معبر رفح ... الأزمة الدائمة
بقلم : زياد جرغون
لم يعد معبر رفح الحدودي الذي يربط جنوب فلسطين ( قطاع غزة ) مع جمهورية مصر العربية، مثل باقي المعابر الحدودية بالعالم سواء البرية أو المنافذ البحرية أو الجوية. فهذا المعبر الذي يقع في جنوب قطاع غزة بمحافظة رفح والذي افتتح عام 1982 م بعد الانسحاب الإسرائيلي من سيناء بعد توقيع معاهدة كامب ديفد بين مصر وإسرائيل. وعمل المعبر منذ العام 1982 حتى العام 1994 تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، يقابله المعبر المصري، والذي يعمل تحت السيطرة المصرية.
والكل يعرف إجراءات التنقل على المعابر التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية من حيث الإذلال والاهانة والاعتقال والمنع من السفر.
وكان يسمح لسكان القطاع بالسفر من خلاله عبر الحصول على فيز للسفر للخارج أو الدراسة أو العمل ... الخ.
لكن مصر كانت تمنع الفلسطينيين بغزة من الدخول إلى أراضيها بالرغم من إنهم كانوا يحملون وثائق سفر مصرية، وللعلم كان يوجد في خانة الملاحظات داخل وثيقة السفر المصرية والصادرة من القاهرة ملاحظة بخط اليد تقول " يسمح لحامل هذه الوثيقة بالسفر إلى جميع دول العالم باستثناء مصر إلا بعد الحصول على تأشيرة دخول".
وفي بعض الأحيان كان يستثنى بعض الدول من الدخول بهذه الوثيقة وخاصة ( سوريا – ليبيا – اليمن الجنوبي في حينه ).
لقد استمر هذا الوضع بالعمل بمعبر رفح حتى توقيع اتفاقية أوسلو وإنشاء السلطة الفلسطينية عام 1994 م.
واستلمت السلطة الفلسطينية مع بداية عام 1995 م جزء من إدارة معبر رفح الحدودي، وهي إدارة إدارية تتعلق بالختم على جوازات السفر، لكن السيطرة الأمنية والإشراف على المعبر كان من قبل الإسرائيليين وهم المخولين بإدخال من يرغبون ومنع أي مواطن من السفر وحتى الاعتقال لمن يعتبروه مطلوب لديهم، أي بمعنى أدق لقد كان هذا الوجود الفلسطيني في الفترة الممتدة من 1995 م حتى عام 2004 م، هو وجود شكلي لا قيمة له من الناحية الفعلية بل يدلل على مدى الإجحاف الذي لحق بشعبنا من جراء اتفاقيات أوسلوا المذلة والمهينة. حيث كان رجل الشرطة الفلسطيني أو الموظف الفلسطيني يتواجد بالمعبر ولا يستطيع منع المخابرات الإسرائيلية من التحقيق أو اعتقال أو السماح لأي مواطن فلسطيني من السفر والعودة لقطاع غزة.
وفي عام 1995 م، أصدرت السلطة الفلسطينية جوازات سفر للفلسطينيين المقيمين ب قطاع غزة والضفة الغربية، أي لمن يحملون أرقام وطنية ( هوايا ) ورقم الهوية موجود على جواز السفر، بالإضافة إلى رقم الجواز، ولا يسمح لمن حتى لو حمل جواز سفر فلسطيني ولا رقم هوية به من دخول غزة، لكن من ينظر إلى هذا الجواز يجده مكتوب علية باللغة الإنجليزية " Travel document" " وثيقة سفر "، وصدرت هذه الوثيقة استناداً إلى اتفاقية الحكومة الذاتية الفلسطينية وفقاً لاتفاقية أوسلو الموقعة في واشنطن في 13 سبتمبر 1993 م.
لكن ما يعنينا من هذا الجانب أن وتيرة سفر الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر بقيت بنفس الطريقة السابقة أي قبل عام 1994 م، لكن مع بعض التحسينات والتعديلات، حيث سمح لرجالات السلطة وموظفيها، ومن خلال كشوف التنسيق التي كانت تتم سواء عبر الأجهزة الأمنية المصرية أو السفارة المصرية ب غزة بالسفر إلى مصر ، وقبل اندلاع انتفاضة الأقصى بعام سمح بسفر الفلسطينيين من هم فوق سن الـ 35 فما فوق، مع بقاء من هو ممنوع من السفر بعدم السماح له بالسفر من قبل المصريين أو الإسرائيليين.
وبعد الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة من قبل حكومة شارون من جانب واحد، انسحبت إسرائيل من داخل القطاع لكنها بقيت محاصرة قطاع غزة براً وبحراً وجواً وتسيطر على حركة جميع المعابر التي تربط ما بين قطاع غزة والضفة الغربية وأراضي عام 1948 م و جمهورية مصر العربية ، مع العلم بأنة يوجد 6 معابر تربط قطاع غزة مع إسرائيل بالإضافة إلى معبر رفح البري الذي يربط غزة مع مصر، ومطار غزة الدولي الذي يقع على الحدود الجنوبية الشرقية لمحافظة رفح والذي عمل منذ عام 1998 حتى 2002 م، ثم توقف بفعل الانتفاضة، وبعدها قامت إسرائيل بتدميره بالكامل لكم من كان يرغب بالسفر عبر مطار غزة الدولي، كان يختم جواز سفرة ويجري تفتيشه وتدقيق أمتعته من خلال معبر رفح الحدودي وبحضور الرقابة الإسرائيلية والإشراف الأمني المباشر لها على المطار ، ومن المعبر يتوجه إلى المطار مسافة تقريباً 2 كيلو متر، وهي خاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة.
فكما أشرنا سابقاً، معبر رفح البري أغلق والمطار دمر، والمعابر الستة مع دولة الاحتلال تخضع جميعها للسيطرة الأمنية الإسرائيلية وتفتح وتغلق بقرار من دولة الاحتلال، أي لا سيادة للسلطة الفلسطينية على معابرها.
وفي 15/11/ 2005 م، جرى توقيع اتفاق معبر رفح، هذا الاتفاق الظالم الذي أبقى السيطرة الأمنية الإسرائيلية على المعبر من خلال المراقبة عن بعد بكاميرات مراقبة مرتبطة بمعبر كرم أبو سالم الإسرائيلي وبإشراف الأوربيين على المعبر وبوجود السلطة الفلسطينية وحرس الرئيس، ومن هنا بقى وضع المعبر كما كان سابقاً، لكن ما توقف هو الاعتقال والتحقيق من قبل الاحتلال، أما المنع من السفر فاستمر لأن صاحب القرار الأخير هو الاحتلال الإسرائيلي المتواجد بمعبر كرم أبو سالم، والسلطات المصرية بإدارة معبر رفح المصري.
استمر وجود المراقبين الأوروبيين وحرس الرئيس والشرطة الفلسطينية بمعبر رفح البري منذ 15/11/ 2005 م حتى 14/6/ 2007 م أقل من سنتين، وخلالها كان يعمل المعبر تقريبا 10 ساعات يومياً، لكن أغلق عشرات المرات بحجة عدم وصول المراقبين الأوربيين للمعبر وهم كانوا ينامون داخل إسرائيل، وكانت إسرائيل في بعض الأحيان تمنعهم من السفر بحجة دواعي أمنية، لأنها تريد أن تؤكد للجميع بأنها هي صاحبة القرار بفتح وإغلاق المعبر وخاضع لسيطرتها.
بعد الحسم العسكري الذي قامت به حماس بـ 14/6/ 2007 م، وسيطرتها على كامل قطاع غزة بما فيه معبر رفح، انسحب الأوروبيين وأغلق معبر رفح منذ ذلك الحين بحيث لا يفتح إلا للحالات الإنسانية ( مرضى – طلبة – حملة إقامات – جوازات سفر أجنبية ) والتنسيقات من خلال الأجهزة الأمنية المصرية ، وكان في الأعوام الماضية يستمر إغلاقه أكثر من 50 يوماً، ولا يفتح إلا من 3-5 أيام فقط، وفي ظل تواجد شرطة الحكومة المقالة فقط بالجانب الفلسطيني، ومن هنا خلقت أزمة إنسانية وعزز ذلك من الحصار المفروض على قطاع غزة من قبل إسرائيل، لكم منذ عام تقريباً أصبح معبر رفح يفتح في الأسبوع خمسة أيام متواصلة، ويسمح المصريين بالسفر للحالات الإنسانية، ومن لديهم تنسيق من الأجهزة الأمنية المصرية ( مخابرات – أمن دولة ... إلخ ).
ومن هنا بدأ يشعر سكان قطاع غزة أن من يمنعهم من السفر في ظل عدم وجود الاحتلال الإسرائيلي على المعبر هو السلطات وأجهزة الأمن المصرية، وهي التي تحدد شروط الدخول والخروج من خلال المنفذ الوحيد ل قطاع غزة مع العالم الخارجي.
ويجب علينا أن نؤكد على أن اتفاقية معبر رفح في 15/11/ 2007 م سقطت بعد مغادرة الأوربيين ل غزة ، وعدم ضغطهم على الأطراف الموقعة على الاتفاقية بالعودة وتركهم ل قطاع غزة تحت الحصار والإغلاق والحرب والدمار من قبل دولة الاحتلال.
وعليه علينا أن ننظر بواقعية ل معبر رفح ، هل مصلحة شعبنا الفلسطيني أن يتمكن في التنقل بحرية ما بين غزة وجمهورية مصر الشقيقة والعالم الخارجي، وخاصة بعد ثورة 25 يناير " ثورة الشباب المصري " الذي نأمل أن تمهد لعهد جديد ل مصر أي ثورة حقيقية تمهد لتغيير وإصلاحات شاملة تطال جميع المجالات بمصر وخاصة في ما وقع من اتفاقيات مذلة ما بين مصر وإسرائيل " كامب ديفد "، وتقف إلى جانب شعبنا في وجه دولة إسرائيل التي تحتل أرضنا منذ 44 عاماً.
لقد كانت دوماً مصرُ إلى جانب قضايا شعبنا، والتي خاضت العديد من الحروب وقدمت مئات آلاف من الشهداء المصريين من أجل فلسطين والأمة العربية، هكذا عرفنا مصر ويجب أن تعود مصر إلى دورها الطليعي والريادي في قضايا شعوبنا وخاصة من نضالنا الوطني من أجل استكمال مشروعنا التحريري لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس العربية وأن تتحرر مصر من الهيمنة والضغوط الأمريكية الإسرائيلية والتي لا تخدم شعبنا الفلسطيني، بل هي ضد الشعب المصري.
فتح معبر رفح هو مصلحة للشعبين الفلسطيني والمصري، فيجب أن لا تبقى مصر متمسكة باتفاقية المعبر، وكأنها تشارك في حصار غزة وتجويعه، وافتتاح معبر رفح يجب أن يستخدم كورقة ضغط على دولة الاحتلال ومن أجل مطالبتها أيضاً بفتح جميع المعابر التي تربط غزة مع إسرائيل والبالغة 6 معابر ( بيت حانون – المنطار – الشجاعية – كرم أبو سالم – صوفا – كيسوفيم ).
ومن هنا فإننا ندعو فوراً لتوافق وطني أو العمل على إدارة مشتركة بعيداً عن المحاصصة والنفوذ بين حركة فتح و حماس أو الرئاسة و حماس ، وبمشاركة جميع الأطراف الفلسطينية، تبدأ من غزة لصيغة متفق عليها وترفع للإخوة المصريين تمكن من فتح معبر رفح دون قيد أو شرط وطول أيام الأسبوع، وأن يعمل على مدار الـ 24 ساعة باليوم وتسهيل دخول جميع المساعدات الإنسانية دون قيد أو شرط، ويجب على مصر والعالم أن يضغط على إسرائيل من أجل فتح جميع المعابر وخاصة لجهة التواصل ما بين غزة والضفة وأيضاً بمناطق الـ 1948 م.
فلقد مضى على ثورة 25 يناير الآن تقريباً 3 شهور ولا زال الخروج والدخول من معبر رفح بنفس الشروط السابقة للحالات الإنسانية ويمنع الفلسطيني المتواجد بالخارج من العودة إلى القطاع إلا بالحصول على فيزا من السفارة المصرية المتواجدة في البلد الذي يوجد فيه، وأيضاً بحاجة إلى تنسيق أمني يسمح له بدخول الأراضي المصرية.
لقد آن الأوان أن يجري التعامل مع الفلسطيني بشكل مغاير من قبل الأشقاء العرب وخاصة المصريين، فلا يعقل أن يبقى الفلسطيني الذي يسكن في غزة، يعامل على أنه حالة أمنية ممنوع من السفر، وحتى لو سمح له السفر يرحل ويعذب بالمطارات والمعابر.
المطلوب أن تكون هناك إدارة واحدة من قبل الإخوة المصريين تشرف على فتح معبر رفح لكل من يحمل جواز سفر فلسطيني ولجميع الأشقاء والأصدقاء من عرب وأجانب والسماح بالسفر دون قيد أو شرط، ووقف عمل حالات الممنوعين من السفر، لا أن تكون هناك العديد من الجهات مسئولة عن التنسيق وإدخال الفلسطينيين.
وكانت سابقاً تبتز الفلسطيني بدفع مبالغ طائلة وصلت إلى 4000-5000 $، وهي رشوة سواء لضابط الأمن المصري أو الوسيط الفلسطيني، هذا عبث ويسئ لمصر ودورها القيادي على المستوى العربي، فالفلسطيني لم يشكل في أي يوم خطر على أحد، فهو سند لكل العرب التواقين للحرية والكرامة وتحرير أراضيهم من الاحتلال. فالفلسطيني صاحب قضية يناضل من أجلها وبحاجة لدغم ومساندة جميع الدول العربية.
ومن هنا يجب على المجلس العسكري الأعلى وعلى الحكومة المصرية الجديدة وشباب ثورة 25 يناير أن يعملوا على فتح معبر رفح فوراً دون تردد أو خوف من فتح معبر رفح البري، وبحرية الحركة للأفراد والتجار والبضائع، وبهذا يتوقف عمل الأنفاق التي تربط ما بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية التي أزهقت مئات الأرواح من أبناء شعبنا الفلسطيني، و تشكل عبئاً وإرهاقاً على المصريين والفلسطينيين على حد سواء.
إن حل أزمة معبر رفح عبر إدارة وتوافق وطني يساهم في كسر الحصار الإسرائيلي الظالم على القطاع، ويشكل مفتاحاً كبيراً بيد شعبنا لبداية الخلاص من كارثة الانقسام، واستعادة الوحدة الوطنية، وبما تحمي حقوقنا الوطنية والمقاومة ويوحد نضالنا من أجل انتزاع حقوق شعبنا في الحرية والاستقلال والعودة.
- عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
المصدر
- مقال:معبر رفح ... الأزمة الدائمةالمركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات