ميلاد النبي وحسن إدارة الأزمات

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
ميلاد النبي وحسن إدارة الأزمات


ولد الهدى فالكائنات ضياء ........... وفم الزمان تبسم وثناء

في زخم الأحداث، وتصارع الناس على البقاء، تهب علينا نسمات مليئة بعبير فواح بمناسبة ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، والتي يستعد العالم الإسلامي للاحتفال بهذا اليوم، فمع هذه الرحمة والذكرى العطرة التي ساقها الله لنا في هذه الأيام المليئة بالفتن والأزمات نقف برهة لنتنسم الجوانب العملية في ذكرى ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم، ونرى كيف كان صلى الله عليه وسلم يتعامل مع الأزمات التي تعرض لها في حياته.

فقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم والكون من حوله يموج بالفتن والصراعات، ومحاولة القوي اغتصاب حق الضعيف، ومصارعة الضعيف القوي من أجل البقاء. في جو كانت الأصنام تعبد، والبنات توأد والروم والفرس يستعبدون الناس. في هذا الجو جاء محمد صلى الله عليه وسلم بنور من الرحمن يخرج به الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، لكن قوى الظلم أبت إلا العيش في ظلام الجاهلية، فناصبت رسول الله صلى الله عليه وسلم العداء –ليس لشخص محمد بن عبد الله فقد اشتهر بينهم بالصادق الأمين لكن بسبب ما جاء به، وما أمر الناس باتباعه، فأعلن الكارهون لما جاء به الحرب عليه، وحاصروه وأهله ثلاث سنوات في شعب أبي طالب، فلم يرحموا عجوزًا ولا طفلاً ولا امرأة ليعود محمد صلى الله عليه وسلم عن ما جاء به، لكنه فاجأهم وأهله بحسن التعامل مع الأزمة فصبر واحتسب لله، وصمد أهله معه رغم أن أكثرهم كان على كفره فجابهوا أهل الباطل، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الأزمة أشد قوة وأصلب عودًا لكن هذه سنة أصحاب الدعوات، فما كاد يخرج من هذه الأزمة حتى وقع في أزمة أخرى مع أهل الطائف حيث خرج يدعوهم إلى دين الله فما كان منهم إلا أن أغروا به سفاءهم وعبيدهم ليقذفوه بالحجارة واضطروه للجوء إلى حائط ابني ربيعة، فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن رفع يده إلى الله عز وجل يدعوه: "اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين! إلى من تكلني؟ إلى عدو يتجهمني أم إلى قريب ملكته أمري؟ إن لم تكن ساخطًا علي فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الكريم الذي أضاءت له السموات والأرض، وأشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن تحل علي غضبك، أو تنزل علي سخطك، ولك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك" [رواه الطبراني عن عبد الله بن جعفر]، فأنزل الله الفرج عليه على يد ملك من الملائكة: "لو شئت أطبقت عليهم الأخشبين"، فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن تذكر كونه داعية وهاديًا إلى الطريق المستقيم فقال: "لعل الله يخرج من أصلابهم من يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله"، فساق الله عز وجل له نفر من الجن لتؤمن بما جاء ولينذروا قومهم.

أيها الأحباب،

إن الله عز وجل لا يترك عباده الصالحين وقت الأزمات، فعندما تعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزمة بدر حيث خرج ومعه ثلاثمائة وأربعة عشر يريدون عير قريش لعل الله يعوض لهم بعض ما أخذه الكفار منهم وقت الهجرة، لكنهم فوجئوا بقريش تخرج بجيشها كامل العدة والعتاد، ورسول الله وصحبه لا يحملون إلا السيوف في قرابها، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسباب المادية فأخذ بالمشورة، ونظم أصحابه، واختار المكان، وخطط للهجوم، وأرسل العيون، ثم بعد أن أخذ بكل ذلك لجأ إلى الله يدعوه ويستنصره حتى انفرجت الأزمة وانتصر الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه.

وكانت حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم مليئة بالأزمات مع حسن تصرف فيها ولجوء إلى الله في كل أزمة.

وما يتعرض له الدعاة والمصلحون من سجن ومصادرة أموال ما هي إلا أزمة يتعرض لها الدعاة في كل زمان ومكان، ودائمًا ما يلجأون إلى الله فيها للتفريج عنهم، وما يقوم به الحزب الوطني المصري من تجفيف لمنابع الإصلاحات وسن القوانين التي لا تخدم إلا رجاله، ومصادرة أموال الشرفاء، وحبس الدعاة ما هي إلا أزمة ستمر، وسيكون الخاسر فيها الحزب الوطني نفسه؛ لأن الله تكفل بحماية عباده المؤمنين، أما المفسدون فقال فيهم: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} [إبراهيم: 42-43].

فليعدِّل الحزب الوطني ما يشاء من القوانين، فإنها لن تمنع الدعاة من دعوة الناس، ولن تمنع ألسنتهم من الحديث مع عموم الناس، ومنذ متى والناس تَعْبأ بالقوانين أو يسمعون عنها، فالدعوة إلى الله لا يستطيع أحد إيقافها، وإنني لا أرى أي مستجد يحدث عما كان يحدث، فمنذ ظهور الرسالة المحمدية والدعوة تتعرض لمثل هذه الأزمات في كل زمان ومكان، وبالرغم من ذلك ظلت الدعوة قائمة، وظل الإسلام في انتشار في كل مكان وزمان، وهلك الظالمون، فلن يوقفه الحزب الوطني أو غيره، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار, ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل, عزًّا يعز الله به الإسلام وذلاًّ يذل به الكفر" [الألباني: السلسلة الصحيحة، (1/7)] صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

يا أيها المصلحون،

تمسكوا بكتاب ربكم، وادعوه أن يرفع الغمة ويهدي قومنا فإنهم لا يعلمون.

المصدر