واقدساه..

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
واقدساه..

13-04-2005

بقلم فضيلة الشيخ محمد عبد الله الخطيب*

يقول الحق سبحانه: "ولَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ* إنَّهُمْ لَهُمُ المَنصُورُونَ، وإنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ" (الصافات:171- 173)، ويقول سبحانه: "وَلاَ تَهِنُوا ولا تَحْزَنُوا وأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" (آل عمران: 139).

لقد تابعت في هذا الأسبوع- من خلال أجهزة الإعلام- ما يدور حول القدس من مهازل صهيونية، ومحاولات اقتحام المسجد الأقصى، واستطاع أهل فلسطين أن يسارعوا إلى قدسهم لحمايته من الجراد المنتشر، الذي يأتي على الأخضر واليابس.

ودارت معارك بين جنود الصهيونية، الذين يحملون أسلحتهم ويركبون الخيول، يضربون ويقتلون ويدمرون.. وأصحاب المسجد الأسبر لا حولَ لهم ولا قوة، فلا سلاحَ لهم، ولا خيلَ عندهم، وليس معهم سوى الإيمان بالله، وبحقِّهم في استرداد ما ضاع منهم، وردِّ البغاة والطغاة عن بلاد الإسلام وعن المقدسات. ويجب أن نعلم أن دافع المسلمين في الدفاع عن بيت المقدس ليس دافعًا وطنيًّا فحسب، ولا لحماية الأرض فقط، بل هو ارتباط عقيدي، له عمقه في النفوس والقلوب، فهو أولى القبلتين وثالث الحرمين، ومسرى سيد الخلق- صلى الله عليه وسلم- ومن هنا فقد كان الفرض والواجب على جميع حكام وملوك وأمراء العالم العربي والإسلامي أن يكون لهم موقف، حتى مجرد احتجاج أو مؤازرة للجموع التي يطاردها اليهود حول المسجد، لكن السكون والصمت للعالم العربي والإسلامي من الأمور المُحزِنة والمخزية.

يا أيها الحكام:

إن كارثة فلسطين من أخطر الكوارث التي نُكبت بها الأمة الإسلامية في هذا الزمان، وإن الخطر الشديد الذي يحيط بأمتنا- من وجود دولة صهيونية تحتل قلب العالم الإسلامي- يجب أن نتصور عواقبه، ونفهم طبيعة النفس الصهيونية، ونتعمق في دراسة الأهوال التي ارتكبوها على مدار التاريخ.

إن عقيدة أرض- الميعاد- ومن ورائها إمكانيات اليهود المسخَّرة كلها لخدمة الكيان الصهيوني، وحيازتها لجميع الأسلحة الفتاكة، وتأييد الكثير من دول العالم.. لهو من الأمور التي لا يصح السكوت عليها، أو الانتظار حتى تقع الكارثة.

أما واقع أمتنا المرير.. أمة غثاء السيل، التي نُكبت بِدَاءِ الفرقة، وضعف الإيمان، ففقدت أعظم مقوم لوجودها، والذى ضاعت حين أضاعته، وهذا من المضحك المبكى، أن أصبحوا فريسة لكل مفترس، وحق عليهم قول الرسول- صلوات الله وسلامه عليه-: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: أوَمِن قلة نحن يومئذ؟ فقال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابةَ منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن.. قالوا وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت" (رواه أبو داود).


من عوامل الكارثة:

1- العامل الأول الذي أشار إليه الحديث (حب الدنيا وكراهية الموت).

2- العامل الثاني: ضعف الدافع النفسي الذي يجعل الإنسان يستميت، بل ويتفانى في سبيل العقيدة والمبدأ.

3- طغيان العقل على العاطفة، وسيطرة الحذر والخوف من أخطار الجهاد والمواجهة.

4- فقدان الشخصية المركزية التي تملك القضية عليها مشاعرها وتفكيرها، وتصبح همها الشاغل، وتستولي عليها استيلاءً كاملاً.

5- والأمر الأخير وهو الشخصية المركزية، تتمثل في قائد كصلاح الدين الأيوبي، فقد كان حبه للجهاد قد استولى على قلبه وسائر جوارحه استيلاءً عظيمًا، بحيث ما كان له حديث إلا فيه، ولا نظرٌ إلا في آلته، ولا كان له اهتمامٌ إلا برجاله، ولا ميلٌ إلا إلى من يذكره ويحث عليه، ولقد هجر- رضي الله عنه- في محبة الجهاد في سبيل الله أهلَه وولدَه ووطنه وسكنه، وقنع من الدنيا بالسكون في ظل خيمته، تهب عليها الرياح ميمنةً وميسرةً، وكان الرجل إذا أراد أن يتقرب إليه يحثه على الجهاد (النوادر السلطانية).

ولقد حمل صلاح الدين همَّ القدس، فأخذ منه كل مأخذ، وحل في قرارة نفسه، يقول ابن شداد: "كان (رحمه الله) عنده من القدس أمر عظيم، لا تحمله الجبال" (المرجع السابق).

على هذا المستوى يجب أن يكون القادة الذين ينصرون أمتهم، ويرفعون شأنها، همُّ الوطن يشغلهم، والنفوس القلقة على مستقبل الأمة، والقلوب التي تنزعج من أي نازلة تنزل بالأمة، بهذا الاستعداد النفسي الذي يسري من الراعي إلى الرعية.

ولكن رغم كل ذلك فلا مجال لليأس، فالمنبع الذي تنبع منه كل هذه الدوافع- وهو الإيمان- لم ينضب في صدر الأمة الإسلامية، والانتفاضة المباركة التي انطلقت تدافع عن الأمة خير دليل على ذلك، ويمكن إثارته في كل وقت، وإن العاطفة التي تحث على الجهاد لا تزال بحمد الله قوية، وإن الأمة الإسلامية لم تُصَب بالعقم، وقد أنجبت في كل محنة وأزمة رجالاً واجهوا الأخطار، وأتوا بالعجب العجاب، والأمل في الله كبير، أن تكون قضية فلسطين والأقصى هما سبب بعث جديد لهذه الأمة.

يقول العالم المسلم محمد إقبال (رحمه الله) "إذا رأيت النجوم شاحبةً تخفق، فاعلم أن الفجر قريب، ها هي ذي الشمس قد ذرَّ قرنها من الأفق، وولى الليل على أدباره، لقد دبَّ دبيب الحياة في الأمة الإسلامية، وجرى الدم في عروقها، وذلك سرٌّ لا يفهمه إلا المؤمنون الصادقون".


المصدر

إخوان اون لاين