محمود شيت خطاب

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
القائد المحنك والمؤرخ الموسوعي محمود شيت خطاب (1337 1418ه - 1919 1998 م)


بقلم: المستشار عبدالله العقيل

نشأته

ولد سنة1919 م بمدينة الموصل بالعراق من أسرة تعمل في التجارة، وقد تولت جدته لأبيه حضانته لأن والدته سرعان ما رزقت بأخ له بعد سنة من ولادته، وكان لجدته الدور الكبير في تربيته على الإسلام ، والأخلاق الإسلامية، فقد كانت تصحبه إلى المسجد لصلاة المغرب، وتبقى معه حتى تصلي العشاء ثم تعود به إلى البيت، واستمرت رعايتها إياه إلى أن توفاها الله وعمره ستة عشر عاماً.

وكانت البيئة التي نشأ فيها، والمحيط الذي عاش فيه يلتزمان العبادة، من صلاة، وصيام، وزكاة، وتلاوة للقرآن الكريم، ويلتزمان الخلق الإسلامي من تعاون وإخاء وتواصل وتزاور.

وقد درس في الكتّاب مبادئ الإسلام ، وتجويد القرآن وتلاوته وحفظه وتعلم فيه الخط، ثم التحق بالمدرسة الابتدائية في السنة الثامنة من عمره، وواصل تعليمه فيها حتى أكمل المراحل الثلاث: الابتدائية والمتوسطة والثانوية.

وكان يصحب والده إلى مجالس الحيّ، حيث يجتمع الأعيان في مجلس يسهرون فيه على سماع الأخبار وقراءة الكتب النافعة، وتدارس مشكلات الناس، ومساعدة من يحتاج إلى المساعدة، وحلّ المعضلات التي تعترض الأفراد والأسر.

وكان والده يكلفه بقراءة أحد كتب التاريخ على الحضور، ومعظمهم من أهل العلم واللغة، فكان ذلك سبباً من أسباب حرصه على إتقان القراءة، وعشقه للتاريخ، وانصرافه للكتابة فيه، وكانت باكورة إنتاجه كتابه "الرسول القائد" الذي صدر سنة 1958م ثم تتابعت كتبه الأخرى بعد ذلك.

حياته العلمية والعملية

وقد كان يرغب بدراسة الحقوق بعد حصوله على الثانوية، ولكن شاء الله غير ذلك، حيث التحق بالكلية العسكرية سنة 1937م وتخرّج فيها برتبة ملازم في سلاح الفرسان، وقد سأله آمر السرية:

أتشرب الخمر؟ أتلعب القمار؟ أتحب النساء؟

ولما نفى خطاب ذلك، قال آمر السرية:

إن انضمامك إلى سريتي نكبة عليّ !!

واستكمل مراحله العسكرية، حيث تخرج برتبة ضابط ركن، وابتعث إلى دورة في بريطانيا لمدة سنتين حتى وصل إلى رتبة لواء أركان حرب.

وقد شارك في ثورة رشيد عالي الكيلاني سنة 1941م، وأصيب بشظايا من قنابل الإنجليز، ولكن شاء الله له الشفاء، رغم شكوك الأطباء، كما تعرض لمؤامرات الشيوعيين أيام عبد الكريم قاسم بعد ثورة الشواف بالموصل، وناله التعذيب الشديد وأصابته كسور كثيرة، حيث اعتقل لمدة ثمانية عشر شهراً، وقد مارس التدريس في الكليات العسكرية في العراق ومصر، وكان من فراسته ودقة دراسته للعدو الصهيوني، أنه حدد اليوم الذي عزمت فيه الكيان الصهيونى أن تضرب ضربتها وهو يوم 5-6-1967 م، ونشر هذا في جريدة "العرب" البغدادية يوم 1-6-1967 م، حتى إن المؤلف الإسرائيلي صاحب كتاب "الحرب بين العرب وإسرائيل" قد أثنى على عبقرية شيت خطاب ووصفه بأنه أكبر عقلية استراتيجية في العرب، ولكنه لا يجد من يستفيد منه.

وقد اختير رئيساً للجنة توحيد المصطلحات العسكرية في الجيوش العربية، ودعا لوضع معجم عسكري موحد، وصدر المعجم في أربعة أجزاء: بثلاث لغات هي: العربية، والإنجليزية، والفرنسية، كما ألف كتاب "المصطلحات العسكرية في القرآن الكريم"، وقد شارك في عضوية كثير من المجامع العلمية واللغوية والمؤسسات الإسلامية وتولى عدداً من الحقائب الوزارية، فقد كان:

  • رئيس لجنة توحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية في جامعة الدول العربية.
  • عضواً مؤسساً لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة.
  • عضواً في المجلس الأعلى العالمي للمساجد بمكة المكرمة.
  • مناصب وزارية لعدة مرات.

وهو إلى جانب ذلك، يقرض الشعر، وله فيه إسهام طيب، وإن كان مقلاً فيه.

معرفتي به

زارنا بالكويت أواخر سنة 1969 بدعوة من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لحضور الموسم الثقافي، وإلقاء المحاضرات، وقد كنتُ أقدّمه في المحاضرات، وأصحبه في الزيارات للشخصيات والهيئات والمؤسسات، وقد ألقى محاضرات عدة، وكانت إحداها بعنوان "إرادة القتال" وفيها تطرق بصراحة ووضوح إلى عدم جدية الحكومات العربية في محاربة إسرائيل، حيث إن الحكام يضطهدون شعوبهم، ويتصرفون في مقدرات البلاد وفق أهوائهم ونزواتهم، وتعبئة الجنود لم تكن إيمانية، ولم يكن ثمة إرادة للقتال ولا تدريب على مستوى المواجهة مع العدو الصهيوني، فكانت الأغاني هي زاد الجنود، وصور الزعيم والممثلين والممثلات والمغنين والمغنيات هي سلاحهم، ومن هنا كانت الهزيمة الكبرى وضياع المقدسات، وانتهاك الحرمات.

وكانت محاضراته وندواته وأحاديثه دواء وبلسماً، وكانت توجيهاته للشباب بالكويت وبخاصة للشباب المسلم بجمعية الإصلاح الاجتماعي ذات أثر بالغ في تجديد العزم، ورفع الروح المعنوية، لأن الإسلام لم يخض المعركة، ولكنها الزعامات الفارغة التي كشف الله عوارها، وأبان هزالها، وأسقط دعاواها وشعارها، وليس سوى الإسلام طريقاً لعزتها وسيادتها، وكل ما عداه باطل وهراء.

وتكررت اللقاءات به بعد ذلك في المملكة العربية السعودية وغيرها، وكان آخرها حين قدم للعلاج في الرياض سنة 1410ه بالمستشفى العسكري، وزرته مع الأخ أبي غزوان، فإذا هو ذاك الرجل الفذ، والقائد الشجاع، والمؤمن الصادق الذي يعيش الإسلام بكل جوارحه، ويدعو إليه، وهو في أشد حالات مرضه، لأنه يؤمن بقضاء الله وقدره صابراً محتسباً.

مؤلفاته

له أكثر من مئة وعشرين كتاباً ومنها:

  • الرسول القائد
  • الوجيز في العسكرية الإسرائيلية
  • العسكرية الإسرائيلية
  • حقيقة إسرائيل
  • دراسات في الوحدة العسكرية العربية
  • أهداف إسرائيل التوسعية في البلاد العربية
  • طريق النصر في معركة الثأر
  • الأيام الحاسمة قبل معركة المصير وبعدها
  • بين العقيدة والقيادة
  • الإسلام والنصر
  • عدالة السماء
  • تدابير القدر
  • تاريخ جيش النبي
  • دروس عسكرية في السيرة النبوية
  • غزوة بدر الكبرى
  • العسكرية العربية الإسلامية
  • المصطلحات العسكرية في القرآن الكريم
  • الرسول القائد
  • الصديق القائد
  • الفاروق القائد
  • عمرو بن العاص
  • خالد بن الوليد المخزومي
  • قادة فتح المغرب العربي
  • قادة فتح مصر
  • القتال في الإسلام
  • العدو الصهيوني والأسلحة المتطورة
  • التصور الصهيوني للتفتيت الطائفي
  • التدريب الفردي ليلاً
  • القضايا الإدارية في الميدان
  • تعريف المصطلحات العسكرية وتوحيدها
  • المجمع العسكري الموحد
  • الشورى في المواثيق والمعاهدات النبوية
  • ومضات من نور المصطفى
  • قادة فتح الجزيرة
  • قادة فتح فارس
  • إرادة القتال في الجهاد الإسلامي
  • الشورى العسكرية النبوية
  • قادة النبي
  • قادة فتح السند وأفغانستان
  • قادة الفتح الإسلامي في بلاد ما وراء النهر
  • قادة الفتح الإسلامي في بلاد أرمينيا
  • سفراء النبي
  • عقبة بن نافع الفهري
  • قادة فتح بلاد الشام
  • قادة فتح بلاد الروم
  • قادة فتح بلاد الأندلس
  • الرسالة العسكرية للمسجد
  • دروس في الكتمان
  • أسباب انتصار الرسول القائد
  • التوجيه المعنوي للحرب
  • الرقيب العتيد
  • اليوم الموعود
  • أقباس روحانية
  • نفحات روحانية
  • السفارات النبوية
  • أسرار الحرب العالمية الثانية
  • مجمع الأمثال

وله عدد كبير من الأبحاث والمقالات المنشورة في معظم الصحف والمجلات العربية والإسلامية.

مقتطفات من شعره

قال في رثاء جدته :

أجهدت نفسك فاستريحي قليلا

قد كان عبئك في الحياة ثقيلا

نزلت ْعليك مصائب الدنيا ولو

نزلت على جبل لخرَّ مهيلا

وجد القنوط إلى الرجال سبيله

وإليك لم يجد القنوط سبيلا

ولربَّ فرد في سمو فعاله

وعلوه خُلقاً يعادل جيلا

معركة جنين :

وقال بعد استرداد قواته لمدينة جنين من اليهود، وقبل انصراف قواته إلى العراق بعد الهدنة:

هذي قبور الخالدين وقد قضوا

شهداء حتى ينقذوا الأوطانا

المخلصون تسربلوا بقبورهم

والخائنون تسنموا البنيانا

لا تعذلوا جيش العراق وأهله

بلواكمُ ليست سوى بلوانا

أجنين يا بلد الكرام تجلدي

ما ضاع حق ضرَّجته دمانا

إني لأشهد أن أهلك قاوموا

غزو اليهود وصاولوا العدوانا

فإذا نُكبت فلست أول صارم

بهظته أعباء الجهاد فلانا

مرجُ ابن عامر خضبته دماؤنا

أيصير مُلكاً لليهود مهانا

وهو الخلود لمن يموت مجاهداً

ليس الخلود لمن يعيش جبانا

من أقواله

لما ذهبت للدراسة في الكلية العسكرية بلندن، سألني عميد الكلية: لماذا قدمت؟

قلت: لتجديد معلوماتي العسكرية، ولتلقي أي جديد في العلم.

فعقَّب العميد على كلامي: بل قدمت لتتعلم مغازلة الفتيات.

فكظمت غيظي وقلت في نفسي:

إن هذا لا يلقي كلامه جزافاً، وإنما يحكم عليَّ بما شاهده في سواي.

ولما ذهبت إلى السكن المخصص لي، وجدت فراشاً وفتاة تعمل على ترتيب غرفة نومي، فانتظرت في البهو دون أن أعيرها اهتماماً، حتى إذا خرجت سألتني:

هل لديك توجيهات؟

قلت: شيء واحد، هو أن تحضري لأداء مهمتك عندما لا أكون حاضراً".

ويروي أيضاً فيقول:

"بعد تخرجي ضابطاً سنة1938 م كان من تقاليد الجيش أن تولم وليمة للضباط الجدد، وشهدت الحفلة مع زملائي، فجاء قائد الكتيبة وقد ملأ كأساً بالخمر، وأمرني أن أبدأ حياتي بشرب الخمر، وكان الليل قد أرخى سدوله، وكانت السماء صافية تتلألأ فيها النجوم، وكان قائد الكتيبة برتبة عقيد يحمل على كتفيه رتبته العسكرية وهي بحساب النجوم: اثنتا عشرة نجمة، فقلت له:

إني أطيعك في أوامرك العسكرية، وأطيع الله في أوامره، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إنك تحمل على كتفيك اثنتي عشرة نجمة، فانظر إلى سماء الله لترى كم تحمل من نجوم.

فبُهت القائد وردد: السماء.. السماء.. نجوم السماء!

ومضى غضبان أسفاً، وشعرتُ بأن موقفي هذا ليس مصاولة بيني وبين القائد، ولكنها مباراة بين إرادته بشراً، وبين إرادة الله خالق البشر".

ويقول: "إن الدعوة التي تبناها المبشرون وعملاء الاستعمار وأذنابهم في إبعاد الدين الإسلامي عن الحياة، دعوة مريبة، هدفها إبعاد العرب عن الناحية المعنوية في حياتهم، فالعرب جسم والإسلام روحه، ولا بقاء للجسم بدون الروح.

إن قوى هائلة تعمل على تحطيم هذا الجيل، وتفتيت قدراته، وكانت قبل مقصورة على العدو الخارجي، أما اليوم فقد وجدت لها مرتكزات لا تحصى في الداخل، وإن ارتباط مستقبل هذا الجيل صعوداً أو هبوطاً بمدى التزامه هداية الإسلام، أو إعراضه عنه.. إن المسلمين اليوم في حاجة ماسة إلى قادة كخالد والمثنى وغيرهم، إلا أن حاجتهم إلى العلماء العاملين أمسّ وأشدّ.

هناك أزمة ثقة بين الشيوخ والشباب.. ومردُّ ذلك إلى فقدان عنصر القدوة الصالحة في معظم الذين يُعدُّون في الشيوخ، ويظنون أن كل ما عليهم هو أن يحسنوا عرض الموعظة السطحية، ولو كان سلوكهم الشخصي أبعد ما يكون عما يدعون إليه".

مواقفه

يروي الأخ عبد الله الطنطاوي عن اللواء الركن محمود شيت خطاب أنه حدثه عن رحلته إلى مصر بصحبة رئيس الجمهورية العراقية المشير عبد السلام عارف ، وهناك في القاهرة طلب من عبد السلام عارف أن يتوسط لدى صديقه عبدالناصر للإفراج عن سيد قطب، وتحدث عارف مع ناصر بحضور خطاب، ووافق عبدالناصر للإفراج عن سيد قطب ، وعندها طلب خطاب من عبدالناصر أن يسمح له بزيارة سيد قطب في سجنه، فسمح له بذلك، وحين قابله وأخبره بالوساطة، قال سيد قطب في حزن:

سامحكم الله.. لو شاورتموني لرفضتُ الوساطة، ولما خرجتُ بهذه الصورة.

وحين خرج سيد قطب أهدى مؤلفاته لعبد السلام عارف، ومحمود شيت خطاب، وكتب لهما عليها إهداءً لطيفاً بخط يده.

وتكرر الموقف مع العلامة أبو الأعلى المودودي، حيث كان في السجن في زمن أيوب خان، ورفض المودودي الوساطة من عبد السلام عارف للإفراج عنه، وأصر على البقاء في السجن.

كما كان للواء الركن محمود شيت خطاب موقف مجيد في الدفاع عن اللغة العربية، ومحاربة الدعوة إلى اللهجة العامية، والشعر الحر، وأن الشعر الموزون المقفى هو من دعائم اللغة العربية، كما حارب الدعوة لكتابة العربية بالأحرف اللاتينية، ورحب بالجانب العلمي من الحضارة الغربية، ورفض ما عداه من المبادئ والأخلاق والعادات والسلوك الغربي الذي انحدر إلى الحضيض في العلاقات الجنسية والإباحية والمادية وغيرها من المبادئ المادية، وما تتركه من آثار على إنسانية الإنسان وروحه، وسلوكه.

وقد كانت الصهيونية أعدى أعدائه، ومحور تفكيره وهمومه، كان يرى أن العلاج لها هو الجهاد، فإسرائيل لا تفهم غير لغة القوة، وهي الطريق لتحرير فلسطين، وسحق الكيان الصهيونى العنصرية.

وأن الإسلام هو الحل لسائر القضايا السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية للأمة الإسلامية، ونحن أمة أعزنا الله الإسلام ، فإذا طلبنا العزة بغيره أذلنا الله، وأن الوحدة قدر، والقدر أقوى من البشر، ويجب العمل للوحدة من أجل العزة والمجد، ومن أجل القضاء على إسرائيل.

قالوا عنه

يقول الدكتور يوسف إبراهيم السلوم:

"زرته في المستشفى العسكري بالرياض عام 1410هـ قبل وبعد إجراء العملية التي أجريت له في القلب، ولمست منه الشجاعة الأدبية، والإيمان القوي، والرضاء بالقدر، وصبره على الآلام، مع كبر سنه، ورغم ذلك كانت حقيبته لا تخلو من بعض المؤلفات الجديدة له، وتفضل مشكوراً بإهدائي نسخاً منها، وكان يتحدث مع زواره بروح عالية، فازددت تعلقاً به، ومحاولة معرفة المزيد عن سيرته وحياته، وقد كنت أتابع ما يصدر له من كتب ومؤلفات وبحوث ومقالات، فأجد فيها المعين لي في حياتي العسكرية، لتأصيل العلوم والثقافة العسكرية حتى أصبحت مدرسة متميزة".

ويقول الأديب عبد الله الطنطاوي :

"عاش اللواء خطاب عصراً متفجراً من أعنف العصور، وكان نصيب العراق كبيراً من الحرائق والمعاول بعد فلسطين الذبيحة، وكان اللواء خطاب شاهد القرن على تلك الكوارث والمآسي التي اجتاحت العراق والشعوب العربية والإسلامية، فكان ميلاد الكيان الصهيوني ، ثم شهد هزيمة الأنظمة العربية في حرب حزيران- يونيو سنة 1967 م.

عاش محمود شيت خطاب عصره بكل ما فيه، وناله الكثير مما فيه، وعاه بعقله وذكاء قلبه، وأسهم في إطفاء بعض الحرائق".

ويقول الإمام العلامة الشيخ محمد أبو زهرة :

"إن صديقي الكريم اللواء الركن محمود شيت خطاب القائد العظيم المدرك، والوزير المخلص وقليل ما هم سعدت بمعرفته، وأحسست بأني أعرفه منذ سنين، يسير بفكره، وقوله وعمله في خط مستقيم كاستقامته، وقد جمع الله له من الصفات ما تسمو به واحدة منها عن سفاسف الأمور، وتتجه إلى معاليها:

  • وثانيها: الإدراك الواسع، والعلم بما حوله، وتعرف الأمور من وجوهها، وإدراكها من مصادرها، فقلمه نقي وفكره ألمعي.
  • وثالثها: إيمان صادق بالله ورسوله النبي الأمين.

ويكمل هذه الصفات همة عالية، وتجربة ماضية، وخبرة بالعلم والحرب، وخصوصاً ما كان بين العرب واليهود، وهو عالم بالعربية، وملم إلماماً عظيماً في شؤون الدين، وقارئ يتقصّى الحقائق فيما يقرأ، ينفر من التقليد للفرنجة، ويؤثر ما في القرآن والسنة، وهو قائد يعرف خصمه، ويدرك مراميه، حتى إنه ليتوقع الحرب أو الهجوم من عدوه في ميقاتها وقبل أن يعلنها، وقبل أن يفكر فيها من سيكونون حطبها، لأنه يعلم الخصم ومآربه وحاله، ويتعرف من ذلك مآله، لقد علم بهجوم اليهود سنة 1967 م، قبل أن يعلنوه، وقبل أن يقدره الذين كانوا في زعمهم يديرون الأمور، ويلبسون لكل حال لبوسها".

تكريمه

وفي حفل تكريمه ألقى الشاعر وليد الأعظمي هذه القصيدة:

اليوم أنشد في تكريم "محمود"

شعراً يعبر عن عن حب وتمجيد

أشدو به بين أهل الفضل مبتهجاً

ولا ابتهاجي في عُرس وفي عيد

هذا سروري لم أنعم به زمناً

مما أكابد من هم وتسهيد

موكّل بهموم الناس أحملها

وقراً على كاهلي المكسور أو جيدي

أسعى وأركض في إطعام ذي سغب

ودفن موتى المساكين المناكيد

واليوم ألقي همومي جانباً لأرى

هذا التجمع من أعلامنا الصيد

جاؤوا يُحيُّون "محمود" الصفات صفت

أخلاقه وزهت بين الأماجيد

ويصدحون بألحان الثناء كما

تشدو الطيور بتطريب وتغريد

هذي سجاياه كالريحان عاطرة

كالمسك ديف بأطياب من العود

يفوح منها أريج العلم ينعشنا

كالبارد العذب للظمآن في البيد

له أياد علينا جِدّ سابغة

بالفضل والعلم والإحسان والجود

يراقب الله في سرٍّ وفي علن

يقضي الليالي بتسبيح وتحميد

لسانه الرطب بالأذكار منشغل

عن ذم "سعد" وعن إطراء "مسعود"

وبالتلاوة في الأسحار متعته

وبالمناجاة للمولى وتوحيد

ذاق الأذى في سبيل الله محتسباً

ما كان عاناه في أيامنا السود

من اضطهاد وتعذيب وسخرية

يشيب من هولها شَعر المواليد

وهو الصبور على ما ذاق من محن

وكان أصلب من صمِّ الجلاميد

فما استكان لطاغوت ولا صنم

ولا تهيَّب من أحفاد "نمرود"

أخباره من ظلام السجن نافذة

تسري على ألسن النجوى بترديد

وسنة الله في الأبرار ماضية

بالابتلاءات من ضيق وتشريد

يُمحص الله أحوال الرجال بها

بين الصناديد منهم والرعاديد

أقلامه لسطور المجد راقمة

سفر الفتوحات من خير الأسانيد

و"قادة الفتح" نبراس يضيء لنا

نهج البطولات في عزٍّ وتخليد

وفي "السفارات" عند المصطفى خطط

تدعو لحسن اتباع في التقاليد

لطف ورأي وإخلاص وتضحية

وحكمة ووفاء بالمواعيد

مضى يدافع عن تاريخ أمتنا

يردُّ شبهة تنصير وتهويد

يردُّ كيد العدى في نحرهم قلم

يأتي على حجج الأعدا بتفنيد

وفي "فلسطين" أيام له سلفت

مجاهداً مع أبطال صناديد

يصول كالليث في غاراته جلداً

يطارد البغي في الوديان والبيد

وذكريات له في "القدس" باقية

لا ينمحي ذكرها من قلب "محمود"

يا رب بارك له في سعيه وأدم

عليه فضلك بالإنعام والجود

وفاته

في صباح اليوم الثالث عشر من شهر ديسمبر سنة 1998م، كان اللواء خطاب يجلس على كرسي عتيق تحت درج منزله، وجاءت ابنته تودعه، وقبل أن تغادر المنزل إلى الجامعة، طلب منها أن تجلس معه لتقرأ سورة "يس" فجلست وجاءت زوجته وجلست وقرأت البنت سورة "يس" وكان يقرأ معها، فأحس بجفاف في حلقه بعد الانتهاء من قراءة السورة، فطلب من زوجته أن تأتيه بكأس من الشراب، وأسرعت الزوجة إلى المطبخ وهي تسمع زوجها يردد: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.. وكررها مراراً ثم سكت، وابنته تنظر إليه وتردد معه شهادة الحق، فأسرعت زوجته إليه لتراه كالنائم، قد أسلم الروح لبارئها.

رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين كل خير. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المصدر : مجلة المجتمع 08/04/2006

إقرأ المزيد

روابط داخلية

كتب متعلقة

ملفات متعلقة

وصلات خارجية