نكبة فلسطين .. فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ
ما فتئت الدولة العبرية تحتل فلسطين وتعيث فسادا في جنباتها للعام الستين على التوالي وما زال جيشها يستعرض عضلاته على أطفال ونساء وضعفاء ليس لهم حول ولا قوة إلا بالله على مدار الستين عاما وما قبلها وقل ما سيأتي بعدها- بناء على المرجعية الدموية والسياسة القذرة التي ينتهجها - وهو يتفنن في إذاقة شعبنا الويلات تلو الويلات ولا من نصير ولا من منجد إلا الله سبحانه وقدره النافذ ولم يكن آخرها أطفالنا في بيت حانون من آل أبو معتق وأمهم الشهيدة الذين كان مقابل دمهم الطاهر اعتذار على وجل وخجل من الملعون أولمرت وبعضا من زبانيته لم يسمن ولن يغني من جوع أمام جلالة الموقف ورهبته - فحسبنا الله ونعم الوكيل - ما أنا بصدد الحديث عنه في هذا المقام هو أن الكيان الصهيوني يقيم احتفالاته الستينية بمناسبة نشأته على أرض فلسطين التي يحتفل أهلها بنكبتهم بضياع بلادهم وقدسهم وأقصاهم وتشتيتهم في أصقاع العالم المختلفة.
يحدثنا القرآن الكريم عن دول في غابر الزمان أسست على مبدأ الظلم والاضطهاد والتكبر والعناد وان شئت فقل على الدماء والاستعباد للضعفاء [أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ], فكانت العاقبة بحجم القوة والمنعة التي ظنوا فيها [وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ] [فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ] فالصب يكون من أعلى وبسرعة وقوة قوية وتتابع مستمر.
وان كنا في ظل الأمثلة السالفة فحدث عن مملكة سبأ التي أكرمها الله سبحانه [لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ] فان مبدأ التداول القرآني مبدأ أصيل وراسخ في فهم حتمية الواقع والمستقبل واليقين بأن الاحتفال بانتهاء دولة الكيان بات قريبا وليس قريبا فحسب بل قريبا جدا جدا [وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ].
وإذا ما ذهبنا إلى صفحات التاريخ القديم والمعاصر لرأينا كم من الدول التي انتهت قوتها وعظمتها وراحت هيبتها وحطمت لأنها قامت على امتصاص الدماء واستعباد الآخر بظلمه واضطهاده [وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً] وما الاتحاد السوفيتي عنا ببعيد.
أن يصل الحال بالجيش الذي قيل أنه لا يقهر وانه انتصر على الجيوش العربية في 1967 بستة أيام إلى مرحلة عدم القدرة على حماية قيادته المتمثلة بوزير أمنه الداخلي (آفي ديختر) من صواريخ القسام التي تهطل في سديروت ولا يستطيع أن يأخذ إنذار قبل وقوع نذير الانفجار بعد أن بددت مقاومتنا الأوهام في الوهم المتبدد وتم اصطياد جنود الصهاينة في حقل الموت وغير ذلك من براكين الغضب وزلزلة الحصون.
هذا عدا عن الأخبار التي تحدث عن النسب الكبيرة من المتهربين من الخدمة في الجيش الصهيوني بسبب الحمم التي تتفجر تحت أقدامه.
في ظل ستينية النكبة التي تمر علينا لا بد أن تظل صور المركفاة وهي تتفجر وتتمزق على أيدي المجاهدين والصواريخ التي تتعالى ومصرع جنودهم وخطفهم على أيدي مقاومتنا لابد أن تظل ماثلة أمام أعين المستضعفين في الأرض والثكالى والمحرومين والمطرودين من أبناء شعبنا مستحضرين قوله سبحانه وتعالى [وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ] والفرق [وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً] وأن مقاومتنا هو ما يراهن عليها في إقامة الاحتفالية المرتقبة بمشيئة الله سبحانه في يوم من الأيام لإزالة هذا الكيان وإرجاع الطهر والطهارة لأرضنا الطيبة التي رواها رجالنا بدمائهم الزكية.
إن هذا كله يجعلنا نأخذ العبر على إثرها العبر والدروس تلوها الدروس في حيثيات الداخل الصهيوني وما يتعرض له من أزمات على الصعيد السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي والانحسار الذي يتعرض له الكيان في ظل الحلم الكبير الذي تجمع اليهود فيه لتحقيقه وهو ما يسمى(بإسرائيل الكبرى) بالأمس كانت سيناء وجنوب لبنان وقطاع غزة وفي هذه الأيام حديث عن هضبة الجولان وغدا الضفة والقدس ويافا وحيفا وعكا [وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً].
يحدثنا القرآن الكريم عن يهود بني النضير وإجلائهم عن المدينة المنورة وحصونهم الممنعة التي تحصنوا بها [فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيدهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار] وكيف تحطمت قوتهم وحصونهم بأيدي المؤمنين وبسلاح الرعب الذي أوجده الله سبحانه وتعالى كسلاح خاص بعباده وأوليائه.
إننا على موعد مع وعد السماء وتنفيذه بقدر الله سبحانه وبأسباب خلقها الله سبحانه [فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً].
نكبة فلسطين لن تكون قدرا محتوما بإذن الله سبحانه ولن يكون اليهود في (فردوسنا المفقود) إلا عابري سبيل سيدفعون الضريبة على عبورهم الهمجي والغبي هذا ولنا ولهم العبر في التاريخ الغابر [فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ].