محمد صالح طه
مقدمة
زخرت الأمة الإسلامية بمن أرشدها إلى حسن طاعة ربها، والدفاع عن شريعتها، والحفاظ على ثوابتها، إلا أنه بين الفنية والأخرى يرحل العلماء والمصلحين، لكنهم رحلوا بعدما تركوا آثار وبصمات في نفوس أبناء هذه الأمة، وتركوا مواقف وتاريخ يضيء ظلمات الدجى أمام الحيارى من شباب وشابات هذه الأوطان المكلومة، وحملوا مشعل الجهاد حتى أخر حياتهم ولم يقعدهم السن أو المرض بل رسخوا عقيدة الجهاد في عقول أبنائهم وشبابهم حتى أصبحوا وقودا ضد المحتل الغاصب.
ومن هؤلاء الذين أخلصوا وحرصوا على حسن تربية الشباب ورفع راية الجهاد ضد كل محتل الحاج محمد صالح طه أحد مؤسسي حركة المقاومة الإسلامية حماس.
حياته
في قرية يبنا التابعة لمحافظة الرملة بفلسطين ولد الأستاذ محمد صالح طه أبو أيمن عام 1937م، والتي حصل منها على التعليم الأول قبل أن يهجر منها.
سكن الشيخ محمد طه مخيم البريج وسط قطاع غزة بعد أن هُجِّرت عائلته قصرياً عن قريته الوادعة "يبنا" 1948م حيث استمر في تعليمه حتى التحق الشيخ بالجامعة الإسلامية بغزة ليحوز منها على الشهادة الجامعية في الشريعة الإسلامية، وعمل الشيخ مأذوناً شرعياً وخطيباً لمسجد التقوى في مخيم البريج، وعرف عنه جرأته في قول الحق مهما كانت التبعات، الأمر الذي مكنه من ممارسة دوره كأحد رجالات الإصلاح البارزين محكماً شريعة الله في الإصلاح بين المتخاصمين. كما عمل مدرسا في مدارس اللاجئين بقطاع غزة لمدة 32 عاما.
تزوج ورزقه الله بـ 5 أبناء، يشغل جميعهم مناصب قيادية في حماس، ومنهم أيمن الذي شغل منصب المتحدث بإسم حركة حماس وكان أحد الشخصيات القيادية في الحركة.
بين صفوف المجاهدين
تعرف الشيخ محمد طه على جماعة الإخوان المسلمين في وقت مبكر بفلسطين وأصبح أحد قادتها بصحبة الشيخ أحمد ياسين، حتى أبعد مع ابنه أيمن ومع المئات من أبناء الحركة الإسلامية إلى مرج الزهور جنوب لبنان عام 1992.
يعد أحد القادة الأوائل لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وأحد الذين تبنوا فكرها وهي في طور التأسيس ديسمبر من عام 1987م، وكان ممن رافقوا الشيخ أحمد ياسين منذ البدايات وأخذوا يجوبون فلسطين طولاً وعرضاً إيذاناً بميلاد فجر جديد من رحم جماعة الإخوان المسلمين.
ويتحدث الراحل أبو أيمن في احدى لقاءاته الصحفية عن بداياته مع الأب الروحي أحمد ياسين " كان الشيخ يطوف مساجد القطاع داعياً إلى الله سبحانه في مطلع الستينيات، وراغبًا في إعادة الوعي الديني إلى نفوس الناس، فعملت معه، وجمعنا الهدف، وترافقنا في جولات وعظية بأراضي الـ48، وغزة".
وحين قررت الحركة الانخراط في العمل السياسي كان أبو أيمن من السبّاقين لقيادة هذا العمل، وأصبح من أبرز قيادات حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في المنطقة الوسطى بقطاع غزة. لم يألو أبو أيمن جهداً في نشر الدعوة بلسانه وتصرفاته، فكان دائماً يعطي للجميع المثل الطيب والقدوة الصالحة، ولذلك جرى انتخابه كرئيساً لبلدية البريج خلال الانتخابات البلدية إبان العام 2005 ، وتسنى له تولي مهامه في أعقاب أحداث حزيران 2007.
محنه
لم يسلم "أبو أيمن طه" من غطرسة الاحتلال حيث اعتقل ثماني مرات. حيث أُصيب وأعتقل من قبل إسرائيل عام 2003م وتم إطلاق سراحه عام 2004 بعد إحتجازه من دون محاكمة.
كما سجن مع الشيخ ياسين بسجن غزة في في شهر حزيران - يونيو سنة 1989. وبدأ التنكيل بأبو أيمن لسحب اعترافاتٍ منه، لكنّه عقّب على ذلك بقوله " حرضني الشيخ الياسين على الثبات، وثبتني الله أيامًا طويلة، وعجزوا عن إرغامي على الاعتراف بالتهم التي أحاكوها ضدي".
واعتقل جريحاً مع ابنه أيمن، ومن ثم سجن مع أولاده الثلاثة. وليس ذلك فحسب بل لوحق من أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية الفتحاوية حيث كان نصيبه السجن سبع مرات في سجون السلطة.
قدّم "أبو أيمن طه" نموذجاً للقائد الرباني الذي رهن حياته وأبنائه لدينه ووطنه حيث هدم الإحتلال بيته في مطلع شهر مارس 2003م، كما اغتالت قوات الاحتلال ابنه ياسر أحد أبرز مهندسي العبوات بكتائب الشهيد عز الدين القسام عندما استهدفته صواريخ الأباتشي في 12 يونيو - حزيران 2003م لتنال من زوجته الحامل وطفلتها الوحيدة "أفنان".
و عانى من العديد من المشاكل الصحية اضطرته للقيام برحلة العلاج استغرقت في الخارج 3 شهور زار خلالها مصر وقطر وسوريا ولبنان، وصف الشيخ رحلته بالناجحة والموفقة وشملت الرحلة عدة لقاءات كان أبرزها اللقاء الذي جمعه برئيس ديوان الأمير في دولة قطر، وكذلك اجتماعه بقادة "حماس" في الخارج وبأعضاء مكتبها السياسي وعلى رأسهم خالد مشعل وفي لبنان حيث التقى بممثل حماس أسامة حمدان، وبنائب رئيس الحركة الإسلامية.
وعبر عن امتعاضه الشديد من رفض السلطات الأردنية السماح له بدخول أراضيها، وحرمانه من فرصة الالتقاء بأخيه عز الدين الذي حرم من رؤيته منذ أمد بعيد.
وفاته
بعد صراع طويل مع المرض وفي 12 نوفمبر 2014م توفي الشيخ الداعية محمد طه "أبو أيمن" حيث أقيمت صلاة الجنازة عليه في المسجد الكبير بغزة وشارك فيها قادة الإخوان وحركة حماس وعلى رأسهم أبو العبد إسماعيل هنية ودفن في مقبرة البريج الرئيسية.
وقبل رحيل الشيخ أبو أيمن، قال في مقابلة صحفية
- " اليوم أثمر الزرع والحمد لله ثماراً طيبةً، ولا يزال يثمر وسيظل يثمر بإذن الله سبحانه، وسيكون من هذه الثمار الطيبة إن شاء الله النصر المؤزر، وقد بدأت تباشير ذلك والحمد لله".
قالوا عنه
وصف إسماعيل هنية الشيخ طه بأنه "تاريخ عميق في الحركة" منذ تأسيسها في كل مراحل تطورها وصعودها على المستوى السياسي والدعوى والعسكري.
وبدوره أثنى سالم سلامة النائب في المجلس التشريعي على عزيمة الشيخ طه، واصفاً إياه برجل العزائم، مستذكراً مواقف له أثناء الإبعاد إلى مرج الزهور وكيف أنه كان يأخذ بالعزائم ويترك الرخص في كل أموره.
ومن جهته قال القيادي في الحركة موسى السماك:
- " لقد ترك الراحل أبو أيمن طه الكثير من البصمات في سبيل الدعوة إلى الله وتأسيس أجيال قادت مسيرة العمل الإسلامي.
وأشاد السماك بجهود الشيخ التي قدمها في سبيل الدعوة والجهاد وخدمة أهالي المخيم من الأيتام والفقراء والأرامل وأهالي الشهداء والأسرى والجرحى . وثمّن السماك تضحيات عائلة طه المجاهدة التي لاقت الأسر والقتل والجراح بالصبر والثبات واحتساب الأجر عند الله.
المصادر
- وفاة محمد طه أحد مؤسسي حماس في غزة: صحيفة الرياض، العدد 16943، الخميس 20 محرم 1436 هـ - 13 نوفمبر 2014م
- حماس تجسد حياة مؤسسها طه بفيلم وثائقي: 12 نوفمبر 2015
- أبو أيمن طه: التهدئة تعبير عن حكمة "حماس" في إدارة المعركة والنصر حليف شعبنا
- تشييع جنازة “طه” أحد مؤسسي”حماس” في غزة: 13 نوفمبر 2014
- حماس تنعي أحد قادتها التاريخيين: 12 نوفمبر 2014
- محمد طه: الوسيط البحرينية، العدد: 4452 | الجمعة 14 نوفمبر 2014م الموافق 21 محرم 1436هـ
- روحُ أبو أيمن طه تلتقي مع "الياسين": موقع الرسالة، 12 نوفمبر 2014