هذه تجربتي وهذه شهادتي.. سعيد حوى
للأستاذ / سعيد حوي
كان جو حماة ملتهبا عام 1964 لأسباب كثيرة أهمها أن كل أهلها كانوا ضد النظام الذي كان قائما. سياسيين ومتدينين عامة ومثقفين، فالناصريون ضربوا في 18 تموز (يوليو) وكان لهم ثأر، أكرم الحوراني وجماعته كانوا مبعدين ومضطهدين، والمتدينون يعتبرون النظام موغلا في العلمانية. وبدأت صحف السلطة تتكلم كلاما مثيرا فقد نشر زكي الارسوزي في مجلة الجيش والشعب كلاما تحدث فيه عن قصة آدم في القرآن فسماها أسطورة، وتحدث عن الجاهلية على أنها أرفع مظهر للنفسية العربية. ودندن بعض وزراء النظام حول الغاء الأوقاف والغاء مادة التربية الاسلامية. وبدأ طلاب النظام يتحرشون بمدرسي التربية الاسلامية ويتحدثون عن القرآن أنه شعوبي واعتدى على أكثر من مدرس. ثم اعتدى على الشيخ عبد الكريم الرفاعي من قبل رئيس مخفر غير مسلم في دمشق. ونقل مدرسا تربية اسلامية من حماة نقلا تعسفيا. وحدث أن طالبا كتب على جدار عبارات ضد رجالات الحزب الحاكم فحكم عليه بالسجن سنة. وجاء رمضان ذلك العام، وأقبل الناس على حلقات المساجد اقبالا شديدا وكانت الدروس تلتهب حماسا، كل ذلك جعل المدينة بركانا يغلي وأمام هذا الوضع فقد عرض أمر حماة على قيادة الاخوان المسلمين في سورية فأعطت اذنا محليا لاخوان حماة أن يتصرفوا. نقول هذا لأن بعض الاخوان أنكر أن يكون للجماعة دخل بما حدث في حماة وقد شهد بعد سنين على هذا الاذن: الأخ سليمان الرز من اخواننا في حلب، وهكذا قررنا أن نتحرك في حماة.
اشار الشيخ محمد الحامد على المدرسين المنقولين من حماة أن يلتحقا بمقر العمل الجديد فوافقا، وكانت رغبته رحمه الله تسكين الأمور، لكن الجو كان متوترا وخاصة في صفوف الطلاب، ولذلك قررنا اضرابا طلابيا شاملا وعممنا على اخواننا أن يضربوا ويتفرقوا مباشرة وفعلا فقد تم الاضراب نجاح كامل في كل مدارس حماة ونفذ الإخوان الأمر، لكن الشرطة وقوى الأمن حاولت أن تعتقل بعض الاخوة من ثانوية عثمان الحوراني فتجمع الطلاب نتيجة لذلك، وكان المسئول عن ثانوية عثمان الحوراني هو الأخ مروان حديد رحمه الله، وتجمهر الناس حول الطلاب فنزلت مظاهرة، وكان محافظ حماة وقتذاك هو عبد الحليم خدام الذي أمر بانزال الجيش، نزل الجيش وهو يهتف هتافات كفرية معادية للاسلام ولرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت هذه احدى الظواهر التي جاء بها الحزب الحاكم الى سورية، فألهبت المشاعر ضده، وأطلق الجيش النار على أحد المواطنين من آل الجواد فاستشهد، وفي هذا الجو الملتهب أمر محافظ حماة باغلاق المدينة التي كانت مهيأة للاضراب الشامل فبدأ اضراب حماة الذي استمر وقتذاك تسعة وعشرين يوما. توجه بعض شبابنا وعلى رأسهم مروان حديد رحمه الله الى مسجد السلطان واعتصموا به، هناك نظموا القاء الكلمات النارية وبدأ أهل حماة يتوافدون ويتقاطرون على المسجد، وكانت أحاديث شاملة عن الوضع، عن كفره وعن محاولاته لالغاء مادة التربية الاسلامية وعن توجهات النظام، والشعب يزداد اشتعالا وههنا طلب محافظ حماة من أعيان البلد أن يجتمعوا ليخلصوا الى حل فتم اجتماع الناس في جامع الشيخ زين بحي الشمالية في الحاضر بالقرب من بيت عثمان الأمين رحمه الله. وكنت خلال ذلك أداوم على التدريس في السلمية، التي عدت الى التدريس فيها بعد خروجي من الجيش، والتي لم تغلق أبوابها مع حماة وكنت أرجع يوميا الى حماة بعد الدوام المدرسي. اعتقلت السلطة الشيخ عبد الله الحلاق والشيخ سعد مراد وبدأت تساوم العلماء عليهما وأخيرا ضغطت على العلماء أن يصدروا بيانا يطالبون به البلد بأن تفتح أبوابها في مقابل أن يطلق سراح الشيخين وفيما بين الخوف والرجاء أصدر العلماء بيانا لكن الشعب رفض البيان بعد جهود بذلت مع الناس وأطلق سراح الشيخين وفي اليوم نفسه أصدرت السلطة بيانا تحذر فيه الناس من فئة تستغل الدين وكان واضحا من مجموع الاجراءات أن السلطة تريد عزل الاخوان لتبطش بهم وكان علينا أن نبقي الشعب متعاونا معنا اذا ما أردنا تفويت الفرصة على السلطة كان هذا هو الموقف يوم جرى اجتماع مسجد الشيخ زين في حي الشمالية والذي مجرياته على الشكل التالي:
اجتمع عدد من الناس في بيت عثمان الأمين رحمه الله وتباحثوا في من يلقي الكلمة في المجتمعين وأخيرا اتفق على أن ألقي الكلمة. كان وضع الاخوان المسلمين في خطر، وكان اخواننا المعتصمون في مسجد السلطان في خطر وكان الحل الوحيد لرفع الخطر هو أن تبقى المدينة كلها متلاحمة معنا، والا فان ضربة شاملة للإخوان ستكون وستعلق رقاب الكثيرين من اخواننا. لذلك طرحت في خطبتي على المجتمعين فكرة حلف الفضول بين أبناء حماة جميعا وأن أي اعتداء على أي فرد مهما كان اتجاهه السياسي أو الديني يجب أن تقف منه المدينة موقفا موحدا ودعوت أن يختار كل حي عددا من أبنائه لتنظيم التموين فيما لو اضطررنا الى استمرار الاضراب. وفعلا فقد تم عقد اجتماع ضم ممثلي الاحياء في غرفة المسجد الواسعة، وهناك اتفقنا على أن تطوف لجنة منتخبة من الحاضرين واختاروا أن أكون على رأسها لنقابل زعماء الاتجاهات السياسية في البلد من أمثال رئيف الملقي وجماعة أكرم الحوراني، واتفق على أن نلتقي في اليوم التالي في بيت آل الشيخ خالد في السوق، وانفض الاجتماع على ذلك، ونمت ليلتها في منزل عثمان الأمين رحمه الله. كانت المدينة كلها قلبا واحدا مجمعة على الاضراب وكان ريف حماة متعاطفا معها يمدها بالخبز، ولما أحس الريف أن هناك احتمالا لمواجهة بدأ يمد المدينة بما يتيسر من ذخيرة أو سلاح على قلة في ذلك. لم يكن في البلد سلاح أو ذخيرة الا السلاح والذخيرة اللذين يحتفظ بهما بعض الحمويين اذا اضطروا للاشتباك مع بعضهم وما أكثر صراعاتهم، لذلك لم تكن البلد مؤهلة لخوض معركة ومع ذلك فقد بدأت المعركة في اليوم التالي. أرسلنا في ليلتنا هذه أكثر من وفد لأكثر من جهة ليعلم الناس وضعنا، كنا حريصين على ألا تكون هناك معركة مواجهة، بل كان أملنا أن نستطيع الاستمرار في الاضراب لعله تلحق بنا بقية المدن السورية فتنهي النظام من خلال الاضراب لكن السلطة أحست بخطورة هذا الأمر فقررت المواجهة وكان الشعب مهيئا للصدام فكانت أحداث الصراع. نمت كما قلت في بيت عثمان الأمين رحمه الله الذي أصبح في اليوم التالي وكأنه في غرفة عمليات. جاءتنا أخبار الصباح أن بعض الناس قطعوا الطريق ما بين دمشق وحلب غضب لذلك عثمان الأمين لأنه يريد الطريق مفتوحا حتى تصل أخبارنا الى المدن الأخرى ولتبقى بيننا وبين المدن الأخرى وسائل اتصال وحاول أن يفتح الطريق لكن الأمور تلاحقت فقد نزل الجيش وأطلق النار ورد الناس بالمثل واشتعلت المدينة وجاءت السلطة الى حماة. كان عظم المعركة حول مسجد السلطان وفي الحاضر، وقد أمر باطلاق نيران المدفعية على المسجد فهدم مئذنته وبعض قبابه، ودافع المحاصرون دفاعا شديدا، ولكن الذخيرة نفذت وتم اقتحام المسجد. وفي نشرة أخبار دمشق الساعة الثانية والربع ظهراً أعلن راديو دمشق عن الأحداث، متهما القائمين عليها معلنا مصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة لعدد من الناس مهددا كل من يتعاون معهم وكان اسمي من بين هذه الأسماء. كانت الاذاعة الخارجية الوحيدة التي اهتمت بالأحداث هي اذاعة العراق. ولذلك وأمام نقص الذخيرة كلفنا أحد الناس أن يذهب الى العراق فلعله يستطيع أن يأتي بمدد من السلاح والذخيرة ولكن تبين فيما بعد أنه لم يسافر، كان عثمان الأمين من الرجال الذين تجتمع عندهم الشجاعة والكبرياء والشموخ والعزة وكان يرى أن الانسحاب وعدم المواجهة نوع من الجبن والفرار ولذلك كان يصر على البقاء في بيته، وكنت في وضع لا أمثل فيه نفسي فقط بل أمثل جماعة الإخوان المسلمين فأحببت ألا أتصرف أي تصرف يمس بكرامة الإخوان المسلمين ولذلك أظهرت استعدادا للبقاء في البيت حتى آخر لحظة منتظرا الاستشهاد في سبيل الله عز وجل وشعرت بفضل الله عز وجل بنوع من الصفاء العجيب. اتفقنا على أن نتناوب السهر، وطلب الأخ عثمان رحمه الله مني أن أكون أول النائمين، ذهبت الى غرفة النوم فنمت وبعد قليل أيقظني عثمان الأمين وهارون خطاب وحاج أحمد الأمين رحمهم الله ولا أتذكر من كان معهم. أطلعوني على الوضع وطلبوا رأيي فقلت لهم:
ان استمرار الصراع المسلح لصالح السلطة، والناس لم تبق معهم ذخائر، والمهم أن يستمر الاضراب وبقاؤنا هنا ليس خطرا على حياتنا فقط بل هو خطر على الحي جميعه، اننا اذا انسحبنا من ههنا يستطيع كل فرد شارك في المعركة أن يلقي سلاحه متى انتهت ذخيرته ثم ينصرف، أما اذا بقينا فقد يجد بعض الناس أنهم ملزمون أن يربطوا مصيرهم بمصيرنا فتكون كارثة على الجميع، فالرأي عندي أن ننسحب الى بيت آخر نختبئ فيه ومن هناك نتابع الأمور، ولم يكن هناك رأي آخر فقررنا جميعا الانسحاب وانسحبنا الى بيت أحد الثقات تحت جنح الليل.
وفي اليوم الثاني للمعركة أرسلت قوات مدرعة هائلة الى المدينة تمركزت في نقاط التقاطع وفي الشوارع الرئيسية وفي أطراف المدينة وكانت بعض هذه القطع قريبة جداً من البيت الذي نحن فيه. وقد دعا أمين الحافظ رؤساء البلد لاجتماع عام واتفق معهم على أن تهدأ المدينة أسبوعا يتم خلاله مفاوضات بين نظام الحكم والشعب لدراسة المطالب العادلة واقرارها وكان على رأس المفاوضين شيخنا الشيخ محمد الحامد ولما بلغنا الخبر خرجنا من مخبئنا وعدنا الى الظهور واجتمعنا مع الناس وتذاكرنا مع الخلص عما ينبغي فعله فكان الرأي أن نسافر الى العراق مستغلين فرصة الهدوء هذه فان تمخض الاسبوع عن شيء صالح كان بها والا فلعله أن نستطيع تأمين سلاح وذخيرة للناس اذا اضطر الناس للمواجهة وفعلا رتب أمر السفر خلال دقائق وتطوع أحد السائقين الجيدين، وقدمت لنا عائلة نصرانية من حماة سيارة لاندروفر تصلح للسير في الصحراء وفي المناطق الوعرة وهذه الأسرة النصرانية تربط مصيرها دائما بمصير المسلمين. وانطلقنا على بركة الله نحو قرية الطيبة ابتداء ومنها توجهنا الى العراق وكان أملنا أن يتولى ايصالنا الى العراق أحد أمراء البدو. وكان مشهورا بالرجولة والشجاعة. كنا مع السائق ستة: العقيد فؤاد الأسود وهو الذي ضرب جبل الدروز زمن أديب الشيشكلي. وعثمان الأمين وحاج أحمد الأمين وهارون خطاب وسعيد حوا،... كان سلاحنا بسيطا، وكان معنا أكثر من بندقية وكنا مصممين على القتال حتى الموت. وصلنا الى خيام الأمير فاستقبلنا الأمير وذبح لنا وأكرمنا ثم طلب منا أن نتحول الى مكان آخر ريثما ينظر في أمره، ثم أرسل لنا يعتذر عن توليه هذه المهمة بنفسه، فشكرناه وانطلقنا نحو مضارب قبيلة أخرى وفي الطريق صادفنا سيارة شحن حموية تعمل في البادية فسارت معنا وأوصلتنا الى مضارب القبيلة ومن هناك أخذنا دليلا وانطلقت سيارة الشحن أمامنا مع الدليل حتى أوصلتنا الى العراق، دخلنا مخفر الرطبة بآخر نقطة بنزين معنا، عرف المسؤولون هناك قضيتنا فأكرمونا وأرسلونا الى قاعدة الحبانية وهناك رغبوا أن يستضيفونا أياما ظنا منهم أننا مرهقون، لكنا أعلمناهم أننا نرغب أن نعرض قضيتنا على المسؤولين العراقيين بسرعة. فأرسلونا الى بغداد وسمعنا ونحن على أبواب بغداد أن مظاهرات قد قامت نصرة لأهل حماة. استقبلنا في بغداد أشخاص من أجهزة الأمن وأنزلونا في فندق يقع على شاطئ دجلة، وزارنا بعض المسؤولين فرغبنا اليهم أن يعلن مباشرة عن مناورات على الحدود العراقية لرفع المعنويات وكان ذلك. كانت علاقتنا مع وزير الداخلية ثم مع ضابط أعتمد كمسؤول عن المكتب الذي يتابع شؤون اللاجئين العرب، وكان اللاجئون السوريون يكثرون شيئا فشيئا وكان أكثرهم ناصريين، وقد حملوا علينا حملة منكرة كتبوا فينا تقارير ولم نبال كثيرا وكان ردنا عليهم بقدر الحاجة. بقينا في العراق حوالي أربعين يوما ثم توجهنا نحو الأردن بجواز عراقي يصلح لسفرة واحدة، كان عثمان الأمين يصر على ألا نعتبر لاجئين، وقد دخل العقيد الأسود المستشفى العسكري بسبب ارتفاع الضغط والسكري، وقرر البقاء في العراق فلم يسافر معنا الى الأردن، ظهر ونحن في العراق دستور للعراق حاولت أن أكتب عليه دراسة، تضايق من ذلك الزملاء، مزقوا لي الأوراق، شعرت وكأنني فقدت ولدا. توجهنا الى الأردن ووقفنا طويلا على الحدود حتى أذن لنا في الدخول، نزلنا في فندق عادي، كان في الأردن قبلنا عبد الله برازي فعرفنا على الناس وعرف الناس بنا، عوملنا معاملة كريمة من كل من تعرف على أوضاعنا ولم نكد نسقر في الأردن حتى سمعنا من اذاعة دمشق برقية من الشيخ محمد الحامد تشكر المسؤولين على اطلاق سراح المعتقلين والسماح بالعودة للمغادرين فعلمنا أن المسألة انتهت، وفعلا فقد تحرك بعض آل الأمين حتى جاءوا بأمر العفو الى الأردن ونزلنا مباشرة الى سورية واستضافنا حموي في درعا كان رئيس شرطتها وانتهت أحداث حماة بعد حوالي خمسين يوما من بدئها.
بقيت حماة مضربة تسعة وعشرين يوما شاركها بعض أيام اضرابها اللاذقية ودمشق. جرت خلال هذه الأيام محاكمات للشيخ مروان ومن معه من المسجونين. وكانت محاكمات تاريخية بما جرى فيها من نقاش وصمود، وعندما صدر الحكم بالاعدام على البعض فرحوا وكبروا وعانق بعضهم بعضا أما الذين لم يحكم عليهم بالاعدام فقد بكوا ونادوا حكامهم: يا خونة احكمونا بالاعدام. انتشر النقاش الجريء بين الشيخ مروان وقاضيه العسكري بين الناس فأشعل العواطف. كنت من جملة المحكومين غيابيا بالاعدام، ولكن الأمور انتهت كما ذكرنا. كان محصلة ثورة حماة أربعة شهداء من اخواننا وحوالي خمسين من أبناء البلد ويقال: انه قتل من جنود السلطة ورجالاتها الكثيرون.
أدى تحركنا في حماة عددا من الأغراض:
أ- حميت مادة التربية الاسلامية.
ب- توقفت الأفكار القائلة بتصفية الأوقاف.
ت- جمد وضع الحرس القومي.
ث- وجدت وزارة معتدلة برئاسة صلاح البيطار.
ج- أصبح الإسلام أكثر احتراما وبدأوا يحسبون له حسابا.
من الذكريات أن القيادات المحلية للإخوان المسلمين في بقية المحافظات لم تحرك ساكنا ولسنا نعتب عليها، وقد بلغنا أن بعض القيادات عرضت عليها قوى عسكرية أن تتحرك فلم تجب الايجاب وبعض القيادات اتصل بها فقالت نحن لا نؤمن بالوصول الى الحكم الا عن طريق الديموقراطية ولو كلفنا هذا خمسمائة عام وبعض القيادات بقيت تشهر فينا بسبب أحداث حماة 1964 حتى هذه اللحظة، ان هناك ناساً لا يتحركون وينتقدون المتحركين.
استطاع بعض اخوة حماة في دمشق متعاونين مع بعض العناصر ان يحدثوا اضراباً في دمشق لم يدم طويلا، حاول بعض أهل العلم في حلب أن يفعلوا شيئا ولكن لم يتابعوا، حدث في اللاذقية شيء طيب. كنا نطمع اذا تابعت حماة الاضراب أن تتابعها المدن السورية ولكن لم يحدث ما أملناه، مع أن حماة بقيت تسعة وعشرين يوما مغلقة حوانيتها ومعطلة كل مظاهر العمل فيها.
كان شيخنا الشيخ محمد الحامد يتصرف في هذه المرحلة على غاية الحكمة يقدم حيث يرى الاقدام حزما ويحجم حيث يرى الاحجام عزما، وكان دائم النصح للجميع دائم الدعاء، وكان واضحا أن السلطة تريد افراد الإخوان المسلمين لتضربهم ضربة ساحقة كام ضربت الناصريين في 18 تموز ولكن موقف المدينة الأصيل وصلابة الاخوة وكلمة الشيخ ووجود بعض أهل السنة في مراكز قوية في السلطة ورغبة بعض العلويين في تمرير المرحلة فلا ينكشف الغطاء الطائفي مبكرا، كل ذلك كان عاملا من عوامل انهاء الوضع فلم يمر خمسون يوما الا وكأن شيئا لم يكن. ولقد كان الدرس الأكبر الذي أخذناه من ثورة حماة سنة 1964 أن موقف بلد واحد في سورية ليس كافيا أن يسقط نظاما جائرا، وأنه لا بد اذا ما أردنا وضعا جديدا لسورية أن يكون ذلك باتفاق أبناء المحافظات ولكن لا بد من جهة تستلم راية الاقدام حتى يسير الناس وراءها وكانت حماة هي المرشحة لتقديم التضحيات وتحمل مسئولية البدء، هذا دورها التاريخي قبل الاستقلال وبعد الاستقلال ولهذا الحديث تتمة.