مرّةً أخرى .. العرب على لائحة الانتظار

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مرّةً أخرى .. العرب على لائحة الانتظار
علم فلسطين.jpg


بقلم : صبحي غندور

لن تكون هناك "فترة استراحة" للرئيس الأميركي باراك أوباما بعد الانتخابات "النصفية"، التي ستترك آثاراً كبيرة على أجندته الداخلية وعلى طموحاته لفترة رئاسية ثانية، فما ينتظره من جدول قضايا وزيارات خارجية هو أيضاً مهم وحاسم للإدارة الحالية وللمصالح الأميركية عموماً.

بل ربّما يمكن القول أنّ شهر نوفمبر الحالي هو شهر الاستحقاقات لإدارة أوباما داخلياً وخارجياً.

فمن جولة الرئيس الأميركي على عدّة بلدان آسيوية، إلى حضور قمّة مجموعة العشرين في سيول، إلى استئناف المفاوضات "السداسية" مع إيران، إلى المأزق الحكومي السياسي في العراق والمأزق العسكري في أفغانستان، وصولاً إلى التعامل من جديد مع "الملف الفلسطيني" وصلاته بالعلاقة مع حكومة نتنياهو وبالمواقف الأميركية من سوريا وأوضاع لبنان، ذلك كله سيجعل من الأسابيع القادمة فترة حرجة جداً للسياسة الخارجية للرئيس أوباما، كما كانت الانتخابات "النصفية" بالنسبة لسياساته الداخلية .

لكن ما هو غير مفهوم وغير مبرّر هذا "الانتظار" الرسمي العربي والفلسطيني لنتائج الانتخابات الأميركية، كما هو الحال منذ عقود عند محطات الانتخابات الأميركية والإسرائيلية، لمعرفة ما الذي يجب فعله أو ما الخيار الممكن اللجوء اليه!! فالبقاء على "لائحة الانتظار" هو سمة حال السياسات العربية الراهنة والتي انضمّ اليها بعد ولادة "السلطة الفلسطينية" الحال الفلسطيني.

فجذور أزمة السياسة الأميركية في المنطقة العربية لا ترتبط بحالةٍ دينية أو ثقافية طبعاً، حيث لا يمكن حلّها، ولا أيضاً بتغيير في الحاكم هنا أو هناك، يسهل الحل بحدوثه.

ربَّما مشكلة الحكومات العربية أنَّها تدرك ذلك جيداً، لكنَّها لا تريد أن تعترف أمام شعوبها بأنَّ المشكلة هي مع النّفس العربية أولاً حيث المراهنة على دور الخارج فقط بعدما جرى أصلاً التخلّي عن مرجعية "الأمم المتحدة" للصراع العربي الإسرائيلي، وقبول واشنطن كمرجعية وحيدة لرعاية التسويات بينما يمزِّق الحال العربي بعضه بعضا!!

ولكي لا تتوه مراكب الوهم العربي كلَّما صدرت تصريحات شكلية إيجابية عن مسؤولين أميركيين بشأن "الدولة الفلسطينية"، فإنَّ وضع المعايير هنا يصبح كالبوصلة التي تحدّد الاتجاه الصحيح:

1- هل ستقبل واشنطن بالحدِّ الأدنى فيما نصَّت عليه الشرعية الدولية من رفض احتلال الأرض بالقوّة، ومن حقّ الشعوب الخاضعة للاحتلال بمقاومة المحتل؟

2- هل تعتبر واشنطن أصلاً الأراضي العربية التي جرى احتلالها عام 1967 أراضٍ عربية محتلة أم أنَّ واشنطن تأخذ بالادّعاء الصهيوني في اعتبارها (خاصَّةً القدس ومناطق عدة من الضفة والجولان) "أراضٍ إسرائيلية محرَّرة"؟! 3- هل تقبل واشنطن أن تكون الأمم المتحدة هي المرجعية الدولية أم تريد مواصلة الانفراد بتحديد مفاهيم الصراع العربي/الإسرائيلي وبوضع جدولة أميركية لكيفية إنهاء هذا الصراع بغضِّ النظر عن اعتبارات الحقِّ والباطل، وعن التمييز الصحيح بين الظالم والمظلوم، وعن القرارات الدولية المتعلقة بهذا الصراع ؟!

هنا تقع الملامة على من قَبِلَ من العرب بمرجعية واشنطن وحدها لمعالجة الصراع العربي الإسرائيلي، في وقتٍ لم تميِّز فيه واشنطن نفسها عن السياسة الإسرائيلية، خاصّةً لجهة كيفية رؤية الأراضي المحتلة ومدى حقّ الشعب الخاضع للاحتلال بأن يقاوم هذا الاحتلال ..

وإذا كان مفهوماً هذا الدعم الأميركي المفتوح لإسرائيل طوال سنوات الحرب الباردة، فما هو مبرّره منذ مطلع التسعينات؟ وما مبرّر استعداء حتى من كانوا أصدقاء أميركا في المنطقة خلال فترة الحرب الباردة بحيث أصبحت المنطقة العربية الآن موحَّدة في مشاعرها السلبية ضدَّ أميركا وإسرائيل رغم ما هي عليه من تمزّق وصراعات على أمورٍ عديدةٍ أخرى.

فواشنطن تكون مرجعية مقبولة حينما تكون حيادية في سياستها ومواقفها لا داعمةً للمعتدي ضدَّ المعتدى عليه.

والتمايز الأميركي الإسرائيلي الحاصل الآن بشأن المستوطنات هو تمايز في كيفية رؤية حدود إسرائيل ودورها، وليس في رؤية حقوق الشعب الفلسطيني.

فلم يظهر بعد أيّ تباينٍ بين أميركا وإسرائيل حول جوهر القضايا المرتبطة بالصراع، ولا حول كيفية رؤية حق مقاومة الاحتلال حيث ما يزال ذلك بنظر واشنطن وتل أبيب معاً "عملاً إرهابياً" !..

ولا أعتقد أنَّ المرحلة القادمة ستشهد تناقضاً بين المواقف الأميركية والإسرائيلية حول جوهر قضايا الصراع العربي الإسرائيلي بالرغم من الخلافات القائمة بشأن مسألة تجميد الإستيطان، ولا يمكن إعتبار ذلك وحده دلالة على نزاهة الموقف الأميركي.

فالسياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط تتمسَّك بأسسٍ لم تتغيَّر مع تغيّر الإدارات والحكومات منذ معاهدة كامب دافيد بين مصر وإسرائيل، وهي أسس تقوم على:

· ضرورة المفاوضات المباشرة بين العرب وإسرائيل كأسلوبٍ وحيد لحلِّ الصراع.

· الاعتراف العربي الشامل بإسرائيل وإقامة علاقاتٍ معها، حتى قبل التوصّل لاتفاقياتٍ نهائية على المسارات كلّها.

· وضع تسويات بشكل اتفاقاتٍ ثنائية منفردة وشرذمة المواقف والمسارات العربية.

· بقاء واشنطن المرجعية الأولى للاتفاقات مع دور "فولكلوري" للأمم المتحدة ولدول كبرى مثله الآن من خلال صيغة "اللجنة الرباعية".

فالإدارات الأميركية المتعاقبة تؤكّد على هذه الأسس وعلى ما تحقَّق أولاً بين مصر وإسرائيل ثمَّ بين منظمة التحرير وإسرائيل ثمَّ بين الأردن وإسرائيل بعد مؤتمر مدريد، كما تؤكّد أيضاً على إنهاء أيَّة حالة مقاومة للاحتلال الإسرائيلي وعلى جعل أسلوب التفاوض مع إسرائيل هو الأسلوب الوحيد المتَّبع في المنطقة رسمياً وشعبياً، وطبعاً في ظلِّ التفوّق العسكري الإسرائيلي.

إنّها مشكلة السياسة الأميركية التي تخدم مصالح إسرائيل أكثر من المصالح الأميركية والتي تضع مصداقية واشنطن على المحكّ في كلِّ مرَّةٍ تحاول فيها واشنطن أن تفرض تسوياتٍ سياسية وأمنية على الصراع العربي/الإسرائيلي.

إنّ الشعب الفلسطيني كان ممزَّقاً أصلاً بين من هم في الخارج، وبين من هم في الضفّة وغزّة، وبين من هم مواطنون الآن في إسرائيل.

فكيف إذا كان الانقسام الآن أيضاً بين حكومة سلطةٍ في الضفة تريد العودة للمفاوضات، وبين حكومة غزّة المحاصرة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً!؟

وكيف يقدر هذا الواقع الفلسطيني الممزّق على مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وعلى تحصيل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني؟

إن المناطق الفلسطينية المحتلّة محكومة حالياً بمنهجين متناقضين قد ذهب كلٌّ منهما إلى أبعد مدى في نهجه مع إسرائيل: الأول في نوع المفاوضات والاتفاقات، والثاني في نوع المقاومة وأساليبها.

وعوضاً عن التكامل بين العمل السياسي والعمل العسكري على الساحة الفلسطينية، نجد التصادم قائماً في رأسي الجسم الفلسطيني وبين "اليد التي تحمل غصن الزيتون واليد التي تحمل البندقية"!.

إنّ الواقع العربي العام تحكمه الآن سمات مشتركة وليس مواقف مشتركة.

سمات تبرز فيها سيئات "حالة الانتظار" لما ستقرّره واشنطن ثمَّ التعامل مع هذه "القرارات" بشكلٍ انفرادي عربي عوضاً عن التنسيق المسبَق وإعداد القرار العربي المشترك للتعامل مع نتائج المرحلة واحتمالاتها المستقبلية.

تُرى متى ينتقل الحال العربي من "لائحة الانتظار" إلى وضعٍ تضامني فاعل، يُقنع العالم كلّه – ومن ضمنه أميركا- بعدالة حقّ مقاومة الاحتلال - خاصّةً بعدما تخلَّت المرجعيات الدولية عن مسؤوليتها – ويضغط على إسرائيل سياسياً بالحدّ الأدنى المتوفّر وهو قطع كافة أشكال العلاقة والتطبيع معها، فيضمن العرب حقّهم المشروع من جهة وتكون لهم، من جهةٍ أخرى، قوّة سياسية ضاغطة لإحداث تسويات عادلة؟!.

  • مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن

المصدر