البنا والهضيبي وأخلاقيات النقد والحوار 4

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٨:٤٠، ٢٤ يناير ٢٠١٠ بواسطة 41.237.39.207 (نقاش) (أنشأ الصفحة ب''''البنا والهضيبي وأخلاقيات النقد والحوار''' (4) أ.د/ جابر قميحة == الإمام الشهيد [[حسن الب…')
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

البنا والهضيبي وأخلاقيات النقد والحوار

(4)

أ.د/ جابر قميحة



الإمام الشهيد حسن البنا

شاهدت حتي الآن ثلاث عشرة حلقة من حلقات «شاهد علي العصر» التي استضاف فيها السيد أحمد منصور (رجل قناة الجزيزة) أستاذنا فريد عبد الخالق, وكان عرض الحلقة الأخيرة مساء السبت 28 من فبراير 2004, وعنّ لي - بعد هذه المشاهدة - بضع أفكار وخواطر في نطاق هذه الحلقات, وهي تتعلق في أغلبها بمنهج التناول والعرض, تتلخص فيما يأتي:

1 حتي يتحقق الصواب والعدل في تقييم الواقعة التاريخية يجب أن يُراعَي اعتباران: الأول :أن يُحكم عليها بمعيار زمانها - أي زمان وقوعها - لا زماننا.

والثاني ألا يُحكم عليها معزولة, بل يُنظر إليها في منظومة الأحداث والوقائع والظروف التي تحيط بها.

والثاني : أن الخلاف وارد - في أغلب الأحوال - لاختلاف طبائع البشر, وقدراتهم وإمكاناتهم العقلية والنفسية, وحظهم من العلم والثقافة, وكذلك لاختلاف «زوايا النظر» إلي الواقعة أو الظاهرة. وقد يصل الاختلاف إلي درجة التناقض, ويكون الرأيان «المتناقضان» علي صواب. ومن أمثلة ذلك إلغاء سيدنا عمر سهم المؤلفة قلوبهم, وهو جزء من الزكاة يُمنح لأشخاص لجذبهم إلي الإسلام أو لاتقاء شرهم. وجاء عيينة بن حصن الخليفة عمر رضي الله عنه وقال له: أنت تمنعني مع أن رسول الله وأبا بكر كانا يعطيانني من هذا السهم؟! قال عمر رضي الله عنه: «نعم كان ذلك أيام أن كان الإسلام لا شوكة له, أما الآن: فليس بيننا وبينك إلا السيف إذا مرقت». ومن ذلك أن الصديق رضي الله عنه كان يسوي بين المسلمين في العطاء دون نظر إلي السبق إلي الإسلام, وكان يقول: «إنها مسألة معاش (أي ما يحفظ علي الإنسان حياته من طعام وشراب), والناس في ذلك سواء». أما عمر فقدم في العطاء أصحاب السبق علي غيرهم. وكان يقول: «والله لا أعطي من حارب النبي صلي الله عليه وسلم في بدر كمن حارب معه فيها». ولكل من الآراء والوجهات السابقة وجاهته . ونصرة الإسلام, ومصلحة المسلمين ورفع مستواهم, وتحقيق الخير لهم.. كل أولئك كان الهدف المشترك بين الجميع. ولم يأت من قال: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هدم النص القرآني, ونقض سنة رسول الله, صلي الله عليه وسلم, وخليفته.. ومعروف أن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا.


2- من حق الباحث بصفة عامة, والإعلامي بصفة خاصة, و«التلفازي» بصفة أخص, أن يحدد المنهج الذي يتبعه في التعامل مع المادة العلمية, ومع الآخرين في الحوار معهم. وهنا يكون ملزمًا باحترام هذه القواعد التي حددها سلفًا بإرادته الحرة, مراعيًا أصول الخلق والذوق والنظام والأدب, علي ألا «يكيل» بمكيالين أو أكثر. وقد عرضت فيما كتبته في الحلقات السابقة كيف «مرق» أحمد من هذه القواعد في حواره مع أستاذنا فريد عبد الخالق, بطريقة دميمة جعلته موضع استهجان الإخوان ، وكثير من غيرهم.


3- من البدهيات الإعلامية - علي حد علمي المتواضع - أن المستضيف (مقدم البرنامج) يضع نفسه دائمًا - عن قصد - في دائرة الظل, دافعًا الضيف دائمًا إلي دائرة الضوء, فهو الشخصية المحورية في البرنامج. والإعلامي المتمرس لا يسمح لنفسه أن يطغي بصوته أو معلوماته علي ضيفه, بل يوظف ما نسميه «تجاهل العارف».. أي ستر المقدم بعض معلوماته ليمكن «الضيف الشاهد» من تقديم أقصي ما عنده. ولكنك للأسف جُرت - يا سيد أحمد - علي مكانة الأستاذ فريد, وظلمت شيخوخته ووقته, حتي قال أحد الأصدقاء الصحفيين - وهو يشاهد معي إحدي الحلقات: «الله!! هوّ مين في الاثنين الشاهد علي العصر؟!».


ومن حقي أن أخالف أحمد في سيره - في مناقشة الضيف - علي نظام «المياومة, والمشاهرة, والمعاومة» ، أي بطرح الواقعة بالصورة الآتية : في يوم كذا... من شهر كذا.. عام كذا... حدث كذا.. أنت (هكذا) كنت يومها فين؟ وإيه دورك فيما حدث؟... إلخ. فإذا ما تحدث الضيف ووفي بالمطلوب, وأراد أن يبين أثر الواقعة فيما بعد, تدخل أحمد بجفاف وحدّة ... وأوقف الضيف, بأسلوب لا يليق... لا ... لحد هنا... أنا ماشي معاكم وحدة وحدة. يا أحمد... ياسيد أحمد... إن الوقائع التاريخية تيار موصول أوله بآخره, وكل واقعة لها مقدمات ومسار, ونتائج وآثار, منها الظاهر, ومنها الخفي ول«أرنولد توينبي» وقبله ابن خلدون كلام رائع في هذه الحقيقة. وكم قاطعت ضيفك في حدة إذا أراد أن يعرض الواقعة بطريقة علمية سديدة بمقولتك «الكريمة»: «كفاية... أنا جايلك بعد كده... أنا جيَّ» .


أما كان الأجدي يا سيد أحمد أن يستوفي القول في علاقة عبد الناصر بالإخوان من البداية إلي النهاية دون بتر أو تفتيت وهلم جرا... ومن استعراض الوقائع والعلائق في مسارها الطبيعي, وفي كل أشكالها من سكون إلي دينامية, وإبراز التفاعل بينها تأثرًا وتأثيرًا ؟


الإخوان وتقديس مرشديهم

ولكن ما حرّمه أحمد علي ضيفه أحلّه لنفسه في قفزات غير موفقة علي التاريخ «بلا حدود» فهو يقفز من مطلع الخمسينيات في القرن الماضي إلي مطلع القرن الحادي والعشرين زاعمًا أن الإخوان «اشتروا صحيفة آفاق عربية» . ياريتك يا سيد أحمد منصور تفصل القول في هذه الصفقة... لأنني واحد من كتاب هذه الصحيفة أو «السلعه» المزجاة.

وتهمة منصورية أخري... يقول السيد أحمد... «إن الإخوان يقدسون مرشديهم, وينظرون إليهم كأنهم أنبياء» .

إن هذا افتراء ... افتراء موكوس يا أحمد ... كان عليك أن تفرق - وأنت تخرجت في قسم اللغة العربية - بين التقدير والتقديس ، فالإخوان يقدرون مرشديهم ويوقرونهم, ويطيعونهم طاعة مبصرة. أما التقديس - يا أحمد - فلا يكون إلا لله , كما جاء علي لسان الملائكة {...ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك....}[البقرة: 30] ولا يصح شرعًا أن يوصف الأنبياء أو الصحابة, أو الأولياء «بالقديسين». وما أصدق قوله تعالي مخاطبًا نبيه محمدًا صلي الله عليه وسلم {قل أنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد} [الكهف: 110].

لقد مضي علي الجماعة ثلاثة أرباع قرن لم نسمع في يوم منها واحدًا من الإخوان يهتف «عاش حسن البنا» أو «يحيا عمر التلمساني» , أو «بالروح .. بالدم نفديك يا مأمون».

وأذكر واقعة مضي عليها أكثر من نصف قرن ، وخلاصتها أن الأستاذ الهضيبي (الأب) - رحمه الله - حينما زار المنزلة مسقط رأسي, وأثناء وصوله إلى الحفل الذي أقامه الإخوان قابله الإخوان بهتافاتهم المعروفة «الله أكبر ولله الحمد - الله غايتنا...» إلخ فأخذت الحماسة واحدًا من أبناء البلد... ولم يكن من الإخوان - اسمه «إبراهيم البدري» الشهير بإبراهيم شجرة لأنه كان عملاقًا فهتف «عاش الهضيبي... يحيا الهضيبي» ، فقفز إليه الأخ الطالب زين حسن النجار, ومعه بعض الإخوان, و«كمَّموه» بأيديهم... وضحك الإخوان وهو يقول: جري إيه يا جماعة.. هو أنا شتمت حد ؟.. دا أنا بقول عاش ويحيا.

فالإخوان - يا سيد أحمد - لم يقدسوا مرشديهم ولم يسمحوا لغيرهم أن يقدسوهم.. أو يسرفوا في تقديرهم.. مؤمنين بقول رسول الله صلي الله عليه وسلم «المؤمنون تتكافأ دماؤهم , يسعي بذمتهم أدناهم, وهم يد علي مني سواهم».

الهضيبي دمر الإخوان!!؟


الأستاذ حسن الهضيبي

قصدت جموع الإخوان حسن الهضيبي, ليكون مرشدا خلفا للإمام حسن البنا رحمه الله... ولكنه اعتذر. وأصر علي الاعتذار, إلي أن نزل علي إرادة الإخوان, وقبل هذا التكليف في وقت كانت الجماعة فيه مثخنة بالجراح, والرجل كان في الستين من عمره, وقد أجريت له قبلها بقليل عملية أو عمليات جراحية, وتم اختياره مرشدًا بالأغلبية العظمي لمكتب الإرشاد, والهيئة التأسيسية. ولكن السيد أحمد منصور يصدر أحكامًا - ضمن منظومة أحكامه - بأن الهضيبي - بسياسته المتخلفة وعجرفته وتكبره, وانعدام خبرته السياسية - قاد الجماعة إلي التدمير. والتدمير يعني القضاء المبرم والنهائي علي الجماعة. يعني لو اختار الإخوان غيره لبقيت الجماعة ونهضت وازدهرت.

وأسأل: كيف دمر الهضيبي الجماعة - يا أحمد - مع أن الجماعة -- ابتداء من عهده - أخذت تنمو نموًا مطردًا حتي أصبحت الآن أكبر وأقوي جماعة إسلامية في العالم كله?

كيف دمرها يا أحمد - مع أن الجماعة في عهده - خرجت من نطاق المحلية إلي رحابة العالمية ، وذلك بنشاط الإخوان الذين «أفلتوا» من المحن الناصرية, وانتشروا في أقطار متعددة بكل القارات. كما أن المحنة أو المحن التي نزلت بالإخوان فتحت أنظار العالم, والتنظيمات, والمنظمات الدولية, والباحثين والدارسين علي وجود الجماعة وفكرها وثقلها, وأهميتها.
والمحن التي نزلت بالإخوان في عهد الهضيبي, لم تكن هي الأولي, فقد تعرض الإخوان في عهد الإمام البنا لمحنة عاتية أيام أن كانت مصر يحكمها النقراشي, ثم إبراهيم عبد الهادي, مسيّرين بالقصر والمستعمر الإنجليزي, وقتل آنذاك عدد من الإخوان, واعتقل وحوكم عدد كبير واغتيل الإمام البنا في 12/2/1949 .
وظل لحسن البنا - حتي الآن - شخصيته ومكانته الأثيرة مرشدًا ومؤسسًا, وقائدًا متميزًا.

وإذا قصد أحمد بالتدمير ما حدث من انشقاق في الجماعة, وفصل عدد من الشخصيات, فهذا - كما ذكرت - طبيعي ووارد في فترة الانتقال من مرحلة سابقة إلي مرحلة لاحقة . ونحن جميعًا نعرف ما حدث بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه وسلم, من ارتداد العرب ، وما حدث من خلاف علي الخلافة في سقيفة بني ساعدة, وكيف غضب سعد بن عبادة سيد الخزرج, واعتزل المسلمين.

وجاء الهضيبي, فحرص بسياسته علي أن يجنب الجماعة سلوك طريق العنف والقوة انتقامًا ممن ظلموهم, وأنزلوا بهم المحنة في عهد النقراشي وعبد الهادي. وكثير من الإخوان - كما هو معروف - كانوا ذوي خبرة عالية في استخدام السلاح. وموقف الهضيبي من السندي والجهاز السري معروف.

وكان الرجل في كل زيارة يقوم بها للإخوان في المدن المصرية, يؤكد هذا المعني, ملحاعلي ضرورة سلوك الحكمة والموعظة الحسنة في الدعوة إلي الله, ونشر أفكار الجماعة ومنهجها . وهو يؤكد هذا النهج في كتابه الرائع «دعاة لا قضاة».
يا سيد أحمد منصور: كنت أتمني أن يكون بين مراجعك الستين - التي اعتزلت أولادك وأهلك من أجل التفرغ لقراءتها على حد قولك - كتاب واحد يفسر شخصية الطغاة, وأبعادهم النفسية لتدرك أن عبد الناصر - وقد ذاق «عسيلة» السلطة - كان علي استعداد لتصفية كل من يعارضه مهما كانت النتائج.

ولنا بعد ذلك لقاء بمشيئة الله .