراعات الداخلية وساهمت في جمع الصف الوطني والإسلامي حفاظاً على دماء اللبنانيين أجمعين.

خامساً: سعت لتخفيف الضائقة الاقتصادية باستقدام الهبات من الدول الشقيقة وتوزيعها على مستحقيها بعدالة وكرامة.

سادساً: عالجت المشكلة الصحية بإنشاء مجموعة من المستوصفات المجانية وطورتها حتى شملت معظم الاختصاصات الطبية وذلك من خلال الجمعية الطبية الإسلامية, وقد توزعت هذه المستوصفات على مناطق طرابلس والميناءوالضنية وعكار وقرى البترون وبقية المناطق اللبنانية.

سابعا: سعت لتأمين ومعالجة شؤون المياه في العديد من القرى الإسلامية, وذلك عن طريق حفر الآبار وإصلاح قنوات الري.

ثامناُ: ساهمت في بناء العديد من المجمعات التربوية لتعليم أبناء المسلمين وكذلك في بناء العديد من المساجد.

تاسعاً: ساهمت في دفع العمل الخيري في الشمال بعدما أصبحت الحاجة إليه ماسة في أعقاب الحرب الأهلية وما نتج عنها من مآسٍ, وساعدت على تأمين الكفالات للأيتام ومساعدة العائلات الفقيرة عن طريق المؤسسات المختصة.

عاشراً: أمنت المساعدات العينية والنقدية لبعض المستشفيات حيث كانت الحاجة ماسة.

حادي عشر: ساهمت في تأمين مئات الكفالات المالية للأيتام والفقراء والمعاقين.

ثاني عشر: ساهمت مساهمة فعالة في التصدي للاحتلال الإسرائيلي لأرض الجنوب, وكان لضرباتها من خلال المقاومة الإسلامية أكبر الأثر في الإنسحاب الإسرائيلي من صيدا, وقد سقط لها العديد من الشهداء في التصدي للعدو الإسرائيلي...

"نص البيان الأول الذي أعلنه الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان الدكتور فتحي يكن بشأن الإنتخابات النيابية"

عقد الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان الدكتور [فتحي يكن] مؤتمراً صحافياً بتاريخ 16 تموز 1992 بحضور أعضاء المكتب السياسي للجماعة الإسلامية حيث أدلى بالبيان التالي:

شعوراً من الجماعة الإسلامية بالمسؤولية الشرعية والسياسية تجاه لبنان..

وتأكيداً لدور الساحة الإسلامية الكبير في بناء هذا البلد والسير به نحو الأفضل..

واسهاماً في مواجهة التحديات التاريخية التي تواجه الأمة في مرحلتها الراهنة, وبخاصة تحديات المشروع الأميركي الصهيوني, وما يفرضه ذلك من تفعيل للدور الجهادي عموماً, ودور المقاومة الإسلامية والوطنية في الجنوب على وجه الخصوص...

وكخطوة على طريق تجديد البنية السياسية في لبنان, بعد أن تآكلت واعتراها الكثير من التخلف والتردي والاهتراء...

وانسجاماً مع فقه المرحلة وأوليات التعامل مع الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في لبنان..

ونزولاً عند رغبة وإلحاح الشعب اللبناني وجماهيره المؤمنة في امتلاك قرارها, وممارسة دورها, والتعبير عن رأيها, واختيار من يمثلها ويقودها في مسيرة الإصلاح والتغير.

نعلن – باسم الله – عزمنا على المشاركة في الإنتخابات النيابية عبر مرشحين في كافة المحافظات, سيتم الإعلان عن أسمائهم في مؤتمر صحافي لاحق كما سيتم الإعلان عن البرنامج الإنتخابي نفسه.

إن برنامجنا يعتبر الإيمان منطلقاً, والسياسة تكليفاً, والأخلاق ضرورة, والعلم عبادة, والعمل فريضة, والتنمية جهاداً, ويعبئ كل قوى الأمة في معركة الحرية والتنمية الإجتماعية والإقتصادية.

انه يعمل على زيادة الإنتاج الوطني ويرشد الإنفاق والاستهلاك, ويحقق عدالة التوزيع, ويحد من طغيان الإستيراد, مؤمناه بالحرية الاقتصادية ضمن ضوابط المصلحة العليا...

إن برنامجنا يسعى لإطلاق المبادرات, وتفجير الطاقات المخزونة في مسيرة البناء والإعمار.

في ظل كيان شوري يحس كل مواطن فيه بالأمان على نفسه وماله, ويتمتع بحريته في القول والعمل والممارسة.

انه يستنفر الجميع لمقاومة الخطر, والعدوان الصهيوني بالموقف الرافض للاستسلام المتصدي للعدوان.

وأخيراً... فإننا إذ ندعو للالتفاف حول هذا البرنامج فلإيماننا بضرورة تجاوز المشاريع الزعامية والتطلعات الشخصية والفئوية والطائفية...

مطلوب اليوم... انتخابات بحجم المشاريع, ومشاريع بحجم الأحداث, وبالتالي مرشحون بحجم هذا كله.

إن نريد إلا الإصلاح ما استطعنا, وما توفيقنا إلا بالله, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين...

وتأكيداً للحضور الإسلامي السياسي على الصعيدين الرسمي والشعبي..

وبعد التوكل عل الله والاعتماد عليه... نعلن خوضنا الانتخابات النيابية بعدد من المرشحين والمتحالفين في مختلف المحافظات اللبنانية, مع ترك الباب مفتوحاً أمام تحالفات أخرى في ضوء مشروعنا السياسي وبرنامجنا الانتخابي..


المرشحون بحسب المحافظات

·محافظة الشمال: الدكتور فتحي يكن (عن مدينة طرابلس) – المحامي اسعد هرموش (عن قضاء المنية والضنية).

·محافظة بيروت: الدكتور زهير العبيدي (بيروت).

·محافظة الجنوب: الدكتور علي عمار (صيداء) – الشيخ عبد الحكيم عطوي (العرقوب).

·محافظة البقاع: السيد محمد مشهور الصلح (بعلبك الهرمل) حليفاً للجماعة – السيد محمد سعيد صالح (البقاع الغربي) حليفاً للجماعة.


الحركة الإسلامية في الكويت.. 14 عاماً من المشاركة البرلمانية

بدأت مشاركة الحركة الاسلامية في الكويت في الانتخابات البرلمانية في فبراير سنة 1981م، حيث شاركت في الانتخابات بشكل واضح، وحصلت على 4 مقاعد، (عيسى الشاهين، وحمود الرومي، وخالد سلطان، وجاسم العون) وتميزت نتائج هذه الانتخابات بسقوط معظم مرشحي اليسار والقوميين المنتمين لـ"المجتمع الديموقراطي"، و"التجمع الوطني".

ودخل مرشحو الحركة الاسلامية في المعركة الانتخابية تحت شعار "تعديل المادة الثانية من الدستور" لتكون الشريعة الاسلامية هي مصدر الرئيسي للتشريع.

وفي فبراير 1985م حصلت الحركة الاسلامية على 5 مقاعد في البرلمان (حمود الرومي، ود. عبد الله النفيسي، ومبارك الدويلة، وأحمد باقر، وجاسم العون) وفاز أيضاً بعض خصوم الحركة الاسلامية، ولم يستمر هذا المجلس سوى سنة واحدة، بعدها تم حله في يوليو 1986م!! وتوقفت الحياة النيابية 6 سنوات، ولم تعد الحياة النيابية إلا بعد تحرير الكويت فأجريت الانتخابات في شهر أكتوبر سنة 1992م، وأحرز الاسلاميون تقدماً كبيراً بحصولهم على أكثر من 16 مقعد تعادل 30% تقريباً من مقاعد البرلمان.. عدا الذين قامت الحركة الاسلامية بدعمهم ويمثلون بذلك غالبية النواب في البرلمان، وفي هذه الانتخابات شاركت الحركة الاسلامية في الحكومة، حيث دخل الوزارة 3 من النواب الوزراء الذين دعمتهم ورشحتهم الحركة الاسلامية.

والملاحظة الجديرة بالاهتمام هي أنه في انتخابات مجلس الامة 1992م كان تصويت الشعب الكويتي للاتجاه الاسلامي بنسبة 50.6% مما يدل دلالة قاطعة على شعبية هذا التيار وقبوله لدى الكويتيين.


البرنامج .. والتشريعات

وبالنسبة لطبيعة البرامج التي أعلنت خلال انتخابات 1992م فإن الكثير منها أخذ حقه في التبني وصدور التشريعات، ومنها ما يتعلق بالمال العام، وما يتعلق بقضايا إسلامية عامة تمس معاناة الناس.

ففي سنة 1981م كانت أهم القضايا البارزة هي محاولة تعديل المادة الثانية من الدستور "لتكون الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع"، وقد تقدم بهذا الطلب 46 نائباً في البرلمان من مجموع 49 نائباً، حيث إن هناك نائباً مشاركاً في الوزارة.. والقضية الأخرى التي كانت بارزة، وهي من إنجازات ذلك المجلس إيقاف محاولة الحكومة لتنقيح الدستور الكويتي!!

أما مجلس 1986م، فعلى صغر عمره الذي لم يدم أكثر من سنة واحدة، إلا أنه حاسب واستجوب وزيراً في الحكومة، وقدم الوزير استقالته من الحكومة بعدها.. وكذلك كانت هناك قضايا تتعلق بالمال العام والاقتصاد والثروة، وهي تسجل لهم حيث حققوا فيها نجاحات كبيرة تذكر لهم.

أما المجلس الحالي 1992م فمن إنجازاته المطالبة مرة أخرى بتعديل المادة الثانية من الدستور الذي لم يتم إنجازه في البرلمانات السابقة، وهذا يبين أن مطالب الحركة الاسلامية هي أيضاً شعبية وتمثل غالبية المجتمع.

وفي هذا المجلس تم استجواب وزير التربية د. أحمد الربعي من قبل الاسلاميين وقد أوشك على السقوط لولا تدارك الحكومة لضعف موقفه في اللحظات الأخيرة، وكان يحتاج إلى صوتين فقط لسحب الثقة منه في جلسة التصويت التي عقدت لذلك!!

وهناك مشروع مكافحة المخدرات وتشديد العقوبات على المتجرين بها.. ومشروع الرعاية السكنية الذي جاء ليحل مشكلة قديمة وتمس شريحة كبيرة من المواطنين.

وأسلوب ممارسة أعضاء الحركة الاسلامية للعمل البرلماني يتراوح ما بين المعارصة المتزنة، وما بين المعالجات الموضوعية، والتي لا تخلو من أسلوب المعارضة الحادة في بعض القضايا التي تتطلب معالجتها هذا النوع من القوة كي تحقق موقفاً قوياً في قضية هامة.

وأسلوب الممارسة من خلال اللجان البرلمانية كانت مشاركتهم فعالة وأسلوبهم جيد في مجال السياسة وحقوق الانسان، والتعليم، والاقتصاد، والثقافة، وغيرها..

ولنواب الحركة الاسلامية في الكويت قبول كبير من زملائهم في التجمعات الأخرى.. ولكن!! قد يكون لأحد التيارات المنافسة لهم شيء من الغيرة، وهذه مشكلة سياسية محلية، فبعض التجمعات التي أخفقت قد تكون لها نظرة غيرة على التفوق السياسي الذي حققه الاسلاميون سواء في نتائج الانتخابات أو في الممارسة البرلمانية، وقد ولد ذلك خصومات جديدة للاسلاميين، واستطاع هؤلاء الخصوم أن يعكسوا صوراً غير جيدة عن العمل الاسلامي في نظر الناس!! وهذه الغيرة أيضاً تؤثر على حسن العلاقات ما بين التيارات.

والشارع الكويتي له تجاوب كبير في القضايا التي تبناها التيار الاسلامي، والتي لها تفاعل كبير في المجتمع، وإن كان الاعلام يلعب دوراً سيئاً في تسليط الضوء بطريقة غير مناسبة على أداء الحركة، ويضخم من أخطائهم الصغيرة، ويعتم على انجازاتهم، وقد كان هذا واضحاً، حيث إن هناك مجموعة من الاعلاميين القريبين من المدرسة العلمانية يحاولون أن يغمطوا هذا التيار حقه!!

ولكن الشارع الكويتي في تجاوب مع الحركة بدليل النجاحات التي حققتها الحركة الاسلامية في مواقع أخرى غير سياسية على مستوى النقابات والتعاونيات...

والفروقات الظاهرة ي الممارسة داخل البرلمان بين أعضاء الحركة وأعضاء التجمعات السياسية الأخرى تبين أن أبرز شيء في النواب الاسلاميين في الفصل التشريعي السابع لمجلس الأمة و "الدورة الأخيرة للمجلس" حيث إن مواقفهم كانت كانت وطنية جداً، وقد عرّت صلابتهم في هذه المواقف كثيراً من التيارات، وخصوصاً في قضايا المال العام والثروة، وقضية المديونيات، فقد كانت وقفتهم صادقة، وقد ألّب ذلك عليهم مجموعة من المنتفعين، ولكن وقفتهم أحرجت كل التيارات الأخرى إحراجاً كبيراً!!

وقد أضافت الحركة الاسلامية رصيداً كبيراً، حيث أصبح لها صوت سياسي مؤثر وفعال، وأصبحت من أقوى المنابر، كما أضافت إليها رموزاً فاعلة ومؤثرة في العمل الاسلامي، وتستطيع أن تقدم مساهماتها الفكرية والسياسية في نواحي الحياة المختلفة ولا شك أن الممارسة البرلمانية جلبت للحركة بعض الأعضاء الجدد.

والحركة الاسلامية في الكويت يرتبط مستقبلها بقدرتها على توظيف نجاحها.. ويبدو من وجهة نظرنا أن إنجازات الحركة كبيرة ولكن!! قد تكون غير موظفة جيداً من الناحية الاعلامية، وهذا قد يؤثر عليها سلباً إن لم تتجاوزه!!

ويمكن ذلك عن طريق تسليط الضوء على النجاحات التي تحققها وتسليط الضوء على القضايا، واحدة تلو الأخرى باهتمام وبشكل أكبر وأفضل.. وأعتقد بأن الاعلام لم تسنح له فرصة كي يتأنى ويتفحص إنجازات الحركة الاسلامية والبرلمانية بشكل عام.

ونستطيع القول بأن الحركة الاسلامية تزعمت المعارضة ولأول مرة بشكل قوي أحرج التيارات الأخرى.. ولعل الحركة الاسلامية هي التيار السياسي الوحيد الذي أقصي من المشاركة في الحكومة، وذلك في التعديل الوزاري الأخير في إبريل 1994م، وهو التيار الوحيد الذي أصدر بياناً قوياً يستنكر فيه إجراءات التعديل الوزاري، ويتوقع فيه "سيناريو" أولويات الحكومة بعد التعديل.

وقد ثبت أن توقعات البيان الذي أصدرته الحركة الدستورية صحيحة 100%، وصدقت توقعات الحركة لأربع قضايا بأن تكون هدف تشكيل الحكومة الجديدة، وهي:

  1. تمرير المديونيات، وكانت أولوية لدى الحكومة.
  2. توقعت أن يكون هناك تراجع عن تطبيق الشريعة الإسلامية، وفعلاً رفض تعديل المادة الثانية، وكثير من المشروعات الإسلامية، ومنها الاختلاط في الجامعة.
  3. توقعت زيادة الرسوم على الأفراد، وفعلاً أتت به الحكومة لولا وقفة البرلمان القوية ورفض القانون.
  4. توقعت أن يكون هناك تقييد للحريات، وفعلاً تم ذلك عندما عطلت جريدة "الأنباء"، وأوقفت بعض التجمعات الشعبية التي كانت ستقام في بعض الأماكن، فندوات الجامعة أوقفت، وتجمعات برلمانية أوقفت، وكل ما توقعته الحركة الدستورية في بيانها الذي صدر بعد إعادة تشكيل الحكومة في ابريل 1994م تحقق معظمه مما يدل وينبئ عن وعي ومتابعة جيدة تميزت بها الحركة الاسلامية عن غيرها.

بل أعلنت هذا البيان على الملأ، وهي الوحيدة التي منع بيانها من النشر في الصحف، بينما يسمح لكثير من البيانات من المنظمات غير المُشهرة أن تنشر في الصحف.

لذلك فقد استطاعت الحركة أن توظف نجاحاتها وأن توصل هذا النجاح للناس بشكل واضح، ولا بد من توضيح المعلومات والانجازات على مستوى الرجل العام ليحصل بذلك تفاعل كبير معه، ويزيد من تفاعل الشارع ويزيد من مشاركته.


التجربة البرلمانية للحركة الاسلامية في اليمن

البرلمان اليمني

منذ بدأت تجربة المجالس النيابية في اليمن في نهاية الستينات، تميزت تجربتان مختلفتان في شطري البلاد التي كانت مجزأة ويحكمها نظامان متناقضان متعاديان...

وسوف نركز حديثنا هنا على دور الحركة الاسلامية في الحياة البرلمانية، لما كان يعرف – سابقاً – بالجمهورية العربية اليمنية "الشمال"، حيث شارك الاسلاميون في تجارب متعددة للمجالس النيابية.. بينما انعدمت تلك المشاركة فيما كان يعرف باليمن الديمقراطي سابقاً "الجنوب"، نظراً لطبيعة النظام الشيوعي الحاكم في "عدن" آنذاك.

ولعل من المناسب الاشارة في البداية إلى أن الحركة الاسلامية في اليمن "الشمال سابقاً" قد دخلت في مضمار العمل السياسي العام منذ الأيام الأولى لبدء العهد الجمهوري في عام 1962م، رغم أنها كانت في طور التأسيس في تلك الفترة.

ولذلك.. فإن الاسلاميين في اليمن لم يترددوا في الدخول في المجالس النيابية الأولى حرصاً على التواجد في ساحة القرار السياسي المؤثر.. مستفيدين من سمعتهم عند رجالات اليمن ومشايخ قبائلها باعتبارهم تلاميذ "أبو الأحرار اليمنيين القاضي محمد محمود الزبيري"، وورثة راية "حزب الله" الذي أسسه الزبيري.

وعندما تشكل "المجلس الوطني" في عهد القاضي عبد الرحمن الإرياني، كان في العقد الرابع من عمره، إلا أن احترام مشايخ اليمن وتقديرهم له، أدى إلى نجاح الاسلاميين داخل المجلس الوطني – رغم قلة عددهم – في ضمان أن يكون الدستور الدائم إسلامياً في قواعده ومنطلقاته، وهو هدف سعى إليه الإسلاميون للتصدي لموجة التيارات اليسارية المتطرفة التي كانت تعصف باليمن آنذاك، فجاء الدستور الدائم ليحسم هوية اليمن، ويقطع الطريق على كل توجه مخالف للنهج الاسلامي.


مجلس الشورى الأول: 19701975م

في عام 1970م بدأت أول تجربة نيابية في "صنعاء" وفق الدستور الدائم، حيث أسس مجلس الشورى الأول وكان للإسلاميين فيه نفوذ كبير داخل المجلس، حيث تولى الشيخ عبد الله الأحمرأبرز أنصارهم – منصب رئاسة المجلس، فيما كان المحامي عبد السلام خالد – أحد مؤسسي الحركة الإسلامية – يتولى منصب أمين عام مجلس الشورى!!

لم يتجاوز عدد الإسلاميين داخل المجلس عدد أصابع اليدين، لكنهم نجحوا في توجيه غالبية الأعضاء للتعاطف مع الطرح الإسلامي، يساعدهم – في ذلك – غلبة العلماء والمشايخ الأعضاء في مجلس الشورى.

وكان أبرز إنجازات الإسلاميين في مجلس الشورى الأول هو إصدار القوانين الإسلامية المنظمة لشؤون المجتمع المختلفة، وإضافة إلى ذلك كان لهم دور هام أثناء مناقشات اتفاقية الوحدة، حيث طالبوا بضرورة حسم الهوية الإسلامية للوحدة في وجه إصرار الشيوعيين في "عدن" على فرض مفاهيمهم اليسارية.

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ

مجلس الشعب التأسيسي 19781988م

في عهد الرئيس السابق أحمد حسين الغشمي تم تشكيل مجلس الشعب التأسيسي بالتعيين، ليمهد لعودة الحياة النيابية للبلاد، بعد إيقاف العمل بالدستور الدائم عام 1975م.

وفي تشكيله الأعضاء المعيين، كان هناك اثنان من قيادات الحركة الإسلامية، إضافة إلى عدد من المتعاطفين معهم.. وقد أصر المجلس عدداً كبيراً من القوانين، لكنهم كانت كلها محكومة بالجو العام الذي كان يعلن التزامه بالشريعة الإسلامية في مواجهة النظام الماركسي في عدن!!


مجلس الشورى الثاني 19881990م

شاركت الحركة الإسلامية في اليمن في انتخابات 1988م بصورة قوية وواضحة، إذ كانت قد بلغت مستوى متقدماً من الانتشار الشعبي.. إضافة إلى زيادة نفوذها داخل جهاز المجتمع والدولة.. وقد استطاع الإسلاميون تحقيق فوز كبير جعلهم أكبر كتلة منظمة داخل مجلس الشورى، حيث بلغ عددهم 47 عضواً.

ونظراً لطبيعة النظام السياسي الحاكم – آنذاك – في صنعاء فلم يكن هناك أية صفة رسمية لأي عضو في البرلمان، بل كان الجميع ينشطون على أساس كونهم من المستقلين.. وبصفة عامة لم يكن لمجلس الشورى الجديد دور بارز في الحياة السياسية آنذاك..

أما الإسلاميون فقد حرصوا طوال فترة المجلس القصيرة على التأكيد على الهوية الإسلامية لليمن عند إقرار بعض الاتفاقيات التي لم يكن هناك مفر من الموافقة عليها، مثل اتفاقية إعلان مجلس التعاون العربي، كما قاد الاسلاميون حملة قوية في مايو 1990م عند توحيد شطري اليمن للفصل بين "الوحدة" وبين "الدستور" الذي عارضوه بقوة جلبت عليهم كثيراً من المشاكل السياسية والإعلامية.


مجلس النواب الأول 19901993م

ظهر الإسلاميون بقوة في هذا المجلس وقادوا المعارضة ضد الائتلاف المكون من الحزب الاشتراكي والمؤتمر الشعبي الذي امتلك غالبية من نواب الحزبين مكنته من تحرير كل القوانين التي أرادها الائتلاف.!

ونظراً لإدراك الإسلاميين – 47 عضواً – لحقيقة القوى داخل المجلس، فقد حرصوا على ربط كل القوانين بالمشروعية الإسلامية العليا، وهو أمر يصعب تجاهله في بلد كاليمن.

مجلس النواب الثاني 1993 - ......

حقق الاسلاميون نجاحاً مدوياً في انتخابات إبريل 1993م، وحصلوا على المركز الثاني بـ "62" مقعداً نيابياً.. إضافة إلى ما لا يقل عن عشرين نائباً متعاطفاً أو متحالفاً معهم ضمن كتلة المستقلين أو في حزب المؤتمر الشعبي ذاته.

وقد نجح الإسلاميون في تحقيق هدف استراتيجي لهم خلال عام 1994م، عندما وافق البرلمان بالاجماع على إجراء تعديلات دستورية واسعة حققت كل المطالب التي سعى لها الإسلاميون منذ قيام الوحدة منذ عام 1990م.

كما يحسب لإسلاميين الدور الكبير الذي قام به الشيخ عبد الله الأحمر – رئيس تجمع الإصلاح، ورئيس مجلس النواب الحالي – في الحفاظ على استمرار دور المجلس أثناء الأزمة السياسية التي استمرت تسعة أشهر، وانفرط فيها عقد كل المؤسسات الوحدوية باستئناء مجلس النواب.

ومن أهم القوانين التي نجح الإسلاميون في طرحها على المجلس، قانون المصارف الإسلامية الذي استكمل البرلمان مناقشته في سبتمبر 1995، ولم يبق إلا إقراره بصورة نهائية بعد استكمال ملاحظات الحكومة حوله.


الإسلاميون .. والآخرون

ليس هناك خلاف في أن النواب الاسلاميين أثبتوا وجودهم داخل مجلس النواب اليمني، إذ كان لهم دور بارز عندما كانوا في المعارضة جعلهم قطب رحاها.. وبرغم ذلك يقول د. فارس السقاف – رئيس مركز دراسات المستقبل – لـ"المجتمع": (إن الأحزاب السياسية – على العموم – تنظر إلى مشاركة الإسلاميين في البرلمان نظرة شك لتخوفها من قدرة التيار الإسلامي على كسب جولات الانتخابات والقضايا المطروحة في البرلمان!!

أما الأستاذ عباس المؤيد – أحد أبرز النواب الإسلاميين في مجلس النواب – فيؤكد أن الكتلة البرلمانية للتيار الإسلامي حريصة على اعتماد أسلوب الحوار واللقاءات المستمرة للتغلب على أية مشكلة تطرأ داخل المجلس، وتكريس مبدأ قبول رأي الأغلبية واحترام رأي الأقلية.. طالما اتفق الجميع على الثوابت الإسلامية والوطنية.

وقد تميزت الكتلة البرلمانية للتيار الإسلامي في البرلمان بأنها تضم عدداً كبيراً من المتخصصين في كافة المجالات التربوية، والقانونية، والاقتصادية.. وظهر تفوقهم واضحاً أثناء مناقشة التعديلات الدستورية والأزمة السياسية، وقانوني محاكمة شاغلي الوظائف العليا في الدولة والمصارف الإسلامية.


نظرة نحو المستقبل

يحدد الأستاذ عباس المؤيد الدور المستقبلي للتيار الاسلامي داخل مجلس النواب من خلال المحاور التالية:

  1. تفعيل الدور الرقابي للمجلس على أجهزة الدولة ومؤسساتها.
  2. استكمال كل القوانين الضرورية وإحلالها محل بعض القوانين الشطرية التي ما تزال قائمة بعد مرور خمس سنوات على الوحدة!
  3. متابعة القضايا العامة التي تثار في المجلس وتختص بمشاكل المواطنين.

وفي كل الأحوال.. يؤكد الإسلاميون في اليمن على اهتمامهم بالمشاركة البرلمانية وعلى اتباعهم نهج التغيير السلمي لتحقيق أهدافهم المعروفة في أسلمة كافة جوانب الحياة المجتمعية واستكمال ما تبقى من القوانين الإسلامية، وخاصة في المجال الاقتصادي.

ويبقى أن كتلة التيار الاسلامي في البرلمان اليمني صارت تتحمل مسؤولية تاريخية في أداء دورها المأمول في تجسيد الدورين الرقابي والتشريعي، ولا سيما بعد اتخاذ نواب المعارضة جانب السلبية في أعمال البرلمان، الأمر الذي جعل كل الأنظار تتجه إليهم لترى ماذا سيصنعون؟ وكيف سيوفقون بين مشاركتهم في السلطة وبين كونهم نواباً للشعب يتحملون مسؤولية الرقابة؟

فهل ينجح الإسلاميون في تحقيق دورهم الرقابي والتشريعي، هذا ما ستوضحه الأيام والشهور والسنوات القادمة.!!


التجربة البرلمانية للجماعة الإسلامية في باكستان

إذا كان مفهوم الحركة الإسلامية يعني اختصاراً ذلك الفصيل من القوى الإسلامية الذي يتبنى الإسلام منهجاً لحل مشاكل الأمة من خلال رؤية منهجية إسلامية شاملة، فإن الجماعة الإسلامية تعد من – بين عشرات الفرق الدينية في باكستان – أحد نماذج ذلك الفصيل من الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي، وإذا كانت حركة "الإخوان المسلمون" في مصر هي الحركة الأم لكثير من القوى الإسلامية في دول عربية وربما إسلامية عديدة، فإن الجماعة الإسلامية التي أسسها مولانا مودودي بمدينة لاهور الباكستانية عام 1941م تعد أساس الحركة الإسلامية في منطقة جنوب آسيا، وتكاد تتشابه الظروف والخلفيات التي دفعت مؤسسي الحركتين في مصر وباكستان لتدشين حركتيهما الإسلاميتين، فقد كان للأوضاع الداخلية والمواقف الدولية من العالم الإسلامي عامل جوهري في نشأة الحركتين.

ومع أن اسم الجماعة الاسلامية قد يوحي لكثير أنها تتبنى خطا جهادياً مسلحاً على غرار أسماء جماعات أخرى، إلا أن الجماعة الإسلامية التي يرأسها القاضي حسين أحمد حالياً تعتمد التحويل المجتمعي بطريقة سلمية، وحددت الجماعة منذ البداية البيئية المجتمعية التي مكن أن تتحرك من خلالها، مركزة على المراكز الحضرية، حيث ترتفع نسبة المثقفين والمتعلمين، ولم تعط اهتماماً يذكر للريف، لاعتبارات عديدة لا مجال لذكرها هنا.


المشاركة السياسية

يحكم المكونات الشخصية لأمير الجماعة الإسلامية المؤسس مولانا المودودي الذي بدأ حياته كصحفي وكاتب موهوب، كان طبيعياً أن تنخرط جماعته في العمل السياسي منذ البداية، كانت انتخابات المحليات عام 1951م هي التجربة الأولى في الميدان الانتخابي للجماعة، التي استطاعت أن تبرهن على حضورها الفاعل في المدن، وخاصة العاصمة كراتشي في ذلك الوقت، وكانت النتيجة – كما يرى قادة الجماعة – أن اتخذ النظام الحاكم – موقفاً عدائياً من الجماعة، لكن ذلك لم يؤثر كثيراً على أعداء الجماعة في هذه المرحلة، حتى كان عام 1970م، عندما شاركت ولأول مرة عبر التحالف مع قوى سياسية أخرى، في الانتخابات البرلمانية القومية، واستطاعت أن تدخل البرلمان عبر أربعة من أعضائها جاء اثنان منهم من

العاصمة كراتشي وآخران من الاقليم الحدودي، واستمرت الجماعة الاسلامية في مشاركتها في العملية السياسية من خلال التحالف مع قوى سياسية أخرى فحصلت على 10 مقاعد في انتخابات 1977م، و10 مقاعد في انتخابات 85، و7 مقاعد عام 1988م، و7 مقاعد عام 1991، وقد حرصت الجماعة على التنسيق أو التحالف مع القوى السياسية التي تتفق معها حول بعض المبادئ المشتركة أو لمواجهة قوى سياسية أخرى تراها الجماعة مصدر تهديد لهوية باكستان، غير أن انتخابات عام 1993م، كانت نقطة تحول في الفلسفة الانتخابية للجماعة التي رأت أن الوقت قد حان لتخوض العملية الانتخابية بشكل مستقل عن القوى السياسية الأخرى استناداً إلى رؤيتها في أن الأحزاب السياسية الأخرى التي ظلت تتحالف معها لا تختلف كثيراً عن خصومها السياسيين، فحزب الرابطة الذي يتزعمه نواز شريف – من وجهة نظر الجماعة – ليس سوى واجهة مكررة لحزب الشعب الباكستاني الذي ترأسه بنازير بوتو، غير أن عناصر سياسية داخل

الجماعة كان لها تحفظها على وجهة النظر هذه، وكانوا يرون أن الجماعة الإسلامية لم تنضج بعد شعبياً حتى تخوض المعركة الإنتخابية بشكل مستقل، وأن الرابطة الإسلامية بقيادة نواز شريف لا تزال خياراً مناسباً للتحالف معها بحكم المبادئ العديدة التي ترفعها والتي تتفق إلى جانب كبير منها مع الجماعة الإسلامية، إلا أن القيادة العليا للجماعة كان لها رأيها الذي التزمت به الجماعة وعلى أساسها دخلت الانتخابات دون تحالف مع قوى أخرى، كانت النتيجة الحصول على ثلاثة مقاعد داخل البرلمان الوطني ومسجلة بذلك أدنى مشاركة سياسية لها في البرلمان، وكانت النتيجة متوقعة رغم الخدع العديدة التي استدرجت إليها الجماعة من جانب خصومها السياسيين الذين أوهموها

بأنها القوة الثالثة في البلاد ويمكنها أن تحصل على 40 – 50 مقعداً دون مشاركة أحد، ويرى الكثيرون ممن تابعوا العملية الانتخابية في ذلك الوقت أن كثيراً من المتعاطفين مع الجماعة الاسلامية آثروا التصويت لنواز شريف على الجماعة الإسلامية انطلاقاً من قناعة مؤداها أن منح الصوت للجماعة سيكون عديم الجدوى، نظراً لتضاؤل فرص الجماعة أمام بنازير بوتو، هذا فضلاً عن أن الكثير من أنصار الجماعة كانوا يرون أن نواز شريف يعد رهاناً مقبولاً لمواجهة خطر أكبر يتمثل في بنازير بوتو، وما يمكن أن تشكله من تحد لهوية باكستان – وقد كان – فقد نجحت بنازير بوتو بفارق طفيف كان يمكن التغلب عليه لو تحالفت الجماعة مع نواز شريف.


الجماعة الإسلامية ومحدودية القاعدة الشعبية

هناك سؤال هام يطرحه الكثيرون حول محدودية القاعدة الشعبية للجماعة الإسلامية وتضاؤل مشاركتها في العملية الانتخابية رغم المناخ الديمقراطي الذي تحظى به باكستان مقارنة بمختلف دول العالم الإسلامي الأخرى؟ وبعيداً عن إيجاد المبررات لوضعية الجماعة الإسلامية هناك حقائق هامة يجب الوقوف عندها:

أولاً: أن الجماعة الإسلامية تواجه أكثر من 75% من الأميين في المجتمع الباكستاني، وهذه الأمية توظفها القوى الإقطاعية الأخرى لصالحها في العملية الانتخابية، فالمجتمع الباكستاني أو الأسس الاقطاعية يمنح رجال الإقطاع فرصاً عديدة للوصول للبرلمان من خلال آلاف الفلاحين الباكستانيين الذين يعيشون حياة أقرب ما تكون لحياة الاستعباد، فهم إلى حد بعيد يمكن اعتبارهم جزءاً من ممتلكات رجال الاقطاع الذين يوجهونهم وفقاً

لرؤيتهم وتوجهاتهم هم، ويحرص هؤلاء الإقطاعيون على تكريس هذا الواقع الاستبدادي عن طريق حرمان الفلاحين في إقطاعياتهم من فرص التعليم وصرفهم تماماً نحو سياسة الرق الزراعي، والنتيجة الطبيعية أن رجال الاقطاع الذين يختلفون في مبادئهم – إذا كانوا أصحاب مبادئ – عن منهج الجماعة الإسلامية، يشكل السواد الأعظم من أعضاء البرلمان الوطني والاقليمي في باكستان، وهذا ما دفع الجماعة الإسلامية في باكستان للعمل على عدة محاور:

  1. السعي لتوسيع القاعدة العلمية بين الفلاحين في القرى من خلال بناء المدارس وعلى مراحل مختلفة.
  2. تكثيف نشاط الجماعة من الطبقة المتعلمة والمثقفة في المدن، غير أن هذه الاستراتيجية تحتاج إلى وقت طويل، وإمكانات مادية كبيرة أيضاً.

ثانياً: إن ما يعرف بالمناخ الديمقراطي في باكستان حوله علامات استفهام كبيرة بالواقع الديمقراطي الذي نعيشه في باكستان تتمتع به فئة محدودة للغاية في المجتمع الباكستاني، وهذه الفئة محصورة إلى حد كبير في رجال الأعمال الكبار والاقطاعيين، وبعض المثقفين والمتعلمين، أما السواد الأعظم من المجتمع فهم موزعون إقطاعياً بين الأحزاب السياسية.

ثالثاً: التركيبة السكانية والاجتماعية للمجتمع الباكستاني ذو الطبيعة العشائرية القبلية وهي موزعة كذلك بين الأحزاب السياسية الكبيرة، وفقاً لما تقتضيه مصالحها المختلفة.

رابعاً: تعدد الكشوفات الدينية المختلفة في باكستان، والتي تصل إلى عشرات الجماعات والأحزاب والتيارات، ويغلب على الكثير منها عدم وضوح الإسلام بصورته الحقيقية، وهذا يشكل عنصر تصادم مع الجماعة الإسلامية في البلاد.

خامساً: البعد الخارجي وما يشكل من تحدي للقوى الاسلامية المخلصة في البلاد.


حول أداء الجماعة الإسلامية

رغم كل هذه التحديات التي تواجه الجماعة الإسلامية في باكستان، إلا أن ذلك لا يبرر لها في النهاية الحالة التي هي عليها الآن، فهناك حركات إسلامية في دول أخرى تشابه لها مثل بنجلاديش، واستطاعت أن تحقق قفزات ملحوظة في المشاركة السياسية من خلال الانتخابات، ومن خلال الحضور الشعبي في القرى والمدن على السواء، كما أن جزءاً من تحديات الجماعة الإسلامية في باكستان استطاعت أن تتغلب عليه الحركة الإسلامية في اليمن والأردن والكويت، وغيرها من التحرك النشيط والدؤوب والمخلص، وعلى كل المستويات دون الركون إلى المعضلات التي تواجه هذه الحركات التي اصبح لها حضور متميز في برلماناتها الوطنية.

إن هناك شبه إجماع داخل وخارج باكستان على أن الجماعة الإسلامية يمكن أن تحقق أكثر مما حصلت عليه من مكاسب بالمزيد من العمل والمراجعة لسياستها واستراتيجيتها المستمرة داخل البد مستفيدة من تجارب الحركات الإسلامية الأخرى في بلدان العالم الإسلامي.

المصدر