تاريخ جماعة الإخوان المسلمين بسوريا

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٥:٤٨، ١٤ مايو ٢٠١٠ بواسطة Rod (نقاش | مساهمات) (حمى "تاريخ جماعة الإخوان المسلمين بسوريا" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد)))
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمون في سوريا
خريطة سوريا

يقول الأستاذ جمعة أمين: "يعد القطر السوري من أوائل الأقطار التي نبتت فيها دعوة الإخوان خارج مصر، ويعود ذلك لعدة أسباب أهمها:

1- اهتمام الإخوان بالطلبة السوريين المتواجدين بمصر للدراسة، وإحاطتهم بالرعاية والتكريم، ومن هؤلاء الطلبة مصطفى السباعي وعمر بهاء الدين الأميري.

2- رعاية الإخوان للعلماء السوريين أمثال عالم دير الزور محمد سعيد العارفي الذي استوطن مصر بعد خروجه من سوريا إثر ثورته على الظلم والاحتلال الفرنسي، والذي صادر أملاكه وكتبه وحكموا عليه بالنفي.

يقول الأستاذ البنا عن علاقته بهذا العالم الفذ: "وعاد إلى سوريا بعد فترة واختير نائبًا عن دير الزور، وجاء إلى مصر لحضور المؤتمر البرلماني لقضية فلسطين -فيما أذكر- فترك حقائبه في الكونتننتال وهرع إلينا في دار الإخوان، وكان يقضي معهم وقت العمل الرسمي، ثم يقضي معنا ما بقي بعد ذلك".


وقد تعددت الآراء حول التاريخ الموثق لنشأة دعوة الإخوان في سوريا وأهمها رأيان:

الرأي الأول: رأى الأستاذ عمر بهاء الأميري والذي ترجع أهميته إلى كونه عاش بنفسه نشأة الدعوة في سوريا، وكان له أثر في إنشاء تشكيلاتها المختلفة فيقول: "وفي عام 1355ﻫ الموافق 1936م كان للدعوة تشكيلاتها غير المرخص بها، ومراكز اتصالات ضمن نطاق ضيق، وفي أكثر البلاد السورية... وفي عام 1356ﻫ/ 1937م، أسس في حلب أول مركز مرخص للجماعة وذلك رغم تضييق الاستعمار الفرنسي الغاشم، وبدأت منذ ذلك الوقت الاتصالات الوثيقة مع الإخوان المسلمين ولاسيما فضيلة المرشد العام".

أما الرأي الآخر: فهو رأي الأستاذ إسحاق موسى الحسيني، والذي حدد التاريخ الفعلي لبدء الدعوة في سوريا بعام 1937، حيث يقول: "نهض بالعمل للدعوة سنة 1937 بضعة عشر فردًا من شباب الجامعة السورية وطلاب العلوم الشرعية، وأرادوا أن يتسموا باسم واحد، وأن تكون منظماتهم في مختلف البلدان مرتبطة بعضها ببعض رسميًّا، ولكنهم خشوا بطش حكومة الانتداب فالتجأوا إلى اللف والدوران حتى يصلوا إلى أغراضهم".

وبالوقوف أمام الرأيين ندرك أن التوفيق بينهما ممكن، فمن الثابت أن جريدة الإخوان المسلمين في 21من فبراير 1935 نصت على أن للإخوان مندوبين في كثير من الأقطار الخارجية، وهم على صلة بمكتب الإرشاد العام، ويعملون معه على الوصول إلى الغاية التي تعمل لها جماعة الإخوان المسلمين، وذكرت من هذه الأقطار: الشام وفلسطين.

ومن الثابت كذلك أن الشام استقبلت عضوي الإخوان الأستاذ/ عبد الرحمن الساعاتي والأستاذ محمد أسعد الحكيم موفدين من مكتب الإرشاد إلى سوريا ولبنان وفلسطين في 5أغسطس 1935م بهدف نشر الدعوة وتوضيح الفكرة الإخوانية في بلاد الشام.

كذلك ورد في حصر شعب الإخوان الصادر في يونيو 1937م اعتماد الإخوان لأربع شعب في سوريا، وهي شعبة دمشق ومندوبها الشيخ عبد الحكيم المنير الحسيني، وشعبة دير الزور ومندوبها محمد سعيد العارفي، وشعبة حيفا ومندوبها محمود أفندي عزت النحلي، وشعبة حلب ومندوبها الشيخ محمد جميل العقاد. وعند استقراء هذه الأخبار نستنتج الآتي:

بداية من عام 1933م كانت بداية ظهور الفكرة الإسلامية عامة، والتي غذتها الأفكار الإخوانية وعملت على نموها وازدهارها، ومرورًا بعام 1935 ذلك العام الذي حرصت فيه قيادة الإخوان على إرسال مندوب لها إلى الأراضي السورية واللبنانية والفلسطينية تأصيلاً لجذور الدعوة الإخوانية.

أما بداية عام 1937 فقد استطاع الإخوان تأسيس أول مركز مرخص للجماعة في حلب تحت اسم: دار الأرقم، أي أن النشأة الرسمية للإخوان في سوريا كانت عام 1937م، وكان من أبرز المؤسسين: الأستاذ عمر الأميري، الأستاذ عبدالقادر الحسيني، الأستاذ أحمد بنقسلي، الأستاذفؤاد القطل، الشيخ عبد الوهاب الطونجي، والأستاذ سامي الأصيل.

أما في دمشق فتأسست جمعية الشبان المسلمين، وكان على رأسها الشيخ محمد المبارك، ومن أعضائها الدكتور فايز الميت، والأستاذ محمد خير الجلاد، والأستاذ بشير العون، والدكتور زهير الوتار.

أما في حمص فأسست جمعية الرابطة، وكان سكرتيرها العام الدكتور مصطفى السباعي.

أما في حماة فأسست جمعية "الإخوان المسلمون"، وكان من أبرز مؤسسيها الشيخ محمد الحامد الحموي، والتي أُنشئت عام 1939، وكان الشيخ محمد الحامد يرتبط بعلاقة قوية مع الإمام البنا.

ويقول عنه الأستاذ سعيد حوى: "كان الشيخ محمد الحامد يعتبر الإخوان المسلمين هم الفئة التي يجب أن تدعم، وكان حريصًا على إيجاد صيغة من التلاقي بين الإخوان المسلمين والعلماء والصوفية".

كما أسست مراكز في بعض بلاد الغرب، والتي كان يجتمع فيها بعض الدارسين، وكان من أبرزها جمعية دار الأرقم في حلب وباريس، والتي أسسها الأستاذ عمر بهاء الأميري.

ولقد بعث الإمام البنا الأستاذ عبد الرحمن الساعاتي والأستاذ محمد أسعد الحكيم إلى سوريا وفلسطين ولبنان لنشر الدعوة وتوضيح الفكرة في بلاد الشام، فكانت أول بعثة للإخوان المسلمين في الأقطار الشقيقة وكان ذلك في 5من جمادى الأولى 1354هـ الموافق 5أغسطس 1935م، وكان في صحبتهما الزعيم التونسي الأستاذ الثعالبي، كما اتصلا في هذه الزيارة أيضًا بسماحة مفتي فلسطين الشيخ أمين الحسيني الذي احتفى بهما ورحب بقدومهما، ثم سافرا إلى دمشق محملين برسائل لرؤساء الهيئات والجماعات في سوريا، ولقد خطب الأستاذ عبدالرحمن الساعاتي خطبة الجمعة على منبر المسجد الأموي.

وكانت هذه الجمعيات المختلفة الأسماء وثيقة الصلة بجميع الحركات الوطنية والإصلاحية العربية والإسلامية، وعلى رأسها الإخوان المسلمون، وكانت تشكل بمجموعها جماعة واحدة مع تعدد الأسماء، واتفقت فيما بينها على التسمي بـ"شباب محمد".

وعقدت هذه الجمعيات عدة مؤتمرات، منها: مؤتمر في حمص سنة 1937م، ولما عقد المؤتمر الثالث بدمشق سنة 1938م كانت الجماعة قد قطعت شوطًا بعيدًا في التنظيم، وقد قررت في هذا المؤتمر اتخاذ مركز رئيسي لسائر الجمعيات يكون مركزه دار الأرقم في حلب، وأخذ نطاق الأعمال يتسع تدريجيًّا، ومؤسسات الجماعة تتركز مع الأيام.

ومرت بعد ذلك عدة أعوام -أعوام الحرب العالمية الثانية- تعذر فيها عقد المؤتمرات، واكتفي فيها بأن يقوم المركز الرئيسي بمهمته، وأن يتصل أمناء سر الجمعيات بعضهم ببعض.

وفي سنة 1943م عقد مؤتمر رابع في حمص اشترك فيه ممثلو المراكز في سوريا ولبنان، وأقر بقاء (دار الأرقم) في حلب مركزًا رئيسيًّا، واتخذ قرارات ذات لون جديد، كإحداث منظمتي السرايا والفتوة في كل مركز، والعناية بالناحيتين الرياضية والاقتصادية إلى جانب النواحي الثقافية والاجتماعية والأخلاقية والقضايا الإسلامية والعربية العامة.

ومن أمثلة القضايا الإسلامية التي كانت تشارك فيها بعض هذه المراكز، خطاب رفعه الإخوان المسلمون بحماة إلى معالي وزير المعارف في الجمهورية السورية بمناسبة انعقاد لجنة الأهداف في مجلس المعارف الكبير، تضمن ثمانية بنود تقترحها الجمعية على لجنة الأهداف لدراستها ووضعها موضع التنفيذ، وتتلخص في الاهتمام بدروس الدين في جميع المدارس ومدرسيها وتدريس التاريخ الإسلامي والقرآن مع العناية بتفسيره، وتأمين الوقت الكافي لإقامة الشعائر الدينية، ومضاعفة دروس الأخلاق، وتدبير المنزل في مدارس البنات.

وفي صيف 1944م انتدب قسم الاتصال بالعالم الإسلامي الأخوين الأستاذ عبد الرحمن الساعاتي أفندي والأستاذ عبد الحكيم عابدين أفندي لزيارة الأقطار العربية الشقيقة بالشام والعراق، وقد كان لهذه الزيارات والوفود المتبادلة بين مصر وبلاد الشام الأثر الكبير في توحيد العمل بينهما بعد ذلك، وقد أشار الأستاذ عمر الأميري لذلك فقال: "ومنذ عام (1364ﻫ/1944-1945م) ازدادت العلائق والاتصالات بين إخوان مصر وسوريا على أثر تبادل الزيارات والوفود والبعثات التي أفادت كثيرًا في توحيد أساليب العمل، وتنسيق وجهات النظر العامة والخاصة، حتى أصبحت دعوة الإخوان في مصر اليوم دعامة معنوية عظيمة للإخوان في سوريا ولبنان".

وبالفعل عقدت الجمعيات المختلفة لشباب محمد مؤتمرها الخامس في حلب في ذي الحجة سنة 1364ﻫ، الموافق نوفمبر 1945م، وقررت إلغاء المركز الرئيسي في حلب، وتأليف لجنة مركزية عليا في دمشق مشكلة من ممثل عن كل مركز أو جمعية، واتخذت لها مكتبًا دائمًا، وجعلت على رأس هذه اللجنة مراقبًا عامًّا، هو الشيخ مصطفى السباعي، وتعقد اجتماعات دورية لتباشر الإشراف على الفروع المختلفة، كما تم الاتفاق -بالتنسيق مع الإخوان في مصر وفلسطين- على توحيد أسماء الجمعيات باسم (الإخوان المسلمين)، وعلى توحيد النظم فيها، وبذلك دخلت دعوة الإخوان في سوريا ولبنان مرحلة جديدة موحدة الاسم والأهداف والنظم القوية الفاعلة.

وقد شاركت المراكز المتعددة لدعوة الإخوان في سوريا بقوة وفاعلية في مناحي الحياة المختلفة عن طريق عدة مؤسسات أو منظمات أنشأها كل مركز في داخله، وارتبطت تلك المنظمات معًا برباط واحد، ومن تلك المنظمات:

1- منظمة الفتوة: وهي إحدى المنظمات الرسمية في الجمعية، وهي مؤلفة من جميع مراكز الجماعة، ولها مدربون فنيون يقومون بتدريب الفتيان، ولها مراقب عام تابع للجنة المركزية العليا للجماعة، ويشرف على شئون الفتوة ويراقب سيرها ويقوم على تقويتها وإنمائها، وهي تدرب الشباب تدريبًا عسكريًّا، وتبث فيهم روح الجندية والطاعة مع الأخلاق الإسلامية الحميدة.

ومن المنظمات التي انفردت بها بعض المراكز دون الأخرى:

2- منظمة السرايا: وهي منظمة اجتماعية أخلاقية انفرد بها مركز حلب، وتجمع الفئات المختلفة من الطلاب وأرباب الأعمال والعمال، وتبث فيهم الأخلاق الإسلامية، وتهيؤهم لتلقي الدعوة التي تدعو إليها الجماعة، ويقوم على هذه السريا نقباء وعرفاء يديرون شئونها، ويحققون غايتها.

لجنة الإسعاف الطبي، وهي تعمل على توفير الرعاية الصحية للفقراء من المرضى وذوي الاحتياجات الخاصة، كما تساعدهم ببعض الرواتب أو الإعانات النقدية أو العينية، وتتكون وارداتها من أموال الزكاة، والصدقات، والتبرعات وغيرها.

لقد ارتبطت جماعة الإخوان مع الجمعيات الإسلامية في سوريا الشقيقة بعلاقات حميمة من الأخوة والترابط، امتدت على طول الفترة محل الدراسة. فقد أشاد رئيس "جمعية الدفاع عن طرابلس وبرقة" بدمشق بشير السعداوي بالإخوان المسلمين ومجلتهم النذير، وما أخذوه على أنفسهم من العمل من أجل الإسلام والمسلمين.

وكان الإخوان يستقبلون الوفود الرسمية السورية ويحتفون بهم أشد الاحتفاء، فمثلاً ما أن علم إخوان البحيرة بمرور الوفد السوري المطالب بمعاونة مصر والبلاد العربية لسوريا ولبنان في محنتهم بمحطة دمنهور في طريقه إلى مصر حتى توافد جمهرة من الأعيان والتجار والأطباء والمحامين والموظفين للقاء أعضاء الوفد على المحطة يتقدمهم الأستاذ أحمد السكري الذي حياهم نيابة على الإخوان بكلمة موجزة، فرد عليه نائب دير الزور محمد سعيد بك العارفي شاكرًا لهم وللإخوان جميعًا مواقفهم وحسن استقبالهم.

كما دعا المركز العام أعضاء الوفود الصحفية ومنها الوفد السوري إلى حفلة شاي، رحب بهم المرشد العام بكلمة عبرت عن أواصر الوحدة التي تربط الأمة الإسلامية في شتى الأقطار، وقام الأستاذ نجيب الريس صاحب جريدة القبس وعضو مجلس النواب السوري فبادل الإخوان أجمل عواطف المحبة والإخاء.

وفي أول عام 1939 أصدرت المفوضية الفرنسية تشريعات أرادت من خلالها أن تَفرض على المحاكم في سوريا نظام الطوائف الذي يبيح للمسلم أن يكفر بغير قيد ولا شرط، ويلحق به في الكفر أبناؤه وذووه بلا قيد أو شرط كذلك، وينتزع كل سلطة حتى الروحية من العلماء ورجال القضاء الشرعي ليضعها بين أيدي الفرنسيين ومن على شاكلتهم، ويقضي على البقية الباقية من مواد القانون الإسلامي، ويستبدل بها المواد الأجنبية، ويروج للفوضى والإلحاد في بلاد لا تعرف لها دينًا غير الإسلام.

وما إن صدر هذا القرار حتى تصدى الإخوان له، بل كانوا أول من تنبه إلى خطورته، فأصدروا بيانًا إلى العالم الإسلامي من الإخوان المسلمين بالقاهرة يوضح مراميه وأهدافه، وساندوا الحكومة السورية التي أصدرت على لسان رئيس وزرائها قرارًا بعدم سريان قرار الطوائف في المحاكم السورية، فأدى موقفه الوطني هذا إلى أن أنذرته المفوضية الفرنسية بأنه إن لم يسحب قراره هذا في ثمان وأربعين ساعة فعلى الوزارة أن تستقيل، ولم تقبل الحكومة هذا الهوان فرفعت قرارها إلى رئيس الجمهورية بالاستقالة.

وقام الشعب السوري بإضراب عام في 14/3/1939، وكان للإخوان السوريين دور في إجبار كل من لم يستجب للإضراب على الاستجابة.

كما لقوا من الإخوان المصريين كل مساندة، بل ودعوة صريحة للتمسك بالحق، والقتال من أجله، بل وانتهزها الإخوان فرصة ليستحثوا مصر الأبية حكومة وشعبًا أن تطلب حقها بمثل هذه القوة التي سبقت بها سوريا، وكتبت في ذلك النذير تحت عنوان: "سوريا تتحفز للعدو ومصر تستسلم له.

وعندما حضرت الوفود العربية إلى مصر عام 1945م لدعم سوريا ولبنان في محنتيهما ضد فرنسا استقبلها الإخوان، وحياهم الأستاذ السكري باسم الإخوان، وفي اليوم التالي احتشد الإخوان المسلمون في جامع الكخيا بميدان الأوبرا في صلاة العصر، وصلى بهم الأستاذ المرشد إمامًا، وبعدها دعا الإخوان إلى صلاة الغائب على أرواح الشهداء، فأدوا الصلاة، وخرجوا بعدها في جموعهم وقد رفعوا أعلامهم وانتظموا في مظاهرة سارت من مسجد الكخيا إلى ميدان إبراهيم باشا، فشارع إبراهيم باشا، وكان الأخ حامد شريت سكرتير الإخوان بأسيوط يركب سيارة، ومعه المذياع، فأخذ يهتف وسط الجموع فيرد الإخوان هتافه بحماسة بالغة وشعور فياض، فدوى الهتاف بحياة سوريا المجاهدة ولبنان الباسلة، وسقوط فرنسا الغاشمة، كما هتف الإخوان بمبادئهم: الله غايتنا، والنبي إمامنا.

ووصلت طلائع المتظاهرين إلى فندق شبرد حيث كانت الوفود العربية مجتمعة، بينما كانت المؤخرة ما زالت أمام مسجد الكخيا، وتحولت الشوارع إلى كتل بشرية تخفق من فوقها أعلام الإخوان المسلمين من أنحاء القطر المختلفة، ومن فوق فندق شبرد أطل فضيلة المرشد العام وقد أمسك بيده المذياع وارتجل كلمة حماسية ألهبت الشعور، وأطلقت الحناجر بالهتاف والتهليل والتكبير استهلها بقوله: "لا حياة مع الذل، ولا عيش مع الاستعباد يا مصر المجاهدة، ها أنت ممثلة في هذا الشباب -شباب الإخوان- يا من جاهدت وستجاهدين ها أنت تحيين المجاهدين من أبناء سوريا ولبنان.

وفى نفس العام ارسل الاخوان بعثة طبية، وتألفت البعثة الطبية من الدكتور محمد سليمان رئيسًا، والأستاذ علي محمود مطاوع والدكتور عبد الوهاب البرلسي والحاجة زبيدة أحمد ممرضة، وصاحبهم الأستاذ عبد الحكيم عابدين سكرتيرًا للبعثة، وسافرت البعثة بعد أن ودعهم مكتب الإرشاد وإخوان القاهرة وفرق الجوالة بالقطار إلى فلسطين ما عدا الأستاذ عابدين الذي تخلف عنهم؛ لأن حكومة الانتداب البريطاني في فلسطين لم تعطه تأشيرة بالسفر، فاضطر إلى السفر بالطائرة في اليوم التالي إلى بيروت رأسًا.

وقد وصلت البعثة الطبية إلى دمشق، وافتتحت عيادة خارجية بلغ عدد الذين يختلفون إليها يوميًّا نحو مائتين، يجري لهم الكشف الطبي، ويمنحون الدواء بلا مقابل، وقد أقامت بعض الجمعيات حفلات تكريم للإخوان منها "الجمعية الغراء"، و"جمعية الشبان المسلمين" حيث أقامتا حفلتي شاي تكريمًا للبعثة حضرها الوزراء والعلماء والأعيان.

كما قابل فضيلته بعض الشخصيات العسكرية مثل الجنرال صفوت باشا، وقابل فضيلته الأمين العام للجامعة العربية عبد الرحمن عزام باشا، وقابل فضيلته بعض الشخصيات الإخوانية مثل الدكتور مصطفى السباعي المراقب العام للإخوان بسوريا ورئيس كتيبتهم في لواء اليرموك، والسيد محمود الشفقة نائب الإخوان بحماة في البرلمان السوري وغيرهم من صفوة أهل دمشق مثل السيد حسني الهبل عمدة المعهد العربي، والسيد بشير رمضان من أكابر التجار وعضو المعهد العربي، وسيادة مدير الغرفة التجارية، وقد التقى الإمام البنا بفخامة الرئيس شكري بك القوتلي رئيس الجمهورية السورية؟

ولقد اعتنت الجوالة بتوثيق الصلات بينها وبين الأقطار الشقيقة, فاستقبلت فرق الكشاف المسلم اللبنانية, والكشافة الإسلامية, وجوالة إتحاد الشباب الفلسطينية, وكشافة الإتحاد الأرثوذكى الفلسطينية وجمعية الكشاف العربى الفلسطينى فى عام 1945, 1946, 1947, كما بعثت الإدارة بمبعوثها إلى شعب الإخوان بفلسطين وسوريا.

كما شارك بعض أبطال الدول العربية فى مباريات الإخوان فى الملاكمة مثل اللاعب عبد الوهاب الدكسى بطل سوريا الذي شارك مع فريق ملاكمة إخوان الإسماعيلية.

وعندما اندلعت حرب فلسطين شارك الاخوان في مصر وسوريا وكثير من البلاد التصدي للصهاينة، كما زار فضيلة الإمام البنا سوريا وذلك صباح يوم الأربعاء 13 من جماد الأول 1367هـ الموافق 23 من مارس 1948م، كما استقبل في فندق أوريان كوكبة من رجالات سوريا وعلمائها مثل الأستاذ مصطفى السعدني سكرتير المفوضية المصرية بدمشق، والاستاذ كامل الحمامي، والأستاذ بهاء الدين الأميري، والأستاذ معروف الدواليبي أحد نواب الإخوان في البرلمان السوري، والأستاذ محمد المبارك الأخ النائب البرلماني، والأستاذ عبد الحميد الطباع عضو جمعية القراء، والأستاذ مصطفى الزرقا الأستاذ بمعهد الحقوق، والدكتور عارف الطرقجي رئيس مؤسسة الطب الشرعي... وغيرهم.

ولقد استطاعت الجماعة بسوريا في هذه المرحلة بمناهجها التربويّة وبرامجها التوجيهيّة المبدعة كالأسرة والكتيبة ومنبر الجمعة ونشر الكتاب الإسلامي، وإنشاء المكتبات، وإحياء المناسبات الدينيّة والتاريخيّة والوطنيّة أن تكسر موجات التغريب والإلحاد والانحلال والأفكار المنحرفة، وظهر جيل من الدعاة ومن المناصرين، وتوسّع انتشار الجماعة في أوساط الطلاب والمثقفين، وأثمرت الجهود عن تيار إسلامي عارم ؛ وتمثّل النشاط الإعلامي للجماعة بصدور جريدة المنار السياسيّة اليوميّة عام 1946.

وقرّر الإخوان خوض انتخابات عام 1947 بمباركة الإمام حسن البنا بأربعة مرشحين فاز منهم: الشيخ معروف الدواليبي عن حلب، ومحمود الشقفة عن حماه، ومحمد المبارك عن دمشق، وأمام صعود الإسلاميين قام الزعيم حسني الزعيم بالانقلاب الأوّل مدعوماً ببقايا ضباط جيش الشرق الفرنسي وبتخطيط أمريكي، ثم قام العقيد سامي الحناوي بالانقلاب الثاني وأجرى انتخابات نيابيّة فاز الإخوان فيها بعشرة مقاعد، وشكّلوا مع حلفائهم كتلة برلمانيّة كان لها تأثير كبيرعلى مجرى الأحداث الداخليةً والخارجيةً. وبسطوا نفوذهم على النقابات العماليّة والحرفيّة وتبنوا مطالبها في المجلس النيابي، ودافعوا عن حقوق الفلاحين ورفضوا استغلال كبار الملاكين لهذه الطبقة المحرومة، ودعوا الحكومة لتخفيض أسعار الخبز ورفع الضرائب عن الفقراء، ورفضوا تأجيج الصراع الطبقي بين شرائح المجتمع وكانوا أبعد الناس عن استغلال الفقراء والمحرومين.

وعني الإخوان بالتعليم وحالوا دون توسّع الزحف التبشيري بإنشاء عدد من المعاهد والمدارس في المدن السوريّة، واستعانوا بعدد من المربين والمدرّسين الأكفياء، وهيّأ الإخوان الفرص للالتحاق بمدارسهم الليليّة.

وكان للإخوان من المشاريع الاستعماريّة والأحلاف الاستعماريّة موقف مشرّف لا يستطيع أن ينكره باحث منصف. أمّا القضيّة الفلسطينيّة فقد كانت القضيّة المركزيّة للجماعة وشغلها الشاغل، لما لفلسطين من المكانة والقداسة في قلوب المؤمنين، وكان للإخوان شرف الدفاع عن عروبة فلسطين وحشد المتطوّعين، وبذل الأرواح والمهج دفاعاً عنها، وشحذ الهمم وتحريض المؤمنين على القتال ودبّج كتابهم المقالات ونظم شعراؤه القصائد الجياد، واعتلوا خشبات المنابر، وقادوا المظاهرات المندّدة بجرائم صهيون، وشارك قادتهم في المؤتمرات الشعبيّة، ورفضوا مشروع تقسيم فلسطين.

وبعد حل الاخوان فى مصر واعتقال قادتهم واعتيال مرشدهم حسن البنا عمل الاخوان على مبايعة الدكتور مصطفى السباعي ليكون مرشدا عاما غير انه رفض وقال: إن مصر بها رجال يستطيعون تحمل هذا الامر. يقول الأستاذ وكان انقلاب حسني الزعيم في 30/3/1949 صناعة أمريكيّة خالصة، ولم يكن هذا الانقلابي المغامر الذي وضع السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة في قبضته سوى صبي من صبيان الأمريكان، وخاصّة عندما وافق على الاتفاقيّة مع شركة التابلاين الأمريكيّة، ومنحها امتياز تمرير خط نقل البترول عبر الأراضي السوريّة إلى لبنان، واتفاقيّة وصل عبدان والكويت بميناء طرطوس، وإنشاء مصفاة طرطوس لتكرير النفط لصالح الشركات البريطانيّة، وصادق على الاتفاق المالي مع فرنسا، وتخلى عن مناطق مجرّدة من السلاح لحساب إسرائيل، ورحّب بمشروع مارشال والنقطة الرابعة، وصادر أموال الوقف، وألغى مجلة الأحكام العدليّة، وهدم الحياة البرلمانيّة، واندفعت الأحزاب العلمانيّة في تأييده فأيّده أنطون سعادة في مذكرته المرفوعة بتاريخ 10/4/1949 وجالت حماه مظاهرات قادها أنصار الحوراني تأييداً لانقلابه.

أمّا موقف الإخوان المسلمين من الانقلاب فقد حدّدوه في مذكرة رفعوها إلى الزعيم في 9/4/1949 طالبوا فيها العمل بمبدأ الشورى، والإسراع بعودة الحياة الدستوريّة، وتطهير أجهزة الدولة من الفاسدين، وتقوية الإيمان وبثّ الأخلاق، وتعبئة الأمّة لمواجهة الأخطار، والاهتمام بالجيش وتحصينه بالمثل العليا، وتوجيه الثقافة بما يتوافق ومواريث الأمّة، وتطوير نظام اقتصادي عادل.

وخذل الزعيم الجميع بسبب مزاجه المتقلّب ورعونته ونرجسيّته، وسلّم أنطون سعادة لقتلته، وعزم على إبرام صلح مع اليهود، واستهتر بمشاعر المتديّنين والعلماء ممّا عجل في نهايته.

وجاء الانقلاب الثاني في 14/8/1949 بقيادة سامي الحناوي على أيدي مجموعة مغامرة أخرى متسلّطة من الضباط استمرأت العبث بالحياة السياسيّة، وجرى تشكيل مجلس حربي شارك فيه عدد من الضباط المحترفين من كافّة الطوائف، وجرت انتخابات لجمعيّة تأسيسيّة في 15/10/1949 فما هو موقف الإخوان المسلمين من هذه الانتخابات التي شاركت فيها معظم القوى السياسيّة السوريّة ؟

يقول الأستاذ سعد الدين: شكّل الإخوان مع بعض الجماعات الإسلاميّة جبهة موحّدة خاضت الانتخابات تحت اسم: الجبهة الاشتراكيّة الإسلاميّة، وأعلنت في بيانها الانتخابي أنّها سوف تعمل لتحقيق الاشتراكيّة ـ العدالة الاجتماعيّة ـ التي دعا إليها الإسلام، وإلى توثيق الروابط بين الدول العربيّة، وحماية استقلالها ضدّ المؤامرات الإمبرياليّة.

وضمّت قوائم الإخوان في دمشق وبقيّة المحافظات عدداً من الشخصيّات البارزة المشهود لها بالوطنيّة من المسلمين والنصارى.

وفازت قائمة الجبهة في دمشق فوزاً ساحقاً، وكانت النتائج خارج العاصمة مشجّعة، وفشل عفلق وبكداش، وتشكّلت حكومة برئاسة خالد العظم شارك الإخوان فيها بحقيبة الأشغال العامّة والمواصلات التي أسندت لمحمد المبارك، الذي كان مرفأ اللاذقيّة في مقدمة إنجازاته، ومن الجدير بالذكر أنّ المبارك تقلّد أربع وزارات كان فيها مثلاً طيّباً في تمثيل الإخوان المسلمين في البرلمان من حيث الأداء والإبداع والتصدي للفساد والانحراف والدفاع عن حقوق العمال.

ولقد خاضت الجماعة معارك سياسيّة وفكريّة للحفاظ على الهويّة العربيّة الإسلاميّة ضدّ المتغرّبين والعلمانيين من فلول اليسار السوري، وفي مقدمة هذه المعارك معركة الدستور التي احتدم الصراع فيها حول النص في صلب الدستور السوري على أنّ الإسلام دين الدولة، ويثني على الجهود المباركة التي بذلها الشيخ مصطفى السباعي داخل البرلمان وخارجه لحشد القوى الخيّرة إلى جانب هذا النص، ثم أورد لمحات موجزة عن ردوده على القوميين والعلمانيين واليساريين، وأذاع بياناً على الرأي العام السوري في أخطر صراع على هويّة الأمّة وشخصيتها وانتمائها، وانتهت المعركة بأن يتضمّن الدستور السوري ما يلي: لمّا كانت غالبيّة الشعب تدين بالإسلام فإنّ الدولة تعلن استمساكها بالإسلام ومثله العليا.

وجاء الانقلاب العسكري الثالث في 18/12/1949 الذي تولاه انقلابي طموح يحلم بالسلطة والمجد، تستّر خلف العقيد فوزي سلو، وأخذ يلعب من خلف الستار لعبة الحامي للنظام، هو العقيد أديب الشيشكلي، حيث تعاقبت ثلاث وزارات على السلطة وسط أزمة حكوميّة حادّة.

ثم أسفر عن وجهه وأصدر البيان رقم واحد صبيحة الانقلاب الرابع في 29/11/1951 باسم قائد الانقلاب العقيد أديب الشيشكلي، وفرض على البلاد ديكتاتوريّة صارمة، وكان أكرم الحوراني كما وصفته جريدة الحياة: إنّ أكرم الحوراني في كلّ انقلاب، ومع كل انقلاب، وضدّ كلّ انقلاب.

وأصدر الشيشكلي قراراً بإغلاق مراكز الإخوان المسلمين في سوريّة في 17/1/1952 وزجّ بقادتها في السجون، وقمع المظاهرت الطلابيّة بقسوة، وأصدر مرسوماً حظر بموجبه على الطلاب ممارسة أي نشاط سياسي، ثم أصدر مرسوماً حلّ بموجبه جميع الأحزاب السياسيّة، تمهيداً لقيام الحزب الواحد، واستفتى الجمهور على دستور يفرض النظام الرئاسي، وادّعى أنّه حصل على تفويض من الشعب لمنصب الرئاسة، ثم أجرى انتخابات برلمانيّة شارك فيها 20% من الناخبين، ونشر المؤلّف نصّ حوار نشره الشيخ محمد المجذوب في كتابه علماء ومفكرون عرفتهم، بين السباعي والشيشكلي.

وانتهى نظام الشيشكلي كما ينتهي كل نظام متسلّط فاسد، واستسلم الشيشكلي لقادة التمرّد دون مقاومة في 24/2/1954 وكان الإخوان في طليعة القوى السياسيّة التي أيّدت الانقلاب، ودخل الرئيس هاشم الأتاسي دمشق، واستأنف سلطاته الدستوريّة كرئيس للجمهوريّة.

وعمل الدكتور مصطفى السباعي على توحيد الصفوف وتنظيم الاخوان في سوريا حتى عام 1963م.

قفز حزب البعث إلى السّلطة من خلال انقلاب 8 من آذار 1963 الذي شاركت فيه مجموعة اتجاهات سياسية اشتراكية وقوميّة، وقد استطاع رجال الحزب إقصاء شركائهم والاستئثار بالسّلطة.

ومن خلال حكم هذا الحزب ظهرت سمات خطيرة:

1- الممارسات الطائفيّة.

2- العلمانية الغليظة التي تتعامل مع الدّين والمتديّنين بفظاظة.

3- قانون الطوارئ الذي يعني المحاكم العسكرية، ومحاكم أمن الدّولة، والقمع والسجن وتكميم الأفواه وتعطيل الصّحافة، وحلّ الأحزاب وتفرّد الحزب الحاكم بالسّلطة، وتصفية المعارضين.

4- نشر الفساد بمعناه الإباحي وما يرتبط به من اختلاط وفجور، ومعناه الاقتصادي وما يرتبط به من رشاوٍ وسرقات ومحسوبيّات.

5- شعار الجيش العقائدي!، ويعني هذا الشّعار أن يكون الجيش العامل حكراً على فئة أو طائفة أو حزب!.

6. منظمات (حكوميّة ـ حزبيّة ـ شعبية) تصطفيها الدّولة لتهيمن بها على المجتمع وتنشر من خلالها المفاسد والقيم المنحرفة كاتحاد الفلاحين ومنظمة طلائع البعث وشبيبة الثّورة... ورافق ذلك تحويل مؤسسات المجتمع المدني إلى بنى خادمة لفكر الدولة الإلحادي الاستبدادي بعد إفراغها من مضمونها، والتدخّل في التّرشيح والانتخاب، بل حلّ إدارة المنظّمة الشعبيّة التي لا تروقها وتعيين إدارة بديلة... وهذا ينطبق على اتحادات العمّال ونقابات المهندسين والمحامين والأطباء وغيرها... (وجدير بالذكر أن الإخوان لا يرفضون كل هذه المنظّمات، لا سيّما النقابات المهنيّة، لكنّهم يستنكرون هيمنة الحزب الحاكم عليها).


انقلاب الثّامن من آذار 1963م

كان هذا الانقلاب نقطة انعطاف خطيرة في تاريخ سورية الحديث. ومنذ ذلك التاريخ تعيش البلاد تحت ظلّ قانون الطوارئ الصّادر بالأمر العسكري رقم (2)، حيث استولى حزب البعث على السلطة فاتحاً بذلك الباب أمام الأقليّات الطائفية لتمسك بمفاصل القوّة والسّلطة في سورية. لأن معظم أعضاء اللجنة العسكرية البعثية المشرفة على نشاطات التنظيم العسكري كانوا من الأقليّات الطائفية.

وتكوّنت اللجنة العسكرية في البدء من خمسة ضباط، من بينهم ثلاثة علويين وهم:محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد، وإسماعيليّان هما: عبد الكريم الجندي وأحمد المير. وبعد انقلاب الثامن من آذار وسِّعت اللجنة، وبقيت العناصر الفعّالة فيها من النصيريين (العلويين)، ولذلك سُميت هذه اللجنة بلجنة الضّباط العلويين.

وكان التّحول الكبير الذي شهدته سورية هو انقضاض حافظ أسد على السّلطة في 16 من تشرين الثّاني 1970.

ومن المعروف أن حزب البعث العربي الاشتراكي الذي حكم حافظ أسد باسمه مدّة 30 سنة، ليس حزباً علمانياً بالمفهوم الغربي للعلمانيّة فحسب، بل هو حزب مُعادٍ للإسلام في منطلقاته ومنهاجه، حيث انتهج سياسات سافرة في حرب الإسلام وتحدّي قيمه وعقائده، وإكراه النّاس على عقائد وسلوكيات تتناقض مع عقائده وشرائعه. فقد عمد منذ استلامه السلطة عام 1963م إلى مصادرة الحريّات العامة، فحلّ الأحزاب السياسية، وأغلق الصّحف وفرض الأحكام العرفيّة، وحجر على حريّة الفكر والتّعبير، واحتكر جميع وسائل الإعلام لنفسه، وألغى كل دور للمعارضة السياسية.

وعلى الرّغم من أنّ جماعة الإخوان المسلمين لم تبد خلال هذه الفترة أي معارضة عنيفة ضد النّظام، إلا أن السّجون لم تَخْلُ من معتقلين إسلاميين (وخاصة من الإخوان) كانوا يتعرّضون لأقسى أنواع العذاب، وكانوا يُعتقلون في أسوأ الظروف التي تهدر فيها آدمية الإنسان.

وعمد النّظام في هذه المرحلة إلى عمليات تصفية متعمّدة لبعض المعتقلين دون أن يُقدّموا لأيّ محكمة. نذكر منهم، الشّهيد حسن عصفور، والشّهيد مروان حديد، والفتاة المسلمة غفران أنيس وغيرهم...

ومضى في تنفيذ مخططه في التخريب المُقنّن للعقول والأفكار، وذلك من خلال الخطوات التي وافق عليها المؤتمر القطري لحزب البعث عام 1978م في جملة مقررات كان منها:

1. إقرار التّعليم المختلط.

2. التضييق على المدارس الشّرعية الخاصّة، بتسليم إداراتها للحزبيين.

3. وقف تعيين خريجي كليّة الشريعة مدرّسين.

4. تغيير مناهج تعليم التربية الإسلامية وحشوها بالمعلومات المؤيّدة للنظام ورأسه ومبادئ الحزب العلمانية.

5. نقل وتسريح أكثر من /500/ مدرّس ثانوي وابتدائي دفعة واحدة (أتبعها فيما بعد بعملية تمشيط واسعة لقطاع التّعليم وإخلائه من كلّ المتديّنين).

هذا عدا عن المراسيم التي أصدرها الأسد من أجل التدخّل في التّعليم الجامعي وتوجيهه الوجهة التي يُريد، مثل المرسوم 1249 تاريخ 20/9/1979م الخاص بجامعة دمشق، وبموجبه سُرِّحَ عدد من المدرّسين الإسلاميين.

والمرسوم 1250 (20/9/1979م) الخاص بجامعة اللاذقيّة، وتمّ فيه تسريح عدد آخر من المدرّسين الإسلاميين والموظّفين.

والمرسوم 1256 (27/9/1979م) الخاص بجامعة حلب، الذي قضى بنقل بعض المدرّسين الإسلاميين إلى وظائف وأعمال أخرى.

وفي طريقه إلى إفساد الأجيال وإيجاد الفرقة والعزلة بينها، أنشأ منظمات طلابية وشبابية يصنع لهم معسكرات سنوية يشترك فيها الكبار والصّغار والفتيان والفتيات بصورة تؤدّي إلى الاحتكاك والفساد والإثارة. مثل منظّمة الطلائع وشبيبة الثّورة، وأجبر التلاميذ على الانتساب والالتحاق بهذه المنظّمات وبمعسكراتها بقوّة القانون.

كانت الفترة التي سبقت اندلاع المواجهة بين النظام والجماعة في صيف 1979 حافلة بالإرهاصات والنّذُر التي تؤكّد حتمية المواجهة والوصول إلى نقطة التفجّر. وكانت مجمل السياسات التي يمارسها النظام تخدم هذا الهدف، وهو دفع الحركة الإسلامية إلى ساحة المواجهة بغرض ضربها وتصفيتها، ولعلّ ما يؤكّد هذا الكلام ما جاء في الخطاب الذي ألقاه أسد في المؤتمر القطري الثالث عشر للحزب، والذي عُقد في دمشق في تموز 1980م حيث استعرض مقررات المؤتمر القطري الثّامن للحزب عام 1965م، والتي اعتبرت الإخوان المسلمين ظاهرة من أخطر الظواهر. ثم انتقل إلى وضع خطّة لمحاربة الإخوان المسلمين والإسلام فقال:

"فالخطّة السياسية إزاء الإخوان المسلمين وأمثالهم لا يمكن أن تكون إلا خطّة استئصالية، أي خطة لا تكتفي بفضحهم ومحاربتهم سياسياً، فهذا النّوع من الحرب لا يؤثّر كثيراً في فعالياتهم... يجب أن نُطبّق بحقّهم خطّة هجوميّة".

وفي خطاب له، قبل ذلك، من ثكنة الشرفة في حماة بعد أحداث عام 1964 فضح أسد نواياه تجاه المعارضين إذا قال: "سنُصفّي خصومنا جسدياً".

وفي مطلع عام 1973 أصدر دستوراً مؤقّتاً، عليه طابع العلمانيّة الفاقعة، مما أثار سخطاً جماهيريّاً واسعاً، عبّر عنه الناس ببعض الخطب على المنابر، وبعض الشعارات التي كتبوها على الجدران... واتخذت الدولة من ذلك ذريعة لحملات اعتقالات في عدد من المحافظات. ومن المعتقلين من بقي في السجن أسابيع وشهوراً، ومنهم من بقي سنوات.

وفي عام 1976م وبعد التدخل السوري في لبنان، وبعد مقتل الشهيدين حسن عصفور ومروان حديد رحمهما الله، بدأ النظام يحصد نتائج سياسته القمعية، حيث بدأت عمليات الاغتيال التي تقوم بها جماعات إسلامية مستقلّة، ضد رموز النظام الذين كان لهم دور في ممارسة أساليب الاستفزاز ضد المواطنين. ولم يكن لجماعة الإخوان المسلمين يومها علاقة بعمليات الاغتيال، والنظام السوري يعلم ذلك جيّدا لكنه بدلاً من تطويق الأزمة ومحاولة حلّها، عمد في ربيع عام 1979م إلى شنّ حملة اعتقالات واسعة شملت عدداً من رموز الإخوان تحت ذريعة ملاحقة الذين يقومون بعمليات الاغتيال، وكان لهذه الحملة دور كبير في تسريع الأحداث وتفجيرها، ثم جاءت حادثة المدفعيّة التي وقعت في السادس عشر من حزيران 1979م، وذلك عندما قُتل ما لا يقلّ عن 35 طالباً عسكرياً وأصيب 54 آخرون بجراح (حسب البيانات الرّسميّة للدّولة)، وقيل: إن معظم الضحايا كانوا من العلويين.

وفي هذا السياق يمكن أن نلخّص أهم الأسباب التي أدّت إلى وقوع المواجهة بين الإخوان وبين النظام:

1- اتهامجماعة الإخوان المسلمين بتدبير حادثة مدرسة المدفعيّة بل اتهامهم بجميع عمليات الاغتيال التي وقعت خلال السنوات التي سبقت تلك الفترة، حيث أصدر وزير الداخلية السوري بياناً في 22 من حزيران 1979م اتهم فيه الإخوان المسلمين بالتورّط في الاغتيالات.

وقد جاء بيان وزير داخلية النظام منسجماً في السياق مع الخطة التي رسمها النظام منذ البداية "لتصفية الخصوم جسدياً".

2- تكثيف الاعتقالات ضد كل من يُشَكُّ بانتمائه إلى جماعة الإخوان المسلمين أو التعاطف معها، بل قد امتدت حملات الاعتقال إلى جميع الفئات السياسية المعارضة.

3- مُسارعة النظام إلى تنفيذ أحكام الإعدام ب/15/ معتقلاً من شباب الإخوان المسلمين جرى اعتقالهم قبل حادثة المدفعية بحلب وذلك بعد محاكمات صوريّة عقدت لهم وصدرت أحكام الإعدام بحقّهم عن محكمة عرفية شُكّلت لهذه الغاية برئاسة فايز النوري، بتاريخ 28/6/1979م.

إن تلك الحملات الإجرامية ودعْمها بالحملات الإعلامية ضد الإخوان المسلمين والإسلاميين والشعب السوري بأكمله، جعلت كاتباً مثل "فان دام" يقول في كتابه "الصراع على السّلطة في سورية":

"وبشكل عام بدت الحملات الإعلامية للنظام التي تلت ذلك، وحملة النظام لاستئصال الإخوان المسلمين فظّة وحادّة للغاية حتّى أثارت عداوة الشقّ الأعظم من الشعب المخلص بدلاً من أن تُثير تعاطفهم".

4- احتلال بيوت المطلوبين للسلطة سواء اعتقل المطلوب أو لم يُعتقل، حيث عمدت السلطات إلى إبقاء عدد من رجال المخابرات في بيت المعتقل أو المطلوب أياماً عدّة، يُقيمون فيها مع النّساء والأطفال، وذلك لاعتقال كلّ زائر للبيت أو متّصل بصاحبه، وإشاعة الخوف والذعر في بيوت المطلوبين وممارسة الضغوط النفسية والجسمية ضدهم لإجبارهم على الاعتراف بمكان المطلوب إن كان هارباً، علاوة على قيامهم بأعمال النّهب والسّلب والتخريب تحت ذريعة البحث عن أسلحة أو محظورات يُخفيها المطلوب أو المعتقل.

5- لجوء النّظام إلى أسلوب الرّهائن وذلك باعتقال آباء أو أمهات أو إخوة أو أخوات للمطلوب لإجباره على تسليم نفسه. وتعريضهم لصنوف فظيعة من التعذيب مما أدّى إلى استشهاد عدد منهم.

6- البدء بحملة تعذيب شديد القسوة والوحشية ضد كل من دخل السجن، وقد أدّى تسرّب أخبار التّعذيب إلى خارج السّجون إلى إشاعة جوٍ من الرّعب والخوف في صفوف المواطنين، وجعل الكثير من الشباب الإسلامي يُفكّر في طريقةٍ تُخَلِّصُه من المصير الذي ينتظره في السجن.

7- قيام السّلطات بقتل عدد من المعتقلين أثناء المداهمات أو في الشوارع، أمام أعين النّاس.

8- إصدار القانون /49/ وذلك في 7 من تموز عام 1980م والذي تنصّ مادّته الأولى على ما يلي: "يُعتبر مجرماً ويُعاقب بالإعدام كلّ منتسبٍ لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين".

وكانت إجراءات السّلطة الهوجاء الظّالمة هذه أكبر مفجّر لبركان الغضب الشّعبي الدّفين. فالممارسات الطّائفيّة، ونشر ألوان الفساد الخُلقي، وتهجّم النّظام على النّساء المسلمات في الشّوارع، ونزع الحجاب من رؤوسهنّ، ومنع الحجاب في المدارس، ونقل المدرّسين ذوي الصّبغة الإسلاميّة إلى قطاعات أخرى خارج نطاق التّعليم.

في هذه الأجواء الإرهابية وجدت جماعة الإخوان المسلمين نفسها في مأزق حرج، فشبابها خاصّة، والإسلاميون عامة، أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن يُصفَّوا في المعتقلات دون أن يدري بهم أحد، أو أن يَدفعوا موجات الظلم التي وقعت عليهم وعلى الشعب السوري بكامله. وفي أجواء الرعب والخوف تلك لم تُجْد صيحات العقلاء، ووساطاتهم في احتواء الأزمة ووقف شلال الدم الذي آثر النظام أن يخوضه تحت شعار العنف الثوري. ورأت الجماعة أنها أمام معركة حقيقيّة مفروضة عليها لا مناص من خوضها واستكمال عدّتها، فاتخذ مجلس شورى الجماعة الذي اجتمع خارج سورية في أيلول 1979م قراراً بالمواجهة وتعبئة القوى وحشد الطاقات لهذه المعركة. ولبّى الكثير من أبناء الجماعة نداء الواجب، واختار طريق الدفاع المشروع عن النفس والعقيدة ومقاومة الظلم الذي وقع على البلاد والعباد؛ تلك المقاومة التي لقيت تأييداً وتعاطفاً شعبياً كبيراً مما أسهم في انتشارها وتوسّعها لتمتدّ إلى جميع أرجاء سورية.

وبدل أن يلجأ النظام إلى الاستجابة لمطالب الشعب بأكمله، مارس سياسة الأرض المحروقة في المحافظات السوريّة، فكانت مذابح تدمر وجسر الشّغور وجبل الزّاوية وحلب وسرمدا، وكانت كبرى هذه المجازر مجزرة حماة المروّعة عام 1982م والتي ذهب ضحيتها آلاف الأبرياء.

ومن الشخصيات الإخوانيه الأخري الإستاذ عصام العطار وهو الآن مدير المركز الإسلامي في آخن/المانيا والإستاذ سعيد حوا ـ الإستاذ عدنان سعد الدين ـ والشيخ حسن حبنكه ـ المهندس مروان حديد ـ الدكتورحسن الهويدي ـ الإستاذ عادل كنعان ـ الإستاذ عبد القدوس ابو صالح ـ الدكتور فوزي حمد ـ الإستاذ صدر الدين البيانوني وهو المراقب الحالي لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا.


مراقبو الإخوان المسلمين في سوريا

1.الشيخ الدكتور مصطفي السباعي (1945-1964م) أول مراقباً عاماً للإخوان المسلمين بسوريا ولبنان.

2.الشيخ سعيد حوي (1979-1982).

3.الشيخ عبد الفتاح أبو غدة (1986-1991).

4.الدكتور حسن هويدي (1980-) و(1991-)

5.الأستاذ عدنان سعد الدين

6.الأستاذ عصام العطار

7.الدكتور منير الغضبان

8.الأستاذ أديب الجاجي (1985)

9.د. حسن هويدي

10.الأستاذ علي صدر الدين البيانوني (1996-حتي الآن)


للمزيد

1- حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، دار التوزيع والنشر الإسلامية

2- إسحاق موسي الحسيني: الإخوان المسلمون كبرى الحركات الإسلامية الحديثة، دار بيروت، الطبعة الأولى، 1952م.

3- سعيد حوى: هذه تجربتي وهذه شهادتي، مكتبة وهبة، 1987م.

4- جمعة أمين عبدالعزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية. 5- المركز الاعلامي لجماعة الاخوان في سوريا


الموقع الإلكتروني

جماعة الإخوان المسلمين بسوريا