نبوءة رابين تحققت
بقلم : معتصم حماده
قد تثير وثيقة التفاهم الأميركية - الإسرائيلية الدهشة، إذا ما نظر إلى المسافة الكبيرة التي قطعتها العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، خلال النصف الأول من ولاية الرئيس باراك أوباما.
ففي مطلع عهده، ثارت تكهنات حول احتمال (بل حتمية) الصدام بين سياسته وسياسة حكومة نتنياهو في الشرق الأوسط، أوحت لدى عواصم عربية بوهم حصول متغيرات في المعادلة السياسية الإقليمية والدولية.
وعززت لدى البعض سياسة تعميق العلاقة مع الولايات المتحدة وعدم الضغط عليها لتوسيع رقعة الخلافة بينها وبين إسرائيل.
كما عززت لدى الطرف الفلسطيني تمسكه بالمفاوضات خياراً وحيداً للحل منطلقاً من حسابات، ثبت، مع انطلاق العملية السياسية، خطأها، وأن الخلافات بين واشنطن وتل أبيب قد تثير شهية البعض وأحلامه السياسية، لكنها لا تصل إلى حدود تغيير معادلة العلاقة بين الطرفين، وبالتالي إلى إحداث تغيير دراماتيكي في الحسابات الخاصة بالشرق الأوسط.
ومن الغرابة بمكان النظر إلى مباحثات بين وزيرة خارجية أميركا هيلاري كلينتون ونتنياهو، دامت سبع ساعات، على أنها اقتصرت على بحث العملية التفاوضية وتجميد الاستيطان لمدة ثلاثة أشهر.
كما من الغرابة النظر إلى مجموع القضايا المثارة في هذه المباحثات، ورزمة التعهدات الأميركية لنتنياهو، على أنها مجرد محفزات لتشجيعه على التجميد المؤقت للاستيطان.
فمن الواضح أن الطرفين أثارا جملة من القضايا ذات الطابع الاستراتيجي، الذي يتجاوز في مضمونه حدود العملية التفاوضية وينظر إلى ما سوف يكون بعدها، أي إلى ما بعد التوقيع على اتفاق فلسطيني - إسرائيلي وقيام دولة فلسطينية وفقاً للمواصفات الأميركية - الإسرائيلية.
وإذا كان إعلامنا العربي قد ركز الإضاءة على مسألة تجميد الاستيطان لمدة ثلاثة أشهر، فإن وثيقة التفاهم، قيد الولادة، تشير إلى أن الطرفين يتباحثان في سلسلة من القضايا الإستراتيجية سوف تكون ملزمة لإدارة أوباما في النصف الثاني من ولايته.
الوثيقة في مجموعها، خطة إسرائيلية - أميركية جديدة، لتعزيز تفوق إسرائيل على جيرانها، في إطار ما يسمى بالشرق الأوسط الكبير الممتد من الدار البيضاء غرباً، حتى كابول شرقاً.
وهو مشروع أميركي لم يمت وما زالت ملامحه واضحة حتى في خطاب أوباما في القاهرة في 4 حزيران 2009 .
الوثيقة في مجموعها تعزيز للقدرة العسكرية الإسرائيلية، في ضوء المتغير في الشرق الأوسط المتمثل باحتمال قيام دولة فلسطينية (ذات حدود مرسومة إسرائيليا) وتعزيز، في السياق، للقدرة العسكرية الأميركية في المنطقة.
ويمكن النظر إلى وثيقة التفاهم، في سياقها التاريخي وكأنها "وعد" أميركي جديد يضاف إلى الوعود الغربية الأخرى التي أعطيت لإسرائيل والحركة الصهيونية.
• الوعد الأول وهو وعد بلفور، المعروف لنا جيداً، حين تبنى الاستعمار الغربي المشروع الصهيوني وتعهد إقامة دولة إسرائيل في فلسطين ونفذ تعهده.
• الوعد الثاني هو وعد بوش في رسالته إلى شارون في 4/14/ 2001 ، التي حملت سلسلة تعهدات أميركية أصبحت جزءاً من المعادلة السياسية للتسوية، أسقطت خطوط الرابع من حزيران أساساً للتسوية.
صحيح أن وعد بوش لم يضمن "إسرائيل الكبرى" ودعا إلى "حل الدولتين"، لكن الصحيح أيضاً أن وعد بوش تعهد بطي صفحة إسرائيل الصغرى لمصلحة "الحل الوسط" الذي رسم حدوده جدار الفصل والضم العنصري.
• الوعد الثالث هو وعد أوباما في وثيقة التفاهم قيد التباحث بين الطرفين، وفيها تعهدات أميركية سخية تتجاوز حدود العملية التفاوضية لتطول كما أسلفنا ترتيبات الوضع في المرحلة المقبلة في الشرق الأوسط، وطبيعة العلاقات بين أطرافه الكبرى، وبما يضمن تفوق إسرائيل على الآخرين، في تطبيقات مشروع السلام الأميركي وتداعياته.
في المقابل لم يحصد العرب (والفلسطينيون) من وعود الغرب سوى الأوهام.
فلا الدولة العربية قامت على أنقاض الإمبراطورية العثمانية.
ولا الدولة الفلسطينية قامت قبل أن يحزم بوش حقائبه ويغادر البيت الأبيض. أما وعد أوباما بقيام دولة فلسطينية خلال عام، فإن كلينتون بدأت منذ الآن تمهد للتملص منه.
وهكذا تكون نبؤة رابين قد صدقت حين قال "ليست هناك مواعيد مقدسة إسرائيلية (وأميركية استتباعاً) مع الفلسطينيين".
النهار، بيروت، 26/11/ 2010
المصدر
- مقال:نبوءة رابين تحققتالمركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات