نموذج من اضطهاد الحكومة للإخوان وكيف تعامل معها الإخوان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٠٨:٢٦، ١٠ نوفمبر ٢٠٢٢ بواسطة Admin (نقاش | مساهمات) (حمى "نموذج من اضطهاد الحكومة للإخوان وكيف تعامل معها الإخوان" ([تعديل=السماح للإداريين فقط] (غير محدد) [النقل=السماح للإداريين فقط] (غير محدد)))
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
نموذج من اضطهاد الحكومة للإخوان وكيف تعامل معها الإخوان
حول رحلة الأستاذ المرشد إلى الوجه القبلى مصادرة الحكومة لاجتماع الإخوان فى سنورس وفى الفيوم

مقدمة

خطاب الأستاذ البنا لرئيس الحكومة

حضرة صاحب الدولة إسماعيل صدقى باشا رئيس الحكومة المصرية.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد: فقد أصدر سعادة مدير الأمن العام أول من أمس منشورًا دوريًّا إلى المديرين والمحافظين ورجال الإدارة فى المملكة المصرية ترون دولتكم نصه مرافقًا لهذا الخطاب.

كما علمت أن سعادته شفع هذا المنشور بتعليمات شفهية تقضى بمحاصرة محطات الوجه القبلى الذى كنت قد اعتزمت السفر إليها، ومنعى من الاتصال بالإخوان بأية وسيلة، وكما علمت كذلك أن سعادته والى اتصالاته التليفونية برجال الإدارة محذرًا ومنذرًا وموصيًا بالتشديد على الإخوان والتضييق عليهم؛ مما دعاهم إلى تطبيق هذه النشرة مع إجحافها الظالم تطبيقًا أشد ظلمًا وإجحافًا، ومما ترتب عليه من مصادرة اجتماع الإخوان العام بالفيوم بتاريخ 8/7/49، ومصادرة حفل الشاى الخاص الذى دعا إليه الإخوان وجهاء المدينة عصر يوم 9/7/46.

بل حدث ما هو أغرب من ذلك، وهو مهاجمة حكمدار الفيوم للمجتمعين فى منزل الأستاذ عبد الحكيم عابدين الخاص بمطر طارس لعزائه فى وفاة عمه وابن عمه بقوة مسلحة، وأمرهم بالتفرق لوجودى فى هذا الاجتماع مع أننى كنت معزيًا ومعزى.

هذه التصرفات - يا دولة الوزير - إن جاز أن تقع فى أيام الأحكام العرفية والأوامر العسكرية فلا يجوز بحال أن يعمد إليها المسئولون فى وقت نطالب فيه بشدة بإلغاء كل قانون ينافى الحرية، ويصطدم مع حق الأفراد والهيئات المقرر فيها.

ولا يصح أن تكون بعض الحوادث العادية التى لم تقع بسبب اجتماع أو حفل وإنما هى فى أولها وآخرها مشاجرة فى شارع ذريعة لمصادرة حرية هيئة تمثل الغالبية العظمى من سكان هذه المملكة المصرية، ولقد زرت كل بلدان الوجه البحرى فى اجتماعات ضخمة ومؤتمرات شاملة خلال الأسبوعين الماضيين، وانتهت بكل توفيق وسلام مما ينهض دليلاً قاطعًا على عدم صحة ما جاء فى نشرة مدير الأمن العام.

لهذا أتقدم إلى دولتكم محتجًا على هذا التصرف الجائر الظالم راجيًا أن تأمروا بإلغاء مثل هذه الأوامر، وإباحة حرية الرأى والكتابة والاجتماع والنصح لكل الهيئات لا للإخوان المسلمين وحدهم، وخاصة فى مثل هذه الظروف التى تحتاج فيه الحكومة إلى استجلاء وجهات النظر فى اختلافها مؤيدة أو معارضة، وفى القانون ما يكفى لردع من أساء استعمال حقه أو اعتدى به على غيره.

وإنا لما تفعل دولتكم لمنتظرون...

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

خطاب المرشد العام

نحمد الله تبارك وتعالى، ونصلى ونسلم على سيدنا محمد وآله وأصحابه أجمعين.

"تحية واستفتاح ودعاء".

أيها الإخوان الفضلاء

سلام الله عليكم ورحمته وبركاته وأسأله تعالى أن يوجهنا فى هذه الاجتماعات لخير أنفسنا وخير أمتنا وخير أوطاننا، وخير الناس جميعًا، ونشكر الله لكم تلبية الدعوة وإجابة النداء، وجزاكم الله عما تحملتم خير الجزاء.

أيها الإخوان

لعل من رأى "الجمعية العمومية للإخوان" وطالع جمعكم هذا يظن أننا خدعنا الناس حينما طلعنا عليهم بأننا دعوناكم لجمعية عمومية، ولعله يقول لنفسه: إذا كانت هذه هى الجمعية العمومية للإخوان، فكيف بالمؤتمرات الخاصة بهم، وعهد الناس بالجمعيات العمومية أنها عدد محصور فى حيز محدود، أما أن تكون جمعية عمومية مثل جمعيتكم هذه فى مثل هذه الكثرة تشغل الأماكن والدور

وتملأ الشوارع والميادين، فهذا ما ليس للناس به عهد، فليعلم هؤلاء أننا بحق جمعية عمومية لا أكثر، وأننا لم نخدع أحدًا حينما قلنا: إننا ندعو الجمعية العمومية للإخوان المسلمين فى وادى النيل من الشمال إلى الجنوب إذ يسعدنا أن يحضر جمعنا هذا كثير من إخواننا أبناء السودان العزيز.

ونحن نعترف بعجزنا عن جمع مؤتمر عام وطنى للإخوان، لأنه إذا دعى الإخوان لمؤتمر مثل هذا فلن يتسع لهم إلا جنبات الوادى، فإن هذا الشعب قد استجاب فعلاً للدعوة، وتهيأ فى سبيل تحقيق أهدافه الوطنية، والأمة بأسرها قد عاهدت الله على هذا، فمن الذى يستطيع أن يجمع أمة الوادى فى غير جنباته.

الخطة الفاصلة فى التاريخ

أيها الإخوان الممثلون لإخوانكم جميعًا،

إنما دعوناكم فى هذه اللحظات الفاصلة فى تاريخ الوطن لنطالعكم برأى المركز العام، وما نقترحه عليكم بعد أن وصلت الأمور إلى هذه المراحل الفاصلة، وقد رأى المركز العام ألا يستقل بالعمل والتقرير، فوجه إليكم الدعوة ليستنير برأيكم، ويقوى بمؤازرتكم وتشجيعكم، ولكم أن تقرروا، وأن تعملوا، وللمركز العام أمله أننا عندما نقرر ندرك قيمة ما نقرر، وما سيكون لعملنا تبعات جسام لا مناص منها ولا حيدة عنها.

موضوعات الاجتماع

وأحب أن أتناول معكم موضوعات هذا الاجتماع لا كما يتناولها الخطيب البارع أو المحاضر اللبق أو البليغ الذى يثير الحماسة، ولكن كما يتناولها المقرر الذى يشرح المسائل على حقيقتها، ويوضحها فى أبسط صورها، ويصل إلى أعماقها وأغوارها حتى إذا قررنا شيئًا كنا مدركين لحقيقته مقدرين لنتيجته، والله معكم ولن يتركم أعمالكم.

اللغز الذى لم يحل

هذا هو الفصل الأول من هذا البيان، وهذا اللغز هو أنتم أيها الإخوان، فبالرغم من كثرة البيانات لا يزال الناس يتساءلون عن مقاصدكم، وماذا تعملون، وهل جمعيتكم دينية أو سياسية أم هى تشكيلة رياضية أو شركة اقتصادية؟ ولقد أفصحنا عن كل ذلك فى اجتماعاتنا السابقة ورسائلنا وكتاباتنا وفى جريدتنا ومجلتنا.

موقف الحكومة الحاضرة من الإخوان

إنه ليعنيكم -أيها الإخوان - وأنتم جمعية عمومية من حقها أن تشرف على سياسة الدعوة، أن تعلموا ما هو موقف الحكومة الحاضرة منكم وموقفكم منها؟ لقد اتهمنا واتهمت الحكومة ظلمًا بأنها ساعدت الإخوان، وأمدتهم بالمال تارة، وبالورق لصحيفتهم تارة أخرى، وبالحرية ثالثة، وأفسحت أمامهم كل مجال، وعملت معهم كل جميل، اتهمت الحكومة ظلمًا بهذا كما اتهمنا نحن به أيضًا.

والواقع أن الحكومة كان لها معنا موقفان: الأول الحياد الدقيق، والثانى الضغط والمضايقة، ففى الأول وقفت تنتظر ماذا يصنع الإخوان؟! وقد كان حيادها دقيقًا فلم تساعد الإخوان بشىء، ولم تغدق عليهم مالا ولا حرية بل منعت عنهم كثيرًا من الحقوق الطبيعية، فلم تظفر جريدة الإخوان إلى الآن بفرخ واحد من الورق، ولم تصرف الإعانات المقررة لكثير من الشعب إلى الآن، وصرف لبعضها أقل بكثير مما كان يأخذ فى الأعوام الماضية، ولقد قال بعض الظرفاء: حسبكم أن صرحوا لكم بالجريدة، وهذه خدمة جليلة، فقال ظريف آخر: وكأن الحكومة إذن قد خدمت الوفد بتصريحها بجريدة "صوت الأمة".

ولم يدم هذا الموقف طويلاً، فقد قلبت الحكومة للإخوان ظهر المجن، ووالى مدير الأمن العام خطاباته لرجال الإدارة فى كل مكان بالتضييق عليهم، والحد من حريتهم ومنع اجتماعاتهم بشتى الوسائل، ومطاردة جوالتهم فى كل مكان، فى الوقت الذى نرى فيه جوالة الأرمن وجوالة اليونان وجوالة الطليان تسير على أرض هذا الوطن بتشكيلات عسكرية، وبأناشيدها القومية، وترفع أعلامها، وشاراتها الوطنية، فإذا سارت جوالة الإخوان قيل لها: إن السير ممنوع:

أحرام على بلابله الدو
ح حلال للطير من كل جنس

ونريد أن نسجل أن الإخوان إن منعوا من الاجتماع فى دورهم، فإنهم يجتمعون فى المساجد، يجتمعون فى جوف الأرض أو فى أى مكان، وإن لم يستطيعوا أن يجتمعوا معًا، فإن أحدهم يكون أمة بمفرده، ويتصل بإخوانه بروحه وما جمعه الله لا يفرقه الناس.

كما نريد هنا أن نسجل على الحكومة هذه المواقف التى ما كان ينبغى أن تكون، ويزيدنا أسفًا أن نشعر أن ذلك كله ليس لحساب مصر، ولكن تقربًا إلى بعض الجهات الأجنبية، أو قضاء لبعض الأغراض الشخصية. إننا مستقلون أيها الموظفون الكبار، ويجب أن نعترف لأنفسنا بهذا الاستقلال وإن أباه علينا الغاصبون.

موقف الوفد من الإخوان

وهذا أمر عجب حقًّا فإننا لا زلنا نجهل الدافع إلى خصومة الوفد للإخوان، فماذا جنى الإخوان؟ أخلطوا الدين بالسياسة، كما يقال، وما ضرر هذا على الوفد أو على الوطن، وهل لم يعلم الوفد أننا خلطنا الدين بالسياسة إلا الآن فقط، ونحن الذين قدمنا لهم فى الحكم العرائض والمذكرات السياسية فى كل مناسبة؟ فلم لم نتهم بهذه التهمة الكريمة إلا الآن؟

وهل كان الإخوان المسلمون سببًا من أسباب خمود الحركة الوطنية الأخيرة؛ لأنهم مالئوا صدقى باشا؟ ومن الذى أيقظ هذه الشعلة إذن بعد أن أخمدها الزعماء عشر سنين فى صدور الأمة ورأس الشباب؟! ومن الذى جهز حملة الوعى القومى، ومحاربة الأمية الوطنية فى القرى والريف إلا الإخوان، ومن الذى جعل الفداء والاستشهاد أمنية من أسمى الأمانى فى نفوس أبناء الوطن على اختلاف طبقاتهم، قليلاً من الإنصاف أيها الناس.

ليس من دافع لهذه الخصومة فيما نعتقد إلا التنافس الحزبى، وهو ما نأسف له ونحزن، فنحن لسنا حزبًا ينافس الأحزاب، ولكنها دعوة حق وخير توجه إليهم جميعًا، ويزيدنا أسفًا وألما أن نحارب بهذه الأسلحة العجيبة.

سلاح الكذب والافتراء بالإشاعة الكاذبة والكتابة المفتراة. وسلاح التشويه بارتكاب الجرائم والأعمال التى لا تتفق مع آداب المجتمع ولا تعاليم الإخوان، والهتاف بهتافاتهم لينتسب بعد ذلك إليهم بالزور والبهتان. وسلاح استعداء الحكومة على حريات الإخوان فى كل مكان. وسلاح التحرش والشغب ودفع طائفة من الذين لا عمل لهم إلا المشاغبة للتحكك بالاجتماعات والأفراد، ولا نتيجة لكل هذا إلا تفريق كلمة الأمة فى وقت هى أحوج ما تكون فيه إلى الوحدة والاجتماع.

ولقد وقف الإخوان من كل ذلك موقفًا سلبيًا لأنهم لا يريدون أن يزيدوا الطين بلة بمقابلة العدوان بعدوان مثله، ولأنهم يدخرون هذا الموقف لمثل هذا اليوم الذى نحدد فيه موقفنا من الهيئات جميعًا والأحزاب جميعًا على ضوء المصلحة الوطنية لا المعانى الشخصية

فإن ولجت الأحزاب معنا باب الجهاد ووقفنا جميعًا صفًا واحدًا أمام الغاصب فعفا الله عما سلف، والجهاد يجب ما قبله، وإن تنكر القوم لحقوق أوطانهم وأبوا إلا أن يساوموا عليها، ويفتحوا للغاصبين طريق التنقص فيها جاهدناهم بكل ما فينا من قوة، وكان جهادنا لله لا للأشخاص وللاعتداء على الوطن كله لا للاعتداء على هيئة الإخوان.

مناقشة مشروع المعاهدة

وانتقل المرشد العام بعد ذلك إلى الكلام عن الموقف الحاضر ومناقشة مشروع المعاهدة فقال:

والآن وقد وقفت المفاوضات، وعرضت بعض الصحف للمشروعين البريطانى والمصرى على السواء أحب أن نقف وقفة نبين فيها الطريق، وما يجب أن يكون، وسوف لا أناقش المشروع البريطانى ما دام المفاوضون المصريون قد أراحونا من هذا العناء وأغلقوا دونه الباب.
وبقى بعد ذلك المشروع المصرى، والمادة الثالثة فيه تنص على قيام لجنة مشتركة للنظر فى شئون الدفاع عن البلدين تجتمع من تلقاء نفسها أو بدعوة من الحكومتين لتقدم التوصيات بالتدابير الواجب اتخاذها، ووجود هذه اللجنة على أى وضع اعتراف بحق يقيد حريتنا ويتعارض كل التعارض مع استقلالنا.
ويفتح الباب على مصراعيه أمام المطامع البريطانية، فما أغفله البريطانيون اليوم من قيود ومطالب سينالون أضعافه على يد هذه اللجنة، وبقرار منها إن قبلناه فقد وضعنا الغل فى أعناقنا وأيدينا وأرجلنا، وإن رفضناه فقد أثرنا نزاعًا لا يعلم عاقبته إلا الله، والملحق الخاص بالسودان فى هذا المشروع قد صيغ صياغة لا تتفق مع مطالب المصريين أو السودانيين على السواء، ويكفى أن فيه اعترافًا بالتفريق بين المصرى والسودانى وأن المفاوضة ستكون حول نظام الحكم فى السودان.
وعلى كل حال فإن المشروع المصرى يخالف ما أعلنته الأمة حكومة وشعبًا من أن أساس نجاح المفاوضات تقرير الجلاء وتحقيق وحدة وادى النيل، كما أن قبول معاهدة كائنة ما كانت فى ظل الاحتلال والضغط والإكراه أمر باطل قانونًا ولا ضرورة له مع قيام هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن لحماية السلام فى العالم. ومن الواجب أن نرفض هذه المشروعات جميعها، وألا يكون هناك مفاوضة مع الإنجليز بعد اليوم إلا بعد تمام الجلاء.

تكرر مأساة سنة 1936م

وأخطر ما فى الموقف -أيها الإخوان- أن يلجأ الإنجليز بعد أن كسبوا هذا الوقت، وأرهقوا المفاوض المصرى هذا الإرهاق، وشنوا حرب الأعصاب على الشعب طول هذه الفترة وهو فى ظلام دامس لا يدرى شيئًا مما يجرى وراء الستار إلى لعبتهم المكشوفة، وحيلتهم التقليدية، فيتحكموا فى توجيه السياسة المصرية من جديد، ويدفعوا بها إلى إيجاد حكومة محايدة كحكومة نسيم باشا سنة 1936م وتأليف وفد مفاوضة جديدة برياسة النحاس باشا ينتهى أمره بالتوقيع على معاهدة المجد والفخار وتكون هى بعينها معاهدة الشرف والاستقلال الماضية لم يتغير منها إلا بعض العبارات والألفاظ.

على الأمة أن تحذر هذه اللعبة، وأن تقاومها بكل ما تستطيع من قوة وإلا كان خيرًا لها أن تقبل أى وضع يعرض عليها وتريح نفسها من ضياع الوقت وعناء الانتظار، وأن الجميع ليعلمون أن مشروع ملنر لخص فى تصريح 28 فبراير وصيغ فى معاهدة 36 وأعيدت صياغته فى مشروع 46 الحالى

وأن سياسة الإنجليز فى كل ذلك لم تتغير، وليست هناك إلا سبيل واحدة هى قطع سبيل المساومة على البريطانيين وعلى من يوافقونهم من الزعماء المصريين ومواجهتهم جميعًا بجهاد وعمل، وإلا فعلى القضية الوطنية السلام وأصارحكم أن الفكرة السائدة والمهيمنة على نفوس وعقول رؤسائنا وزعمائنا وأصحاب الحكم فينا أنهم لا يتصورون كيف يجاهدون، فهم يعلمون كيفية الوصول إلى الحق عن طريق الكفاح ولا يعرفون لهم وسيلة إلى المماحكة والمسايرة والمفاوضة.

هذه عقلية الزعماء والرؤساء فى مصر، فهم يتساءلون إذا قطعت المفاوضات فماذا نعمل؟

والجواب على ذلك: جاهد بكل ما تستطيع، واللسان الذى يمدح يستطيع أن يذم، واليد التى تمتد للمصالحة تستطيع أن تمتد للطمة كذلك، والحانوت الذى يفتح عند الرضا يغلق عند الغضب، والمجاهد يؤدى الواجب وحسبه الله وراحة الضمير.

هذه عقلية الزعماء والكبراء، ولكن المهم فى الأمر هو الأمة فإن كانت الأمة قد وعت وعيًا صحيحًا، واستعدت للتضحية، فستصل إن شاء الله إلى ما تريد، ويأبى الله إلا أن يتم نوره.

ماذا يجب على الأمة والحكومة؟

وهناك واجبات كثيرة ينبغى أن تقوم بها الحكومة والأمة كل فى محيطة.

فعلى الحكومة أن تكاشف الأمة بحقيقة الموقف فى بيان مفصل واضح، ثم تعلن قطع المفاوضات وإبطال معاهدة سنة 1936م، وتطلب رسميًا إلى البريطانيين وغيرهم سحب قواتهم فى المدة التى رآها الخبراء العسكريون المصريون، وإلا اعتبرت ذلك عدوانًا على سيادة الوطن واستقلاله، ثم ترفع القضية إلى هيئة الأمم المتحدة، لاستكمال الأوضاع القانونية فإن اتفقنا فيها وإلا فأمامنا أن ننسحب منها، وفى الجهاد متسع لمن يريد حياة الحرية والكرامة ويجب أن تخطوا الحكومة هذه الخطوات فى سرعة وحزم، ويكفى ما ضاع من وقت ولا فائدة فى التأخر والبركة فى البكور.

وعلى الأمة أن تتوحد؟! ماذا ينتظر زعماء هذه الأمة وماذا يرجون من وراء هذا الانقسام بعد أن ألصق الإنجليز أنوفهم جميعًا فى الرغام؟! إلى الوحدة والجهاد فهما السبيل إلى الحق، ولا سبيل غيرها مع المعتدين الظالمين.

لقد دعا الإخوان إلى الوحدة من قبل وسيجددون الدعوة إليها من بعد، وسيطالبون كل حزب وكل زعيم بأن يعطى موثقه ألا يقبل الحكم إلا على أساس بطلان المعاهدة وعدم المفاوضة وإعلان الجهاد والمطالبة بالجلاء التام الناجز عن أرض الوادى وجوه ومائه حتى تتم له الحرية ويكمل الاستقلال.

وعلى الأمة كذلك أن تستعد وأن تنظم طريق "المقاومة" لهذا العدوان، وذلك ما سيكون موضوع بحث اللجنة التى سيناط بها هذا الأمر فى المركز العام بعد أن ترى أثر هذه الدعوة للهيئات والأحزاب، ولن يتأخر ذلك كثيرًا ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ "يوسف: 21".

وقد يظن بعض الناس إننا لا نستطيع أن نعمل شيئًا أمام قوة الإنجليز وشدة بطشهم، فليعلم هؤلاء أنهم مخدوعون وأنه لا أمل للإمبراطورية البريطانية اليوم فى النجاة إلا بمناصرة هذه الكتلة العربية المسلمة، ووقوفها معها سياجًا أمام ما تترقب من اعتداء، ولن ترضى هذه الكتلة أن تعيش بعد اليوم عيشة العبيد الأرقاء، ولن يطول عهد خداع الزعماء والصنائع للشعوب والأمم، وقد وعت حقوقها وأدركت منزلتها ودب إلى هؤلاء الزعماء الهرم المادى فهم إلى فناء، والهرم المعنوى فهم إلى ضعف وبلاء ولا سلطان لهم إلا على نفوس النفعيين والضعفاء.

وعلى إنجلترا اليوم أن تختار: إما صداقة حقيقية على أساس العدل والإنصاف والاعتراف بالحقوق لأصحابها، والتسليم بالأمر الواقع وبالتطور الجديد فى حياة الأمم والشعوب، وإما خصومة لم تمنع القدر المحتوم وإن أخرت وقوعه بضعة أيام أو أعوام.

العضو الحى فى الجسم المخدر

أيها الإخوان

إنكم العضو الحى فى الجسم المخدر، والحارس اليقظ فى الجمع القائم، فعليكم أنتم أن تتدبروا الخطوة الأولى ليتبعكم الناس فأدوا الواجب ودعوا ما يكون، ﴿وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ "محمد: 35"، ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ﴾ "الحج: 40". والله أكبر ولله الحمد

المصدر